بحوث قانونية

مسؤولية المؤسسين في الشركات التجارية

 

 

مقدمة

لقد تولى المشرع المغربي تنظيم مساطر وإجراءات خلق الشركات التجارية، حيث عمل على فرض مجموعة من الشروط والقواعد تتعلق بإنشاء الشركات وتسييرها وانقضاءها.

إن تأسيس الشركات التجارية تعايش مع هده الأخيرة عبر مر العصور، حيث ساد في المجتمع الروماني  نظام التأسيس العائلي حيث كانت الشركات التجارية تظم أفراد العائلة، ولا يقبل فيها الأغيار الشيء الذي  قلص من نطاق إثارة المسؤولية في مرحلة التأسيس.

أما في عهد الكنيسة، كانت العقود تبرم بأداء اليمين حيث كان الأصل في المبادلات التجارية هو التراضي المجرد عن الكتابة.

غير انه خلال سنة 1673، عملت فرنسا على إصدار قانون سافري         « SAVARY » والدي اعتبر أول قانون يلزم الشركات التجارية بتدوين قوانينها الأساسية في صك مكتوب وأن تقوم بشهره عن طريق تسجيله بمحكمة الضبط التجارية وهي المرحلة الأولى لظهور فكرة النظام إلى جانب العقد .

ومع بداية القرن العشرين ، ظهر الاقتصاد الاشتراكي والذي أعقبه بقليل تدخل الدولة للحد من حرية التعاقد رغبة منها في توفير ضمانات للمتعاقدين ، ونشر الثقة التي تشجع الاستثمار ودلك بفرض مجموعة من المساطر والقواعد المتعلقة بإبرام التصرفات التجارية على وجه الخصوص الشيء الذي نجم عنه تزايد القواعد الإجرائية الخاصة بالشركات التجارية وهو ما لم يكن محل قبول من طرف الممارسين ومجموع الفقه الفرنسي.([1])                                                                                           

ولعل هذا هو ما دفع بالمشرع الفرنسي لإصدار قانون الشركات التجارية في 26 يوليوز1966  الذي حل محل قانون 1867 .

أما في المغرب، فقد كان تأسيس الشركات قبل الحماية خاضعا لقواعد الفقه الإسلامي. أما بعد دلك تم إصدار ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالقانون التجاري والذي اعتبر أول إطار ينظم الشركات التجارية بموجب قسمه الرابع.غير ما يلاحظ على هدا الأخير أن تنظيمه لمسؤولية مؤسسين الشركات التجارية كان قاصرا ولم يعالج هده المسؤولية بشكل واضح.

 وقد صدر بعد دلك ظهير1922 المتعلق بشركات المساهمة والذي كان نفسه قانون 1868 الفرنسي والذي نظم حالات إثارة مسؤولية المؤسسين واحدث الجمعية العامة التأسيسية و التي كانت تجتمع بعد إتمام إجراءات التأسيس لأجل تقويم الحصص العينية و المصادقة على نظام الشركة وما تم من إجراءات التأسيس والتصرفات المبرمة من قبل المؤسسين أثناء فترة تكوين الشركة.

وسيرا منه على نهج المشرع الفرنسي، عمل المشرع المغربي في سنة 1996 على إصدار قانون 17.95 و الذي حل محل ظهير 1922 كما تم تتميمه و تعديله ب 20.05. وبعده ظهير 1997 المتضمن الأمر بتنفيذ قانون  5.96 كما تم تتميمه بالقانون رقم 21.05 والتي عمل المشرع من خلالها على تقنين مساطر وقواعد إبرام وتأسيس الشركات التجارية بصفة عامة ونص على جملة من المقتضيات التي من شانها حماية وتفعيل تلك المساطر و الإجراءات.

  و نظرا لأهمية الشركات التجارية في ظل النظام العام  الاقتصادي فقد عملت معظم التشريعات و رجال القانون في أكثر من دولة على الحرص على تنظيمها بشكل دقيق ومحكم من شانه ضمان وحماية تأسيسها  من العيوب والتلاعب الذي قد يطال الشركات التجارية من طرف المتدخلين في مراحل التأسيس.

وتتجلى هده الحماية من خلال سن بعض المقتضيات التي ترتب مسؤولية مشددة على عاتق أولئك الساهرين على إخراج الشركة من مرحلة العدم  إلى مرحلة الوجود القانوني، وتزداد هده المقتضيات أهمية لمساسها بحرية المؤسسين إلى جانب ذممهم المالية. الشيء الذي قد يجعل من إثارة مسؤولية هؤلاء حماية للاقتصاد الوطني و مختلف الفاعلين ومنعا من ظهور شركات وهمية يطالها البطلان وما يستتبع دلك من إخلال وعرقلة للمقاولة كعنصر أساسي في رهان التنمية في شتى أبعادها.

وعليه فإثارة مسؤولية المؤسسين في الشركات  التجارية يشكل ضمانة مهمة للشركاء والمساهمين والأغيار، بل وللشركة ذاتها، ودرعا واقيا يحمي بالرجة الأولى الأطراف المتعاقدة ويؤمن صحة رضاهم بإنشاء الشركة.

ولكل ما قيل، نتساءل عن مدى نطاق إثارة مسؤولية مؤسسي  الشركات التجارية ؟ وما مدى انعكاس هده المسؤولية على حماية الاقتصاد من خلال مساهمتها في تامين الادخار و الاستثمار؟

على ضوء الإشكالات المثارة أعلاه ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى مبحثين كالتالي:  

·              المبحث الأول: المسؤولية المدنية لمؤسسي الشركات التجارية.

·              المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية لمؤسسي الشركات التجارية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول:المسؤولية المدنية لمؤسسي الشركات التجارية

 لقد كرس المشرع  عدة مقتضيات  قانونية سواءا في إطار القانون المنظم لشركات المساهمة، أو المنظم لباقي  الشركات التجارية يعزو من خلالها ضمان استقرار و سلامة إنشاء هده الشركات بكيفية صحيحة.

و عليه، فقد رتب عن مخالفة إجراءات و مساطر إنشاء و تأسيس الشركات التجارية جزاءات مختلفة  تثير مسؤولية المخالف لقواعد التأسيس يختلف نطاقها باختلاف الشركات التجارية.

سنعمل إذا،  على تسليط الضوء على المسؤولية الناجمة عن إخلال المؤسس إجراء من إجراءات التأسيس (المطلب الأول )، فمسؤوليته عن التصرف باسم الشركة في طور التأسيس (المطلب الثاني)، لنختم هذا المبحث بالحديث عن مسؤولية المؤسسين المدنية عن بطلان الشركة (المطلب الثالث).

المطلب الأول:المسؤولية المدنية المترتبة عن خرق قواعد التأسيس

تنص المادة 349 من القانون المنظم لشركة المساهمة على انه " يعتبر كل من مؤسسي الشركة وكدا المتصرفين الأولين وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية الأولين وأعضاء مجلس الرقابة الأولين مسؤولين متضامنين عن الضرر المتسبب فيه عدم تضمين النظام الأساسي للشركة بيانا إلزاميا ما أو إغفال إجراء ينص عليه هدا القانون في باب تأسيس الشركة أو القيام به بشكل صحيح".

وعليه قد يقوم المؤسسون بكافة الإجراءات القانونية المتطلبة لتأسيس شركة المساهمة في الأجل القانوني الذي حدده المشرع في ستة أشهر من تاريخ إيداع  الأموال المحصلة من المكتتبين إلا أن النظام الأساسي للشركة قد يكون ناقصا لأحدى البيانات كتلك التي تخص توزيع الأرباح و بتكوين الاحتياطي و بتوزيع علاوة التصفية، أو تقييم الحصص العينية إن وجدت و غيرها من البيانات  الإلزامية. ([2])

كما قد لا يقوم المؤسسون بإجراء يخص التأسيس أو يقوم به بشكل غير صحيح كعقد الشركة دون الحد الأدنى القانوني للمساهمين أو الشركاء، أو خرق قواعد تحرير الأسهم أو الأنصبة التي تختلف من شركة لأخرى أو عدم صحة تقييم الحصص العينية و الامتيازات الخاصة…

إن إخلال المؤسسين بإجراءات تأسيس الشركات التجارية ، أو ارتكابهم أخطاء أثناء التأسيس أو عدم إدراج إحدى البيانات الإلزامية يجعلهم مسؤولين على وجه التضامن بينهم بقوة القانون، حيث يكفي قيام خطأ من طرفهم لإثارة مسؤوليتهم وفقا للقواعد العامة للالتزامات و العقود .

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه في هدا الصدد يشكل في نظرنا جوهر الموضوع هو: هل يمكن إخضاع باقي الشركات التجارية لمقتضيات المادة 349 من قانون شركة المساهمة ؟ بمعنى آخر هل يمكن أن تقوم  المسؤولية المدنية للمؤسسين في باقي الشركات التجارية استنادا على حالات المادة أعلاه؟

إن ما يدفعنا بحق لطرح هدا السؤال هو عدم وضوح موقف المشرع في بعض مقتضيات القانون المتعلق بباقي الشركات التجارية ولغياب إحالة في المادة الأولى من هدا الأخير على المادة 349 الشيء الذي يوجب علينا الوقوف بتمعن عند النصوص المنظمة لكل شركة على حدى :

·   ففيما يتعلق بشركة التوصية بالأسهم: نجد أن المادة 23 تتحدث عن البيانات الواجب تضمينها في النظام الأساسي لهده الشركة إلى جانب بيانات المادة 5 من نفس القانون.

كما أن المشرع قد اخضع تأسيس شركة التوصية بالأسهم لنفس أحكام تأسيس شركة المساهمة، وأناط مهمة القيام به للمسير أو المسيرون الأوائل طبقا للمادتين 31 و 32. هؤلاء المسيرون /المؤسسون في آن واحد يخضعون لنفس المسؤولية التي يتحملها المؤسس في شركة المساهمة بصريح المادة 40 .

تبعا لذلك ، فان المؤسسين في شركة التوصية بالأسهم يتحملون مسؤولية تضامنية عن نقص البيانات الإلزامية في النظام الأساسي (5 و 23)، أو إذا أغفلوا القيام بإجراء يدخل في باب التأسيس أو لم يوفقوا في القيام به.

·   أما فيما يتعلق بشركة ذات المسؤولية المحدودة وباقي الشركات الأخرى: فان مسؤولية المؤسس أو المؤسسين عن حالات المادة 349 من قانون شركة المساهمة تبقى محل تساؤل أمام صمت المشرع. وما يؤكد هذا الموقف غياب نص يحمل عبئ المسؤولية على عاتق المخل ببيانات النظام الأساسي المكرسة بموجب المادتين 5 و 50 .

 في هذا الصدد يرى الأستاذ شكري السباعي والحسن بيهي بأن الشركاء (المؤسسون) – شأنهم شأن المسيرين الأوائل – لا يسألون عن البطلان فقط ، و إنما كذلك عن الضرر الناشئ عن عدم تضمين النظام الأساسي بيانا إلزاميا أو إغفال إجراء ينص عليه القانون في باب التأسيس أو القيام به على وجه غير صحيح، لتبقى إمكانية قيام مسؤولية المؤسس في هذه الحالات قائمة على أساس مقتضيات القواعد العادية بحيث يكفي المتضرر إثبات التقصير و الضرر وعلاقة السببية بينهما لحصوله على التعويض جبرا للضرر الذي ألم به جراء مخالفته قواعد التأسيس.

 

 المطلب الثاني: المسؤولية عن التصرف باسم شركة في طور

                التأسيس

لقد اختلفت آراء الفقه بشأن طبيعة التصرفات والأعمال التي يقوم بها المؤسس أو المؤسسين باسم و لمصلحة الشركة التي لازالت في طور التأسيس و لم تكتسب الشخصية المعنوية بعد.

فقد ذهب البعض إلى رفض الوجود القانوني للشركة خلال مراحل  التأسيس، واعتبروا أن قيام المؤسسون بإبرام عقد و تصرفات خلال هذه  الفترة يتم باسمهم ولحسابهم الخاص، و عليه يتحمل المؤسسون شخصيا تبعات هذه التصرفات اتجاه الأغيار.

كما اعتبر اتجاه آخر بان قيام المؤسس بهذه التصرفات يعد من قبل الفضولي الذي يقوم بمباشرة شؤون الشركة التي لم يتم إنشاءها بشكل نهائي. كما قال رأي ثالث انه في هذه الحالة نكون أمام اشتراط لمصلحة شركة مفترضة الوجود مستقبلا. 

ونذهب إلى ما ذهب إليه الأستاذ شكري السباعي لاعتبار المؤسس أقرب إلى الفضوليين منهم إلى الوكلاء أو الممثلين، مادامت الشركة لازالت في طور التأسيس، وبالتالي لا يمكن لنا الحديث عن التمثيل  أو التوكيل نيابة عن الشركة مادامت هذه الأخيرة تفتقد للشخصية المعنوية التي تخولها أهلية التصرف و مباشرة الحقوق.

كما لا يمكننا قبول التوجه الأول لكون المشرع قد اعتبر تلك التصرفات تتم باسم الشركة رغم كونها لازالت في طور التأسيس. حيث نصت المادة 27 من قانون شركة المساهمة والتي أحالت عليها مقتضيات المادة 1 من قانون باقي الشركات التجارية على أن الأشخاص الذين يقومون بتصرف باسم شركة في طور التأسيس يسألون مبدئيا عن الأعمال التي تمت باسم الشركة بشكل تضامني و شخصي.

وأول ملاحظة يمكن إبداؤها بخصوص هذه المادة – دون التطرق للانتقادات التي وجهت إليها كالتزام منا بحدود مسؤولية المؤسسين – أنها تخاطب كل الأشخاص الذين يمكن تصور قيامهم بعمل باسم الشركة بمن فيهم المؤسسون.

غير انه لا يمكن تصور قيام مسؤولية المؤسسين إلا الذين ساهموا في انجاز التصرف أو العقد الذي تم إبرامه باسم الشركة سواء تم ذلك بتوقيعهم على تلك العقود أو بتوكيلهم الغير للقيام بهذه الأعمال، كما لا يمكن تصور قيام مسؤولية المؤسسين إذا ما تحملت جمعيات المساهمين (العادية و غير العادية ) هذه الأعمال بعد تقييد الشركة في السجل التجاري.

تبعا لذلك، يتعين أن تجري الأعمال والتصرفات التي يقوم بها المؤسسون باسم الشركة و لمصلحتها و أن يتم قبولها من طرف الجمعية العامة للشركة. حيث أن تصرف المؤسسون باسمهم و لمصلحتهم الخاصة يوقعهم في شراك المسؤولية التضامنية و المطلقة. نفس المسؤولية يتحملونها إذا رفضت الجمعيات العامة للشركة الأعمال المنجزة حتى ولو كانت باسم الشركة و لمصلحتها. ليبقى في هذه الحالة للمؤسسين إمكانية رفع دعوى التعويض ضد الشركة استنادا لقاعدة الإثراء بلا سبب إذا ما استفادت الشركة من تلك التصرفات التي تمت لمصلحتها.

و تجنبا لهذا الوضع، يمكن للمؤسسين الذين يقومون ببعض التصرفات باسم الشركة التي لازالت في طور التأسيس أن يشترطوا على الطرف المتعاقد معه فسخ العقد إن رفضت الجمعيات العامة للشركاء أو المساهمين تلك التصرفات وذلك توخيا لإثارة مسؤوليتهم التضامنية عن هذه الأخيرة.

و نذكر عند نهاية هدا المطلب أن الأحكام المنصوص عليها في المادة 27 من قانون شركات المساهمة تسري على كافة الأشخاص –المؤسسين خاصة- في باقي الشركات التجارية إعمالا للمادة الأولى من القانون المنظم لهذه الأخيرة. كما انه بالنسبة لشركة الشريك الوحيد لا تثار إشكالية بشأن القيام بعمل باسم مقاولته الفردية.

 

المطلب الثالث:مسؤولية المؤسسين عن بطلان الشركة

مما لا ريب فيه أن البطلان الذي قد يطال الشركات التجارية من شأنه أن يضر بمصالح المرتبطين بها من مساهمين أو شركاء و أغيار و حتى الشركة نفسها، حيث يقوم المؤسسون ببعض الأفعال الصورية أو يتجنبون الاحتياط والحذر في إطار قيامهم بمهام تأسيس الشركة، و في سبيل جبر الضرر الذي قد يطال المتضررين من هذه الأفعال، عمل المشرع على تنظيم مسؤولية المؤسسين عن بطلان الشركات التجارية.

فالرجوع إلى المادتين 350 و 351 من قانون شركات المساهمة، نجد أن المشرع قد تشدد في مسؤولية المؤسسين حيث جعلها تقوم على وجه التضامن و بصفة مطلقة بينهم جميعا وبين المتصرفين و أعضاء مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة و كذا المساهمين الذين لم تفحص حصصهم و امتيازاتهم و لم تتم المصادقة عليها.

و هو نفس ما قضت به المادة 92 من قانون الشركات التجارية بالنسبة لمسؤولية الشركاء ( المؤسسون) في الشركات الأخرى حيث جاء فيها "يعتبر المسيرون الأوائل والشركاء المنسوب إليهم بطلان الشركة أو بطلان احد مقرراتها مسؤولين متضامنين تجاه الشركاء الآخرين و الغير عن الضرر الناتج عن البطلان …".

و عليه، فمسؤولية المؤسسين عن بطلان شركات المساهمة تعد مسؤولية تضامنية تخضع للسلطة التقديرية للقضاة الشيء الذي يحمي المتضررين من عسر المؤسس المسؤول إذا ما كانت المسؤولية عن البطلان فردية وشخصية.

 أما مسؤولية المؤسسين في باقي الشركات التجارية، وان كانت تضامنية و مطلقة بينهم جميعا، فإنها تثار بقوة القانون لاستعمال المشرع في الفصل 92 المذكور صيغة الإلزام "تعتبر"، خلافا لما هو عليه الحال في صيغة المادة 350 من قانون شركة المساهمة.

كما أن المشرع ذهب ابعد من اعتبار مسؤولية المؤسسين تضامنية في حالة البطلان، حيث جعل من زوال السبب الموجب للبطلان لا يحول دون ممارسة دعوى التعويض عن الضرر المترتب عن بطلان الشركة ضد مؤسسي الشركة.

و عليه فان القيام باجرات تسوية الخلل الذي قد يرتب  بطلان الشركة (كرفع عدد المساهمين إلى 5 كحد ادني ) لا يعفي المؤسسين من المسؤولية المدنية التضامنية اتجاه المتضررين سواء كانوا هم المساهمين آو المساهمين، و الأغيار.

و قد عمل المشرع على توحيد آجال التقادم دعوى المسؤولية التي تقام ضد المؤسسين سواء كانت دعوى فردية أو دعوى الشركة أو الأغيار، وسواء ترتب عن بطلان الشركة أو إغفال إجراء من الإجراءات أو عدم إدراج بيان إلزامي في النظام الأساسي. حيث قضى بتقادمها بمرور 5 سنوات من اكتساب مقرر البطلان الصبغة النهائية  (م 351 من قانون شركة المساهمة )، وقوة الأمر المقضي به ( المادة 92 )، حالة بطلان الشركة، و من تاريخ تقييد الشركة في السجل التجاري في حالة إغفال إجراء يخص التأسيس أو إدراج بيان إلزامي في النظام الأساسي (م350).

و جدير بالذكر في هذا الإطار، أن إمكانية إثارة مسؤولية المؤسسين المدنية تتم منذ مباشرة إجراء التأسيس إلى غاية انتهائها بتقييد الشركة في السجل التجاري. و عليه فإذا انتهت مهمة المؤسسين المتمثلة في تأسيس الشركة بشكل صحيح و قانوني، تنتهي إمكانية إثارة مسؤوليتهم و بالتالي انتهاء الحديث عن مسؤولية المؤسسين لتحل محلها مسؤولية المتصرفين و أعضاء مجلس الإدارة الجماعية و الرقابة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية للمؤسسين.

يمكن إثارة المسؤولية الجنائية للمؤسسين كلما وقع فعل من شانه الإخلال بالإجراءات الأساسية للتأسيس والتي من شأنها المس بالشركة لها كيان مستقل عن الشركاء والمساهمين والدائنين، ولعل تعزيز الوجود السليم لشركة المساهمة واحترام المقتضيات التي تحكم تأسيسها بالردع الجنائي يشكل ضمانة هامة في إطار تحقيق الاستقرار للمشروع الاستثماري ومحاربة التسيب والاحتيال.

ومن اجل معاقبة المؤسس عن الأفعال والمخالفات المتعلقة بتأسيس الشركات التجارية فلابد ان تتحقق أركان هذه الجريمة وهي: الركن القانوني أي ان المخالفة مجرمة ومعاقب عليها بنص القانون، ذلك انه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، بالإضافة الى الركن المادي والذي يتجلى في قيام المعني بالأمر ( أي المؤسس) بالنشاط او الفعل الخارجي المخالف للقانون والمفضي الى الجرم زيادة على الركن المعنوي والمتمثل في الإرادة الواعية التي تروم او تقصد الجرم الجنائي ونتائجه.

وبالاطلاع على مجمل النصوص القانونية المؤطرة للمسؤولية الجنائية للمؤسس، فانه يمكن معالجة هذا المبحث من خلال تناول المخالفات والعقوبات المتعلقة بالأسهم وتداولها (المطلب الاول)، على ان يتم تناول المخالفات والعقوبات المتعلقة بالاكتتاب (المطلب الثاني)، والمخالفات والعقوبات المتعلقة بتقييم الحصص والشهر من خلال (المطلب الثالث).

 

المطلب الاول: المخالفات والعقوبات المتعلقة بالأسهم وتداولها.

من اجل التعرف على أهم العقوبات المسلطة على المخالفات والجرائم المرتكبة فيما يخص إصدار الأسهم وتداولها، فاننا سنعمل على دراسة المخالفات المتعلقة بإصدار الأسهم من خلال (الفقرة الأولى)، على ان يتم تناول المخالفات المتعلقة بتداولها من خلال (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: المخالفات المتعلقة بإصدار الأسهم.

تعتبر جريمة إصدار الأسهم الجريمة الوحيدة التي اكتفى فيها المشرع بإهمال او تعطيل الإرادة الواعية، دلك انه وبالرجوع الى 378 من قانون شركة المساهمة لا نجد المشرع قد نص على ان المخالف او مرتكب الفعل قد قصد من خلال فعله جرم معينا او نتائج معينة لفعله، ومن تم فانه يعاقب على المخالفات المتعلقة بإصدار الأسهم بدون الرجوع الى القصد الجنائي للمخالف.

وبناءا على ما تم النص عليه من خلال المادة 378 قانون 17.95 المعدل والمتمم بموجب القانون 20.05، فانه يعاقب المؤسسون بغرامة من 4000 الى 20000 درهم الذين أصدروا أسهما اما قبل تقييد تلك الشركة بالسجل التجاري او في أي وقت أخر اذا تم تقييد الشركة عن طريق الغش او دون التقيد بالنصوص القانونية في القيام بإجراءات تأسيس الشركة المذكورة.    

وتضيف نفس المادة بأنه تضاعف الغرامة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا تم إصدار الأسهم دون أن يتم تحرير الأسهم النقدية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص تحريرا كاملا قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري.

كما تضيف أيضا بأنه يعاقب بالغرامة المنصوص عليها في الفقرة السابقة نفس الأشخاص الذين لم يبقوا على إسمية الأسهم النقدية إلى حين تحريرها كاملة.

وانطلاقا من هذه المادة يمكن القول ان المشرع المغربي لم يكتفي بفتح المجال لتدارك الإختلالات  الواقعة في تأسيس الشركة، وبإقرار المسؤولية المدنية للمؤسسين، بل دعم ذلك بعقوبات زجرية قصد بها توفير حماية فعالة للادخار العمومي عن طريق الردع والعقاب.

ولقد ذهب في هذا الاتجاه كذلك قانون 5.96 وخصوصا النصوص المنضمة لشركة التوصية بالأسهم، حيث تمت الاحالة الى المواد المنضمة لشركة المساهمة، إذ جاء في المادة 118 من قانون 5.96 المعدل والمتمم بموجب قانون 21.05 على انه تطبق العقوبات الزجرية المنصوص عليها في قانون شركات المساهمة على شركات التوصية بالأسهم.

وقد جاءت هذه الاحالة على شركة المساهمة اعتبارا لانسجام وتناغم المقتضيات القانونية المؤطرة سواء لشركة المساهمة وشركة التوصية بالأسهم، على اعتبار ان كلاهما ينتميان الى شركات الأموال، ضف الى ذلك وانسجاما مع هذا الطرح فان تأسيس شركة التوصية بالأسهم وان كان يختلف عن تأسيس شركة المساهمة في بعض المسائل الا أنها وبصريح المادة 31  فانه قد تمت الاحالة المباشرة على القواعد والأحكام التي جاء النص عليها في قانون 17.95، إذ جاء في هذه المادة في فقرتها الأخيرة "تطبق على شركات التوصية بالأسهم القواعد المتعلقة بشركات التوصية البسيطة وأحكام القانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة، باستثناء ما يتعلق منها بتسييرها وإدارتها وذلك في حدود ملائمتها مع الأحكام الخاصة المنصوص عليها في هذا الفصل" وتبعا لذلك فان شركة التوصية بالأسهم تخضع لمقتضيات شركة المساهمة الا فيما يتعلق بالتسيير والإدارة وفي حدود خاصة.

وكملاحظة على طبيعة العقوبات المقررة على مستوى إصدار الأسهم وذلك بالموازاة مع المستجدات التي جاء بها قانون 20.05 يمكن التأكيد ان المشرع قد خضع للضغوط الممارسة من قبل رجال الاعمال وهيئاتهم، حيث كانت ولازالت تطالب بالتخفيف من قسوة هذه العقوبات، وهو الشيء الذي استجاب اليه المشرع حينما عمد الى حذف العقوبة الحبسية والاكتفاء بمضاعفة الغرامة.

غير ان الملاحظ هو ان التخفيف شمل فقط المقتضيات المتعلقة بشركة المساهمة التي لا تدعوا الجمهور للاكتتاب ولم يعمد الى تمديدها الى شركة المساهمة التي تدعوا الجمهور للاكتتاب، مما جعل المشرع نفسه يؤمن بأهمية العقوبات الزجرية – حتى وان وصلت الى الحبس- في تحقيق الردع والاستقرار الاقتصادي بالإضافة الى أنها تشكل ضمانة هامة لقطاع البورصة بما في ذلك من التزام بالشفافية حماية لمجموع المدخرين.[3] 

بعد ان اطلعنا على المقتضيات الزجرية التي تؤطر عمل المؤسسين على مستوى إصدار الأسهم سننتقل الى العقوبات التي تهم تداول الأسهم.

 

الفقرة الثانية: المخالفات والعقوبات المتعلقة بتداول الأسهم.

اذا كانت الميزة الأساسية للسهم هو قابليته للتداول أي نقل ملكية السهم بحسب ما اذا كان اسميا او لحامله، فان هذا التداول يبقى رهينا بعدم وجود مانع او قيد على هذا التداول[4]، والمانع الذي يهمنا في هذا الإطار هو ما تم النص عليه من خلال المادتين 248 و273 ق ش م، حيث نصت على وجوب ان يبقى السهم العيني اسميا لمدة سنتين مواليتين لتقييد الشركة بالسجل التجاري او لتحقيق الزيادة في رأسمال الشركة، اما السهم النقدي فيبقى هو الأخر اسميا الى حين تحريره كاملا.

وقد عمل المشرع المغربي من خلال المادة 381 على معاقبة المؤسسين بعقوبة الحبس من شهر الى ثلاثة أشهر وبغرامة من 6000 الى 30000 درهم، او بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وذلك اذا تم التداول عن قصد:

·                   أسهما نقدية لم يبقى على أسميتها الى حين اكتمال تحريرها.

·                   أسهما نقدية لم يتم دفع ربعها.

·                   وعدا باسهم.

من خلال ملاحظة هذه المادة وبالموازاة مع المستجدات التي جاء بها قانون 20.05 نلاحظ ما يلي:

v          من حيث العقوبة: ان المشرع عمد الى التخفيض من العقوبة الحبسية والإبقاء على الغرامة كما كانت، ذلك أنها كانت في إطار النص القديم محددة ما بين شهر وستة أشهر، اما في النص الجديد فإنها خفضت الى ما بين شهر وثلاثة أشهر، ويأتي هذا التخفيض كذلك في إطار مناداة والضغوطات الممارسة من قبل الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب.[5]

v          من حيث نطاق إثارة هذه مسؤولية: ذلك انه في إطار النص القديم كانت تثار مسؤولية المؤسس من خلال خمس حالات، اما في إطار النص الجديد فقد تم الاقتصار على ثلاثة حالات فقط مع نسخ حالتين اثنتين، وتتعلق الحالة الأولى بتداول الأسهم التي لا قيمة اسمية لها، اما الحالة الثانية فهي تلك المتعلقة بتداول أسهما عينية قبل انصرام الأجل الذي لا يسمح خلاله بتداولها، وفيما يخص هذه الحالة الأخيرة فان الفقه كان يعتبر أنها جاءت خطأ ذلك ان المشرع لم يحدد أجلا معينة لا يسمح فيها بتداول الأسهم العينية، ويضيف الفقه ان كل ما أوجبه المشرع هو الإبقاء على السهم العيني اسميا لمدة سنتين مواليتين لتقييد الشركة فبالسجل التجاري او لتحقيق الزيادة في الرأس المال، مما كان معه على القانون الجديد ان يقوم بإلغائه وهو ما تم فعلا من خلال ما جاء في المادة 381 مع التعديلات الجديدة.

وبالإضافة الى هذا فان المشرع جرم من خلال المادة 382 المشاركة في القيام بالأعمال المنصوص عليها في المادة 381، بالإضافة كذلك الى القيام بتحديد او نشر قيمة الأسهم او الوعود بالأسهم وعاقب على هذه الأفعال بنفس العقوبات.

وتخضع شركة التوصية بالأسهم كما سبق القول الى المقتضيات المتعلقة بشركة المساهمة، اما باقي الشركات الأخرى فانه تم إقصائها من هذا المطلب نظرا لاختلافها عن  طبيعة شركة المساهمة، وتبعا لذلك اختلاف المقتضيات التشريعية المنظمة لكل شركة.

 

 

 

 

المطلب الثاني: المخالفات والعقوبات المتعلقة بالاكتتاب.

حسب المادة 21 قانون شركة المساهمة فانه يجب ان يتم الاكتتاب في رأسمال الشركة بكاملها، وإلا فلا يتم التأسيس وهو نفس المقتضى بالنسبة لشركة ذات المسؤولية المحدودة، إذ نصت المادة 51 من قانون 5.96 على وجوب ان يكتتب الشركاء في كل الأنصبة، ومادام ان الاكتتاب يشكل ضمانة هامة من اجل تكوين رأسمال الشركات التجارية، فان المشرع حاول إحاطته بمجموعة من الضمانات القانونية وذلك حماية للأغيار والدائنين، فأين تتجلى إذن هذه الضمانات خصوصا على المستوى الزجري؟

تنص المادة 379 من قانون ش م على عقوبة الحبس من شهر الى ستة أشهر وبغرامة من 8000 الى 40000 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط عن الأفعال التالية:

1-        من عمل عن قصد ، لإعداد شهادة المودع لديه التي تثبت الاكتتابات والدفوعات ، على التصريح بصدق وسلامة اكتتابات يعلم أنها صورية أو من صرح أن الأموال التي لم توضع نهائيا رهن تصرف الشركة قد تم دفعها فعلا أو سلم للمودع لديه قائمة بأسماء المساهمين تشير إلى اكتتابات صورية أو إلى دفع أموال لم توضع نهائيا رهن إشارة الشركة ؛

2-        من حصل أو حاول الحصول عن قصد على اكتتابات أو دفوعات ، بواسطة اكتتابات أو دفوعات صورية أو بنشر لاكتتابات أو دفوعات لا وجود لها أو لأية واقعة أخرى كاذبة ؛

3-        من عمل عن قصد ، من أجل جلب اكتتابات أو دفوعات ، على نشر أسماء ، خلافا للحقيقة ، لأشخاص باعتبارهم مرتبطين أو سيرتبطون بالشركة بأي شكل من الأشكال.

بقراءة متأنية لهذه المادة يمكن التأكيد على ان الأمر يتعلق بداية بالإدلاء بوقائع وتصريحات كاذبة، وهي التصريحات التي قد يكون لها مفعول سحري على إرادة المكتتبين مما يدفعهم الى الاكتتاب برأسمال الشركة، وهذا ما تصدى له المشرع سواء من خلال إثارة المسؤولية المدنية، او من خلال ترتيب العقوبة الحبسية او الغرامة بل الملاحظ ان المشرع عاقب حتى عن المحاولة، كما هو الشان في الفقرة الثانية من المادة 379 ق ش م، وهذا ما يشكل بحق ضمانة أساسية لحماية جمهور المكتتبين، وتقوية للمقاولة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها.

وهي نفس المقتضيات تقريبا التي جاء النص عليها في قانون 5.96 إذ جاء في المادة 113 المتعلقة بالشركة ذات المسؤولية المحدودة انه يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر، وبغرامة من 2000 الى 40000 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط مسيروا الشركة ذات المسؤولية المحدودة الذين يدلون وعن قصد بتصريح كاذب في عقد الشركة بخصوص توزيع أنصبة الشركة ما بين الشركاء او تحرير الأنصبة او إيداع الأموال او يغفلون عن عمد القيام بذلك التصريح.

وان كان من ملاحظات يجب إدراجها في هذا الإطار هو ان المشرع حافظ تقريبا على نفس العقوبات سواء تعلق الأمر بعقوبة الحبس او عقوبة الغرامة، وان كان قد خفض من الحد الأدنى للغرامة بالنسبة لشركة ذات المسؤولية المحدودة الى حدود 2000 درهم بدل 4000 درهم في شركة المساهمة، ويمكن اعتبار هذا التخفيض طبيعيا وعاديا على اعتبار ان شركة ذات المسؤولية المحدودة ليست في حجم شركة المساهمة لا من حيث الرأسمال فقط بل من حيث عدد المساهمين وحجم الرأسمال كذلك، ويمكن ان نضيف ان العامل المحدد لهذا التقارب على مستوى العقوبة والغرامة هو أهمية الاكتتاب ذاته ومراهنة المشرع على حماية الشركة وتحصينها في المراحل الأولى لتأسيسها، على اعتبار ان انطلاق المشروع الاقتصادي كيفما كان شكله وإمكانياته لابد وان يجد أمامه بعض الصعوبات، ومنه فالمشرع بنصه على هذه الجزاءات حاول تبديد هذه الصعوبات والضرب بقوة على يد المخالفين لمقتضيات تأسيس الشركات التجارية خصوصا اذا تعلق الأمر برأسمال الشركة.

 

المطلب الاول: المخالفات والعقوبات المتعلقة بإجراءات تقييم                         

               الحصص والشهر.

سنعالج على مستوى هذا المطلب عنصرين أساسين في إطار إجراءات تأسيس الشركات التجارية، العنصر الاول يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن إجراءات تقييم الحصص العينية، اما العنصر الثاني فهو يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الإغفال بالقيام بإجراءات الشهر.

ومن اجل معالجة هذين العنصرين وإبراز أهم العقوبات المفروضة على المؤسسين المسؤولين عن هذه الإجراءات سنعمل الى التطرق في (الفقرة الأولى) الى المخالفات والعقوبات المتعلقة بإجراءات تقييم الحصص على ان نتدارس في (الفقرة الثانية) المخالفات والعقوبات المتعلقة بالشهر.

 

الفقرة الأولى: المخالفات والعقوبات المتعلقة بتقييم الحصص.

لقد أحاط المشرع تقييم الحصة العينية بضمانات مهمة تكفل تقدير جدي وفعال لقيمتها، وفي ذلك حماية لأصحاب الحصص النقدية، وحماية أيضا للضمان العام للشركة.

وبالإضافة الى الضمانات التي حددها المشرع اثناء تقييم الحصص العينية فان المشرع عمل على معاقبة المخالفين للأحكام المتعلقة بقواعد التقييم بعقوبات زجرية، وهو ما تم النص عليه من خلال المادة 379 في فقرتها الأخيرة، ذلك انه بالحبس من شهر الى ستة أشهر وبغرامة من 8000 الى 40000 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين: من عمل عن طريق الغش على تقييم حصة عينية تقييما يفوق قيمتها الحقيقية، بالإضافة الى هذا تم النص من خلال المادة 383 ق ش م على المعاقبة بالحبس من شهر الى ستة أشهر وبغرامة من 8000 الى 40000 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من وافق عم قصد على القيام بمهام مراقبي الحصص او استمر في مزاولتها على الرغم من حالات التنافي والمنع المنصوص عليها قانونا.

انطلاقا من هذه المادة وانسجاما مع ما تم النص عليه من خلال المادة 25 ق ش م، فانه يمكن القول ان المشرع لم يرتب هذه العقوبة على المخالفين هكذا اعتباطا، بل ان هذه العقوبات جاءت كمرحلة ثانية، ذلك ان المشرع من خلال المادة 25 ق ش م عمل على تحديد الاشخاص الذين من الممكن ان يكونوا مراقبي الحصص، وحددهم في مراقبي الحسابات زيادة على هذا فان المشرع عمل على إخضاعهم لحالات التنافي المنصوص عليها في المادة 161 ق ش م والتي جاءت بمستجدات عمقت من حالات التنافي مما يشكل ضمانة مهمة بالنسبة للشركة او لدائنين الشركة بل حتى للمساهمين أنفسهم، وذلك دفعا لكل غش او تحايل.

اما فيما يتعلق بشركة ذات المسؤولية المحدودة وحسب المادة 106 فانه يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر وبغرامة من 2000 الى 20000 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط المسيرون الذين يقومون تدليسيا بتقييم حصة عينية بقيمة أعلى من قيمتها الحقيقية، ويعتبر هذا مختلفا عما جاء النص عليه في إطار المادة 383 والمادة 379 ق ش م وذلك من حيث الغرامة.

 

الفقرة الثانية: المخالفات والعقوبات المتعلقة بالشهر.

تعد عمليات الشهر من أهم العمليات سواء كانت تتعلق بتأسيس الشركة او تتعلق بإعلام الغير بوجودها او بتغير نظامها الأساسي او بمداولاتها او قراراتها.

أسباب جوهرية جعلت المشرع يجرم ويعاقب الإخلال بإجراءات الشهر مخصصا لذلك المادة 420 ق ش م إذ نصت على معاقبة كل مؤسس بغرامة من 10000 الى 50000 درهم اذا لم يقم داخل الأجل القانونية بإيداع او إيداعات لوثائق او عقود لدى كتابة ضبط المحكمة، وإما القيام بإجراء من إجراءات الشهر المنصوص عليها في هذا القانون وذلك دون الإخلال بتطبيق النصوص التشريعية الخاصة، ولاسيما منها المتعلقة بالمعلومات المطلوبة الى الاشخاص المعنوية التي تدعوا الجمهور الى الاكتتاب.

تعتبر هذه المادة من بين المواد التي شملها التعديل الأخير، ولقد انصب هذا التعديل على العقوبة الحبسية حيث تم حذفها بشكل نهائي، بالمقابل تم رفع مقدار الغرامة من 10000 درهم الى 50000 درهم، بالإضافة الى هذا فان التعديل شمل أيضا تغيير صيغة المادة، ذلك انه كان في إطار النص القديم ان العقوبة تطبق على المؤسسين اذا امتنعوا او رفضوا القيام بإجراءات الشهر، فان النص الجديد جاء بصيغة الجزم ونص على عبارة ( لم يقم)، وبالتالي فان المؤسس اذا لم يقم بإجراءات الشهر كما هي محددة قانونا فانه يعرض نفسه للمسائلة الجنائية، وهو ما يشكل ضمانة أساسية للشركات التجارية.

اما فيما يتعلق بشركة ذات المسؤولية المحدودة ومعها باقي الشركات التجارية الأخرى، فانه يعاقب بغرامة من 10000 الى 5000 درهم المسيرون الذين لا يقومون داخل الآجال القانونية بإيداع او بإيداعات لوثائق او عقود لدى كتابة ضبط المحكمة او لا يقومون بإجراء او إجراءات الشهر المنصوص عليها في هذا القانون.

ومنه ومن خلال المقارنة بين مبلغ الغرامتين يتضح ان المشرع قد عادل بين الغرامتين، ومنه يمكن الخروج بفكرة ان المشرع يهدف من خلال تدخله الزجري حماية رأسمال الشركة التجارية كيفما كان شكلها أي حماية المقاولة كشخص معنوي وتوفير جميع الضمانات القانونية في ان يؤسس هذا الشخص المعنوي ويزدهر في مناخ أمين يكون الاستقرار سمته الأساسية.

 

خاتمة

ان المشرع المغربي ومن خلال تدخلاته المكثفة على مستوى تأسيس الشركات التجارية، وذلك بإقراره لنظام التسوية حينما يكون ذلك ممكنا ونظام البطلان بالإضافة الى العنصر المتعلق بالزجر كان يهدف الى:

أولا: الى تنقية مناخ الاستثمار وجعله أكثر شفافية ومصداقية على المستوى الدولي.

ثانيا: الى محاولة إنقاذ المقاولة من نظام البطلان، وفي ذلك حفاظ على إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال حجم التشغيل والموارد الضريبية وما الى ذلك.

ثالثا: تحقيق الردع العام والخاص لإجبار المؤسسين على الالتزام بمقتضيات التأسيس.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو الى أي حد استطاع المشرع المغربي تحقيق أهدافه، وذلك امام تراجع ترتيب المغرب على سلم الشفافية الدولية لمناخ الاستثمار؟      

 

 

 

 


[1]– لحسن بيهي :الشكلية في ضوء ق الشركات التجارية المغربي طبعة   2005 طبع ونشر وتوزيع مكتبة دار السلام ،الرباط

[2]– المادتين 2 و 12 ق.ش.م والمواد 5 و 23 و50 ق. ش.ت .

 

[3] Rachid Lazrak : dépénalisation de la SA, ce qui va changer, l’économiste, sans date.

[4]  أستاذنا عبد الرحيم شميعة: محاضرات في القانون التجاري، الشركات التجارية، طبعة 2009، ص: 129.

[5]  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى