إشكالية فصل الأجراء لسبب اقتصادي في ضوء وباء “كورونا” كوفيد 19
- صاحب المقالة: عبد الإله شني.
- باحث في سلك الدكتوراه.
- التخصص: القانون الخاص، قانون الأعمال.
الموضوع: إشكالية فصل الأجراء لسبب اقتصادي في ضوء وباء كورونا”كوفيد 19″
تقديم:
لا يختلف اثنان على أن العالم اليوم يشهد كارثة لم يعتدها هذا الجيل، ويتعلق الأمر بجائحة “كورونا- كوفيد 19” التي ترتبت عنها آثار اقتصادية نتيجة توقف نشاط بعض المقاولات؛ الشيء الذي كان له تأثير على مستوى العلاقات الشغلية؛ مما يفسح المجال لبعض المشغلين قصد إنهاء عقد الشغل من جانبهم.
وإذا كانت العلاقة الشغلية قد تنتهي لأسباب متعددة، فإن مدونة الشغل[1] أوردت في الفرع السادس من الباب الخامس من القسم الأول من كتابها الأول، أسبابا أخرى للإنهاء، تتمثل في الأسباب التكنولوجية أو الهيكلية أو الاقتصادية، وبصفة عامة إغلاق المقاولات في كل حالة يستحيل معها مواصلة المقاولة. إلا أنه وأمام الظرفية الوبائية العالمية التي مافتئ يعرفها العالم، وتأثيرها القوي على المقاولات، اقتضت الضرورة مقاربة الإشكالية المرتبطة بمدى حماية مدونة الشغل للطرف الضعيف في العلاقة الشغلية من الفصل بسبب الأزمة الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن تطال بعض المقاولات أو المؤسسات الشغلية.
وعليه سنقسم هذا البحث إلى مبحثين، نتناول في أولهما الأحكام العامة لفصل الأجراء لسبب اقتصادي، ونتطرق في ثانيهما إلى الآثار والرقابة القضائية على الفصل للسبب المذكور.
المبحث الأول: الإطار العام لفصل الأجراء لسبب اقتصادي.
لتناول هذا المبحث، سنعرض باقتضاب لماهية الفصل لسبب اقتصادي، ولنطاق تطبيقه وذلك من خلال المطلب الأول، ثم لمسطرته ضمن المطلب الثاني.
المطلب الأول: ماهية ونطاق تطبيق الفصل لسبب اقتصادي.
إن التحولات الاقتصادية التي تشهدها الظرفية الوبائية، وما يترتب عنها من تغيير على مستوى عقود الشغل، إلى درجة فصل أجير أو عدة أجراء لسبب يعود إلى أزمة مالية تطال بعض المقاولات أو المؤسسات الشغلية المرتبطة بها، يقتضي منا الأمر تحديد مفهوم ( الفقرة الأولى)، ونطاق تطبيق الفصل لسبب اقتصادي( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ماهية السبب الاقتصادي.
يتمثل السبب الاقتصادي في تلك الصعوبات المالية أو الاقتصادية، التي قد تمر منها المؤسسة أو المقاولة المشغلة بكيفية طارئة، فتؤثر على نشاطها العادي، وتجعلها غير قادرة على مواجهة وضعها، إلا بالتقليص من نفقاتها، وأعبائها، ومن ضمن ذلك إعفاء كل أو جزء من أجرائها، حتى تتمكن من تقويم وضعها المالي والاقتصادي، وتجاوز أزمتها، وبالتالي مواصلة نشاطها[2].
مما سبق نستنتج أن السبب أو الأسباب الاقتصادية المؤدية للتخفيف من عدد الأجراء لا تعود إليهم بل نتيجة أزمة اقتصادية عابرة، حتمت على المقاولة توقيف نشاطها كليا أو جزئيا، ومن تم يمكننا أن نميز بين السبب الاقتصادي والقوة القاهرة (أي السبب الخارجي).
من المتفق عليه لدى أغلب الفقه والقضاء أن الأسباب الاقتصادية المبررة للإعفاء تختلف عن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي كسبب من أسباب إنهاء العقد، وأساس ذلك اختلاف شروط القوة القاهرة عن شروط الأسباب الاقتصادية، «فالقوة القاهرة تتكون من كل واقعة غير متوقعة، ومستحيلة الدفع، وتتسم بعنصر خارجي».[3]
ويعرف الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود القوة القاهرة كما يأتي : «القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية (الفيضانات، والجفاف والعواصف والحرائق، والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا…».
فمن شروط القوة القاهرة إذن الاستحالة المطلقة لتنفيذ العقد نتيجة هلاك المعدات مثلا أو إتلافها، كما أن القوة القاهرة طبيعتها فجائية لم تكن في الحسبان، بينما الأسباب الاقتصادية مفترضة وعلى صاحب المقاولة أو المؤسسة توقعها.
وتطبيقا لذلك أكدت المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 24-05-2005 الاجتهاد القضائي الذي استقر على أن الصعوبات الاقتصادية أو الأزمات المالية التي تتعرض لها المنشأة لا تعتبر قوة قاهرة، حيث قضت هذه المحكمة في حكم لها بأن التصفية التي تعرضت لها الشركة نتيجة صعوبات اقتصادية ومالية ليست قوة قاهرة.
«وحيث أن الشركة وإن كانت قد عرفت صعوبات اقتصادية ومالية فإن المشرع من خلال مدونة الشغل (الفصل 66 وما يليه) قد خول للمقاولة الحق في فصل الأجراء لأسباب اقتصادية شريطة اتباع الأحكام الواردة بالفصول المذكورة قبله، وإنه بعدم ثبوت سلوك لتلك الإجراءات القانونية فإن خضوعها لمسطرة التصفية لا يخول لها قانونا التهرب من تعويض الأجراء عملا بمقتضيات مدونة الشغل علما بأن التصفية ليست قوة قاهرة بالمفهوم القانوني مادامت أمرا محتمل الوقوع…»[4]
ولكي تكون القوة القاهرة حسب المادة 269 من ظهير الالتزامات والعقود سببا لإنهاء عقد الشغل، يتعين أن تكون استحالة تنفيذ عقد العمل استحالة دائمة، وبمفهوم المخالفة إذا كانت الاستحالة مؤقتة فلا يترتب عنها عدا توقف عقد الشغل[5]، بمعنى أنه بعد انتهاء العارض ( جائحة كورونا) تعود العلاقة الشغلية إلى إنتاج أثارها القانوني، هذا ما يستفاد من القرار عدد 28 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 8 يناير 2015 في الملف الاجتماعي عدد 1044/5/1/2014 على أنه:” …ومن جهة أخرى، فإن استحالة تنفيذ العقد لا يكون لها محل إلا إذا كانت مطلقة، أما الاستحالة المؤقتة أو النسبية ليس من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء العقد كليا…”
ترتيبا عليه فإن المشرع المغربي لا يسمح[6] للمشغل تفعيل سلطته التنظيمية لفصل أجير أو عدة أجراء بسبب أزمة اقتصادية ناجمة عن وباء “كوفيد 19” إلا بعد اتخاذ إجراءات شكلية في نطاق المادتين 66 و67 من مدونة الشغل.
ومن جهة أخرى تختلف الآثار القانونية للقوة القاهرة عن الآثار القانونية للأسباب الاقتصادية المبررة للإعفاء، حيث أن طرفي العقد (المشغل والأجير) يتحللان من أجل الإخطار في حالة القوة القاهرة[7]، كما يعفى المشغل من أداء الأجر المقابل لمدة توقف العقد نتيجة القوة القاهرة[8]، ولهذا السبب الأخير وحماية لحق الأجراء في الأجر يدافع أغلب الفقه وبشدة على عدم إدخال الأسباب الاقتصادية ضمن حالات القوة القاهرة[9]، لأن الأسباب الاقتصادية وإن كانت مبررة للإعفاء، فإنها لا تعفي المشغل من أداء الأجور إلا بعد استنفاذ إجراءات الفصل لأسباب اقتصادية.
الفقرة الثانية: نطاق تطبيق الفصل لسبب اقتصادي.
بمقتضى المادة 66 من مدونة الشغل، يتضمن نطاق الفصل لأسباب اقتصادية، المقاولات التي تمارس نشاطا تجاريا وصناعيا؛ فضلا عن الاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، مثلما يشمل مقاولات الصناعة التقليدية، وذلك بقيد أن تكون هذه المقاولات تشغل وبكيفية اعتيادية، عشرة أجراء أو أكثر، وبمفهوم المخالفة فإن المقاولات المشغلة لعدد الأجراء يقل عن عشرة أجراء، أو كان هؤلاء لا يشتغلون بكيفية اعتيادية، فلا يحق للمشغل اللجوء إلى مسطرة الفصل لسبب اقتصادي، كذلك يخرج عن نطاق تطبيق هذه المقتضيات، المؤسسات والمقاولات العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية، والتي تبقى خاضعة لأنظمتها الخاصة[10].
عطفا على ما سبق، فإن مقتضيات المادة 66 من مدونة الشغل لا تسعف الأجراء الأقل من 10 أجراء، وبالتالي فإن الباب متروك للاجتهاد القضائي.
المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية للفصل لسبب اقتصادي.
إذا كان المشرع المغربي قد خول للمشغل فصل أجير أو عدة أجراء بسبب أزمة اقتصادية، فإن الأمر يقتضي احترام إجراءات مسطرية، وإلا فإن قرار فصله للأجراء يعد فصلا تعسفيا.
على أية حال، لتناول هذا المطلب سنعمد إلى تقسيمه إلى فقرتين، نتطرق في أولها الإجراءات المسطرية الداخلية، ونبحث في ثانيها الإجراءات الخارجة عن المقاولة أو المؤسسة الشغلية.
الفقرة الأولى: الإجراءات الداخلية.
انطلاقا من مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 66 من مدونة الشغل، فإن المشغل الذي يرغب في فصل أجرائه، كليا أو جزئيا، لسبب اقتصادي، يتعين عليه، وقبل اتخاذ قراره، أن يبلغ ذلك إلى مندوبي الأجراء، والممثلين النقابيين عند وجودهم، وذلك قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل، وأن يزودهم في نفس الوقت بجميع المعلومات الضرورية التي لها علاقة بالموضوع، بما فيها طبعا أسباب الفصل، وعدد وفئات الأجراء المعنيين، والفترة التي يعتزم فيها الشروع في الفصل فضلا عن ذلك فإن المشغل ملزم باستشارة مندوبي الأجراء، أو لجنة المقاولة بالنسبة للمقاولات المشغلة لأكثر من خمسين أجيرا بكيفية اعتيادية، وكذلك يجب استشارة الممثلين النقابيين، بغية تدارس الإجراءات التي قد تحول دون الفصل، وكذلك يتعين على إدارة المقاولة تحرير محضر، تدون فيه المشاورات والمفاوضات التي جرت، وتوقيعه مع تسليم نسخة من المحضر لمندوبي الأجراء، وأخرى إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل[11].
وتجب الإشارة إلى أن المشغل المخالف للمقتضيات المذكورة، يعاقب بغرامة من 10000 إلى 20000 درهم[12].
الفقرة الثانية: الإجراءات الخارجية[13].
فضلا عن الإجراءات المشار إليها أعلاه، فإن المشغل ملزم بالحصول على إذن يسلم إليه من قبل عامل العمالة أو الإقليم الذي توجد المؤسسة أو المقاولة في دائرة نفوذها الترابي، وذلك في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى مندوب الإقليمي المكلف بالشغل، مرفقا بجميع الإثباتات اللازمة، وبمحضر المشاورات إضافة إلى ما يأتي:
- تقرير يتضمن الأسباب الاقتصادية التي تستدعي تطبيق مسطرة الفصل.
- بيان حول الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة.
- تقرير يضعه خبير في المحاسبة، أو مراقب في الحسابات.
وكذلك فإن المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، ملزم بإجراء الأبحاث الضرورية حول المقاولة أو المؤسسة التي تود فصل أجير أو عدة أجراء، وذلك من الناحيتين المالية والاقتصادية، وما إذا كانت فعلا في وضعية يستحيل معها مواصلة نشاطها، وبعد ذلك يوجه نتائج بحثه، داخل أجل لا يمكن أن يتعدى شهرا من تاريخ توصله بطلب الفصل، إلى لجنة إقليمية[14] ، يرأسها عامل العمالة أو الإقليم لدراسته، والبت فيه في أجل الشهرين، وذلك من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، حيث يكون للسيد العامل، إما المنح الصريح للإذن بالفصل الكلي أو الجزئي للأجراء، أو رفضه. مع تعليل قراره.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، أن المشغل ملزم فضلا عن الإجراءات المذكورة، أن يباشر الفصل المأذون به بالنسبة إلى كل مؤسسة في المقاولة، وإلى كل فئة مهنية، مراعة للمعايير المتمثلة في الأقدمية والقيمة المهنية والأعباء العائلية[15].
المبحث الثاني: الآثار والرقابة القضائية على الفصل لسبب اقتصادي.
إذا كان من حق المشغل فصل أجراء بسبب أزمة اقتصادية، فإن الأمر يقتضي تمكين هؤلاء الأجراء حقوقهم( المطلب الأول)، وإذا كان المشرع الاجتماعي قد أخضع فصل الأجراء لسبب اقتصادي لرقابة إدارية يقوم بها عامل العمالة أو الإقليم على النحو المبين أعلاه، فإنه أخضعه بدوره فيما يصدره من قرارات متعلقة بهذا المقتضى لرقابة القضاء (المطلب الثاني).
المطلب الأول: آثار الفصل لسبب اقتصادي.
إن التعويض الذي يجنيه الأجير بسبب الفصل موضوع البحث، يختلف بحسب ما إذا كان هذا الفصل محترما للمسطرة المشار إليها مسبقا ( الفقرة الأولى)، أم غير محترم له (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: في حالة احترام إجراءات الفصل.
تنص المادة 70 من مدونة الشغل على أنه:” يستفيد الأجراء عند فصلهم في حالة حصول المشغل على الإذن أو عدمه طبقا للمواد 66و 67 و 69 أعلاه من التعويض عن أجل الإخطار، وعن الفصل، المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 51 و52 أعلاه.
أولا: التعويض عن الإخطار.
بالرجوع إلى نص المادة 51 من مدونة الشغل نلفي على أن مقتضياتها ترتب عن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة دون إعطاء أجل الإخطار، أو قبل انصرام مدته، أداء الطرف المسؤول عن الإنهاء، تعويضا عن الإخطار للطرف الآخر، يعادل الأجر الذي كان من المفروض أن يتقاضاه الأجير، لو استمر في أداء شغله، ما لم يتعلق الأمر بخطأ جسيم”.
إذا كان الأجير يحرم من التعويض عن الإخطار بسبب اقترافه خطأ جسيما، وبسبب قوة قاهرة تتصف بالاستحالة المطلقة، فإن المشرع الاجتماعي مكنه من الحصول على هذا التعويض لسبب اقتصادي لا دخل له فيه.
ثانيا: التعويض عن الفصل.
تنص المادة 52 من مدونة الشغل على ما يأتي:” يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة تعويضا عن فصله، بعد قضائه ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها أجره، وعن دورية أدائه”، ” ويعادل مبلغ التعويض عن الفصل، عن كل سنة، أو جزء من السنة من الشغل الفعلي، ما يلي:
- 96 ساعة من الأجرة، فيما يخص الخمس سنوات الأولى من الأقدمية،
- 144 ساعة من الأجرة، فيما يخص فترة الأقدمية المتراوحة بين السنة السادسة والعاشرة،
- 192 ساعة من الأجرة، فيما يخص فترة الأقدمية المتراوحة بين السنة الحدية عشرة والخامسة عشرة،
- 240 ساعة من الأجرة، فيما يخص مدة الأقدمية التي تفوق السنة الخامسة عشرة.
يمكن النص في عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي على مقتضيات أكثر فائدة للأجير[16].
يتضح مما سلف، أن المشرع المغربي حدد التعويضات حسب الأقدمية بدل ترك تحديدها للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
ثالثا: التعويض عن فقدان الشغل.
يستفيد الأجير عند فصله لسبب اقتصادي من تعويض عن فقدانه للعمل وفق شروط حددها القانون[17] 03.14 على النحو أدناه:
- أن يكون الأجير قد فقد شغله بكيفية لا إرادية؛
- أن يثبت توفره على فترة تأمين بنظام الضمان الاجتماعي لا تقل عن 780 يوما خلال السنوات الثلاث السابقة لتاريخ فقدان الشغل، منها 260 يوما خلال الإثني عشر شهرا السابقة لهذا التاريخ؛
- أن يكون مسجلا كطالب للشغل لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات؛
- أن يكون قادرا على العمل.
كذلك يمنح التعويض عن فقدان الشغل لمدة 6 أشهر تبتدئ من اليوم الموالي لتاريخ فقدان الشغل؛ ويساوي مقدار التعويض عن فقدان الشغل 70 % من الأجر الشهري المتوسط المصرح به لفائدة الأجير خلال 36 شهرا الأخيرة التي تسبق تاريخ فقدان الشغل دون أن يتجاوز هذا المقدار الحد الأدنى القانوني للأجر.
الفقرة الثانية: في حالة عدم احترام مسطرة الفصل.
إذا لم يحترم المشغل إجراءات الفصل المسطرية، لسبب اقتصادي، فإن الأجير أو الأجراء فضلا عن تمكنهم من الحصول على ما بيناه من تعويضات سبق ذكرها أعلاه، فإنهم يستحقون كذلك التعويض عن الضرر، المنصوص عليه في المادة 41 من مدونة الشغل، ويتحدد مقدار هذا التعويض في حدود شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة، على ألا يتعدى سقف 36 شهرا، وذلك بمقتضى حكم قضائي، ما لم يتم إرجاعهم إلى شغلهم مع الاحتفاظ بحقوقهم[18].
وفي إطار الليونة والمرونة التي شملت مدونة الشغل، فإن المشرع المغربي شأنه شأن باقي العديد من التشريعات المقارنة أجاز لطرفي عقد الشغل حل النزاعات الفردية عن طريق الصلح، وذلك لتحقيق الغاية المتوخاة من طرف الأجير وهي ضمان حصوله على تعويض في حالة إنهاء العلاقة الشغلية بأقرب السبل[19].
المطلب الثاني: الرقابة القضائية على فصل الأجراء لسبب اقتصادي.
إذا كان المشرع قد قيد فصل الأجير أو الأجراء لسبب اقتصادي، وذلك من خلال القرار الذي يأذن فيه للمشغل بإنهاء العلاقة الشغلية وفق ضوابط معلومة، فإنه وبالموازاة مع ذلك يمكن أن يكون قرار الإذن متسما بالرفض، وباعتبار القرار الصادر عن العامل قرارا إداريا، فإنه قد يتعرض للطعن فيه أمام القضاء الإداري (الفقرة الأولى)، كما أخضع المشرع قرار العامل لرقابة القضاء الاجتماعي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: رقابة القضاء الإداري.
يمكن للمتضرر من قرار عامل العمالة أو الإقليم أن يرفع دعوى لإلغاء قراره أمام جهة القضاء الإداري بسبب الشطط في استعمال السلطة، وذلك لمخالفته للقواعد كما هي محددة في القانون رقم 41.90 المحدث بمقتضاه المحاكم الإدارية[20].
تقضي[21] المحكمة الإدارية إما بقبول دعوى إلغاء القرار الإداري إذا ثبت للمحكمة أن هذا القرار مشوب بعيب الاختصاص أو الشكل أو غيره من القواعد المنصوص عليها في الفصل العشرين من القانون 41.90 المشار إليه؛ وإما برفض الدعوى إذا ماتبيت للمحكمة أن القرار المطعون فيه جاء محترما للقواعد المضمنة في القانون المشار إليه.
الفقرة الثانية: رقابة القضاء الاجتماعي.
إلى جانب الرقابة الإدارية هناك رقابة القضاء التي تأتي بعد الحصول على الإذن بالإعفاء الكلي أو الجزئي أو الإغلاق، ويحق للمحكمة أن تراقب مدى احترام العناصر المنصوص عليها في المادة 71 من حيث احترام كل من الأقدمية والقيمة المهنية والأعباء العائلية بالنسبة للأجراء الذين تم الاستغناء عنهم، فضلا عن ذلك فإن المشرع الاجتماعي ضمن احترام الإجراءات المسطرية للفصل لسبب اقتصادي بموجب أحكام زجرية المضمنة في الفقرة الأخيرة من المادة 78 من مدونة الشغل؛ والتي تقضي بمعاقبة المشغل بغرامة تتراوح بين 10000 و 20000 درهم.
خاتمة:
إن ما يميز مدونة الشغل أن قواعدها تتطور باستمرار، لتواكب الأزمات الاقتصادية المترتبة عن التحولات الاقتصادية في إطار العولمة، وهو ما فتئنا نلمسه من خلال آثار جائحة “كوفيد 19” على الاستثمار ومن تم العلاقات الشغلية، فإذا كانت هذه الأخيرة قد تأثرت في بعض القطاعات الإنتاجية باعتبار وباء “كورونا قوة قاهرة مستحيلة استحالة مؤقتة، على النحو المبين أعلاه، والتي ترتب عنها إغلاق بعض المقاولات بصفة مؤقتة حتى لا تتفشى الظاهرة، فإن إزالة السبب الموجب لتوقف عقود الشغل لا يخول للمشغل التعسف في استعمال حق الفصل نتيجة أزمة اقتصادية حلت به، بل يتعين عليه احترام مقتضيات الفصل الواردة في المادة 66 وما بعدها من مدونة الشغل، وإلا اعتبر الفصل فصلا تعسفيا يستحق من خلاله الأجير تعويضات مشروطة بحكم قضائي، مالم يتم إرجاعه قضائيا أو عن طريق الصلح المنصوص عليه في المادة 41 من مدونة الشغل.
وللمزيد من الضمانات الحمائية للأجراء نقترح بعض التوصيات التي تتجلى في ما يأتي:
- توسيع نطاق الحماية لتشمل مقاولات غير منصوص عليها في المادة 66 من مدونة الشغل، فضلا عن ذلك نقترح حذف “عدد عشرة أجراء” كحد أدنى لتطبيق مقتضيات الفصل لسبب اقتصادي.
- تشجيع التأمين على الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية والوبائية.
- تحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة من خلال الإعفاء الضريبي، وإعادة الجدولة الزمنية للديون.
- تفعيل دور القضاء الاجتماعي، وجهاز تفتيش الشغل من خلال إيجاد الحلول المرتبطة بالظرفية الوبائية.
- توسيع صلاحيات صندوق الضمان الاجتماعي وتكييفها مع المتغيرات الآنية.
المراجع المعتمدة:
- عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول: علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش 2004.
- محمد الكشبور :” نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1993.
- مليكة بنزاهير :” مستجدات مدونة الشغل، اللقاء التواصلي في موضوع: إشكاليات المادة الاجتماعية في ضوء اجتهادات محكمة النقض”، دفاتر محكمة النقض عدد 23،مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2015.
- محمد بفقير:” مدونة الشغل والعمل القضائي المغربي”، منشورات دراسات قضائية، سلسلة القانون والعمل القضائي المغربيين، العدد التاسع، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2014.
- محمد محمد سعد جرندي:” الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي”، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الثانية 2007.
- أمينة رضوان:” مدونة الشغل من خلال الاجتهاد القضائي – دراسة مقارنة- مطبعة الأمنية، الرباط، 2016.
- محمد الشرقاني:” علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل”،- دار القلم- الرباط- الطبعة الأولى، 2003.
- إدريس فجر :”في دراسة نظرية أسباب انقضاء عقد العمل”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق، الدار البيضاء، 98-99.
- عبد الإله شني:” نظام الإثبات في نزاعات الشغل الفردية في ضوء القانون المغربي”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2018-2019.
[1] صدرت مدونة الشغل في إطار ظهير شريف تحت رقم 1.03.194 بتاريخ 14 رجب 1424 ال3وافق ل ( 11 سبتمبر2003) الصادر بتنفيذ القانون 65.99، كما نشرت في الجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 الموافق ل ( 8 ديسمبر 2003) صفحة عدد 3969.
[2] عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول: علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش 2004، الصفحة 487.
[3] محمد الكشبور :” نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،
1993، ص: 101.
[4] حكم رقم 739 . عدد 11/56/2005 بتاريخ 24-05-2005.
[5] تنص الفقرة الرابعة من المادة 54 من مدونة الشغل على أنه:” تدخل ضمن مدد الشغل الفعلي مايلي:
4 – مدة توقف عقد الشغل، ولا سيما أثناء التغيب المأذون به، أو بسبب المرض غير الناتج عن حادثة الشغل أو المرض المهني، أو بسبب إغلاق المقاولة مؤقتا بموجب قرار إداري، أو بفعل قوة قاهرة.
[6] “يمنع فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه في نطاق الفقرة الأخيرة من المادة 37 و 39 أدناه، أو تحتمه ضرورة سير المقاولة في نطاق المادتين 66 و67 أدناه”
المادة 35 من مدونة الشغل.
[7] تنص المادة 43 من مدونة الشغل في فقرتها الأخيرة على أنه «يعفى المشغل والأجير من وجوب التقيد بأجل الإخطار في حالة القوة القاهرة».
[8] محمد الشرقاني:” علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل”،- دار القلم- الرباط- الطبعة الأولى، 2003، ص: 148.
[9] إدريس فجر :”في دراسة نظرية أسباب انقضاء عقد العمل”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق، الدار البيضاء، 98-99 ص 497.
[10] انظر نص المادة الثالثة من مدونة الشغل.
[11] المادة 66 من مدونة الشغل.
[12] الفقرة الأخيرة من المادة 78 من مدونة الشغل.
[13] المادة 67 من مدونة الشغل.
[14] تتكون اللجنة من ممثلين عن السلطات الإدارية المعنية، وممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.
[15] المادة 71 من مدونة الشغل.
[16] المادة 53 من مدونة الشغل.
[17] القانون 03.14 القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 الصادر في 15 جمادى الآخرة 1392 (27 يوليو 1972) المتعلق بالضمان الاجتماعي.
جريدة رسمية عدد 6290 بتاريخ 15 ذو القعدة 1435 ( 11 سبتمبر 2014)، 6811
[18] أمينة رضوان:” مدونة الشغل من خلال الاجتهاد القضائي – دراسة مقارنة- مطبعة الأمنية، الرباط، 2016 الصفحة 443.
[19] مليكة بنزاهير :” مستجدات مدونة الشغل، اللقاء التواصلي في موضوع: إشكاليات المادة الاجتماعية في ضوء اجتهادات محكمة النقض”، دفاتر محكمة النقض عدد 23،مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2015 الصفحة34.
[20] الظهير الشريف رقم 1.91.225 الصادر بتاريخ 22 من ربيع الأول 1414 الموافق ل10 شتنبر 1993، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1423ه الموافق ل 15 غشت 2002. الصفحة 2168-2175.
[21] أمينة رضوان :” مدونة الشغل من خلال الاجتهاد القضائي ( دراسة مقارنة)”، المرجع السابق.