في الواجهةمقالات قانونية

غياب المراقبة القضائية على قرار رفض التعرض الاستثنائي – خديجة لوبرات

غياب المراقبة القضائية على قرار رفض التعرض الاستثنائي

خديجة لوبرات

طالبة باحثة بماستر التوثيق

والمنازاعات العقارية

مقدمة

سعى المشرع المغربي من خلال ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وكذا التعديلات التي أدخلها عليه بموجب قانون 14.07 المغير والمتمم لهذا الظهير، إلى حماية الملكية العقارية وإدراج العقارات في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع الاستثمار.

وإخضاع العقار لنظام التحفيظ يقتضي إتباع مجموعة من الإجراءات والشكليات يطلق عليها مسطرة التحفيظ العقاري، التي ينتهي مآلها بتأسيس رسم عقاري للعقار موضوع التحفيظ، وقد أعطى المشرع المغربي لكل من ينازع في ملكية العقار المراد تحفيظه أو في مدى هذا الحق أو في حدود العقار، وكذا لكل من يدعي حقا عينيا على العقار المراد تحفيظه، أو من ينازع في حق وقع الإعلان عنه طبقا لفصل 84 من القانون العقاري الجديد، أن يتعرض على مسطرة التحفيظ. والتعرض هو الوسيلة التي بواسطتها يستطيع المتعرض المطالبة بحقه في الملكية العقارية، والوقوف في وجه كل متحايل أراد الترامي عليها، ولا يمكن تأسيس الرسم العقاري للعقار إلا بعد إنهاء التعرض، سواء برفعه من طرف طالب التحفيظ أو بقبوله إياه أو بإلغائه، أو بالبث فيه قضائيا بشكل نهائي.

ولقد حدد المشرع المغربي حالتين لتقديم التعرض: حالة عادية وحالة استثنائية، فالتعرض العادي يكون داخل أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية.

أما الحالة الثانية فهي التي يمكن أن يقبل فيها التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ العقاري، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق شريطة ألا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية، وأن يدلي المتعرض للمحافظ على الأملاك العقارية بالوثائق المبينة للأسباب التي حالت دون تقديم تعرضه داخل الأجل القانوني، وبالمستندات المعززة لتعرضه، كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.

وللمحافظ على الأملاك العقارية الصلاحية الكاملة في عدم الاستجابة لقبول أي تعرض جديد ولا رقابة للمحكمة على قراره، وهذه السلطة تعد سلاحا خطيرا يملكه المحافظ على الأملاك العقارية خصوصا أن هناك بعض الحالات التي يقدم فيها المتعرض وثائق جدية تظهر على أنه محق في تعرضه ومع ذلك يرفض طلب تعرضه.

أهمية الموضوع

وينفرد هذا الموضوع بأهمية بالغة، فغياب المراقبة القضائية على قرار رفض التعرض الاستثنائي يعد مجالا خصبا لتقاطع آراء الباحثين في الشأن العقاري اتفاقا واختلافا، فقد يكون عدم الطعن سبيلا للتخلص من المسطرة، إلا أنه سيشكل خرقا للمبادئ الدستورية وضياع لحقوق المتعرض.

الإشكالية

حتى يتحقق التأطير المنهجي والتوجيه العلمي الحسن للنقاط سالفة الذكر، لا بد أن تصاغ إشكالية مركزية تعد بمثابة الخيط الناظم الذي يحكم هذا الموضوع، وهذه الإشكالية مفادها:

  • ما هو الأثر المترتب على غياب المراقبة القضائية لقرارات المحافظ بخصوص التعرض الاستثنائي؟

وهذه الإشكالية المركزية تتناسل عنها مجموعة من الأسئلة الفرعية التي سنعمل جاهدين على القيام يتحليلها ومناقشتها من أجل إيجاد حل لها، ولعل أبرزها ما يلي:

  • ما مدى قابلية قرار المحافظ بشأن التعرض الاستثنائي للطعن القضائي؟
  • ما الغاية من حصر قرار رفض التعرض الاستثنائي في جهة المحافظ على الأملاك العقارية؟
  • ما مدى توافق الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري مع الدستور المغربي؟
  • ما هي الآثار المترتبة على عدم الطعن في رفض التعرض الاستثنائي؟

 

ولبحث هذا الموضوع ارتأينا اتباع خطة منهجية قائمة على أساس تقسيم ثنائي وفق الشكل التالي:

المطلب الأول: تكييف قرار رفض المحافظ للتعرض الاستثنائي

 المطلب الثاني: دعاوي حصر قرار رفض التعرض الاستثنائي في جهة المحافظ والآثار المترتبة عليه

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: تكييف قرار المحافظ بشأن رفض التعرض الاستثنائي

إن القاعدة العامة هي خضوع جميع القرارات الصادرة عن المحافظ على الأملاك العقارية للطعن القضائي كغيرها من القرارات الإدارية، وذلك استنادا إلى ما نص عليه دستور المملكة وكذا القانون المحدث للمحاكم الإدارية، لكن لكل قاعدة استثناء، ويعتبر الطعن في التعرض خارج الأجل هو الاستثناء الوارد على قابلية جميع قرارات المحافظ للطعن القضائي.

وبهذا سنحاول من خلال هذا المطلب التطرق إلى قرار المحافظ كقرار إداري قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية كغيره من القرارات الإدارية كفقرة أولى، على أن نتناول في الفقرة الثانية عدم قابلية التعرض الاستثنائي للطعن القضائي بمقتضى نص خاص.

الفقرة الأولى: قرار المحافظ قرار إداري قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية كغيره من القرارات الإدارية

تنص المادة الثامنة من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية على أنه: “تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.

وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس المستشارين  وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات  والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين ، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.

وتختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون.

ويتضح من خلال مقتضيات هذا الفصل أن المحكمة الإدارية هي الجهة التي منحها المشرع المغربي الاختصاص للنظر في جميع الطعون الموجهة لإلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة.

وبهذا يكون قرار رفض المحافظ العقاري للتعرض الاستثنائي باعتباره موظفا إداریا، من القرارات التي لا يمكنها الإفلات من رقابة الشرعية أمام الهيئة  القضائية الإدارية المختصة[1].

 

وهذا ما يتماشى مع مقتضيات الدستور المغربي ولاسيما الفصل 118 منه الذي تحدث عن قابلية جميع القرارات الإدارية بمختلف تلاونها للطعن أمام الجهة الإدارية المختصة، تكريسا لمبدأ انسجام التشريعات الأدنى مع التشريع الأعلى. وبما أن المشرع المغربي قد حسم الجدال بخصوص طبيعة قرارات المحافظ و اعتبرها قرارات إدارية صادرة عن سلطة إدارية، فإن قرار المحافظ  برفض التعرض الاستثنائي  تبعا لهذه المقتضيات يعد قرارا قابلا للطعن القضائي أمام الجهة القضائية المختصة. [2]

هذا ما يتعلق برأي النصوص العامة فما رأي النص الخاص بهذا الشأن؟

 

الفقرة الثانية: قرار المحافظ برفض التعرض الاستثنائي غير قابل للطعن بمقتضى نص خاص

جاء في مقتضيات الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله و تتميمه بالقانون رقم 14.07 ما يليبعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية.
يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على الأملاك العقارية، بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل، وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه. كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.
يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي”.
     يظهر من خلال هذا الفصل أنه نص صراحة على أحقية المحافظ العقاري في قبول التعرض الاستثنائي دون ربط ذلك بضرورة تقديم تعرضات سابقة على مطلب التحفيظ، واشترط فقط أن لا يكون الملف قد وجه الى المحكمة الابتدائية، بالإضافة إلى إدلاء المتعرض للوثائق  والعقود المثبتة للحق المدعى به، وكذا تلك التي حالت دون تقديم تعرضه داخل الأجل.

غير أن قرارات المحافظ بشأن رفض التعرض الاستثنائي حسب الفقرة الأخيرة من هذا الفصل محصنة من أي طعن قضائي، بمعنى أنه للمحافظ السلطة الكاملة في اتخاذ قراره ولا رقابة عليه من أي جهة كانت، فهو سيد الموقف هنا، وقراره لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وهو ما يتعارض مع النصوص العامة التي تطرقنا إليها في الفقرة الأولى والتي تقر بإخضاع جميع القرارات الإدارية لإمكانية الطعن القضائي.

وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في عدد من القرارات التي نذكر من بينها القرار الذي جاء فيه:” لكن ردا على الوسيلة بفرعيها، فمن جهة فإنه بمقتضى الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري فإن المحكمة إنما تبث في وجود المدعى به من قبل المتعرض ونوعه ومحتواه ومداه، وبالتالي فإن قبول التعرض أو عدم قبوله هو من اختصاص المحافظ طبقا للفصل 29 من الظهير المشار إليه. ومن جهة ثانية، فإنه ليس هناك ما يمنع المحكمة من قبول الحجج المدلى بها من الأطراف أمامها واعتمادها في قضائها، ولذلك فهي لما ردت الدفع بكونها لا تبت في أجل التعرض و اعتمدت الحجج المدلى بها أمامها لأول مرة فهي لم تخرق المقتضيات المذكورة وكان ما بالوسيلة غير مرتكز على أساس “[3].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: دعاوي حصر رفض التعرض الاستثنائي في جهة المحافظ والآثار المترتبة عن عدم الطعن في قراره

إن سلطة المحافظ على الأملاك العقارية في رفض التعرض المقدم خارج الأجل المحدد هي سلطة قانونية ظاهرا مقيدة بنص قانوني، وباطنا سلطة تقديرية واسعة لا تحتاج إلى تبريرأو تعليل، وهذه الصلاحية لها ما يبررها، من كون المحافظ على الأملاك العقارية إطارا متعدد التكوين و خبير بخبايا أدغال التحفيظ العقاري[4].

وبهذا سنحاول تسليط الضوء على الغاية التي دفعت المشرع المغربي إلى حصر جهة رفض التعرض الإستثنائي في المحافظ على الأملاك العقارية، وذلك ضمن الفقرة الأولى من هذا المطلب. وقد سبق وأن حسمنا في المطلب الأول في عدم قابلية قرار المحافظ في هذا الشأن لأي طعن قضائي، لذلك سنتناول من خلال الفقرة الثانية الاثار المترتبة على عدم الطعن في قرار المحافظ المتخذ بشأن التعرض الاستثنائي.

الفقرة الأولى: دواعي حصر اختصاص رفض التعرض الاستثنائي في جهة المحافظ العقاري

يعتبر هذا المقتضى من المستجدات التي جاء بها قانون 14.07، وذلك بمنح الاختصاص بقبول التعرضات الاستثنائية أو رفضها إلى المحافظ على الأملاك العقارية دون غيره، على خلاف الفصل 29 قبل تعديله الذي كان يتقاسم هذا الاختصاص كل من مؤسسة وكيل الملك والمحافظ على الأملاك العقارية.

والملاحظ ان هذه المسطرة كانت السبب في بطء الإجراءات الإدارية في قضايا التحفيظ العقاري، وذلك أن وكيل الملك يكون ملزما بدراسة كل الطلبات المقدمة من طرف  الراغبين في التعرض خارج الأجل حتى لو كانت طلباتهم كيدية، وهذا من شأنه تراكم الطلبات وهدر الجهد ووقت وكيل الملك.[5]ن

إلا ان الفصل 29 بصيغته الجديدة ألغى الامكانية السابقة التي كانت مخولة لوكيل الملك لفتح اجل جديد للتعرض بعد احالة الملف على المحكمة الابتدائية، وحصر الامكانية المذكورة في المحافظ العقاري دون غيره، وإذا كنا نتفهم الغاية من التراجع عن تخويل وكيل الملك امكانية فتح اجل جديد للتعرض، توخيا لتوحيد الجهة المختصة بمنح هذه الرخصة الاستثنائية المطيلة للنزاع وحصرها في المحافظ العقاري باعتباره صاحب الاختصاص الاصيل، فان دور وكيل الملك كان يخلق نوعا من الحماية الاحتياطية للحقوق المدعى بها والمهددة بالزوال النهائي حال تحفيظ العقار، مما نعتبر معه الصياغة الحالية للفصل
29  بمثابة انقاص لضمانات المواطن وتركيز للسلطة المذكورة بين يدي المحافظ العقاري[6]

 

وكان يتعين فتح إمكانية التعرض الاستثنائي على الأقل أمام رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات، وذلك حينما يكون ملف التعرض محالا على المحكمة أو بواسطة التدخل الإداري، وذلك حتى تتاح الفرصة للمتعرض للتدخل في النزاع ما دام الملف رائجا أمام المحكمة الابتدائية و هي تنظر في الموضوع[7].

الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن عدم الطعن في قرار رفض التعرض الاستثنائي

إن عدم قابلية قرار المحافظ على الأملاك العقارية بشأن رفض التعرض لأي طعن قضائي يرتب مجموعة من الآثار، بحيث يعد ذلك خرقا للقانون الدستوري الذي يعتبر القانون الأسمى على جميع القوانين الدنيا، لكن في المقابل يخدم مصلحة طالب التحفيظ الذي سيتخلص من طول مسطرة التحفيظ التي يمكن أن تترتب على قبول هذا الطعن.

 أولا: عدم قابلية التعرض الاستثنائي للطعن القضائي خرق للقانون الدستوري

بناء على دستور المملكة ولا سيما الفصل 117منه الذي جاء فيه ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون.”

وكذا الفصل 118 من نفس الدستور الذي ينص على ما يلي: حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون.

كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة.”

يمكن القول بأن الفقرة الأخيرة من الفصل 29 المذكور والتي ورد فيها “يكون قرار المحافظ على الاملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي”، تتعارض صراحة مع دستور سنة 2011 كأسمى دستور في المملكة، والذي يؤكد على قابلية أي قرار اتخذ في المجال الاداري، سواء كان تنظيميا او فرديا، للطعن فيه امام الهيئة القضائية الادارية المختصة، مانعا بذلك تحصين أي قرار من الخضوع للرقابة القضائية.

و بالتالي فإن هذا التوجه الذي جاء به الفصل 29 يتعارض كليا مع تم التنصيص عليه دستوريا من مبادئ تضمن لكل شخص الدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون،  وترك مطلق السلطة التقديرية للمحافظ على الأملاك العقارية ليقرر مدى أحقية المتعرض قبول تعرضه المقدم خارج الأجل من عدمه، رغم أنه لا يمكن الجزم بنزاهة جميع المحافظين العقاريين، قياسا على عدم الجزم بنزاهة جميع المسؤولين في مختلف المجالات على الشطط في استعمال السلطة وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ القانون والأخلاق الحميدة، وبهذا فإن عدم قابلية قرار المحافظ هنا للطعن يحرم المتعرض استثنائيا من مبدأ تكافؤ الفرص للجميع.[8]

ثانيا: الطعن في رفض التعرض الاستثنائي إضرار بمصلحة طالب التحفيظ                

إن المشرع سد الباب أمام كل طعن قضائي سواء كان أمام المحاكم الابتدائية باعتبارها ذات الولاية العامة أو المحاكم الإدارية في كل ما لم يسند بنص صريح إلى المحاكم الابتدائية، وبالتالي فلا اجتهاد مع وجود نص صريح، ويبقى من باب أولى على المتعرض سلوك مسطرة التظلم أو الطعن الإداري أمام المحافظ العام، وذلك بمفهوم المخالفة لنص الفقرة الأخيرة من الفصل 29 أعلاه، ولجوء المتعرض إلى المحاكم سواء الابتدائية منها أو الإدارية ما هو إلا إطالة لأمد مسطرة التحفيظ. ففي حالة ما إذا لجأ المتعرض إلى المحكمة للطعن في قرار المحافظ وبلغ هذا الأخير بذلك، فسيصبح ملزما بالتريث في اتخاذ قرار التحفيظ إلى حين معرفة مآل الطعن المقدم من طرف المتعرض، فتضيع تبعا لذلك مصالح طالب التحفيظ.

إذا ما علمنا أن التعرض الاستثنائي ما هو إلا استثناء من الأصل والاستثناء يجب ألا يتوسع في تفسيره وإطلاقه. صحيح أن المشرع منح للمتعرض ضمانات قانونية لكي لا تتعرض حقوقه للضياع، لكنه يجب على هذا الأخير الاستفادة منها قدر المستطاع كي لا يتعرض بالمقابل مركز طالب التحفيظ للضرر، فيصبح معها التعرض الاستثنائي ذريعة للتعسف والابتزاز بغية حرمان طالب التحفيظ من الحصول على رسم عقاري يضمن ملكيته ويصون حقوقه، فالواقع العملي يعج بالتعرضات الكيدية والتعسفية تصبح معها الضمانات الممنوحة للمتعرض من طرف المشرع مصدر ضرر لطالب التحفيظ[9].

كما أنه في الواقع العملي، نجد الحافظ لا يرفض التعرض الاستثنائي وكل ما يطلب هو ألا يكون الملف قد وجه للمحكمة، وأن الوثائق المدلى بها هي وثائق تهم العقار المراد تحفيظه، وألا تظهر له تعرضات كيدية فقط. ومن تم فإن تحصين قرار المحافظ في التعرض خارج الأجل له ما يبرره وأن كانت النصوص الأدنى لا يجب أن تخالف النصوص التي تسمو عليها و ذلك في إطار احترام تراتبية التشريع.[10]

بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك إلى أن من شأن إلغاء مقتضيات الفصل 29 من ظھیر التحفيظ العقاري التقليل من عدد التعرضات والحد من التعرضات الكیدیة، كما سیخفف ذلك من العبء الثقیل على المحافظ العقاري، لاسیما وأنه بالرجوع إلى المحافظات العقارية نجد العدید من التعرضات المجمدة والتي لم تكتمل بعد إجراءاتھا.[11]

 

 

 

 

خاتمة:

يعد القرار برفض التعرض المقدم خارج الأجل من أھم القرارات التي یصدرھا المحافظ على الأملاك العقاریة، وهو القرار الذي اختار له المشرع أن يكون محصنا من أي طعن قضائي بمجرد صدوره من قبل المحافظ. فلا يخضع هذا القرار لأي رقابة قضائية من أية جهة مهما علت، وهو ما اعتبر في نظر ثلة من المهتمين بالشأن العقاري خرقا لأسمى قانون داخل المملكة والذي يحتل المركز القيادي في هرم التراتبية التشريعية، فهذا المقتضى مشوب بعيب عدم الدستورية لتعارضه مع مقتضيات الفصل 118 من الدستور،  الجاعل من كل قرار إداري محلا للطعن أمام الهيئة القضائية المختصة، فهذا الفصل  الدستوري یشكل تكریسا للشرعیة وسیادة للقانون باعتبارهما من مبادئ دولة الحق والقانون التي تأبى تحصین أي قرار إداري مھما علا شأنه وتعددت مصادره واختلفت مجالاته من الرقابة القضائیة، لكون القضاء ھو الحامي الطبيعي والحارس الأمين للحقوق والحریات.

علاوة على ذلك فهناك من اعتبر بأن عدم الطعن القضائي في قرار المحافظ بالرفض، یشجع بعض المحافظين على الشطط في استعمال السلطة ما دام المحافظ على الأملاك العقاریة تبقى له السلطة التقديرية المطلقة لیقرر مدى أحقية المتعرض في قبول تعرضه من عدمه.

إلا أنه من وجهة نظرنا نرى أن إن إعطاء إمكانية للطعن في رفض التعرض خارج الأجل من شأنه فتح الباب أمام تقاعس المتعرضين حتى فوات الأجل،  لعلمهم المسبق بقبول المحافظ على الأملاك العقارية لهذا التعرض والحماية التي سيوفرها القضاء في حالة بسط الرقابة عليه. كما أن التساهل في قبول التعرض الاستثنائي وخضوعه للطعن من شأنه أن يفرغ النص القانوني المحدد للأجل من كل قيمة قانونية.

وحسنا فعل واضع نص الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري حين استثنى قرار المحافظ برفض التعرض خارج الأجل دائرة  مراقبة قضائية.

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

الكتب

  • محمد خيري، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، دار نشر المعرفة للنشر والتوزيع، الرباط 2018.
  • ادريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07 دار نشر المعرفة، طبعة 2013.
  • محمد حروك، نظام التحفيظ العقاري بالمغرب في ضوء آخر المستجدات، مكتبة المعرفة مراكش، الطبعة الأولى 2020.
  • محمد نعناني، إرشاد الساري إلى أصول التحفيظ العقاري، الأحمدية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2017.

 

الأطروحات والرسائل

  • كنزة الغنام، مسطرة التعرض في ضوء القانون العقاري والمساطر الخاصة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2015-2016.
  • حمزة عيلال، الطعن في قرارات المحافظ العقاري أمام القضاء الإداري بین المقتضيات التشريعية والاجتهاد القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2015-2016.
  • وفاء جبروني، دور المحافظ العقاري بشأن التعرضات على مطلب التحفیظ، رسالة لنیل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول ،كلیة العلوم القانونیة والإقتصادیة والإجتماعیة وجدة ،السنة الجامعیة 2007ـ2008.

 

المقالات القانونية

  • سراتة عز الدين، التعرضات الكيدية وأثرها على المشاريع التنموية، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، الإصدار الثالث: العقار والاستثمار دراسات وتوجيهات يوليوز 2020.
  • ادريس الشنقوي، التعرض الاستثنائي بين الضمانة والإضرار، مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية. -ع. 2، 2019.
  • عبد الصمد أبو الفتح، التعرض الاستثنائي ضمانة للمتعرض أم إضرار بمصلحة طالب التحفيظ، مقال منشور بموقع العلوم القانونية الالكتروني، تم الاطلاع عليه بتاريخ 15 يونيو 2022.
  • عبدالاله المرابط دور النيابة العامة في نظام التحفيظ العقاري – منشور بالمجلة المغربية

للاقتصاد والقانون المقارن – العدد 50.

 

القوانين

  • الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011).
  • الدستور المغربي لسنة 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432/ 30 يوليوز 2011.
  • القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، منشور بالجريدة الرسمية، عدد 4227، بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414/3 نونبر 1993.

 

 

 

 

 

 

[1] حمزة عيلال، الطعن في قرارات المحافظ العقاري أمام القضاء الإداري بین المقتضيات التشريعية والاجتهاد القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2015-2016 ص76

[2] ادريس الشنقوي، التعرض الاستثنائي بين الضمانة و الإضرار، مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية. -ع. 2، 2019، ص53

[3] قرار  عدد 797 بتاريخ 2003/03/19 ملف مدني عدد 2002/1/1/3090، أورده محمد نعناني في إرشادي الساري إلى أصول التحفيظ العقاري، ص79.

[4] كنزة الغنام، مسطرة التعرض في ضوء القانون العقاري والمساطر الخاصة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2015-2016، ص 126.

[5]  سراتة عز الدين، التعرضات الكيدية وأثرها على المشاريع التنموية، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، الإصدار الثالث: العقار والاستثمار دراسات وتوجيهات يوليوز 2020 ص120و 121.

[6] عبدالاله المرابط دور النيابة العامة في نظام التحفيظ العقاري – منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن – العدد 50- ص 193.

[7] محمد خيري، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، دار  نشر المعرفة للنشر و التوزيع، الرباط 2018، ص 252

[8] ادريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07  دار نشر المعرفة، الرباط ،طبعة 2013  ص52.

[9] عبد الصمد أبو الفتح، التعرض الاستثنائي ضمانة للمتعرض أم إضرار بمصلحة طالب التحفيظ، مقال منشور بموقع العلوم القانونية الالكتروني، تم الاطلاع عليه بتاريخ 15 يونيو 2022 على الساعة 9:00.

[10] محمد حروك، نظام التحفيظ العقاري بالمغرب في ضوء آخر المستجدات، مكتبة المعرفة مراكش، الطبعة الأولى،2021، ص62.

[11] وفاء جبروني، دور المحافظ العقاري بشأن التعرضات على مطلب التحفیظ، رسالة لنیل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد

الأول ،كلیة العلوم القانونیة والإقتصادیة والإجتماعیة وجدة ،السنة الجامعیة 2007ـ2008، ص65.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى