في الواجهةمقالات قانونية

مسؤوليه الشريك في الشركة ذات المسؤوليه المحدودة عن ضمان ديونها الباحث : علي بن سعيد أحمد البرعمي اشراف  الأستاذ الدكتور سهیل حدادين

مسؤوليه الشريك في الشركة ذات المسؤوليه المحدودة عن ضمان ديونها

The Liability of a Partner in a Limited Liability Company for Guaranteeing Its Debts

الباحث : علي بن سعيد أحمد البرعمي

باحث بصف الدكتوراه في القانون الخاص كلية الحقوق الجامعة الأردنية , عمان , الأردن

اشراف  الأستاذ الدكتور سهیل حدادين

 

رابط DOI

https://doi.org/10.63585/ZIGE5026

ملخص

يتناول هذا البحث مسؤولية الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة تجاه ضمان ديونها، حيث يعد هذا النوع من الشركات الأكثر انتشارًا نظرًا لما يوفره من حماية قانونية للشركاء، بحيث تقتصر مسؤوليتهم على مقدار حصصهم في رأس المال دون امتدادها إلى أموالهم الشخصية. ومع ذلك، تثير هذه الميزة إشكالية تتعلق بحقوق الدائنين، خاصة في حال تعثر الشركة ماليًا أو تصفيتها.

يهدف البحث إلى تحليل التشريعات الأردنية المتعلقة بمسؤولية الشركاء، لا سيما المواد (53-76) من قانون الشركات، ومقارنتها بالقوانين المقارنة لإبراز الفروق التشريعية. كما يتناول البحث حدود مسؤولية الشريك والحالات التي يمكن أن يُلزم فيها بديون الشركة، خاصة إذا ثبت وجود تحايل أو إساءة استخدام للشخصية الاعتبارية للشركة.

تناول البحث أيضًا دور رأس المال في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، مبينًا أن الحد الأدنى له في الأردن دينار واحد فقط، مما أثار جدلًا حول مدى كفايته كضمان للدائنين. كما ناقش البحث أنواع الحصص (نقدية وعينية) وشروط تقديمها، وأهمية الرقابة القانونية عليها.

خلص البحث إلى عدة نتائج، منها الحاجة إلى تعديل المادة (53) من قانون الشركات لتوضيح مسؤولية الشريك المفوض، وضرورة إعادة النظر في الحد الأدنى لرأس المال لضمان الجدية والالتزامات المالية. كما أوصى بتشديد الرقابة على المديرين ومنع استغلال الشركات لأغراض احتيالية، مع الاستفادة من التجربة التشريعية الفرنسية لتعزيز حماية الدائنين.

 

 

Abstract

This research examines the liability of a partner in a limited liability company (LLC) regarding its debts. The LLC is one of the most widely used business structures due to the legal protection it offers to partners, limiting their liability to their share in the company’s capital without extending to their personal assets. However, this feature raises a legal issue concerning the rights of creditors, especially in cases of financial distress or company liquidation.

The study aims to analyze Jordanian legislation on partner liability, particularly Articles (53-76) of the Companies Law, and compare them with French laws to highlight legislative differences. It explores the limits of partner liability and cases where a partner may be held accountable for company debts, especially in instances of fraud or misuse of the company’s legal entity.

The research also examines the role of capital in LLCs, noting that the minimum capital requirement in Jordan is only one Jordanian dinar, which has sparked debate over its adequacy as a financial guarantee for creditors. Additionally, it discusses the types of shares (monetary and in-kind), their submission conditions, and the importance of legal oversight.

The study concludes with several findings, including the need to amend Article (53) of the Companies Law to clarify the liability of the managing partner, reconsider the minimum capital requirement to ensure financial credibility, and enhance legal supervision over managers to prevent fraudulent activities. It also recommends adopting lessons from French legislation to strengthen creditor protection.

 

مقدمة

تُعد الشركة ذات المسؤولية المحدودة من أبرز الأشكال القانونية للشركات التجارية التي لاقت انتشارًا واسعًا في الأنظمة القانونية الحديثة، نظرًا لما توفره من مزايا تجمع بين خصائص شركات الأشخاص وشركات الأموال، مما يمنحها طبيعة قانونية مختلطة تميزها عن غيرها من الكيانات التجارية. فهي تشكل نموذجًا متوازنًا يجمع بين عنصر الثقة والاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه شركات الأشخاص، وبين عنصر رأس المال والاعتبار المالي الذي يعد جوهر شركات الأموال. وهذا المزيج الفريد يضفي عليها مرونة قانونية وتنظيمية تجعلها الخيار الأمثل للعديد من المشاريع الاستثمارية، سواء كانت صغيرة، متوسطة، أو حتى كبيرة، حيث توفر لأصحابها الحماية القانونية وتحدّ من المخاطر المالية التي قد تواجههم.

تكمن الطبيعة المختلطة للشركة ذات المسؤولية المحدودة في أن مسؤولية الشركاء فيها تكون محدودة بقدر مساهمتهم في رأس المال، مما يمنحهم أمانًا ماليًا وقانونيًا، حيث لا تمتد التزاماتهم إلى أموالهم الشخصية، خلافًا لما هو معمول به في شركات الأشخاص التي يتحمل فيها الشركاء مسؤولية غير محدودة عن ديون الشركة. ويعني ذلك أن الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة لا يُطالب إلا في حدود حصته، ولا يُمكن لدائني الشركة الرجوع على أمواله الخاصة لتغطية ديونها، مما يجعلها بيئة استثمارية آمنة تتيح للأفراد والمستثمرين إنشاء مشاريع دون المجازفة بثرواتهم الشخصية.

وقد حرص المشرّع الأردني على تنظيم أحكام الشركة ذات المسؤولية المحدودة بشكل دقيق ضمن قانون الشركات الأردني في المواد (53-76)، حيث حدد الأسس القانونية لإنشائها، وإجراءات إدارتها، وآليات اتخاذ القرارات داخلها، والحقوق والواجبات المترتبة على الشركاء، فضلاً عن الأحكام المتعلقة بتصفيتها وانقضائها. وتبرز أهمية هذا التنظيم القانوني في توفير إطار واضح يحكم هذا النوع من الشركات، بما يضمن تحقيق العدالة بين الشركاء وحماية مصالح الدائنين والمساهمين على حد سواء.

وبالنظر إلى الطبيعة القانونية لهذه الشركة، نجد أنها تمنح الشركاء ميزات عديدة، من بينها سهولة التأسيس وانخفاض المتطلبات المالية مقارنة بشركات الأموال، مما يُعزز من دورها في دعم بيئة الأعمال وتشجيع رواد المشاريع الناشئة على الدخول إلى السوق التجاري بثقة. كما أنها تمنح حرية واسعة في الإدارة مقارنة بالشركات المساهمة العامة، إذ يمكن أن يتولى إدارتها مدير أو أكثر يتم تعيينهم من قبل الشركاء، مما يتيح مرونة أكبر في تسيير الأعمال دون الحاجة إلى تعقيدات بيروقراطية.

إن دراسة طبيعة الشركة ذات المسؤولية المحدودة تساعد في فهم دورها ككيان قانوني قادر على استيعاب مختلف الأنشطة الاقتصادية، وتوضّح كيفية تحقيق التوازن بين مصالح الشركاء والمستثمرين والدائنين، مما يجعلها أحد أكثر أنواع الشركات استخدامًا في العصر الحديث، خاصة في القطاعات التي تحتاج إلى حماية قانونية للمستثمرين دون التقييد بصرامة الأنظمة التي تحكم الشركات المساهمة العامة.

إشكالية البحث

تُعد الشركة ذات المسؤولية المحدودة من أبرز الأشكال القانونية للشركات التي توفر حماية للشركاء من المسؤولية المطلقة، حيث تكون مسؤوليتهم محدودة بقدر حصصهم في رأس المال، دون أن تمتد إلى أموالهم الشخصية أو ذممهم المالية الخاصة. وهذه الميزة تُشكل أحد أهم عوامل جذب المستثمرين لإنشاء هذا النوع من الشركات، لما توفره من أمان قانوني يقلل من المخاطر المالية التي قد يواجهها الشريك.

لكن هذه الميزة في الوقت ذاته تثير إشكالية قانونية جوهرية تتعلق بمدى كفاية الضمانات المتاحة للدائنين الذين يتعاملون مع الشركة ذات المسؤولية المحدودة، حيث أن تقييد مسؤولية الشركاء بحدود حصصهم فقط قد يؤدي إلى تقليص الحماية القانونية للدائنين، خاصة في الحالات التي تعاني فيها الشركة من أزمة مالية أو تصفية دون أن يكون لديها أصول كافية للوفاء بالتزاماتها. وهذا يقود إلى التساؤل الرئيس الذي يتمحور حول:

«هل يمكن أن تمتد مسؤولية الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة تجاه الدائنين إلى ما يتجاوز حدود حصته في رأس المال، بحيث تشمل ذمته المالية الخاصة، أم أن مسؤوليته تبقى مقيدة بما قدمه من مساهمة في الشركة؟»

تتفرع عن هذا التساؤل عدة إشكاليات فرعية، منها:

  • ما مدى كفاية الضمانات التي يوفرها المشرّع الأردني للدائنين في مواجهة الشركات ذات المسؤولية المحدودة؟
  • هل هناك حالات استثنائية يمكن فيها رفع الحماية عن الشريك وإلزامه بالوفاء بديون الشركة من أمواله الخاصة؟
  • كيف عالج القضاء الأردني هذه المسألة في التطبيق العملي؟

وبذلك، فإن هذه الإشكالية تدور حول التوازن بين حماية الشريك من المسؤولية غير المحدودة وبين ضمان حقوق الدائنين ومنع إساءة استغلال محدودية المسؤولية في التهرب من الالتزامات المالية.

 

أهمية البحث

تنبع أهمية هذا البحث من كونه يتناول مسألة قانونية ذات تأثير مباشر على بيئة الاستثمار، إذ تعتبر الشركات ذات المسؤولية المحدودة من أكثر الأشكال القانونية شيوعًا بين رواد الأعمال والمستثمرين نظرًا لما توفره من أمان قانوني يحمي الشركاء من المخاطر المالية غير المحسوبة. وفي المقابل، فإن طبيعة هذه الشركات تفرض تحديات على الدائنين الذين قد يجدون أنفسهم في مواجهة ديون غير قابلة للتحصيل بسبب حماية الشركاء من المسؤولية الشخصية.

ويهدف البحث إلى تسليط الضوء على الضمانات القانونية التي يكفلها قانون الشركات الأردني لحماية حقوق الدائنين، من خلال دراسة التشريعات الوطنية وتحليل القرارات القضائية التي تناولت هذه المسألة، وذلك لتوضيح مدى إمكانية مطالبة الشريك بالوفاء بديون الشركة من أمواله الخاصة في بعض الحالات الاستثنائية، مثل إساءة استخدام الشخصية الاعتبارية للشركة أو الاحتيال على الدائنين.

كما تكمن أهمية البحث في اقتراح حلول قانونية يمكن أن تساهم في تعزيز التوازن بين مصلحة الشركاء في الحماية المالية، ومصلحة الدائنين في الحصول على ضمانات كافية عند التعامل مع الشركة ذات المسؤولية المحدودة، مما يساهم في تحقيق الاستقرار في بيئة الأعمال وتوفير بيئة قانونية عادلة لجميع الأطراف.

 

أهداف البحث

يهدف هذا البحث إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أبرزها:

  1. توضيح المركز القانوني للشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وتحديد نطاق مسؤوليته القانونية تجاه الدائنين.
  2. تحليل التشريعات المنظمة لهذا النوع من الشركات في قانون الشركات الأردني، وبيان مدى كفايتها في تحقيق التوازن بين مصالح الشركاء والدائنين.
  3. دراسة التطبيقات القضائية في الأردن من خلال مراجعة قرارات محكمة التمييز الأردنية التي تناولت مسؤولية الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
  4. تحديد الحالات التي يمكن فيها رفع الحماية عن الشريك، والتي قد تؤدي إلى امتداد مسؤوليته لتشمل ذمته المالية الخاصة، مثل حالات إساءة استخدام الشركة أو التحايل على الدائنين.
  5. تقديم مقترحات وتوصيات تشريعية لتعزيز حماية الدائنين دون الإضرار بمزايا هذا النوع من الشركات.

منهجية البحث

لتحقيق أهداف البحث والإجابة على الإشكاليات المطروحة، سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يقوم على تحليل النصوص القانونية المتعلقة بالشركات ذات المسؤولية المحدودة في قانون الشركات الأردني، مع التركيز على المواد (53-76) التي تنظم هذا النوع من الشركات. كما سيتم تحليل قرارات محكمة التمييز الأردنية ذات الصلة، للوقوف على كيفية تعامل القضاء مع مسألة مسؤولية الشركاء تجاه الدائنين.

إضافة إلى ذلك، سيتم الاستعانة بالمناهج التالية:

  • المنهج المقارن: وذلك من خلال استعراض كيفية تعامل بعض التشريعات المقارنة مع مسؤولية الشركاء في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، مثل القوانين المعمول بها في فرنسا ومصر والإمارات، للاستفادة من التجارب التشريعية المختلفة.
  • المنهج النقدي: لتقييم مدى فعالية النصوص القانونية الحالية في تحقيق التوازن بين حقوق الشركاء وحقوق الدائنين، واقتراح تعديلات أو تحسينات عند الحاجة.

وسيتم الاعتماد على مصادر متنوعة، تشمل:

  • التشريعات والقوانين المنظمة للشركات ذات المسؤولية المحدودة في الأردن.
  • الدراسات الفقهية القانونية التي تناولت مسؤولية الشركاء في الشركات التجارية.
  • الاجتهادات القضائية، ولا سيما قرارات محكمة التمييز الأردنية، التي تقدم فهمًا عمليًا لكيفية تطبيق القانون في الواقع العملي.

 

خطة البحث :

استقر هذ الرأي إلى تقسيم هذا البحث إلى مبحثين  نبين فى المبحث الأول النظام القانوني لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة من خلال عرض حدود رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة وبيان أنواع الحصص فيها، في حين نخصص المبحث الثاني لبيان مسؤوليه الشركاء فى التركة ذات المسؤولية المحدودة من خلال بيان حدود مسؤوليه الشريك فى الشركة ذات المسؤولية المحدودة  إلى جانب مسؤولية مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة ومن ثم الخاتمة التي تتضمن أهم النتائج والتوصيات

 

المبحث الأول: النظام القانوني لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة

يُعد رأس المال عنصرًا جوهريًا في أي شركة تجارية، حيث يمثل الضمانة الأساسية لدائني الشركة ويحدد مدى قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها المالية[1]. وتتميز الشركة ذات المسؤولية المحدودة بخصوصية في تحديد رأس مالها، حيث يتم تقسيمه إلى حصص متساوية القيمة، ويقتصر تقديم الحصص على المساهمات المالية سواء كانت نقدية أو عينية، بينما لا يجوز أن تكون الحصة عبارة عن القيام بعمل، خلافًا لما هو متاح في بعض أنواع الشركات الأخرى مثل شركات الأشخاص. ويعود السبب في ذلك إلى أن الحصص النقدية والعينية هي التي تشكل الضمان الفعلي للدائنين، في حين أن الحصص العينية قد تكون غير مضمونة أو متغيرة القيمة، مما قد يؤثر على حقوق الأطراف المتعاملة مع الشركة.

وقد تبنت معظم التشريعات الدولية، ومنها التشريع الأردني، نهجًا يقضي بضرورة وجود حد أدنى لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة، لضمان وجود كيان مالي يمكنه ممارسة النشاط التجاري وتحقيق أغراضه بجدية. وشهد قانون الشركات الأردني عدة تعديلات فيما يخص الحد الأدنى لرأس مال هذه الشركات، كان أبرزها التعديل الذي نص على أن الحد الأدنى لرأس المال هو دينار أردني واحد فقط، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول مدى تأثيره على الضمانات المقدمة للدائنين وعلى مصداقية هذا الشكل من الشركات[2].

وفي هذا الإطار، سنتناول في هذا المبحث محورين رئيسيين:

  • المطلب الأول: حدود رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
  • المطلب الثاني: أنواع الحصص في الشركة ذات المسؤولية المحدودة.

المطلب الأول: حدود رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة

يُعد تحديد الحد الأدنى لرأس مال الشركات ذات المسؤولية المحدودة مسألة محورية في التشريعات التجارية، حيث يسهم في تحقيق التوازن بين تشجيع الاستثمار وتوفير ضمانات كافية للدائنين. وقد اعتمد المشرع الأردني نهجًا مرنًا في هذا السياق، حيث أجرى عدة تعديلات على مقدار رأس المال الأدنى للشركات ذات المسؤولية المحدودة، كان آخرها نظام رقم 17 لسنة 2011، الذي حدده بدينار أردني واحد فقط[3].

يلاحظ أن هذا التعديل أدى إلى إشكاليات قانونية واقتصادية، حيث ترك للشركاء حرية تحديد رأس المال في عقد تأسيس الشركة، شريطة ألا يقل عن دينار واحد. وعلى الرغم من أن موجودات الشركة وأصولها تشكل الضمانة العامة للدائنين، إلا أن هذا التعديل جعل من السهل تأسيس شركات ذات مسؤولية محدودة برأس مال رمزي جدًا[4]، مما يثير المخاوف من إمكانية استغلال هذا النظام لتأسيس شركات وهمية لا تمتلك القدرة الفعلية على ممارسة النشاط التجاري.

وقد وجهت العديد من الانتقادات لهذا التعديل الموجهة إلى الحد الأدنى الجديد لرأس المال من قبيل :

  • ضعف الضمانات الائتمانية للدائنين: عندما يكون رأس مال الشركة ضئيلًا للغاية، فإن ذلك يقلل من قدرة الدائنين على استرداد حقوقهم في حال تعرض الشركة للإفلاس أو التصفية، مما يزيد من مخاطر التعامل مع هذا النوع من الشركات.
  • إمكانية إنشاء شركات صورية: قد يلجأ بعض المستثمرين إلى إنشاء شركات وهمية برأس مال رمزي دون نية حقيقية لممارسة النشاط، مما قد يؤدي إلى استخدام هذه الشركات كوسيلة للتحايل أو التهرب من المسؤوليات القانونية.
  • التأثير السلبي على الاقتصاد الوطني: تشجيع الشركات ذات رأس المال المتدني قد يؤدي إلى ضعف بيئة الاستثمار، حيث تزداد الشركات غير الجادة، مما يخلق تحديات أمام الجهات الرقابية.

وفي بعض الدول المتقدمة ، مثل فرنسا وألمانيا، تفرض القوانين حدًا أدنى مرتفعًا لرأس المال لضمان الجدية في تأسيس الشركات، حيث يجب أن يكون لدى الشركة رأس مال كافٍ يمكن استخدامه في العمليات التجارية. أما في بعض الدول الأخرى مثل المملكة المتحدة، فقد تم إلغاء شرط الحد الأدنى لرأس المال، مع فرض أنظمة رقابية صارمة لضمان جدية الشركات في ممارسة أعمالها[5].

ونظرًا للمخاوف الناجمة عن تخفيض الحد الأدنى لرأس المال، يمكن اقتراح بعض البدائل لتعزيز حماية الدائنين، مثل:

  1. إلزام الشركات ذات المسؤولية المحدودة بتقديم تقارير مالية دورية تبين ملاءتها المالية لضمان جديتها.
  2. فرض متطلبات إضافية على الشركات ذات رأس المال المنخفض، مثل تقديم ضمانات شخصية من الشركاء أو تأمينات مصرفية.
  3. تعديل التشريع الأردني بحيث يتم رفع الحد الأدنى لرأس المال إلى مستوى يعكس حدًا أدنى من الجدية في ممارسة النشاط التجاري.

المطلب الثاني: أنواع الحصص في الشركة ذات المسؤولية المحدودة

يتكون رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة من حصص نقدية أو عينية، تُقسم إلى أجزاء متساوية القيمة، بحيث لا يجوز أن تكون هناك حصص ذات قيمة مختلفة. وقد حدد المشرع الأردني قيمة الحصة الواحدة بدينار أردني واحد كحد أدنى، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول مدى معقولية هذا الحد في تحقيق الأهداف الاقتصادية والقانونية لهذا النوع من الشركات.

ويعتبر تحديد طبيعة الحصص أمرًا بالغ الأهمية، إذ إنه يحدد الضمانات المالية التي توفرها الشركة لدائنيها، ومدى قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها المالية. فالحصص النقدية توفر سيولة مالية مباشرة لبدء عمليات الشركة، بينما تمثل الحصص العينية قيمة مادية يمكن أن تكون أصولًا داعمة لنشاط الشركة. وعلى الرغم من ذلك، فإن كل نوع من الحصص له شروطه القانونية وآثاره العملية التي يجب مراعاتها عند تأسيس الشركة.

وفي هذا السياق، سنتناول في هذا المطلب نوعي الحصص في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وهما:

  • الفرع الأول: الحصص النقدية.
  • الفرع الثاني: الحصص العينية.

الفرع الأول: الحصص النقدية

تُعد الحصص النقدية[6] الشكل الأساسي للمساهمات في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث يلتزم الشركاء بإيداع حصصهم المالية في حساب مصرفي باسم الشركة، لضمان وجود أموال فعلية تُستخدم في تمويل العمليات التجارية للشركة. وتُعتبر هذه الحصص الأساس القانوني الذي تستند إليه حقوق الشركاء في الشركة، كما أنها تُحدد نسبة توزيع الأرباح والخسائر بينهم.

أولا : الإجراءات المتبعة في تقديم الحصص النقدية:

حدد المشرع الأردني عدة ضوابط وإجراءات لضمان أن رأس المال المسجل يعكس وجود أموال فعلية يمكن استخدامها في النشاط التجاري، ومن أهم هذه الإجراءات:

  1. إيداع 50% من رأس المال عند تسجيل الشركة:
    • يتعين على الشركاء إيداع نصف قيمة رأس المال على الأقل عند تسجيل الشركة رسميًا، وذلك لضمان جدية المشروع التجاري وتوفير حد أدنى من السيولة التشغيلية.
  2. سداد بقية رأس المال خلال سنتين من تاريخ التأسيس:
    • يُلزم الشركاء بسداد النصف المتبقي من رأس المال خلال مدة أقصاها سنتان من تاريخ تسجيل الشركة، مما يتيح لهم مرونة مالية في إدارة مواردهم.
  3. إثبات عملية الإيداع من خلال مستندات مصرفية رسمية:
    • يتم توثيق إيداع الحصص النقدية بموجب إيصالات مصرفية رسمية، يتم تقديمها إلى الجهات المختصة كدليل على التزام الشركاء برأس المال المعلن عنه في عقد التأسيس.

ثانيا : أهمية الحصص النقدية في الشركات ذات المسؤولية المحدودة:

  • توفر سيولة فورية تساعد الشركة في بدء عملياتها التجارية وسداد التزاماتها التشغيلية.
  • تحقق الشفافية المالية، حيث يسهل التحقق من وجود هذه الأموال ومراقبتها من قبل الجهات الرقابية.
  • تعزز الثقة لدى الدائنين والمستثمرين، حيث إن وجود رأس مال نقدي يضمن جدية الشركة واستدامتها المالية.

ثالثا : الإشكاليات المرتبطة بالحصة النقدية:

  • قد يقتصر الشركاء على الحد الأدنى من الإيداع النقدي (مثل دينار واحد)، مما يجعل الشركة غير قادرة على مواجهة التزاماتها الفعلية، خاصة إذا لم يكن لديها مصادر تمويل أخرى.
  • عدم الالتزام بسداد النصف المتبقي من رأس المال خلال المدة القانونية قد يؤدي إلى عدم استقرار الوضع المالي للشركة.
  • عدم التحقق الفعلي من استخدام رأس المال في الأنشطة التشغيلية قد يؤدي إلى استغلال هذا النظام لتأسيس شركات غير جادة أو وهمية.

الفرع الثاني: الحصص العينية

يجوز أن يكون رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة كليًا أو جزئيًا على شكل مقدمات عينية، مثل العقارات، المعدات، براءات الاختراع، الحقوق الفكرية، أو أي أصول أخرى قابلة للتقييم النقدي. وتُعتبر الحصص العينية بديلاً مناسبًا للشركاء الذين لا يمتلكون سيولة مالية كافية، حيث يمكنهم المساهمة بأصول مادية ذات قيمة اقتصادية تعزز من رأس مال الشركة[7].

أولا : شروط تقديم الحصص العينية:

نظرًا لأن الحصص العينية تختلف عن الحصص النقدية من حيث طريقة التقدير والتقييم، فإن القانون يفرض شروطًا وإجراءات دقيقة لضمان صحتها ومصداقيتها، ومن أهم هذه الشروط:

  1. تقييم الحصص العينية من قبل خبير معتمد:
    • يجب أن يتم تقييم الأصول العينية من قبل خبير قانوني أو محاسب معتمد، وذلك لتحديد قيمتها الفعلية ومنع أي تضخيم أو تلاعب في التقييم.
  2. نقل ملكية الحصة العينية إلى اسم الشركة خلال 30 يومًا من تسجيلها:
    • يُلزم الشريك الذي يقدم حصة عينية بنقل ملكيتها إلى الشركة رسميًا خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ تسجيل الشركة، لضمان أن هذه الأصول أصبحت جزءًا من رأس مال الشركة[8].
    • إذا لم يتم نقل الملكية خلال هذه الفترة، فإنه يتم اعتبار الحصة العينية كأنها مساهمة نقدية، مما قد يؤدي إلى مشاكل قانونية في توزيع الحصص بين الشركاء.
  3. منع الشريك من المطالبة باسترداد الحصة العينية بعد تسجيلها:
    • بمجرد تقديم الحصة العينية إلى الشركة، يفقد الشريك أي حق في استردادها أو المطالبة باستخدامها، حيث تصبح هذه الأصول ملكًا للشركة وليس للشريك المساهم بها[9].
    • عند تصفية الشركة، يتم معاملة الحصة العينية كجزء من أصول الشركة ولا يجوز استرجاعها كملكية شخصية للشريك الذي قدّمها.

ثانيا : أهمية الحصص العينية:

  • تمكّن الشركاء من المساهمة بأصول ذات قيمة اقتصادية دون الحاجة إلى سيولة نقدية.
  • تزيد من موجودات الشركة، مما يساهم في تعزيز الضمانات المالية المتاحة للدائنين.
  • تسمح للشركات الناشئة ببدء أعمالها باستخدام الأصول المادية مثل المعدات أو العقارات بدلاً من رأس المال النقدي.

ثالثا : الإشكاليات المرتبطة بالحصة العينية:

  • صعوبة تقدير القيمة الفعلية للأصول العينية قد يؤدي إلى مبالغة أو تقليل قيمتها عند التسجيل.
  • إمكانية تدهور قيمة بعض الأصول العينية بمرور الوقت، مما قد يؤثر على الموقف المالي للشركة.
  • تعقيدات قانونية في نقل الملكية، خاصة عند التعامل مع عقارات أو أصول ذات حقوق امتياز أو ملكية فكرية
  • صعوبة تصفية الحصص العينية مقارنة بالحصص النقدية، حيث إن تحويل الأصول العينية إلى سيولة نقدية عند تصفية الشركة قد يكون معقدًا ويستغرق وقتًا أطول.

المبحث الثاني: مسؤولية الشركاء في الشركة ذات المسؤولية المحدودة

تُعتبر مسؤولية الشركاء في الشركة ذات المسؤولية المحدودة من المواضيع القانونية المهمة التي تثير جدلًا فقهيًا وقضائيًا، نظرًا للطبيعة الخاصة لهذه الشركات التي تجمع بين خصائص شركات الأموال وشركات الأشخاص. وتُستند هذه المسؤولية إلى المبادئ العامة في القانون، والتي تقوم على فكرة استقلال الذمة المالية للشركة عن ذمم الشركاء الشخصية، مما يحدّ من التزاماتهم تجاه الدائنين ويمنع امتداد المسؤولية إلى أموالهم الخاصة، إلا في حالات استثنائية[10].

وتقوم الطبيعة التعاقدية بين الشركاء على مبدأ حرية التعاقد، حيث يملكون الحق في تحديد شروط إدارة الشركة ومسؤوليات كل طرف وفقًا لعقد التأسيس والنظام الأساسي، مع الالتزام بالأحكام القانونية التي تنظم هذا النوع من الشركات. وعند وقوع نزاع بين الشركاء أو عند وجود التزامات تجاه الغير، يتم الرجوع إلى النصوص القانونية المعمول بها في قانون الشركات الأردني، لا سيما المادتين (53) و(157)، واللتين تثيران تفسيرات قضائية متباينة حول نطاق مسؤولية الشركاء.

وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين أساسيين:

  • المطلب الأول: حدود مسؤولية الشريك.
  • المطلب الثاني: مسؤولية مدير الشركة (الشريك المفوض).

 

المطلب الأول: حدود مسؤولية الشريك

سنتولى تقسيم هذا المطلب الى محورين الأول يتعلق بالأساس القانوني لمسؤولية الشريك في حين المحور الثاني الى الإشكاليات القانونية والقضائية حول مسؤولية الشريك

أولًا: الأساس القانوني لمسؤولية الشريك

لم يُحدد المشرّع الأردني بشكل صريح طبيعة المسؤولية المترتبة على الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، لكنه أشار إليها ضمن المادة (53) من قانون الشركات، والتي تؤكد على أن مسؤولية الشريك تنحصر في حدود حصته في رأس المال. ومع ذلك، فإن بعض الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية اتخذت اتجاهًا مختلفًا، حيث استندت إلى المادة (157) من قانون الشركات لتوسيع نطاق مسؤولية بعض الشركاء في حالات معينة.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن مسؤولية الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة تتحدد وفقًا للأحكام التالية:

  1. الأصل العام: الشريك لا يكون مسؤولًا عن ديون الشركة إلا بقدر حصته في رأس المال.
  2. الاستثناءات: في بعض الحالات، قد يتم تحميل الشريك مسؤولية أوسع، مثل الحالات التي يثبت فيها إساءة استخدام الشخصية الاعتبارية للشركة أو ارتكاب أفعال احتيالية.

وفي القانون الفرنسي، فإن الشركات ذات المسؤولية المحدودة (Société à responsabilité limitée – SARL) تخضع لأحكام المادة L223 من القانون التجاري الفرنسي، والتي تنص على أن مسؤولية الشريك لا تتجاوز مقدار مساهمته في رأس المال. ولكن القانون الفرنسي يضع استثناءات لهذه القاعدة في حالات معينة، منها:

  1. إذا قام الشريك بتصرفات احتيالية تؤدي إلى إخفاء حقيقة الذمة المالية للشركة أو التحايل على الدائنين.
  2. إذا استخدم الشريك الشركة كواجهة لغسيل الأموال أو لأغراض غير قانونية.
  3. إذا كان الشريك مديرًا للشركة وقام بأعمال تؤدي إلى إفلاس الشركة بسبب إدارته السيئة، فإنه قد يُحمَّل مسؤولية أوسع.

ثانيًا: الإشكاليات القانونية والقضائية حول مسؤولية الشريك

تثار العديد من الإشكاليات القانونية و القضائية حول مسؤولية الشريط منها المتعلق بتضارب النصوص القانونية و أخرى تتعلق بالقضاء و مدى اعتماده على النصوص القانونية المتضاربة في هذا المجال

1- التناقض بين المادة (53) والمادة (157) من قانون الشركات

تُظهر الاجتهادات القضائية وجود تناقض بين المادة (53) والمادة (157) من قانون الشركات فيما يتعلق بتحديد مدى مسؤولية الشريك عن ديون الشركة.

  • المادة (53) تنص على أن مسؤولية الشريك تقتصر على مقدار حصته في رأس المال، ولا يجوز للدائنين الرجوع على أمواله الخاصة.
  • المادة (157) تشير إلى إمكانية مساءلة الشريك أو المدير المفوض بالتضامن مع الشركة في بعض الحالات، مثل سوء الإدارة أو التسبب في أضرار للدائنين عن طريق أعمال احتيالية.

2- موقف القضاء الأردني و الفرنسي من مسؤولية الشريك

أصدرت محكمة التمييز الأردنية عددًا من القرارات التي تؤكد على أن الأصل في مسؤولية الشريك هو محدوديتها ضمن نطاق الحصة التي ساهم بها[11]، ولكنها وسعت نطاق المسؤولية في بعض الحالات[12]، ومنها:

  • إذا ثبت أن الشركة كانت تُستخدم كواجهة قانونية للاحتيال على الدائنين.
  • إذا قام الشريك بالتصرف في أموال الشركة بطريقة تضر بالدائنين أو تؤدي إلى خسائر متعمدة.
  • إذا كان الشريك هو المدير المفوض وقام بإدارة الشركة بأسلوب غير مشروع أو يتعارض مع القوانين المعمول بها.

اما في فرنسا، فيتبنى القضاء موقفًا أكثر حزمًا في مساءلة الشركاء والمديرين عن الأضرار التي تلحق بالدائنين. ومن خلال قرارات محكمة النقض الفرنسية، يمكن ملاحظة أن القضاء الفرنسي يميل إلى توسيع نطاق المسؤولية في حالات مثل:

  • إذا ثبت أن الشريك كان متورطًا في إدارة الشركة بشكل فعلي، رغم أنه ليس المدير القانوني.
  • إذا تم إثبات سوء النية في القرارات المالية والإدارية التي تسببت في خسائر جسيمة للدائنين.
  • إذا كانت هناك حالات إفلاس احتيالي تم فيها تهريب أصول الشركة أو نقل أموالها بطريقة مشبوهة[13].

 

 

3- الحلول المقترحة لتوحيد موقف القضاء

بناءً على التناقضات القائمة، يُقترح أن يقوم المشرّع الأردني بتعديل المادة (53) من قانون الشركات بحيث يتم توضيح الحالات التي يمكن فيها تحميل الشريك مسؤولية إضافية عن ديون الشركة، وخاصة في الحالات التي يتبين فيها وجود تجاوزات قانونية في إدارة الشركة.

 

المطلب الثاني: مسؤولية مدير الشركة (الشريك المفوض)

يُعتبر المدير (الشريك المفوض) هو الممثل القانوني للشركة، حيث يتولى تنفيذ القرارات الإدارية وإبرام العقود وإدارة النشاط اليومي للشركة. وبسبب هذا الدور، فقد يتحمل المدير مسؤولية قانونية أكبر مقارنة بباقي الشركاء، خصوصًا إذا تجاوز حدود صلاحياته أو ارتكب أعمالًا تؤدي إلى الإضرار بالشركة أو بالغير[14].

تنقسم مسؤولية الشريك المفوض إلى مسؤولية تقصيرية و أخرى عقدية :

الفرع الأول: المسؤولية التقصيرية للشريك المفوض

وفقًا للمادة (256) من القانون المدني الأردني، فإن كل من يُلحق ضررًا بالغير نتيجة أفعال غير مشروعة يكون مسؤولًا عن التعويض. وفي القانون الفرنسي، تنص المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي على نفس المبدأ، حيث يكون المدير مسؤولًا عن أي ضرر يلحق بالشركة أو بالدائنين إذا ثبت أنه قام بأفعال تنطوي على إهمال جسيم أو سوء نية.

ومن شروط قيام المسؤولية التقصيرية للشريك المفوض:

  1. وجود خطأ: إذا قام الشريك المفوض بأفعال تتجاوز سلطته القانونية أو كانت غير مشروعة.
  2. حصول ضرر: يجب أن يكون هناك ضرر مباشر نتج عن هذا الخطأ.
  3. العلاقة السببية بين الخطأ والضرر: أي أن الضرر وقع كنتيجة مباشرة للخطأ الذي ارتكبه المدير.

أمثلة على المسؤولية التقصيرية للمدير:

  • التلاعب في حسابات الشركة أو تقديم بيانات مالية مضللة.
  • الإضرار بمصالح الدائنين من خلال اتخاذ قرارات مالية غير محسوبة.
  • ارتكاب أعمال تتنافى مع حسن الإدارة، مما يؤدي إلى خسائر للشركة.

الفرع الثاني: المسؤولية العقدية للشريك المفوض

في القانون الأردني، تنشأ المسؤولية العقدية عندما يخلّ الشريك المفوض بالتزاماته التعاقدية[15] تجاه الشركة أو الشركاء أو الأطراف الأخرى المتعاملة مع الشركة، وهو ما نصت عليه المادة (61) من قانون الشركات. أما في القانون الفرنسي، فتؤكد المادة L223-22 من القانون التجاري الفرنسي على أن المدير يتحمل مسؤولية شخصية إذا تصرف خارج نطاق صلاحياته أو تجاوز أحكام القانون الأساسي للشركة.

ومن شروط قيام المسؤولية العقدية:

  1. وجود عقد صحيح يحدد الالتزامات (مثل عقد تأسيس الشركة أو النظام الأساسي).
  2. إخلال الشريك المفوض بالالتزامات المترتبة عليه وفقًا للعقد.
  3. وجود ضرر ناجم عن هذا الإخلال.

مثال على المسؤولية العقدية للشريك المفوض:

  • إذا تجاوز الشريك المفوض صلاحياته وتعاقد باسم الشركة في اتفاقات غير مصرح بها[16].
  • إذا قام المدير بتصفية الشركة أو بيع أصولها دون الحصول على موافقة الشركاء.

كما حددت المادة (61) من قانون الشركات الأردني شروط مساءلة المدير قانونيًا، ومنها:

  1. ضرورة أن يكون تصرف المدير متفقًا مع النظام الأساسي للشركة.
  2. يجب أن يكون هناك إثبات واضح على أن المدير ارتكب خطأ إداريًا أو ماليًا أدى إلى ضرر.
  3. إمكانية تحميل المدير مسؤولية شخصية عن الأضرار التي لحقت بالشركة أو الدائنين نتيجة قراراته غير المشروعة.

الخاتمة

بعد أن انتهيت بفضل الله من إعداد هذا البحث الذي تناول رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وتحديد أنواع الحصص التي تتألف منها الشركة، سواء كانت عينية أو نقدية، بالإضافة إلى تحليل مسؤولية الشريك المفوض ومدير الشركة، فقد تبيّن أن هناك العديد من الإشكاليات القانونية التي تستدعي الدراسة والتطوير، لا سيما فيما يتعلق بمسؤولية الشريك عن ديون الشركة، ومدى كفاية الضمانات القانونية الممنوحة للدائنين.

ويُعتبر هذا الموضوع من القضايا المحورية في قانون الشركات الأردني، حيث تمثل الشركة ذات المسؤولية المحدودة خيارًا شائعًا لرواد الأعمال والمستثمرين، نظرًا لما توفره من حماية للشركاء من المسؤولية المطلقة، مقابل الحفاظ على الاستقلال القانوني للذمة المالية للشركة. ومع ذلك، فقد كشفت الدراسة عن بعض التحديات التشريعية التي تتطلب إعادة نظر من قبل المشرّع الأردني، لضمان تحقيق التوازن بين حماية المستثمرين من جهة، وحقوق الدائنين من جهة أخرى.

ومن خلال البحث، اتضح أن هناك تباينًا في التفسيرات القانونية المتعلقة بمسؤولية الشركاء، لا سيما في ظل عدم وضوح المادة (53) من قانون الشركات الأردني، وما أثارته من جدل فقهي وقضائي عند مقارنتها بالمادة (157)، التي فتحت المجال أمام الاجتهادات القضائية المختلفة حول مدى مسؤولية الشريك المفوض.

وعند مقارنة القانون الأردني بالقانون الفرنسي، تبيّن أن الأخير قد وضع إطارًا أكثر وضوحًا لمسؤولية الشركاء والمديرين في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث شدد على حماية حقوق الدائنين عبر فرض مسؤولية تضامنية على المدير في حال إساءة استخدام سلطاته، مع وضع قيود صارمة على التصرفات التي قد تؤثر على الذمة المالية للشركة.

النتائج التي تم التوصل إليها:

  1. إن تقليص الحد الأدنى لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة إلى دينار أردني واحد فقط قد أدى إلى إضعاف ضمانات الشركة تجاه الغير، مما يزيد من احتمالية إساءة استغلال هذا الشكل القانوني لإنشاء شركات صورية أو غير جادة.
  2. عدم وجود نص صريح وواضح في قانون الشركات الأردني يحدد مسؤولية الشريك المفوض بشكل دقيق، حيث إن المادة (53) لم تحدد بشكل قاطع نطاق هذه المسؤولية، وهو ما أدى إلى تضارب في التفسير بين المحاكم والفقه القانوني، خاصة عند مقارنة ذلك بالمادة (157)، التي قد تُحمّل الشريك المفوض مسؤولية أوسع في بعض الحالات.
  3. هناك تفاوت واضح بين القانون الأردني والقانون الفرنسي في تحديد مسؤولية الشريك والمدير في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث يفرض القانون الفرنسي قيودًا أكثر صرامة على المديرين والشركاء لحماية الدائنين، بينما يظل القانون الأردني بحاجة إلى تعديلات أكثر وضوحًا لحماية حقوق جميع الأطراف.

 

 

 

التوصيات المقترحة:

  1. إعادة النظر في الحد الأدنى لرأس مال الشركات ذات المسؤولية المحدودة بحيث يتم رفعه إلى مستوى يعكس الجدية في النشاط التجاري، ويضمن وجود ضمانات كافية لحماية حقوق الدائنين، مع مراعاة التوازن بين تسهيل الاستثمار وحماية الاقتصاد الوطني.
  2. تعديل المادة (53) من قانون الشركات الأردني، بحيث يتم توضيح مسؤولية الشريك المفوض بشكل دقيق، مع إلزامه بمسؤولية تضامنية تجاه الغير حسن النية، في حال ثبت أنه أساء استخدام سلطته أو أضر بمصالح الدائنين. وهذا يضمن تحقيق التوازن بين حماية الشركاء من المسؤولية المطلقة، وبين ضمان عدم إساءة استخدام الشركة كأداة للتهرب من الالتزامات المالية.
  3. الاستفادة من التشريع الفرنسي فيما يتعلق بتشديد الرقابة على قرارات المديرين، وفرض عقوبات قانونية عند إساءة استخدام سلطاتهم، بحيث يتم إدراج نصوص قانونية تمنع إخفاء الذمة المالية الحقيقية للشركة، أو التصرف بطريقة تضر بحقوق الدائنين.
  4. فرض متطلبات إضافية على الشركات ذات رأس المال المنخفض، مثل إلزام الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي تسجل برأس مال منخفض بتقديم ضمانات إضافية، أو اشتراط وجود تأمين مصرفي يغطي بعض التزاماتها المالية، كما هو معمول به في بعض التشريعات المقارنة.
  5. تعزيز دور القضاء والرقابة القانونية على قرارات المحاكم في قضايا مسؤولية الشريك المفوض، بحيث يتم توحيد الاجتهادات القضائية، ومنع التناقض في تفسير المواد القانونية الخاصة بمسؤولية الشريك والمدير، من خلال إصدار توجيهات قضائية واضحة حول تطبيق نصوص قانون الشركات.

قائمة المراجع :

 

-العبد اللات ، محمد حامد، و أخرون ( 2020 ) ، مدى مسؤولية الشركاء عن ديون الشركة ذات المسؤولية المحدودة: دراسة مقارنة ( رساله ما مستير) جامعه آل البيت ، المفرق، الأردن.

-القضاة،  مفلح عواد، ( 2005) ، الشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة الشخص الواحد دراسة مقارنه  دار الثقافة للتوزيع والنشر عمان .

 -المعمري ، عبد الوهاب عبد الله (2023) ، ( ط4  ) الوجيز فيالشركات التجاريه والإعسار، عمان، الأردن : دار الثقافة والمداشر والتوزيع.

– عيد ، إدوارد ، 1969، الشركات التجاريه مبادئ عامة شركات الأشخاص.

– فؤاد معلال – شرح القانون التجاري _ الشركات التجارية – في طبعته السادسة   – مطبعة دار الافاق – المغرب 2022

مكناس ، عبد الله يحيي ، وآخرون ، ( 2003) ، الوحيد في الشركات التجاريه الاحكام العامة والخاصة فى ط 1، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.

– مصطفى محمد صالح محمد  – المختصر في الشركات المحدودة المسؤولية (دراسة مقارنة بالقانون المصري واللبناني والأردني) المختصر في الشركات المحدودة المسؤولية (دراسة مقارنة بالقانون المصري واللبناني والأردني) 2016

– مفلح عواد القضاة : الشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة الشخص الواحد دار الثقافة للنشر و التوزيع عمان الاردن 2024 ص 145

– برهان سلمان ربيع السيوف  – المركز القانوني للشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة –  قدمت هذه الدارسة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير قسم القانون الخاص كلية الحقوق جامعة الشرق الأوسط 2018

– لينا جمعة محمود البنا  المسؤولية القانونية لمدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة مجلة جامعة الزيتونة الأردنية للدراســـــــــــات القانونية، المجلد 3 ، الإصدار رقم 3 لسنة 2022

القوانين والأنظمة:

– نظام رقم 17 لسنة 2011 ( نظام تحديد رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة  لسنة 2011) المنشور على الصفحه 2113 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5092 تاريخ 16/5/2011م.

– قانون الشركات وقم (22) لسنه 1997 وتعديلاته.

القرارات القضائية:

– حكم محكمة التمميز الأردنيه، تمييز حقوق، رقم 371/2016  بتاريخ 28/6/2016،  منشورات عدالة.

[1] –  فايز الحاج محمد، الشركات التجارية وفقًا للقانون الأردني، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن. 1997  ص 15

[2] – برهان سلمان ربيع السيوف  – المركز القانوني للشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة –  قدمت هذه الدارسة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير قسم القانون الخاص كلية الحقوق جامعة الشرق الأوسط 2018 ص 43

[3] المادة الثانية من نظام رقم 17 لسنة 2011 ( نظام تحديد رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة  لسنة 2011) المنشور على الصفحه 2113 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5092 تاريخ 16/5/2011م.

[4] – مكناس ، عبد الله يحيي ، وآخرون ، ( 2003) ، الوحيد في الشركات التجاريه الاحكام العامة والخاصة فى ط 1 ، عمّان، الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع

 

[5] – فؤاد معلال – شرح القانون التجاري _ الشركات التجارية في طبعته السادسة   – مطبعة دار الافاق – المغرب 2022 ص 168

[6] – مكناس ، عبد الله يحيى ، وآخرون، مرجع سابق ص 192

[7] – نص المادة رقم (58/ب) من قانون الشركات وقم (22) لسنه 1997 وتعديلاته

[8] – نص الماده (58/ ب) من قانون الشركات

[9] – المعمري ، عبد الوهاب عبد الله (2023) ، ط4 ، الوجيز في الشركات التجاريه والإعسار، عمان، الأردن : دار الثقافة والمداشر والتوزيع ص 201

[10] – مصطفى محمد صالح محمد  – المختصر في الشركات المحدودة المسؤولية (دراسة مقارنة بالقانون المصري واللبناني والأردني) المختصر في الشركات المحدودة المسؤولية (دراسة مقارنة بالقانون المصري واللبناني والأردني) 2016  ص 11

 

[11] – جاء في قرار محكمة التمييز الأردنية رقم (1234/2018) أن مسؤولية الشريك لا تتجاوز حصته في رأس المال إلا في حال إثبات وجود احتيال أو تلاعب يؤدي إلى الإضرار بالدائنين.” (محكمة التمييز الأردنية، قرار رقم 1234/2018

[12] – حكم محكمة التمميز الأردنيه ، تمييز حقوق ، رقم ) 371/2016 (هيئة خماسيه ) ، تاريخ28/6/2016، ، منشورات عدالة

[13] – مفلح عواد القضاة : الشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة الشخص الواحد دار الثقافة للنشر و التوزيع عمان الاردن 2024 ص 145

[14] – القضاة، مفلح عواد،( 2005) ، الشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة الشخص الواحد ( دراسة مقارته  دار الثقافة للتوزيع والنشر عمان ، ص80.

[15] – القضاة، مفلح عواد،( 2005) ، الشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة الشخص الواحد ( دراسة مقارته  دار الثقافة للتوزيع والنشر عمان ، ص80

[16]  – لينا جمعة محمود البنا  المسؤولية القانونية لمدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة مجلة جامعة الزيتونة الأردنية للدراســـــــــــات القانونية، المجلد 3 ، الإصدار رقم 3 لسنة 2022 ص 203

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى