الاسم واللقب:لبنى هلالة
الدرجة العلمية:باحثة في الدكتوراه
التخصص:قانون جنائي دولي
المؤسسة الأصلية :أستاذة مؤقتة جامعة باجي مختار –عنابة-
الدولة :الجزائر
البريد الالكتروني: hellelaloubna@gmail.com
عنوان البحث: ظوابط العملية الاشهارية في مهنة التوثيق في الجزائر .
ملخص:
تعد العملية الاشهارية في مختلف السلع والخدمات الوسيلة الفعالة في الحكم عليها ،وتفضيل إحداها عن الأخرى وإقناع الأفراد بها،ولأهمية العملية الاشهارية فقد طرقت أبواب الكثير من المهن ،وتمثل التوثيق أنموذجا من هذه المهن ،فبات الموتقون يتنافسون من أجل جلب زبائنهم عن طريق العملية الاشهارية والتعريف بخدماتهم وإمكانياتهم القانونية في مجال حماية حقوق زبائنهم ،إلا أن تنظيم العملية الاشهارية في مهنة التوثيق لها أصولها وضوابطها القانونية التي تمارس فيها من خلال وضع مجموعة من القوانين والمراسيم والقرارات التي تحكم ممارسة العملية الاشهارية في مهنة التوثيق .
مقدمة:
عرف العالم تطورا كبيرا مع مطلع القرن العشرين في جميع مجالات الحياة وقد كان للتطور الصناعي والتكنولوجي أثر كبير على المعاملات بصفة عامة وعلى العلاقات التعاقدية وكيفية إبرامها بصفة خاصة، ونتيجة هذا التطور أصبح العالم بما يشبه قرية صغيرة يتم التعامل فيها عبر سوق يجمع كل مقتنياتها من خدمات وسلع، وبهذا وجد الفرد نفسه أمام أعداد مهولة من المنتجات والخدمات ما خلق جو من المنافسة في ظل هذا التنوع والكم الهائل من المنتجات، ومن هنا أصبح للإشهار في المنتجات والخدمات أهميته القصوى ودوره المؤثر في تداولها بين الأشخاص.
إن الإشهار لم يعد مجرد وسيلة للترفيه عن الأشخاص، حيث بات وسيلة هامة للمستهلكين من أجل التعريف بمختلف الخدمات والمنتجات.
وتعتبر التوثيق والخدمات التي تقدمها من المجالات التي لم تسلم من سطوة الإشهار وتأثيره عليها سلبيا أو إيجابيا.
فالإشهار يؤثر على مختلف العلاقات المتشعبة للموثق في المجتمع، فهو يؤثر على علاقة الموثق بزبائنه باعتبار أن الإشهار قد يمثل ضغطا على إرادة الزبون، فيجد نفسه ينساق إلى مكتب موثق ما بفعل الكم الهائل من الوسائل الإشهارية، بالإضافة إلى ذلك يؤثر الإشهار في علاقة الموثق بزملائه والتي قد تتحول من علاقة احترام متبادل إلى علاقة مبنية على المنافسة للفوز بالزبائن.
من كل ما تقدم يمكن طرح الإشكالية التالية:
ما هي حقيقة وواقع العملية الإشهارية في مهنة التوثيق؟
وفي ضوء هذا الإشكال تقسم الدراسة إلى قسمين أو مبحثين يتناول المبحث الأول: ماهية الإشهار، أما المبحث الثاني: ضوابط العملية الإشهارية في مهنة التوثيق في الجزائر.
المبحث الأول: ماهية الإشهار.
ينقسم هذا المبحث إلى مطلبين المطلب الأول مخصص لمفهوم الإشهار والثاني لدراسة تمييز الإشهار عن ما يشابهه من مصطلحات.
المطلب الأول: مفهوم الإشهار
من الصعب وضع تعريف جامع لكلمة الإشهار فهي كلمة ذات معان متباينة، تتعدد بحسب تداولها واستعمالها في المجالات العلمية أو الإعلامية أو الإقتصادية وحتى القانونية.([1])
الفرع الأول: تعريف الإشهار.
أولاـ تعريف الإشهار لغة: يعرفه الشيرازي في قاموسه المحيط بأنه المجاهرة، ويرى بطرس البستاني في دائرة معارفه أن الإشهار في اللغة يعني الظهور والنشر.
ثانيا ـ تعريف الإشهار فقها: هو وسيلة مدفوعة لإيجاد حالة من الرضى والقبول النفسي في الجماهير بغرض المساعدة على بيع سلعة أو خدمة أو بموافقة الجمهور على قبول فكرة أو توجيه جهة بذاتها وكما يقول والترغراو walter graw على أنه: ” فن إغراء الأفراد على سلوك ما بطريقة معينة”.
وتعرفه دائرة المعارف الفرنسية بأنه: ” مجموعة الوسائل المستخدمة لتعريف الجمهور بمنشأة تجارية أو صناعية وإقناعه بامتياز منتجاتها”.
ومن أحسن التعاريف التي وضعت حديثا ما وضعته جمعية التسويق الأمريكية: ” الإشهار هو مختلف نواحي النشاط التي تؤدي إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإشهارية المرئية والمسموعة على الجمهور بغرض حثه على شراء سلع أو الخدمات” أو ” هو الوسيلة غير الشخصية لتقديم الأفكار والترويج عن السلع والخدمات بواسطة
جهة معلومة مقابل أجر مدفوع”.([2])
ثالثا: تعريف الإشهار قانونا.
ومن المعروف أن التشريعات ـ كقاعدة عامة ـ لا تورد تعريفا للإشهار تاركة الأمر للفقه لصعوبة الإلمام بهذا المفهوم وضبطه، ومع ذلك فإن المشرع الجزائري عرّف الإشهار من خلال القانون رقم 04/02 المؤرخ في: 23/07/2004 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية وذلك في المادة الثانية منه إذ نصت على:
(الإشهار كل إعلان يهدف بصورة مباشرة إلى ترويج السلع أو الخدمات مهما كان المكان أو وسائل الإتصال المستعملة).
وقد عرف المرسوم التنفيذي 90/39 المؤرخ في: 10/01/1990 المتعلق برقابة الجودة وقمع الغش الإشهار بوجه أعم بأنه: (جميع الاقتراحات أو الدعايات أو البيانات أو الإعلانات أو المنشورات أو التعليمات المعدة لترويج سلعة أو خدمة بواسطة إسناد سمعية أو سمعية بصرية).([3])
أما المشرع الفرنسي فلم يهتم بوضع تعريف للإشهار إلا من خلال بعض اللوائح، مثل اللائحة رقم 92ـ280 الصادرة في 27 مارس 1992 بأنه (كل شكل لرسالة تلفزيونية مذاعة بأجر أو بدونه لتقديم الأموال أو الخدمات في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو فني أو مهني حرة من أجل الإزدهار التجاري لشركة ما…).([4])
أما المشرع التونسي فقد أورد تعريفا للإشهار من خلال القانون عدد 40 لسنة 1998 المؤرخ في 02/07/1998 والمتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري وذلك من خلال المادة 35 بأنه (كل عملية اتصال تهدف بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى تنمية بيع منتجات أو إسداء خدمات مهما كان المكان أو وسائل الإتصال المعتمدة).([5])
رابعا: تعريف الإشهار قضاءا.
وقد حاول القضاء التصدي لمسألة تعريف الإشهار في العديد من الأحكام، ومن بينها ما قضت به الدائرة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 13/01/1971 من أنه يعتبر إعلانا تجاريا ما يتم
نشره في الصحف ما دام يهدف إلى الحث على شراء منتج معين وتم مدحه بما فيه الكفاية في هذه الصحف.([6])
والملاحظ من هذه التعريفات جميعا أنها اتسمت بالعموم والشمولية.
ويمكن إعطاء تعريف جامع للإشهار وهو كل ما يستخدمه المحترف لحفز المستهلك على الإقبال على سلعته حد منه سواء تم ذلك بالوسائل المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو بغير ذلك من الوسائل.([7])
الفرع الثاني: خصائص الإشهار.
يتميز الإشهار بمجموعة من الخصائص تميزه عن غيره من أوجه النشاط الأخرى.
1 ـ إنه جهود غير شخصية حيث تم الاتصال بين المعلن والجمهور بطريقة غير مباشرة باستخدام وسائل الإشهار المختلفة كالصحف والمجلات والراديو والتلفزيون، وبذلك يختلف الإشهار عن البيع الشخصي الذي يتم بواسطة مندوبي البيع الذين يتصلون شخصيا
بالجمهور لبيع السلع والخدمات.([8])
2 ـ إن الإشهار يدفع عنه أجر محدد، وهذا ما يميز الإشهار عن الدعاية، والتي قد لا يدفع عنها مقابل.
3 ـ إن الإشهار لا يقتصر على عرض وترويج السلع فقط، وإنما يشمل كذلك ترويج الأفكار والخدمات.
4 ـ إن الإشهار يفضح فيه عن شخصية المعلن الذي يقوم بدفع ثمن الإشهار ويعتبر هو مصدره، ويختلف بذلك عن الدعاية التي لا يحدد فيها مصدر المعلومات في الكثير من الحالات.([9])
المطلب الثاني: تمييز الإشهار عن غيره من المفاهيم المشابهة.
بعد أن تناولنا مختلف تعريف الإشهار، ينبغي للإحاطة به من كل جوانبه تمييزه عن بعض المفاهيم والنظم القريبة منه والتي قد تشترك معه في خاصية أو أخرى من خصائصه أو تحاكيه في وظائفه وأهدافه والتي قد تكون في مهنة المحاماة، مما قد يخلق نوع من اللبس ينبغي إزالته.
ومن هذا المنطلق ينبغي تمييز الإشهار عن الإشهارات القانونية والإعلام والدعاية.
الفرع الأول: تمييز الإشهار عن الإعلام.
الإعلام لغة: يعني الإبلاغ أو الإخبار أما من الناحية الاصطلاحية فيعرفه ”محمد منير حجاب” في الموسوعة الإعلامية بأنه: ”نقل المعلومات أو المعرفة العلمية إلى الجماهير العريضة عن طريق العمل الاتصالي عبر وسائل الاتصال الجماهيرية Mass Madia ومن صحافة وإذاعة وتلفزيون”.
ومنه فالإعلام هو تلك العملية التي يترتب عليها نشر الأخبار والمعلومات الدقيقة التي تتركز على الصدق والصراحة في مخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم والارتقاء بمستوى الرأي.([10])
وبالرجوع إلى المشرع الجزائري في القانون العضوي رقم 12/05 المتعلق بالإعلام نجد أنه لم يعرف الإعلام مكتفيا فقط بتحديد الأنشطة الإعلامية في نص المادة 03 من نفس القانون.([11])
ومن ثمة فالإعلام هو أحد أشكال الاتصال من أجل نشر ثقافة معينة وتزويد الفرد بمعلومات مختلفة.
وهذا الخصوص قضت المادة 102 من النظام الداخلي لتنظيم مهنة المحاماة في الجزائر ” يعد إعلام الجمهور بمهنة المحاماة من اختصاص نقيب المحامين…”([12])
ويختلف الإعلام عن الإشهار في ثلاث نقاط أساسية:
- يعتمد الإشهار على الإعلام كوسيلة جماهيرية للاتصال بالجمهور.
- يركز الإعلام على نقل الوقائع بصفة موضوعية في حين أن الإشهار يعتمد على ذكر إيجابيات الخدمات فقط ويعتمد في ذلك على الإقناع والتحريض ومنه يمكن القول أن الإشهار هو إعلام+ تحريض وإقناع.
- العملية الإعلامية تنتهي عند المستقبل في حين أن الإشهار يتعدى ذلك إلى العملية الاتصالية.([13])
يسير القضاء الفرنسي على هذا التميز بين الإشهار والإعلام، فقد قضى بمناسبة ما يعرف بقضية COMEX لمعيار التمييز بين الإشهار والإعلام.([14])
وفي هذا الإطار قضت المادة 161 من المرسوم التنفيذي رقم 91/1197 والمتضمن لقانون تنظيم مهنة المحاماة في فرنسا.([15])
بأنه يجوز للمحامي أن يقوم حتى بالإشهار طالما أن الهدف من ورائه هو ضرورات الإعلام.([16])
غير أن المحامي وهو بصدد القيام بنقل المعلومات من أجل تنوير الجمهور، يجب عليه أن يتقيد بضوابط معينة، إذ لا يجوز له في أثناء هذه العملية القيام بإفشاء أسرار موكليه أو تسريب معلومات قد تلحق أضرار بتحقيقات معينة.
الفرع الثاني: تمييز الإشهار عن الإشهار القانوني.
يجب أن لا يختلط الإشهار الذي نحن بصدد دراسته في إطار مهنة المحاماة مع الإشهار القانوني المطلوب من قبل المشرع في بعض التصرفات القانونية، ويعرف الإشهار القانون بأنه ذلك الإجراء الذي يهدف إلى نشر
معلومات خاصة بأمرها من أجل حماية الصالح العام.([17])
ومن بين أهم ميادين الإشهار القانوني شهر التصرفات الواردة على العقار والتي تعني بيان الوضع القانوني الخاص بالعقار موضوع
التصرف من خلال التعرف على مالكيه ومساحاته وحدوده والحقوق العينية الواردة عليه وأصحابها وتواريخ نشوبها.([18])
وفي هذا المنطلق فإنه يخرج من نطاق بحثنا هذا بعض الإشهارات القانونية التي يقوم بها المحامي في إطار ممارسته لمهامه، كإشهاره للعرائض أو لبعض العقود الأخرى.
ويظهر جليا مما سبق أن الإشهار القانوني يختلف عن الإشهار موضوع دراستنا من حيث الهدف، إذ يهدف الإشهار القانوني إلى إعلام الغير بتصرف قانوني من أجل حماية الغير، بينما يهدف الإشهار إلى حث الجمهور على طلب المنتج (الخدمة)والتي تتمثل عموما في طلب خدمات محامي دون آخر، ثم أن الإشهار القانوني إلزامي، بينما الإشهار الإختياري حسب رغبة المحترف.([19])
الفرع الثالث: تمييز الإشهار عن الدعاية.
الدعاية هي النشاط الذي يؤدي إلى تأثير في عقيدة وتفكير الجمهور سواء يجعله يؤمن بفكرة أو مبدأ معين أو من أجل صرفه عن فكرة أو مبدأ يؤمن به وله وسائل متعددة مثل: الإعلام، الخطب، الأحاديث، المناقشات، تنظيم الاجتماعات وعقد الندوات والمؤتمرات…
أو هي محاولة تأثير في الأفراد والجماهير والسيطرة على سلوكهم وذلك في مجتمع معين أو بهدف معين وهي الجهود التي تبذل لتغير معتقدات الناس واتجاهاتهم وآرائهم باستعمال وسائل النشر المختلفة.([20])
ولتحديد الفرق بين الدعاية والإشهار نوضح أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما:
- يشترك كل من الدعاية والإشهار في أنهما يذكران محاسن الأسياد ويبتعدان عن ذكر المساوئ، فرجل الدعاية ينير ويغلف الحقائق ويقدم الوعود ثم لا يلتزم بها بعد تحقيق أهدافه، وكذلك الإشهار يقوم بالتحريض والإقناع وذكر إيجابيات المنتج والابتعاد عن السلبيات ويستعملان وسائل الاتصال الجماهيرية.
- تهدف الدعاية إلى تعريف الجمهور لحدث معين دون أن تقنعه، بينما الإشهار يهدف إلى إقناع المستهلك بشراء المنتج، فزمن التأثير في الدعاية قد يدوم لأجيال عديدة مقارنة مع الإشهار.
- الدعاية مجانية بينما الإشهار مدفوع الثمن.
- غالبا ما تهدف الدعاية إلى تحقيق أهداف سياسية عكس الإشهار الذي هدفه اقتصادي محض.
- الدعاية ليس لها فئة معينة من الجمهور، فهي موجهة إلى جميع فئات المجتمع، بينما الإشهار يوجه إلى جمهور معين حسب المنتوج المشهر به.([21])
الفرع الرابع: الإشهار والعلاقات العامة.([22])
عرفها معهد العلاقات العامة البريطاني بأنها ” الجهود الإدارية المرسومة والمستمرة التي تهدف لإقامة وتدعيم تفاهم متبادل بين المنظمة وجمهورها”.
وجاء في مجلة العلاقات العامة تعريفها بأنها ” وظيفة إدارية تقيم اتجاهات الجمهور وتحقق تناسق سياسات وتصرفات الفرد أو التنظيم مع المصلحة العامة وتضع
وتنفذ برنامج عمل للفوز بثقة الجمهور وتقبله للمؤسسة”.([23])
ومن أمثلة أنشطة العلاقات العامة، ترتيب زيارات للمصانع والمؤسسات إقامة أيام دراسية ومحاضرات، إقامة حفلات، إصدار كتيبات أو مجلات…
المبحث الثاني: ضوابط الإشهار في مهنة التوثيق.
رأينا في الجزء الأول من البحث أن الإشهار يهدف إلى التعريف بمختلف المهن والخدمات المقدمة للجمهور، ويعتبر مهنة التوثيق إحدى هذه المهن. إن من المهم الإشارة إلى أن نجاح أي مهنة في العالم مرتبط بجمال صورتها وحسن التعريف، وتعتبر العملية الإشهارية إحدى هذه الطرق والوسائل لرسم هذه الصورة، وهذا ما أكد حقيقة التكامل الوظيفي بين الإشهار والمهن الحرة بصفة عامة، والإشهار ومهنة التوثيق بصفة خاصة.
إلا ما يجب التأكيد عليه أن ضوابط العملية الإشهارية لا تغيب عن مهنة التوثيق، حيث أن ترك الإشهار، دون ضوابط سيدخل هذه المهنة في متاهة، وسيبعدها عن سبب وجودها ألا وهو ضمان وحماية حقوق الأشخاص.
المطلب الأول: الإشهار الوظيفي.
نقصد بالإشهار الوظيفي تلك العملية التي تهدف إلى التعريف بالمهن على اختلاف أنواعها، ومنها مهنة التوثيق، من خلال إبراز الدور الذي تقوم به للمحافظة على حقوق الأشخاص من خلال توثيق الديون والبيوع وعقود الكفالة وغيرها.
ولا خلاف هنا طبعا عن الدور الإيجابي والفعال لهذا النوع من الإشهار الذي تنص مختلف القوانين الخاصة بمهنة التوثيق على إجازته بضوابط معينة.([24])
المطلب الثاني: الإشهار الشخصي.
يطرح هذا النوع من الإشهار عدة إشكالات قانونية، كونه يهدف إلى التعريف بالموثق شخصيا وكذا بمكتبه من أجل إستمالة المتعاقدين وجلبهم إلى مكتبه تحديدا.
ومكمن الإشكال القانوني يتجلى في علاقة الإشهار الشخصي ببعض الحقوق الأساسية
والدستورية الثابتة لأي شخص بما فيها الموثق.([25])
فقد نص في (المادة 32) من الدستور الجزائري المعدل في 06 مارس 2016 على: ” الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة”.
وأضافت (المادة 41) ”حرية التعبير، وإنشاء الجمعيات والإجتماع” مضمونة للمواطن.
وزيادة على ذلك جاء في (المادة 41 مكرر 2 ف 2) ” نشر المعلومات([26]) والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون….”.
كما جاء في (المادة 19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعيين ويشمل هذا الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة، ودونما اعتبار للحدود”.([27])
وطبعا يعتبر الإشهار من أشكال الإتصال والتعبير، فكل نص قانوني ينظم الإشهار يجب أن يراعى تلك الحقوق الأساسية.
وتختلف حقيقة التشريعات في منهجيتها حول تنظيم الإشهار في مهنة التوثيق، فبرجوع إلى القوانين المتعلقة بالتوثيق في الجزائر فإننا لم نجد ما يمنع صراحة ممارسة الإشهار في مهنة التوثيق، إلا أن من خلال (المادة 22) من القانون رقم 06 ـ 02 المتضمن تنظيم مهنة الموثق في الجزائر، نجده قد منع الموثق ممارسة السمسرة بقوله ” يخطر على الموثق ممارسة مهنة السمسرة ….”.([28])
ولعل هذا المنع للممارسة مهنة السمسرة حتى لا يقوم من خلالها بالعمليات الإشهارية لمكتبة الخاص بالتوثيق.
وبالرجوع إلى (المادة 34) من القانون المغربي رقم 09 ـ 32 المتعلق بهنة التوثيق لسنة 2011 والتي جاء فيها ….. أن يلجأ إلى سماسرة لجلب الزبائن…..”.
وأضافت (المادة 20): ”يمنع الموثق عن أي تدخل من شأنه المساس بحرية المرتفق في اختيار موثقه، وعليه يكون محظورا كل ممارسة تستهدف استمالة الزبائن، أو جلبهم ضد إرادتهم.
المنافسة بين الموثقين حرة، ويجب أن تكون شريفة، ولا ترتكز إلا على الكفاءة وجودة الخدمة مع الإمتناع عن كل إشهار فردي”.
وأضافت (المادة 21) ” يمنع على الموثق استغلال الإنترنيت كأداة لا مناص منها في التواصل والإعلام.
يمنع على الموثق، استغلال الإنترنيت في الإشهار الفردي وإستمالة الزبائن بأي شكل يتنافى ومهنة الموثق، يمكن للهيئة التمثيلية أو للموثق إحداث موقع لإنترنيت”.([29])
ومن خلال ما تقدم نجد أن المشرع الجزائري لم يكن واضحا بخصوص إجازة الإشهار أو منعه في مهنة التوثيق أما المشرع المغربي فقد كان واضحا أكثر من خلال السماح للموثق بالإشهار فوق ضوابط وحدود قانونية.
وعموما يكن القول بأن الإشهار الشخصي محظور في مهنة التوثيق إلا أن القانون الجزائري، قد أباح بعض الأنواع من الإشهار الشخصي التي يقوم بها الموثق.
الفرع الأول: لوحة التعريف بالموثق.
من أجل التعريف بمكتب الموثق والتدليل على تواجده في جهة معينة، فقد نص المشرع الجزائري على إمكانية أن يضع الموثق صحيفة من شأنها التدليل والتعريف بمكان الموثق.
وحتى لا تخرج الصحيفة عن الغرض منها، فقد وضع لها المشرع مواصفات من حيث شكلها ومضمونها، فمن حيث الشكل يجب أن لا تتجاوز مساحتها 20 سم على 25 أما من حيث مضمونها، فيجب أن لا تتجاوز مساحتها 20 سم على 25 سم أما من حيث مضمونها فيجب أن تحرر باللغة العربية وأن تتضمن اسم ولقب الموثق. ([30])
الفرع الثاني: الورق المعنون.
الورق المعنون عبارة عن وثائق مطبوعة على أوراق تمثل مكتب الموثق بصفة تنافسية، ويندرج ضمنها كل من ظروف الرسائل وبطاقات الزيارة، وغيرها من الأوراق التي قد يستخدمها الموثق.
وقد حدد المشرع الجزائري المضمون الذي ينبغي أن يحتويه تلك الأوراق، فينبغي أن تحتوي تلك الأوراق فقط على إسمه ولقبه وعنوانه ورقم هاتفه وعند الاقتضاء صفته دكتور في الحقوق.
ويمنع عليه ذكر الوظيفة الانتخابية أو السياسية أو الإدارية……
خاتمة:
إن موضوع الإشهار في مهنة التوثيق موضوع متشعب مترامي الأطراف فهو يمس بمهنة على قدر من الشرق ولها دور في الحفاظ على الحقوق وحمايتها، ولا يمكن الحد من سطوة الإشهار على مهنة التوثيق إلا من خلال تشبث كل موثق بالقيم والأخلاقيات التي يتعين التمسك بها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإشهار يمكن استغلاله في التعريف بمهنة التوثيق والأدوار المهمة التي يقوم بها والرقي بمبادئها لكي يتمكن من تبوأ المكانة التي تستحقها في المجتمع.
[1] ـ استعمل لفظ الإشهار العقاري للدلالة على مجموع القواعد والإجراءات التي تهدف إلى تثبيت ملكية عقار أو حقوق عينية عقارية لشخص معين أو أشخاص معنيين، أنظر جمال بوشناقة، شهر التصرفات العقارية في التشريع الجزائري، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، القبة، الجزائر، 2006، ص05.
[2] ـ لمزيد من المعلومات، أنظر: الموقع الإلكتروني: WWW.startimes.com اطلع عليه بتاريخ: 08/08/2016 على الساعة 16:05
[3] ـ المادة الثانية من القانون رقم 04/02 المؤرخ في: 23/07/2004 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية.
[4] ـ راجع المرسوم التنفيذي رقم 90/39 المؤرخ في: 10/01/1990 المتعلق برقابة الجودة وقمع الغش.
[5] ـ اللائحة رقم 92 ـ 280 الصادرة في 27 مارس 1992.
[6] ـ المادة35 من القانون عدد 40 لسنة 1998 المؤرخ في: 02/07/1998 والمتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري.
[7] ـ حمدي أحمد سعد أحمد: القيمة العقدية للمستندات الإعلانية، دار الكتب القانونية، مصر،2007، ص19.
[8] ـ لمزيد من المعلومات أنظر: مصطفى عبد القادر، دور الإعلام في التسويق السياحي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2003، ص17.
[9] ـ بشير عباس العلاق، علي محمد ربايعة، الترويج والإعلان التجاري، دار البازوري العلمية، عمان، 2007، ص32.
[10] ـ طاهر محسن الغالي، أحمد شاكر العسكري، الإعلان ”مدخل تطبيقي”، دار وائل للنشر، عمان، 2003، ص17.
[11] ـ محمد جاسم فلحي الموسوي، محاضرات في نظريات الإتصال والإعلام الجماهيري على الموقع WWW.ao.academy. إطلع عليه بتاريخ: 08/08/2016 على الساعة 19:05.
[12] ـ نص المادة 03 من القانون 12/05 المتعلق بالإعلام.
[13] ـ محمد جاسم فلحي الموسوي، المقال السابق على الموقع الإلكتروني WWW.ao.academy.
إطلع عليه بتاريخ: 08/08/2016 على الساعة 19:30.
[14] ـ وتتلخص وقائعها بأن الشركة قامت بإعداد شريط لتغطية حادثة غوص، وقد وضعت الشركة علامتها التجارية على الرافعة المخصصة لعملية الغوص، فرفعت الشركة مالكة العلامة التجارية للرافعة دعوى قضائية بجريمة الإشهار الكاذب أو المضلل بحجة أن وضع الشركة المكلفة بإنجاز الشريط علامتها التجارية على الرافعة من شأنه خلق لبس وغلط في ذهن المستهلك، فأصدر القاضي حكمه والذي يبين فيه أن الشريط المعد من قبل الشركة كان في إطار نقل الأحداث في ظل الحق في الإعلام لا يعد فلما إشهاريا. أنظر:
Ca.aix en Provence 13/12/1980,confirmé par la coure de cassation, crim 17/03/1981
[15] ـ قبل أن تلغى المادة بموجب المرسوم رقم 2005 /790 المتعلق بأخلاقيات مهنة المحاماة.
[16] ـ المادة 161 من المرسوم التنفيذي رقم 91/1197 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة في فرنسا.
[17] – Yves Guyon, droit des affaires, tome 01 droit commerciale et sociétés, 12 e édition/ économico paris, p10,11.
[18] ـ جمال بوشناقة، شهر التصرفات العقارية، دار الخلدونية، الجزائر، طبعة 2006، ص13.
[19] – Yves Guyon, op cit, p988.
[20] ـ مقال حول الإشهار والمفاهيم المشابهة له منشورة على الموقع الإلكتروني:
WWW.startaimes.com /?t=16712607 اطلع عليه يوم 09/08/2016 على الساعة 09:39.
[21] ـ المقال السابق على نفس الموقع.
اطلع عليه يوم 09/08/2016 على الساعة 09:39.
[22] ـ ظهر مصطلح العلاقات العامة قرابة نهاية القرن التاسع عشر واتساع استخدامه في منتصف القرن العشرين وقد تعددت تعاريفه.
لمزيد من المعلومات إطلع على مقال الإشهار والمفاهيم المشابهة له على الموقع السابق أطلع عليه بتاريخ: 09/8/2016 على الساعة 16:00.
[23] ـ المقال نفسه على نفس الموقع.
اطلع عليه بتاريخ 10/08/2016 على الساعة 14:10.
[24] ـ بوراس محمد، واقع الإشهار في مهنة المحاماة في الجزائر، مجلة دراسات قانونية العدد 14، ماي 2012/ رجب 1432، ص 145.
[25] ـ بوراس محمد، المرجع السابق، ص146.
[26] ـ المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948.
[27] ـ المادة 22 من القانون رقم 06 ـ 02 مؤرخ في 21 محرم 1427 الموافق لـ 20 فبرايل سنة 2006 يتضمن تنظيم مهنة الموثق.
[28] ـ المادة 21، 22، 34 من القانون رقم 09 ـ 32 يتعلق بمهنة التوثيق وتنظيمها في المغرب، 2011.
[29] ـ بوراس محمد، المرجع السابق، ص147.
[30] ـ نفس المرجع، ص 148.