مقـدمــــــــــــــة:
كلما وجد أناس في مجتمع وهم لابد أن يجتمعوا كانت الجريمة واقعة اجتماعية لابد من وقوعها في المجتمع البشري. فلكون الفرد كائن اجتماعي لايمكنه أن يعيش بمعزل عن الجماعة، وذلك من أجل تعاونهم على تحصيل ضروراتهم وقواتهم، وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة ومنه لابد من تنازع المفضي إلى المقاتلة. وعليه فالجريمة ظاهرة اجتماعية ظهرت بظهور الإنسان، ولازالت مستمرة إلى يومنا هذا. والجريمة لها أضرار جسيمة وتكاليف باهظة ونتائج تنعكس على برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية ورفاهية الإنسان. فالجريمة تسبب خسائر في الأرواح و الممتلكات و الأموال، مما يؤدي إلى إعاقة حركة الإنسان و الحد من حرياته. فالجريمة بهذا الحد لا ينبغي النظر إلها من زاوية القانون الجنائي فحسب، بل ينبغي النظر إليها من زوايا أخرى تبحث في أسبابها و تحلل أبعادها و تعالج جذورها و تعنى بنتائجها و آثارها[1].
بما أن الجريمة غالب الأحيان تتكون من ثلاثة عناصر: الجرم، المجرم والضحية. في بادئ الأمر كان اهتمام المشتغلين بأمر الجريمة منصبا على تحديد الأفعال المجرمة و الجزاءات المقررة لها وهذا ما نادى به أنصار المدرسة التقليدية. ثم بعد ذلك انصب تركيز علماء الإجرام والعقاب وأخصائيو الإصلاح على المجرم من حيث الدوافع و الأسباب على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعي و البيولوجية التي تجعل الشخص يرتكب الإجرام وقد تزعم هذه المدرسة كل من لومبروزو و فيري و وغاروفالو وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
و في القابل فإن الباحثين لم يلتفتوا إلى موضوع الضرر الذي يلحق بالضحية، حيث لقي موضوع الجاني عناية كبيرة دون أن يلقى موضوع المجني عليه حتى القليل منها من طرف علماء القانون الجنائي[2]. باستثناء بعض الإشارات المتناثرة من قبل علماء الإجرام، تمت بصفة عرضية دون اهتمام أو تركيز خاص. والملفت للنظر هو أن هذا العلم بدأت إرهاصاته و اكتمل ظهوره خارج نطاق العلوم الجنائية، و ذلك في كتابات الأدباء و الروائيين الذين بدأوا يعنون بالمجني عليه و بما يضطلع به من دور في الجريمة. لذلك فهنس فون هنتينغ و الذي يعتبر مؤسس علم المجني عليه إنما تأثر بدوره بقصة فرانز ورفيل و التي عنوانها ” القتيل المذنب”.[3].
و يرجع تاريخ بروز هذا العلم إلى المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك نتيجة للآثار الوخيمة التي خلفتها على الإنسانية، فهذا الوضع صدم المفكرين وعلماء الجريمة في أروبا، وأصبحت الحاجة ماسة إلى الاعتناء بالضحايا.
ويعد ظهور كتاب ” الجاني وضحيته” للفقيه هانس فون هنتغ أحد الأسباب التي جذبت الأنظار للمجني عليه. وقد اعتبر الفقيه المذكور أن المجني عليه في بعض الأحيان هو الذي يصيغ المجرم و الجريمة و يشكلهما. و بهذا فإن هناك علاقة متبادلة بين الجاني و الجني عليه[4].
و يرى بعض الفقه أنه إذا كان ميلاد علم الإجرام يرجع إلى سنة 1876 تاريخ صدور كتاب الفقيه لومبروزو بعنوان “الإنسان والمجرم” فإن ميلاد علم المجني عليه يعود لسنة 1947 تاريخ ظهور كتاب الفقيه هنتغ تحت عنوان ” الجاني وضحيته”.[5] و بعد هذا المجهود الفردي تم تنظيم عدة مؤتمرات ولقاءات علمية خصصت لموضوع المجني عليه، نذكر منها ما يلي:
المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات من طرف الجمعية الدولية لقانون العقوبات في لاهاي سنة 1964، والذي تناول في أعماله حقوق المجني عليه في الدعوى العمومية.
كما أن الجمعية المصرية للقانون الجنائي عقدت مؤتمرا في القاهرة سنة 1989، كان موضوعه حول ” حقوق الجني عليه في الإجراءات الجنائية”[6]
و يعتبر علم المجني عليه أحد فرع العلوم الجنائية وذلك لكونه يهتم بدراسة المجني عليه باعتباره طرفا في الجريمة بالإضافة إلى الجاني. ولم يقتصر هذا العلم على دراسة المجني عيله والعلاقة القائمة بينه وبين الجاني أي قبل وقوع الجريمة ثم دراسة الخصائص العضوية و النفسية و الثقافية و الاجتماعية للمجني عليه، و امتد هذا العلم ليشمل دراسة حقوق المجني عليه.
ولا شك أن تحديد الفارق المميز بين علم المجني عليه و العلوم الجنائية الأخرى، وكذا القوانين ذات الصلة إنما تقتضي تحليل علاقة هذا العلم بباقي العلوم و القوانين ذات الصلة، و هذا ما سنقوم بدراسته في هذا العرض الذي نحن بصدده. وعليه سنتناول في المبحث الأول علاقة علم المجني عليه و العلوم الجنائية ذات الصلة. في حين سوف نتناول في المبحث الثاني علم المجني عليه و علاقته بالقانون الجنائي.
المبحث الاول : علاقة علم الضحية بالعلوم الجنائية المساعدة
إن من المسلم به أن كافة العلوم , بمختلف فروعها وتشعباتها , لا يمكنها الإنعزال بعضها عن بعض . وبالنسبة إلى العلوم الجنائية , وللوصول إلى مزيد من الفهم الدقيق والضبط المنهجي المنطقي لها , كان لا بد من دراستها مجتمعة للوصول الى مدى التأثير والتأثر الدائر بينها.
وكذلك الحال بالنسبة إلى علم الضحية , والذي يعتبر من العلوم القديمة المتجددة , فهو يعرف علاقة وصلة وثيقة ببقية العلوم الجنائية الاخرى . وهذه الاخيرة سنتناول منها العلوم الانسانية الجنائية في مطلب , على ان نخصص المطلب الثاني لبقية العلوم الجنائية ذات الصلة .
المطلب الاول : علاقة علم الضحية بالعلوم الانسانية الجنائية
بعد ان تم توضيح المقصود بعلم الضحية في المقدمة . فانه لا بد من تعريف موجز للعلوم الانسانية بصفة عامة , فالعلوم الانسانية : هي مجموعة من التخصصات العلمية التي تدرس الانسان والنواحي المختلفة من النشاط البشري .
وهذا الاخير من صوره , نجد العلاقات التي يقيمها الانسان مع غيره من ابناء جلدته المحيطين به والتي تكون ايجابية او سلبية . والعلوم الانسانية الجنائية هي التي تهتم بدراسة الجريمة باعتبارها احد مظاهر النشاظ البشري . والجريمة نجد فيها طرفان هما : الجاني (المجرم ) , والمجني عليه(الضحية). وما يهمنا هو هذا الاخير . فالى اي حد يتداخل العلم المهتم بالضحية مع العلوم الانسانية ؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بينه وبين هذه العلوم ؟
وهذا ما سنحاول الاجابة عنه من خلال التطرق الى ثلاثة علوم هي : علم النفس القضائي , وعلم النفس الجنائي , وعلم الاجتماع الجنائي , في ثلاث فقرات على التوالي .
- الفقرة الاولى : علم النفس القضائي(Psychologie Judiciaire)
يدرس علم النفس القضائي النفسية التي يلعب صاحبها دورا في خصومة اجتماعية تضع طرفا في موقف الخصم من الطرف الاخر. فعلم النفس القضائي يختص بدراسة نفسية الاشخاص ذوي العلاقة الجنائية اثناء سير اجراءاتها[7].
فالمتهم ووكيل النيابة والقاضي والشاهد والخبير والمحامي والمجني عليه كلهم موضوع علم النفس القضائي , الذي يهتم بدراستهم من الناحية النفسية , اذ بمعرفة كل شخص او طرف لنفسه وللاخر يصبح من الممكن الوصول الى تطبيق صحيح للعدالة وهي الغاية المثلى للمجتمعات الانسانية[8].
وهنا يتضح لنا اهمية علم النفس القضائي , فهو من جهة يلعب دروا بارزا في تكوين اللبنة الاساسية التي تشكل القضاء وهي القاضي , والذي يتولى باحكامه وقراراته مصائر افراد المجتمع. ومن الجهة الثانية , يلعب هذا العلم دورا بارزا في حماية المتهم والمجني عليه معا وتحقيق العدالة المنشودة[9]. وما يهمنا هنا هو الطرف المجني عليه .
اما علم المجني عليه فيركز في ابحاثه على الجانب النفسي لهذا الاخير باعتباره طرفا رئيسيا في الدعوى الجنائية[10]، وكذلك علم النفس القضائي فيركز على دراسة الحالة النفسية للمجني عليه خلال التحقيق والمحاكمة لمعرفة درجة تاثره بالاضرار اللاحقة به في التحامل بدعواه على المتهم , او عما اذا كانت لديه دوافع اخرى لا علاقة لها بالجريمة لتوجيه التهمة جزافا الى المتهم , كرغبة في الانتقام منه لعداوة سابقة. كما ويجب التمعن بحذر في اقوال المجني عليه , مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف التي احاطت به عند ارتكاب الجريمة ضده وبعد ارتكابها .
بذلك يصبح من الواضح مدى الصلة القائمة بين العِلمين , حيث ان كلاهما يهتم بالجانب النفسي لطرف من اطراف القضية الجنائية الا وهو المجني عليه.
فالبحث العلمي في هذا المضمار يؤكد على ان المجني عليهم الاحتماليين معرضون لان يكونو ضحايا جرائم بسب حالتهم النفسية , وهذا ما يقوم دليلا على اهمية الدراسة النفسية في علم المجني عليه , ووثوق علاقته بعلم النفس القضائي[11].
ومما لا شك فيه ان تواجد هذه النفسية لدى المجني عليه انما هي نتيجة حتمية لمجموعة من العوامل , وهذا ما سنتناوله في الفقرة الثانية(علم النفس الجنائي).
- الفقرة الثانية : علم النفس الجنائي(Psychologie Criminelle )
بداية ولمزيد من الضبط لمصطلح علم النفس الجنائي , نود الاشارة الى العلاقة القائمة بينه وبين علم النفس الجنائي بصفة عامة وكيف ينحدر منه. فعلم النفس : منهج اكاديمي وتطبيقي يشمل الدراسة العلمية لوظائف العقل البشري وسلوك الانسان – سلوك الانسان- يكون عادة مرتبطا بالبيئة , وهو إما واعي او غير واعي , مقبول او غير مقبول , وللسوك تاثير مباشر على العالم الخارجي المحيط بالكائن الحي , مما قد ينشا عنه بعض المشكلات العملية في علاقات الناس بعضهم ببعض[12]، ومن اهم هذه المشكلات العملية نجد الجريمة .
وعلم النفس الجنائي يسعى الى تفسير ظاهرة الاجرام من خلال تحري اسبابها النفسية لدى المجرم وكذا خواطره وانفعالاته , الى غير ذلك من العوامل والاسباب التي لا يمكن دراستها في معزل عن المجني عليه ودوره فيها[13].
يتضح لنا من خلال ان علم النفس الجنائي يهتم بدراسة العوامل النفسية لظاهرة الجريمة , المتمثلة في مجموعة من العلل النفسية مثل: “الاختلالات الغريزية ,والعواطف المنحرفة , والامراض النفسية….. الخ”[14].
اما علم الضحية فهو يهتم -وكما سبقت الاشارة – بدراسة العوامل النفسية التي بامكانها ان تهيء الشخص ليصبح ضحية .
بذلك تتضح العلاقة الوثيقة بين علم النفس وعلم الضحية , من حيث كونهما يتناولان نفس العوامل عند المجني عليه , ولمزيد من التوضيح نورد المثال التالي :-
يتولد لدى ضحايا الجرائم الخطيرة شعور بالعجز عن فعل اي شيء امام ما يلحق بهم , شعور يتولد عنه احساس بفقدان الحرية وبالمهانة . هذا الشعور يتولد عنه شعور اخر بتوبيخ الضمير عند الضحية لانها لم تحرك ساكنا للدفاع عن نفسها,
وهذا يكون لديه انعكاس على الحياة الخاصة بالضحية ,بحيث يتغير مجرى حياتها وبالتالي تصبح فريسة للخوف والتوجس ,فتعيش الضحية آنذاك داخل اطار من الاحتياطات لتفادي تعرضها لنفس الاختبار , مثل تجنب التنقل وحيدة , ومن ثم تفقد الضحية طعم الاستقرار .
فهذه الحالة النفسية للضحية في المثال السابق , تكون محل اهتمام كل من علم النفس الجنائي وعلم الضحية , بهدف تفادي تجنب وقوع الضحية مجنيا عليها مرة اخرى .
وبعد دراسة مجموعة العوامل النفسية الخاصة بالضحية فانه نتيجة للصفة التي يمتاز بها الانسان من حيث كونه اجتماعيا بطبعه فانه لا بد من تناول اثر المجتمع والظواهر الاجتماعية المختلفة على الضحية , وهذا ما سنحاول التطرق اليه في الفقرة الثالثة .
- الفقرة الثالثة : – علم الاجتماع القانوني (Sociologie Criminelle)
إن الصفة الاجتماعية التي يمتاز بها الانسان ادت به الى حتمية العيش داخل مجتمعات , فلا يستطيع ان يعيش بمفرده او منعزلا عن غيره , كما ان الغرائز التي جبل عليها الانسان لتدفعه دائما الى الدخول في علاقات متشابكة مع افراد المجتمع المحيطين به , وفي حال تعارض المصالح داخل اطار هذه العلاقات تنشا اشكالات وخلافات بين افراد المجتمع بصور مختلفة نجد منها الجريمة .
فالجريمة في نظر علم الاجتماع : هي سلوك مخالف لما تقتضيه الجماعة.وقد يحرّم بنص القانون لخطورته على امن وسلامة المجتمع[15].
وعلم الاجتماع الجنائي يهتم بدراسة السلوك الاجرامي في مفهومه الاجتماعي مركزا على العوامل الاجتماعية والتفاعل الحاصل بينها والذي ينتج عنه السلوك المنحرف[16].
وبرجوعنا الى تعريف علم المجني عليه نجده ايضا يهتم بدراسة الصفات الاجتماعية لدى المجني عليه وحتى الثقافية كذلك , ودراسة العلاقة بين الجاني والمجني عليه وتاثير ذلك على الظاهرة الاجرامية .
وعليه نجد ان مجموعة العوامل الاجتماعية كانت محل اهتمام كلا العِلمين سواء بالنسبة الى علم الاجتماع الجنائي الذي يدس تلك العوامل ومدى تاثيرها على وجود الجرائم التي بالضرورة تؤدي الى وجود ضحايا , وهذه الاخيرة كانت محل اهتمام علم الضحية الذي يركز اهتمامه على الآلية والكيفية التي اثرت بها تلك العوامل في وجود الضحية نتيجة لتأثر الضحية في المجتمع المحيط بها.
المطلب الثاني:علاقة علم الضحية و العلم ذات الصلة بالجريمة
الفقرةالأولى: علاقة علم الإجرام بعلم الضحية
يعرف علم الإجرام بأنه ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد و في حياة المجتمع لتحديد و تفسير العوامل التي أدت إلى ارتكابها [17]
فموضوع علم الإجرام ينصب على دراسة الجريمة كظاهرة فردية و اجتماعية تم دراسة الأسباب التي دفعت المجرم إلى ارتكابها
فهناك من يعرف علم الإجرام بأنه العلم الذي يدرس الجريمة من الوجهة الواقعية ,بوصفها ظاهرة فردية اجتماعية، دراسة علمية ،للكشف عن العوامل التي تسبب تلك الظاهرة .
ويتناول هذا العلم بالتالي دراسة شخصية المجرم لبيان الأسباب التي دفعت إلى الإجرام.
ويهتم ببيان خصائص المجرمين والتوصل من وراء ذلك إلى تصنيفهم، المجرم بالفطرة، المجرم بالعادة،المجرم بالصدفة،المجرم بالعاطفة
قبل توضيح العلاقة بين كل من العلمين اي علم الضحية و علم الإجرام يستحسن أن نقوم بمقارنة بينهما لكي تتضح لنا العلاقة
- يصنف علم الضحايا أكاديميا و تنظيميا كحقل متخصص داخل إطار علم الإجرام
- لكن علم الضحية مؤخرا أصبح ياخد طريقا مستقلا و موازيا لعلم الإجرام في بعض الجوانب الفكرية و المنهجية، إذ يلاحظ أن علماء علم الإجرام يبحثون في الأسباب التي
تجعل فردا ما يميل إلى مخالفة القوانين بينما غيره يحترم القانون[18]
- فالبحث عند علماء الإجرام يركز على خلفية الشخص المجرم لتحليل الأسباب و الدوافع وصولا إلى جذور الجريمة
-وعلى عكس ذلك نلاحظ أن علم الضحايا يبحث الأسباب التي تجعل فردا ما آو مكان ما أو مالا معينا ليكون هدفا للمجرمين دون غيره من الأفراد والأمكنة والأموال،و بهذا تركز ابحات علم الضحايا على نقاط الضعف في الضحايا من الأفراد و الأماكن والأموال،وصولا إلى حقيقة دور الضحايا في الجرائم التي وقعت في حقهم،وما إذا كانت تصرفاتهم بالطيش والإهمال أو تحريضهم للغير كان وراء وقوع جرائم في حقهم[19]
و يعتقد علماء الاجرام criminologiste أن أي فرد قد يخالف بعض القوانين خاصة في مراحل الشباب , ولكن ما يثير فضولهم هو استمرار البعض في مخالفة القوانين .
وفي المقابل لا يرى علماء علم الضحية la victimologie غرابة في أن يقود (سوء الحظ) أي فرد إلى المكان الخطأ في الوقت الخطأ فينال منه مرتكب الجريمة , إلا أن ما يزعج العلماء و يدعوهم إلى البحث هو تكرار تعرض الفرد بعينه للجريمة أكثر من مرة .
ويلقي القانون مسؤولية الجريمة على الجاني و يفرض عليه عقوبة معينة عند إدانته , ومع ذلك يسعى علماء الإجرام إلى إيجاد بعض المبررات و إلقاء اللوم على الظروف الاجتماعية و الاقتصادية التي دفعت بالفرد لارتكاب جريمة .
و بالمثل يعترف علم الضحايا بأن هناك أفراد يتحملون قدرا من المسؤولية في الجريمة التي وقعت في حقهم , إلا أنهم يسعون إلى فحص سلوكيات الضحايا و العوامل الاجتماعية و الثقافية التي دفعت بعضهم إلى إلقاء أنفسهم أو ممتلكاتهم للتهلكة من قبل أشخاص خطرين
وبناء على انتماء علم الإجرام وعلم الضحايا إلى حقل العلوم الاجتماعية فإن كلا الطرفين يميلان إلى التركيز على اتباع الطرق السليمة لجمع و تحليل البيانات المتعلقة بالجناة و الضحايا مثل الجنس , العمر , الظروف الاجتماعية و الصحة و الخلفية التاريخية .
ولكن يختلف الطرفان في كيفية الاستفادة من نتائج تحليل تلك البيانات فبينما يستخدم علماء علم الإجرام تلك النتائج في و ضع إستراتجية مكافحة الجريمة و الوقاية منها , يقوم علماء علم الضحايا باستخدام ذات النتائج في وضع خطط و التكتيكات اللازمة لخفض فرص المخاطر و التحكم في الحالات تكرار التضرر من الجريمة .
و يولي علماء علم الإجرام و علم الضحايا العناية.بأسلوب أداء نظام العدالة الجنائية.
إذ يركز علماء الإجرام على فحص و تقيم الكيفية التي يعامل بها مرتكب الجريمة .
بينما يركز علماء الضحايا على فحص و تقيم الكيفية التي يعامل بها ضحايا الجريمة من قبل الشرطة . النيابة .القضاء[20].
ويختلف علم الإجرام و علم الضحايا في بعض الجوانب الهامة و منها ما يلي :
- يتفق علماء الإجرام فيما بينهم على ضرورة اختصار أبحاثهم حول الأنشطة المخالفة للقوانين . دون الاهتمام بالممارسات الاجتماعية السالبة التي لا ترقى إلى درجة مخالفة القوانين
بينما لم يتفق علماء علم الضحايا حول نطاق أبحاثهم العلمية و أنشطتهم الأكاديمية , إذ ترى فئة منهم أن معاناة الإنسان لا تقتصر على التضرر من الجريمة بل ينبغي التوسع في مفهوم التضحية ليشمل معاناة الإنسان من كافة الكوارث و الأزمات الناجمة عن عمل الإنسان كالحروب , المجاعة و القهر السياسي و الكوارث الناجمة على القوة القاهرة كالزلازل و الفيضانات[21] و لكن من المؤكد أن غالبية علماء علم الضحية يرون تركيز جهودهم على مسألة تضرر من الجريمة .
- يفتقر علم الضحية إلى المدارس الفكرية و النظريات الخاصة المماثلة لنظريات و مدارس علم الإجرام التي قسمت علماء علم الإجرام إلى مذاهب متناقضة و متصارعة.
- المهتمون بعلم الإجرام يعملون في بيئة اجتماعية تختلف عن البيئة التي يعمل فيها المهتمون بعلم الضحية [22].
فالأول قد يعمل وسط الفقراء في الأحياء الفقيرة و بين الجانحين و الأسر و الفئات الضعيفة في المجتمع.
على العكس يعمل المهتمون بعلم الضحايا في بيئة اجتماعية غير سالبة تنبعث فيهم روح الإصلاح الهادئ
بعد دراسة هذه المقارنة من هنا يمكن أن نستخلص نوع العلاقة بين علم الإجرام و علم الضحية
علاقة علم الضحية (المجني عليه) وعلم الإجرام
انطلاق من المقارنة يتضح أن هناك صلة و وثيقة بين علم الإجرام و علم المجني عليه اذ اختلف الفقهاء حول مدى استقلالية كل منهما عن الآخر .
فهناك من ينادي باستقلال هذا العلم أي علم الضحية عن علم الإجرام إذ ذهب الأستاذ وليم ” willem h.nagel “في بحثه حول “مفهوم علم المجني علية في علم الإجرام ” إلى القول بأنه لا يمكن التسليم بتبعية علم المجني عليه لعلم الإجرام بالمفهوم التقليدي الذي ينحصر موضعه في مجرد دراسة الجريمة و المجرم [23] و هذا يؤكد إلى ضرورة إلى علم مستقل يتناول المجني عليه.
بينما يرى اتجاه أخر أنه يجب الفصل التام بين علم المجني عليه و علم الإجرام و ذلك على اعتبار أن من غير المعقول دراسة علم المجني عليه في نطاق الجريمة فقط بل يجب أن تشمل جميع الضحايا الكوارث الطبيعية و الكوارث من صنع الإنسان كالحروب مثلا . وهذا ما جاء به الأستاذ B.Mendelson و بالتالي فالأستاذ يعتبر أن علم الضحايا هو علم مواز له أي لعلم الإجرام [24] .
و هناك من يرى أن علم الضحية هو علم مستقل فهو ليس إلا أحد فروع العلوم الجنائية و بالتالي فهو مستقل و إن كانت تربطه بباقي العلوم الجنائية الأخرى و بالأخص علم الإجرام روابط وثيقة [25].
و يقسم أصحاب هذا الاتجاه علم المجني عليه إلى ثلاث أقسام
- الأول : الفرد المجني عليه من حيث دراسة الصفات التي من شأنها جعله عرضه دون غيره للاجرام و بالتالي تحديد و تصنيف المجني عليهم الاحتمالين.
- الثاني : المجني عليه حسب الفئة التي ينتمي إليها من حيث السن أو الجنس أو المهنة أو غيرها
- الثالث : هو علم المجني عليه الخاص بالمجتمع من أجل وقايته من الجرائم التي ترتكب ضده و تأثر عليه .
في حين يرى اتجاه أخر أن علم المجني عليه إنما هو فرع جديد من علم الإجرام معتبرا التركيز على الجريمة و الجاني لتفسير الظاهرة الإجرامية أمر غير كاف و أن الإلمام بالظاهرة الإجرامية يحتم أن يتم في وقت واحد عن طريق دراسة الجريمة و المجرم و المجني عليه[26].
الفقرة الثانية: علاقة السياسة الجنائية بعلم الضحية
تعتبر السياسة الجنائية من المفاهيم القانونية الجديدة التي نتجت عن تطور الفكر الجنائي الحديث .و بالتالي فتعريف السياسة الجنائية ليس أمرا سهلا لذلك فقد اختلفت و تعددت التعارف بشأنها من خلال الاجتهادات المبذولة من طرف الفقهاء القانون مما أدى إلى عدم الاتفاق فيما بينهم على تعريف موحد و شامل و يرجع ذلك إلى تعدد المرجعيات الفكرية و الفلسفية و العملية و كذا إلى اختلاف البيئات و إلى التصور الذي يحكم كل مجتمع .
فمصطلح ”السياسة الجنائية” يعتبر الألماني ( فيور باخ) أول من استعمل في بداية القرن 19 و كان يقصد به ”تلك الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين و في بلد محدد من أجل مكافحة الجريمة ”
و عرف الفقيه “فليبوكراماتيكا” قيدوم مدرسة الدفاع الاجتماعي ” بأنها” دراسة أفضل الوسائل العلمية للوقاية من الاحتراف الاجتماعي و قمعه باعتبار أن غاية الدفاع الاجتماعي إصلاح الأفراد و تأهيلهم اجتماعيا ”
فهذا التعريف يركز على جانب الوقاية و جانب تأهيل المنحرف و إدماجه في المجتمع
ويمكن اعتبار التعريف الذي جاء به الفقيه الفرنسي “مارك انسل” أهم تعريف للسياسة الجنائية ” حيث ذهب إلى أنها تلك السياسة التي تهدف إلى تطوير القانون الجنائي الوضعي و توجيه كل من المشرع الذي يبين القانون و القضاء الذي يقوم بتطبيقه و المؤسسات العقابية “.
و هذا التعريف يعطي نطاقا واسعا للسياسة الجنائية فلا يحصر دورهم من الوقاية من الجريمة أو إيجاد علاج لها . كما ذهب إلى ذلك فقهاء مدرسة الدفاع الاجتماعي بل يجعلها تمتد للتحكم في صياغة قواعد التجريم و العقاب و في الممارسات القضائية و أيضا في تنفيذ الأحكام التي تصدر عن القضاء فالسياسة الجنائية وفق التصور تعني بالمرحلة التي تسبق ارتكاب الجريمة باعتماد سياسة وقائية و شاملة للحيلولة دون وقوع الجريمة . كما تعني بالمرحلة اللاحقة على ارتكاب الجريمة بالدعوة إلى تأهيل الجناة و العمل على إدماجهم من جديد في المجتمع[27].
فإن من الثابت أن السياسة الجنائية و اختياراتها الأساسية إنما تختلف من دولة إلى أخرى و إن كان ذات الهدف دائما، و هو تحقيق الغاية التي يجب بلوغها من أجل حماية الإنسان و المجتمع و اللجوء إلى التحريم و العقاب[28] فالسياسة الجنائية لدولة ما قد لا تصلح في دولة أخرى و ذلك راجع لكون الجريمة ظاهرة اجتماعية تختلف في أسبابها و طرق علاجها باختلاف المجتمعات
إن الجريمة لا تحدث ضررا عاما يصيب المجتمع فقط بل غالبا ما تحدث ضررا ماديا أو جسمانيا أو معنويا لشخص أو أكثر و قد أتاح القانون المغربي للأشخاص المتضررين مباشرة من جراء الجريمة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق بهم أمام القضاء المدني أو أمام القضاء الزجري و بما أن الأمر يتعلق بالسياسة الجنائية في المجال حماية ضحايا الإجرام سوف نحاول في هذه الفقرة التطرق كل من الإمكانيات التي يوفرها المشرع لهؤلاء الضحايا و مدى فعاليتها.
الإمكانيات التي يوفرها المشرع لضحايا الجرائم
يعتبر الضرر الناتج عن أي جريمة يتيح القانون المغربي إمكانية رفع دعوى مدنية تابعة بجانب الدعوى العمومية القائمة على إثر هذه الجريمة أمام القضاء الزجري انطلاق من المادة السابعة من ق المسطرة الجنائية التي تنص” يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسبب في الجريمة المباشرة ”
و يتم ذلك أمام قاضي التحقيق أو المحكمة.
- أمام قاضي التحقيق
يمكن لكل شخص تضرر من جناية أو جنحة أن ينتصب كطرف مدني بعد تقديم شكاية أمام قاضي التحقيق المختص مالم ينص القانون على خلاف ذالك عملا بما جاء بالمادة 92 ق م ج .
و يمكن أن تقدم الشكاية ضد شخص معين أو مجهول و في أي مرحلة التحقيق و كيفما كان نوع الجريمة .
و يجب على الطرف المدني أيضا أن يؤكد شكايته أمام المحكمة بعد إحالة القضية
- أمام المحكمة
أمام المحكمة يمكن للمتضرر أن يطالب بالحق المدني بواسطة الاستدعاء المباشر في مواجهة المشتكي به و الذي يتهمه بالجريمة التي ألحقت الضرر به و إثارة الدعوى العمومية في حقه بعد أدائه الرسوم القضائية و المبلغ الذي تقدره المحكمة للصوائر إذ ارتأت ذلك و تتم هذه الإجراءات المسطرية بواسطة مذكرة مكتوبة تتضمن بيان الضرر و مبلغ التعويض المطلوب.
كما يمكن للمتضرر أن ينتصب كطرف مدني أمام المحكمة بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة عملا بما جاء بالمادة 9 من ق م ج ” يمكن إقامة الدعوى العمومية في آن واحد أمام المحكمة الزجرية المحالة عليها الدعوى العمومية و 348 من ق م ج ” لكل شخص يدعي أنه تضرر من جريمة أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم ما لم يكن قد سبق له أن انتصب طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق ”
- دور الجمعيات في حماية ضحايا الجرائم
من بين المستجدات الإيجابية التي أتى بها ق م ج ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة السابعة على أن للجمعيات ذات المنفعة العامة و المؤسسة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل وقوع الجريمة التي تمس نشاط اهتمام هذه الجمعيات الحق في التنصيب كطرف مدني .
- حماية الضحايا في القانون الصحافة و النشر
يضم هذا القانون الصادر بتاريخ 15/11/1958 المعدل و المغير عدة مرات مقتضيات زجرية مهمة تسعى إلى حماية ضحايا جرائم الصحافة و النشر من جراء القذف و السب أو نشر دعاءات أو وقائع أو صور تمس بالحياة الخاصة للغير
و هذا ما جاء به الفصل 44 من قانون الصحافة يعد قذفا إدعاء واقعة أو نسبتها إلى شخص أو هيأة إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو إعتبار الشخص أو الهيأة التي نسبت إليها .
و يعد سبا كل تعبير شائن أو مشين أو عبارة تحقير حاطه من الكرامة أو القدح لا يتضمن نسبة أية واقعة معينة
- ويعاقب على نشر هذا القذف أو السب سواء كان هذا النشر بطريقة مباشرة أو بطريق النقل………
وكذا الفصل 52 من قانون الصحافة : يعاقب بحبس تتراوح مدته بين شهر واحد و ستة أشهر و بغرامة يتراوح قدرها بين 5.000 و 20.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من نشر ادعاءات أو وقائع أو صور تمس بالحياة الخاصة للغير
2—مدى فعالية هذه الإمكانيات القانونية التي يوفرها المشرع لضحايا الجرائم.
يبدو من هذه الدراسة و انطلاقا من الواقعة المعاش أن القضاء الزجري في مقتضياته الحالية لا يوفر الحماية الكافية لضحايا الجرائم لعوائق كثيفة منها ما هو متأصل في القانون نفسه من جهة و الذي لم يساير تطور التشريعات الأجنبية في هذا الميدان من جهة أخرى و بقي يعتمد على نظريات تقليدية
- العوائق المتأصلة من القانون نفسه
هذه العوائق تعود إلى مايلي
- المحكمة العسكرية
ينص الفصل التاسع من القانون العسكري أنه لا تبث المحاكم العسكرية إلا في الدعوة العمومية و لا يجوز لأي شخص أن يطالب بالحقوق المدنية أمام المحكمة العسكرية إلا في الأحوال التي ستبين في المادة 125 بعده وتنص هذه المادة بأنه ‘ حياد على المبدأ المنصوص عليه في المادة 9 من هذا القانون فإن المحكمة العسكرية التي أصدر الحكم ببرادة المتهم , تحكم بتعويضات الضرر التي يجوز منحها للمحكوم عليه أو لممثله على أثر إجراء مسطرة المراقبة ”
- قضاء التحقيق و المحاكم العادية
إن تنصيب ضحايا الجرائم كأطراف مدنية أمامها يصطدم بشكليات يظهر أنها معقدة بالإضافة إلى الرسوم القضائية و مصاريف الدعوى و الرسوم الجزافية و أتعاب المحامين و طول المساطر و ادعاء الصعوبات في التنفيذ التي كثيرا ما تعرقل تنفيذ الأحكام لعدم توفر مقتضيات زجرية لإجبار المسؤولين المدنين الممتنعين عمدا عن أداء التعويضات المحكومة بها عليهم .. هذه العوائق تقف أحيانا في وجه ضحايا الجرائم و خاصة الفقراء منهم .
عدم مسايرة المشرع لتطور التتشريعات الأجنبية .
بالمقارنة بالتشريعات الأوروبية و خاصة البلجيكي و الفرنسي يعد مصدر من المصادر القانون المغربي نلاحظ أنه لم يساير التطور الإيجابي الذي عرفه القانون الفرنسي و لتوضيح ذلك نسوغ بعض الأمثلة من خلال :
- لجنة تعويض ضحايا الجرائم
هذه اللجنة محدث بموجب القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 03/01/1977 المعدل خلال سنوات 1981/1983/ 1985 / 1990 / 1992 وهي عبارة عن محكمة مدنية معروفة تحت إسم commission d indemnisation des victimes d infractions CIVI Installée auprés de chaque tribunal de grande [29]
هذه اللجنة تتكون من قاضين من نفس المحكمة و شخص راشد من الجنسية الفرنسية معروف باهتمامه بضحايا الجرائم و يترأسها أحد القضاة و تبث في طلبات التعويض المقدمة أمامها من طرف ضحايا الجرائم حسب مسطرة بسيطة للغاية لا تتطلب الشكليات محددة و بعد دراسة الطلب و التأكد من توفر بعض الشروط المطلوبة تصدر قرار يقضي بتعويض يتناسب و أثار الجريمة كما لها أن ترفض الطلب و يبقى قرارها قابلا للاستئناف ممن يهمه الأمر , و يتم أداء التعويض بواسطة صندوق خاص داخل أجل شهر ابتداء من تاريخ تبليغ القرار اللجنة الصندوق الخاص معروف تحت اسم fonds de garantie des victims d actes terrorostes et d autres infractions FGTI .[30]
- لجنة خاصة بتعويض بعض بتعويض بعض ضحايا الإجرام
أنشأت هذه اللجنة بمقتضى قانون فاتح غشت 1985 في القانون البلجيكي تحت اسم La commission pour l aide financier aux victims d arctes inteentionnels de violence
و تخص هذه اللجنة بالتعويض في جرائم العنف العمدية كلما توفرت بعض الشروط الضرورية [31]
- 4- اتجاه الاتحاد الاروبي .
ومن جهة قام الاتحاد الأوروبي باتخاذ الإجراءات القانونية الأولية ذات الطابع الإلزامي لحماية الضحايا الإجرام على الصعيد الأوربي منذ 25/11/1985 بعد المصادقة على اتفاقية تعويض ضحايا الجرائم في أوروبا كما تمت المصادقة أيضا على عدة توصيات تسير في نفسه الاتجاه منذ 1985
و يتبين من خلال هذه الأمثلة سواء على الصعيد الأوروبي كدول أو كاتحاد .العناية المتزايدة بضحايا مختلف الجرائم و مدى المساعدات التي تحضى بها هذه الفئة المتضررة و نتمنى أن تسير السياسة الجنائية المغربية في نفسه الاتجاه .
الفقرة الثالثة: علاقة علم الضحية بعلم العقاب
إن موضوع علم العقاب ينصب أساسا على تنفيذ الجزاء الجنائي فالجزاء الجنائي هو رد الفعل الاجتماعي بالنسبة لمن صدر منه سلوك إجرامي غير مشروع .
و هذا الرد الفعل الاجتماعي يتخذ في مواجهة السلوك الإجرامي الذي يشكل جريمة
صورتين العقوبات الجنائية والتدابير الاحترازية.[32]
وإذا كان الهدف الحقيقي و البعيد للعقوبات الجنائية : إنما يمكن في مكافحة الجريمة أي في حماية الحقوق و المصالح التي يرى المشرع الجنائي أنها جديرة بالحماية الجنائية .
فتلازم كل من الجريمة و العقوبة , إنما هو أمر منطقي لذلك لأن الجريمة إنما هي سلوك إجرامي يحظره النص القانوني الجنائي . بحيث يقرر له جزاء جنائيا. إذ يتبين لنا أنه كلما تحقق السلوك الإجرامي لابد من توافر أثار مختلفة مترتبة على هذا السلوك و من أهم هذه الآثار توقيع الجزاءات الجنائية الذي تعد العقوبات من أقدم صور هذه الجزاء .
وكان الهدف (الغرض) من العقوبة في بداية العهد و لغاية ما قبل الثورة الفرنسية إنما يتمثل في الانتقام الفردي أو “الثأر”
تم تطور الغرض من العقوبة بعد ذالك إلى الانتقام الجماعي الذي يعتمد على السياسة في بعض الاحيان تم على الدين في أحيان أخرى أو على كل من الدين و السياسة في أوقات ثالثة.
فالمدرسة التقليدية ترى أن الهدف من العقوبة هو تحقيق المنفعة الاجتماعية أو بمعنى أخر منع المجرم و منع غيره من الناس إلى ارتكاب جرائم جديدة في المستقبل و هذا ما يعبر عنه بالردع الخاص و الردع العام و تحقيق العدالة كما أن أغراض العقوبة سيادة الدولة على إقليمها
أغراض التدابير الاحترازية تتركز في مواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في نفس الجاني أي بمعنى أخر أن الهدف الوحيد من التدابير الاحترازية إنما هو إزالة الخطورة الإجرامية بمعنى أخر هو القضاء على العوامل الدافعة إلى الظاهرة الإجرامية , ومن ثم الحيلولة بين الجاني الذي تتوافر لديه العوامل الداخلية لارتكاب الجريمة و بين ارتكابه الجريمة في المستقبل , و ذلك بهدف أن يصبح المجرم عضوا صالحا في المجتمع , ومن تم يسلك السلوك المطابق للقانون
و من ما تقدم نرى أن غرض التدابير الاحترازي الخاص بإزالة الخطورة الإجرامية إنما يشترك مع غرض العقوبة فقط في إصلاح الجاني و تأهيله دون بقية الأغراض الأخرى.
ويمكن القول بأن، علم الضحية و علم العقاب يشتركان معا في مواجهة الظاهرة الإجرامية .
ذلك أن دور علم العقاب في مكافحة الظاهرة الإجرامية يكون بعد و وقوع الجريمة .
في حين أن علم الضحية (المجني عليه ) يقوم بدراسة الظاهرة الإجرامية و مكافحتها من خلال التركيز على الشخص المجني عليه و صولا إلى فهم أسباب الجريمة[33]
المبحث الثاني: علم المجني عليه وعلاقته بالقانون الجنائي
المطلب الأول: علاقة علم الضحية بالاتفاقيات الدولية :
رغم ظهور ضحايا الجريمة في الستيينات من القرن العشرين الا ان الاتفاقيات الاقليمية والدولية بدات تتبلور في منتصف السبعينات، اذ ان مؤتمر الامم المتحدة الخاص بمنع الجريمة ومعاملة المذنبين لسنة 1975 قد ناقش ولاول مرة الاثار الاجتماعية والاقتصادية للتضرر الجنائي، وجاء مؤتمر الامم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين “كراكاس 1980” ليخاطب مباشرة ضحايا الجريمة بتكوين الجان التي تقوم بالدراسة ووضع مسودة للمواجهات وحقوق ضحايا الجريمة، وفي عام 1983 اصدر المجلس الاوروبي انموذجا لاتفاقية ضحايا جرائم العنف،وفي عام 1984 تمت اضافة (حقوق ضحايا الجريمة) في ثلاث وثائق قانونية ذات مكانة علمية وهي[34]:
- التشريع النموذجي لمعهد الامم المتحدة لمنع الجريمة والسيطرة على الجريمة
- التشريع النموذجي للجنت القانون الجنائي الدولي التابع للجمعية الدولية للقانون
- التشريع النموذجي للجمعية الدولية للقانون الجنائي.
وفي عام 1989 اصدر المؤتمر السابع للامم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين ( ميلانو) اعلان القواعد الاساسية لعدالة المتضررين من الجريمة وسوء استعمال السلطة وذلك بناء على مسودة الاعلان التي اعدتها لجنة من خبراء الجمعية العربية للمتضررين من الجريمة، وتمت المصادقة على الاعلان بوسطة الجمعية العامة في عام 1985 وقد جاء الاعلان رغم معارضة الولايات المتحدة وقلة من الدول التي كانت تنادي بان يكون الاعلان قاصرا على المتضرر سياسيا كالاضطهاد العنصري والمتضرر اقتصاديا بواسطة تناقص المعاملات الاقتصادية والسياسية الدولية والقومية.
ورغم هذا التعميم اعطى الاعلان اعتبارا خاصا ومركزا كالمتضررين من الجريمة في الاتي:
- الوصول الى العدالة الجنائية
- المعاملة العادلة
- التعويض
- الخدمات الاخرى التي من شانها ان تعين الضحية على الخروج من ازمته النفسية والاجتماعية والاقتصادية[35].
واصبح الاعلام ملزما لجميع دول الاعضاء خاصة الموقعة منها على الاعلان، ويلزم اعلان دول الاعضاء ان تقوم بتقنين المواجهات والقواعد العامة لمعاملة المتضررين من الجريمة في التشريعات القومية، وبالفعل قامت بعض الدول على اصدار قوانين خاصة بالمتضررين من الجريمة قبل اوبعد صدور اعلان المنظمة الدولية.
ففي الولايات المتحدة اجاز الكنكريس القانون الاتحادي لحماية المتضرر من الجريمة والشهود عام 1982[36] . وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد اصدرت قوانين مماثلة منذ السبعينات.
وفي عام 1984 اجاز الكنكريس قانون ضحايا الجريمة والذي اتى بنصوص تلزم الحكومة بتوفير المال الازم (100 دلار سنويا) لتطبيق القانون وذلك عن طريق عائدات الغرامات التي تحكم بها المحاكم الجنائية والاموال المصادرة ومبالغ الكفالة والضمان دون ان يتاثر دافع الضرائب العادية وفي اليابان صدر قانون تعويض المتضررين من الجريمة عام 1973، ويتميز القانون اليباني لشموله على قوعد تنظيم تعويض المتضرر من الجريمة، وكذلك المتضرر من الاجراءات الجنائية بصفة عامة كالشهود المتهمين الذين يتم القبض عليهم او تتخذ ضدهم اجراءات قانونية وتثبت براءتهم متى ثبت تضررهم ماديا او معنويا من تلك الاجراءات الداخلية.
اما المشرع البريطاني فقد وضع قانونا خاصا للعدالة الجدنائية في عام 1967 لمعالجة مسالة التضرر من جرائم الغش والاحتيال ولم يكن شاملا لقواعد تعويض المتضررين من الجريمة التي لم تكن واضحة في ذلك الوقت.
وفي عام 1986 وبناء على توصيات لجنة اللورد روسكل التي اتشترت الى قصور قانون العدالة الجنائية سنة 1967 وخطورة جرائم الغش التي باتت تهدد المركز التجاري العالمي للعاصمة البريطانية تم اصدار قانون جديد للعدالة الجنائية عام 1987 متضمننا كيفية التعويض في الجرائم الجنائية المتعلقة بالمال.
وفي عام 1988 صدر قانون العدالة الجنائية متضمننا معظم التوصيات والتوجهات العامة الصادرة من الامم المتحدة بشان العدالة الجنائي، ومعاملة المتهميين وتعويض المتضررين من الجريمة ومنحهم جميع الحقوق التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة[37].
اما فيما يخص المغرب، فان التعريف بالقانون الجنائي جرى الفقه على تعريفه بانه ذلك الفرع الذي تعدد قواعده:
- المبادئ العامة للتجريم والعقاب التي تطبق على جل واغلبية الجرائم
- السلوك الانساني الذي يعتبر جريمة وجزاء المحدد سلفا من طرف المشرع لردع اتيان هذا السلوك المحضور
- الاجراءات الواجب اتباعها في البحث والتحقيق عندما ترتكب جريمة من الجرائم، ومسطرة محاكمة مقترف هذه الجريمة وكيفية تطبيق العقوبة التي حكم بها عليه…[38]
ويتضح مما سبق ان القانون الجنائي جاء لحماية المتضرر او المجني عليه ( الضحية) وفي المقابل حماية حقوق المتهم (الجاني) وكذلك حماية المجتمع وهي عملية صعبة المنال حيث لا يجوز حماية حق فئة على حساب اخرى.
ولتحقيق هذا المبتغى اي عدم اهدار حقوق كل من الفيئات الثلاث – المتهم، المجتمع، والمجني عليه- لابد من معرفة العلاقة التي تربط بينهما
المطلب الثاني: علاقة علم المجني عليه في قانون الجنائي
يعرف الاستاذ Magol و Vidal ان قانون العقوبات وطمانة الخواطر وتامين احترام الحقوق الرئيسية ومراعات القوانين الاساسية بطريقة اكثر حزم[39].
ويعرفه الاستاذ Garraud بكونه القانون الذي يكون ميدانه وموضوعه هو حق العقاب[40]. وفي نظرنا فان القانون الجنائي لا يكون موضوعه هو حق العقاب فقط وذلك لكونه يحتمل ان يكون موضوعه اما العقاب او التبرير او التدبير الوقائي…
واذا كان قانون العقوبا يهدف الى حماية المصالح والقيم الاجتماعية مراعيا في ذلك ارضاء الشعور بالعدالة من خلال مقابلته للجريمة بالجزاء تامينا للاستقرار الذي يبعث الطمانينة في النفس[41] ، فان تحقيق هذا الهدف انما يرتهن بمقاربة الظاهخرة الاجرامية من جميع جوانبها والاطلاع على كل العوامل المؤثرة في وقوعها، سيما وان علم المجني عليه اثبت ان لهذا الاخير احيانا كثير دورا ايجابيا في جرائم معينة[42].
ويرى الاستاذ الفرنسي كبريال في مؤلفه الفلسفة الجنائية ان التشريع يظل مشوبا بالقصور مالم ياخذ بعين الاعتبار العلاقة المتبادلة بين الجاني والمجني عليه والتي لها مغزاها، ومشيرا الى المسؤولية المحتملة لما قام به المجني عليه[43].
كما ان المشرع المغربي كان مدركا ان للمجني عليه دورا في بعض الجرائم كتلك التي تقع بناء على رضا صادر منه، او في بعض حالات الاستفزاز او الدفاع الشرعي مراعيا في ذلك موقف المجني عليه وانعكاس ذلك على العقوبة[44]
والراي السائد عند بعض الناس ان رضا المجني عليه يمحو الجريمة – وهذا ما كان معمولا به عند الرومان طبقا للقاعدة المشهورة ليس للراضي ان يتمسك بالاذى او لا مضر في القبول[45] على الجرائم الواقعة على الاشخاص وطبقا لهذا المبدا فان الجريمة لا تقوم اذا قبل المجني عليه مقدما بوقعها عليه[46].
كما هو راسخ في الوجدان الحديث ان الجريمة نشاط يمثل الاعتداء على حق مشمول بالحماية القانونية جنائيا سواء اكان حقا عائدا للمجتمع او حقات مشروعا للفرد[47]. ولما كان الاصل العام ان التجريم والعقاب امران متصلان بالمصلحة العامة للمجتمع، وكانت الحماية الجنائية لا تقرر الا اذا كان الحق جديرا بالاعتبار[48]، كان كل اعتداء يطال حقا من حقوق الفرد اعتداء على المجتمع بالضرورة، من هنا كان استنتاج سائغا بان التجريم والعقاب امران لا يرتهنان بارادة المجني عليهم[49] الا استثناء كرضا المجني المجني عليه كسبب للاباحة مثلا في جريمة السرقة، فاذا تمت السرقة برضا المجني عليه فان الرضا يسقط الصفة الجرمية ولا يستقيم ان يعبر عليها بجريمة السرقة لان من عناصرها اتنفاء الرضا.وكذلك رضى المجني عليه على الأعمال الطبية،ادا كان الاصل يعتبر عملية البقر جريمة فان استعمالها بغاية العلاج من طرف طبيب مرخص له فانها تنفي الصفة الجرمية.
كما أن المشرع المغربي وفر الحماية خاصة في بعض النصوص لمن لم يستطع الدفاع عن نفسه وشدد العقوبة على هده الطائفة بسبب السن لعدم القدرة على حماية النفس،كالاطفال أو العاجزين وتعريضهم للخطر،ونجده احيانا أخرى قد اعتبر صفة المجني عليه ركنا في الجريمة،كما هو الشأن في جريمة الاغتصابو اهانة موظف[50].
وفي رأينا أن انعدام صفة المجني عايه لا تعتبر ركنا في الجريمة سواء في الفصلين 486 المتعلق بالاغتصاب و الفصل 263 المتعلق باهانة موظف، وانما يعتبر شرطا مفترضا الذي يكون سابق على ركن الجريمة وانعدامه يؤدي الى تغيير تكيف الجريمة فقط، اما اذا قلنا انه ركنا فانعدامه يجب ان يؤدي الى سقوط الجريمة.
وهكذا لا يسلمنا الا القول ان هناك علاقة وطيدة بين علم المجني عليه والقانون الجنائي، حيث يصعب علينا فهم شق دون الثاني، ومن خلال تفحصنا لمجموعة القانون الجنائي نجد المشرع المغربي قد اشار الى المجني عليه او المتضرر في بعض الفصول بشكل صريح والمتحددة في 17 فصل على سبيل الحصر، وهي كالاتي: (106،107،108،272،299،314،362،411،414، 439،462،473،485،487،488،491،552) والسؤال الذي يمكن طرحه هو هل المشرع المغربي كان موفقا في حماية المجني عليه بسبعة عشر فصلا مقارنة مع المتهم الذي كرس له العديد من الفصول والتي يصعب حصرها؟
المطلب الثالث: علاقة المجني عليه بقانون المسطرة الجنائية
لا احد منا يمكن ان ينكر اهمية القانون الاجرائي – قانون المسطرة الجنائية – وما له من دور في الحفاظ على حقوق المتهم، كحقه في محاكمة عادلة وتمتيعه ببعض الحقوق الانسانية ولو ارتكب اشنع وابشع الافعال المجرمة، فانه بيقى انسان، كما يتميز هذا القانون في نفس الوقت بضمان حقوق المجني عليه ( الضحية) سواء في تحديد له طرق الحصول عن التعويض كما هو الشان في الدعوى المدنية التابعة حسب الفصل 2 من قانون المسطرة الجنائية، وكذلك كتحديد اجل التقادم وغيره …
لكن لابد ان نشير الى ان التعرض لحقوق المجني عليه بالدراسة لاول مرة تم في المؤتمر الدولي لقانون العقوبات التاسع في لاهاي سنة 1964[51]، والذي كان من مضوعاته – دور النيابة العامة في الدعوى العمومية التي تختص بها من حيث المبدا في غالبية قوانين العالم، وفي سنة 1971 قرر مجلس الادارة الجمعية المذكورة ان يكون موضوع” التعويض المجني عليه في الجريمة”[52].
تمر التهمة عادة بثلاث مراحل: الاولى جمع الاستدلالاات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية، والثانية وهو التحقيق الابتدائي وتجريه جهات التحقيق المختصة والمتمثلة في قاضي التحقيق وغرفة الاتهام، اما المرحلة الثالثة فهي المحاكمة على اختلاف درجات التقاضي[53]، اما كل جهة من هذه الجهات الثلاث تبرز دور المجني عليه المضرور من الجريمة، حيث يكون له الحق ان يتقدم بشكواه امام جهات جمع الاستدلالات، كما يكون له الحق في الادعاء المدني امام جهات التحقيق المختصة[54]، او التدخل امام جهات الحكم بل ان قانون المسطرة الجنائية يقرر له في بعض الجرائم حقا هاما يستطيع به ان يقيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، فان شاء منعها من تحريكها وان اراد فتح امامها الطريق وذلك هو حق الشكوى[55] ولابد ان للمجني عليه دورا اساسيا في هذه الجوانب المختلفة تتمثل في التبليغ عن الجريمة والكشف عنها حينان وفي اعداد وحفض وسائل الاثبات حينا اخر، كما ان له دورا في اثارة الدعوى العمومية وذات تاثير حتى في قواعد توزيع الاختصاص في المحاكم[56].
يضاف الى ذلك ان المجني عليه احيانا اخرى يكون له دورا في مرحلة التحقيق حيث يؤثر في القضية الجنائية سواء تدخل كطرف مدني ام لا ويزداد وضوحا واهمية خلال مرحلة المحاكمة في سياق النظام الاتهامي المعمول به وكذا مبدا الوجاهية وعلانية الجلسات وغير ذلك من المظاهر التي تتجسد فيها خصائص النضام الاتهامي حيث يضطلع المجني عليه بدور لا ينكر، كما ان للمجني عليه دخلا في تحديد مسؤولية الجاني والعقوبة الواجب التطبيق ناهيك عن التعويض الذي يمكن ان يحكم له به والذي يعتبر في حد ذاته رادعا لتعلقه بالذمة المالية شانه شان الغرامة، ما يجعل الفارق بينهما منحصر في التسمية [57].
بل ان القضاء الجنائي يضل اختصاصه منعقدا للبت في التعويض المطالب به من طرف المجني عليه المتضرر رغم اعلانه عن انهاء المحاكمة في الشق المتعلق بالدعوى العمومية[58]،كما ان المحكمة يمكنها ان تامر برد الاشياء المحجوزة سواء للمجني عليه او لاصحاب الحق فيها[59].
لذى فان قواعد المسطرة الجنائية يجب ان تكون محكمة الصنع على النحو الذي يجب ان تراعى فيها مصالح جميع الاطراف في اطار توازن تام بين حقوقهم اي المجني عليه والجاني وكذا حقوق المجتمع لكي تتصف بالعدالة دون تغليب كفة جهة على اخرى.
ومن خلال ما تقدم تظهر علاقة علم المجني عليه بقانون المسطرة الجنائية لا سيما وان مجال تفعيل حقوق المجني عليه وحمايتها وضمانها تجد مجالا لها في قانون المسطرة الجنائية اكثر من غيره من القوانين. ولعله يتجلى في تطرق المشرع المغربي في عدة حالات الى حماية ضحايا الاجرام حيث حدد مقتضيات خاصة بالحدث المجني عليه.
خاتمــــــــــــة:
إن الدراسات التي تجعل من المجني عليه موضوعا رئيسيا لها أهمية كبيرة سواء من زاوية علم الإجرام أو من زاوية القانون الجنائي، لكونها تعد مدخلا لفهم الظاهرة الإجرامية فهما شاملا و ذلك من خلال دراسة الموقف السابق و المعاصر أو حتى اللاحق للمجني عليه أمام الجريمة ثم علاقته بالجاني.
وهذا يعني بداية مرحلة جديدة في دراسة الظاهرة الإجرامية المتعلقة بالبحث عن أسباب الإجرام وطرق الحد منه، مما يسهل معرفة سبل مواجهتها سواء على مستوى السياسة الجنائية التي ينبغي إتباعها أو على مستوى السياسة العقابية الواجب نهجها.
و من جهة أخرى، فقد أثنت علم المجني عليه لأن كما هائلا من الجرائم ترتكب بناء على الموقف الذي يتخذه المجني عليه تجاه الجاني سلبيا كان هذا الموقف أم إيجابيا، كما الشأن في الاستفزاز الصادر من المجني عليه أو رضاه بارتكاب الجريمة أو تشجيعه عليها أو تسهيل ارتكابها من خلال موقف سلبي يتمثل إما في الإهمال أو ممارسات نوع من الجلب أو الإثارة أو خلق فكرة الجريمة.
وبالتلي فدراسة الظاهرة الإجرامية لجميع أطرافها، من جريمة ومجرم ومجني عليه، ونوع الصلة التي تجمعهم .مما يؤدي في النهاية إلى فهم أسبابها فها أدق وصولا إلى معرفة طرق محاربتها و الحد منها، واتخاذ تدابير وإجراءات وقائية أكثر فعالية تحول دون وقوع الفرد ضحية الجريمة.
[1] د. محمد الأمين البشرى، علم ضحايا الجريمة وتطبيقاتها في الدول العربية. الطبعة الأولى الرياض 2005 ص: 12
[2] مذكرة الماجيستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية لبوجبير بثينة . حقوق المجني عليه في القانون الجنائي الجزائري. السنة الجامعية 2001 ـ 2002 ص: 2
[3] ـ د. محمد الحسيني كروط. المجني عليه في الخصومة ( دراسة تحليلية مقارنة على ضوء علم الجني عليه ) السنة 2011. ص: 35
[4] ـ د. محمد الحسيني كروط. المرجع السابق.ص: 37 و38
[5] ـ محمد الحسيني كروط المرجع السابق. ص: 38
[6] ـ محمد الحسيني كروط المرجع السابقص: 38 و 39
[7] علم النفس الجنائي , للدكتور: اكرم نشأت ابراهيم , الطبعة الرابعة , السنة:2009 ,صفحة:51
- [8] nealwafurat.com , نبذة الموقع عن كتاب رمسيس بهنام (علم النفس القضائي).
- [9] hdrmut.net
[10] المجني عليه في الخصومة , للدكتور:محمد الحسيني كروط , السنة:2011 ,صفحة:50
[11] الدكتور:محمد الحسيني كروط ,م.س, السنة:2011 ,صفحة:50
[13] الدكتور:محمد الحسيني كروط ,م.س, السنة:2011 ,صفحة:40
[14] الدكتور اكرم نشات ابراهيم ,م.س,صفحة:23
[15] الدكتور اكرم نشات ابراهيم ,م.س,صفحة:17
[16] الدكتور عبد السلام بنحدو , مبادئ علم الاجرام ,الطبعة الثانية,السنة : 1999,صفحة:
1 دكتور محمد احمد المشهداني \الاجرام و العقاب في الفقهين الوضعي و الاسلامي سنة 2008 ص7
3
[20] – [20]السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص47
[21]- السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص 48
[22] – السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص 48
[23]– المجني عليه في الخصومة_د محمد حسيني كروط _السنة 2011 ص 45
[24] – المجني عليه في الخصومة_د محمد حسيني كروط _السنة 2011 ص 45
[25]-,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,4
[26]– المجني في الخصومة _د محمد الحسيني كروط السنة 2011 ص46
[27] – السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص48
[28] – السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص 48
[29]السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص359
[30]السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص360
[31]السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق المجلد الأول الأعمال التحضيرية أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004 ص360
[32]_ اصول علمي الاجرام و العقاب في الفقهين الوضعي و الاسلامي _السنة 2008 ص 105
[33]- المجني عليه في الخصومة _د محمد الحسيني كروط _ سنة 2011 ص 47
[34] د. محمد الامين البشرى ” علم ضحايا الجريمة وتطبيقاته في الدول العربية” جامعة نايف العربية للعلوم الامنية/ مركز الدراسات والبحوث” الطبعة الاولى الرياض 2005م. ص148.
[35] د. محمد الامين البشرى. نفس الامرجع.ص 149
[36] Usa. Federal victim and wintess protection act 182
[37] للمزيد من التوزع والاطلاع على بعض الحقوق الاخرى راجع د محمد امين البشرى.م س.
[38] عبد الواحد العلمي. شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام. الطبعة الثالثة سنة 2009.ص7
[39] Vidal et Magol : Cours de droit criminel. T 1 ed- Rousseau Paris-9 eme édition 1949.
[40] R-Garraud « traité théorique et pratique de droit pénal » T.i .Paris. 3eme édition 1913
[41] احمد فتحي سرور. الوسيط في قانون العقوبات. القسم العام دار النهضة العربية الطبعة الخامسة.ص 8و9
[42] محمد الحسيني كروط. المجني عليه في الخصومة. الطبعة الاولى 2011.ص 52
[43] Gabriel tard « pénal philosophié » cited instephen schofer « the victim and his criminal » OP-cit-P1
[44] محمد الحسيني كروط .نفس المرجع السابق ص 53.
[45] احمد فتحي سرور. نفس المرجع.ص 298
[46] Antoin Fahmy Abdou « Le consentment de la victime » thése- Paris-1971L.G.D.J.n2 P14
[47] محمد ناجب حسني. شرح قانون العقوبات القسم العام. 1977.ص 5
[48] R. garraud « traité theorique et Pratique de droit pénal français » tom 1-1913-p519
[49] محمد الحسيني كروط.م.س. ص 167
[50] د محمد الحسيني كروط .المرجع السابق
[51] هذا المؤتمر الدولي يدخل في النشاط العلمي للجمعية الدولية في قانون العقوبات، فهذه الجمعية تدعو الى مؤتمر دولي كل اربع سنوات للنضر في المتوسط في اربع موضوعات ” وتطلق عليه المؤتمر الدولي لقانون العقوبات”
[52] بوجبير بوشينا. حقوق المجني عليه في مذكرة القانون الجزائري. مذكرة ماجستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية سنة 2001/2000. ص 4
[53] بوجبير بوتينة. م. س. ص 10
[54] حسن صادق المرصفاوي: المرصفاوي في الدعوى المدنية امام المحاكم الجنائية، منشاة المعارف بالاسكندرية سنة 1977. ص285
[55] فزية عبد الستار. حق المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية. عن كتاب حقوق المجني عليه في الاجراءات الجنائية. ص 86
[56] راجع الفصل 3 من قانون العدل العسكري الذي اسند الاختصاص الى المحكمة العسكرية للبث في الجنايات التي يكون ضحيتها شخص عسكري سواء كان عسكري او مدني.
1حسن صادق المرصفاوي: المرصفاوي في الدعوى المدنية امام المحاكم الجنائية، منشاة المعارف بالاسكندرية سنة 1977. ص285
[58] فزية عبد الستار. حق المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية. عن كتاب حقوق المجني عليه في الاجراءات الجنائية. ص 863 راجع الفصل 3 من قانون العدل العسكري الذي اسند الاختصاص الى المحكمة العسكرية للبث في الجنايات التي يكون ضحيتها شخص عسكري سواء كان عسكري او مدني.