بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

مسؤولية المنتج المدنية عن أضرار منتجاته المعيبة تجاه المستهلك – الباحثة: أماني فرج موسى عيد – محامية مزاولة وباحثة قانونية، فلسطين- رام الله.



مسؤولية المنتج المدنية عن أضرار منتجاته المعيبة تجاه المستهلك

The producer’s civil responsibility for the damages of his defective products towards the consumer

الباحثة: أماني فرج موسى عيد-

محامية مزاولة وباحثة قانونية، فلسطين- رام الله.



ملخص

تناولت الدراسة مسؤولية المنتج من الناحية المدنية عن أضرار منتجاته المعيبة تجاه المستهلك، وتتمثل الإشكالية في حول قيام المسؤولية المدنية على المنتج نتيجة وجود عيب في منتجاته ألحقت ضرراً بالمستهلك، ومتى تتحقق هذه المسؤولية؟

تبرز أهمية الدراسة من كونه موضوع يلامس واقعنا، فمن منا ليس مستهلك؟ هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فإنّه في ظل التطورات الصناعية والتكنولوجية المتسارعة لا يستطيع المستهلكون الإلمام بكافة جوانب المنتج، سيما وأنّ المنتجون يظهرون الجانب الإيجابي. من ناحيةٍ أخرى، فإنّ الدراسة عالجت مسؤولية المنتج المدينة تجاه منتجاته المعيبة في فلسطين في ظل قلة الدراسات الفلسطينية في هذا الصدد.

عالجت الدراسة المنتجات المعيبة دون التطرق للمنتجات الخطرة، وهي تعالج المسؤولية المدنية دون الجزائية، وكل ذلك فيما يتعلق بالمنتِج والمستهلك، دون التطرق لغيرهم من الأطراف؛ كالبائع مثلاً.

قسمت الدراسة لمبحثين؛ عالج المبحث الأول الماهية القانونية للمنتجات المعيبة وأطراف العلاقة في مطلبين، في حين عالج المبحث الثاني الطبيعة القانونية لمسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة وشروط قيام المسؤولية، وهو بدوره قد تم تقسيمه إلى مطلبين.


Abstract

The Producer’s Civil Liability for Damages of his Defective Products in Palestine. The study dealt with the civil liability of the producer for the damages of his defective products to the consumer.

The main problem is about the establishment of civil liability on the producer as a result of a defect in his products that caused harm to the consumer, and when is this responsibility realized?

The importance of the study emerges from the topic of the study that touches our life, in other words, who among us is not a consumer? In another hand, in light of the rapid industrial and technological developments, consumers are unable to understand all aspects of the product, especially since the producers show the positive side.

In addition, the study dealt with the producer’s civil responsibility towards his defective products in Palestine in light of the lack of Palestinian studies in this regard.

The study dealt with defective products without addressing dangerous products, and it dealt with civil liability without criminal, all that in the relationship between the producer and the consumer, without addressing other parties; for example, the seller.

The study was divided into two sections; the first one dealt with the legal nature of the defective products and the parties to the relationship in two sections, while the second topic dealt with the legal nature of the producer’s responsibility for his defective products and the conditions for liability, which in turn has been divided into two sections.

مقدمة:

إنّ التطورات التي نشهدها اليوم على كافة الأصعدة الاقتصادية والتكنولوجية، سهّل لنا سبل الحياة، وأظهر لنا منتجاتٍ جديدة، وعلى الرغم مما حققته هذه المنتجات لنا من رفاهية وسد للحاجات، إلا أنّه لا يمكن أن نغفل الأضرار التي تسببها المنتجات المعيبة، سواء أكانت أضراراً جسدية أو مالية، فلا يوجد منتج كامل لا يحتوي على أضرار جانبية، أو حتى لا يشكل تهديداً على حياة المستهلكين. فمهما بلغت درجة التقدم التكنولوجي للمنتَج لا يمكن أن يصل إلى درجة الكمال، إذ توجد نسبة خطر، ولو نسبة ضئيلة.

كثيراً ما نسمع عن ضحايا منتجات معيبة، من ذلك: الغش في مواد البناء (حديد وإسمنت) ما أدى لأضرار بشرية ومادية، من ذلك: عندما وقع زلزال بومرداس في الجزائر في مايو 2003. وأيضاً حادثة الكاشير الفاسد في مدينتي سطيف وقسنطينة عام 1999، التي أدت لوفاة 17 شخصاً وإصابة 200 آخرين بأضرار. وكذلك ما تسببه بعض العطور من أضرار على الجهاز التنفسي للمستهلك. وشهد التاريخ أيضاً حادثة مسحوق تنظيف الأطفال (Talk Moringue) عام 1972، التي أدت لوفاة 35 رضيعاً، والضحايا التي خلفها دواء مهدئ الأعصاب (Thalidomide).

تدخلت التشريعات في مختلف دول العالم لحماية المستهلكين؛ كونهم الطرف الأضعف في العلاقة، وأصبحت مسؤولية المنتِج تحتل مكانة مرموقة في القوانين، فقد أدركت العديد من الدول أهمية تخصيص قانون يحمي المستهلك، فالقواعد العامة لا تكفي، ولم يغفل المشرع الفلسطيني هذه الإشكالية، فقد سعى لحماية المستهلك؛ وذلك بإقراره قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005.

حاول المشرع بمختلف التشريعات التخفيف من آثار المنتجات المعيبة على المستهلك، وذلك عن طريق فرض التزامات على عاتق المنتجين، إلا أنّه في بعض الأحيان يحاول المنتجون التضليل، واستغلال جهل المستهلكين بالسلع المستحدثة. وفي هذا ذلك قد تنبه مجلس الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة تبني نظام موحد لمسؤولية المنتِج عن عيوب المنتجات، وحماية المستهلكين بمفهومهم الواسع، فقد أصدر التوجه الأوروبي بتاريخ 25/7/1985، بشأن التقريب بين القوانين واللوائح والأحكام الإدارية للدول الأعضاء فيما يتعلق بتولي مسؤولية المنتجات المعيبة، والمعدل عام 1999، وعنه أخذت العديد من الدول الأوروبية، على رأسها: فرنسا.

وتظهر أهمية إفراد قوانين خاصة لحماية المستهلكين، إلى عدم كفاية القواعد العامة في تكييف مسؤولية المنتِج عن أضرار منتجاته المعيبة، ففي كثير من الأحيان لا يسعف المستهلك الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني للمطالبة بالتعويض؛ كونه لا يربطه بالمنتِج عادةً علاقة تعاقدية مباشرة، ولذلك برزت أهمية هذه التشريعات الخاصة التي أفردها المشرعون لحماية المستهلك.

أهمية الدراسة:

تتمثل أهمية الدراسة في كونها تعالج موضوع عملي يتكرر في الحياة اليومية، فنتيجةً للتطورات الصناعية والتكنولوجية ظهرت العديد من المنتجات التي لم تكن معهودة، ولا يستطيع المستهلكون الإلمام بكافة المعلومات عن السلع، لا سيما وأنّ المنتجون يحاولون إظهار الجانب الإيجابي للسلعة. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، قلة الدراسات الفلسطينية التي عالجت الموضوع بشكل متعمق ومتخصص.

هدف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على مسؤولية المنتِج عن الأضرار الناجمة عن منتجاته المعيبة، والتي تتسبب في أضرار مادية وبشرية للمستهلكين. فالدراسة تهدف إلى توضيح متى تتحقق مسؤولية المنتِج من عدمه، وما هو الأساس القانوني الذي يستطيع المستهلك المضرور المطالبة بالتعويض على أساسه.

إشكالية الدراسة:

تتمحور إشكالية الدراسة حول قيام المسؤولية المدنية على المنتِج نتيجة وجود عيب ما في منتجاته، ما أدى إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين، وماهية العلاقة التي تربط المنتِج بالمستهلك المضرور، وذلك من خلال الإجابة على العديد ممن التساؤلات:

  • متى يمكن اعتبار المنتَج معيباً؟
  • متى تتحقق المسؤولية المدنية على المنتِج نتيجةً لمنتجاته المعيبة؟
  • من الذي يحق له مطالبة المنتِج بالتعويض عن أضرار منتجاته المعيبة؟
  • هل يشترط وجود علاقة بين المنتِج والمستهلك حتى تقوم مسؤولية المنتِج عن أضرار منتجاته المعيبة؟

    منهجية الدراسة:

    تنتهج الدراسة المنهج التحليلي، وذلك عن طريق تحليل النصوص القانونية ذات العلاقة، ومحاولة إسقاطها على محاور الدراسة، إلى جانب ذلك، تستعين الدراسة بالمنهج المقارن؛ للاستفادة من تجارب وخبرات الدول المقارنة في هذا المجال.

    نطاق الدراسة:

    تعالج الدراسة من حيث النطاق الموضوعي مسؤولية المنتجين المدنية عن منتجاتهم المعيبة من حيث مفهوم المنتجات المعيبة، دون التطرق لغيرها من المنتجات، كالمنتجات الخطرة وغيرها، وكذلك دون التطرق للمسؤولية الجزائية، أما من حيث النطاق الشخصي، فإنّ الدراسة تعالج أطراف العلاقة، وهم المنتجون، دون التطرق لمسؤولية البائعين تجاه المضرورين، ومن جانبٍ آخر تعالج الطرف الثاني في العلاقة وهم المضرورين من المنتجات المعيبة، وكذلك يخرج من نطاق الدراسة معالجة العيوب الخفية في المنتجات، وأيضاً أسباب إعفاء المنتجون من المسؤولية عن أضرار منتجاتهم، وكذلك القانون الواجب التطبيق على المسؤولية في حال كون أحد الأطراف أجنبياً، أو حتى وسائل حماية المستهلك من أضرار المنتجات المعيبة.

    خطة الدراسة:

    قسمت الدراسة لمبحثين، المبحث الأول تناول الماهية القانونية للمنتجات المعيبة وأطراف العلاقة، وتم تقسيمه إلى مطلبين، أما المبحث الثاني، فقد تناول الطبيعة القانونية لمسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة وشروط قيام المسؤولية، وهو بدوره قد تم تقسيمه إلى مطلبين.

    المبحث الأول

    الماهية القانونية للمنتجات المعيبة وأطراف العلاقة

    بتطور الحياة أصبح اعتماد المستهلكين يزداد تجاه السلع والصناعات التي تواكب العصر، وهذا أدى لبروز عيوبها شيئاً فشيئاً. ونكاد نجزم أنّه من الصعب أن يخلو منتج من عيب ما، فلا يوجد كمال في صنع البشر، وهذا انعكس على الحياة اليومية للمستهلكين.

    سيتم معالجة الماهية القانونية للمنتجات المعيبة وأطراف العلاقة خلال مطلبين، الأول يتناول المفهوم القانوني للمنتجات المعيبة، والثاني يتناول أطراف المسؤولية عن المنتجات المعيبة.

    المطلب الأول

    مفهوم المنتجات المعيبة

    إنّ تحديد المنتَجات أمرٌ مهم، فهي محور العلاقة التي تربط المنتج بالمستهلك. وقد اهتمت العديد من التشريعات ببيان مفهوم المنتَجات. وفي هذا المطلب سنتطرق ابتداءً لتوضيح المقصود بالمنتجات بشكل عام، ومن ثم تحديد المقصود بالمنتَج المعيب، فلا يمكن الحديث عن العيب في المنتج، دون التطرق إلى ماهية المنتجات التي يشملها العيب.

    لقد كان دور المشرع الفلسطيني فاعلاً في هذا المجال، فقد أصدر قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005، الذي استخدم مصطلح “السلعة” بدلاً من المنتَج، ويعتبر مصطلح “السلعة” و “المنتَج” مصطلحان مترادفان في المعنى، إلا أنّ مصطلح السلعة أشمل وأعم من مصطلح المنتَج. فالمنتَج يدل على الأنشطة الإنتاجية والصناعية، بينما السلعة تدل على شيء يمكن الاتجار به مهما كان، سواء أكانَ مصنعاً أم غير مصنع.

    وقد عرّفها المشرع الفلسطيني في المادة (1) من قانون حماية المستهلك، بأنّها: “كل منتَج صناعي أو زراعي أو تحويلي أو نصف مصنع وأيّة مادة أخرى تعتبرها الوزارة سلعة لغايات تطبيق أحكام هذا القانون”. نلاحظ أنّ هذا القانون قد استخدم كلمة سلعة. ومن جانبٍ آخر، فقد جاء قانون المواصفات والمقاييس الفلسطيني رقم (6) لسنة 2000، في مادته الأولى، واستخدم مصطلح “المنتَج”، وعرّفه بأنّه: “السلعة أو المادة أو الخدمة”.

    جاء مشروع قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية الفلسطيني بتعريف المنتج في المادة الأولى منه على أنّه: “كل خدمة أو منتَج طبيعي أو زراعي أو حرفي أو صناعي مادي أو غير مادي”. نلاحظ تباين بين القوانين الفلسطينية في تعريفها للمنتَج، ناهيك عن استخدام مصطلح “منتَج” أحياناً و”سلعة” أحياناً أخرى.

    من الجدير ذكره، أنّ مجلة الأحكام العدلية، وكذلك مشروع القانون المدني الفلسطيني، لم يتطرقا إلى مفهوم المنتَج أو حتى السلعة في نصوصهما، بخلاف بعض القوانين التي عرّفت المنتجات في قانونها المدني، من ذلك المشرع الجزائري.

    بالنظر إلى القانون المدني الجزائري، المادة (140) مكرر، نجدها قد عرّفت المنتًج بأنّه: “يعتبر منتوجاً كل مال منقول ولو كان متصلاً بعقار، لا سيما المنتوج الزراعي، والمنتوج الصناعي، وتربية الحيوانات، والصناعة الغذائية، والصيد البري والبحري، والطاقة الكهربائية”. فالمشرع هنا ذكر المنتًج بصفة عامة دون أن يحدد طبيعته (مادي أو معنوي)، ولم يستثنِ سوى العقارات بطبيعتها، واعتبر العقار بالتخصيص منتجاً. جاء نص القانون المدني الجزائري أعلاه وأوضح المنتجات على سبيل المثال لا الحصر.

    وعليه يمكن القول، أنّ المطلق بسري على إطلاقه طالما لم يتحدد بنص، فالمنتَج بمفهوم المادة أعلاه يشمل المنتجات المادية والمعنوية، ولا يستثنى منه إلا ما تم استثناؤه بصريح نص المادة أعلاه.

    وقد سار المشرع الأردني على نهج المشرع الفلسطيني، فهو قد استعمل مصطلح “السلعة” في قانون حماية المستهلك الأردني رقم (7) لسنة 2017، وعرّفها في المادة (2) بأنّها: “أي مال منقول يحصل عليه المستهلك من المزود، وإن ألحق بمال غير منقول بما في ذلك القوى غير المحرزة كالكهرباء”.

    وحتى تقوم المسؤولية على هذه المنتجات لا بدّ من توفر شرط العيب فيها، ولا يوجد شكل محدد أو نوع واحد للعيب، وإنّما يختلف باختلاف المنتَج وطريقة تصنيعه.

    وسبيل توضيح المنتَج المعيب، فقد نصّ المشرع الفلسطيني في المادة (1) مادة التعريفات، من قانون حماية المستهلك، على مفهوم العيب بأنّه: “خطأ أو نقص من حيث الجودة والكمية والكفاءة، أو عدم مطابقة للمعايير والمقاييس التي يتوجب الالتزام بها بموجب القانون أو الأنظمة السارية المفعول فيما يتعلق بالمنتج”.

    نلاحظ أنّ المشرع الفلسطيني اعتمد على معيار موضوعي، يتمحور حول المنتَج ذاته، وليس معياراً شخصياً، يعتمد على رغبات الأفراد وما يتوقعونه من المنتجات، فالمشرع عرّف العيب بأنّه ما دون الجودة أو الكمية أو الكفاءة المطلوب توافرها فيه، وعدم مطابقته للمعايير والمواصفات الواجب اتباعها، وفي هذا الصدد، سنّ المشرع الفلسطيني قانون المواصفات والمقاييس الفلسطينية رقم (6) لسنة 2000، ونلاحظ من استقراء النص أنّ معيار مطالبة المواصفات والمقاييس ليس المعيار الوحيد، فهو واحد من بين المعايير التي وضعها المشرع.

    وعلى الرغم من كون المنتِج ملزم بالحد الأدنى من التعليمات المنصوص عليها في القواعد القانونية واللوائح التي تنظم المنتَج، إلا أنّه إذا كانت لديه المقدرة على إنتاج منتجات بمواصفات تفوق الحد الأدنى المنصوص عليه، فإنّه لا يستطيع الدفع بمسؤوليته بحجة أنّه التزم بالحد الأدنى من المواصفات والمعايير المنصوص عليها، في حال وقوع ضرر للمستهلك.

    أما فيما يتعلق بالقواعد الآمرة، فالمنتِج ملزم بالمواصفات والمعايير التي نصت عليها، ولا يجوز مخالفتها، حتى وإن قصد المنتِج أن يضيف أو أن يحسن هذه المواصفات، وفي هذه الحالة، إذا وقع ضرر للمستهلك نتيجة عدم إدخال التحسينات والتعديلات التي ارتأى المنتِج إضافتها كونه التزم بالقواعد الآمرة، التي لا يجوز مخالفتها، فهنا تنتفي مسؤولية المنتِج، وهذا ما أطلق عليه “نظرية الأمير”. فالمنتِج يستطيع دفع مسؤوليته استناداً إلى هذه النظرية.

    في حين جاء المشرع الأردني في قانون حماية المستهلك ونص في المادة (6/1/أ) على: “تعتبر السلعة أو الخدمة معيبة في حال عدم توفر متطلبات السلامة فيها لغايات الاستعمال العادي أو المتوقع لها”، ولم يحدد معيار السلامة المقصود في هذه المادة، وبما أنّ النص جاء مطلقاً ولم يستثنِ منه شيء، فهو يسري على إطلاقه، وبذلك يمكن أن تشمل السلامة هنا، السلامة المادية، وكذلك الجسدية، وغير ذلك.

    ويلاحظ من نص المادة أنّ المعيار الذي انتهجه المشرع الأردني هو معيار موضوعي، بحيث يعتمد على المنتَج ذاته، ولتحديد ذلك على القاضي أن يقدره تقديراً موضوعياً، وذلك حسب استعمال وتوقعات المستهلك العادي، وليس حسب استعمال وتوقعات المضرور. فإذا لم يحقق المنتَج السلامة المرجوة منه أثناء استعماله العادي أو المتوقع، فيعتبر منتجاً معيباً، أما إذا حققها أثناء استعماله، فلا يعتبر منتجاً معيباً، حتى لو لم يحقق المنتَج الرغبة الشخصية للمضرور.

    في حين يلاحظ أنّ المشرع الفرنسي وكذلك التوجيه الأوروبي استخدما معياراً مختلفاً للمنتَج المعيب، فقد نصت المادة (6) من التوجيه الأوروبي على: “يجب أن يستجيب المنتوج للسلامة التي تنتظرها مجموع المستهلكين”، فهنا قد أخذ بمعيار السلامة العامة، ويعد هذا المعيار وسطاً ما بين المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي، فهو لا يعتمد على رأي وميول المستهلك الشخصية في تقييم المنتَج، وإنّما على آراء جمهور المستهلكين بشكل عام.

    وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى اختلاف مفهوم العيب من بلد لآخر، فثقافة الأفراد تختلف وكذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد، ففي مثل هذه الحالات قد يضطر القاضي للجوء إلى عناصر أخرى إلى جانب هذا المعيار لتحديد المنتج المعيب من عدمه، من ذلك: الوضع الظاهر للمنتَج، والذي يؤسس عليه المستهلك ثقته، والتعليمات الخاصة المكتوبة على المنتَج.

    في حين نلاحظ أنّ المشرع الأمريكي قد اعتمد على معيار “الرغبة المعقولة للمستهلكين”، وهو ما أكده قانون المسؤولية الأمريكي، الذي وضع معيار رغبة المستهلك العادي للتمييز بين المنتَج المعيب عمّا سواه، بالإضافة لذلك فقد اعتمد المشرع على نظام آخر، وهو “معيار الخطورة غير المعقولة” في تحديد المنتَج المعيب.

    خلاصة القول، أنّه لا يوجد معيار موحد لمفهوم المنتجات المعيبة، وإنّما تختلف باختلاف النظام القانوني، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلد، فما يعد منتجاً معيباً في دولة، قد لا يكون كذلك بالنسبة لدولة أخرى.

    وتجدر الإشارة إلى أنّ المنتجات المعيبة هي بالأساس منتجات غير ضارة أو مؤذية بطبيعتها، وإنّما تجد مصدر ضررها في كونها منتجات معيبة، وهي تشمل نوعين من المنتجات: الأول، منتجات غير ضارة أو مؤذية بذاتها، كالمنتجات الغذائية، ومنتجات صيانة المركبات وغيرها، ولكنها تصبح معيبة في مرحلة استعمالها أو استهلاكها.

    والنوع الثاني الذي يصنف على أنّه منتجات معيبة، هي المنتجات التي أنتجت معيبة من الأساس، فمصدر خطورتها على حياة المستهلك نابع ليس من كونها ذات طبيعة خطرة، وإنّما طريقة إنتاجها جعلتها تشكل تهديداً لسلامة المستهلك إثر ما ينطوي عليها من عيوب. وهي بذلك تختلف عن المنتجات الخطرة بطبيعتها.

    وتجدر الإشارة، إلى أنّ كل منتَج له طبيعته الخاصة، ولا نستطيع أن نضع معياراً واحداً ونعممه على المنتجات، فنحن نشهد كل يوم تطوراً في المنتجات نتيجة التطورات التكنولوجية الحاصلة. إلا أنّه يجب التفرقة بين القواعد القانونية واللوائح المنظمة للحد الأدنى من المواصفات الواجب توافرها في المنتَج، وبين القواعد الآمرة، كما ذكر أعلاه.

    ومن الأمثلة التي يمكن طرحها على المنتج المعيب، عند سقي الأشجار بمياه ملوثة ويصاب الغير بضرر نتيجة استهلاك ثمارها، فإنّه يعتبر منتجاً معيباً، وكذلك بيع الحيوانات كالدواجن والمواشي المصابة بمرض هو أيضاً منتج معيب.

    المطلب الثاني

    أطراف المسؤولية عن المنتجات المعيبة

    وهو ما يمكن أن نسيمه أيضاً بـ: “النطاق الشخصي للمسؤولية عن المنتجات المعيبة”. يثور جدل واسع حول تحديد الأشخاص المسؤولين عن الأضرار التي تحدث بسبب المنتجات المعيبة، وكذلك من يحق له مطالبة هذا المسؤول بالتعويض عن الضرر الذي أصابه جراء المنتَج المعيب.

    وللإجابة على ذلك، قسمت الدراسة هذا المطلب لفرعين، الأول يتناول المسؤولون عن أضرار المنتجات المعيبة، والفرع الثاني يتناول المضرور (المستهلك) الذي يحق له رفع دعوى التعويض.

    الفرع الأول

    المسؤولون عن أضرار المنتجات المعيبة

    المنتِج، والمزود، والصانع، مصطلحات متكررة الاستخدام للدلالة على المنتِج، فبعض التشريعات تستخدم مصطلح المنتِج، كالتوجيه الأوروبي والقانون الفرنسي؛ للدلالة على طائفة المنتجين، وبعض التشريعات تستخدم مصطلح الصانع لحصر المسؤولية في فئة الأشخاص الذين يعملون في تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة أو شبه مصنعة. فالآراء الفقهية والتشريعية قد تعددت في تعريف المنتِج بين مضيق وموسع للمفهوم.

    فقد ذهب البعض إلى القول، بأنّ المنتِج هو الشخص الذي يقوم بأعمال إنتاجية فقط. في حين ذهب آخرون للقول، بأنّ المنتِج هو من يقوم بعملية الإنتاج ومن يقوم بعملية التسويق.

    جاء قانون حماية المستهلك الفلسطيني واستخدم مصطلح “المزود” في مادته الأولى “مادة التعريفات”، بأنّه: “الشخص الذي يمارس باسمه أو لحساب الغير نشاطاً يتمثل بتوزيع أو تداول أو تصنيع أو تأجير السلع أو تقديم الخدمات”.

    نلاحظ أنّ المشرع الفلسطيني في تعريفه للمزود في قانون حماية المستهلك، قد تبنى مفهوماً واسعاً للمزود، بحيث يشمل العديد من الأشخاص الذين تمر بهم السلعة، خلال مراحلها المختلفة، حتى تصل للمستهلك. وهذا النهج يشبه التوجه الأوروبي الصادر عام 1985.

    في حين أنّ مشروع قانون التجارة الفلسطيني لسنة 2003، استخدم مصطلح “المنتِج”، وعرّفه بأنّه: “صانع السلعة الذي أعدّها في هيئتها النهائية التي عرضت بها في التداول، سواء كانت في جميع الأجزاء التي تتكون منها السلعة من صنعه أم استعان بأجزاء من صنع الغير، ولا ينصرف اللفظ إلى تابعي المنتج”.

    دعنا نلقي نظرة على نص المادة (10) من قانون حماية المستهلك الفلسطيني، الذي نصّ على: “يكون المزود النهائي مسؤولاً عن الضرر الناجم عن استخدام أو استهلاك المنتج المحلي أو المستورد الذي لا تتوافر فيه شروط السلامة أو الصحة للمستهلك أو عدم الالتزام بالضمانات المعلن عنها أو المتفق عليها، ما لم يثبت هوية من زوده بالمنتج وأثبت كذلك عدم مسؤوليته عن الضرر الناجم”.

    يشمل لفظ “المزود النهائي” كل من البائع العادي، وكذلك الوكيل التجاري عندما يبيع السلعة لحساب المنتج، وهو يشمل أيضاً المنتج عندما يقوم بنفسه ببيع منتجاته، وهو يمتد أيضاً للموزع، وتاجر الجملة، وكذلك مقدم الخدمة عندما يقوموا بالتعاقد مباشرةً مع المستهلك.

    إنّ غاية المشرع الفلسطيني من ذلك، أنّ لفظ المنتِج ينسحب إلى العديد من الأشخاص، وهذا يتعارض مع حسن السياسة التشريعية، إلى جانب ذلك، فالمزود النهائي هو أقرب الأشخاص في حالة احتمال حدوث ضرر من أي من المنتجات التي يطلقها للتداول، وهو أيضاً يستطيع التخفيف من هذه المسؤولية عن طريق التأمين، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ ذلك يسهل على المستهلك مهمة إثبات المرحلة التي تعيبت فيها السلعة. إلى جانب ذلك، فالمستهلك في كثير من الأحيان لا يعرف من هو المنتِج، أو قد يصعب عليه الوصول إليه لمطالبته بالتعويض.

    فالمشرع الفلسطيني افترض مسؤولية المزود النهائي، وترك عبء إثبات عدم مسؤوليته عليه، فالمزود النهائي أقدر على التواصل مع المنتِج الذي زوده بالمنتجات. ويستطيع المزود النهائي إدخال هذا الأخير في الدعوى المرفوعة من قبل المستهلك المضرور، وكذلك يستطيع أن يخفف من عبء المسؤولية الواقعة عليه في حال كونه مؤمناً على المنتجات، كما سبق وذكرنا.

    استخدم المشرع الأردني مصطلح المزود بدلاً من مصطلح المنتِج؛ ليوسع دائرة المسؤولية عن المنتجات المعيبة، لتشمل كل شخص يقدم أو يساهم في تقديم السلعة أو الخدمة للمستهلك، كالموزعين، والمؤجرين. وعرّفه بأنّه: “الشخص الطبيعي أو الاعتباري من القطاع العام أو الخاص الذي يمارس باسمه أو لحساب الغير نشاطاً يتمثل بتوزيع السلع أو تداولها أو تصنيعها أو تأجيرها أو تقديم الخدمات إلى المستهلك بما في ذلك أي شخص يضع اسمه أو علامته التجارية أو أي علامة فارقة أخرى يملكها على السلعة أو الخدمة”.

    في حين أنّ المادة (3) من قانون (09/03) المتعلق بحماية المستهلك الجزائري وقمع الغش، عرّفت المتدخل بأنّه: “هو كل شخص طبيعي أو معنوي يتدخل في عملية عرض المنتجات للاستهلاك”. ويلاحظ على هذا النص أنّه جاء فضفاضاً وواسعاً. ولم يأتِ المشرع الجزائري على ذكر المنتِج أو المزود النهائي.

    في حين يلاحظ على المشرع الفرنسي، بأنّه أخذ بالمفهوم الواسع، وفرق بين المنتج الفعلي، والمنتج الحكمي أو الظاهر. فالمنتِج الفعلي حسب المادة (1386-6) من القانون المدني الفرنسي رقم (389/98) يعد منتِجاً: “صانع المنتجات النهائية ومنتِج المواد الأولية، وصانع المكونات الداخلة في تكوين المنتجات النهائية”. حيث يعد المنتج هو الطرف الرئيسي في العلاقة الإنتاجية. واشترط المشرع حتى تقوم المسؤولية على المنتج أن يكون مهنياً (بمعنى الاحتراف).

    أما المنتِج الظاهر فيقصد به عندما يكتفي المنتج بعملية التصنيع والإنتاج ويتولى غيره عرض المنتجات، وقد يقوم الأخير بوضع اسمه على المنتوج، أو العلامة الصناعية، أو علامة تنسب المنتوج إليه، أو قد يتم الإنتاج في بلد ويستورد من قبل مستورد في بلد آخر، ويوضع عليه علامة الأخير، وقد تتطلب بعض المنتجات شروطاً خاصة في نقلها أو تخزينها أو عرضها، ويكون التاجر في هذه الحالة هو من يتولى عملية التوزيع بدل المنتِج، وتثير هذه الحالات مشكلة تحديد المنتج خاصة إذا كان المنتوج يحمل علامة الموزع أو المستورد، وهذا قد يدفع المضرور للاعتقاد بأنّ العلامة الموجودة على المنتوج هي علامة المنتِج.

    في حين أنّ القانون المدني الجزائري في المادة (140) مكرر، نجده قد ألقى المسؤولية عن عيوب المنتجات على عاتق المنتج دون أن يقدم تعريفاً له، فقد نصّ على: “يكون المنتِج مسؤولاً عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية”.

    من الجدير ذكره، أنّه بالنسبة للمنتجات التي تتطلب عناية خاصة في نقلها وتخزينها، فقد يصبح المنتَج معيباً في مرحلة التوزيع أو التخزين، وليس في مرحلة الإنتاج. وقد أجاب كل من المشرع الجزائري في قانون حماية المستهلك، والقانون المدني الفرنسي، على ذلك، فأجازوا الرجوع على أي من المتدخلين في عملية عرض المنتوج، وبالتالي كل من يضع علامته أو أيه إشارة مميزة له على المنتوج وكذلك المستوردين والموردين وغيرهم عن سلامة المنتوج بشروط المنتج نفسها.

    وعرّفت اتفاقية المجموعة الأوروبية (التوجيه الأوروبي لعام 1985) المنتِج، في المادة (3)، بأنّه: “صانع السلعة في شكلها النهائي وصانع المادة الأولية والأجزاء التي يتكون منها وكل شخص يقدم نفسه كصانع بأن يضع اسمه أو علامته التجارية أو أية علامة أخرى مميزة له على السلعة”.

    نلاحظ أنّ التوجه الأوروبي لعام 1985، قد وسع من نطاق الأشخاص المسؤولين عن تعويض المستهلك المضرور عن المنتجات المعيبة، واعتبرت المادة أعلاه المسؤولين عن التعويض، هم: صانع المنتَج بشكل نهائي، الشخص الذي أنتج المواد الأولية، الشخص الذي صنع جزء من المنتَج، الشخص الذي وضع اسمه على المنتَج سواء كان هذا الاسم: اسماً تجارياً أو علامة تجارية، أو أي علامة مميزة أخرى، مستورد المنتج، المورد في حال عدم تحديد هوية المنتج، فإذا تعذر تحديد من هو المنتِج، فيعتبر كل مورد منتجاً، إلا إذا صرّح المضرور، في غضون فترة زمنية معقولة، هوية المنتِج أو الشخص الذي زوده بالمنتَج، وينطبق هذا على المستورد.

    استناداً للتشريعات المختلفة أعلاه، فإنّ لفظة “المنتِج” تشمل عدة أشخاص تبدأ من المنتِج الأول للمادة الأولية وصولاً البائع النهائي (المزود النهائي كما سماه المشرع الفلسطيني)، شرط أن يقوم بهذه العملية بصفته محترفاً، وهناك العديد من الأشخاص يأخذون حكم المنتِج، إلى حين إثباتهم انتفاء المسؤولية المدنية، وهم: المنتِج الظاهر، والمستورد، وعارض الخدمة، والبائع النهائي، والموزع، وصاحب الاسم التجاري أو العلامة التجارية على المنتوج، ومورد المنتوج، وأضافت بعض التشريعات مسؤولية شركات التأمين في حال كانت المنتجات مؤمناً عليها.

    الفرع الثاني

    المستهلك المضرور

    الأشخاص الذين يستحقون التعويض هم الذين يتضررون من المنتجات المعيبة، وفي هذا السياق لم يورد قانون حماية المستهلك الفلسطيني تعريفاً للمضرور، وكذلك مشروع القانون المدني الفلسطيني رقم (4) لسنة 2012، في حين عرّفت بعض التشريعات المقصود بالمضرور، من ذلك: التوجيه الأوروبي، في المواد (4، 12، 13)، والتي يلاحظ أنّ التوجيه الأوروبي لم يقصر تعريف المضرور بالمستهلك أو الشخص الذي تعاقد مع المنتِج فقط، بل شمل كل من تضرر من المنتجات المعيبة سواء أكان يربطه بالمنتِج عقد أم لا.

    وعلى نهج التوجيه الأوروبي سار المشرع الفرنسي في القانون المدني، الذي سمح في المادة (1245) منه أن يستوعب مفهوم المضرور أي شخص قد تضرر من المنتج المعيب أن يلاحق المنتِج سواء كان مرتبطاً معه بعقد أو لم يكن مرتبطاً. ويمتد مفهوم المتضرر في القانون الفرنسي إلى مستعملي المنتوج من أفراد العائلة وأقارب الضحية بل ينصرف مدلول المضرور إلى الغير المتضررين بفعل المنتجات المعيبة.

    يستخدم القانون الفرنسي لفظ “الضحية” “Victime” وليس لفظ “مستهلك، وبذلك يقع يشمل الضحايا المهنين والضحايا غير المهنيين أيضاً. إلى جانب ذلك، لا يقصر القانون المدني الفرنسي المضرور على الضحية المباشرة الذي لحقه ضرر من المنتَج المعيب، وإنّما يمتد إلى المضرورين غير المباشرين، وهم ما يطلق عليهم المتضررين بالارتداد، وهم الذين يصيبهم أذىً أو ضرر سواء مادي أو معنوي من جراء موت الضحية. وهذا ما أقرته محكمة النقض الفرنسية في القرار (28/04/1998).

    في حين نجد أنّ المشرع الأردني في قانون حماية المستهلك الأردني، قد عرّف المضرور (المستهلك) في المادة (2) بأنّه: “الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يحصل على سلعة أو خدمة بمقابل أو دون مقابل إشباعاً لحاجاته الشخصية أو لحاجات الآخرين، ولا يشمل من يشتري السلعة أو الخدمة لإعادة بيعها أو تأجيرها”.

    وبحسب هذا القانون، فإنّ المستهلك يرجع فقط على المزود بالضرر الناتج عن السلعة أو الخدمة المعيبة، أما غير المستهلك فيمكن أن يرجع على المزود أو المنتج وفق أحكام المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في القانون المدني الأردني.

    يمكن القول، أنّ المشرع الفرنسي كان أكثر مرونة في التعامل مع مفهوم المضرور، بحيث وسع من دائرة الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض، بخلاف المشرع الأردني، الذي ضيق من نطاقه. في حين نجد المشرع الفلسطيني، اتخذ موقفاَ وسطاً، فهو من ناحية لم يعرف المضرور، وبذات الوقت لم يستثنِ فئة معينة، وهو ما يدفعنا للقول بأنّه يحق لكل من تضرر من منتج معيب أن يطالب بالتعويض.

    إنّ مفهوم الشخص الذي يحق له المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل من المنتجات المعيبة يمتد في بعض الدول ليستوعب “جمعيات حماية المستهلك”، ومن ذلك قانون حماية المستهلك الفلسطيني، فقد نصّ في المادة (3/7): “يتمتع المستهلك بالحقوق الآتية: … التعويض بالتقاضي مباشرة أو بواسطة جمعيات المستهلك جماعياً لصون حقوقه وتعويضه عن الأضرار التي تكون قد لحقت به”.

    وكذلك الحال في القانون الاستهلاك الفرنسي، الذي منح الحق للجمعيات في التقاضي، شرط أن تكون مرخصة وموجودة بصفة قانونية، وهذا ما أكدته المادة (L421-1)، وكذلك الحال في قانون حماية المستهلك الجزائري، الذي نصّ في المادة (23): “عندما يتعرض مستهلك أو عدة مستهلكين لأضرار فردية تسبب فيها نفس المتدخل وذات أصل مشترك، يمكن لجمعيات حماية المستهلك أن تتأسس كطرف مدني”.

    فيما يتعلق بالمشرع الجزائري، فإنّه نفى التمييز بين أن يربط المضرور بالمنتج علاقة تعاقدية من عدمه، وذلك حسب قانون حماية المستهلك، بمعنى أنّه يجوز للمضرور الرجوع على المنتج لمسائلته عن المسؤولية التقصيرية. وكذلك المشرع الفرنسي بموجب القانون المدني الفرنسي، مادة (1386-1).
    فلا يوجد تفرقة ما بين المضرور سواء أكان مرتبطاً بعقد مع المنتج أو غير مربوط بعقد.

    إنّ القول بتوحيد الأنظمة المسؤولية العقدية والتقصيرية بالنسبة للمسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة لا يلغي الحاجة إلى تكييف هذه المسؤولية؛ لتحديد الجهة القضائية المختصة، سواء في القانون الداخلي (الوطني) أو القانون الدولي، وكذلك تحديد القانون الواجب التطبيق على المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة.

    ويلاحظ مما ورد أعلاه، بأنّ المشرع استخدم لفظ “المضرور” بصيغة عامة، وطالما لم يستثنِ أو يضيق من نطاق دائرة المضرورين يبقى مصطلح واسع يستوعب العديد من الأشخاص، فقد يكون المضرور شخصاً طبيعياً أو معنوياً، سواءَ أكان الضرر الذي أصاب الشخص الطبيعي في ماله، أو جسده، أو كان معنوياً أصاب سمعته أو شرفه، أو أصاب الشخص المعنوي ضرر في ماله أو سمعته. وقد يكون المضرور متضرراً مباشرةً من المنتوج المعيب، وقد يكون متضرراً بالارتداد، وذلك في حال وفاة الضحية.

    ويمكن القول أيضاً بامتداد صفة المضرور إلى الزائر الذي يكون لحظة وقوع الضرر جراء المنتج المعيب في منزل المضيف، شرط أن يكون قد أصابه ضرر من ذلك.

    ويلاحظ أنّه بشكل عام، لا يوجد قضايا في المحاكم الفلسطينية توضح المقصود بالمضرور وفقاً لقانون حماية المستهلك الفلسطيني، أو حتى مفهوم المنتِج، وقد فسّر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، الأسباب التي تحد المستهلك من رفع قضايا تخصه تتعلق بقانون حماية المستهلك، إلى وجود العديد من الثغرات في القانون، وكذلك عدم مواكبة القانون للتطورات الاقتصادية والاجتماعية، والتقصير في التطبيق، وعدم الوعي الجماهيري الكافي لموضوع الحماية، وكذلك بطء الإجراءات القضائية، وتكاليف الدعوى، إلى جانب عدم وجود اختصاص قضائي في المحاكم الفلسطينية ينقص من جودة الأحكام الصادرة، وغيرها الكثير من الأسباب.

    المبحث الثاني

    الطبيعة القانونية لمسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة

    تقوم المسؤولية بشكل عام عند الإخلال بالالتزامات الملقاة على عاتق الشخص تجاه الغير، وقد تكون هذه الالتزامات مصدرها العقد، أو القانون. فإن كان مصدها العقد تكون مسؤولية عقدية، وإن كان مصدها القانون تكون مسؤولية تقصيرية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، ما هي الطبيعية القانونية للمسؤولية الناتجة عن المنتجات المعيبة هل هي: مسؤولية عقدية؟ أم تقصيرية؟ أم (تضاممية)؟ وماهي الشروط التي تقيم المسؤولية على المنتِج؟

    للإجابة على هذه التساؤلات قسّمنا هذا المبحث إلى مطلبين، المطلب الأول يتناول التكييف القانوني لمسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة، في حين يعالج المطلب الثاني شروط قيام مسؤولية المنتِج المدنية تجاه المستهلك.

    المطلب الأول

    التكييف القانوني لمسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة

    تكمن أهمية تكييف مسؤولية المنتِج عن الأضرار الناجمة عن منتجاته، في الاختلافات الجوهرية الناتجة عن كل علاقة، فلا تستوي الآثار المترتبة عن العلاقة التعاقدية مع الآثار المترتبة عن المسؤولية التقصيرية.

    الفرع الأول

    المسؤولية العقدية

    عادةً لا يتعاقد المستهلك مع المنتِج بشكل مباشر، فلا يربطهما ببعضهما أيّة علاقة تعاقدية، لكن يمكن أن يُسأل البائع عن ضمان العيوب الخفية في السلعة. فقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المواد (336- 355) على خيار العيب وبينت أحكامه، وأوضحت أنّه عند وجود عيب قديم في المبيع، فللمشتري الخيار، إما أن يرده، أو أن يقبله بثمنه المسمى.

    يرى أنصار هذا الرأي، القائل بقيام المسؤولية العقدية على المنتِج، أنّ السبب في جعل العلاقة بين المنتِج والمستهلك تعاقدية، هو الإغراءات التي يقوم بها المنتجون لجذب انتباه المستهلكين، عن طريق الدعاية الضخمة، التي يحاولون من خلالها كسب ثقة المستهلكين.

    في حين حاول القضاء الفرنسي تطوير أحكام المسؤولية العقدية، عن طريق تفسير نصوص القانون المدني في المعنى الأكثر تحقيقاً لمصلحة ضحايا الاستهلاك، وظهر اجتهاد القضاء في هذا الشأن في اتجاهين: الأول حاول توسيع فكرة العيب في دعوى ضمان العيب الخفي، والثاني توسيع نطاق الالتزامات المفروضة على المحترف المنتِج في ظل دعوى المسؤولية العقدية.

    ففيما يتعلق بتوسيع فكرة العيب في دعوى ضمان العيب الخفي، فقد بدأت من النصف الثاني من القرن المنصرم، وظهر مع إقرار مبدأ قرينة العلم بالعيب بالنسبة للبائع المحترف، بغض النظر إن كان صانعاً أو منتجاً. وفي هذا الصدد أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكمها الصادر عام 1953، والذي تتلخص وقائعه في أنّ مشتري زجاجة نبيذ قد أصيب من جراء احتواء الزجاجة على سائل حمضي، فقام برفع دعوى قضائية على البائع، مؤسساً دعواه على التزام البائع بضمام العيوب الخفية، وقضت محكمة النقض بأحقية المدعي في طلباته المؤسسة على ضمان العيوب الخفية، وبذلك تكون قد أكدت على اتساع نطاق ضمان العيوب الخفية، ليشمل العيوب التعاقدية، والعيوب المادية، التي ورد النص عليها في القانون المدني الفرنسي، في المادة (1641).

    أما فيما يتعلق بتوسيع نطاق الالتزامات التعاقدية للمحترف، فقد رأى القضاء أنّ مساءلة المحترف على أساس الاخلال بالالتزام التعاقدي من شأنه منح المستهلك المتضرر إمكانية تجنب نقائص دعوى ضمان العيوب الخفية، في عدم خضوعه لأجل قصير للمطالبة بحق إصلاح الضرر، وتجنب إثبات شروطها. هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى، فقد رأى القضاء الفرنسي أهمية تطوير دعوى المسؤولية العقدية، وذلك بتوسيع الالتزامات الملقاة على عاتق المحترف، إلى الالتزام بالإعلام، والالتزام بالسلامة، فيقع على عاتق المنتِج إلمامه بخصائص المنتَج، وما يحيط بها من عيوب، فيفترض في المنتجين معرفة كل خصائص منتجاتهم.

    تعتبر محكمة النقض الفرنسية الالتزام بالإعلام التزاماً بوسيلة، إلا إذا كانت طبيعة المنتَج جديدة، وذا تقنية عالية، أو كان المستهلك قليل الحذر، فهنا تعتبره التزاماً بتحقيق نتيجة. أما موقف محكمة النقض فيما يتعلق بالالتزام بالسلامة، فقد قضت محكمة استئناف باريس، بأنّ مسؤولية المنتِج والبائع عن تعويض الأضرار الناجمة عن انفجار زجاجة مياه غازية يرجع إلى أنّ عقد البيع يعد من العقود التي تتضمن التزاماً بتنفيذ العقد مع تأمين المشتري من المخاطر التي يتعارض وجودها مع الغرض من إبرام العقد، فالعقد ينشئ التزاماً بضمان السلامة، ويتعدى الالتزام بضمان العيوب الخفية، ولا يمكن للبائع أن المسؤولية المترتبة عليه، إلا بإثبات السبب الأجنبي.

    إنّ أحكام العيب الخفي في القانون المدني لا تغطي كافة الجوانب الحماية المطلوبة للمضرور، فهي تقتصر على علاقة البائع والمشتري، وهذا ما يسمى بمبدأ “نسبية أطراف العقد”، فأحكامه لا تشمل المزودين، والمنتجين، وغيرهم ممن لا يكونون على علاقة مباشرة بالمضرور، وبذلك لا تتوفر الحماية الكافية للمستهلك المضرور.

    لا يمكن للمضرور الرجوع على المنتِج وفقاً للأحكام العامة للمسؤولية العقدية في القانون المدني؛ وذلك لعدم وجود علاقة تعاقدية مباشرة بين المضرور والمنتِج. وبذلك يتضح قصور المسؤولية التقصيرية عن حماية المستهلك المضرور، خاصةً فيما يتعلق بعلاقة المنتِج بالمستهلك، وفي هذا الصدد لا بدّ لنا من البحث عن أساس آخر لمسؤولية المنتِج عن أضرار منتجاته المعيبة تجاه المستهلك المضرور.

    الفرع الثاني

    المسؤولية التقصيرية

    تظهر المسؤولية التقصيرية عند إخلال الشخص بالالتزام العام الذي فرضه القانون، المتمثل في عدم الإضرار بالغير، أي الانحراف عن سلوك الرجل المعتاد.

    في هذا الصدد نصت مجلة الأحكام العدلية أنّه “لا ضرر ولا ضرار” في المادة (19)، وفي المادة (20) نص على أنّ: “الضرر يزال”، وفي المادة (31) نص أنّ: “الضرر يدفع بقدر الإمكان”.

    وجاءت مجلة الأحكام العدلية في مادة (887) وعرّفت الإضرار المباشر بأنّه: “إتلاف الشيء بالذات من غير أن يتخلل بين فعل المباشر والمتلف شيء آخر”. وعرّفت المادة (888) الإضرار بالتسبب بأنّه: “السبب في تلف شيء يعني أن يحدث شيء ما يفضي عادة إلى تلف شيء آخر ويقال لفاعله متسبب”.

    في حين أفرد المشرع الأردني المواد من (256-291) من القانون المدني، تحت عنوان “الفعل الضار”، فقد نصت المادة (256) على أنّ: “كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بالضمان”. وجاء في المادة (257) ونصّ على: “1. يكون الإضرار بالمباشرة أو بالتسبب. 2. فإن كان بالمباشرة لزم الضمان ولا شرط له، وإذا وقع بالتسبب فيشترط التعدي أو التعمد أو أن يكون الفعل مفضياً إلى الضرر”.

    فوفقاً لأحكام المادة (257) فإنّ الضرر إذا حصل بشكل مباشر يلزم فاعله التعويض دون أي شرط، أما إذا وقع بالتسبب فلا يلزم فاعله التعويض، إلا إذا كان متعدياً أو متعمداً إحداث الضرر، أو كان الفعل بحد ذاته مفضياً إلى الضرر، فلا يسأل المتسبب عن الضرر إلا إذا قصد إحداثه أو كان الفعل بحد ذاته مفضياً إلى الضرر.

    نلاحظ أنّ كلاً من المشرعين قد أسسا المسؤولية التقصيرية على أساس الضرر، وبذلك يكونان قد أخذا بالنظرية الموضوعية، ولم يأخذا بالنظرية الشخصية.

    ففي حالة التسبب يطبق القانون المدني النظرية الشخصية المبنية على أساس الخطأ وذلك بشكل استثنائي، وإن كانت معظم حالات الضرر الناشئة عن عيب في المنتج ناتجة عن التسبب وليس المباشرة. فعلى المضرور إثبات خطأ المنتِج، أي تعديه أو تعمده إحداث الضرر المتجسد إما في إهماله أو تقصيره في اتخاذ التدابير اللازمة لأن يكون المنتِج آمناً ويحقق السلامة المتوقعة منه.

    وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية في الحكم رقم (466/1993)، بهيئتها الخماسية، بتاريخ 7/2/1994، فقد أكدت على: “كل إضرار بالغير يلزم فاعله بضمان الضرر إذا كان بالمباشرة، ويشترط فيه التعدي أو التعمد إذا كان بالتسبب عملاً بالمادتين (256) و (257) من القانون المدني، وعليه فإنّ عدم اتخاذ شركة الكهرباء تدابير خاصة لأسلاك الضغط العالي المارة فوق أسطح المنازل لمنع حدوث الضرر للغير يعتبر تعدياً بالمعنى المقصود في المادة (257) المشار إليها، ويرتب مسؤولية شركة الكهرباء عن الأضرار اللاحقة بالمضرورة ولا يشترط ذلك صدور حكم جزائي بثبوت الضرر، إذ قد يكون الضرر ناجماً عن جرم جزائي أو عن فعل ضار لا يشكل جريمة”.

    في حين نلاحظ أنّ التوجيه الأوروبي قد أخذ بالنظرية الموضوعية، التي تؤسس المسؤولية على أساس الضرر وليس الخطأ، وهذا ما أكدته المادة (1): “المنتِج مسؤول عن الضرر الذي يحدث بسبب عيب في منتجه”. وقد تبنى هذا الموقف المشرع الفرنسي في المادة (8-1245) من القانون المدني.

    وبناءً على ذلك، فإنّ دعوى المسؤولية التي تقام ضد البائع أو الموزع تختلف عن التي ترفع ضد المنتِج، ففي الدعوى المقامة ضد البائع يكفي إثبات أنّ العيب قد انتقص من قيمة المبيع أو من نفعه، أما في دعوى المسؤولية ضد المنتِج فلا بد من إقامة الدليل على أنّ العيب الموجود في السلعة هو الذي أحدث الضرر، فلا بد من ربط العيب بالضرر وإثبات علاقة السببية التي تربطهما.

    إلا أنّه وفي كثير من الأحيان يتعذر على المضرور إثبات العلاقة السببية، خاصةً في ظل تعقد الصناعات وتطورها، ووجود الفجوة في فهم طبيعة المنتجات، فالمستهلك في كثير من الأحيان لا يلم بتركيبة المنتجات في ظل هذا التسارع في الصناعات والتكنولوجيا، والتطورات الاقتصادية، على العكس من المنتِج الذي يلم بتركيبة منتجاته وطبيعتها.

    كل ذلك ساعد المنتجون على التهرب من المسؤولية التي تقع على عاتقهم، إلى جانب خلو التشريعات من افتراض خطأ المنتجون عن منتجاتهم المعيبة.

    مما سبقت الإشارة إليه أعلاه يتبين قصور أحكام المسؤولية التعاقدية، وكذلك التقصيرية عن حماية المضرورين من المنتجات المعيبة، وهو ما يؤدي إلى إفلات العديد من المنتجين من المسؤولية الملقاة على عاتقهم. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، فإنّ مصدر وطبيعة كل مسؤولية منهما تختلف اختلافاً جوهرياً عن الأخرى، ومن ذلك، فقد يكون أحد الأشخاص مسؤولاً عن الضرر وفقاً لأحكام المسؤولية العقدية بسبب وجود عقد، كالبائع والمشتري، ومن ناحيةٍ أخرى، قد يكون شخص آخر مسؤولاً عن الضرر وفقاً لأحكام المسؤولية التقصيرية، كالمنتِج والمشتري، فالمشتري يطالب المنتِج بتعويضه عن الضرر الذي لحقه بسبب عيب مصنعي في السلعة.

    فالمضرور يحق له مطالبة الشخص الذي اشترى منه السلعة وفقاً لأحكام المسؤولية التعاقدية، ويحق له أن يطالب المنتِج وفقاً لأحكام المسؤولية التقصيرية، فهنا يوجد دائن واحد، وعدة مدينين، لكن السبب مختلف. والأصل أنّه في حال تعدد المدينين بدين واحد تجاه دائن واحد أن ينقسم الدين بينهم، كلاً حسب نصيبه، إلا إذا كان هناك تضامناً بينهم، والتضامن لا يفترض بل يجب أن ينص عليه القانون أو يتفق عليه الأطراف، وفي سبيل حل هذه الإشكالية اتجه بعض شراح القانون إلى أنّ الالتزام في هذه الحالة يكون “التزاماً تضاممياً” وليس تضامنياً.

    الفرع الثالث

    المسؤولية التضاممية

     

    لم تعرف معظم التشريعات المسؤولية التضاممية، فمعظم أحكامها استمدت وتطورت من الفقه والقضاء الفرنسيان، حيث سار القضاء الفرنسي في البداية على منوال القانون الروماني، فكانت المحاكم تقضي عند اشتراك أكثر من شخص في إحداث ضرر واحد مع عدم إمكانية تحديد حصة أي منهم فيه، بأنَّ كل واحد منهم هو الذي أحدث كل الضرر، ويلتزم بتعويضه كاملاً دون أن تحكم المحكمة بتضامنهم، ذلك أنّ التضامن لا يفترض، بل يجب أن ينص عليه القانون.

    يركز هذا النوع من المسؤولية على تعدد الروابط واستقلالها، فالدائن يرتبط بكل مدين برابطة مختلفة ومستقلة عن المدينين الآخرين، وهؤلاء يلتزمون بسداد دين واحد دو أن يكون بينهم تضامن، فعلاقة كل واحد منهم مستقلة عن الآخر، بمعنى أنّ لكل مدين منهم دين مستقل عن الآخر، لذلك فالمسؤولية التضاممية تنشأ نتيجة تجمع عدة ديون مستقلة مع بعضها البعض لتكوين دين واحد يلتزم عدة مدينين بسداده.

    ومن الممكن أن تكون هذه الديون ذات طبيعة واحدة، كأن تكون جميعها ناتجة عن مسؤولية عقدية، أو تقصيرية، أو قد تنشأ من مسؤولية عقدية وتقصيرية، وهذه الصورة الأكثر انتشاراً. ومن ناحيةِ أخرى، قد يختلف مقدار كل دين فيها وذلك لأنّ كل دين له طبيعته الخاصة، وهو مستقل عن باقي الديون، فعدد الديون في هذه المسؤولية يكون بعدد المدينين، وبناءً على ذلك، لا يحتاج هذا النوع من المسؤولية إلى نصوص قانونية تفرضه.

    ولا بدّ من التفريق بين المسؤولية التضامنية، والمسؤولية التضاممية في هذا المقام. من جانب تتميز المسؤولية التضاممية بتعدد مصادرها وروابطها القانونية، ولا توجد مصلحة أو علاقة مشتركة بين المدينين في سداد الديون، بخلاف المسؤولية التضامنية، وهذه المسؤولية قد تحدث بالصدفة، أو بسبب ظروف لا دخل للدائن بها، فليس سببها العقد أو القانون، فهي ليست كالمسؤولية التضامنية التي قد تنشأ بسبب الاتفاق أو القانون.

    لقد تردد القضاء الفرنسي في بادئ الأمر بالأخذ بفكرة التضامم، إلا أن ذلك تغير بتوجيهات من الفقه الفرنسي، فأصبحت المحاكم تعترف بوجود الالتزام التضاممي، عندما يكون محدثو نفس الضرر يلتزم كل منهم بعقد مستقل عن الآخر، وكان من أبرز القضايا التي أثيرت في هذا الشأن مسؤولية المهندس المعماري والمقاول. ففي حكمين صادرين من محكمة استئناف باريس، يتعلقان بمسؤولية المهندس والمقاول، نجد تناقضاً في يتعلق بطبيعة التزامهما نحو رب العمل بالتعويض. ففي الحكم الأول الصادر في 19/1/1972، رفضت محكمة الاستئناف الزامهما بالتعويض على أساس التضامم، بينما في حكمها في 30/3/1973، قبلت الزامهما بالتعويض على أساس التضامم.

    وقد أصدر المشرع الفرنسي القانون المتعلق بالمسؤولية عن انفجارات السفن النووية، وعلى الرغم من أنّه لم يستخدم صراحةً مصطلح “مسؤولية تضاممية”، إلا أنّه يفهم بوضوح من ثنايا نصوصه أنّه يؤسس المسؤولية الناجمة عن أضرار هذه الانفجارات، على أساس المسؤولية التضاممية.

    يمكن القول أنّ مجلة الأحكام العدلية قد عالجت أحكام المسؤولية التضاممية على استحياء، وبشكل ضمني، دون أن تستخدم مصطلح “تضامم”، ويفهم ذلك من خلال نصوصها، فقد جاءت في المادة (910) أنّه يجوز للمغصوب منه في حال تلف العين المغصوبة مطالبة الغاصب أو غاصب الغاصب، فالمغصوب منه مخير بذلك.

    وكذلك يمكن استقراء التضامم من مضمون المادة (647) من مجلة الأحكام العدلية، التي أجازت للدائن مطالبة الكفيل أو كفيل الكفيل، والسبب في اعتبار هذه المادة من قبيل التضامم هو اختلاف مصدر الالتزام الذي يربط الدائن بكل من الكفيل وكفيل الكفيل، فالدائن يربطه بالأول علاقة تعاقدية، في حين أنّ مصدر التزام الثاني هو علاقة تعاقدية بين الكفيل وكفيل الكفيل.

    أما فيما يتعلق برجوع المدين المتضامم على المدين أو المدينين المتضاممين الآخرين، فقد حصل خلاف فقهي حوله بين مؤيد ومعارض، ورجحت في ذلك “نظرية العدالة” باعتبارها مبرر لرجوع المدين المتضامم على غيره من المدينين، إلا إذا كان التزام كل منهم أصيلاً بنص قانوني، من ذلك القانون الفرنسي. إلا أنّ بعض القوانين خالف هذا الرأي الفقهي، من ذلك القضاء المصري في حكمه في جلسة 21/11/1967.

    وبإسقاط أحكام المسؤولية التضاممية على الأضرار الناجمة عن المنتجات المعيبة، فإنّه يحق للمستهلك الرجوع بالتعويض على كل من البائع والمنتِج، على الرغم من اختلاف العلاقة التي تربطه بكل منهما، فالعلاقة بين البائع والمستهلك تعاقدية، في حين العلاقة ما بين المنتِج والمستهلك تقصيرية، كما سبق وأشرنا. ومن جهةِ أخرى، فإنّ أحكام المسؤولية التضاممية تسمح للمستهلك المضرور الرجوع على مدينين تربطهم به علاقات مختلفة، ولا يوجد بينهم تضامن.

    المطلب الثاني

    شروط قيام مسؤولية المنتج المدنية تجاه المستهلك

    لا يمكن أن تقوم المسؤولية المدنية بدون توافر شروطها وأركانها، وهذا أيضاً ينطبق على مسؤولية المنتج عن الأفعال الضارة التي تتسبب بها منتجاته المعيبة. وفي هذا المطلب سوف نعالج، أولاً: وجود عيب في المنتج، ثانياً: شرط الضرر، وثالثاً: العلاقة السببية التي تجمعهما.

    الفرع الأول

    شرط العيب في المنتج

    إنّ توضيح مفهوم المنتج المعيب له أهمية في معرفة قيام المسؤولية المدنية على المنتج من عدمه. فبدون المنتج المعيب لا يوجد مسؤولية مدنية للمنتج في هذا الجانب.

    إنّ مفهوم العيب في نطاق مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة، يقصد به عيب في سلامة أو أمان منتج ما، فهو العيب الذي يجعل من المنتج بسبب طبيعة تصنيعه، أو تركيبه أو الخصائص الذاتية له، أو الظروف المحيطة به، أو باستخدامه قابلاً لإحداث الضرر بالمستهلك أو بممتلكاته. فالمنتج الذي يضع منتجاته في التداول ويكون له القابلية الذاتية في إحداث الضرر بسبب عيب فيه يكون قد اقترف خطأً يوجب مساءلته القانونية تجاهه.

    في ذات السياق، جاء المشرع الفرنسي، في المادة (1386-1)، ونص على: “المنتج يعد مسؤولاً عن الضرر الذي يحدث بسبب عيوب منتجه سواء ارتبط بعقد مع المتضرر أم لم يرتبط”.

    في ذات السياق، جاء المشرع البريطاني، في المادة الثالثة، الفصل الأول، ليعرف العيب بأنّه: “يعتبر عيب في المنتج لأغراض هذا الجزء، إذا كانت سلامة المنتج وأمانه لا تصل لمستوى توقع عامة الناس، وأن مستوى الأمان والسلامة للمنتج يشمل الأمان والسلامة للعناصر المكونة له، سواء تعلق ذلك بخطر الإضرار بالممتلكات أو تعلق بالوفاة أو بخطر الإصابات الشخصية”.

    بناءً على مفهوم المنتج المعيب، يمكن القول أنّ احتواء ألعاب الأطفال على مواد ضارة لا تتناسب عمرهم وبشرتهم هو من قبيل المنتج المعيب، أو مثلاً صناعة منتج يحتوي على مواد تسبب الحساسية لدى البعض دون وجود تحذير من مكونات المنتج لذوي الحساسية هو من قبيل المنتج المعيب.

    وفي ذلك ذهبت محكمة استئناف (Riom) في حكمها بتاريخ 24/4/2002، في قضية السيدة التي كانت تقود سيارة من نوع (Renault Twingo) في أحد الشوارع الفرعية في المدينة، وعمل أكياس الهوا في السيارة (Air Bags) نتيجة اصطدامها بشاحنة، إلا أنّ السيدة أصيبت بحروق إثر عمل منظومة أكياس الهوا المضادة للصدمات. وهذا ما أثبتته تقارير الخبراء المقدم لمحكمة الدرجة الأولى، وبناءً على ذلك قررت محكمة الدرجة الأولى مسؤولية الشركة المنتجة عن الأضرار التي سببتها منتجاتها المعيبة للمستهلك (السيدة المدعية)، وهو ما أيدته محكمة الاستئناف.

    ولا يمكن في هذا المقام إغفال الدور الذي قام به القضاء الأمريكي، فقد كان في مجال مسؤولية المنتِج، وأصدر العديد من القضايا، من ذلك ما أكده أنّ العيب في المنتَج هو حجر الزاوية في دعوى المسؤولية المرفوعة ضد المنتِج، فقد أصدرت المحكمة العليا في ولاية نيوجيرزي عام 1960 قرارها في القضية بين (Bloodmfiedl) و (Leningsen)، الذي يقضي بـ: “بناء على ظروف التسويق الحديثة، وتشجيع الجمهور على الشراء، فإنّه يقع على عاتق المنتِج ضمان ضمني بملائمة أو صلاحية السيارة للاستعمال العادي، ويسري هذا المبدأ في حق المشتري الأخير الذي استعمل السيارة التي ثبت أن ميكانيزم عجلة القيادة فيها معيب، وانعدام العقد لا يعتد به”.

    من الجدير بالذكر، توضيح الفرق بين المنتج المعيب والمنتج الخطر. أما المنتج الخطر، قد يكون خطراً بطبيعته، وهي الأشياء التي يكمن الخطر بها بحكم تكوينها، أو تركيبها، أو الأشياء التي تحمل في طياتها، أو ما بين عناصرها صفة خطرة، بحيث لا يمكن إنتاجها إلا كذلك حتى تفي الغرض من إنتاجها، من ذلك: مواد الحفظ السامة، والمواد الكيميائية سريعة الانفجار، أو التيار الكهربائي. وهذا يسمى بالمعيار الموضوعي لتعريف المنتج الخطر.

    إلى جانب هذا المعيار، يوجد المعيار الشخصي، وهو الأشياء الخطرة بغير طبيعتها، ويقصد بذلك الأخطار التي لا تكمن في ذات الشيء، وإنّما تنتج بسبب ملامسة الشيء لظروف وملامسات محيطة بها.

    من المهم ذكره، أنّ المنتجات المعيبة التي نتحدث عنها هي منتجات أساساً ليست ضارة أو مؤذية بطبيعتها، وإنّما تجدر مصدر ضررها في كونها منتجات معيبة، وهي منتجات غير مؤذية أو ضارة بذاتها، من ذلك: المنتجات الغذائية، ومنتجات الصيانة والمركبات، لكنها تصبح ضارة ومؤذية في مرحلة استعمالها أو استهلاكها بسبب العيوب، والمستهلك يقبل شرائها كونه يعتقد بسلامتها من الناحية الفنية، وتعامله مع شخص محترف ومتخصص في مجاله، وأنّ المنتج ضمن المواصفات والمقاييس المعمول بها.

    من الجدير ذكره، أنّ شرط العيب الواجب لقيام مسؤولية المنتِج عن منتجاته المعيبة يختلف عن ضمان العيوب الخفية. فالعيب في المنتجات يتمثل في عدم السلامة المنتظرة من المنتجات، أما العيب الخفي فهو مرتبط بعدم الصلاحية للاستعمال، وهو ينقص من قيمة المبيع أو من الانتفاع به بحسب الغاية المقصودة منه، ويلحق بالعيب الخفي الصفة أو الصفات التي كفل البائع للمشتري وجودها في المبيع.

    الفرع الثاني

    شرط حدوث ضرر

    يعد الضرر ركناً مهماً لقيام مسؤولية المنتج المدنية. ويقصد به الأذى الذي يلحق المتضرر في نفسه أو ماله أو أي حق من حقوقه المشروعة.

    نصت المادة (3) من قانون المخالفات المدنية الساري في الضفة على أنّه: ” … يحق لكل من لحق به أذى أو ضرر، بسبب مخالفة مدنية ارتكبت في فلسطين، أن ينال النَّصَفة التي يخوله إياها هذا القانون من الشخص الذي ارتكب تلك المخالفة، أو المسؤول عنها…”.

    أوضحت المادة (2) من ذات القانون معنى لفظة “الأذى” بالقول بأنّها: “
    التدخل غير المشروع في حق شرعي”. وأوضحت أن كلمة “ضرر” تعني: “الموت أو الخسارة أو التلف الذي يلحق بمال أو سلب الراحة، أو الإضرار بالرفاه الجسماني، أو السمعة أو ما يشبه ذلك من الضرر أو الخسارة”.

    يتبين من استقراء هذه النصوص أنّ الضرر الذي يستتبع المسؤولية المدنية والتعويض، هو الضرر الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه، أو بمصلحة مشروعة له. وأنّ الضرر شرط أولي لقيام المسؤولية المدنية وإمكان المطالبة بالتعويض، فحيث لا ضرر لا مسؤولية مهما كان الخطأ؛ لأن التعويض لا يكون إلا عن ضرر أصاب طالبه، ولأنّ مدعي المسؤولية لا تكون له مصلحة في الدعوى إلا إذا كان قد أصابه ضرر يطالب بتعويضه. فقد نصت المادة (3/1) من قانون أصول المحاكمات الفلسطيني على: “لا تقبل دعوى أو طلب أو دفع أو طعن لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة فيه يقرها القانون”.

    بناءً على ما ورد أعلاه، فإنّ الضرر يقسم إلى: ضرر مادي، يصيب الشخص في ماله أو ممتلكاته، وضرر معنوي، يصيب سمعته أو شرفه أو كرامته. ومن الأمثلة على الضرر المعنوي الذي من الممكن أن يصيب المستهلك، نفور الناس وخوفهم من الدخول إلى منزله بسبب انفجار جهاز كهربائي أو ما شابه ذلك؛ خوفاً من أن يصيبهم ضرر، وفي ذلك نص المشرع الفرنسي في المادة (1386): “إنّ أحكام هذا الباب تسري على الضرر الناشئ عن المساس بالشخص أو بمال آخر، غير المنتوج المعيب نفسه”.

    إلى جانب ذلك، قد يصيب المستهلك ضرر جسدي، كما هو الحال عند استخدام مواد تجميل أو أدوية أو بعض المستحضرات التي قد تؤدي إلى تشوهات في الجسد.

    وفي ذلك حكمت الدائرة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية، بتاريخ 3 مارس 1998، بمسؤولية أحد المعامل الدوائية؛ لطرحه دواءً من شأنه أن يسبب ضرراً بالأشخاص باعتبار أنّه “لا يوفر الأمان المنتظر منه شرعاً”، فهذا المعمل كان قد طرح دواءً في الأسواق على شكل أقراص للتخلص من أملاح البوتاسيوم الزائدة في الجسم، وحينما قام أحد المرضى بتناوله يوماً لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، أصيب بالتهابات حادة بالأمعاء، وبمجرى البول، نقل على إثرها إلى مستشفى الطوارئ، وأجريت له العديد من الجراحات الدقيقة، وعندما لجأ إلى القضاء مطالباً معمل الأدوية بالتعويض نتيجة الضرر اللاحق به من منتجهم، حكمت له المحكمة بذلك، وعندما وصل النزاع إلى محكمة النقض، رفضت محكمة النقض الطعن المقدم من معمل الأدوية.

    الفرع الثالث

    العلاقة السببية

    إنّ وقوع الضرر لا يعني بالضرورة قيام المسؤولية، بل لابدّ من اتصال الخطأ بالضرر بصلة مباشرة ومحققة، أي أن يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ، وهذا ما يسمى بعلاقة السببية، التي من دونها لا مجال لإعمال المسؤولية كقاعدة عامة. فيجب أن يكون سبب الضرر الذي لحق بالمستهلك وجود عيب ما بالمنتًج الذي أنتجه المنتِج.

    وقد أخذت مجلة الأحكام العدلية فيما يتعلق بعلاقة السببية بنظرية “السبب المنتِج أو الفعال”، وهو يعني؛ إذا أسهمت عدة عوامل في إحداث الضرر، فلا يعتبر منها سبباً في الضرر إلا الوقائع التي تصلح لإحداثه وفقاً للسير العادي للأمور. وهذا ما نصت عليه المجلة في المادة (90): “إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر”. وأخذ به أيضاً قانون المخالفات المدنية في المادة (60): “أ- إذا كان قد لحق بالمدعي ضرر، فلا يحكم بالعقوبة إلا على الضرر الذي قد ينشأ بصورة طبيعية في سياق الأمور الاعتيادية، والذي ينجم مباشرة عن المخالفة المدنية التي ارتكبها المدعى عليه”.

    استقرت المحاكم الفلسطينية على ضرورة توافر علاقة السببية كركن من أركان المسؤولية التقصيرية، وهو ما أكدته في العديد من أحكامها من بينها: نقض مدني 551/2010، بتاريخ 18/1/2012، وكذلك الحكم الصادر عن محكمة استئناف رام الله رقم 48/2010، بتاريخ 28/9/2010.

    ويكون عبء إثبات علاقة السببية على المضرور، فهو المدعي، ويمكن إثباتها بكافة الطرق، وعلى الرغم من أنّ كلاً من المشرع الأوروبي والمشرع الفرنسي ألقيا على عاتق المضرور إثبات العلاقة السببية، إلا أنّهما وضعا قرائن تسهل على المضرور عملية الإثبات. وهي كالتالي:

  • افتراض تعيب المنتجات قبل طرحها للتداول

    وهو ما يطلق عليه البعض العنصر المادي في علاقة السببية. من الصعب على المضرور، خاصةً إن لم يكن محترفاً، أن يثبت العلاقة السببية بين الخطأ (العيب) والضرر، وهذا يعني تعذر إقامة الدعوى والمطالبة بالتعويض، وهذا الأمر دفع المشرع إلى إقامة قرينة على أنّ العيب موجود في المنتجات وقت إطلاقها في الأسواق للتداول، ما لم يقم المنتِج بإثبات العكس. وهذا ما تبناه التوجيه الأوروبي، وأخذ عنه المشرع الفرنسي.

    إنّ افتراض مسؤولية المنتِج عن أضرار منتجاته ليست مسؤولية مطلقة، فهو يستطيع دفعها أيضاً بإثبات بعض الوقائع التي عدّها المشرع من أسباب الإعفاء.

  • افتراض إطلاق المنتجات في التداول قد تم بإرادة المنتِج

    وهو ما يطلق عليه البعض العنصر المعنوي في علاقة السببية. يصعب على المضرور إثبات هذا العنصر؛ كونه يتعلق بعوامل نفسية خاصة بالمنتِج، إلى جانب صعوبة حصول المضرور على الوثائق الموجودة تحت يد المنتِج، والتي تفيد في الإثبات.

    لا يسأل المنتِج عن إطلاق السلعة في الأسواق للتداول، إلا إذا كان الغرض من إثباتها هو بيعها أو توزيعها لأهداف تتعلق بمهنة المنتِج أو حرفته ويبغي من ورائها تحقيق الربح. وعليه يستطيع المنتِج نفي مسؤوليته بإثبات أن إطلاق السلعة بالأسواق لم يكن الغرض منه الربح، أو لم يتم في إطار المهنة أو الحرفة أو لتحقيق أغراضها.

    هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، يستطيع المنتِج أن يستخدم ظروف الحال المستمدة من طبيعة السلعة وقت طرحها في الأسواق أو غيرها من الظروف؛ لإثبات أنّه لم يطرح السلعة للتداول بإرادته الحرة، أو أن يثبت أنّها قد وضعت للتداول بواسطة شخص آخر، قد يكون هذا الشخص قد سرقها، أو أنّه كان مؤمناً عليها، أو بواسطة الشخص الذي كان يقول بإصلاحها أو إدخال التعديلات عليها، وهذا ما أكدّ عليه التوجيه الأوروبي والمشرع الفرنسي.

    الخاتمة:

    تقوم المسؤولية المدنية على المنتِج عند تحقق شرط وجود عيب في المنتَج، وحدوث الضرر للمستهلك، ووجود علاقة سببية تجمعهما، وعلى الرغم من عدم توضيح القوانين الفلسطينية من هو المقصود بالمستهلك المضرور لغايات حمايته، إلا أنّه يمكن أن يشمل كل من تضرر من المنتِج المعيب، طالما لم يأتِ نص ويستنِ فئة من المضرورين.

    يمكن للمضرور من جراء المنتَج المعيب أن يرجع على المزود النهائي، الذي افترض القانون مسؤوليته، وهو بدوره يثبت عدم مسؤوليته، وذلك بإثبات هوية من زوده بالمنتجات، إلى جانب إثباته عدم مسؤوليته عن الضرر الناجم. وقد حدد المشرع الفلسطيني معيار العيب في المنتجات في قانون حماية المستهلك بأنّه خطأ أو نقص في جودة المنتَج أو كميته أو كفاءته، أو عدم مطابقته للمعايير والمواصفات، وهو بذلك قد استبعد المعيار الشخصي وأخذ بالمعيار الموضوعي.

    توصلت الدراسة للعديد من النتائج والتوصيات:

    النتائج:

  • قصور القواعد العامة في القانون المدني، وكذلك القواعد الخاصة في قانون حماية المستهلك عن حماية المضرورين من أضرار المنتجات المعيبة.
  • لا يوجد تعريف في القوانين الفلسطينية توضح من هو المستهلك المضرور، ولغايات تطبيق النصوص يكون المضرور هو كل شخص تعرض لضرر بسبب المنتجات المعيبة، طالما لم يأتِ المشرع ويستثنِ أحداً من هذه الفئة.
  • يكون المزود النهائي مسؤولاً عن الضرر الناجم عن المنتجات المعيبة إلى حين إثبات عدم مسؤوليته، أو أن يكشف عن هوية من زوده.
  • أخذ المشرع الفلسطيني بمعيار موضوعي للعيب، وليس معياراً شخصياً، فهو قد حدد العيب بالخطأ أو النقص في جودة المنتجات أو كميتها أو كفاءتها، إلى جانب ذلك عدم مطابقتها للمعايير والمواصفات التي نص عليها القانون.
  • ندرة الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم الفلسطينية استناداً إلى انون حماية المستهلك الفلسطيني.
  • إنّ العلاقة التي تربط المنتِج بالمستهلك المضرور في حالة وقوع ضرر من منتجاته، يصعب تكييفها على أنّها تعاقدية لانتفاء العلاقة المباشرة بينهما، فالمسؤولية التعاقدية تربط المستهلك المضرور بالبائع دون المنتِج. وكذلك يصعب تكييفها على أنّها تقصيرية؛ لصعوبة إثبات المضرور للعلاقة السببية بين خطأ المنتِج والضرر الحاصل له. لذا فأفضل تكييف لها، أنّها مسؤولية تضاممية؛ لأنّ هذا النوع من المسؤولية يركز على تعدد الروابط واستقلالها في ذات الوقت، فيمكن الرجوع للمنتِج والبائع، على الرغم من انتفاء التضامن بينهما.
  • إنّ المنتجات المعيبة هي بالأساس منتجات غير ضارة أو مؤذية بطبيعتها، وإنّما تجد مصدر ضررها في كونها منتجات معيبة، وهي تشمل نوعين من المنتجات: الأول، منتجات غير ضارة أو مؤذية بذاتها، كالمنتجات الغذائية، ومنتجات صيانة المركبات وغيرها، ولكنها تصبح معيبة في مرحلة استعمالها أو استهلاكها.

    التوصيات:

  • على المشرع تدارك النقص في قانون حماية المستهلك، فعليه مثلاً توضيح المقصود بالمضرور، وحبذا لو يوضح العلاقة ما بين المنتِج والمضرور، والأفضل أن يتبنى المسؤولية التضاممية، كونها تحقق أكبر حماية للمستهلك.
  • على جمعيات حماية المستهلك أن تسعى لتثقيف المستهلكين حول حقوقهم المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك الفلسطيني، وزيادة وعيهم بالمنتجات المستحدثة؛ لتقليص الفرق والفجوة ما بين المستهلكين والمهنيين.
  • العمل على تدريس مسؤولية المنتِج تجاه المستهلك، والعلاقة التعاقدية في المناهج الدراسة من بين المواد الاختيارية؛ سعياً لزيادة الوعي.

    المراجع والمصادر

    المصادر:

  • مجلة الأحكام العدلية.
  • قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944، وتعديلاته.
  • قانون المخالفات المدنية المعدل رقم (5) لسنة 1947، نشر بتاريخ 14/3/1947، في العدد 1563.
  • قانون حماية المستهلك البريطاني 1987.
  • القانون المدني الجزائري.
  • مشروع قانون التجارة الفلسطيني لسنة 2003.
  • قانون المواصفات والمقاييس الفلسطيني رقم (6) لسنة 2000.
  • قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم (21) لسنة 2005.
  • القانون الجزائري رقم (09-03) المؤرخ في 25 فبراير 2009، المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش.

    المراجع:

    كتب فقهية

  • التكروري، عثمان. وأحمد سويطي. المكتبة الأكاديمية، فلسطين، الخليل، 2016.
  • جميعي، حسن عبد الباسط. الحماية الخاصة لرضا المستهلك في عقود الاستهلاك، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996.
  • السنهوري، عبد الرزاق. الوسيط في شرح القانون المدني- نظرية الالتزام بوجه عام الأوصاف، الحوالة، الانقضاء، ج3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1968.
  • العمروسي، أنور. التضامن والتضامم والكفالة في القانون المدني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، الطبعة الأولى، 1999.
  • فودة، عبد الحكيم. التعويض المدني (المسؤولية المدنية التعاقدية والتقصيرية) في ضوء الفقه وأحكام محكمة النقض، دون دار نشر، الإسكندرية، 1988.

    رسائل علمية

  • أبو مشايخ، سعاد توفيق. عقد الكفالة المدنية والآثار المترتبة عليه- دراسة مقارنة بين مجلة الأحكام العدلية والقانون المدني المصري، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2006.
  • الجابري، عذاري حمد. المسؤولية المدنية عن أضرار المنتجات الطبية بالغير، رسالة ماجستير، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2019.
  • الجنيدي، عامر محمد. المسؤولية المدنية عن أضرار المنتجات الصناعية المعيبة، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، 2010.
  • حنتولي، محمد. المسؤولية المدنية للمنتج عن أضرار منتجاته الخطرة، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، 2009.
  • سفيان، ساري. الأساس القاني لمسؤولية المنتِج: دراسة تحليلية في ظل القانون المدني الأردني والجزائري والفرنسي، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، 2013.
  • فتاك، علي. تأثير المنافسة على الالتزام بضمان سلامة المنتوج، رسالة دكتوراه، جامعة وهران، 2007.
  • قنطرة، سارة. المسؤولية المدنية للمنتج وأثرها في حماية المستهلك، رسالة ماجستير، جامعة محمد لمين دباغين، الجزائر، 2016- 2017.
  • مامش، نادية. مسؤولية المنتج- دراسة مقارنة مع القانون الفرنسي، رسالة ماجستير، جامعة ملود معمري، الجزائر.
  • محمد، مختار رحماني. المسؤولية المدنية عن فعل المنتجات المعيبة، رسالة الدكتوراه، جامعة الجزائر، 2015.
  • يبفازن، تينهينان. وشابحة طيان. المسؤولية المستحدثة للمنتج في التشريع الجزائري (دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي)، رسالة ماجستير، جامعة مولود معمري، الجزائر، 2016.

    مجلات علمية محكمة

  • أبو عليم، نصر. العلاقة السببية وفقاً للفقه والتشريع والقضاء الأردني، مجلة دراسات وأبحاث، مج12، ع4، 2020، 594- 611.
  • أمازوز، لطيفة. المسؤولية الموضوعية للمنتج عن منتجاته المعيبة، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية.
  • بلهور، فاطمة الزهراء. مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة، مجلة البحوث في العقود وقانون الأعمال، العدد الثالث، ديسمبر 2017، 78-90.
  • البيه، محسن عبد الحميد إبراهيم. التضامن والتضامم في قضاء محكمة الاستئناف الكويتية (دائرة التمييز) مقارناً بالقضاءين الفرنسي والمصري، مجلة الحقوق الكويتية، المجلد 13، العدد 3، سبتمبر 1989.
  • جبارة، ظافر حبيب. المفهوم الحديث للعيب في ظل الأنظمة الحاكمة لمسؤولية المنتج “دراسة مقارنة”، مجلة القانون للبحوث والدراسات القانونية، ع8، 2014.
  • شهيدة، قادة. الإقرار بمسؤولية الدولة عن الحوادث محور مهم لتكريس سيادة القانون في الجزائر، مجلة العلوم القانونية والإدارية والسياسية.
  • طرية، معمر. مفهوم معيوبية المنتوج في نظام المسؤولية المدنية للمنتج والحلول التي يقدمها التأمين لتغطيته: دراسة مقارنة، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة السادسة، العدد 2، العدد التسلسلي 22، يونيو 2018.
  • عبد القادر، زهرة. مسؤولية المنتج- دراسة مقارنة بين التشريعين الجزائري والفرنسي، مجلة الشريعة والاقتصاد، مجلد1، العدد1، 223-242.
  • عبد الكريم، عدلي محمد. إعادة التأسيس لقواعد مسؤولية المنتج المدنية كضرورة لدعم حماية المستهلك، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، ع11، 2012، 182-196.
  • العروصي، محمد. مسؤولية المنتِج عن المنتوجات صناعية، مجلة القانون المدني، ع1، 2014، 9-30.
  • عزة، أمال. النطاق الموضوعي للمسؤولية المدنية للمنتج عن منتجاته المعيبة، مجلة المشكاة في الاقتصاد والتنمية والقانون، المجلد 4، العدد 7، 2018، 244- 260.
  • العطراق، ناجية. المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة في ضوء القانون المدني الفرنسي رقم (389/98)، مجلة العلوم القانونية والشريعة، العدد السادس، يونيو 2015.
  • علي، محمد حاج. مسؤولية المحترف عن أضرار ومخاطر تطور منتجاته المعيبة، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، 2009، 39-50.
  • الكعيوش، ياسين. خصوصية المسؤولية التقصيرية عن الضرر البيئي، مجلة القانون والأعمال، ع14، إبريل 2017، 125- 147.
  • المجالي، أحمد عبد الرحمن. مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة في القانون الأردني: دراسة قانونية تحليلية مقارنة بالقانون الفرنسي، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، مج9، ع3، 2020، 228-273.
  • محسن، منصور حاتم. وأسامة شهاب حمد. نطاق التزام المنتِج بتتبع منتجاته، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد الرابع، السنة الثانية عشر، 20220.
  • مسعود، ختير. وعزيزي عبد القادر. مسؤولية المنتج عن منتجاته في ظل قواعد المسؤولية المدنية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، 12/8/2017.
  • المعموري، ضمير حسين. الالتزام الانضمامي، مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية، المجلد 15، العدد 1، 2018.
  • ميمون، خراط. مسؤولية المنتِج وفق قانون 24/09، مجلة العلوم القانونية- سلسلة فقه القضاء التجاري، ع4، 2017، 50-59.

    مراجع أخرى:

    مكحول، باسم. ونصر عطياني. وشاكر خليل. مراجعة نقدية لمشروع قانون حماية المستهلك الفلسطيني، 2004.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى