سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية – الاصدار 45 دجنبر 2022 -الإختصاص القضائي في عقود التجارة الإلكترونية– الباحث : أنس المدن
في السنوات الأخيرة، استطاع الانترنيت أن يحل محل نظام التبادل الالكتروني للبيانات شيئا فشيئا من خلال التطور المتتابع الذي طرأ على استخدام الشبكة في الأغراض التجارية. ففي بداية استخدامه اكتفت الشركات بعرض أنشطتها ومميزات خدماتها على مواقعها الالكترونية الخاصة، ليتعرف عليها متصفحي الشبكة، فاقتصر دور الانترنت على مجرد الدعاية والاعلان.
وبعد تزايد عدد مستخدمي الانترنيت، سعت الشركات إلى تحسين مواقعها، من خلال أحدث أنواع البرامج والتقنيات حتى يسهل على العميل التعرف عليها وعلى خدماتها. ومع تنامي ما تقدمه الشبكة من خدمات، تغيرت صورة الشركات التجارية لتكون لها متاجر افتراضية، تحقق المبادلات التجارية بين الشركات بعضهم البعض وبين هذه الشركات والعملاء. وبذلك تخطت الشركات مرحلة الإعلان والترويج إلى مرحلة إتمام عمليات البيع عن طريق الانترنيت، الامر الذي نقل التجارة بمفهومها التقليدي الواسع إلى العالم الافتراضي ليكون الشكل الحالي للتجارة الالكترونية.
إلا أن هذا الأخير يشهد ثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل في التكنولوجيا وما صاحبها من تطور بشكل كبير ومتسارع في شبكة الاتصالات الرقمية، قربت المكان واختصرت الزمان وألغت الحدود الجغرافية بين الدول وهذه الوسيلة ألقت بظلالها على كافة جوانب الحياة، بعد أن كانت مقتصرة على أغراض عسكرية وأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969، ثم تحولت لتستخدم لأغراض مدنية واقتصادية، وفتحت المجال واسعا لإبرام العقود بمختلف أنواعها، مما أدى إلى ظهور نوع جديد من التبادل التجاري يسمى بالتجارة الالكترونية عبر شبكة الانترنت “تجارة العصر والمستقبل” وكان ذلك عام 1993، وأصبحت السلعة والخدمة معروضة بطريقة منظورة غير ملموسة حيث يتفاوض الأطراف المتعاقدون عن بعد فيتبادلون وسائر البيانات بسرعة فائقة في مجلس عقد افتراضي ويثير التعامل عبر الانترنت العديد من التساؤلات حول هذه الوسيلة التي لا تعترف بالكثير من المسلمات التقليدية كالسلطة المالكة لها والحدود الجغرافية والكتابة على الورق.
وبات من الضروري البحث عن وسائل معالجتها وضبطها في إطار المشروع مما خلق تحديا أمام النظم القانونية، ومن أبرزها التعاقد عن بعد عبر شبكة الانترنيت وقانونية المعاملات الالكترونية كالتعبير عن الإرادة وتطابقها عن طريق تبادل رسائل البيانات، الإثبات، وقد أدت أشكال الانتهاكات والجرائم اليومية في بيئة التجارة الالكترونية إلى تزايد المنازعات الناجمة عن هذه المعاملات مما يستدعي البحث عن القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة للنظر في النزاع، ومدى مواءمة النصوص القانونية القائمة مع ما أفرزته وسائل الاتصال الحديثة من إشكاليات وتحديات.
لذا برزت العديد من المحاولات القانونية على الصعيد الفقهي والقضائي والتشريع للوقوف على مشكلات هذا التعامل وأشكال النزاعات التي تثار بسبب التعامل بالوسائط الالكترونية واقتراح الحلول المناسبة بشأنها من اجل تنظيمها وتأطيرها.
وأدى ازدياد معاملات التجارة الالكترونية التي أصبحت واقعا عمليا فرض نفسه على المؤسسات الدولية والداخلية المهتمة بتسهيل وتوحيد القواعد القانونية التي تطبق على التجارة الالكترونية في جميع دول العالم والاهتمام بمختلف الجوانب المتعلقة بالتبادل الالكتروني للمعاملات.
وبعد دراسة مضنية جاءت بها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي اليونسيترال (UNCITRAL) بإصدار القانون النموذجي للتجارة الالكترونية 1996 الذي يحتوي على مجموعة من القواعد والإرشادات التي تهدف إلى تهيئة قانونية أكثر ملائمة للتجارة الالكترونية، كما صدر أيضا قانون اليونسيترال النموذجي للتوقيع الالكتروني لسنة 2001 بهدف الاعتراف بحجيته وبيان شروطه والمتطلبات اللازمة لذلك، متضمنا دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للأخذ به، سواء بإصدار تشريعات مستقلة وبإجراء تعديلات على قوانينها الداخلية، واستجابت العديد من التنظيمات الدولية والإقليمية كالاتحاد الأوروبي الذي بادر بوضع مشروع قانون نموذجي لدول الاتحاد الأوروبي مستوحيا من دراسة الأمم المتحدة السابقة، وتلا ذلك العديد من المبادرات الداخلية، إلى أن أصبحت هذه الأطر القانونية للمعاملات الالكترونية حقيقة وواقعا تشريعيا غربيا أغزر فيه الفقه والقضاء اجتهاداته، أما على المستوى العربي فإن التشريعات التي أقرتها كثير من الدول لم تكن سوى ترجمة وتقليد لم يسبقها سوى القليل من الاجتهاد والتحليل.
فضلا على ذلك، عرفت المنظومة القانونية المغربية بالتجارة والأعمال تحولات جذرية في العقد الأخير، وتمثلت في تعديل مجموعة من النصوص القانونية التجارية الأساسية ووضع أخرى جديدة، وقد جاءت هذه الحركة التشريعية في سياق التحولات التي عرفها المجال الاقتصادي بمختلف نظمه، حيث أخد يتجه بشكل متصاعد نحو الانفتاح والاندماج ورفع الحواجز بين الاقتصاديات في تحقيق ما أصبح يعرف بالعولمة، أي بناء اقتصاد عالمي مندمج وقد فرض هذا على المغرب نهج مجموعة من الإصلاحات لتأهيل اقتصاده لجعله قادرا على الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هذه الإصلاحات التي جاءت لتمس نواحي متعددة تتكامل فيما بينها، منها ما هو الاقتصادي ومنها ما هو قانوني وهو الذي يعنينا بالدرجة الأولى.
ومن المعلوم كذلك، أن العقود الالكترونية ترتب آثارا معينة، فعند حصول نزاع بين طرفي العقد في تنفيذ هذه الآثار يأتي السؤال الآتي: هل تخضع العقود الالكترونية -في مجال الاختصاص القضائي- لذات القواعد التي تخضع لها العقود العادية؟ ولا سيما أن ضابط المكان له أثر كبير في هذا المجال، إذ يستند عليه في تحديد الاختصاص القضائي للمحكمة، وتارة في تحديد القانون الواجب التطبيق.
الفهرس
مقدمة |
الفصل الأول: النظام القانوني للعقد الموجه بطريقة الكترونية في التشريع المغربي والمقارن |
المبحث الأول: أحكام العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
المطلب الأول: ماهية العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
الفقرة الأولى: تعريف العقد المبرم بالشكل الالكتروني وبيان خصائصه |
أولا: تعريف العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
ثانيا: خصائص العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
الفقرة الثانية: تمييز العقد المبرم بالشكل الالكتروني عن باقي العقود المحيطة به |
أولا: الطبيعة القانونية للعقد الالكتروني -المبرم بالشكل الالكتروني- |
ثانيا: تمييزه عن باقي العقود المحيطة به في البيئة الالكترونية |
المطلب الثاني: تكوين العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
الفقرة الأولى: الرضا في العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
أولا: وجود التراضي في العقد الالكتروني |
ثانيا: أن يكون الرضا صحيحا |
الفقرة الثانية: المحل والسبب في العقد المبرم بالشكل الالكتروني |
أولا: محل الالتزام في العقد الالكتروني |
ثانيا: السبب في العقد الالكتروني |
المبحث الثاني: مقتضيات خاصة بالعقد الموجه بطريقة الكترونية |
المطلب الأول: المحررات الالكترونية ومدى حجيتها في الاثبات |
الفقرة الأولى: مفهوم المحرر الالكتروني والشروط اللازم توافرها على ضوء القانون 53.05 |
أولا: مدلول المحرر الالكتروني |
ثانيا: الشروط الواجب توافرها في المحرر الالكتروني وفق القانون 53.05 |
الفقرة الثانية: حجية المحرر الالكتروني في الاثبات |
المطلب الثاني: التوقيع الالكتروني المؤمن |
الفقرة الأولى: ماهية التوقيع الالكتروني |
أولا: التعريف القانوني للتوقيع الالكتروني وتمييزه عن التوقيع العادي |
ثانيا: شروط صحة التوقيع الالكتروني وصدوره |
الفقرة الثانية: الحجية القانونية للتوقيع الالكتروني والتصديق عليه |
أولا: حجية التوقيع الالكتروني في الاثبات |
ثانيا: المصادقة على التوقيع الالكتروني |
الفصل الثاني: الاختصاص القضائي في عقود التجارة الالكترونية |
المبحث الأول: الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق |
المطلب الأول: الاختصاص القضائي بالنظر في منازعات التجارة الالكترونية |
الفقرة الأولى: تطبيق ضوابط الاختصاص على عقود التجارة الالكترونية |
أولا: حق الأطراف في تعيين المحكمة المختصة |
ثانيا: تحديد الاختصاص القضائي في ضل الضوابط العامة |
الفقرة الثانية: مدى ملاءمة ضوابط الاختصاص القضائي التقليدية على عقود التجارة الالكترونية |
أولا: صعوبة تطبيق ضوابط الاختصاص القضائي على نزاعات عقود التجارة الالكترونية |
ثانيا: محاولة تفادي الصعوبات التي يثيرها إعمال المعايير التقليدية |
المطلب الثاني: إرادة الأطراف ودورها في تحديد القانون الواجب التطبيق على منازعات عقود التجارة الالكترونية |
الفقرة الأولى: القانون الواجب التطبيق في حالة اتفاق الأطراف |
أولا: إعمال مبدأ سلطان الإرادة |
ثانيا: صعوبات تطبيق مبدأ سلطان الإرادة |
الفقرة الثانية: القانون الواجب التطبيق في حالة غياب اتفاق الأطراف |
أولا: الاسناد الجامد للقانون الأوثق صلة بالعقد |
ثانيا: الاسناد المرن للقانون الأوثق صلة بالعقد |
المبحث الثاني: التحكيم كأهم آلية لفض منازعات التجارة الالكترونية |
المطلب الأول: ماهية التحكيم الالكتروني |
الفقرة الأولى: مفهوم التحكيم الالكتروني وفعاليته |
أولا: مفهوم التحكيم الالكتروني |
ثانية: مدى فعالية التحكيم الالكتروني |
الفقرة الثانية: نطاق تطبيق التحكيم الالكتروني |
أولا: النزاعات ذات المصدر التعاقدي |
ثانيا: النزاعات ذات المصدر غير التعاقدي |
المطلب الثاني: مصادر التحكيم الالكتروني وإجراءاته |
الفقرة الأولى: مصادر التحكيم الالكتروني |
أولا: المصادر الرسمية |
ثانيا: المصادر غير الرسمية |
الفقرة الثانية: إجراءات التحكيم الالكتروني |
أولا: تقديم الطلب وتشكيل هيئة التحكيم |
ثانيا: تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني |
خاتمة |
لائحة المراجع |
للتحميل والاطلاع