في الواجهةمقالات قانونية

حق الإطلاع : بين الأسس والضوابط وفعالية الإجراءات

حق الإطلاع : بين الأسس والضوابط وفعالية الإجراءات

فهد أميل

باحث /حاصل على الماستر في قانون الأعمال

                                                                                     كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات

ملخص بالعربية :

إذا كان لكل نظام جبائي أهداف يرمي إلى تحقيقها فأنه لا بد أن يستند على ركائز وأسس تشكل في مجموعها مبررات للوصول إلى تلك الإهداف، وبالفعل فإن المراقبة الضريبية ترمي إلى تحقيق أهداف هامة أولها تحقيق العدالة وإعادة توزيع الدخل وتوفير الموارد المالية للدولة، وتحريك الاقتصاد الوطني وهو ما يقتضي الاستناد إلى مجموعة من الأسس التي تعتبر الإطار العام للمراقبة الضريبية.

     لذلك فالإطلاع، يعد من الأسس القانونية التي تخول للإدارة مراقبة وتطبيق التشريع الضريبي بناءاً على مقتضيات تشريعية تشكل إطاراً قانونيا لسلطات الادارة الضريبية في هذا المجال، بحيث لا يمكن أن تمارس إلا في إطار قواعد وإجراءات قانونية منصوص عليها من طرف المشرع، لأن هذه الضوابط تشكل حقوقا وضمانات لفائدة الملزمين تحميهم من كل تعسف أو تجاوز محتمل من قبل الإدارة الضريبية، كل ذلك من أجل خلق ظروف كفيلة بتأسيس ذلك الحوار المفترض كل في عمليات المراقبة الضريبية.

    ولما كان الإطلاع ، يقتضي سلوك الوسائل القانونية للمسطرة، وأن تلك الوسائل تستعملها كل من الإدارة والملزمين، فإن الأمر يقتضي تحديد الأساس والضوابط القانونية السليمة لممارسة هذا حق الإطلاع ، هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه من خلال هذه المقالة.

: Abstract

If every tax system has goals that it aims to achieve, then it must be based on pillars and foundations that together constitute justifications for reaching those goals. This requires relying on a set of foundations that are considered the general framework for tax control. Therefore, access is one of the legal bases that authorize the administration to monitor and apply tax legislation based on legislative provisions that constitute a legal framework for the tax administration’s powers in this field, so that it can only be exercised within the framework of legal rules and procedures stipulated by the legislator, because these controls constitute rights And guarantees for the benefit of those who are obligated to protect them from any possible arbitrariness or abuse by the tax administration, all in order to create conditions that ensure the establishment of that supposed dialogue in the tax control processes. And since viewing requires the behavior of the legal means of the ruler, and that these means are used by both the administration and those obligated, it is necessary to determine the basis and sound legal controls for exercising this right of viewing, and this is what we will try to shed light on through this article.

 

مقدمة  :

يعتبر حق الاطلاع ” تلك الصلاحيات المخولة للإدارة في الحصول على معلومات، وأخذ نسخ عند الاقتضاء من أي وثيقة أو مستند بحوزة أحد الأشخاص أو الجهات “، وهذا الحق لا يمكن أن تمارسه مديرية الضرائب إلا إزاء أشخاص محددين، وبصدد وثائق ومستندات بعينها، وهو أشمل من حق المراقبة الذي يتعلق بفحص دخول الملزمين، وذلك كله من أجل تعزيز موقع الادارة وتقوية وسائل تحرياتها حتى تستطيع التعرف بدقة وشمولية على دخول الملزمين، وبالتالي فرض ضرائب عادلة نسبيا، ومنسجمة مع القدرات التكليفية للملزم، وكشف المتهربين قصد إخضاعهم لعملية الفحص لاحقا.[1] فما هي أسس وضوابط استعمال هذا الحق؟ (المحور الأول)،وما هي إجراءاته المسطرية وحدودها؟ (المحور الثاني).

المحور الأول: أسس وضوابط حق الاطلاع

من خلال تفحصنا لمجموعة من النصوص المتعلقة بإبراز حق الإدارة في الاطلاع، يظهر لنا بأننا بصدد مجموعة من القواعد المسطرية ذات صبغة إلزامية يترتب على مخالفتها أو اعتراضها أثار قانونية وجزائية مهمة، لكن حدتها تختلف حسب أنواع الضرائب التي تضمنت تلك النصوص، وبالخصوص حسب الأشخاص المعنيية بهذه المسطرة والوثائق الخاضعة لها.

لذلك ارتأينا أن نتعرف على الأسس القانونية لممارسة حق الاطلاع، ثم بعد ذلك ضوابط استعمال هذا الحق.

أولا: الأسس القانونية لممارسة هذا الحق

لا يكاد يخلو قانون منظم لضريبة ما، إلا وتضمن فصلا خاصا ينظم حق الإدارة في الاطلاع على وثائق في ملكية أشخاص عامة أو خاصة الذين يتوفرون بحكم نشطاهم على وثائق من فاتورات وسجلات وغيرها، دونت فيها المعاملات التجارية والمهنية القائمة بين الأشخاص موضوع الاطلاع، وغيرهم من الزبائن والمتعاملين. وإن إدارة الضرائب وإنما ترى أن هذه الوثائق والسجلات تحتوي على معلومات مفيدة جدا لربط الضريبة أو تصحيح الرباط الضريبي الذي سبق أن قامت به بالنسبة لهؤلاء الزبائن والمتعاملين. لذلك أجاز لها القانون الحق في الاطلاع عليها، غير أنه يمكن أن نصادق تعارضا تاما بين هذا الحق وحق الممتسكين بهذه الوثائق في الحفاظ على السر المهني، وعدم تمكين أي كان من الاطلاع عليها. وهي إشكالية قانونية وعملية تحتاج إلى دراسة خاصة.[2]

 

 

  • النصوص القديمة المنظمة لحق الإطلاع:

إذا ما عدنا إلى النصوص التي وضعت قبل الإصلاح الجبائي الحديث، فسوف نلاحظ أن للإدارة حق واسع في الإطلاع على الوثائق المفيدة في مراقبة تطبيق القانون الجبائي، ومنها مثلا المادة 47 من قانون التسجيل، والمادة 25 من قانون التمبر، اللتان تدكران مجموعة من المؤسسات والأشخاص، الذين يمكن للإدارة أن تطلع على الوثائق التي بين أيديهم، من أجل الحصول على المعلومات المطلوبة، مثلما تذكر بالجزاءات المطبقة عند الامتناع من تمكين الإدارة من ممارسة حقها ذاك. ونجد المادة 21 من قانون ضريبة المهنة – Patente- يسمح لأعوان الضرائب الحضرية المكلفين بتقدير أساس ضريبة المهنة بأن يزوروا في كل فترة من السنة وفي الساعات القانونية الأماكن المستعملة لمزاولة التجارة أو الصناعة أو المهنة، ذلك للقيام بجميع التحريات المقيدة وأخذ جميع المعلومات الضرورية لربط الضريبة، ولا نج في هذه النصوص أية إشارة إلى حدود ممارسة هذا الحق، سوى ما حدد زمنيا في ساعات العمل، مما يعني أن الامتياز المخول للإدارة قصد الاطلاع على الوثائق والسجلات الممسوكة من طرف الأشخاص المعنيين امتيازا واسع.

ب- النصوص الحديثة المنظمة لحق الإطلاع:

هذه النصوص جاءت ضمن النصوص الضريبية في عهد الإصلاح الضريبي الحديث، وتتعلق أساسا بالضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الشركات، ثم الضريبة العامة على الدخل[3].

حيث نلاحظ قبل كل شيء أنها نصوص تتشابه في تركيبتها ومضمونها، ذلك أنها تتضمن جميعا عبارات تفيد الامتياز المخول للإدارة كعبارة “يجوز للإدارة – أو عبارة – جميع المعلومات التي من شأنها …” لكنها تتضمن في نفس الوقت إشارات مهمة تتعلق باحترام مبدأ السر المهني وهذا أمر جديد تتميز به الفصول الحديثة.[4]

ونشير في الأخير إلى أن تعدد الوثائق الخاضعة لحق الاطلاع تجعل منها حقا لا يشمل جميع الوثائق باختلاف أنواعها.

وفي هذا الاتجاه انصب الاجتهاد القضائي الفرنسي، حيث حدد حق الاطلاع في أن لا يشمل إلا الوثائق التي تتعلق بالنشاط الذي يمارسه المكلف أو الهيئة أو المقاولة دون أن يتعداه إلى وثائق قد تتعلق بالحياة الشخصية للفرد أو على وثيقة غير محاسبية[5].

ثانيا: ضوابط استعمال حق الإطلاع

يقتضي استعمال حق الإطلاع وجود مجموعة من الوسائل منها ما هو مرتبط بالأشخاص الذين يمارس عليهم هذا الحق، وأخرى متعلقة بنوع الوثائق التي يقع عليها، ثم مكان ممارسة هذا الحق.

  • الوثائق الخاضعة لحق الإطلاع:

يشمل حق الإطلاع جميع المعلومات أيا كانت طبيعتها، والتي من شأنها أن تساعد الإدارة الضريبية على تحديد أسس الضريبة ومراقبتها. ويمكن التمييز في حجم الوثائق التي تطلع عليها هذه الإدارة، بين الوثائق التي لا تتطلب جهدا من الإدارة الضريبية في الحصول عليها وهي التصريحات المدلى بها من طرف الملزمين والوثائق المرفقة بها، لأن هذه الوثائق توجد في مكاتب المفتشين ويمكنهم بسهولة الإطلاع عليها واستغلالها في ربط وتصحيح الضريبة، فهي إذن لا تستوجب أية إجراءات مسطرية من جهة، وبين الوثائق الموجودة في حوزة بعض الأشخاص الآخرين خارج إدارة الضرائب، والتي تلزم سلوك مسطرة خاصة من جهة تانية.

وإذا كان النوع الأول موضوع حق الإطلاع لا يشير للإدارة الضريبية أي إشكال من الناحية القانونية، فإن النوع الثاني من هذه الوثائق يحتاج إلى نوع من التحديد الدقيق، لذلك سمح المشرع المغربي للإدارة الضريبية الاطلاع على الوثائق المتوفرة لدى الإغيار، من خلال الحصول على جميع المعلومات التي من شأنها الإفادة في ربط ومراقبة الضرائب والوجبات والرسوم المستحقة على الغير، أن تطلب الإطلاع على[6]:

  • الأصل أو التسليم المغناطيسي أو على الورق وثائق المصلحة أو الوثائق المحاسبية الموجودة في حوزة إدارة الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات الخاضعة لمراقبة الدولة دون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني من جهة، والسجلات والوثائق التي توجب مسكها القوانين الجاري بها العمل، وكذا جميع العقود والمحررات والملفات الموجودة في حوزة الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين يزاولون نشاطا خاضعاً للضرائب والواجبات والرسوم. غير أن حق الإطلاع لا يمكن مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلوم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي من جهة ثانية.
  • سجلات التضمين التي يمسكها القضاة المكلفون بالتوثيق: يمارس حق الإطلاع بأماكن المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيين أو مؤسستهم الرئيسية ما عدا إذا قدم المعنيون بالأمر المعلومات كتابة أو سلموا الوثائق مقابل إيصال لمأموري الضرائب المحلفين الذين لهم على الأقل رتبة مفتش مساعد.
  • الإطلاع على المعلومات المتوفرة لدى إدارة الضرائب التابعة للدولة الأجنبية التي تربطها إتفاقية لتفادي ازدواجية فرض الضرائب على الدخل.
  • يمكن للإدارة الضريبية أن تطلب من المنشأة الخاضعة للضريبة بالمغرب – بالنسبة للعمليات المحققة مع منشأة توجد خارج المغرب – الإدلاء بمجموعة من المعلومات والوثائق المتعلقة بطبيعة العلاقات التي تربط المنشأة الخاضعة بالمغرب بالمنشأة المتواجدة خارج المغرب، وطبيعة الخدمات المقدمة أو المنتجات التي يتم تسويقها، ثم طريقة تحديد أثمان العمليات المحققة بين هذه المنشآت والعناصر التي تثبتها، وأخيراً أنظمة وأسعار فرض الضريبة على المنشآت المتواجدة خارج المغرب.

ويتم طلب المعلومات من هذه المنشآة وفق إجراءات التبليغ المحددة في المدونة العامة للضرائب[7].

بحيث يجب على المنشآت المعينة الادلاء لإدارة الضرائب بالمعلومات والوثائق المطلوبة داخل أجل ثلاثين يوماً الموالية لتاريخ تسليم الطلب. وفي حالة عدم الجواب على الطلب داخل هذا الأجل أو عدم توفر الجواب على العناصر المطلوبة تعتبر علاقة التبعية بين المنشآت قائمة[8].

ب- الهيئات والأشخاص الخاضعون لحق الإطلاع:

بمقتضى أحكام القانون الضريبي، يخصع لحق لاطلاع التالية صفاتهم:

  • الهيئات العمومية والتي تضم:
  • إدارات الدولة.
  • الجماعات الترابية (الجماعات، الجهات، العمالات…)
  • المؤسسات العمومية.
  • كل هيئة خاضعة لمراقبة الدولة.
  • محاكم التوثيق.
  • الأشخاص المزاولون لنشاط مهني:

وهم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الذين يزاولون نشاطاً خاضعا للضريبة[9].

وفي هده النقطة الاخيرة لا يمكن الخلط بين الاشخاص الطبيين و المعنويين في الخضوع للضريبة, بحيث لكل واحد شخصية قانونية مستقلة وهدا ما اكده القضاء الاداري في احد احكامه الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط ,حيث جاء في قاعدته ما يلي :

“تمتع الشركة كشخص معنوي بشخصية قانونية مستقلة عن ممثليها القانونيين كأشخاص ذاتيين يجعل اجراءات الفرض الضريبي الممارسة في مواجهة المدعي مباشرة غير مشروعة لانعدام أساسها”.[10]

 

ج – مكان ممارسة حق الإطلاع:

حددت المادة 214 من م.ع.ض: في فقرتها التانية الأماكن التي بالإمكان أن يتم فيها ممارسة حق الإطلاع، وهي:

  • أن يمارس بأماكن المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين أو مقر مؤسستهم الرئيسية.
  • أو بقيام المعني بالأمر بتقديم المعلومات المطلوبة كتابة إلى إدارة الضرائب.
  • أو بتسليم الخاضع لهذا الحق الوثائق المطلوبة إلى مأموري الضرائب مقابل إيصال[11]

المحور الثاني: حق الإطلاع بين فعالية الإجراءات المسطرية وحدود الممارسة

يقتضي ممارسة حق الإطلاع المرور بمسطرة دقيقة نصت عليها مدونة الضرائب، ويترتب عن ممارسته عدة آثار، ويصطدم بعدة حدود.

أولا: إجراءات مسطرة الإطلاع وآثارها.

رغم الصيغة التي حددت بها النصوص المتعلقة بحق الإطلاع، والتي تنح للإدارة امتيازات واسعة في هذا المجال، فإن نفس النصوص لا تخلو من قيود مسطرية، تنظم ممارسة هذا الحق تنظيما محكما ودقيقا، يتوخى حفظ حق الإدارة في الحصول على المعلومات المطلوبة، وحفظ حق الخاضع من عدم تجاوز السلطة وعدم ازعاجه. لذا حرص المشرع على أن تمارس هذه المسطرة ممارسة سليمة ودقيقة.

 

  • إجراءات مسطرة الإطلاع:

تنص المادة 214 من المدونة العامة للضرائب على ضرورة ممارسة الإطلاع في المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، أو في مؤسستهم الرئيسية، إلا أن خطر الإزعاج الذي يمكن أن تسببه هذه العملية[12]. أجاز المشرع للملزمين تقديم المعلومات كتابة أو تسليم الوثائق إلى مأموري الضرائب مقابل وصل. وقد اتضح أن هذه الطريقة فعالة نظرا لكونها توفر للإدارة حجة ثابتة في واجهة الملزم أثناء المراقبة، بما أن المعلومات المطلوبة قدمتها الجهة الخاضعة للضريبة كتابة وفي صيغة اعتراف.

ويتم عادة الإطلاع عن طريق طلب كتابي موجه في شكل رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو عن طريق تسليم الطلب باليد، إلى الأشخاص المعنيين مع وجوب ذكر العنوان الكامل للمصلحة التي وجهت الطلب، وكدا رقم هاتفها وذلك حتى يُمكن للشخص المقصود بالرسالة من توجيه الوثائق إلى المصلحة المعنية[13]، تفادياً لزيارة المفتش أو الاتصال بهذه الأخيرة قصد تحديد موعد الزيارة.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن بخصوص المدنوة لم تحدد مدة ممارسة هذا الحق داخل الأماكن التي يزاول فيها الخاضعون نشاطهم، أو أي أجل للاحتفاظ بهذه الوثائق المسلمة لمأموري الضرائب لنفس الغرض، وهذا يعتبر نقصا كبيرا من شأنه أن يسبب إزعاجا بالنسبة للخاضعين لمسطرة الإطلاع، سواء أثناء استقبال الهيئات المكلفة بالإطلاع في أماكن العمل، أو احتفاظ الإدارة بالوثائق المسلمة لها مدة طويلة قد تحرم المؤسسة الخاضعة للإطلاع من استغلال تلك الوثائق طوال تلك المدة.

كما أن نصوص المدونة لم تحدد عدد المرات التي يخضع فيها المكلف للإطلاع وإنما تركت ذلك لتقدير الإدارة وهذا نقص فادح في تنظيم حق الإطلاع يجب تداركه لتوفير حماية أكبر للملزم.

ب- آثار عدم الامتثال لحق الإطلاع:

أفرد المشرع لعدم الامتثال لطلب الاطلاع جزاءات مالية منصوص عليها في المادة 190 من المدونة العامة للضرائب. وتسلك الإدارة مسطرة قانونية[14] لتطبيق هذه الجزاءات في مواجهة الجهة المطلوبة منها الوثائق المحاسبية المشار إليها في المادتين 145 و146 أو رفضوا الخضوع لإجراءات المراقبة المنصوص عليها في المادة 212 قصد الإطلاع. إذ تعمد الإدارة على توجيه رسالة تدعو فيها الجهة المطلوبة منها الوثائق التقيد بالالتزامات القانونية داخل أجل خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة.

وبإنصرام هذا الأجل، وإذا لم تستجب الجهة المطلوبة منها الوثائق، تخبرها الإدارة بمقتضى رسالة ثانية بأداء غرامة مالية قدرها 2000 درهم وفق الشروط المقررة في المادة 229. وبالنسبة للضريبة على الدخل يتراوح مبلغ هذه الغرامة من 500 إلى 2000 درهم وإن اقتضى الحال غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم تأخير في حدود سقف 1000 درهم[15].

بيد أن هذه المقتضيات لا تطبق على إدارات الدولة والجماعات الترابية والقاضي المكلف بالتوثيق. وأرى أن هذا الاستثناء يحد من فعالية هذا هذا الحق، لأنه من أجل الحفاظ على الحقوق المالية للخزينة يجب إخضاع الهيئات العمومية لنفس الأحكام المطبقة على الأشخاص الخواص في حالة عدم الامتثال لطلب الإطلاع.

ثانيا: الحدود العملية لحق الإطلاع.

إن حق الإطلاع هو حق عام يمارس على مجموع الأشخاص والوثائق السابق ذكرها، لكنه يصطدم بمجموعة من المعوقات، يتعلق الأمر بالتزام بعض الخاضعين للضريبة بواجب كتمان السر المهني، وضعف الجزاء المترتبة عن مخالفة أحكام حق الإطلاع، ثم حدود مرتبطة بظروف ممارسة الإطلاع.

  • واجب كتمان السر المهني:

يثير مفهوم السر المهني الكثير من الغموض والإبهام النابعان أساساً من غياب أي تعريف من قبل المشرع الضريبي، وإنما اقتصر على التمييز بين تلك الوثائق التي تحتفظ بها الدولة والهيئات التابعة لها، والوثائق التي في ملك الخواص، فالبنسبة للأولى لا يمكن لمن يمسكها الاحتجاج بواجب كتمان السر المهني في مواجهة إدارة الضرائب، أما بالنسبة للتانية فإن المشرع استثنت بعضها بكون الاطلاع “لا يمكن أن يشمل مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي”[16].

هذا الاستثناء يظل مصدر غموض لكونه لم يحدد على وجه الدقة المهن المقصودة ولا نوع الوثائق المشمولة بواجب الحفاظ على السر المهني، وإنما ترك ذلك لإدارة الضرائب من خلال الدوريات التي تشرح كيفية تطبيق مقتضيات القانون الضريبي، حيث حصرت الأشخاص الذين يلتزمون بكتمان السر المهني في المحامون، الموثقون، العدول، المههندسون المعماريون، الخبراء المحاسبيين والمستشارين القانونيين …[17]

أما بخصوص الوثائق التي يمكن للإدارة الإطلاع عليها فهي لائحة الزبناء أو حساب هذا الزبون أو ذلك، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال الإطلاع على الملف الكامل لأحد الزبناء وإنما الاقتصار على المعلومات محددة أو وثائق معينة، وذات علاقة بالأنشطة التي يمارسها الزبناء[18]. والتي تفيد في الربط الصحيح للضريبة.

هذه إذن أولى الحدود التي نسجلها في ميدان المراقبة الضريبية في جانبها المتعلق بجمع المعلومات من خلال الاطلاع على السجلات والوثائق، وإذا كان المشرع لم يرسم حدود ممارسة حق الاطلاع بدقة، فإن إدارة الضرائب عملت من خلال الدوريات الصادرة عنها إلى تقنين هذا الحق وإعطاؤه مدلولا ضيقا من خلال تفسيرها لمقتضيات السر المهني، وذلك نظرا لامتداد حق الإطلاع وما قد ينطوي عليه من مخاطر تهدد الضمانات الأساسية التي أقرها المشرع لصالح الملزمين، لذلك ارتأت إدارة الضرائب عن طريق تأويلها أن تحد من مداه حماية لحقوق الملزم وضماناته الأساسية[19]. وهو سبب منطقي وجيد إلا أننا نحبد فكرة توسيع سلطات الإدارة وإمتيازاتها في هذا المجال، وبالمقابل معاقبة الموظف إذا ما ثبت سوء نيته في تعديه على حقوق الملزمين وحينئذ اللجوء إلى القضاء لمعرفة حدود الالتزام بالسر المهني وحجم الأضرار الناتجة عن خرق تلك المقتضيات، بمعنى أدق إعطاء الصلاحية للقضاء، عوض إدارة الضرائب في رسم حدود الالتزام بمقتضيات السر المهني عند ممارسة حق الإطلاع من طرف إدارة الضرائب.

ب – ظروف ممارسة حق الإطلاع:

يبقى الهدف من الاطلاع بعيد التحقق، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمقاولات كبيرة الحجم تكون شبكة علاقاتها بحجم اتساع نشاطها، مما يجعل من الصعب الاطلاع لديها كلها، كما أن ضرورة الاشعار التي فرضها القانون على الإدارة الضريبية تخلق نوعا من التضامن بين الشركاء الاقتصاديين أو الأغيار فلا يضعون تحت تصرف المغتش المحقق إلا الوثائق التي يعملون أنها لن تضر بمصلحة شريكهم[20].

ج- حدود مرتبطة بضعف الجزاءات:

كما أن العقوبات المالية المنصوص عليها في حالة الامتناع عن تقديم وثائق الاطلاع، هي ذاتها مصدر محدودية حق الاطلاع، فنظرا لضعف تلك العقوبات فقد تتفق المقاولة الخاضعة للفحص مع المتعامل معها، والتي طلب منها معلومات حول حجم العمليات التجارية التي تمت بينهما على ألا تجيب على طلب الاطلاع مقابل تعويضها عن الغرامة التي تكبدتها[21]، فالمقاولة تفضل أداء الغرامة – الزهيدة – على فقدان شريك لها.

عموما فإن حق الاطلاع يمثل حجر الزاوية في نظام المراقبة الضريبية باعتباره حلقة أساسية قبل بدء أية دراسة تحليلية ونقدية للوثائق المحاسبية[22]. إذ لا بد من جمع المعلومات والتوفر على الوثائق والمستندات اللازمة حتى يمكن الاستئناس بها ومقارنتها مع التصريحات المقدمة من طرف الملزم موضوع المراقبة، وبدون هذا الحق قد تجد الإدارة الضريبية نفثها منزوعة السلاح، الشيء الذي يهدد وبشكل مباشر، مقتضيات القانون الضريبي.

خاتمة :

ختاما يمكن القول، أن  الاطار عام الذي ينظم حقوق الإدارة الضريبية والسلطات الممنوحة لها  يتبين أن هذه الإدارة تمتلك من أجل ممارسة مهام المراقبة الضريبية عدة آليات ، ومن بينها (الاطلاع) وتشترك في كونها قرارات إدارية خاضعة لسلطتها التقديرية وتمارسها بالقدر الكافي لتحقيق أهدافها، لكنها تخضع لضوابط قانونية وإجرائية تهم شكليات ممارستها وموضوعية ترتبط بموضوع الحق نفسه، كما أنها تدخل في إطار الأعمال التخييرية التي تخول للإدارة أن تختار أي مسطرة للمراقبة قصد تحقيق أغراضها لكنها كذلك تخضع لضوابط المنازعة من حيث الشرعية دون الملاءمة.

كما أن حق الإطلاع، والذي يعتبر عصب المراقبة فإنه يظل الوسيلة الوحيدة التي من شأن تفعيلها تجاوز تلك الحالات التي تكون فيها المحاسبة صادقة ظاهريا لكنها لا تعكس الرقم الحقيقي لمعاملات الخاضعين نظرا لأن جزءا منهم يتم دون اللجوء للفاتورات. إن اعتبرا المحاسبة وسيلة إثبات وفي كل الحالات أصبح غطاءا واقعيا لعمليات الغش والتهرب الضريبيين، كما أن الصعوبات التي تواجه ممارسة حق الاطلاع والتي تتمثل في المقاومة التي يلاقيها المفتش في مزاولة مهمته، بالإضافة إلى ضعف الجزاءات المقررة في هذه الحالة تمثل حدودا حقيقية بالنسبة للمراقبة الضريبية.

 

 

[1]– محمد العليقي السباعي – المراقبة الجبائية في المغرب على ضوء نصوص الإصلاح الجبائي – بحث لنيل دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للادارة العمومية، المدرسة الوطنية للإدارة، 1993، ص11

[2] – عبد الغني خالد – المسطرة في القانون الضريبي المغربي ، مطبعة دار النشر المغربية  ، البيضاء ، الطبعة 2002 . ص 117.

[3] – المادة 39 من قانون الضريبة على القيمة المضافة تنص:

“يجوز لإدارة الضرائب كي تتمكن من الحصول على جميع المعلومات، التي من شأنها أن تفيدها في ربط ومراقبة الضريبة على القيمة المستحقة على الغير، أن تطلب الاطلاع على الأصل أو تسليم النسخ المغناطيسي أو على ورق لما يلي…”

  • وحسب نفس المادة: “تقدم المعلومات والوثائق المشار إليها أعلاه إلى مأموري قسم الضرائب على رقم المعلومات المحلفين الذين لهم على الأقل رتبة مفتش مساعد”.

[4] – عبد الغني خالد – م.س. ص: 118-119.

[5] – عزيزة هندار – المساطر الضريبية بين القانون والتطبيق ، دار ابي رقراق للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 2011 ، ص 20.

[6] – المادة 214 من المدونة العامة للضرائب.

[7] – المادة 219 من المدونة العامة للضرائب.

[8] – كريم لحرش – المنازعات الضريبية في القانون المغربي – سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 21، 2013، ص:16-17

[9] – عزيزة هندار، م.س، ص: 20-21.

[10] – حكم صادر بتاريخ 2 فبراير 2012 ملف رقم 2011/7/693 ق ش . المحكمة الإدارية بالرباط. حكم غير منشور.

[11] – سليمان بومزوغ – المراقبة الجبائية للمقاولة في المغرب – بحث لتيل دبلوم الماستر، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بوجدة. الموسم الجامعي 2011-2012 ص: 21-22.

[12] – عبد الغني خالد – المسطرة في القانون الضريبي المغربي – م.س – ص:127

[13] – يجب توجيه المعلومات والوثائق داخل أجل الثلاثين يوما (30) الموالية لتاريخ التوصل بالطلب.

[14] – راجع بهذا الخصوص المادة 229 و230 من م.ع.ض

المادة 229: إذا لم يقدم الخاضع للضريبة الوثائق المحاسبية المشار إليها بحسب الحالة في المادتين 145 و146 أعلاه أو رفض الخضوع للمراقبة الضريبية المنصوص عليها في المادة 212 أعلاه وجهت إليه رسالة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه، يدعوه فيها للتقيد بالالتزامات القانونية داخل أجل خمسة عشر (15) يوماً من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة.

إذا لم تقدم الوثائق المحاسبية داخل الأجل المشار إليه أعلاه، أخبرت الإدارة الخاضع للضريبة في رسالة -أعلاه- تبليغ وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه بتطبيق الغرامة المقدرة في المادة 191 وتمنحه أجلا إضافيا مدته خمسة عشر (15) يوما من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة للتقيد بالالتزامات المذكورة أو تبرير عدم وجود محاسبة.

إذا لم يقدم الخاضع للضريبة خلال هذا الأجل الأخير الوثائق المحاسبية أو لم يبرر عدم تقديمها فرضت عليه الضريبة تلقائيا دون سابق تبليغ تطبيق الغرامة التهديدية اليومية المنصوص عليها في المادة غير أنه يمكن المنازعة في الضريبة المذكورة وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 235 بعده191.

  • المادة 230: تسلك الإدارة المسطرة المنصوص عليها في المادة 225 أعلاه من أجل تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المادة 191 أعلاه، غير أن هذه الأحكام لا تطبق على إدارات الدولة والجماعات الترابية والقاضي المكلف بالتوثيق.

[15] – سلمان بومزوغ – المراقبة الجبائية للمقاولة في المغرب ، بحث لنيل دبلوم الماستر كلية الحقوق بسطات ، السنة الجامعية 2011/2012 ص:22

[16] – الفقرة التانية من. ب. من المادة 214 من م.ع.ض

[17] – فؤاد البملاسي – المراقبة الضريبية بين القانون والواقع ، رسالة لنيل دبلوم المستر كلية الحقوق بمراكش ، السنة الجامعية 2008/2009ص 43.

[18] – أسماء العلوي – تطبيقات الرقابة الجبائية على المقاولات في المغرب – رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق، جامعة المالك السعدي، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2007.2008 ص 113-114

[19] – Zoubida AZZOUZ – Fiscalité des entreprises ; Guide pratique (Impôts ; TVA ; ISF ; controle fiscal) édition EYROLLEE, 1990, P.264

[20]– فؤاد البملاسي – المراقبة الضريبية بين القانون والواقع – م.س، ص44

[21]– محمد شكيري – القانون الضريبي المغربي دراسة تحليلية نقدية – منشورات المجلة المغربية للإدارة والتنمية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 49، طبعة 2004 صفحة 266

[22]– Richard Chotin «le fisc, la petite entreprise et l’expert comptable : jeux d’action et stratégies judicieuses » Bibliothèque des sciences financières. TOME 32, LGDJ. P.103

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى