الاجتهاد القضائيبحوث قانونية

مسؤولية مالك الحمام عن الاضرار التي تصيب المستحمين تعليق على قرار المجلس الأعلى

  مسؤولية مالك الحمام عن الاضرار التي تصيب المستحمين

تعليق على قرار المجلس الأعلى 

بتاريخ 02 يناير1996 الصادر في الملف المدني

2049/90 والمنشور بمجلة الاشعاع عدد 14 ص 112.

 

محمد سلام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف

ـ الجديدة ـ

 

تعتبر الحمامات التقليدية من ابرز مظاهر الحياة الاجتماعية لفئات  عريضة من ساكنة الحواضر المغربية، لذلك نجدها في مقدمة المرافق التي تتوفر في اغلب الاحيان السكنية، وتعرف اقبالا كبيرا خاصة في الاعياد الدينية والوطنية وخلال العطل والافراح والمناسبات المختلفة ويتكون زبناء  هذه  الحمامات  من  جميع  الشرائح  والطبقات  الاجتماعية ذكورا واناثا، صغارا وكبارا.

 

وترتبط باستغلالها حرف عديدة، كما تكونت نتيجة لذلك مجموعة  من العادات والتقاليد والاعراف، والتي تحكم العلاقة بين المستحمين من جهة، وبين مختلف انواع العاملين فيها من جهة أخرى، وبين كل هؤلاء ومالك أو مستغل الحمام من جانب آخر.

 

وشكل كل ما ذكر اطارا لتطويق ولحل جميع الخلافات والنزاعات التي كانت تنشا بين الأطراف المذكورة.

لكن وقوع حوادث مؤلمة لبعض المستحمين اثناء وجودهم بالحمام وما نتج  عنها  من  اصابتهم  باضرار  وعاهات، أو حصول وفيات أدى إلى رفع النزاع إلى المحاكم، والبحث عن التكييف القانوني السليم للعلاقة التي تربط بين الطرفين، ونوع المسؤولية التي يمكن ان تحكم أو تنظم هذه العلاقة هل المسؤولية العقدية ام المسؤولية التقصيرية.

 

ويبدو ان المجلس الأعلى استقر لغاية الان على اعتبار ان الطرفين يرتبطان بعقد يلتزم بموجبه صاحب الحمام ببذل مجرد عناية لتوفير ظروف ملائمة للمستحم، مقابل المبلغ المالي المحدد للاستحمام، وان أي ضرر يصيب هذا الاخير لا يمكن ان يرتب مسؤولية صاحب الحمام الا إذا ثبت خطا من جانبه، وهو ما يتعذر في كثير من الاحيان.

فيما يلي ملخص لقرار المجلس الأعلى، وتعليق عليه.

 

نشرت مجلة الإشعاع في عددها "14" ص 112 قرارا صادرا عن المجلس الأعلى بتاريخ 02 يناير1996 في الملف المدني 2049/90 قضى بنقض قرار محكمة استئناف بالدار البيضاء المؤيد لحكم ابتدائيتها والقاضي بتحميل صاحب الحمام مسؤولية الاضرار اللاحقة باحد المستحمين في إطار الفصل 88 ق. ل.ع وباعتباره حارسا قانونيا للحمام.

وقبل التعليق على هذا القرار يكون من المناسب تقديم عرض موجز لوقائع النازلة وبيان موقف المحكمتين الابتدائية والاستئنافية، ثم موقف المجلس الأعلى.

 

الوقائع :

تتلخص وقائع القضية في ان المدعي قصد حماما تقليديا بأحد احياء الدار البيضاء من اجل الاستحمام، لكن تعفن أرضية الحمام سببت له انزلاقا وسقط ارضا ونتج عن ذلك ان اصيب بكسور اقتضت نقله للمستشفى حيث خضع لعلاج انتهى بشفائه بعد عجز كلي مؤقت لمدة 45 يوما مخلفا عجزا جزئيا دائما حدد في 15 % وتقدم بدعواه امام المحكمة الابتدائية في مواجهة صاحب الحمام وشركة التامين في  إطار  الفصل 88 من  ق. ل. ع   ملتمسا  تحميل  حارس الحمام كامل مسؤولية الحادث والحكم بتعويض مسبق وإحالته على خبرة مع حفظ حقه في تقديم مطالبه النهائية.

 

المحكمة الابتدائية :

وبعد جواب المدعى عليهما بان المسؤولية عقدية لا يلتزم بموجبها مالك الحمام الا ببذل مجرد عناية، ولا يضمن سلامة المستحم الا إذا تبت خطا من جانبه، ومن تم فان هذه المسؤولية ليست تقصيرية والتمسا رفض الدعوى لهذا السبب، واحتياطيا فان الحادث نتج عن خطا المدعي نفسه، والذي لم يتخذ الاحتياطات الضرورية لعدم السقوط في ارضية الحمام والتي تكون عادة مبللة بالمياه والصابون، ويتطلب المشي أو الوقوف فيها مزيدا من اليقضة والاحتراز ثم اصدرت المحكمة حكمها بتحميل المدعى عليه كامل المسؤولية باعتباره حارسا قانونيا للحمام، وتترتب عليه مسؤولية موضوعية لا يمكن التحلل منها الا باثبات الشرطين المنصوص عليهما في الفصل 88 من ق ل ع وحكمت عليه باداء تعويض للمدعي مع احلال شركة التامين محله في الاداء.

 

محكمة الاستئناف :

وبعد استئناف المدعي مطالبا برفع المبلغ المحكوم به إلى الحد المطلوب ابتدائيا، واستئناف المدعى عليهما مالك الحمام وشركة التامين المدخلة في الدعوى متمسكين بعدم قبول استئناف المدعي لكونه طلب تنفيذ الحكم، واحتياطيا فان الحادث نتج عن خطا المتضرر، والذي لم ياخذ حذره من ارضية الحمام التي تكون عادة قابلة للانزلاق، ودورها سلبي في وقوع الحادث، كما ان التزام صاحب الحمام مجرد التزام ببذل عناية ولا يضمن سلامة الزبناء.

واصدرت محكمة الاستئناف قرارا بتأييد الحكمين ( التمهيدي والقطعي) الابتدائيين ورفع المبلغ المحكوم به ورفض استئناف المدعى عليها.

 

المجلس الأعلى :

وبعد الطعن بالنقض من طرف المحكوم عليهما استنادا إلى ان العلاقة التي تربط بين الطرفين هي علاقة تعاقدية، ولذلك ينبغي أعمال احكام المسؤولية العقدية على كل نزاع ترتب عن هذه العلاقة واستبعاد مقتضيات المسؤولية التقصيرية، وعلى ذلك فالفصل 88 من ق ل ع، لا ينطبق على النازلة، ويتعلق بالاغيار الذين لا يربطهم أي عقد مع المدعي، كما انه يتطلب ان يكون الشيء المحروس متحركا بقوة ذاتية، والحمام ليس كذلك لانه ثابت في مكانه ولا يتصور انه يسبب ضررا للغير.

 

وقد استجاب المجلس الأعلى للطلب، وقضى بنقض القرار استنادا إلى ان الامر يتعلق بالمسؤولية العقدية، ولا يمكن تحميل صاحب الحمام مسؤولية الحادثة الا إذا ثبت خطا من جانبه وهو ما لم تناقشه وتبحث فيه المحكمة فكان قرارها ناقص التعليل، معرضا للنقض.

 

التعليق :

يناقش هذا القرار مسؤولية مالك الحمام عن الأضرار التي تصيب المستحمين، والاطار القانوني لها والاساس الذي تبنى عليه.

ونظرا لكثرة الحوادث التي يتعرض لها هؤلاء سواء بسبب السقوط أو الاحتراق بالماء، أو غيرهما، فانه من الطبيعي ان يحتدم الجدل بين الطرفين، وان يسعى كل منهما للتكييف القانوني الذي يحمي مصالحه.

 

فالمتضرر يرى بان حارس الشيء يتحمل مسؤولية الشيء الموجود في حراسته سواء كان عقارا أو منقولا متحركا أو ثابتا، ومسؤوليته قانونية ومفترضة، ولا يمكنه التخلص منها الا إذا اثبت الشرطين الواردين في الفصل 88 من ق ل ع وهما فعله ما كان ضروريا لتفادي الحادث، ووجود قوة قاهرة أو سبب اجنبي أو خطا المتضرر.

 

في حين يجنح صاحب الحمام إلى ان مسؤوليته لا يمكن ان تقوم الا في إطار الفصل 78 من ق ل ع بعد اثبات خطا أو تقصير من جانبه يكون هو السبب في حدوث الضرر، أي ان النقاش يدور حول عبء الاثبات والطرف الذي يقع عليه.

والمجلس الأعلى انتصر لهذا الراي الاخير واعتبر ان هناك عقدا بين الطرفين يتحمل بموجبه مالك الحمام الطرف المدعى عليه التزاما ببذل عناية فقط ولا يمكن افتراض مسؤوليته، بل لا بد من اثبات صدور خطا أو تقصير من جانبه، وبالتالي يجب على المتضرر اثبات ذلك.

 

وهذا الاتجاه القضائي ليس جديدا اذ سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط ان اتخذته منذ 24/12/1934.

كما سبق للمجلس الأعلى ان اصدر قرارا تحت عدد 397 بتاريخ 28/12/1979 في الملف المدني 78 و552 جاء فيه :

" يعد التزام صاحب الحمام تجاه زبنائه التزاما ببذل عناية، وباتخاذ الاحتياطات الضرورية لسلامتهم، وليس التزام بضمان هذه السلامة، لا يمكن التصريح بمسؤولية صاحب الحمام الا إذا ثبت خطا أو تقصير من جانبه(1).

 

كما ان محكمة الاستئناف بالدار البيضاء اصدرت قرارات عديدة في نفس الاتجاه ومن بينها على سبيل المثال: قرار عدد 5041 بتاريخ 13/7/1995 في الملف المدني 6492/94.

 

واخيرا فان المحاكم الابتدائية بدورها امتثلت لاتجاه المجلس الأعلى ونحت في احكامها في الاونة الأخيرة هذا المنحى، ومن ذلك الاحكام الاتية الصادرة عن ابتدائية بن امسيك اخيرا :

ـ حكم 46/97 بتاريخ 22/01/97 ملف 637/96.

ـ حكم 291/97 بتاريخ 20/3/97 ملف 209/96.

ـ حكم 381/97 بتاريخ 30/04/97 ملف 235/96.

ـ حكم 373/97  بتاريخ 30/04/97 ملف 606/96.

ـ حكم 472/97 بتاريخ 21/5/97 ملف 113/97.

ـ حكم 538/97 بتاريخ 4/6/97 ملف 699/97.

ـ حكم 582/97 بتاريخ 18/06/97 ملف 252/97.

ـ حكم 577/97 بتاريخ 18/06/97 ملف 221/97.

ـ حكم 651/97 بتاريخ 30/7/97 ملف 335/97.

ـ حكم 700/97 بتاريخ 30/7/97 ملف 286/97.

ـ حكم 704/97 بتاريخ 17/9/97 ملف 433/97.

ـ حكم 960/97 بتاريخ 26/11/97 ملف 285/97.

ـ حكم 871/97 بتاريخ 05/11/97 ملف 393/97.

ـ حكم ابتدائية انفا 209 بتاريخ 13/01/92 ملف 2070/91.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 : مجلة المحاكم المغربية عدد 63 ص 87.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهكذا يتضح بان الاجتهاد القضائي حسم في الامر، واعتبر ان الامر يتعلق بمسؤولية عقدية والتزام ببذل مجرد عناية، مما يضع على عاتق المدعين عبء اثبات خطا المدعى عليهم، وهو ما يتعذر في كثير من الاحيان وينتج عنه ضياع حقوق هؤلاء.

 

وهذا ما حدا ببعض الاصوات إلى المطالبة بعدول المجلس عن اجتهاده (1) واعتماد مسؤولية حارس الشيء طبقا للفصل 88 ق ل ع معتمدا في ذلك على ان كلمة الشيء يمكن ان تشمل العقار والمنقول(2).

 

وفي راينا المتواضع، فان تكاثر الحوادث التي تصيب المستحمين وعجزهم عن اثبات خطا صاحب الحمام يحتم البحث عن مخرج قانوني يحقق العدل والانصاف، ويمكن تحقيق هذه الغاية حتى في إطار المسؤولية العقدية ذاتها وفق التدرج الذي عرفه الاجتهاد الفقهي والقضائي في فرنسا بالنسبة لعقود النقل

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 : محمد عطاف الرئيس الأول لاستئنافية ورزازات سابقا مجلة المحاكم المغربية عدد 63 ص 91 وما بعدها في تعليق

     له على قرار المجلس الأعلى عدد 397 المشار اليه، حيث يرى بان الغرفة الإدارية التي اصدرت نظرت في

     القضية بصفة استثنائية لان الموضوع لا علاقة له بالقانون الإداري، ومن تم لا يمكن اعتماد هذا الاتجاه على انه

     الراي السديد، ونتمنى ان تتاح الفرصة للغرفة المدنية الأولى المختصة لمناقشة الموضوع، وان تتراجع وتعتمد

     مسؤولية حارس الشيء والقائمة على اساس الخطا المفترض في جانب مالك الحمام لا يمكنه دفعها الا باثبات

     الشرطين الواردين في الفصل 88 ق ل ع، ولا مانع بعد ذلك من اللجوء إلى قواعد تشطير المسؤولية، وتحميل

     المتضرر جزءا منها لكن يبدو ان المجلس الأعلى لم يلتفت لهذا النداء لحد الان.

2 : محمد الكشبور : حراسة الاشياء طبيعتها واثارها ص 32.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والشغل قبل التدخل التشريعي فقد كانت الحوادث التي يقع ضحيتها مستعملو وسائل النقل العمومية أو العمال في أماكن عملهم تخضع في البداية إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية وما يترتب على ذلك من الزام المتضرر باثبات الاركان الثلاثة لهذه المسؤولية وهي :

ـ خطا الناقل أو رب العمل.

ـ حصول ضرر لمنقول أو العامل.

ـ وجود علاقة سببية بينهما.

 

لكن الواقع ابان عن عجز كثير من ضحايا هذا النوع من الحوادث عن اثبات الركن الأساسي وهو الخطا، ويحرمون بسبب ذلك من التعويض عن الاضرار التي تصيبهم، وازداد الوضع استفحالا نتيجة التقدم الصناعي والتكنولوجي، وظهور الات ميكانيكية وأدوات العمل في غاية من التعقيد ووسائل نقل متطورة ذات قوة هائلة وسرعة عالية، وصاحب كل ذلك ارتفاع الاصابات في صفوف مستعملي هذه الوسائل والذين يكون اغلبهم من الفقراء والمحتاجين، واصبحوا يتحملون لوحدهم ضريبة التقدم الصناعي في حين يجني غيرهم ثماره (1).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 : يعتبر الاثبات شيئا اساسيا في جميع الدعاوى لانه هو الذي يحدد مصيرها، والاصل ان المدعي هو الذي يتحمل عبء هذا الاثبات، لكن تطبيق هذا المبدأ على اطلاقه وفي جميع انواع دعاوى المسؤولية، ادى إلى مآسي اجتماعية واوضاع انسانية يأباها منطق العقل والانصاف من جهة، كما ان التقدم الصناعي والتكنولوجي وما صاحبه من ظهور الالات الضخمة والمعقدة وذات القوة الهائلة في جميع مجالات العمل، لدرجة اصبح الانسان عبدا لها أو على الاقل رهينة لها، كل ذلك نتج عنه ان المتضرر في كثير من الحوادث التي تسببها هذه الالات يصعب بل يستحيل عليه اثبات خطا حارسها، وبالتالي يبقى محروما من التعويض على الاضرار التي تصيبه من جراء هذه الحوادث.

وقد ظهر حجم المشكل جليا في التشريع الفرنسي ( الفصل 1384 من القانون المدني الفرنسي) وخاصة في ميدان حوادث الشغل، قبل ان يستقل بتنظيمه القانون المؤرخ بـ 19/04/1989 والذي يجعل مسؤولية المشغل قائمة بدون أي خطا منه لانها تبنى على نظرية تحمل التبعية.

وبذل القضاء الفرنسي مجهودا كبيرا لتأويل الفقرة الأولى من الفصل 1384 انتهى فيه إلى قلب عبء الاثبات، وافتراض الخطأ من جانب حارس الالة.

وتجلى ذلك واضحا من القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 16/6/1896 ثم قرار غرف هذه المحكمة مجتمعة بتاريخ 13/02/1930 والذي اصل القاعدة بان مسؤولية حارس الشيء موضوعية، ولا يستطيع التملص منها بادعائه عدم ارتكاب أي خطا من جانبه، بل لابد له من اثبات ان الضرر ناتج عن قوة قاهرة، أو حادث فجائي، أو نتيجة سبب اجنبي كفعل المضرور نفسه.

وقد توج المشرع الفرنسي هذا المجهود باصدار قانون 5/7/1985 الذي وسع من مجال هذه المسؤولية.

ـ غازي عبد الرحمن ناجي : المسؤولية في الاشياء وتطبيقاتها في الدول العربية ص 75.

ـ مامون الكزبري : نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات المغربي جزء 1 ص 475

ـ محمد الكشبور : م س ص 32 وما بعدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا ما حدا بالقضاء والفقه الفرنسيين إلى التفكير في الوسائل القانونية التي يمكن ان تخفف من وطاة هذه الماسي وتحقق العدل والانصاف لفئة تساهم بجهد كبير في تنمية وازدهار البلاد، وقد وجدا ضالتهما في ما ياتي :

1)  التوسع في مفهوم الخطا ليشمل حتى الاهمال البسيط الذي يرتكبه المتضرر نفسه.

 

2)  التساهل في اثبات الخطا، واعتماد أية قرينة مهما كانت بسيطة للقول بوجود الخطا لدرجة اعتبر مجرد وقوع الحادث وحصول الضرر قرينة على ثبوت الخطا (1).

 

3) الركون إلى المسؤولية العقدية، واعتبار عقد العمل وعقد النقل يتضمن التزاما بالسلامة البدنية للعامل والمنقول يقع على كاهل رب العمل والناقل، ولا يمكنهما التحلل منه الا باثبات ان الضرر ناتج عن سبب اجنبي أو خطا المتضرر أو قوة قاهرة.

 

4) صياغة نظرية عامة لمسؤولية حارس الشيء اعتمادا على الفصل 1384 من القانون المدني الفرنسي الفقرة الأولى تكون مسؤولية مبنية على الضرر فقط واعفاء المتضرر من اثبات أي خطا من جانب الحارس، كما تم التلطيف من حدة ركن العلاقة السببية حيث لم يعد القضاء يشترط ان تكون مباشرة أي في صورة تدخل ايجابي للشيء، لان ذلك يرهق كاهل الضحايا في اغلب الحوادث ولا يقل صعوبة عن اثبات الخطا ذاته، وتم تجاوز كل تفرقة بين الاشياء الخطيرة التي تتطلب عناية خاصة عند الاستعمال، وغيرها من الاشياء العادية، كما تم توسيع دائرة الشيء المحروس ليشمل كل المنقولات والعقارات والتي لم يرد بشانها نص خاص.

واخير تم اعتماد عدة نظريات في تحديد مدلول الحراسة لتشمل :

الحراسة بمدلولها الاقتصادي ( La garde économique )

والحراسة القانونية : ( La garde juridique)

والحراسة الفعلية : (La garde effective)

ويتضح مما سبق ان الاجتهاد القضائي الفرنسي معززا بجمهور الفقه بذل مجهودا كبيرا، واستعمل جميع الادوات والوسائل القانونية لحماية حقوق فئة من المتضررين كانت عاجزة عن اثبات خطا المسؤولين عن الاضرار اللاحقة بهم في إطار القواعد العامة للمسؤولية المدنية، ولم يتوان من اجل بلوغ هذه الغاية في اللجوء إلى تطويع النصوص القانونية أو قلب عبء الاثبات، بل تعدى ذلك إلى التنقل بين قواعد المسؤولية بين العقدية والتقصيرية والاستفادة من كل عنصر فيهما يكون لصالح المتضررين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– امال جلال : مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والامراض المهنية ط 77.

– عبد الواحد العلمي : الاساس القانوني  للمسؤولية عن الاشياء ووسيلة دفعها في القانون المغربي رسالة دبلوم       الدار البيضاء سنة 81/82 ص 17 وما بعدها.

1 : قرار صادر عن محكمة كرونوبل بتاريخ 17/3/1892 دالوز جهة الاجتهاد ص 924.

     نقلا عن عبد الواحد العلمي : الاساس القانوني للمسؤولية عن الاشياء رسالة دبلوم بالدار البيضاء سنة 81-82 ص

     19 الهامش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وبالرجوع إلى موضوع مسؤولية مالك الحمام في بلادنا وفي ضوء اجتهاد المجلس الأعلى  موضوع هذا التعليق والذي يكرس ما سبق ان ذهب إليه في نوازل مماثلة من تاسيس هذه المسؤولية على الخطا الواجب الاثبات، لابد من التاكيد مرة أخرى على ان الوقت قد حان للتفكير في تكييف آخر لاساس هذه المسؤولية يحقق العدل والانصاف، ويضع حدا للماسي التي يعيشها المصابون اثناء استحمامهم خاصة وان أغلبيتهم تكون من الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، والتي لا ترتاد الحمام للنزهة والترفيه، ولكنها مضطرة لذلك وتحت وطاة الحاجة الملحة.

 

ومن جهة أخرى يلاحظ بان وضعية الحمامات ببلادنا في كثير من الحالات جد مزرية، وتفتقر إلى ابسط مظهر العناية والنظافة، وليست فقط مكانا للاصابة بعدة امراض خاصة الجلدية منها، ولكنها ساحة لسقوط عدة ضحايا لاسباب عديدة تشترك كلها في كون مصدرها عدم الاهتمام بمرافق الحمام وافتقاره لضوابط السلامة، وقواعد النظافة، وهو ما يشكل اهمالا وتقصيرا من جانب مالك أو مستغل الحمام ينتج عنه ضرر للمستحمين وينبغي تحميله مسؤولية جبر هذا الضرر، سواء على اساس مسؤولية حارس الشيء طبقا للفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود أو في إطار المسؤولية العقدية على اساس ان المستحم يعطي مقابلا ماليا لحارس الحمام والذي يتعهد بالالتزام بضمان السلامة البدنية لزبنائه.

 

وهكذا يمكن القول بان العقد بين صاحب الحمام وزبنائه يتضمن التزاما بضمان السلامة البدنية لهؤلاء يقع على صاحب الحمام ولا يمكنه التخلص من تبعاته الا إذا اثبت صدور خطا من المتضرر أو وجود قوة قاهرة أو سبب اجنبي، لانه لا يتصور ان احدا من المستحمين سيرتاد الحمام إذا كان على علم بان الرابطة بينه وبين صاحب الحمام لا تضمن سلامته البدنية، وبانه قد يخرج من الحمام معاقا أو جثة محمولة.

 

ومما سيساعد على تبني نظرية الالتزام بضمان السلامة كون اصحاب الحمامات يؤمنون مسؤولياتهم المدنية، وبان شركات التامين ستحل محلهم في الضمان وستضع ذلك في الحسبان عند ابرام عقد التامين وتحديد اقساطه كما ان ذلك سيكون حافزا لاصحاب الحمامات للحرص على نظافة الحمامات وتجهيزها بالتجهيزات الضرورية لضمان السلامة : كالزليج الغير القابل للانزلاق، وتخصيص عمال للنظافة على الدوام، ومراقبة درجة حرارة المياه.

 

ومن جهة اخرى فانه طبقا للفصل 743 من ق ل ع فان اصحاب الفنادق والنزل ومن يكرون الدور أو الغرف المفروشة وملاكي الحمامات يسالون عن هلاك وتعيب وسرقة الاشياء والامتعة التي ياتي بها النزلاء والرواد في محلاتهم، ويبطل كل شرط من شانه ان يبعد أو يقيد مسؤولية الأشخاص السابقين على نحو ما هو مقرر في القانون، فاذا كانت مسؤولية الحفاظ على الامتعة والاشياء التي ياتي بها المستحم للحمام تقع على عاتق مالكه بحكم القانون، ويحظر عليه وضع أي شرط مخالف يمكنه من التحلل منها فكيف لا يتحمل بالالتزام بالسلامة البدنية لهذا المستحم نفسه ؟ (1) ثم ان كل مالك أو مستغل للاماكن العمومية التي يرتادها الجمهور كالمجتمعات والاسواق التجارية الكبرى وقاعات الرياضة والمسابح يلتزم بضمان السلامة البدنية لمرتادي هذه المحلات، وفي هذا الصدد اصدرت محكمة السين الفرنسية بتاريخ 22-6-1955 قرارا مشهورا يقضي على صاحب متجر باداء تعويض لفائدة زبونة بسبب سقوطها فوق السلم الخشبي المؤدي إلى قاعة البيوعات(2) كما ان المجلس الأعلى اصدر قرارا بتاريخ 28/5/1986 حول اصابة شخص اثناء قيامه بتمارين رياضية اضطرته إلى اجراء عملية جراحية على عموده الفقري(3). واقر المجلس في هذا القرار مبدأ مهما وهو ان تغيير اساس الدعوى من المسؤولية التقصيرية إلى العقدية في المرحلة الاستئنافية لا يعد طلبا جديدا ويستوجب تطبيق مقتضيات الفصل 143 من قانون المسطرة المدنية.

 

والخلاصة التي يمكن الخروج بها مما تقدم هي ان مسؤولية مالك أو مستغل الحمام تجاه زبنائه هي مسؤولية موضوعية مبنية على قرينة الخطا المفترض من جانبه، ويلتزم بتعويض الاضرار التي يتعرض لها هؤلاء اثناء استحمامهم سواء على اساس مسؤولية حارس  الشيء أو على اساس المسؤولية العقدية المتضمنة للالتزام بضمان السلامة البدنية قياسا على مسؤولية ارباب المحلات التجارية وقاعات الالعاب الرياضية، وعلى مسؤولية اصحاب الفنادق والحمامات عن هلاك أو تعيب أو اتلاف وسرقة امتعة زبناء هذه المرافق لان المنطق السليم لا يقبل ان تكون قيمة هذه الاشياء أغلى واثمن من حياة مالكيها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 : عبد القادر العرعاري : النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المغربي الجزء الاول ص 296.

2 : عبد القادر العرعاري : النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المغربي ص 282 هامش 109.

3 : قضاء المجلس الأعلى عدد 40 سنة 1987.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مجلة الاشعاع، العدد 25، ص : 288.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى