دور اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي في تشجيع العقود الإدارية الدولية بالمغرب – الدكتورة : مريم زان

دور اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي في تشجيع العقود الإدارية الدولية بالمغرب
The Role of International Double Tax Avoidance Agreements in Encouraging International Administrative Contracts in Morocco.
الدكتورة : مريم زان
دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط
الملخص:
يعتبر التعاون الدولي في المجال الضريبي إحدى الركائ ز الأساسية لتحفيز الاستثمار وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول. وفي هذا الإطار، تلعب اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي دورًا هامًا في تحسين مناخ الأعمال، خاصة فيما يتعلق بالعقود الإدارية الدولية. هذه الاتفاقيات، التي يبرمها المغرب مع شركائه الدوليين، تهدف إلى إزالة العوائق الضريبية التي تعترض الشركات الأجنبية، مما يجعل البلاد بيئة جذابة لتنفيذ المشاريع الكبرى المرتبطة بالعقود الإدارية.
كلمات المفاتيح: اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي – العقود الإدارية الدولية- تحفيز الاستثمار – الشركات الأجنبية
Abstract:
International cooperation in the field of taxation is one of the key pillars for stimulating investment and strengthening economic relations between countries. In this regard, double tax avoidance agreements play an important role in improving the business climate, especially concerning international administrative contracts. These agreements, signed by Morocco with its international partners, aim to eliminate the tax barriers faced by foreign companies, making the country an attractive environment for implementing large-scale projects related to administrative contracts.
Keywords : Double Tax Avoidance Agreements – International Administrative Contracts – Investment Stimulus – Foreign Enterprises.
مقدمة:
تتميز العقود الإدارية ذات الطابع الدولي بطبيعة خاصة، وذلك لما تمثله من أهمية كبري بالنسبة للمستثمرين الأجانب والدول النامية على حد سواء، فبالنسبة للمستثمر الأجنبي فهذه العقود تساعده على إيجاد أرض خصبة لإنشائه المشروعات والاستثمارات الضخمة التي تدر عليه الأموال الكثيرة، وتساعد تلك العقود أيضا الدول النامية على بناء هياكل اقتصادية جديدة، وتنظيم البنية الأساسية لها وإدارة مرافقها العامة على نحو يأخذ بيد الدول النامية للوقوف على أسباب التقدم الحضاري، فهذه العقود كانت بمثابة طوق النجاة لهذه الدول، وخاصة في عدم قدرة مواردها المالية على القيام بتلك الاستثمارات التي تحتاج إليها تلك الدول . إلا أن هذه العقود قد تواجه عقبات قانونية وضريبية قد تؤدي إلى إبطاء أو تعقيد تنفيذها، ومن بين هذه العقبات مسألة “الازدواج الضريبي”.
فالازدواج الضريبي يحدث عندما تُخضع دولتان أو أكثر نفس الدخل أو النشاط الاقتصادي للضريبة، لتجنب هذه الإشكالية التي قد تعيق تدفق الاستثمارات والتعاون الدولي، يتم توقيع اتفاقيات دولية لتجنب الازدواج الضريبي.
في المغرب، يلعب دور هذه الاتفاقيات الدولية دورًا محوريًا في تشجيع العقود الإدارية الدولية، حيث تساهم اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي بشكل أساسي في تقليل الأعباء الضريبية التي تواجه الشركات الأجنبية عند إبرامها عقودًا إدارية دولية مع الحكومة المغربية.
بفضل هذه الاتفاقيات، يصبح السوق المغربي أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين، حيث يضمنون عدم تحمّلهم ضرائب مرتفعة في المغرب وفي بلدانهم الأصلية على نفس الأنشطة الاقتصادية. هذا التشجيع يؤدي إلى زيادة تدفق العقود الإدارية الدولية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والطاقة، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية في المغرب.
سنتطرق في هذه الدراسة لموضوع: دور اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي في تشجيع العقود الإدارية الدولية بالمغرب
وسنحاول الإجابة على الإشكالية التالية:
كيف تساهم اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي في تشجيع العقود الإدارية الدولية بالمغرب؟ وما هي آثار هذه الاتفاقيات على البيئة الاستثمارية بالمغرب؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد على المحاور التالية:
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للعقود الإدارية الدولية والازدواج الضريبي الدولي
المطلب الثاني: أثر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي على تشجيع إبرام العقود الإدارية الدولية
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للعقود الإدارية الدولية والازدواج الضريبي الدولي
لتحديد ماهية العقود الإدارية الدولية والازدواج الضريبي الدولي، لابد من إعطاء تعريف مفهوم العقود الإدارية الدولية (فقرة أولى)، ثم تعريف الازدواج الضريبي الدولي (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: ماهية العقود الإدارية الدولية
سنتطرق في هذه النقطة لمفهوم العقود الإدارية الدولية (أولا) وأنواع هذه العقود (ثانيا).
أولا: مفهوم العقود الإدارية الدولية
تعتبر العقود الإدارية الدولية من الأدوات الحيوية لتطوير الاقتصاد المغربي، خاصة في ظل العولمة والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، من خلال تنفيذ مشاريع كبيرة ومعقدة في مجالات البنية التحتية، الطاقة، المياه.
اختلف الباحثين في تعريف العقود الإدارية الدولية:
هناك من عرف العقد الإداري الدولي أنه “العقد المبرم بين الدولة أو أحد الأجهزة التابعة لها مع شخص أجنبي، بغرض إنشاء التزامات تعاقدية، قد تستخدم فيها الدولة سلطتها العامة أو لا تستخدمها ” .
أو أنه ” عقد تبرمه الدولة بوصفها سلطة عامة، أو يبرمه شخص معنويا مع شخص طبيعي أو معنويا من رعايا دولة أخرى، وقد يكون موضوعه استغلال الثروات الطبيعية للدولة أو أشغال صناعية” .
وعرف أيضا “العقد الذي تبرمه الدولة أو أحد الأجهزة الإدارية التابعة لها والموكول إليها تأدية الخدمة العامة للأفراد من جهة وبين الطرف الأجنبي سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباريا يتمتع بالصفة القانونية، والهدف من هذه العقود هو إنشاء مشاريع ضخمة واستثمارات من شأنها إعادة هيكلة المرافق العامة وتأهيلها لمواكبة التقدم على أن يتضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة فى القانون الخاص، مثل: إعطاء الطرف الأجنبي الحق في اختيار الجهة التي تختص بالفصل في النزاع الذي قد يثور بشأن تنفيذ العقد ” .
هكذا يمكن تعريف العقود الإدارية الدولية: ” هي اتفاقيات قانونية تُبرم بين جهة إدارية عامة (مثل الدولة أو إحدى مؤسساتها) وأطراف أخرى أجنبية (مثل شركات دولية، أو دول أخرى)، بهدف تنفيذ مشروع أو تقديم خدمات أو توريد سلع تُعتبر ذات طبيعة عامة، تتميّز هذه العقود بأنها تخضع لقواعد قانونية تختلف عن القوانين العادية، حيث تندرج غالباً تحت ما يُعرف بالقانون الإداري الدولي أو تخضع لأنظمة دولية خاصة.”
وعليه، تتميز هذه العقود بمجموعة من الخصائص وهي:
الطابع الدولي: أحد أطراف العقد عادة ما يكون أجنبياً أو يشمل العقد عناصر خارج الحدود الوطنية؛
الجهة الإدارية: الطرف الأساسي هو جهة إدارية تُمثل المصلحة العامة؛
الطبيعة الخاصة للقانون المطبق: تُطبّق غالباً قوانين وأنظمة مختلفة عن القوانين الوطنية أو تخضع لقواعد القانون الدولي؛
تحقيق المنفعة العامة: يكون الهدف من العقد مرتبطاً بخدمة أو مصلحة عامة.
آليات فض النزاعات الدولية: قد تُستخدم هيئات تحكيم دولية أو قوانين دولية لحل الخلافات التي تنشأ.
ثانيا: أنواع العقود الإدارية الدولية
تتنوع العقود الإدارية الدولية، وتتعدد صورها بحسب حاجة الدول لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية بها، ولعل من أهم نماذج هذه العقود وأكثرها شيوعا هي عقود الأشغال الدولية، عقود امتياز البترول، وكذلك عقود التعاون الصناعي، هي كالتالي:
عقود الأشغال الدولية
تمثل عقود الأشغال الدولية أهمية خاصة في مجال النهوض بمشروعات التنمية ونقل التكنولوجيا، حيث تُبرم هذه العقود لتنفيذ مشاريع كبيرة تتعلق بالبنية التحتية أو الإنشاءات، مثل بناء المطارات، السدود، أوالسكك الحديدية. غالباً ما تشترك شركات دولية في هذه العقود لتقديم خبراتها أو مواردها التقنية .
عقود امتياز البترول
يعرف هذا العقد بأنه “أحد صور عقود البترول، بمقتضاه تمنح الدولة لشركة أجنبية الحق المطلق في البحث والتنقيب عن المواد البترولية الكامنة في إقليمها، أو في جزء منه والحق في استغلال هذه الموارد والتصرف فيها وذلك خلال فترة زمنية معينة في مقابل حصول هذه الدولة على عائد مالي” .
تتميز عقود البترول عن بقية العقود الأخرى، إذ أنها لا تنصب على عملية واحدة، وتنقضي بمجرد تنفيذها، وإنما تنصب على أكثر من عملية واحدة، فيتضمن عقد البترول البحث والتنقيب عن البترول وإنتاجه واستغلاله في حالة اكتشافه بجانب ذلك قد يتضمن العقد العديد من العمليات الأخرى المتعلقة بالعقد مثل نقل البترول المنتج وتكريره وتسويقه وذلك وفقا لشروط العقد .
عقود التعاون الصناعي
تعتبر عقود التعاون الصناعي من العقود الحديثة نسبيا، حيث ترجع نشأتها إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي، فقد ظهرت إبان التطور والتحول التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم، وكنتيجة للحاجة إلى نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، وتتضمن عقود التعاون الصناعي صورا متعددة من العقود التي تهدف إلى تحقيق التقدم التكنولوجي والصناعي ومن أهمها، عقود نقل التكنولوجيا وعقود المساعدة الفنية .
وعليه، تعد العقود الإدارية الدولية من الأدوات القانونية والاقتصادية المهمة التي تساهم في تعزيز التعاون الدولي، سواء على مستوى الاستثمار أو تقديم الخدمات، وهذه العقود تلعب دورًا محوريًا في تسهيل تنفيذ المشاريع الكبرى التي تتطلب مشاركة أطراف دولية.
الفقرة الثانية: ماهية الازدواج الضريبي الدولي
لتحديد ماهية الازدواج الضريبي الدولي يلزم إعطاء تعريف لظاهرة الازدواج الضريبي الدولي (أولا) وبيان أسباب الازدواج الضريبي الدولي (ثانيا).
أولا: مفهوم الازدواج الضريبي الدولي
تعتبر الضريبة مظهر من مظاهر سيادة الدولة في إقليمها وتفرض على جميع المواطنين والمقيمين خارج الدولة طبقاً لمبدأ التضامن الاجتماعي، وقد يؤدي هذا الأمر تعرض بعض الأفراد لدفع الضريبة مرتين أو أكثر على نفس المادة الخاضعة للضريبة لأكثر من سلطة مالية وهنا قد يحدث الازدواج الضريبي .
يعرف الازدواج الضريبي الدولي بأنه ” فرض الضريبة نفسها مرتين على نفس المكلف والمال وفي أثناء السنة نفسها .
كما يعرف أنه”فرض الضريبة على نفس الشخص المكلف بالضريبة، أكثر من مرة، على نفس المادة الخاضعة للضريبة وخلال نفس المدة” .
يمكن تعريف الازدواج الضريبي الدولي هو “الحالة التي يخضع فيها نفس الدخل أو النشاط الاقتصادي للضريبة في دولتين مختلفتين، يحدث ذلك غالباً في العقود الدولية حيث تقوم الشركات الأجنبية بتنفيذ مشاريع في دول أخرى، وتصبح خاضعة للضرائب في كل من دولتها الأم والدولة المستضيفة”.
هكذا يتحقق الازدواج الضريبي الدولي نتيجة قيام سلطات مالية تابعة لدول مختلفة بتطبيق تشريعاتها الضريبية على نفس الوعاء، ومن المعروف أن كل دولة تستقل بوضع تشريعها الضريبي بما يتماشى مع مصلحتها الخاصة ويحقق أهدافها دون النظر إلى باقي التشريعات الضريبية المقارنة، ومن هذا يجد المكلف نفسه مخاطبا بقانون الدولة الأولى استنادا إلى مبدأ الجنسية وبقانون الدولة الثانية استنادا إلى فكرة التوطن، وبقانون الدولة الثالثة استنادا إلى موقع المال، وبالتالي تفرض الضريبة على هذا المكلف عن نفس المادة بواسطة سلطات الدول الثلاث المتقدمة ” .
يشترط لوجود الازدواج الضريبي الدولي توافر الأركان الآتية :
حدة الضريبية: بمعنى أن تكون ضريبتان من نوع واحد كضريبتي الدخل أو ضريبتي الرأس المال؛
وحدة المكلف: بمعنى أن تفرض الضريبة مرتين أو أكثر على نفس الشخص أو المكلف أو الملزم؛
وحدة الوعاء الخاضع للضريبة أو المادة الخاضعة للضريبة: بمعنى فرض الضريبة على نفس المادة سواء كانت دخلا أو رأس مال أكثر من مرة.
ثانيا: أسباب الازدواج الضريبي الدولي
ترجع أسباب ظاهرة الازدواج الضريبي الدولي مع بداية ظهور فكرة الضريبة باعتبارها كمورد مالي مهم تعتمد عليه الدول في تمويل ميزانية الدولة، وأصبحت ظاهرة الازدواج الضريبي الدولي مشكلة حقيقية عندما بدأ الأفراد بالتنقل خارج حدود دولتهم الأصلية ويمارسون النشاط الاقتصادي.
إن ممارسة كل دولة حق سيادة في فرض الضرائب من دون الأخذ بالاعتبار للتشريعات الأخرى للدول من أجل تحقيق مصلحتها الوطنية وزيادة حصيلة الضرائب، فأصبحت مشكلة الازدواج الضريبي تثير اهتمام الباحثين من أجل إيجاد الحل لها ولعل أهم الأسباب الازدواج الضريبي الدولي هي كالاتي :
اختلاف ضوابط الإخضاع الضريبي
يمكن إرجاع تطبيق القانون الضريبي إلى ثلاث مبادئ هي :
– مبدأ التبعية السياسية؛
– مبدأ التبعية الاقتصادية؛
– مبدأ الشعبة الاجتماعية.
ينطوي مبدأ التبعية السياسية على إقرار حق الدولة في فرض الضرائب على جميع مواطنيها، وذلك بالنسبة لجميع أموالهم ودخولهم بصرف النظر عن مصدرها (ضابط الجنسية) بينما ينطوي مبدأ التبعية الاقتصادية على إقرار حق الدولة في فرض الضرائب على جميع الدخول التي تنشأ في أقاليمها بصرف النظر عن جنسية أو موطن الأشخاص الذين يؤول إليهم ضابط المصدر، ويقرر مبدأ التبعية الاجتماعية حق الدولة في فرض الضرائب على جميع الدخول التي تؤول إلى الأشخاص الذين اتخذوا من الدولة موطنا لهم بصرف النظر عن مصدر هذه الدخول (ضابط الموطن)، ومما لا شك فيه أن اختلاف الضوابط المحددة للاختصاص الضريبي يؤدي إلى تنازع قوانين الضرائب في أكثر من دولة واحدة بالنسبة للشخص نفسه أو المال نفسه .
تقدم فنون الإنتاج : الأمر الذي أدى إلى نشأة صناعات ضخمة تقوم بها شركات تمارس نشاطها في أكثر من دولة، نظرا لأن السوق المحلية لا تكفي لتصريف منتجاتها مما يجعلها عرضة لأن تفرض الضريبة على أرباحها في أكثر من دولة في نفس الوقت، مثال ذلك الشركات متعددة الجنسيات أوكما تسمى أيضا بالشركات عابرة القارات التي تمارس نشاطها في أكثر من دولة ؛
غياب التنسيق بين الدول في مسائل الضرائب: مما يجعل كل دولة ترى أنها صاحبة الحق في فرض الضريبة، خاصة أنه لا توجد سلطة عليا تسيطر على التشريعات الضريبية المختلفة ؛
تعدد ضوابط الإخضاع الضريبي: ينشأ الازدواج الضريبي الدولي بسبب تعدد الضوابط الإخضاع الضريبي، من أجل تحصيل أكبر حصيلة ممكنة من الإيرادات وذلك من خلال فرض الضريبة على دخول الأشخاص المقيمين في كل دولة بعض نظر عن مصدرها، وعلى دخول الأشخاص غير مقيمين بالنسبة لدخولهم التي تتحقق في كل دولة .
نظرا للآثار السلبية التي تترتب على الازدواج الضريبي التي من شأنها أن تعرقل حركة التجارة الدولية بصفة عامة، وحركة انتقال رؤوس الأموال بين الدول بصفة خاصة، فإن الدول تعمل جاهدة على وضع الوسائل اللازمة لتجنيه ومحاولة منعه، وتمثلت هذه المجهودات في إبرام اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي.
المطلب الثاني: أثر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي على تشجيع إبرام العقود الإدارية الدولية
يمكن للدول أن تتلافى الازدواج الضريبي الدولي عن طريق ابرام اتفاقيات الجبائية الدولية التي تسعى إلى وضع حدود لمجال التدخل الضريبي لدولة ما بالنسبة لدولة أخرى، ومن أجل تفادي أي تداخل لهذا المجال على حساب المكلف.
وعليه سنتناول في هذه النقطة أثر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي المبرمة بين المغرب ودول أجنبية على إبرام العقود الإدارية الدولية (فقرة أولى) ثم الإشارة إلى أهم التحديات والمخاطر المرتبطة بهذه الاتفاقيات (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي وإبرام العقود الإدارية الدولية
تعتبر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي تلعب دورا مهما في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول وحماية حقوق المستثمرين والشركات.
سنتطرف بداية لأهمية اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي على البيئة الاستثمارية (أولا) ثم الإشارة إلى بعض العقود الدولية المبرمة مع المغرب والدول الأجنبية التي كانت نتيجة اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي (ثانيا).
أولا: أهمية اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي على البيئة الاستثمارية
تعتبر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي معاهدات دولية يكون موضوعها ضريبي محض، تقوم بتنظيم العلاقات الضريبية بين دولتين أو أكثر بالنسبة مجموعة من الضرائب .
كما يمكن تعريف هذه الاتفاقيات بأنها اتفاقيات دولية تُبرم بين دولتين أو أكثر بهدف منع فرض ضريبتين على نفس الدخل أو النشاط الاقتصادي، تهدف هذه الاتفاقيات إلى توزيع الحقوق الضريبية بين الدول بشكل متوازن وعادل، بما يضمن عدم فرض ضريبة مزدوجة على الأفراد أو الشركات.
يوجد نوعان من الاتفاقيات الجبائية، اتفاقيات جنائية ثنائية وأخرى متعددة الأطراف، حيث يتمثل النوع الأول في تلك المعاهدات الجبائية التي تبرم بين دولتين فقط، وهو الشكل الأكثر شيوعا، وما يميزها هو سهولة التوصل إلى اتفاق حول الإجراءات والأساليب التي يمكن من خلالها تنظيم العلاقات الضريبية بين الدولتين المتعاقدتين وتجنب حدوث مشكلة ازدواج ضريبي بالنسبة المكلفين الذين تربطهم علاقات اجتماعية (الإقامة) واقتصادية (ممارسة نشاط اقتصادي بالبلدين معا، إذ تعد أكثر فعالية لحل تلك المشكل .
أما بالنسبة للاتفاقيات الجبائية متعددة الأطراف فتبرم بين أكثر من دولتين، ونادرا ما يتم اللجوء إلى عقد مثل هذه المعاهدات، لأن الوصول إلى حلول للمشاكل الضريبية بين مجموعة من الدول يعتبر عملية صعبة ومعقدة وتتطلب جهودا كبيرة للتنسيق من أجل إرضاء جميع الأطراف، خاصة في ظل اختلاف الأنظمة الضريبية لكل منها .
في هذا الصدد، بذلت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية جهود كبيرة في محاولة القضاء على مشكلة الازدواج الضريبي التي تعيق نمو التجارة الدولية، وتؤثر سلبا على انتشار الاستثمار الأجنبي في مختلف دول العالم ، حيث قامت هذه المنظمة بإنشاء اللجنة الضريبية للمنظمة سنة 1956 ، حيث قامت هذه اللجنة بإعداد مشروع لتجنب الازدواج الضريبي الدولي، ونشرت تقرير بعنوان القضاء على الازدواج الضريبي الدولي، ثم قامت منظمة (OCDE) بنشر الاتفاقية الخاصة بالازدواج الضريبي عام 1966، وتعد هذه الاتفاقية إحدى المراجع المهمة المعتمدة من طرف معظم دول العالم عند إبرامها الاتفاقيات الحبائية .
عموما فأهمية اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي تتمثل في :
تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر؛
حماية الشركات والمستثمرين من تحمل ضرائب مكررة؛
زيادة الثقة في الأنظمة الضريبية للدول المتعاقدة؛
تعزيز التعاون بين الدول في تبادل المعلومات الضريبية؛
دعم العلاقات الاقتصادية الثنائية.
هكذا، تعد اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي أداة هامة في تشجيع العقود الإدارية الدولية في المغرب، حيث تساهم في خلق بيئة اقتصادية مستقرة، شفافة، وجاذبة للاستثمارات، مما يعزز التعاون الدولي ويسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ثانيا: بعض اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي المبرمة بين المغرب والدول الأجنبية
تتمثل تأثير اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي على العقود الإدارية الدولية بالمغرب:
تشجيع المستثمرين الأجانب:بفضل هذه الاتفاقيات، يتم تقليص المخاطر المالية المتعلقة بالضرائب، مما يجعل المغرب وجهة استثمارية جذابة. فالمستثمرون الأجانب، سواء كانوا شركات أو أفرادًا، يتمتعون بحماية من الازدواج الضريبي الذي قد ينشأ من دخولهم في عقود مع الحكومة المغربية.
تقليل العبء الضريبي على المستثمر: بفضل هذه الاتفاقيات، يتم توزيع الأعباء الضريبية بشكل منصف بين الدولتين المتعاقدتين، مما يخفف من التكاليف على المستثمرين الأجانب، هذا الأمر يعزز من جاذبية المغرب كوجهة استثمارية، خاصة فيما يتعلق بالعقود الإدارية الدولية المرتبطة بالبنية التحتية والطاقة والخدمات؛
تعزيز الثقة بين الدول المتعاقدة والمستثمرين: من خلال توقيع اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي، يؤكد المغرب التزامه بتوفير بيئة قانونية وضريبية شفافة وعادلة، هذا يعزز ثقة المستثمرين الأجانب، الذين يرغبون في استثمار أموالهم في مشاريع دون الخوف من العواقب الضريبية المزدوجة؛
تحسين الكفاءة الضريبي: تعمل هذه الاتفاقيات على تنظيم عملية تحصيل الضرائب بشكل فعال بين المغرب والدول الأخرى، مما يسهل على الشركات والمستثمرين معرفة ما هو مطلوب منهم ضريبيًا دون تشويش أو تضارب بين القوانين الضريبية المحلية والأجنبية.
بعض الأمثلة التي تُبرز تأثير اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي التي وقّع عليها المغرب مع عدد من الدول، والتي لعبت دورًا مهمًا في تشجيع العقود الإدارية الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث نجد:
مشروع القطار فائق السرعة (TGV) بين المغرب وفرنسا
اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين المغرب وفرنسا ساعدت في تعزيز التعاون بين الحكومتين والشركات الفرنسية لتنفيذ مشروع البنية التحتية الضخم المتعلق بالقطار فائق السرعة، هذه الاتفاقية أسهمت في تخفيف الأعباء الضريبية على الشركات الفرنسية المشاركة مثل “ألستوم”، مما شجعها على إبرام العقد مع المغرب وتنفيذ المشروع بنجاح.
مشروع “نور” للطاقة الشمسية
تُعدّ اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين المغرب خاصة مع فرنسا والإمارات العربية المتحدة مثالاً آخر على تأثير الاتفاقيات الضريبية في دعم العقود الدولية، في هذا المشروع ساهمت الاتفاقية في تخفيف التكاليف الضريبية على الشركات المشاركة في بناء واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، هذه الخطوة جعلت العقود أكثر جاذبية للشركات الأجنبية.
مشاريع البنية التحتية مع الإمارات العربية المتحدة
بفضل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي بين المغرب والإمارات، تم تعزيز التعاون في مشاريع كبرى مثل تطوير الموانئ والبنية التحتية، الاتفاقية قلّلت الأعباء الضريبية على الشركات الإماراتية المشاركة، ما ساعد في إبرام عقود مع الحكومة المغربية لتنفيذ مشاريع استراتيجية.
تُظهر هذه الأمثلة أن اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي التي وقع عليها المغرب أسهمت بشكل كبير في جذب استثمارات دولية وتنفيذ عقود إدارية مع الحكومة المغربية، فهذه الاتفاقيات تساعد في تخفيف الأعباء الضريبية وتعزيز الثقة بين الشركات الأجنبية والحكومة، ما يؤدي إلى مشاريع بنى تحتية ضخمة وتحفيز نمو الاقتصاد المحلي.
الفقرة الثانية: التحديات والمخاطر المرتبطة باتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي
رغم الفوائد الكبيرة لاتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تعيق تحقيق أقصى استفادة منها:
التفاوت في الأنظمة الضريبية: تختلف الأنظمة الضريبية بين الدول الموقعة، وقد يتسبب ذلك في بعض الغموض للمستثمرين؛
التطورات التشريعية: قد تؤدي التغييرات في القوانين الضريبية سواء في المغرب أو الدول الشريكة إلى ضرورة إعادة النظر في بعض بنود الاتفاقيات؛
التفاوض المعقد: إبرام اتفاقيات دولية لتجنب الازدواج الضريبي يتطلب مفاوضات طويلة ومعقدة بين الدول، يجب أن تكون هذه الاتفاقيات متوازنة بحيث لا تضر بمصالح أي من الأطراف المتعاقد؛
التأثير على السيادة الضريبية: تطبيق الاتفاقيات قد يحد من حرية الدولة في فرض الضرائب على بعض الأنشطة الاقتصادية، مما قد يقلل من عائدات الخزينة العامة في بعض الحالات.
لتجنب التحديات المرتبطة بتطبيق اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي في المغرب وتحقيق أقصى استفادة منها في تعزيز العقود الإدارية الدولية، يمكن اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات على عدة مستويات أهمها:
مراجعة دورية للاتفاقيات: يجب على المغرب مراجعة الاتفاقيات بشكل دوري مع شركائه التجاريين والدول الموقعة عليها لضمان استمرار توافقها مع التغيرات التشريعية والاقتصادية، يمكن تعديل أوتحسين الاتفاقيات لتبسيط النصوص المعقدة وضمان تطبيق أكثر فعالية؛
تعزيز التعاون الضريبي: يجب على المغرب تعزيز التعاون مع الدول الأخرى لتبادل المعلومات الضريبية وضمان عدم وجود تضارب بين القوانين الضريبية الوطنية والدولية، هذا التعاون يمكن أن يقلل من المخاطر المتعلقة بالتهرب الضريبي ويعزز الشفافية؛
تشجيع الحلول البديلة للنزاعات لتسوية النزاعات: يمكن تحسين تطبيق الاتفاقيات من خلال إنشاء آليات فعّالة لتسوية النزاعات بين الدول حول تطبيق اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي، يمكن أن تكون هذه الآليات إما محلية أو دولية، مثل التحكيم الضريبي أو لجان مشتركة لحل النزاعات؛
تحفيزات ضريبية إضافية: يمكن أن يقدم المغرب حوافز ضريبية إضافية للمستثمرين الأجانب الذين يلتزمون بعقود إدارية طويلة الأمد، مثل تخفيضات ضريبية على الأرباح المحققة من مشاريع ذات أولوية تنموية.
ختاما: تلعب اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي الدولي دور حيوي في تعزيز العقود الإدارية الدولية بالمغرب، حيث تسهم في تحفيز الاستثمارات الأجنبية، تحسين بيئة الأعمال، ودعم التعاون الاقتصادي. هذه الاتفاقيات تساهم في خلق مناخ ملائم للمستثمرين المحليين والأجانب، مما ينعكس إيجابيًا على النمو الاقتصادي والتنمية في البلاد.
لائحة المراجع المعتمدة:
1- المؤلفات:
مصطفى ابراهيم، العقود الإدارية في ضوء نصوص قانون 182 لسنة 2018؛
محمد عبد العزيز بكر، العقد الإداري عبر الحدود، القاهرة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية 2000؛
عصمت عبد الله الشيخ، التحكيم في العقد الإدارية ذات الطباع الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة 2003؛
محمد عباس محرزي، اقتصاديات الجباية والضرائب، دار هومة، الطبعة الثانية، الجزائر، 2003؛
عادل احمد حشيش، اساسيات المالية العامة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1992.
2-الرسائل:
بوقروة ايمان، كيفية تفادي الازدواج الضريبي الدولي في إطار الاتفاقيات الجبائية الدولية دراسة حالة الاتفاقية الجبائية الجزائرية الفرنسية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير،جامعة سكسكدة.
3- المقالات:
هاني عبد الكريم، الازدواج الضريبي الدولي – المغرب كنموذج، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية، عدد 2/2012.
أقنوش مولود، دور الاتفاقيات الدولية في تجنب الازدواج الضريبي في تشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر في الجزائر، المجلة الجزائرية للاقتصاد والمالية، العدد 5 – أبريل 2016؛
نزية عبد المقصود محمد مبروك، ظاهرة الازدواج الضريبي وموقف الشريعة الإسلامية منها، مجلة كلية الشرعة والقانون بطنطا بجامعة الازهر، مجلة فصلية علمية محكمة، الجزء الثاني، العدد 37 / 2022.