زايد لمياء طالبة و باحثة في الدكتوراه جامعة محمد الاول تخصص قانون الاعمال و الاستثمار
أرتبطت تسميات تشريع الشغل بالتطور الذي عرفته علاقة الشغل ذاتها, ذلك أن هذا التشريع قد أطلقت عليه تسمية التشريع الصناعي في البداية, لكونه بتلائم ويتناسب مع الظرفية التي نشأ خلالها والمرتبطة بالثورة الصناعية. إلا ان مجال العلاقة الشغلية لم يعد مقتصرا على الصناعة بل أصبح يشمل التجارة والفلاحة والمهن الحرة . اما الفقه الحديث فقد أوجد له تسمية جديدة أكثر ذقة بتشريع الشغل
وبالتالي فقانون الشغل هو ذلك الفرع من فروع القانون الخاص الذي يعني بتنظيم العمل الخاص التابع المأجـور
أو بمعنى أخر مجموعة القواعد القانونية المطبقة على العلاقات الفردية والجماعية الناشئة بين المؤاجرين الخصوصيين من جهة ومن يشتغلون تحت سلطتهم وإشرافهم من جهة أخرى بسبب الشغل وكذا القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي.
و نتيجة لذلك، دخلت إلى حيز التطبيق المدونة الجديدة للشغل (قانون رقم 65.99 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 في 11 سبتمبر 2003 والمنشور بالجريدة الرسيمية عدد 5167 بتاريخ 8 دجنبر 2003) ابتداء من 8مايو 2004، كأهم حدث طبع هذه المرحلة ضمن سلسلة من الإصلاحات القانونية والقضائية التي عرفها المغرب في بداية الألفية الثالثة. يمكن إذن القول بأن مسار صدور مدونة الشغل يعتبر مساراً تاريخيا، ساهمت فيه ظروف سياسية واقتصادية تسعى لتفتح أكثر على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية
وسوف نحاول تحليل هذا الموضوع على الشكل التالي:
المبحث الاول : مفهوم عقد الشغل وعناصره
سوف نحاول من خلال هذا المبحث التطرق لماهية و تعاريف عقد الشغل في مطلب اول على ان نخصص المطلب الثاني للحديث عن اهم عناصر عقد الشغل
المطلب الاول:تعريف عقد الشغل.
يعتبر عقد الشغل من العقود المسماة التي تلعب دورا هاما وأساسيا داخل المجتمع لكونه يرد على العمل الإنساني، والمشرع المغربي من خلال مدونة الشغل لم يحدد مفهوم عقد الشغل وأبقى على التعريف الذي أعطاه قانون الالتزامات والعقود في الفصل 723 لعقد الشغل الفرد، حيث جاء فيه:
” إجازة الخدمة أو العمل عقد يلزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للأمر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من اجل أداء معين في نظير أجر يلزم هذا الأخير بدفعه له”.
ولقد انتقد الفقه هذا التعريف لكونه قاصرا على اعتبار أنه لا يشير إلى أحد أهم عناصر عقد الشغل وهو عنصر علاقة التبعية، الأمر الذي تداركته مدونة الشغل في عدة مواد-سبقت عليها في حينها- حيث تعرضت إلى أشكال عقد الشغل وصوره وطريقه إبرامه والعناصر التي تحدده، وبذلك أمكن تحديد مفهوم عقد الشغل بأنه : “عقد يتعهد بمقتضاه أحد طرفيه وهو الأجير بأن يعمل في خدمه الطرف الآخر وهو المشغل وتحت إشرافه ورقابته أو إدارته مقابل أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له”
اختلفت التشريعات من حيث وضع تعريف لعقد الشغل من عدمه، تاركة أمر تعريفه للفقه.ولقد
وقد عرفه المشرع المصري من خلال المادة 31 “بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت ادارته او اشرافه لقاء أجر”.
كما عرفه المشرع الاردني في المادة2 من قانون العمل “بأنه اتفاق شفهي او كتابي او ضمني يتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل لدى رب صاحب وتحت اشرافه او ادارته مقابل أجر ويكون عقد العمل لمدة محدودة او غير محدودة او لعمل معين او غير معين.
المطلب الاول :عناصر عقد الشغل
تتمثل عناصر عقد الشغل, في إطار عمل يلتزم أحد الطرفين بالقيام به لمصلحة أخر, وأجر يلتزم هذا الاخير بدفعه للطرف الاول في اطار التبعية
الفقرة الاولى:اداء العمل
أساسيا في تكوين عقد الشغل، وفي هذا الصدد نصت المادة 6 من مدونة الشغل على أن: “الأجير هو كل شخص يلتزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أكثر، لقاء أجر أي كان نوعه وطريقة أدائه”.
وعليه فإن المشغل يلتزم بأداء الأجر في حين يلتزم الأجير بأداء العمل الموكول إليه تحت تبعية المشغل، وباعتبار أداء الشغل التزام أساسي يقع على عاتق الأجير فإنه لابد أن تتوفر فيه بعض الشروط أهمها
أولا: الطابع الشخصي للأداء الشغل
وهو ما نص عليه الفصل 723 من قانون الإلتزامات والعقود على أن “إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته لأجل محدد أو من أجل عمل معين في نظير أجل يلتزم هذا الأخير بدفعه له”
ويترتب عن خاصية الاداء الشخصي للشغل,ان الاجير يظل مسؤولا مسؤولية شخصية،عن فعله او اهماله او تقصيره او عدم احتياطه، في اطار ممارسته لمهامه بمقتضى م20من المدونة.
كما ينتج عن الطابع الشخصي لاداء الشغل ان وفاة الاجير تؤدي الى انهاء عقد الشغل فلا يحل ورتته في اداء العمل،ولا يملك المشغل الزامهم بدلك،عكس المشغل الذي لا تعتبر شخصيته محل اعتبار إلا اذا نم النص على ذلك عند التعاقد،وعليه فعند وقوع تغيير في وضعية لمشغل القانونية او في وضعية المقاولة,للاسباب المنصوص عليها في م19 فان جميع العقود المبرمة مع المشغل الاول وجميع الحقوق المكتسبة تبقى مستمرة مع المشغل الجديد, وكل تسريح او استغناء عن الاجراء لهذا السبب يعتبر طردا تعسفبا يستوجب التعويض .
كل ذلك لا يعني أن الطابع الشخصي مرتبط بالنظام العام إذ يمكن مخالفته حسب الفصل 736 من قانون الإلتزامات والعقود، والذي ينص على أنه “لا يجوز لأجير الخدمة أو الصنعة أن يعهد بتنفيذ مهمته إلى شخص آخر إذا ظهر من طبيعة الخدمة أو الصنع أو من اتفاق الطرفين أن لرب العمل مصلحة في أن يؤدي الأجير بنفسه التزامه” إذ يكون من حق صاحب العمل أن يرفض عمل غير الملتزم .
ثانيا: الطابع الاختياري للأداء الشغل
إذ من الطبيعي أن يكون أداء الشغل اختياري لأن الإجبار أو الإكراه عن أداء الشغل يجعل إرادة الشخص معيبة، بحيث يجوز له المطالبة بإبطال عقد الشغل، لكن هناك بعض الحالات التي يكون فيها الشخص مكرها عن تأدية عمل دون رضاه لمصلحة الغير، مثل السجين الذي يشتغل في السجن فهو لا يبرم عقد شغل، ومع ذلك، فإنه يستفيد استثناءا من بعض مزايا قانون الشغل كالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية (ظهير 30 شتنبر1946).)
اذن فمن عناصر ابرام عقد الشغل توفر الرضائية اي رضا كل طرق بالالتزام الملقى على عاتقه، لذلك فان اداء العمل من طرف الاجير، لابد وان يكون بكامل الحرية ومطلق الاختيار.
فالاجبر يبقى حرا في البحث عن عمل بداية ثم اختيار الشغل الذي يتناسب وكفاءاته، وان كان الاصل ان للاجير كذلك الحق والحرية في اختيار الطرف الاخر في العقد وهو المشغل، فان الامر لم يعد بتلك السهولة في ظل الظروف الحالية والازمة الاقتصادية. بحيث يخضع الاجير وعند بحته للعمل عمل للعروض المتوفرة او المعلن عنها من طرف المؤسسات المشغلة
وعلى العموم فان الاجير ينفذ التزامه اختياريا ولايمكن ارغامه على القيام بالعمل، فله الحرية في اداء العمل الذي تؤهله له الكفاءاته وخبراته. دون ان يكون مرغما على ذلك فاذا اجبر الانسان على اداء عمل معين اعتبر ذلك سخرة.
كما ان انعدام الرضا يؤدي الى بطلان عقد الشغل يطلانا مطلقا، كما ان اكراه الاجير على ذلك يجعل العقد قابلا للابطال
الفقرة الثانية:اداء الاجر
لم يتطرق المشرع المغربي لتعريف كما فعل نظيره المصري في م1 من قانون العمل “كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله ثابتا كان او متغبرا,نقدا او عينا” وعلى العكس من ذلك فالاجر هو “كل ما يدخل الذمة المالية للاجير نظير قيامه بالعمل وبمناسبته” ويعتبر الاجر سواء اداه المشغل نفسه او غيره كنائب عنه مثلا, وكيفما كان نوعه او التسمية التي تطلق عليه او الطريقة التي يتحدد ويؤدى بها.
اولا: شـروط استحقاق الاجــر
لا يستحق الاجير اجره الا بتوفر شرطين
_شرط قيام عقد شغل صحيح بين المشغل والاجير
يتطلب ابرام عقد الشغل مجموعة من الاركان حتى يقوم صحيحا خاليا من كل عيب, وعليه فان العقد اذا كان باطلا او قابل للابطال فان الاجير لا يستحق الاجر المتفق عليه،ولو قام بالعمل المطلوب, ويبقى كل ماله هو تعويض يعادل ما أداه من عمل، ويكون للقضاء كل السلطة في تقديره، دون ان تثبت لهذا التعويض صفة الاجر، ودون ان يتمتع بالحماية التي يضيفها المشرع الاجر.
-قيام الاجير بالعمل المتفق عليه
ان مقابل الاجر اداء العمل, وان عدم اداء الاجير للعمل الموكول له والذي يدخل ضمن اختصاصه, يعتبر خطأ جسيما يبرر فصله عن العمل كما يعتبر مسؤولا عن اهماله وتقصيره وعدم احتياطه, لذلك فمن الطبيعي ان استحقاق الاجر يستوجب اداء العمل, الا اذا كان عدم الاداء لا يعود للاجير وانما الى طرف المشغل او الى ظروف خارجة عن ارادة الطرفين كالقوة القاهرة لان المهم ان يضع الاجير نفسه رهن اشارة مشغله
ثانيا:مكونات الاجر
ان الاجر الذي يتلقاه الاجير كمقابل عن العمل الذي يقوم به, اما يكون أجرا نقديا او اجرا عنيا :
-الاجر النقدي : هو مبلغ من النقود, يؤدى بالعملة المغربية ايا كان نوع المؤسسة, او طبيعة المهمة المؤداة.
-الاجر العيني : عبارة عن فوائد عينية في المهن والمقاولات التي يجري العرف فيها بذلك, الا انه لم يعد شائعا كون الاجر عينا بكيفة مطلقة, بل بغلب انه اذا وجد اخر عيني أن يكون اضافيا الى جانب الاجر الاساسي النقدي, ويكون عيني ان يكون اضافيا الى جانب الاجر الاساسي النقدي, ويكون ذلك لبعض البعض الاجراء كالبحارة والذين يحصلون على جزء من الاجر عينا كالاكل او الايواء وكأجارء المطاعم والفنادق والمقاهي والحراس وأجراء المؤسسات المنجمية الذين يحصلون على المسكن كأجر عيني.
المبحث الثاني:اثبات عقد الشغل
قبل ان نتحدث عن اثبات عقد الشغل لابد من التطرق الى كيف ينشا هذا العقد و الى الخلط الذي يقع بينه و بين عقود اخرى
المطلب الاول:انشاء عقد الشغل
لم يشترط المشرع المغربي لابرام عقد الشغل شكلا معينا,بل جعل ابرامه خاضعا للقواعد المتعلقة بالعقود, والتي تتطلب توفر الرضا بين الطرفين.
وعليه, فان الكتابة ليست ضرورية لانشاء عقد الشغل وليست ركنا من اركانه, وهذا ما استقر عليه الفقه. ويمكن استنتاجه من الفص723من ق.ل.ع الذي نص أنه” يتم العقد بتراضي بين الطرفين واذا كان العقد ثابتا بالكتابة اعفي من مرسوم التنبر والتسجيل” .
واذا اتفق الاطراف على ابرام عقد الشغل كتابة فانه يجب تحريره في نظيرين موقع عليها من طرف الاجير والمشغل, ومصادق علي صحة امضائها من قبل الجهة المختصة, ويحتفظ الاجير بأحد النظيرين. وعلى هذا الاساس فان الاصل ان يبرم عقد الشغل شفاهيا بين أطرافه,وتبقى العلاقة صحيحة بينهما.
الا أن هذا لا يمنع من القول بان بعض الفئات من الاجراء وحتى المشغلين على ان يتم ابرام العقود كتابة.وذلك حتى تتمكن من اضافة بعض الشروط ضمن مقتضيات العقد, التي يفرض المشغل على بعض اجرائه الالتزام بها واحترامها, كشرط عدم المنافسة والذي يكون مضمنا بعقد الشغل بشكل كتابي.
ان الشفاهية في العقود وان كانت صحيحة لابرام عقد الشغل,فانه يتم استبعادها بالنسبة لبعض عقود الشغل الخاصة منها :
-عقود شغل الاجانب (طبقا لما نتص الم516 من المدونة, فانه يجب على كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي، أن يحصل على رخصة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل.
-كذلك كل عقد يربط بين مقاولة التشغيل المؤقت والاجير الذي تم وضعه رهن اشارة المستعمل لابد وان يرد على شكل كتابي طبق لما تنص عليه الم501 من المدونة.
-وايضا ما يتعلق بالوكالات الفنية بحيث نصت المادة402 من المدونة “يجب على هذه الوكالات أن تعرض، مسبقا على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، جميع العقود التي توسطت في إبرامها، قصد التأشير عليها، إذا كان الغرض منها تشغيل فنانين من جنسية أجنبية من طرف مقاولات للعرض التي تزاول نشاطها بالمغرب، أو تشغيل فنانين من جنسية مغربية من طرف مقاولات مماثلة تزاول نشاطها بالخارج”.
-عقد المقاولة من الباطن كذلك لابد ان يتم تحريره كتابة كما جاء في الم86 من المدونة “عقد المقاولة من الباطن هو عقد مكتوب”
وعلى العموم فان المشرع, ان كان لم يشترط الكتابة لانشاء عقد الشغل من خلال ما جاءت به المدوتة واوجدت استثناءات تجعل الكتابة ضرورية. فاننا نعتقد ان ذلك يرجع الى ما تتميز به هذه العقود من خصوصية بالنظر الى الفئة التي تتعلق بها وكذلك دور الشلطات المكلفة في بث مراقبتها عليها, وبالتالي ضمان اكبر حماية لهذه الفئة من الاجراء.
و عقد الشغل اما ان يكون عقد محدد المدة او عقد غير محدد المدة فما الفرق بينهما؟
الفقرة الاولى:عقد الشغل محدد المدة
العقد المحدد المدة هو العقد الذي يعلما طرفيه مسبقا مدة العقد وبالتالي مدة انتهائه كذلك تكون معلومة ، ويعد هذا العقد الاستثناء من الأصل في عقد الشغل وقد يتفق الطرفان على مدة العقد مثلا تحدد في سنة تبتدئ ، في تاريخ معين وتنتهي في تاريخ لاحق أو العقد المرتبط بإنجاز شغل معين أو العقد الذي يتعهد فيه أجير بالاشتغال مع مقاولة لتشييد الطرق طيلة المدة اللازمة لإنجاز طريق معين ( ).
الفقه اعتاد أن يوضح مفهوم هذا العقد من خلال تحديد حالاته وجردها إما على سبيل الحصر أو على سبيل المثال . وعقد الشغل محدد المدة يبرم في الحالات التي لا يمكن أن يكون فيها علاقة الشغل غير محددة المدة وهذا ما نصت عليه المادة 16 من المدونة ، حيث حصرت حالات من :
*إحلال أجير محل آخر في حالة توقف عقد الشغل مالم يكن التوقف ناتج عن الإضراب .
*ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة.
*إذا كان الشغل ذا طبيعة موسمية .
نصت كذلك على أنه يبرم هذا العقد كذلك في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي تحدد بموجب نص تنظيمي بعد استشارة المنضمات المهنية والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو بمقتضى اتفاقية الشغل الجماعية والملاحظ أن مشروع 95 ومشروع 98 عمد إلى جرد حالات عقد الشغل محدد المدة على سبيل المثال إلى حد اعتبر هو الأصل في عقود الشغل إلى أن جاءت المدونة فحسمت الأمر عندما عمدت إلى حصر الحالات.
المشرع سمح بإبرام عقد شغل محدد المدة كذلك في القطاعات غير الفلاحية «م 17 » وذلك عند فتح المقاولة لأول مرة أو مؤسسة جديدة داخل المقاولة أو انطلاق منتوج جديد لأول مرة وذلك لمدة أقصاها سنة قابلة، للتجديد ، وسمح كذلك في القطاع الفلاحي بإبرام هذا العقد لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة على ألا تتجاوز المدة سنتين لانه بتجاوز هذه المدونة يتحول إلى عقد الشغل غير محدد المدة وتطبق عليه أحكام هذا الأخير .
يتضح من خلال تعريف هذا العقد وحالاته أنه لا يعمد إلى هذا العقد إلا في الحالات التي لا يمكن أن يكون فيها علاقة عقد الشغل غير محدد المدة فما هو عقد الشغل غير محدد المدة ؟
الفقرة الاولى:عقد الشغل غير محدد المدة
عقد الشغل غير محدد المدة هو الأصل في عقد الشغل ، وهو العقد الذي لم يحدد مدته من قبل الأطراف عكس عقد الشغل محدد المدة ، هكذا فخارج الحالات المحصورة لعقد الشغل المحدد المدة فإن باقي العقود تظل غير محددة المدة وهذا ما نصت عليه المادة 16 من المدونة.
صور عقد شغل غير محدد المدة من خلال مقابلتها لحالات عقد شغل محدد المدة هي:
*عقد شغل لم يحدد مدته باتفاق الأطراف.
-عقد شغل لم يرتبط بإنجاز مشروع معين .
-عقد شغل ليس له طابع موسمي .
-عقد شغل اشتغل في إطاره الأجير لأكثر من سنة
-عقد شغل محدد المدة سنة وانتهت دون تجديد مع استمرار الأخير في عمله.
*عقد شغل محدد المدة بسنة وجدد مرة واحدة مع استمرار الأجير في عمله.
*عقد التدرج من أجل الإدماج المهني بعد انقضاء 18 شهر دون إنهائه.
* عقد الشغل على سبيل التجربة ، بعد انقضاء المدة القصوى للتجربة دون إعمال الفاسخ
المطلب الثاني:اثبات عقد الشغل
بالرجوع الى الواقع العملي,نجد أن اغلب عقود الشغل المبرمة بين الاجراءومشغليهم هي عقود شفوية,بالنظر الى عدد الاجراء المشتغلين داخل المؤسسة,مما يجعل مسالة ثبات عقد الشغل وانتماء الاجير لهذه المؤسسة من عدمه,خاصة اذا تعلق الامر بطرد تعسفي,وهنا يختلف الامر بين ما اذا كان العقد مكتوبا او غير مكتوب. لان المشغل قد ينكر علاقة الشغل مع اجيره في حين يبحث هذا الاخير في كيفية اثبات علاقته الشغيلة.
فأذا كان عقد الشغل محررا كتابة فان الامر لا يثير اي اشكال نظرا لوجوده المادي,بحيث يكفي لإثبات العلاقة الشغيلة,ولا يجوز اثبات عكس ما ورد فيه. اما اذا كان عقد الشغل غير مكتوب,فان المشرع ومراعاة منه لمركز الاجير الطرف الضعيف في علاقة الشغل,خول هذا الاخير امكانية اثبات عقد الشغل بجميع وسائل الاثبات طبقا لما تنص عليه م18 من المدونة كاقرار الخصم,الحجة الكتابية,شهادة الشهود او اليمين والنكول عنها”.
وعلى العموم فاذا كان المشرع قد أقر حرية اثبات علاقة الشغل بجميع الوسائل,خاصة بالنسبة للاجير الطرف الضعيف,فذلك راجع الى الخصوصية التي يتميز بها عقد الشغل والتي تظهر من خلال توزيع عبء الاثبات بين الطرفين,فالاجير الذي يدعي العلاقة الشغلية يقع اثباتها لأنه يتمسك بغير الاصل الذي هو عدم وجود علاقة شغيلة.كما يكون عليه اثبات عنصر الاستمرارية,وجميع العناصر المرتبطة بعقد الشغل,خاصة اذا تعلق الامر بامتيازات تفوق الحد الادنى المنصوص عليه القانون,وفي المقابل يبقى على المشغل تقديم جمبع الدفوعات التي ينفي بها تلك العلاقة تطبيقا لما ينص عليه ق400من ق.ل.ع “اذا ثبت المدعي وجود الالتزام كان على من يدعي انقضاءه او عدم نفاده تجاهه ان يتبث ادعاءه”.
الفقرة الاولى:اثبات مغادرة العمل
مسألة مغادرة الشغل من طرف الأجير من تلقاء نفسه تحرر المشغل من مجموعة من الإلتزامات يفرضها عليه قانون الشغل الذي يسعى المشرع من خلاله إلى حماية الأجير بإعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية و المغادرة التلقائية للعمل كشكل من أشكال إنهاء عقد الشغل من طرف الأجير لا تطرح أي اشكال إذا كان التعامل بحسن نية و معبر عنها بإرادة حرة و واضحة إذ توصف بالإستقالة التي يعبر من خلالها الأجير عن ارادته في إنهاء العقد من طرفه و التحلل من هذا العقد.
إلا أن الإشكال يبقى مطروحا عندما يدعي المشغل بأن الأجير غادر العمل من تلقاء نفسه في حين قد يدعي الأجير خلاف ذلك و بأنه كان عرضة لفصل تعسفي و هذا الإشكال يقودنا إلى التساؤل عن الطرف الذي يقع عليه عبء إثبات هذه المغادرة ؟ هل على عاتق الأجير أم على المشغل ؟
– على من يقع عبء الإثبات؟
هنا تطبق القاعدة العامة بأن من ادعى شيئا عليه الإثبات ،وهكذا فإن إثبات العلاقة الشغلية تقع على عاتق الأجير لأنه يتمسك بغير الأصل الذي هو عدم وجود علاقة شغلية بين الطرفين ، وإثبات سبب الفسخ يبقى على عاتق المشغل بخلاف الظاهر ، و الأصل هو ألإستمرار في العمل وإذا ادعى المؤاجر أن العلاقة الشغلية قد انتهت فعليه الإثبات .
أما بالنسبة لمدونة الشغل فإن المادة 63 سارت على نفس الإتجاه حيث نصت في فقرتها الثانية أنه يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي المغادرة التلقائية للأجير .
و لقد فرض الواقع المعاش أنه على القضاء إخراج النبت من أرضية القانون المدني بطريقة أصبح يألفها أطراف العلاقة الشغلية مع مرور الزمن ، و فضل الفقه إعطاء سلطة واسعة للقاضي الإجتماعي لإعتبار تفسير العقد بناء على حسن النية و عدم إهمال الآثار المتولدة عن الفصل 213 من قانون الإلتزامات و العقود .
فإخضاع المادة الإجتماعية في الإثبات للقواعد العامة يعتبر من العوائق التي تحول دون بلورة قانون مستقل للشغل بقواعده و مبادئه الخاصة به على إعتبار الأخد بقواعد آمرة تحمي الطبقة العاملة وفق مجال أوسع للأجير لإثبات حقوقه بكافة الوسائل .
الفقرة الثانية:وسائل الاثبات لعقد الشغل
إن عقد الشغل على اعتبار أنه عقد مدني في أساسه، إلا أنه يخضع لقواعد خاصة ينفرد بها وينطبق عليه القانون الإجتماعي.
فالقواعد المنظمة للإثبات في قانون الشغل تنطلق من وسائل الإثبات التي تختلف تبعا لكل نازلة على حدة. ويمكن إثبات جميع الحقوق بجميع وسائل الإثبات الممكنة ونذكر منها:
– بطاقة الشغل
– بطاقة الأداء
– شهادة العمل
– وصل صافي الحساب
– مقرر الفصل
– بعض المراسلات المتبادلة بين المشغل والأجير
– المستندات الالكترونية والتوقيع الإلكتروني
-
بطاقة الشغل:
لقد نصت مدونة الشغل في المادة 23 وبصيغة الوجوب أنه من حق الأجير أن من يتسلم من مشغله بطاقة الشغل وقد حددها المشرع بواسطة نص تنظيمي مرسوم عدد 422-4-2[8] والتي يجب أن تتضمن:
_الاسم الاجتماعي للمؤسسة أو الاسم الكامل للمشغل؛
_رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
_المقر الاجتماعي للمقاولة أو عنوان المشغل؛
_الاسم الشخصي والعائلي للأجير وتاريخ ازدياده وتاريخ دخوله إلا العمل ووظيفته؛ و مبلغ أجرته ورقم تسجيله بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛إسم شركة التأمين.
وقد رتب المشرع بمقتضى المادة 25 من المدونة جزاءات عند عدم احترام البيانات اللازمة ببطاقة الشغل و نص على غرامة مالية من 300 درهم إلى 500 درهم.
-
بطاقة الأداء:
لبطاقة الأداء أهمية كبرى في إثبات العلاقة الشغلية وإثبات الأجر وإثبات عدم التوصل بعلاوة الأقدمية أو أنها تدخل ضمن الأجر، وإثبات استمرارية العمل أو عدمها، بالنظر إلا تواريخ العمل ومدة العمل التي قضاها. إلا أنه إذا كانت بطاقة الأداء تتضمن كلمة أنه مؤقت أو لمدة محددة فيبقى طابع الوقتية يشوب ورقة الأداء بالرغم من اشتغاله أكثر من المدة المطلوبة قانونا.
-
شهادة العمل:
نصت المادة 72 من مدونة الشغل أنه على المشغل أن يسلم الأجير شهادة العمل في أجل محدد لا يتعدى 8 أيام وتحت شروط معينة حتى يتأتى للقاضي ضبط ظروف الأجير ويتوفر على معلومات كافية للبت في النازلة إذا كانت معروضة عليه ويتعلق بنزاع حول مدة العمل أو طبيعته وحتى المؤهلات المهنية إذا اتفق الطرفان على ذلك.
كما أنا شهادة العمل حجة تسلم للأجير عند طلبها من المشغل، و إذا طلبها الأجير وتقاعس المشغل عن تسليمها له، يستحق تعويضا تقدره المحكمة لم لها من سلطة تقديرية للتماطل، و التماطل يمكن أن يثبت بجميع وسائل الإثبات بما في ذلك رسالة الإنذار مع الإشعار بالتوصل.
-
وصل صافي الحساب:
تطرقت إليه مدونة الشغل في المادة 73 على أن التوصيل الذي يسلمه الأجير للمشغل عند إنهاء العقد لأي سبب كان وذلك قصد تصفية كل حساب اتجاهه وتعتبر هي الأخرى حجة ووسيلة إثبات يمكن أن يتسلح بها الطرفين في إثبات نقطة معينة ثار الخلاف حولها.
-
مقرر الفصل:
و يقصد به الرسالة الموجهة للأجير من طرف المشغل يخبره بفصله عن العمل، و تتجلى أهمية هذه الرسالة إضافة إلى إثبات العلاقة الشغلية، مدى احترام المشغل للمسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل ومدة استفادة الأجير من فرصة الدفاع عن نفسه عن طريق إرفاق المقرر بمحضر الاستماع ثم حصر الأخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل ولا يمكن للمحكمة أن تنظر في الأخطاء الواردة بمقرر الفصل.
بعض المراسلات المتبادلة بين المشغل و الأجير:
للمحكمة السلطة التقديرية في تقييم الحجج و لا رقابة عليها إلا من حيث التعليل.
-
المستندات الالكترونية والتوقيع الإلكتروني:
أمام غياب المستند الورقي والدليل الكتابي في العمليات التي تتسم بواسطة الوسائل الجديدة تطرح وبحدة المشكل المتعلق بالقيمة الاثباتية للمستندات المعلوماتية، إضافة إلى الاشكاليات القانونية التي يطرحها انعدام التوقيع على هذه المستندات، و الذي تم تعويضه بالتوقيع الإلكتروني أو ما يعرف بالرمز أو الشفرة السرية.
التوقيع الإلكتروني هو ما يوضع على محرر إلكتروني و يتخذ شكل حروف، أو أرقام، أو رموز، أو إشارات، أو غيرها، و يكون له طابع متميز و منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع و يميزه عن غيره.
و أخيرا يمكن القول أن مدونة الشغل قد جعلت عدة حلول لمشاكل الإثبات عن طريق تمكين الأجير من الوثائق الضرورية سبقت الإشارة إليها لتفادي إنكار العلاقة الشغلية، ولتفادي تكييف طبيعة عمل الأجير بإعتباره مؤقتا أو رسميا و مبلغ الأجر و الأداءات التي يمكن عن يدعيها أحد الطرفين بوجودها أو عدم وجودها.
خـــاتـــمــــة
وختاما فإنه ومن خلال ما سبق بالرغم من بعض الثغرات الواردة في النصوص القانونية والخاصة بالحماية القانونية للأجر، فإنها ليست الإشكال الرئيسي في عدم توفير حماية قانونية للأجر بالشكل المطلوب لأن العيب ليس في النص ولكن العيب فيمن يطبق عليهم النص وغياب الوعي بأهمية حقوق الأجراء.
بل وحتى الوعي من جانب الأجير الذي يجب عليه أن يضمن استمرارية المؤسسة الاقتصادية التي ينتمي إليها، لأنها على الأقل فهي تحقق مصلحة عامة ورغم ذلك فإنه من الصعب تحقيق الحماية اللازمة للأجر وبالشكل المطلوب لأنه هناك تضارب في المصالح بين الطرفين فالمشغل يهدف إلى تحقيق الربح والأجير يهدف إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الحقوق.