بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

قرارات التحكيم في إطار نزاعات الشغل الجماعية بين الحجية المطلقة والنسبية – الدكتور : أحمد الكويتي



قرارات التحكيم في إطار نزاعات الشغل الجماعية بين الحجية المطلقة والنسبية

A scientific article about arbitration decisions in the context of collective labor disputes between absolute and relative validity

الدكتور : أحمد الكويتي

أستاذ زائر بكلية الحقوق أكدال جامعة محمد الخامس بالرباط

لتحميل المجلة

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

 

ملخص المقال:

نجد الهدف الأساسي والأسمى من إقرار حجية القرارات التحكيمية هو وضع حد للخصومات والنزاعات فيما بين أطراف النزاعات بحيث لولا هذه الحجية لظلت الخصومة تتجدد من جانب من يخسر الدعوى الأمر الذي يضر بمصالح الأطراف من جهة وتعطيل القضاء عن أداء مهمته من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس فالقرار التحكيمي يكتسب حجية الشيء المقضي به وذلك من يوم صدوره وقبل أن يذيل بالصيغة التنفيذية، وهذا الأمر سينعكس بشكل إيجابي على فعالية قرار التحكيم في إثبات حجية القرار التحكيمي، حيث نجد على أن الحجية المطلقة تثبت للقرارات التفسيرية الجماعية، كما هو الشأن بالنسبة لقرارات الإلغاء فهي الأخرى تحوز حجية الشيء المقضي به بشكل مطلق، في حين نجد القرارات الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية الاقتصادية تحوز حجية الشيء المقضي به الا أن هذه الحجية فهي متوقفة على عدم تعارض هذه القرارات مع فكرة النظام العام من جهة وعدم تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى .

Abstract

The primary and ultimate objective of validating arbitral decisions is to put an end to disputes and conflicts between the parties involved in the disputes. Without this validation, disputes would persist and continue, which would harm the interests of the parties on one hand and hinder the judiciary from performing its task on the other hand. Therefore, an arbitral decision gains its validity from the day it is issued, before being accompanied by the enforcement order. This will have a positive impact on the effectiveness of the arbitration decision in proving its validity. It is noted that absolute validity is granted to interpretative decisions, as is the case with annulment decisions. However, decisions issued in economic collective labor disputes obtain validity subject to their non-conflict with the concept of the general order on one hand and the absence of changes in economic and social conditions on the other hand.

مقدمة

تثبت حجية الأمر المقضي به للأحكام التي لم تعد تقبل أي طريق من طرق الطعن سواء كان عاديا أو غير عادي، لأن الأحكام المقصودة هي تلك التي أصبحت باتة أو قطعية أو نهائية، وهذا ما يثبت للحكم التحكيمي بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، خاصة أنه لا يقبل أي طريق من طرق الطعن بعد منحها له.

وإن مبدأ الحجية يقضي بتطبيق القواعد المتضمنة في القرار دون غيرها، إلا أن فكرة النظام العام الاجتماعي تقضي بسريان القواعد التي تتضمن مزايا أفضل وأفيد للأجير أيا كان مصدرها، ومن هنا يبرز التعارض بين مبدأ الحجية وفكرة النظام العام، وعلى هذا الأساس يلعب التحكيم كوسيلة بديلة للتقاضي دورا مهما وأساسيا في إثبات حجية القرارات التحكيمية من جهة والحفاظ على مصالح الأطراف المتنازعة من جهة أخرى.

ومن هنا يتباذر إلى ذهننا طرح التساؤل التالي: إلى أي حد يمكن أن يلعب التحكيم كوسيلة بديلة للتقاضي في إثبات حجية القرارات التحكيمية على ضوء نزاعات الشغل الجماعية؟

ولمعالجة هذا المقال الذي بين أيدينا، فإننا سنعمل على تقسيمه إلى مطلبين، بحيث سنتطرق في المطلب الأول للمقصود بحجية الشيء المقضي به، في حين سنتطرق في المطلب الثانيلمدى حجية القرارات التحكيمية.

المطلب الأول: المقصود بحجية الشيء المقضي به.

يقصد بحجية الشيء المقضي به أن قرارات التحكيم الصادرة في منازعات الشغل الجماعية شأنها في ذلك شأن الأحكام القضائية بمجرد أن تصدر، فإنها تصبح متمتعة بحجية الشيء المقضي به، وهذا يعني أن ذات النزاع بموضوعه وأطرافه وسببه لا يمكن أن يطرح من جديد على التحكيم أو على أية وسيلة أخرى من وسائل الحل السلمي لمنازعات الشغل الجماعية، وبالتالي فإنه لا يمكن لأي سلطة سواء كانت قضائية أو غير قضائية أن تتجاهل ذلك القرار أو أن تصدر حكما متعارضا مع ما جاء به، ما لم يتم نقض هذا القرار من طرف الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا).

ويمكن القول في هذا الصدد أن القرار التحكيمي يكتسب حجية الشيء المقضي به بمجرد صدوره عن المحكم، لكن لا يصبح نهائيا إلا بعد استنفاذ طرق الطعن المسموح بها في نزاعات الشغل الجماعية، ولهذا فإن القرار الصادر عن هيئة التحكيم في منازعات الشغل الجماعية يصبح حائزا لحجية الشيء المقضي به قبل أن يصبح نهائيا، وبالتالي لا يجوز لأي من الطرفين إعادة طرح النزاع من جديد على هيئة التحكيم، وإلا لذي المصلحة التمسك بعدم جواز نظر الطلب لسابقة البث فيه، بل إن على هيئة التحكيم أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها لتعلق حجية الأمر المقضي به بالنظام العام، ويشترط في القرار الذي تثبت له حجية الشيء المقضي به أن يكون صادرا من جهة ذات اختصاص، وأن يكون قرارا فاصلا في النزاع أي قطعيا، ولا تثبت هذه الحجية لكل أجزاء القرار، وإنما تثبت الحجية في الأصل لمنطوقه باعتباره الجزء الذي تتمثل فيه الحقيقة، وقد تثبت الحجية أحيانا لوقائع الدعوى، وذلك بالنسبة للوقائع التي تكمل منطوق الحكم حيث يكون ناقصا بدونها، ويشترط لكي تتمتع قرارات التحكيم بحجية الشيء المقضي به أن يكون النزاع الجديد بين ذات الخصوم أنفسهم دون أي تغيير في صفاتهم، ويتعلق كذلك بذات الحق محلا وسببا، ولكن يجب فهم شروط الدفع على نحو خاص يتناسب مع صفة العموم والتجريد التي تتصف بها قرارات التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية.

فالمفهوم القانوني لكل من الخصوم والمحل والسبب مختلف في النزاع الفردي عنه في النزاع الجماعي، بحيث يحول هذا المفهوم المختلف دون الدفع بحجية القرار الفاصل في أحد النزاعين في معرض الفصل في النزاع الآخر، حتى ولو كان الخصوم في نزاع فردي معين ممن يعنيهم نزاع جماعي معين، وكان كذلك محل النزاع الفردي المعين يشمله محل النزاع الجماعي المعين، وكان كذلك سبب النزاع الفردي المعين هو السبب في إثارة النزاع الجماعي المعين، إذ أن الخصوم في النزاع الفردي هم أشخاص معينون بذواتهم، ومحله هو حق معين وسببه هو واقعة قانونية معينة لابد أن تكون أحد مصادر الحقوق المحددة في القانون، بينما الخصوم في النزاع الجماعي هم أشخاص معينون بصفاتهم خاضعين لأحكام قاعدة عامة مجردة قائمة هي محل النزاع الجماعي القانوني، أو بصفتهم سيخضعون لأحكام قاعدة عامة مجردة جديدة هي محل النزاع الجماعي المصلحي، وسبب النزاع هو وجود جماعة مهنية معينة تتكون من أشخاص غير معينين بذواتهم، وإنما بصفتهم أعضاء في هذه الجماعة، وتنظم العلاقات بين أعضائها بموجب قاعدة عامة مجردة قائمة، ويمكن تنظيم هذه العلاقات بموجب قاعدة مجردة جديدة.

ويرى جانب من الفقه أن مسألة حجية قرارات التحكيم، لم تعد مجالا للإنكار أو الخلاف، وإن كان هناك بعض التردد في تقرير الحجية لقرارات التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، والسبب في ذلك يرجع إلى أن بعض قرارات التحكيم لا تحوز حجية الشيء المقضي به بصورة مطلقة بحكم طبيعتها التنظيمية، وهي القرارات التي تصدر بشأن المنازعات الجماعية الاقتصادية، أما القرارات الصادرة في منازعات الشغل الجماعية القانونية، هي في الغالب الأعم قرارات تفسيرية أو قرارات إلغاء، فلا جدال تحوز الحجية المطلقة.

كما نجد على أن المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) أكد في أحد قراراته، حيث جاء فيه: “حيث إنه لا يجوز للمحكمة أن تنظر في الموضوع الذي فصل فيه حكم التحكيم مما يدل على أن هذا الأخير يحوز حجية الشيء المقضي به في ذاته ولا يجوز إعادة النظر فيما قضى من أية جهة أخرى”، وهو نفس موقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حيث قضت “يتعين التفريق بين حجية الشيء المقضي به للمقرر التحكيمي وبين القوة التنفيذية التي تمنح لهذا المقرر بأمر من رئيس المحكمة الذي لا يبث في جوهر النزاع “، وحيث أنه لما كانت حجية الشيء المقضي به هي قرينة قاطعة على الحقيقة التي يحملها الحكم القضائي أو المقرر التحكيمي، وتعني هذه القرينة أن الوقائع المثبتة في المدلول الذي يشير إليه الفصل 419 من ق.ل.ع، والحقوق التي فصل فيها لا يمكن أن تكون محل مجادلة، وفي نفس الاتجاه سارت محكمة النقض المصرية، حيث قضت بأنه: “التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين كشأن أحكام القضاء، تحوز الشيء المحكوم به بمجرد صدورها، وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائما ولو كان قابلا للطعن”، أما بخصوص الاجتهاد القضائي الفرنسي فإن محكمة النقض الفرنسية قد قضت بأن حكم التحكيم يكتسب هذه الحجية بمجرد صدوره وقبل أن يكون قد اقتضى الأمر بالتنفيذ.

وللإشارة فإن مفعول قرار المحكمين يقتصر على أطراف النزاع فقط، ولو ذيل بالصيغة التنفيذية وينتج عن ذلك أن من حق الغير الذي أضر بحقوقه أن يطعن فيه بتعرض الغير خارج عن الخصومة.

ويتجلى الهدف الأساسي من إقرار حجية القرارات التحكيمية هو وضع حد للخصومات، إذ لولا هذه الحجية لظلت الخصومة تتجدد من جانب من يخسر الدعوى، الأمر الذي يضر بمصالح الأطراف وتعطيل القضاء عن أداء مهمته.

فقرار المحكمين يحوز قوة الشيء المقضي به باعتباره قرينة قاطعة في النزاع تمكن الأطراف من التثبت بمضمونه وبالمزايا التي يرتبها لصالحهم، دون أن تكون هناك إمكانية لطرح القرار المقضي به من جديد. فهذه الحجية التي تستهدف الثبات والاستقرار في المراكز القانونية، قد تكون محل نظر إذا جانب القرار التحكيمي الصواب، كما لو اعترته عيوب يصعب معها تطبيقه أو كان خارقا للنظام العام أو النصوص القانونية.

ويرى الأستاذ عبد الكريم الطالب بأنه يجب التمييز بين القوة الملزمة للحكم والقوة التنفيذية له . فالمقصود بالقوة الملزمة : هي ما يتمتع به الحكم من قوة إلزامية ذاتية بخصوص ما تضمنه في كافة عناصره سيما لمنطوقه، إذ لا يمكن الرجوع فيه ،أو العدول عنه ، وهي قوة تثبت له بمجرد صدوره مستجمعا لكافة البيانات الشكلية التي ينص عليها القانون . ومثال ذلك ذكر عبارة بإسم جلالة الملك،

والإشارة إلى أسماء وعناوين الأطراف ، وذكر موضوع النزاع ، وهذه القوة تمنحه حجية الشيء المقضي به، إذ لا يمكن الاحتجاج به كوثيقة رسمية تمهيدا لسلوك مسطرة التنفيذ بعد الحصول على نسخة منه ، ويضيف الأستاذ عبد الكريم الطالب : إن المقرر التحكيمي لا يخرج عن القواعد المشار إليها ،إذ يتمتع ،شأنه شأن الحكم القضائي ، بقوة ملزمة ذاتية بمجرد ما يصدر عن هيئة التحكيم، وبالتالي يحوزحجية الشيء المقضي به، شريطة اكتماله للبيانات الشكلية التي يفرضها القانون من جهة،ومن جهة أخرى الأمور التي يتفق عليها الأطراف في عقد التحكيم .

وبناء على ما سبق ذكره، فيمكن القول على أن القرار التحكيمي يكتسب حجية الشيء المقضي به و ذلك من يوم صدوره وقبل أن يذيل بالصيغة التنفيذية، وهذا الأمر سينعكس بشكل إيجابي على فعالية قرار التحكيم.

المطلب الثاني: مدى حجية القرارات التحكيمية.

تثبت الحجية المطلقة للقرارات التحكيمية الصادرة بشأن النزاع الجماعي القانوني، وهذا يرجع إلى مضمون هذه القرارات، إذ نجد الحجية المطلقة تثبت للقرارات التفسيرية الجماعية، وكما رأينا فإن هذا النوع من القرارات يهتم بتفسير القواعد القانونية القائمة تفسيرا عاما ومجردا، إذن فالتفسير الذي يتضمنه مثل هذا القرار يتعلق بقواعد قانونية قائمة يأخذ حكمها ويعتبر جزء منها، لذا فهو يبقى قائما معها ما دامت قائمة، لهذا فإن التفسير لا يتغير بتغير الظروف التي صدر فيها القرار، وبالتالي فإن القرار التفسيري يحوز حجية مطلقة، ولا يمكن تغييره أو إنهاء أثره إلا بتغيير القاعدة القانونية المفسرة أو إلغائها.

أما بالنسبة لقرارات الإلغاء في النزاع الجماعي فهي الأخرى تحوز حجية الشيء المقضي به بشكل مطلق لكون مضمون هذه القرارات هو إلغاء القواعد القانونية المهنية القائمة، وبالتالي فمن غير المتصور إعادة النظر في مثل هذه القرارات لأنها أنهت الوجود القانوني للقواعد الملغاة، ولا يمكن إعادتها للوجود ثانية إلا بإنشاء جديد.

في حين نجد القرارات الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية الاقتصادية التي يكون مضمونها هو تنظيم علاقات الأطراف في المستقبل بقواعد عامة ومجردة، وإذا كانت القرارات الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية الاقتصادية تحوز حجية الشيء المقضي به شأنها شأن القرارات الجماعية الأخرى، فإن هذه الحجية متوقفة على عدم تعارض هذه القرارات مع فكرة النظام العام من جهة، وعدم تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى، فمادامت القرارات التنظيمية تتضمن قواعد عامة تسري على علاقات الأطراف في المستقبل، وهناك قواعد قانونية أخرى تسري على علاقات الأطراف قد تتعارض مع القواعد التي ينظمها القرار التنظيمي، فإن مبدأ الحجية يقضي بتطبيق القواعد المتضمنة في القرار دون غيرها، إلا أن فكرة النظام العام الاجتماعي تقضي بسريان القواعد التي تتضمن مزايا أفيد للأجير أيا كان مصدرها، ومن هنا يبرز التعارض بين مبدأ الحجية وفكرة النظام العام وفي نظر جانب من الفقه فإن ما تقضي به فكرة النظام العام الاجتماعي هي الأولى بالتقديم والتطبيق، لأن فكرة النظام العام الاجتماعي فكرة عامة مطلقة مسلم بها في إطار علاقات الشغل، ولذا فإن مبدأ حجية القرارات الصادرة في المنازعات الجماعية الاقتصادية أو القرارات التنظيمية تقتصر على سريان القواعد العامة والمجردة التي تتضمن مزايا أفضل للأجير، إضافة إلى ذلك فإن القواعد العامة المجردة التي تتضمنها القرارات التحكيمية التنظيمية توضع في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية معينة، ولكن هذه الظروف الطارئة قد تتغير تغيرا جوهريا، فليس من العدل أن تبقى هذه القرارات قائمة في ظل الظروف الطارئة، بل يجب تطبيق المبدأ القاضي بجواز إعادة النظر في قرارات التحكيم الصادرة في منازعات الشغل الجماعية الاقتصادية، متى تغيرت الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي صدرت في ظلها تلك القرارات، وهو مبدأ يقوم على طبيعة نظام التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، إذ لنجاح نظام التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، لابد من الاعتراف بهذا المبدأ، وإلا تحطمت قرارات التحكيم تحت ضغط الظروف المتغيرة.

بشكل عام ، وكأي حكم قضائي ، ترتبط الحجية بالمقررات التي تفصل في الحقوق والمراكز القانونية موضوع الطلبات في الدعوى . على هذا النحو يتحدد نطاق حجية المقرر التحكيمي في حدود الطلبات الموضوعية التي يطرحها الخصوم, على أن تكون هذه الطلبات محل بحث من جانب هيئة التحكيم ،تفضي إلى صدور مقرر يفصل في هذه الطلبات .

ويترتب على هذا المبدأ مجموعة من النتائج هي:

أولا :لاحجية لما لم يطلب من المحكمة ولم تفصل فيه .

إن انتفاء هذه الحجية في هذه الحالة ظاهرة،فانتفاء الحجية يرجع على تخلف مفترضاتها،فلا يوجد طلب أمام المحكمة،وهذا يعني أن المسألة لم تكن محلا لبحث من جانبها،وهو ما يؤسس عدم قضاء المحكمة بها،ولا يستقيم في هذه الحالة نسبة الحجية لامر لم يسبقنظره والفصل فيه من المحكمة، فليس لخصم في دعوى تحكيمية حكم له أن يطلب أمورا لم يحكم بها تضمنها العقد المحتوي على شرط التحكيم ،والذي تم بموجبه اللجوء إلى التحكيم ،متعللا بذلك أنه قد ربح الدعوى التحكيمية وانصرافها إلى باقي بنود العقد الذكور.

ثانيا – لا حجية لما طلب من هيئة التحكيم ولم تفصل فيه .

تواجه هذه القاعدة الحالات التي تغفل فيها هيئة التحكيم عن سهو أو غلط الفصل في بعض طلبات الخصوم، ويقتضي إعمال هذه القاعدة التفرقة بين مافصلت فيه هيئة التحكيم،وبين ما أغفلت الفصل فيه ، فالحجية تقتصر على ما فصلت فيه هيئة التحكيم،أما ما أغفلت الفصل فيه فلا يحوز أي حجية.

والعلة في ذلك واضحة ، فالحجية هي أثر للمقرر الذي يعد مفترضا لوجودها،فإذا تخلف المقرر حال ذلك دون ترتيب الأثر الملازم له

ونلاحظ أن بعض التشريعات أعطت الحق للخصم في الطعن بإعادة النظر في مقررالتحكيم الذي أغفل الفصل فيه ببعض الطلبات .

ويستخلص مما سبق ذكره على أن حجية القرار التحكيم يفي إطار نزاعات الشغل الجماعية، لا يمكن أن يشكل وسيلة أساسية لتحقيق الهدف المبتغى منه والمتعلق بإيجاد حل سلمي يرضي مصالح اطراف العلاقة الشغلية معا – أي الأجير والمشغل – وذلك عن طريق توفير آليات قانونية ومؤسساتية فعالة تكون كفيلة بوضع حد للنزاعات الجماعية للشغل، بالإضافة الى تشجيع ثقافة اللجوء للطرق البديلة لتسوية النزاعات وذلك عن طريق تخفيض تكاليف ومصاريف الاستفادة من خدمات المحكمين.

لائحة المراجع:

  • ذ. عبد الكريم الطالب ،حجية أحكام المحكمين في قانون المسطرة المدنية ، مقال في الندوة التي نظمتها شعبة القانون الخاص بفاس أبريل 2003 تحت عنوان ” الطرق البديلة لتسوية النزاعات ” ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية ، مطبعة فضالة المحمدية ، الطبعة الأولى 2004
  • ذ . إبراهيم بحماني ، تنفيذ القرارات التحكيمية الوطنية والدولية ، ندوة العمل القضائي والتحكيم التجاري ، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى < محكمة النقض حاليا > ، مطبعة الأمنية الرباط ، العدد 7 ، السنة 2005 .
  • سعيد وشيوش ، التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، وحدة التكوين والبحث في القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة القاضي عياض مراكش ، السنة 2008 2009 .
  • ذ . عبد القادر طوره ، قواعد التحكيم في منازعات العمل ، دراسة مقارنة ، المطبعة الفنية الحديثة ، الطبعة الأولى 1988 .
  • ذ . أحمد أبو الوفا ، التحكيم الاختياري والاجباري ، منشأة المعارف الإسكندرية ، الطبعة الخامسة ، 1988 .
  • ذ . حسن المصري، التحكيم التجاري الدولي، دار الكتب القانونية مصر ، بدون ذكر عدد الطبعة وتاريخها .
  • ذ. زغلول أحمد ماهر، أعمال القاضي التي تحوز حجية الأمر المقضي وضوابط حجيتها، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر ، 1990.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى