مسؤولية المتدخلين في إدارة أموال المحجور – الباحث: محمد العوفي
مسؤولية المتدخلين في إدارة أموال المحجور
Responsibility of those involved in the management of the ward’s assets
الباحث: محمد العوفي
طالب باحث في سلك الدكتوراه
مختبر البحث في قانون العقار والتعمير ومتطلبات الحكامة الترابية جامعة محمد الأول-وجدة-
الملخص:
توضع أموال المحجور عليهم تحت رقابة الأولياء وتدفع إليهم ليحافظوا عليها، وليديروها، بهدف تنميتها وحفظها واستثمارها لمصلحة من يوجد تحت ولايتهم، وليصرفوا منها على محجوريهم، فإنهم يعتبرون أمناء على هذه الأموال، وهذا ما نصت عليه الشريعة الإسلامية وكافة القوانين الوضعية.
ولهذه الغايات، حدد المشرع السلطات المخولة لكل نائب شرعي على المحجور، وفرض عليه وسائل رقابة من شأنها أن تمنعه من تجاوز تلك الحدود المرسومة قانونا. إلا أنه قد يهمل الحاجر المهمة المسندة إليه، أو يتقاعس عن تنفيذ الالتزامات التي فرضها عليه القانون، أو يتعدى حدود صلاحياته، لدرجة قد تؤثر وتضر بأموال المحجور التي عهد إليه بها، من خلال إقدامه على إبرام تصرفات غير قانونية في حق محجوره.
: Abstract
The funds of the ward’s are placed under the control of the legal guardians and paid to them for safekeeping and management, for the purpose of developing, preserving and investing them for the benefit of those under their guardianship, and spending them according to their conditions. They are considered trustees of these funds, as stipulated by Islamic law and all other laws.
For these purposes, the legislature has defined the powers granted to each legal representative and imposed means of control to prevent them from exceeding the limits set by the law. However, the guardian may neglect the task entrusted to him, fail to fulfill the obligations imposed on him by law, or exceed the limits of his powers to the extent that he may affect and harm the ward’s entrusted funds. Engaging in illegal transactions against the ward’s.
مقدمة:
مما لا شك فيه أن القانون أسْنَدَ لأشخاص وسلطات رعاية وإدارة أموال المحجور إما بشكل مباشر أو غير مباشر، فالنائب الشرعي له عدة سلطات للقيام بأمور المحجور)خاصة القاصر(المالية وبالمقابل عليه عدة مسؤوليات وكذلك الجهة التي نَدَبَها المشرع لتحرير العقود المتعلقة بالعقارات أو الأصول التجارية، إذ الزمت قبل تلقي أو تحرير تلك العقود التقيد بضوابط التوثيق شكلاً ومضموناً أو تلك التي لها اختصاص التقييد أو التشطيب بالسجل العقاري لتصرف من التصرفات أو لبيع من البيوع، إذ يقع على عاتقها التأكد من الوثائق المدلى بها ومن أهلية أطرافها تحت طائلة مسؤولياتهم.
لذلك فإن الإحاطة بهذا الموضوع لن يتم إلا من خلال الإجابة عن التساؤل الآتي:
ما مدى مسؤولية الأشخاص المتدخلين في إدارة أموال المحجور؟ الجواب عن التساؤل سيتم من خلال تقسيم الموضوع إلى مطلب أول، ثم إلى فقرتين، بحيث سنخصص للحديث عن المسؤولية المدنية في )الفقرة الأولى( ، ثم التطرق للمسؤولية الجنائية في )الفقرة الثانية(.
المطلب الأول: المسؤولية المدنية والجنائية للمتدخلين في إدارة أموال المحجور
يتضح مما سبق أن الجهات المتدخلة في إدارة وتسيير أموال المحجور، متمثلة في الولي الشرعي والوصي والمقدم حسب الحالة، بالإضافة إلى المحكمة، دون أن نغفل الموثق والمحافظ على الأملاك العقارية في إطار بيع أموال المحجور، وبالتالي فإن الآثار التي تترتب عن إدارة أو بيع أموال المحجور إما أن تكون مسؤولية مدنية أو جنائية، دون أن ننسى أن هناك فئة من المتدخلين تشملها المسؤوليتين معا والبعض تشمله المسؤولية المدنية فقط، وهذا ما سأحاول بسطه من خلال هذه الفقرة.
الفقرة الأولى: المسؤولية المدنية
إن المسؤولية المدنية تشمل كافة الجهات المذكورة أعلاه، وبالتالي سأتحدث عن مسؤولية كل جهة على حدة، في الشق المتعلق بالأموال حصرا.
– أولا: المسؤولية المدنية للولي:
لا خلاف بين الفقهاء أن للولي التصرف في أموال ابنه القاصر وإدارتها، وأفعاله في ذلك محمولة على الصلاح والسداد لما يتمتع به من شفقة عليه ودراية بمصالحه، فيجوز التصرف في أموال أولاده بكل التصرفات التي تعود على المولى عليه بالمصلحة، حيث يجوز له أن يبيع من مال أولاده القاصرين عقارا كان هذا المال أو منقولا، رغم أن الشافعية يعتبرون بيع عقار القاصر ضرورة وفور المصلحة من إنفاق وكسوة، وظهور غبطة من ثمن أعلى .
إلا أن هذا لا يعني إعفاء الولي من المسؤولية مطلقا، إذ أن المشرع ضمانا منه لأموال القاصر ألزم الولي في حالة فتح ملف النيابة الشرعية بتقديم تقرير سنوي مفصل إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين، قصد اطلاعه على الطريقة التي تتم بها إدارة وتنمية أموال القاصر وعن العناية بتوجيهه وتكوينه، بحيث إذا تبين للقاضي المذكور أن هناك تقصيرا أو خللا في تدبير شؤون القاصر الشخصية والمالية، فإنه يتعين عليه أن يشعر المحكمة بذلك لكي تقوم باتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة للحفاظ على مصالح القاصر المادية والمعنوية.
والجدير بالإشارة أن مدونة الأسرة لم تنص على مسؤولية الولي عن أخطائه الجسيمة عند التصرف في أموال القاصر، بخلاف المشروع العربي الموحد للأحوال الشخصية الذي أكد مسؤوليته عن خطئه الجسيم والزمه بتعويض القاصر عن الضرر الذي أصابه.
كما يجب على الولي بموجب المادة 242 من مدونة الأسرة عند انتهاء مهمته لأي سبب من الأسباب أن يبادر في حالة وجود ملف للنيابة الشرعية إلى تقديم تقرير مفصل إلى القاضي المكلف لإشعاره بوضعية ومصير أموال المحجور من أجل المصادقة عليه،
وهي المصادقة التي لا ينبغي أن تحصل إلا بعد التأكد من صحة ما ورد في التقرير المذكور من مداخيل ومصاريف، وما بقي مدركا لفائدة المحجور عليه.
وتنص المادة 236 من مدونة الأسرة بأن الأب يمكن أن يجرد من ولايته بحكم قضائي، ونفس الأمر أوردته المادة 243 من المدونة التي تنص على أن للمحكمة بعد تقديم التقرير السنوي اتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة للحفاظ على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية، وهذا يعني أنه مثله مثل الوصي أو المقدم، وما ينطبق على الأب من تجريده من الولاية، ما دامت مصلحة الطفل تقتضي ذلك، وما قيل عن الأب ينطبق على الأم أيضا.
ومن مظاهر تكريس مسؤولية الولي عن بيع أموال القاصر ما نص عليه الفصل 56 من ظ.ل.ع والذي رتب جزاء البطلان في حالة لحق القاصر غبن عند بيع أمواله، ويمكن للمحكمة أن تتحقق بوجود الغبن من عدمه من خلال خبرة قضائية لتقويم المال سواء كان منقولا أو عقار أو أصلا تجاريا أو قيما منقولة.
بالإضافة إلى ما سبق يمكن أن تكون مسؤولية الولي تقصيرية طبقا للفصل 78 من ظ.ل.ع، وذلك في حالة تسبب الولي في ضياع أموال القاصر كيفما كان نوعها.
1- المسؤولية المدنية للوصي والمقدم:
انطلاقا من المادة 257 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه ” يسأل الوصي أو المقدم عن الإخلال بالتزاماته في إدارة شؤون المحجور وتطبق عليه أحكام مسؤولية الوكيل بأجر ولو مارس مهمته بالمجان. ويمكن مساءلته جنائيا عند الاقتضاء.”
وباعتبار الوصي أو المقدم مسؤولا مسؤولية وكيل بأجر، تمنح له صفة وكيل والقاصر صفة موكل، وباعتبار الوكيل يقوم بمهامه مقابل أجر، فإنه يتحتم على الوكيل الوصي أو المقدم وفق ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 903 من قانون الالتزامات والعقود الالتزام ببدل عناية الرجل العادي اليقظ المتبصر المنضبط في سلوكه وعمله، أو الذي يراعي قدرا كبيرا من الدقة في انجاز العمل المطلوب منه، وإلا تحمل المسؤولية عما يحدث من ضرر للموكل، وعلى الوكيل (الوصي) تحري العمل الأكثر نفعا للموكل (القاصر (.
ولا يجوز للوصي أو المقدم أن يتعمد عدم تنفيذ الوكالة دون أن يتنحى عنها في الوقت المناسب، فإن فعل ذلك تحققت مسؤوليته، ويكون مسؤولا كذلك إذا تواطأ مع المشتري على تخفيض الثمن إذا كان موكلا في بيع شيء لم يحدد ثمنه، أو أنه أهمل في تقاضي الأجرة أو تركها تسقط بالتقادم، فإن ذلك بمثابة الخطأ الجسيم الذي يسأل عنه. والقاضي المكلف بشؤون القاصرين هو الذي يملك صلاحية إثارة المسؤولية المدنية، مادام أن القاصر لا يتأتى له ممارسة هذا الحق بحكم قصور أهليته، هذا ما يجعل الوصي أو المقدم في حالة مخالفة تعليمات القاضي المكلف بشؤون القاصرين لأسباب خطيرة تدفعه لمخالفتها ومخالفة ما جرى عليه العرف أن يعمل على إخطار القاضي، بصفته موكلا، بالأسباب الخطيرة التي يواجهها في أقرب فرصة يستطيع فيها ذلك، وعليه أن ينتظر تعليمات القاضي، ما عدا إذا كان هناك خطر في الانتظار.
والوكالة المأجورة توجب على الوكيل أن يبذل في تنفيذها عناية الرحل المعتاد وهي عناية يتم تقديرها بمعيار موضوعي لا شخصي، فمسؤولية الوكيل تقوم ولو أثبت أن ما بذله من عناية يزيد على ما يبذله في شؤونه الشخصية، وإذا أثبت أنه بدل في تنفيذ الوكالة عناية الشخص المعتاد أعفي من المسؤولية عن أي ضرر يصيب الموكل، حتى لو ثبت أنه كان يستطيع تفادي هذا الضرر لو بذل عنايته في شؤون نفسه.
وفي سائر الأحوال يكون الوكيل المأجور مسؤولا عن الخطأ الجسيم والخطأ اليسير عند تنفيذ التزامه، ولا يعفى من ذلك، ولا يكون مسؤولا عن السبب الأجنبي، فيما إذا كان الضرر الذي أصاب الموكل من جراء تنفيذ الوكالة راجعا إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي أو فعل الغير أو خطأ القاصر نفسه .
كما أن من بين الالتزامات التي تقع على عاتق الوصي أو المقدم تقديم الحساب أو تسليم الأموال في إبانها تحت مسؤوليتهما، إذ يمكن للقاصر استصدار مقرر قضائي بإجراء حجز تحفظي على أموال الوصي أو المقدم، أو وضعها تحت الحراسة القضائية، أو فرض غرامة تهديدية عليه إذا لم يستجب لطلب القاضي المكلف بشؤون القاصرين في أي وقت للإدلاء بإيضاحات حول إدارة أموال المحجور أو تقديم حساب حولها.
– ثانيا: المسؤولية المدنية للقاضي المكلف بشؤون القاصرين:
ينص الفصل 81 من ظ.ل.ع على ما يلي: “القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا عن هذا الإخلال تجاه الشخص المتضرر في الحالات التي تجوز فيها مخاصمته.”
والحالات الموجبة لهذه المخاصمة نظمت بمقتضى الفصل 391 من ق.م.م الذي جاء فيه: يمكن مخاصمة القضاة في الأحوال الآتية:
– إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهيئ القضية أو الحكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه؛
– إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها؛
– إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض؛
– عند وجود إنكار العدالة”.
لذلك يلاحظ على أن المشرع المغربي اعتبر أن قيام المسؤولية المدنية للقضاة هو رهين بإتيان أحد الأفعال العمدية السابق الإشارة إليها، وهي إما الحالات التي تنطوي على عمل مادي كالتدليس والغش والغدر، وتلك التي تنطوي على فعل سلبي كالامتناع عن القيام بعمل كحالة إنكار العدالة.
وفي هذا الصدد جاء في قرار محكمة النقض :” لكن قاض الحكم يكون مسؤولاً مدنياً إذا ارتكب غش أو تدليس في الحكم إضراراً بأحد الطرفين ومحاباة للآخر”.
هكذا يظهر أن الغش الذي يعتد به كخطأ قضائي شخصي يلزم أن يكون مقصوداً وينطوي على سوء نية القاضي المرتكب هذا الخطأ، ومثال ذلك أن يقوم القاضي بإعلام أحد الخصوم بكون مسطرة حجز جارية على أمواله المنقولة أو العقارية هادفاً بذلك مساعدته على تهريبها أو تحويل ملكية عقاراته إلى الغير من أقاربه أو معارفه حتى لا يطالها الحجز.
ومن صور الخطأ القضائي الشخصي الموجب لمسؤوليته يمكن أن نقول إن قاضي شؤون القاصرين إذا ما تواطئ في إطار مزاولته لمهامه بخصوص النيابة الشرعية مع الوصي أو المقدم في بيع مال من أموال القاصر، كأن يكون ذلك المال مهماً للقاصر ويمنح القاضي الإذن ببيعه، أي أن الضرورة لا تفرض بيعه ومع ذلك يباغ إضراراً بمصالح القاصر وبهدف تحقيق مصالح شخصية للقاضي والوصي أو المقدم، ففي هذه الحالة يكون قاضي شؤون القاصرين مرتكبا لخطأ شخصي يتعلق في صورتي الغش والتدليس يوجب مسؤوليته المدنية.
كما قد يقع أن يرفض قاض شؤون القاصرين إجراء حجز تحفظي على أموال الوصي أو المقدم بالرغم من رفض هذا الأخير الإدلاء بالتقارير سواء منها النهائية أو الدورية، مما قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح القاصر المالية ففي هذه الحالة تقع أيضا مسؤولية القاضي المدنية إذا ما ثبتت سوء نيته من وراء ذلك كان يُحاول محاباة مصلحة الوصي أو المقدم على مصلحة القاصر.
أما بخصوص صورة إنكار العدالة قد يتقدم أحد الأغيار في إطار مسطرة البيع بالمزاد العلني بطلب إلى قاض شؤون القاصرين لإيقاف إجراء البيع بالمزاد العلني إلى غاية بت المحكمة في استحقاقه للمال الذي هو موضوع البيع فيرفض قاض شؤون القاصرين البت في ذلك الطلب من دون أي سبب فيكون بذلك مرتكباً لخطأ شخصي موجب للمسؤولية المدنية بعدما يتم إنذاره وسلوك الإجراءات القانونية بخصوص ذلك .
وقد سبق لمحكمة النقض أن حدد موجبات إنكار العدالة، إذ جاء في أحد قرارتها : ” حالات إمكانية مخاصمة القضاة وردت على سبيل الحصر، من بينها حالة ادعاء ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهييئ القضية أو الحكم فيها.
إذا انحصر دور القاضي في الإشراف على سير إجراءات التنفيذ في نطاق سلطته الولائية، فلا مجال للتوسع في تفسير مقتضيات الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بمسطرة استثنائية خاصة.
ادعاء إنكار العدالة لا محل له إذا ما بت القاضي في طلب استبدال خبير في نفس اليوم بعد ضم الطلب لملف آخر، وتكون الكيفية التي نهجها المطلوب في المخاصمة لا تندرج ضمن مشتملات الفصلين 391 و392 من القانون المذكور.”
– ثالثا: المسؤولية المدنية للمحكمة:
اعتمادا على مقاربة من يحمي شؤون القاصرين، يمكن أن تثار مسؤوليته واستناداً على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، يمكن القول أن المحكمة باعتبارها الجهة الموكول لها منح الإذن للولي الأب الأم ولها الحق في تعيين المقدم بالإضافة إلى اختصاصات أخرى طبقا المقتضيات مدونة الأسرة.
وللمحكمة عدة سلطات في مهام النيابة الشرعية، نذكر من بينها أن لها اختصاص تعيين مقدم على المحجور، ولها اختصاص إعفاء الوصي أو المقدم عند إخلاله بمهمته، أو عجزه عن القيام بها وذلك بعد الاستماع إلى إيضاحاته، كما أنّ انتهاء مهمة الوصي أو المقدم بغير وفاته أو فقدان أهليته المدنية لا يمنع المحكمة من البت في الحساب المقدم إليها من طرفها ، كما يحق للمحكمة بعد تقديم التقرير لها من قبل الولي أن تتخذ جميع الإجراءات التي تراها ملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية، كما يرجع لها أمر تعيين ممثلا له إذا ما أراد النائب الشرعي القيام بتصرف تتعارض فيه مصالحه أو مصالح زوجه، أو أحد أصوله أو فروعه مع مصالح المحجور وفق ما ينص عليه الفصل 269 من مدونة الأسرة.
بعدما تم عرض بعض الفصول التي تؤطر لاختصاص المحكمة في مجال النيابة الشرعية إلى جانب اختصاص قاض شؤون القاصرين في ذات المجال، يمكن القول أن إخلال الهيئة القضائية أو أحد قضاتها بالمقتضيات القانونية المنظمة للنيابة الشرعية يوجب المسؤولية المدنية.
فالإخلال الذي نتحدث عنه في هذا المقام هو الإخلال العمدي الشخصي كالغش، أو التدليس أو الغدر أو إنكار العدالة كما سبقت الإشارة لذلك سلفاً عند حديثنا عن مسؤولية قاض شؤون القاصرين.
لذلك فلو قامت المحكمة بتعيين مقدم عن القاصر لا تتوفر فيه الشروط اللازمة للتقديم كأن يكون مفلسا، أو أن يسبق الحكم عليه في جريمة ضد الأطفال، أو أن تكون بينه وبين القاصر عداوة، فإن ذلك بعد إخلالا بمقتضيات الفصل 247 من مدونة الأسرة الذي ينص على أن لا يجوز أن يكون وصياً أو مقدماً:
المحكوم عليه في جريمة سرقة أو في جريمة من الجرائم المخلة بالأخلاق أو إساءة ائتمان أو تزوير؛
المحكوم عليه بالإفلاس أو في تصفية قضائية؛
من كان بينه وبين المحجور نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة المحجور”.
لذلك فلو أنّ المحكمة عمدت إلى تعيين مقدم وهي تعلم بوجود مانع من الموانع السالفة الذكر فإنها تكون مرتكبة لخطأ عمدي موجب للمسؤولية المدنية، أما إذا انتفى عنصر العلم فإن ذلك يدخل ضمن الأخطاء الجسيمة الموجبة للمسؤولية التأديبية فقط وقد جاء في أحد قرارات محكمة النقض أن : ” قاض الحكم لا يتحمل أية مسؤولية عن الأحكام التي يصدرها ولو ارتكب خطأ في تأويل وتطبيق القانون وذلك نظرا لكون الأطراف في استطاعتهم دائما اللجوء إلى طرق الطعن العادية وغير العادية للحصول على تعديل أو إلغاء الحكم ونظراً لحجية الشيء المقضي به التي تتعلق بالحكم والتي تقوم على قرينة أن الحكم مطابق للحقيقة. لكن قاض الحكم يكون مسؤولاً مدنياً إذا ارتكب غشاً أو تدليساً يتعين على مدعيه أن يقيم الدليل على ذلك وبالأخص عنصر سوء نية القاضي.”
كما أن المحكمة إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على صالح القاصر وذلك إيان مصادقتها على التقرير المدلى به من طرف لدولي أو تم سحب مستند من المستندات المتعلقة بذلك التقرير من أحد قضاتها فإن المسؤولية تقع على مرتكب ذلك، وقد جاء في قرار محكمة المنقض قرار المحكمة النقض أن: “قاض الحكم يكون مسؤولاً مدنياً ا أو تدليساً في الحكم إضراراً بأحد الطرفين ومحاباة للآخر.”
كما أنه بالإضافة إلى ذلك فالوصي أو المقدم الذي يخل بالتزاماته كان لا يتخذ الاحتياطات اللازمة في إدارته لأموال المحجور والتصرف فيها أو أن يتصرف برعونة وإهمال وعدم الحرص، ولا يتم عزله من قبل المحكمة لتواطؤها مع الوصي أو المقدم كل ذلك يجعلها مرتكبة لخطأ شخصي عمدي يُوجب مسؤوليتها، أو مسؤولية القاضي المرتكب للفعل إن لم يكن ذلك في علم باقي القضاة.
أما بالنسبة لرفع الدعوى من طرف المحجور، فإن مدونة الأسرة نصت في المادة 263 على أنه «يحتفظ المحجور الذي بلغ سن الرشد أو رفع عنه الحجر، بحقه في رفع كل الدعاوى المتعلقة بالحسابات والتصرفات المضرة بمصالحه ضد الوصي أو المقدم وكل شخص كلف بذات الموضوع.”
وبخصوص تقادم هذه الدعاوى فإنها تتقادم بسنتين بعد بلوغ المحجور سن الرشد، أو رفع الحجر عنه، إلا في حالة التزوير، أو التدليس، أو إخفاء وثائق فتتقادم بسنة بعد العلم بذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 263 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية.
– رابعا: المسؤولية المدنية للموثق:
تثار مسؤولية الموثق باعتباره الجهة المهنية الوحيدة التي خول لها المشرع فتح حساب بنكي لدى صندوق الإيداع والتدبير، عكس العدول والمحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض، إذ أن أموال المحجور بصفة عامة وأموال القاصر يجب أن تودع في صندوق الإيداع والتدبير، وهذا المقتضى كرسنه المشرع المغربي لإضفاء الحماية اللازمة على أموال المحجور.
ورب سائل يتساءل هل يحق للموثق مطالبة الولي- الأب أو الأم- بما يفيد فتح ملف النيابة الشرعية؟
بالرجوع للمادة 240 من مدونة الأسرة والتي تنص على أن:” لا يخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور، ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور )مائتي ألف درهم 200 ألف درهم( .
والقاضي المكلف بشؤون القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك. ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي.”
ويستشف من هذه المادة أن الولي أي الأب والأم لا يخضعان للرقابة القضائية القبلية.
في حين أن المادة 241 من مدونة الأسرة نصت: ” إذا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200) ألف درهم أثناء إدارتها، وجب على الولي إبلاغ القاضي بذلك لفتح ملف النيابة الشرعية، كما يجوز للمحجور أو أمه القيام بنفس الأمر.”
من خلال هذه المادة يتضح أن الرقابة القضائية تفعل في مواجهة الولي في حالة بلغ إلى علم قاضي شؤون القاصرين وجود أموال للقاصر أو المحجور بصفة خاصة تتجاوز قيمتها مائتي ألف درهم، ومن هذا المنطلق أجد أن مطالبة الموثق بما يفيد فتح ملف النيابة والحصول على إذن بتفويت عقار أو أصل تجاري مملوك للمحجور، لا يتعارض مع هدفي الشريعة الإسلامية والقانون، والذي يجتلى في حفظ وحماية وصون مال المحجور.
ولقد نصت المادة 37 من قانون 32.09 على أن: “يتحقق الموثق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق المدلى بها إليه للقانون.
يجب على الموثق إسداء النصح للأطراف، كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم، وأن يوضح لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها.”
وبتحليل هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي قد رتب مسؤولية الموثق في حالة عدم التحقق من الأطراف وهويتهم وصفتهم والأهم أهليتهم، وكذلك ألزمه المشرع بنصح الأطراف وتوضيح كل ما من شأنه أن يجعل الأطراف على بينة من العقد.
كما نص المادة 41 من قانون 31.09 على ما يلي: ” يحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفصل بين الفقرات والبنود، وفي هذه الحالة يوضع خط على البياض.”
وباستقراء هذا الفصل يتبين أن المشرع أضاف إلى جانب ما نص عليه في الفصل 37 من قانون 32.09، إمكانية مساءلة الموثق كل ما من شأنه أن يجعل من العقد معيبا شكلا، إذ أن العقد يجب أن يكون صحيحا من الناحية الشكلية، مثلما يجب أن يكون سليما من ناحية أطرافه وصفتهم وأهليتهم.
والاشكال المطروح في هذا الصدد هو هل مسؤولية الموثق عقدية أم تقصيرية؟
يرى أحد الباحثين أن القواعد العامة للمسؤولية المدنية هي الواجبة التطبيق في هذا المجال، وباعتبار المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية تقومان على نفس الأركان المتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، فإن أركان المسؤولية المدنية للموثق تتمثل في الخطأ المهني للموثق أو أحد كتابه أو مستخدميه، وضرر يلحق بأحد زبائنه أو الغير، وعلاقة سببية تجعل الضرر ناتجا عن خطأ الموثق أو من هو مسؤول عنهم.
في حين يرى أحد الباحثين أن مسألة تحديد طبيعة مسؤولية الموثق تتأثر بما تتميز به مهنة التوثيق من خصوصيات التي لها الأثر العميق في تحديد الطبيعة القانونية لتلك المسؤولية، فالموثق كأصل عام يؤدي هذه الوظيفة بصفته ضابط عمومي مفوض من قبل السلطة وهذه ميزة أساسية ، ثم أنه قد يتدخل في أداء تلك المهام بصورة شبيهة بالتعاقد أو التعاقد الغير الواضح وذلك في الحالات التي يكون فيها وكيلا أو بالأخرى مديرا لأعمال العميل، وأخيرا فإن تدخل الموثق وفي كل الحالات يكون بغرض تطبيق النظام القانوني للدولة بضبط المعاملات والتصرفات بالأمن والأمان القانوني مما يدفعنا إلى القول أن مسؤولية الموثق المدنية ينبغي أن تكون مسؤولية تنشأ عن نصوص القانون.
ولما كانت القواعد القانونية المحددة للالتزامات المهنية تؤثر في طبيعة المسؤولية وهل هي عقدية أم تقصيرية ومداها فإن مسؤولية الموثق بالتأكيد تختلف عن مسؤولية الشخص العادي. ذلك لأن القانون إذا كان بتسامح مع الرجل العادي ويغفر له إهمال بعض الاحتياطات فإنه يتشدد مع الموثق إذا لم يراعي التزاماته وبعد مهملا أو مقصرا لها، لأن ما ينتظر رجل المهنة من حرص وعناية أكثر مما ينتظر الرجل العادي.
ويرى البعض أن طبيعة مسؤولية الموثق ترتبط بوضعه المختلط، إذ أن مهنة التوثيق تعتبر من المهن الحرة، وبالتالي فيمكن اعتباره رجل أعمال في علاقته التعاقدية مع زبنائه، لذلك سيكون مسؤولا تعاقديا عن الأضرار التي يسببها لهم، لكن في الوقت نفسه فهو موظف حكومي، مما يعني أنه سيكون مسؤولا تقصيريا.
وقد صدر عن محكمة النقض في قرار لها: “لكن حيث إن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه، وفي إطار سلطتها محكمة النقض التقييم الوثائق والحجج وباطلاعها على عقد تقويت الأسهم، تبين لها بأن هذه الأسهم إسمية ومقيدة في سجلات الشركة المعنية، وكانت مرهونة للبنك الوطني للإنماء الاقتصادي حسب شكايته الموجهة للسيد وكيل الملك بسلا بتاريخ 1997/5/4 – قبل إبرام عقد التفويت – وهو ما أقر به البائع نفسه في تصريحه أمام الشرطة القضائية بتاريخ 97/6/10 واستخلصت وعلى صواب تقصير الطالبة في أداء مهامها وذلك حينما قضت بأنه “حيث إنه ما دام الثابت من العقد أن الإخبار الذي قامت به كان يعني القرض الذي على الشركة فقط المضمون كذلك برهن على الأصل التجاري وعلى المعدات بصفة مستقلة عن رأس مال الشركة، ولم يكن يعني الرهن المنصب على الأسهم كما هو واضح من عبارات العقد، فإن المشتكى بها تكون قد أخلت بالالتزام المفروض عليها بنص الفصل 1 من الظهير لما لم تخبر أطراف العقد بالرهن على الأسهم المبيعة ولم تبصرهم بمدى نتائج التعاقد بالشكل الذي عليه الأسهم وكذا بنص الفقرة 12 من الفصل 30 من الظهير التي تفرض عليها ألا تحرر العقد إلا بعد فك الرهن على الأسهم أي القيام بما يلزم لإنجاز البيع بصفة قانونية مما يشكل تقصيرا في أداء الواجب تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا وينته على أساس قانوني ويبقى ما بالوسيلة على غير أساس.”
وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض:” حيث إن الموثق وإن كان موظفا عموميا في مجال تحرير العقود وتلقى الإشهاد من لدن المتعاقدين الذين يلجؤون إلى خدماته فإن مسؤوليته الشخصية عما لحقهم من أضرار بسبب مزاولته لعمله المذكور تختص المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها مقر عمله بالنظر في النزاعات الناشئة عن هذه المسؤولية طبقا للمادة 39 من ظهير 1925/5/4 المنظم لمهنة التوثيق العصري (المطبق على النازلة). وأن ص ت باعتباره مؤسسة أنشئت لتحل محل الموثق المعسر في أداء ما قد يحكم به عليه تقتضي أن تبقى النزاعات القائمة ضده في إطار الحلول المذكور من اختصاص المحكمة الابتدائية التابع لها مقر عمل الموثق المعسر بالتبعية لدعوى المسؤولية الشخصية له، وأن محكمة الاستئناف الإدارية لما بنت في موضوع الدعوى دون مراعاة لما ذكر. تكون قد خرقت قواعد الاختصاص النوعي والذي كان يتعين عليها إثارته تلقائيا وعرضت قرارها للنقض.”
وبعد الاطلاع على مختلف الآراء وكذلك قرارات محكمة النقض بهذا الخصوص، أجد أن مسؤولية المحافظ يمكن اعتبارها مسؤولية تقصيرية وليست عقدية ومرد ذلك لعدة اعتبارات ومنها أنه لا يمكن اعفاء الموثق من المسؤولية حتى وإن ضمن ذلك في العقد، إذ أن قواعد المسؤولية التقصيرية من النظام العام لما لها من مساس بالسلامة الجسدية والمالية للأفراد، كما أن مناط المسؤولية العقدية هو وجود عقد يجمع بين الطرفين، في حين أن الموثق لا يتعاقد مع أي طرف وإنما يؤدي مهام تقع على عاتقه، ومن جهة أخرى فبالرجوع للفصل 95 من قانون 32.09 والذي ينص على أن:” تتقادم دعاوى الضمان بمرور خمس سنوات على يوم التصريح بثبوت مسؤولية الموثق أو نائبه بحكم نهائي .”، ويتضح من هذا الفصل أن المشرع المغربي حدد مدة التقادم في خمس سنوات وهي نفس المدة التي تتقادم فيها دعوى المسؤولية التقصيرية.
– خامسا: مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية:
من الثابت قانونا أن المشرع خول للمحافظ على الحقوق العقارية إجراء التقييدات للملكية العقارية والحقوق العينية المتعلقة بها وكنا في المادتين التشطيبات على تلك الحقوق وفق ما أشير إليه 66 65 من ظهير التحفيظ العقاري كما عُدْلَ وتُمِّمَ بالقانون رقم 14.07، ثم ألزم بموجب المادة 72 من ذات القانون من التأكد تحت مسؤوليته من هوية المفوت وأهليته، وكذا من صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب شكلا وموضوعا.
لذلك، فالمحافظ ملزم أن يتأكد من أن السند لا يتعارض مع أحكام القانون بصفة عامة مع مراعاة دوريات ومنشورات السيد المحافظ العام لما تتضمنه من شرح الغامض من النصوص، بالإضافة إلى وجوب إلمامه بالاجتهادات القضائية والفقهية، لذلك نجده أثناء دراسة الطلبات كأنه سلطة قضائية لما يقوم به من تحقيق دقيق وطرح تساؤلات …يتكيف مع كل محرر على حدة مستحضراً الأحكام الواجب أن يخضع لها المحرر.
فالقاصر لا يمكن أن يتعاقد بنفسه ولكن بواسطة نائبه، إذ أن المحافظ عندما يقدم له المحرر ويتضح له أن البائع قاصر فإنه يمتنع عن تقييد ذلك البيع انسجاما مع روح المادة 72 من ظ.ت.ع.
إذن، فبيع عقار القاصر يجب أن يتم بواسطة وليه، ومن المعلوم قانوناً أن الولي لا يحتاج إلى إذن من قاض شؤون القاصرين من أجل البيع، إلا أنه في الواقع العملي نجد أن جل المحافظين على الأملاك العقارية يطالبون الولي الأب أو الأم – بالإدلاء بإذن قضائي من أجل بيع عقار ابنه القاصر .
أما باقي فئات المحجور عليهم فإن المقدم يجب أن يحصل على إذن قضائي لبيع أموال المحجور كما سبق ذكره.
وقد ألزم المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 72 من ظ.ت.ع كما عدل بالقانون 14.07 المحافظ من التحقق من هوية وأهلية المفوت وذلك حرصا على استقر ار المعاملات العقارية وتلافيا لأي غش وتزوير أو تقييد حق بدون سند قانوني صحيح، فيقوم المحافظ على الأملاك العقارية بمراقبة دقيقة للبيانات الواردة في الرسم العقاري المتعلقة بالشخص المفوت ومقارنتها بالبيانات الواردة في طلب التقييد الجديد، وملاحظة ما إذا كانت هذه البيانات تنطبق على نفس الشخص المفوت أم لا من خلال التأكد من صحة الاسم الشخصي والاسم العائلي وتاريخ الازدياد ورقم بطاقة التعريف الوطنية وصحة التوقيع….
ويظهر من خلال مقتضيات الفصل 72 المذكور أن المشرع المغربي يتحدث عن التحقق من هوية وأهلية المفوت ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن المفوت هو الذي سيفقد حقوقه المقيدة في الرسم العقاري فيتعين أن يكون ذلك برضاه، وأن يكون مؤهلا للتعبير عن هذا الرضا وأن يكون هو صاحب الحق المقيد في الرسم العقاري تلافيا لإبدال شخص محل آخر بدون سند قانوني صحيح وبالرغم من هذه المراقبة فقد يحصل أن تقدم إلى المحافظ أحيانا عقود عرفية مصادق على توقيعها، لكن الأسماء الواردة في العقد تختلف عن تلك المشار إليها في الإجراء المتعلق بالمصادقة على الإمضاء ما يجعل هوية المتعاقد غير ثابتة، فيضطر المحافظ على الأملاك العقارية إلى رفض تقييد هذا العقد.
وإذا كان المشرع ألزم المحافظ بضرورة التحقق من هوية المفوت، فهذا لا يعني عدم مراقبة أهلية المفوت إليه، بل يتأكد من أهليتهما معا على حد سواء لأن المفوت إليه قد يصبح متصرفا في الحق المفوت إليه مباشرة بعد تقييد حقه بالرسم العقاري ولا يمكن تصور قبول المحافظ على الأملاك العقارية تقييد تصرفات المفوت إليه ذو أهلية ناقصة أو عديمه.
وإذا كان المحافظ على الأملاك العقارية يتحمل المسؤولية الشخصية عن الأضرار الناتجة عن إهماله وتقصيره في التحقق من أهلية المفوت، فإنه لا يمكن الاحتجاج ضد الغير بما هو منصوص عليه بالرسم ولو كان مخالفا للواقع.
بل يبقى فقط للمتضرر مطالبة المحافظ بالتعويض عن الضرر الناتج إذا تبين تقصير وإهمال المحافظ فيما كلف به من التحقق من أهلية وهوية المفوت وكذا من صحة الوثائق والسندات المقدمة له بمناسبة طلب التقييد .
كما أنه طبقا مقتضيات الفصل 72 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري فإن المحافظ على الأملاك العقارية ملزم بالتحقق من صحة الوثائق المقدمة له بمقتضى طلب التقييد من حيث الشكل ومن حيث الجوهر، سواء تعلق الأمر بمحررات رسمية أو ثابتة التاريخ أو أحكام قضائية.
ويرى أحد الباحثين أن مسؤولية المحافظ فهي مسؤولية تقصيرية إذ أن مقتضيات الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود مقتضيات عامة لأنها تنطبق على سائر الموظفين عند ارتكابهم الأخطاء جسيمة أو تدليس، فإذا كان الفصل 79 يتحدث عن مسؤولية الدولة، والبلديات عن أخطاء موظفيها وهو ما يمكن أن نسميه بالخطأ المرفقي فإن الفصل 80 يتحدث عن الأخطاء الشخصية للموظفين والمحافظ على الأملاك العقارية يلتقي مع باقي الموظفين ويشترك معهم في كونه مسؤول مسؤولية شخصية إذا ارتكب خطأ من شأنه الإضرار بالآخرين، وكان هذا الضرر نتيجة تدليسه وعليه في ضوء قانون الالتزامات والعقود ولاسيما الفصل 80 منه يكون المعيار المعتمد في تقييم الخطأ الشخصي هو معيار التدليس إلى جانب معيار الخطأ الجسيم وعبارة التدليس الواردة في هذه المادة جاءت شاملة وعامة حيث إنها تشتمل مجموعة من التصرفات الصادرة بسوء نية عن الموظف والذي يقصد بالعمل الذي يمارسه النكاية والانتقام لأسباب شخصية .
وأجد أن هذا الرأي صائب إذ أن مقتضيات الفصل 64 و97 من ظ.ت.ع أقرت أن مسؤولية المحافظ تقصيرية.
وفي حالة تضرر المحجور من عمل المحافظ الناتج عن خطأه الشخصي فإن ان اول خطوة يقوم بها المتضرر هو تقديمه لطلب أصلي امام المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا على شكل مقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله ويجب ان يتضمن المقال الافتتاحي للدعوى البيانات والمعلومات التي حددتها المادة 32 من ق م م.
وعليه يجب أن يتضمن مقال الدعوى ملخص الوقائع والاسباب المستند عليها في الدفوعات وان لا تخرج هذه الوقائع والاسباب عن إطار النصوص القانونية المنظمة المسؤولية المحافظ الشخصية، خاصة الفصول 80 من ظ. ل.ع والمادتين 64 و97 من ظ. ت.ع فضلا عن وجوب الاشارة الى نوع الاضرار المطلوب التعويض عنها وأنها كانت النتيجة المباشرة لخطأ المحافظ الشخصي.
وبعبارة أخرى فعلى المدعي المتضرر اثبات عناصر المسؤولية التقصيرية للمحافظ من خطأ جسيم او تدليس وضرر وعلاقة سببية بينهما.
فضلا عن ذلك فانه يجب تحديد الطرف المدعى عليه بإدخال الى جانب المحافظ صندوق التأمين الذي يتحمل التعويض في حالة ثبوت اعسار المحافظ.
أما إذا كانت الدعوى الموجهة ضد المحافظ بسبب خطأ مصلحي فإن المحكمة الإدارية هي المختصة لكون الخطأ بسبب مرفق عمومي، إذ أنه في هذه الحالة ترفع الدعوى ضد الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة الذي له أن يكلف من يمثله عدد الاقتضاء من الوزراء ويتعلق الأمر بخصوص مرفق المحافظة العقارية بشخص وزير الفلاحة.
كما يتعين ادخال الوكيل القضائي للمملكة في الدعوى كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة او ادارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة فإدخال هذا الطرف بعد الزاما في مثل هذه الحالة تحت طائلة عدم القبول، لأنه يقوم بالدفاع عن المصالح المالية للدولة من خلال قبض ما بقي على الغير من ديون الدولة والمكاتب والمؤسسات العمومية.
أما بالنسبة للتعويض فإن صندوق التأمين يؤدي التعويضات في حالة عسر المحافظ، أي أن صندوق التأمين لا يتدخل إلا عند ثبوت عسر المحافظ، وهذا ما نص عليه الفصل 100 من ظ.ت.ع. .
ويرى أحد الفقه أنه إذا أقيمت دعوى التعويض في إطار القواعد العامة للمسؤولية طبقا للفصلين 79 و80 من ظ.ل.ع. فلربما تأخذ الدعوى منحى آخر بإدخال الدولة المغربية وبالتالي الخازن العام وليس صندوق التأمين.
وهو ما أكدته محكمة النقض في أحد قرارتها والتي وضحت فيها شروط مقاضاة صندوق تأمينات للمحافظات العقاري:” ومن جهة أخرى أن دعوى التعويض ضد صندوق التأمينات لا تكون مقبولة شكلا إلا إذا تمت مقاضاة المتسبب في الضرر بصفة شخصية وإثبات عسره بعد الحكم طبقا للفصل 60 من القرار الوزيري المؤرخ في 4 يونيو 1915، والحال أن إقحام المحافظ العام على الأملاك العقارية والمدير العام في الدعوى المثارة لا يوجد ما يبرره لانعدام صفتهما السلبية فيها، ويكون من جهة توجيه الدعوى ضد صندوق التأمين سابقا لأوانه لأن ذلك يقتضي أولا صدور حكم نهائي في مواجهة المحافظ المعني بصفته الشخصية لا الوظيفية وإثبات عسره بعد الحكم عليه ومن جهة أخرى لعدم إثبات المستأنفين تدليس المحافظ عند قيامه بتحفيظ العقار المدعى به طبقا لشروط الفصل 64 من الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما أيدت الحكم المستأنف فيما انتهى إليه القانون وعللته تعليلا فاسدا وعرضته دون مراعاة ما ذكر لم تين قرارها للنقض.”
ومن وجهة نظري أجد أنه لا معنى أن يكون مجال تدخل صندوق التأمين محصور في حالة الخطأ الشخصي للمحافظ، وإنما يجب أن يشمل تدخل صندوق التأمين حتى في حالة كان الخطأ مرفقي، وخاصة في حالة الحكم بتعويض مالي تعجز فيه المحافظة عن الأداء.
ونستنج استنادا مما سبق أن إن المتضرر يستطيع بفعل وجود هذا الصندوق أن يحصل على حقه إذا وجد نفسه أمام محافظ متعثر ومعسر. قد يقال بأن من شأن هذا التأمين أن يغري على الإهمال والتقصير ما دام إدخال صندوق التأمين مسألة ممكنة إلا أن الادعاء بعسر المحافظ ليست مسألة سهلة بل يتعين اتباع مسطرة تعويض المحافظ من أمواله وممتلكاته أولا قبل مراجعة الصندوق. فالمتضرر يرفع الدعوى ضد المحافظ بصفة أصيلة وضد صندوق التأمين بصفة احتياطية، ويبدو من هذا أن المتضرر يصبح أمام مدينين بالتعويض ولكنهما غير متضامنين. فلا يجوز للمتضرر أن يطالب صندوق التأمين بالأداء إلا بعد تجريد المحافظ أولا واثبات أن ليس لديه ما يحجز .
الفقرة الثانية: المسؤولية الجنائية عن إدارة أموال المحجور
إن المشرع المغربي أناط لكل من الأب والأم والوصي والمقدم لإدارة أموال المحجور حسب الفئة التي ينتمي لها المحجور، إذ أن إدارة أمواله تستلزم في الحاجر أن يكون أمينا ومحل ثقة، وما دام أن حماية المال من الضياع هو أهم الأسباب لقيام نظام النيابة الشرعية، وبالتالي فإن النائب الشرعي قد يقترف في حق المحجور وأمواله بعض الجرائم والتي يمكن اعتبارها الأكثر شيوعا وهي جريمة السرقة أو خيانة الأمانة أو جرائم التفالس، ولكل جريمة من هذه الجرائم خصوصيتها ومقتضياتها الخاصة.
– أولا: المسؤولية الجنائية للنائب الشرعي في إطار جريمتي السرقة وخيانة الأمانة:
1- المسؤولية الجنائية للولي في إطار الجريمتين:
على غرار معظم التشريعات المقارنة، فإن المشرع المغربي أراد في حالة خيانة الأمانة من طرف الولي، أن لا تجري المتابعة إلا على أساس شكوى الضحية اعتبارا منه أن تحريك الدعوى العمومية دون إرادة المجني عليه يؤدي حتما بعلنية المحاكمة أو حتى سريتها إلى فضح ما لحقه من ضرر من طرف أبويه، فالمشرع المغربي أراد أن يبقي تحريك الدعوى العمومية بيد الضحية الذي له الحق وحده في تقدير عواقب المتابعة وتبعات الفضيحة التي يمكن أن تنعكس على رفع الدعوى إلى القضاء وما قد ينشأ عن ذلك من آثار على توازن العائلة .
وهكذا فرغم تحقق أركان جريمة خيانة الأمانة في حق الولي، فإن متابعته متوقفة على تقديم شكاية من طرف الضحية، بحيث تعتبر الشكاية في هذه الحالة عنصرا أساسيا من أجل المتابعة، وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي من خلال نص الفصل 548 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: “الإعفاء من العقوبة وقيود المتابعة الجنائية المقررة في الفصول 534 إلى 536 تسري على جريمة خيانة الأمانة المعاقب عليها بالفصل 547، وبالرجوع إلى الفصلين المذكورين في هذا الفصل نجد أن الفصل 534 ينص على أنه يعفى من العقاب مع التزامه بالتعويضات المدنية، السارق في الأحوال الآتية: ………………………
– إذا كان المال المسروق مملوكا لأحد فروعه.”
ويضيف الفصل 535 ” إذا كان المال المسروق مملوكا لأحد أصول السارق أو أحد أقاربه أو صهارة إلى الدرجة الرابعة، فلا يجوز متابعة الفاعل إلا بناء على شكوى من المجني عليه، وسحب الشكوى يضع حدا للمتابعة”.
فمن خلال قراءة هذين الفصلين رغم أن المشرع يتحدث عن جريمة السارقة إلا أن الفصل 548 أحال عليهما ونص بإمكانية تطبيق مقتضياتهما على حالة خيانة الأمانة، كما أن الفصل 535 رغم أنه لم يشر إلى أن المتابعة يمكن أن تكون من طرف أحد الفروع فإنه مع ذلك لا مانع من اعتبار المتابعة في جريمة خيانة الأمانة متوقف على شكاية من طرف الضحية الذي هو القاصر، لأن الصياغة العامة للفصل 535 تعطي هذه الإمكانية، والإعفاء من العقاب المقرر في الفصل 534 ما هو إلا نتيجة لعدم المتابعة.
كما يمكن للقاصر ضحية جريمة خيانة الأمانة رغم تقديمه لشكاية ضد وليه من أجل جريمة خيانة الأمانة، أن يضع حدا لهذه المتابعة في مختلف مراحل الدعوى وحتى إن صدر حكما قضائيا في الموضوع، فسحبه للشكاية يوقف المتابعة ويعفي الولي من العقاب.
أما إذا قرر القاصر متابعة الولي بهذه الجريمة فإن القضاء يكون مضطرا إلى تطبيق مختلف العقوبات المقررة لهذه الجريمة، والمتمثل في الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية تتراوح من 200 إلى 2000 درهم، وهذا ما يستفاد من خلال الفقرة الأولى من الفصل 547 الذي جاء فيه: “من اختلس أو بدد بسوء نية … يعد خائنا للأمانة ويعاقب بالحبس من سنة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم”.
أما بالنسبة لتقادم الدعوى العمومية فإن المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية فإنها لا تتقادم في حالة كان المتضرر قاصرا وتعرض لاعتداء جرمي من طرف وليه أو وصيه، إذ أن سريان التقادم لا يسري إلا من تاريخ بلوغ سن الرشد المدني.
أما بالنسبة لآثار المسؤولية الجنائية بالنسبة للولي، فإنه بالرجوع للفصل 88 من القانون الجنائي يتبين أنه أفرد جزاء متمثل بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد، ويجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ هذا التدبير رغم الطعن في الحكم سواء بطرق الطعن العادية أو غير العادية.
والملاحظ أن المشرع المغربي، لم يعمل على تنظيم الأحكام الخاصة بالتجريد من حيث المدة، ولم يوضح إلى من ستنتقل الولاية وآثار تجريد الولي من الولاية، ولا شروط كيفية استرجاع الولي للولاية على أبنائه القاصرين، ليبقى السؤال مطروحا حول إمكانية استرجاع الولي للولاية بعد سلبها منه بموجب زوال هذا السبب.
وأمام سكوت المشرع في مدونة الأسرة عن مسألة استرجاع الولاية، فإنه يمكن الرجوع إلى ما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الباب، اعتمادا على الإحالة المنصوص عليها في المادة 400 من نفس المدونة.
ويعتبر الفقه الإسلامي الجرحة عامل من عوامل منع الولاية على المال، لقيام تهمة مخلة بالقصد الشرعي من الولاية على المال والجرحة في الولاية، حالة تفضي بالشخص إلى المنع مما هو أهل له ، ومستحق إليه ، خوفا من إضاعته، لما هو متهم به كالسرقة، وخيانة الأمانة، والإفلاس، وكل ما هو مخل بصفة الائتمان.
2- المسؤولية الجنائية للوصي والمقدم عن جرائم السرقة وخيانة الأمانة:
إن المشرع المغربي لم يذكر في الفصول التي تعالج جريمة خيانة الأمانة الوصي والمقدم وإنما أشار إلى الموكل، وباعتبار المشرع في مدونة الأسرة جعل المسؤولية الجنائية للوصي أو المقدم هي مسؤولية الوكيل بأجر، فإن المقتضيات التي تخص الموكل هي نفسها التي تطبق على الوصي والمقدم.
فالوصي والمقدم حين اقترافهما لجريمة خيانة الأمانة يهدفون من وراء ذلك إلى اختلاس الأموال التي في عهدتهم ونقل ملكيتها من ذمة القاصر إلى ذمتهم، وفي حقيقة الأمر إن هذا المقتضى مستبعد من الناحية العملية، خاصة أن المشرع المغربي قد أخضع الوصي أو المقدم الرقابة قضائية قبلية، قبل الإقدام على أي تصرف من التصرفات التي سطرها المشرع المغربي في المادة 271 من مدونة الأسرة.
ومن وجهة نظري فإنني لا أتفق مع الرأي القائل بكون الوصي أو المقدم وكيلا بأجر، إذ أنه ليس دائما يكون الوصي أو المقدم يقبضان أجرا على الاشراف على أموال المحجور، وأجد بأن التكييف الصحيح هو اعتبرهما مشرفين قضائيين، وذلك لكونهما يتوليان إدارة أموال المحجور تحت إشراف القضاء.
إلا أن الفرق الوحيد بين الولي-الأب أو الأم- والوصي أو المقدم، هو أن الولي يمكن اعفاءه من العقاب في حالة ثبوت الجريمة، أما الوصي والمقدم فلا يمكن اعفاءهما بتاتا، بل على العكس إذ أن الوصي والمقدم في حالة اقترافهما للأفعال الجرمية المتمثلة في السرقة أو خيانة الأمانة فإنه لا يمكن للمحكمة الزجرية اعفاءهما من العقاب، بل على العكس من ذلك إذ اتجه المشرع المغربي إلى تشديد العقاب على الوصي والمقدم في حالة ارتكاب جنحة خيانة الأمانة وهو ما يستشف من الفصل 549 من القانون الجنائي، إذ أنه يمكن تكييف صفة كل من الوصي أو المقدم كمشرفين قضائيين كما أسلفت، أما بخصوص جريمة السرقة فإن المشرع المغربي لم يخصص عقوبة معينة للوصي أو المقدم إلا أنه بالرغم من ذلك فإن المحكمة الزجرية يمكن أن تشدد العقاب في حقهما دون تمتيعها بظروف التخفيف القضائية وذلك استنادا إلى أن استهداف أموال المحجور يمكن اعتبارها جريمة خطيرة مع الأخذ بعين الاعتبار شخصية المجرم، وفي حالة الوصي أو المقدم فإنهما بشخصيتهما هذه يعتبر في حد ذاته ظرفا من ظروف التشديد.
أما بخصوص التقادم فإن مدونة الأسرة هي الأولى بالتطبيق، وبالتالي فإنه طبقا لمقتضيات المادة 263 من مدونة الأسرة، فإن آماد التقادم تبدأ في السريان بمرور سنتين، إذ أن الجرائم المرتكبة من طرف الوصي أو المقدم يمكن اعتبارها من التصرفات المضرة بمصالح المحجور.
أما الجزاء الناتج عن ارتكاب الوصي أو المقدم لجرائم مالية في حق المحجور، فإن مدونة الأسرة خولت للمحكمة إعفاء الوصي أو المقدم أو عزله، إما تلقائياً، أو بطلب من النيابة العامة، أو ممن يعنيه الأمر، في حالة إخلاله بمهمته، أو عجزه عن القيام بها، أو حدوث أحد المواقع المنصوص عليها في المادة 247 من هذه المدونة.
-ثانيا: المسؤولية الجنائية للنائب الشرعي في إطار جرائم التفالس:
لقد نص الفصل 14 من مدونة التجارة على أنه:
” ولا يجوز للوصي أو المقدم أن يستثمر أموال القاصر في التجارة إلا بعد الحصول على إذن خاص من القاضي وفقا لمقتضيات قانون الأحوال الشخصية.
يجب أن يقيد هذا الإذن في السجل التجاري للوصي أو المقدم.
وفي حالة فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية بسبب سوء تسيير الوصي أو المقدم. يعاقب المعني منهما بالعقوبات المنصوص عليها في القسم الخامس من الكتاب الخامس من هذا القانون. ”
وتتميز جرائم التفالس بخصوصيتها لكونها من جرائم الأعمال المتعلقة بالمقاولة سواء فردية أو شركة، وبالتالي قد يكون النائب الشرعي يمثل المحجور في تسيير المقاولة أو الشركة التي هي في الأصل من أموال المحجور، ونظرا لكون أن جرائم التفالس تضر بالنظام العام الاقتصادي، فضلا عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمحجور جراء سوء التسيير العمدي للنائب الشرعي فلابد من الحديث بشيء من التفليس عن هذه الجرائم.
1- الارتباك التشريعي في تنظيم جرائم التفالس:
بالرجوع إلى المواد المنظمة لجرائم التفالس في الكتاب الخامس من مدونة التجارة، لابد أن تستوقفنا مجموعة من الملاحظات التي تعكس مدى جودة النص التشريعي المنظم لهذه الجرائم.
ويمكن أن نشير في هذا الإطار إلى مجرد ملاحظتين اثنتين:
• إن مدونة التجارة من خلال الكتاب الخامس سواء في صيغة 1996 أو صيغة 2017 لم تقم بإلغاء فصول المتابعة لنفس جرائم التفالس، مما أوقع العمل القضائي في ارتباك، وأثار نقاشا فيما يخص القواعد القانونية الواجبة التطبيق، ونعتقد أن هذا النقاش سيستمر.
• أسندت المادة 759 م.ت الاختصاص فيما يخص جرائم التفالس للقضاء الزجري بالمحكمة الابتدائية، وإذا كان ذلك لا يتناقض مع مقتضيات المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية فإنه لا يعقل أن تنظر المحكمة التجارية في كل ما يتعلق من قضايا مرتبطة بالمقاولة المتوقفة عن الدفع، وتحيل على محكمة أخرى فيما يخص جرائم التفالس، خاصة وأن المحكمة التجارية تتوفر بدورها على نيابة عامة، ويمكن أن تكون هي المبادرة إلى طلب فتح المسطرة .
أما الجاري به العمل فإن النيابة العامة لدى المحكمة التجارية يقتصر دورها على إحالة الملف على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية حتى تقوم بإجراء بحث تمهيدي ثم اتخاذ القرار المناسب إما المتابعة أو الحفظ أو المطالبة بإجراء تحقيق، وكل ذلك شريطة تحقق شرطين منصوص عليهما في المادتين 736 و754 من م.ت وهو صدور حكم عن المحكمة التجارية قضى بفتح مسطرة المعالجة وأن يكون النائب الشرعي في هذه الحالة يحمل صفة مسير الشركة بالنيابة عن المحجور.
1- أنواع جرائم التفالس:
بالرجوع للمادة 736 يتبين أنها تشمل النائب الشرعي، ومن خلال المادة 754 من م.ت يتضح أنها حددت الأفعال التي يدان مرتكبوها بجرائم التفالس، وهي إما أفعال تمس الذمة المالية للشركة أو أنها لا تمسها.
• الأفعال الماسة بذمة الشركة مباشرة:
– الشراء من أجل البيع بثمن أقل من السعر الجاري أو استعمال وسائل مجحفة للحصول على أموال تجنب أو تؤخر فتح مسطرة المعالجة:
البيع بثمن أقل من السعر الجاري. الشراء من أجل:
ويقصد به، تلك العمليات التي ترمي إلى اقتناء كميات كبيرة من السلع والبضائع وذلك بنية بيعها حالا وبسعر أقل من سعرها في السوق بقصد الحصول على السيولة التي تمكن الشركة من مواجهة الديون الحالة، وبالتالي تحقيق استمرارية مصطنعة الحياة المقاولة
استعمال وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال لتجنب أو تأخير فتح مسطرة المعالجة:
يتطلب ثبوت الطابع المجحف للوسائل المستعملة من طرف المسير للشركة من القاضي الزجري الدقة اللازمة، لأنه يصعب من الناحية العملية التفرقة ما بين استعمال وسائل مجحفة واستعمال تقنيات خطيرة في التمويل، ذلك لأن بعض تقنيات التمويل قد تؤدي بشكل إيجابي إلى إخراج المقاولة من الصعوبات التي تعترضها، في حين أن بعضها الآخر وإن كان أقل حجما وأكثر نفعا قد يؤدي بالمقاولة إلى الخسارة. كما أن الأمر يزيد تعقيدا في معرفة الحد الفاصل بين الوسائل التي تعد مجحفة لا تخدم مصلحة الشركة، وتلك التي تدخل ضمن التسيير العادي لها .
وأهم مثال على استعمال وسائل مجحفة، لجوء المسير إلى الاقتراض من البنوك بفائدة مرتفعة جدا، أو حصوله على قرض عادي لكنه لا يلائم قدرات الشركة المالية بالنظر إلى رقم معاملاتها، أو تجاوز سقف فتح الاعتماد بشكل يجعل الشركة تعجز عن أداء الديون الناتجة عنها.
– اختلاس أو إخفاء كلا أو جزءا من أصول المدين:
ومن صورها أن يقوم النائب الشرعي بسحب أموال الشركة من حسابها البنكي نقدا، دون القيام بتحويل بنكي أو السحب عن طريق الأوراق التجارية، وذلك حتى لا يتم تتبع مصير الأموال المسحوبة، وكذلك أن يقوم النائب الشرعي بفتح حساب بنكي باسمه الشخصي قصد إيداع أموال الشركة سواء المداخيل أو الأرباح وذلك إضرارا بإدارة الضرائب أو بالدائنين.
– الزيادة التدليسية في خصوم المدين:
يتحقق هذا الفعل بزيادة المسير في خصوم الشركة تدليسيا وإثقال كاهلها بديون غير حقيقية، مع علمه بتدهور وضعيتها. وبالتالي تعريض الدائنين الحقيقين المزاحمة دائنين وهميين فتتضاءل الحصة التي يحصل عليها كل دائن، مما يستتبع تقليل حظوظ استمرارية الشركة .
ومن صوره سحب كمبيالات لفائدة الغير ثم الاتفاق مه هذا الاخير على خصمها وذلك دون أن تتوفر الشركة على المؤونة الكافية للوفاء بها، وبالتالي ينتج عن هذا الفعل زيادة في خصوم الشركة، أو تسلم فواتير صورية.
• الأفعال التي لا تمس ذمة الشركة مباشرة:
وتتجلى هذه الأفعال في مسك حسابات وهمية أو إخفاء وثائق محاسبية.
ويقصد بمسك حسابات وهمية بأنها تلك التي يتم فيها تعمد خداع الغير، وذلك عن طريق تسجيل عمليات غير حقيقية في المحاسبة والتي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الصورة الحقيقية للوضعية المالية للمقاولة.
أما إخفاء الوثائق المحاسبية فيقصد به مواراة الوثائق أو إبعادها عن إطلاع الغير، وخاصة الدائنين، سواء عن طريق وضعها في مكان لا تصل إليه مراقبتهم أو عن طريق تمزيقها أو إحراقها أو إتلافها بأي طريقة من طرق الإتلاف.
وقيام الفعل الجرمي في حق المسير لا يستوجب إخفاء كل الوثائق المحاسباتية، إنما يكفي إخفاء تلك المتعلقة بإبراز وضعية الشركة والعمليات التجارية التي قامت بها، ويبقى لقاضي الموضوع سلطة واسعة في تحديد أهميتها في اظهار المركز المالي للشركة.
وفي هذا الصدد، فإن المشرع المغربي رتب جزاء سقوط الأهلية التجارية في حق أي تاجر ثبت ارتكابه لجرائم التفالس، طبقا لما نصت عليه المادة 756 من مدونة التجارة.
وقد أكدت مدونة الأسرة ذلك في المادة 247، إذ أنه يمكن اعفاء الوصي أو المقدم في حالة الحكم عليهما بالإفلاس أو التصفية القضائية.
خاتمة:
يتضح من خلال ما سبق، أن المشرع المغربي قد أولى عناية بمال المحجور، نظرا لكون هذه الأموال الموضوعة تحت إشراف المتدخلين سواء بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع، لها دو مزدوج، سواء لكونها متعلقة بفئة ضعيفة تحتاج إلى الحماية، وما لهذه الأموال من دور في تحقيق عائد وربح لفائدة المحجور وهذا ينعكس إيجابا أو سلبا على الاقتصاد الوطني، لذلك رتب المشرع المغرب آثار للقابة القضائية على النيابات الشرعية، وذلك تكريسا منه للحماية المنشودة لفئة المحجور عليهم، وتحقيق النجاعة والشفافية في إدارة هذه الأموال ولا يتسنى ذلك، إلا بتحمل كل متدخل لكافة المسؤولية المترتبة عن ذلك سواء كانت مدنية أو جنائية حتى لا يكون هناك طمع واستخفاف عند إدارة أموال المحجور.