مساطر التبليغ في المادة الجبائية
السيد ابراهيم احطاب
يهدف القانون الجبائي الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان توزيع عادل لتحملات الدولة بين جميع المواطنين في اطار الاحترام التام لمبدا العدالة والمساواة.
وقد تم تجسيد مضمون هذه المهمة الصعبة بتضمينها على اعلى مستوى من خلال الفصل 13 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويسود الاعتقاد بان القانون بسعيه الى تحقيق هذه المهمة جد محدود الدور والهدف، فهو في ابعد حدوده ليس الا دورا تقنيا، غير ان ثمة مهام اخرى يطلع بها هذا القانون باعتباره احدى الأدوات العملية لتحقيق السياسة الاجتماعية ووسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية، تسمح بتجسيد حقيقي لمفهوم الدولة التدخلية.
وعلى الرغم من اهمية هذا الفرع من القانون وارتباطه الوثيق بنشاطات الافراد والجماعات، فانه مع ذلك لم ينل بعد حظه من البحث والدراسة، فكثيرة هي الموضوعات القانونية الجديرة بالتناول تشريعا وفقها وقضاء كالتقادم ومساطر التصحيح والتبليغ والطبيعة القانونية للجزاءات وغيرها كثير.
ووقوفا اليوم عند موضوع مساطر التبليغ لم يكن اعتباطيا بقدر ما أملته الرغبة في رصد خصوصيات هذه المسطرة في المادة الجبائية. وهي بطبيعة الحال لن تتطابق مع تلك الموجودة في المسطرة المدنية.
لذلك فان هذه المقالة من شانها ان تفي بالغرض في الاحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بالتبليغ، لان المكان الطبيعي لذلك هو المؤلفات الفقهية، لكن الى ان يدرك ذلك، لا باس من طرح ارضية للنقاش نثير فيها ما يجب اثارته سواء فيما يتعلق بطرق التبليغ واثباته على مستوى ربط الوعاء الضريبي، او فيما يتعلق بالتبليغ الذي يهم اجراءات التحصيل، لنختم ذلك بايراد وجهة نظر حول الموضوع.
المبحث الاول
اجراءات التبليغ لربط الوعاء الضريبي
ان المتتبع لمختلف النصوص الضريبية، سيلاحظ ان مسطرة التبليغ في المادة الجبائية تاخذ حيزا كبيرا من الاهمية، فهي مرحلة يتم خلالها تبادل العديد من المراسلات في الاتجاهين بين الادارة والملزم صيانة لمبدا الحق في الدفاع من جهة كضمانة رئيسية للملزم، وحماية للتحمل الضريبي كحق اساسي للخزينة لا يجوز التفريط في استخلاصه الا بتحقق اسباب وجيهة لذلك، من جهة اخرى.
وهكذا فان رصد مسطرة التبليغ في هذه المادة سيؤدي بنا الى القول بان المشرع لم يشان ان يخضع تبليغ مراسلات الادارة وقراراتها الى الخاضعين للضريبة لنفس طرق التبليغ المعمول بها في الفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية، مبقيا بذلك على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل المعتمدة سواء بالنسبة للضريبة الثلاثية أي الضريبة العامة على الدخل (1) والضريبة على الشركات (2) والضريبة على القيمة المضافة (3)، او بالنسبة لباقي الضرائب الاخرى كالضريبة على الارباح العقارية (4) والضريبة المستحقة على عوائد الاسهم (5) ورسوم التسجيل (6) وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المحدثة بقانون رقم 17-89 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-89-116 بتاريخ 21 نونبر1989، الجريدة الرسمية عدد 4023 بتاريخ 6 دجنبر1989.
2) القانون رقم 86-24 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-86-239 بتاريخ 31 دجنبر1986.
3) القانون رقم 30-85 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-85-347 بتاريخ 20 دجنبر1985، ج ر عدد 3818 بتاريخ 1 يناير1986.
4) المحدثة بموجب الفصل الخامس من قانون المالية لسنة 1978 رقم 1-77 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-77-372 بتاريخ 30 دجنبر1977، ج ر عدد 3400 مكرر بتاريخ 31 دجنبر1977.
5) المحدثة بالقانون المالي الانتقالي رقم 47-95 لسنة 1996 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-95-243 بتاريخ 30 دجنبر1995 ج ر عدد 4339 مكرر بتاريخ 31 دجنبر1995.
6) المنظمة بموجب المرسوم رقم 2-58-1151 بتاريخ 12 جمادى الثانية 1378 موافق 24/12/1958 ج ر عدد 2416 بتاريخ 13/2/1958.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الا انه مع دخول قانون المالية لسنة 1995 (7) حيز التنفيذ، تم اعتماد طرق جديدة في التبليغ، ومع ذلك فان هذا المستجد لم يكن ليفي بالغرض لبقاء وسيلة البريد المضمون هي الطاغية على باقي الطرق الاخرى، بل ان الحديث عن هذه الاخيرة يظل مرهونا بتعذر اعتماد الاولى، وهو ما حمل المشرع الى التدخل من جديد بموجب قانون المالية لسنة 2001 (8).
اولا : مستجدات قانون المالية لسنة 1995 :
ان التدابير الجديدة التي جاء بها قانون المالية لسنة 1995 هي المطبقة بالنسبة لكل الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة لها اضافة الى الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل .
ولقد توخى المشرع من هذا التعديل تنويع اجراءات التبليغ المعمول بها مع جعلها اكثر فعالية ومرونة قصد تدارك عنصر الزمن الذي يستغرقه التبليغ بالبريد المضمون، لا سيما اذا رجعت هذه الرسائل بعبارة غير "مطالب بها" او بملاحظة " عنوان ناقص" وغير ذلك، ومن جهة اخرى وضع حد لمراوغات بعض الملزمين ذوي النيات السيئة.
ومن المفيد بيانه ان نطاق الاجراءات الجديدة للتبليغ تتعلق اساسا بحالات فرض الضريبة بصورة تلقائية في حالة تقاعس الملزم عن الوفاء بالتزاماته، وكذا حالات تصحيح اساس فرض الضريبة، او عند اعمال الجزاءات المترتبة عن المخالفات المتعلقة بحق المراقبة والاطلاع. كما وقع تمديد هذه المقتضيات الى مسطرة الطعن امام اللجنة الوطنية بمقتضى قانون المالية لسنة 96-97 (9).
وهكذا فان القانون المالي لسنة 1995 لم يسمح باللجوء الى الطرق التبليغية الاخرى الا بعد تعذر استعمال وسيلة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل، فلا يسمح التبليغ بواسطة الاعوان المحلفين التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او الطريقة الادارية الا بعد تعذر الوصول الى الملزم عبر البريد المضمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7) الجريدة الرسمية عدد 4287 مكرر بتاريخ 28 رجب 1415 بتاريخ 31 دجنبر1958.
8) قانون المالية رقم 55-00 للسنة المالية 2001 ج ر عدد 4861، بتاريخ 2001.
9) ج ر عدد 4391 بتاريخ 1 يوليوز1996.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ان تعذر الوصول الى الملزم والمبني على اساس رفض التسلم يقوم مقام التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض (10) اما رجوع الرسالة بعبارة "غير مطالب به" فهو لا يعتبر تبليغا وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي منذ مدة طويلة (11).
وسيرا على هذا المنحى يرى البعض بان على الادارة ان تثبت لجوءها الى مسطرة البريد المضمون اولا، واثبات هذه الوسيلة في تبليغها، والا ترتب عن ذلك بطلان الاجراء المبلغ خلافا لذلك سواء كانت مسطرة تصحيح او غيرها بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والضريبة على الارباح العقارية والضريبة المهنية والضريبة الحضرية، ويعتبر تبليغا صحيحا ذلك الذي يتم وفق هاته المسطرة بالنسبة للضرائب، اعلاه، وينتج بالتالي جميع اثاره، لكن على ان تحترم شروط معينة فيما يرجع لمكان التسلم والشخص المسلم له (12).
يترتب على ذلك ان منازعة الملزم في طبيعة المسطرة المتبعة قبل فرض الضريبة عليه، يعني ضرورة الادلاء بالرسائل التي وجهت للملزم والتي رجعت بعبارة " عنوان ناقص" او " غير مطالب به" الى القضاء على حالتها دون فتحها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10) تنص الفقرة الخامسة من الفصل 39 ق م م على انه : " يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من طرف او الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء".
11) في بداية الامر كان الاجتهاد القضائي يعتبر ان عدم القيام بسحب الرسالة المضمونة من مركز البريد يعتبر بمثابة رفض التوصل، الا انه سيتراجع عن هذا الاتجاه واعتبر ان عدم سحب الرسالة المضمونة لا يفيد رفض التوصل، قرار عدد 147 صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 27/3/1974، في حين ان القضاء الاداري الفرنسي اعتبر ان رجوع الرسالة الى المرسل بعبارة " غير مطالب بها" يعتبر بمثابة التوصل القانوني بعد ارسال اشعار للمعني بالامر بوجود الرسالة رهن اشارته، وان عدم سحبها بعد مرور الاجل المحدد له تترتب عنه جميع الاثار القانونية قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 6 دجنبر1972 رقم 82213 وقرار 25 ابريل1984 رقم 41712 واخر بتاريخ 24 يوليوز1987، منشور في
" Le contentieux fiscal" Francis le FEBVRE feuillet 22 Juillet 1995 :
12) ذ. محمد السماحي مسطرة المنازعة في الضريبة طبعة 1997- ص 201.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا وان التبليغ الذي يتم في المرحلة الاولى عن طريق البريد المضمون يوجه الى الملزم بالعنوان المبين في اقراراته او عقوده او مراسلاته مع المصالح الجبائية المختصة، ويشترط لصحة التبليغ توجيه الوثيقة المراد تبليغها في ظرف مغلق مشفوع بشهادة تسليم تحرر في نظيرين بمطبوع معد من طرف الادارة ويتضمن مجموعة من البيانات كاسم وصفة العون الذي قام بالتبليغ وتاريخه وهوية الشخص المتسلم للوثيقة وتوقيعها.
فهذه البيانات تعتبر جوهرية ويترتب على اغفالها بطلان التبليغ المترتب عليه، فاسم وصفة الشخص القائم بالاجراء مثلا بيان جوهري يسمح بمراقبة اهلية هذا الشخص للقيام بهذا الاجراء. وبالتالي فمجرد تخلف هذه الاهلية يمكن ان يؤدي الى بطلان التبليغ وبالتبعية لذلك اسقاط النتائج المترتبة عنه كالضريبة المؤسسة او اسس التصحيح المزمع اعتمادها. عملا بقاعدة ما بني على باطل فهو باطل .
كما ان اغفال تضمين تاريخ التبليغ في شهادة التسليم او هوية الشخص المتسلم يعني التجهيل ببيانات جوهرية لا يمكن للتبليغ ان يقوم صحيحا بدونها.
ونفس الحكم ينطبق على اغفال التوقيع، فالتوقيع هو وحده الدليل على التسلم، فاذا لم يستطع الملزم او من ينوب عنه توقيع شهادة التسلم او رفض توقيعها، وجب على العون المبلغ ان يشير الى ذلك في الشهادة مع الاشارة الى السبب الذي حال دون التوقيع.
وتعد الوثيقة مبلغة بصورة صحيحة اذا تم تبليغها الى الملزم نفسه في محل اقامته او محل عمله او محله المختار او الى اقاربه او خدمه او أي شخص اخر يسكن معه.
اما بالنسبة للشركات والاشخاص الاعتبارية العامة، فان التبليغ يعد صحيحا بتسليم المطلوب الى الشريك الرئيسي للشركات والهيئات المنصوص عليها في المادة 8 من القانون المنظم للضريبة العامة، على الدخل، او الممثل القانوني للشركة او للشخص الاعتباري المعني او الى احد المستخدمين او الى أي شخص اخر يعمل مع الشركة المعنية (13).
ثانيا : الوضع في قانون المالية لسنة 2001
لا يخفى اذن ان تدخل المشرع بموجب قانون المالية لسنة 1995 باضافة طرق جديدة للتبليغ كان تدخلا محتشما بتركيزه على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل كمنطلق للتبليغ، في حين ان باقي الطرق لا تعدو ان تكون تكميلية، خلافا للوضع في قانون المسطرة المدنية الذي يسوي بين جميع الطرق المنصوص عليها في الفصل 37 م م (14).
ان وجود هذه الثغرة المفتوحة امام الملزمين ذوي النية السيئة للتملص من واجباتهم الضريبية بسبب غيابهم المقصود عن عناوينهم لتفادي تسليم رسائل التبليغ الموجهة اليهم، وبالتالي محاولة عرقلة مسطرة التبليغ قدر المستطاع، هو الذي دفع المشرع الى التدخل مجددا بموجب قانون المالية لسنة 2001 فعدل بين مقتضيات المادة 50 مكررة من قانون 24-86 المنظم للضريبة على الشركات والمادة 112 مكررة من قانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل وكذا المادة 56 مكررة من قانون رقم 30-85 المنظم للضريبة على القيمة المضافة والفصل 12 مكرر من مرسوم 24 دجنبر1958 المتعلق بمدونة التسجيل، فنص على ان التبليغ يتم بالعنوان الذي حدده الخاضع للضريبة في إقراراته او عقوده او مراسلاته المدلى بها الى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه اما برسالة مضمونة الوصول مع اشعار بالتسلم او بالتسليم اليه بواسطة المامورين المحلفين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13) اذا كان الفصل 516 م م ينص على توجبه الاستدعاءات والتبليغات الى الممثل القانوني للشركات والاشخاص الاعتبارية الاخرى بصفته هذه، فان ذلك لا يمنع من ان يقع التبليغ في موطن هذا الاخير او الى اقاربه او خدمه او لكل شخص اخر يسكن معه طبقا لمقتضيات الفصل 38 م م يراجع في هذا الاطار قرار المجلس الاعلى رقم 472 بتاريخ 15 فبراير1993 في الملف المدني عدد 85-3618 منشور : بقرارات المجلس الاعلى في المادة المدنية 1996-1958 منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين 1997 ص 195.
14) ينص ق 37 على انه : " يوجه استدعاء بواسطة احد اعوان كتابة الضبط او عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل او بالطريقة الادارية، اذا كان المرسل اليه يسكن خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الاداري على الطريقة الدبلوماسية عدا اذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او بالطريقة الادارية.
فبموجب هذا التعديل اصبح الان بمقدور مفتش الضرائب ان يختار الطريقة الملائمة لتبليغ مراسلاته الى الملزم، فيسترسل في طريقة البريد المضمون بالنسبة الى الملزم الحريص على الوفاء بالتزاماته، متجاوزا عن هذه الطريقة الى وسيلة اكثر فعالية ونجاعة أي التسليم المباشر بالنسبة الى ملزم اعتاد التهرب والتملص باجتنابه كل محاولة للتبليغ تتم في مواجهته.
والشيء الجديد ايضا في هذا القانون هو ان المشرع الجبائي اعتبر رفض التسلم بمثابة التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض، مكرسا بذلك نفس القاعدة المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 39 م م التي اشرنا اليها اعلاه .
وعلى الرغم من ان التطبيق العملي هو الذي سيوضح مكامن القوة والضعف في هذا التعديل، فانه يمكن الجزم منذ الان على انه عامل مساعد على التدبير الجيد لعنصر الزمن من خلال تقصير وايجاز المدة الزمنية التي قد تستغرقها سير المسطرة في مواجهة ملزم بالضريبة باستعمال طريقة البريد المضمون التي هي ليست دائما مضمونة النتائج ثم انه مدخل اساسي للارتقاء بعمل المفتش الى الافضل والمردودية بالبحث عن العناصر المشكلة للوعاء الضريبي عوض الاشتغال في نسخ الرسائل تلو الرسائل .
المبحث الثاني
اجراءات التبليغ في القانون رقم 15-97 المتعلق بمدونة التحصيل
كان تحصيل الضرائب يتم وفقا للاجراءات المنصوص عليها في ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بتنظيم المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة والديون الاخرى المستحقة للخزينة.
وقد ابانت التجربة عن قصور مقتضيات هذا الظهير بالنظر الى كثرة التقاطع بين احكامه نتيجة التعديلات التي ما فتئ المشرع يتدخل بها وهو ما اثر بشكل سلبي على كيفية تطبيقه، وبالتبعية لذلك تعذر الوصول الى استخلاص افضل لديون الدولة (15).
لذلك اضطر المشرع للتدخل مجددا بموجب القانون رقم 97-15 بمثابة تحصيل الديون العمومية (16)، فنص في المادة الرابعة منه على ان الديون العمومية تستوفى اما عن طريق الاداء التلقائي بالنسبة الى الحقوق الواجب دفعها نقدا او بواسطة تصريح الملزمين بالنسبة للضرائب المصرح بها، او بموجب اوامر بالمداخيل فردية او جماعية يتم اصدارها على شكل جداول او قوائم ايرادات او مستخرجات حسب نوع الرسم .
ويتعين على الادارة لهذا الغرض اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في تحصيل جداول الضرائب والرسوم واستحقاقها بكل وسائل الاخبار بما فيها تعليق الملصقات، وترسل الجداول وقوائم الايرادات الى المحاسب المكلف بالتحصيل خمسة عشر يوما قبل تاريخ الشروع في التحصيل.
وحسب المادة 5 من هذا القانون، فان الاعلام بالضريبة يرسل عن طريق البريد العادي في ظرف مغلق الى الملزم المقيد بالجداول او قوائم الايرادات، وعلى ابعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل، ويجب ان يبين هذا الاعلام المبلغ الواجب دفعه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق .
الملاحظ ان المشرع تفادى الزام الادارة بتبليغ الملزمين باعلامات الضريبة، واكتفى بعبارة " يرسل" عوض " يبلغ" وذلك فقط بالنسبة لهذه المرحلة الرضائية من التحصيل فيكفي ان تبادر الى اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في التحصيل بكل وسائل الاخبار الممكنة واقلها تعليق الملصقات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15) فالخزينة ناذرا ما تفلح في تحصيل اكثر من 50 % من الضرائب المستحقة في موسم مالي واحد،
Al Maliya N° 32 Mai 2000 p 10
16) القانون الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-00-75 بتاريخ 3 مايو2000 الجريدة الرسمية بتاريخ 1 يوينو2000.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير ان المشرع بقدر ما اكتفى بالاخبار بكافة الطرق عند المطالبة الرضائية، نجده عند تنظيمه للتحصيل الجبري يتحدث عن التبليغ، فبعد ان نص في المادة 39 من قانون 15-97 على ان تباشر اجراءات التحصيل حسب الترتيب التالي : الانذار فالحجز فالبيع فالاكراه البدني عند الاقتضاء، قرر في المادة 41 على انه " لا يمكن تبليغ الانذار الا بعد مضي اجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الاستحقاق، وعشرين يوما على الاقل بعد ارسال اخر اشعار".
ويباشر هذا التبليغ اما عن طريق ماموري التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة او عن طريق السلطة المحلية او عن طريق البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل .
مقارنة بطرق التبليغ على مستوى ربط الضريبة، نجد ان مشرع قانون 15-97 سكت عن اعتماد طريقة التبليغ بالاعوان القضائيين، ولعل السبب في ذلك راجع الى كون مصالح الخزينة تتوفر على جهاز خاص بالمتابعات مما يغنيها عن الاستعانة بالاعوان القضائيين.
ويبلغ الانذار للشخص نفسه في ظرف مختوم في موطنه او لاقاربه او مستخدميه او أي شخص اخر يسكن معه، مع توقيعه على شهادة التسليم او يشار فيها الى عجزه عن التوقيع، واذا رفض التسلم ضمن ذلك في الشهادة بحيث يعتبر التبليغ صحيحا في اليوم الثامن للتاريخ الذي تم فيه رفض التسلم.
واذا تعذر تسليم الانذار نظرا لعدم العثور عليه، او على أي شخص اخر في موطنه او محل اقامته، اعتبر الانذار مبلغا تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ تعليقه في اخر موطن له.
وحسنا فعل المشرع المغربي باعتباره التسليم صحيحا عند انصرام اجل عشرة ايام من تاريخ تعليق الانذار في اخر موطن للمدعي، اذ من شان هذا الاجراء حفظ حقوق الخزينة من السقوط بالتقادم في مواجهة الملزمين الذين تعذر الوصول اليهم لسبب من الاسباب غير الامتناع من التوصل.
وعلى الرغم من اهمية هذا المقتضى الجديد في التبليغ، والذي يشكل تجاوزا لما جاء به قانون المالية لسنة 1995 على مستوى اجراءات التبليغ الخاصة بالربط الضريبي، فان ثمة صعوبات تحد من فعاليته ترتبط اساسا باثبات واقعة التعليق باخر موطن، إذ لا يوجد بالنص ما يفيد طريقة وكيفية الاثبات، سيما وان القاعدة تقتضي ان لا يستفيد الخصم من دليل من صنع يده، كما ان هذه الطريقة وان كانت في الحقيقة امتيازا لصالح الخزينة العامة، فانه لا ينبغي اعتمادها كقاعدة في تعاملها مع الملزمين بشكل قد يكشف العجز البين في ملاحقة مدينها، ثم انها مطالبة باثبات سلوكها لباقي الاجراءات قبل اللجوء الى هذه الطريقة كاستثناء لا ينبغي التوسع فيه الا للضرورة، والضرورة باحكامها كما يقال .
واخيرا تنبغي الاشارة الى انه بالنظر الى الاثار القانونية المترتبة، فانه يتعين ان يتضمن جميع البيانات والمعلومات التي تفيد المدين في معرفة طبيعة وتفاصيل الدين المطالب به وكذا الضمانات والرخص الممنوحة له، تحت طائلة الحكم بابطاله لهذه الغاية. في هذا السياق جاء في حكم للمحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 20/1/2000 ما يلي : " وحيث ان الانذار لا يتضمن نوع الضريبة والرسوم المطلوب استخلاصها، مما يجعله خاليا من البيانات الاساسية …. وحيث والحالة هذه تكون الوسيلة المعتمدة من طرف المدعي مرتكزة على اساس، وبالتالي يتعين اعتمادها، والتصريح لذلك ببطلان الانذار المتعرض عليه" (17).
المبحث الثالث
بطلان اجراءات التبليغ
البطلان من مشكلات القوانين الاجرائية، فهذه القوانين تعنى برسم شكليات معينة تحقق حماية قانونية للاطراف (18)، فاذا تخلفت هذه الشكليات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17) اورده عبد الرحمان ابليلا ورحيم طور في مؤلفهما " تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة ( قانون 15-97) طبعة سنة 2000 مطبعة الامنية بالرباط ص 40.
18) ابو الوفاء : " ملامح البطلان في التشريعات الحديثة" محاضرة القيت في عمان في يوليوز1981 منشورة بمؤلفه : " نظرية الدفوع في قانون المرافعات" منشاة المعارف بالاسكندرية ص 917.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت التضحية بالحق لفائدة الشكل، نتيجة بطلان الاجراءات. فالبطلان اذن هو الوصف الاجرائي الذي يلحق عملا معينا لمخالفة القانون ويؤدي الى عدم ترتيب الاثار القانونية عنه بسبب ما شاب الاجراء من عيب (19).
واذا كانت التشريعات قد اختلفت في معالجتها للبطلان بين اتجاه يجعله بيد المشرع وفقا لمبدا " لا بطلان بدون نص" واخر يجعله معلقا على تحقيق الضرر (20) فانه من ذلك فان التشريعات الحديثة بدات تتخلص من الشكلية الاجرائية العميقة وذلك بربط البطلان بتحقق الغاية من الاجراء، فاذا تحققت الغاية كان الاجراء صحيحا ولو نص القانون على البطلان (21).
في القانون الجبائي حيث قواعده من النظام العام، فان عدم سلوك اجراءات التبليغ السابقة على فرض الضريبة والتي تعتبر اجراءات امرة، يترتب عنه البطلان (21).
وقد عبر احد الباحثين الفرنسيين (22) على هذا الاتجاه عندما دعا الى ايجاد مسطرة خاصة بالمنازعة الجبائية، تتلاءم والطبيعة القانونية لهذه المنازعات فهي وان كانت تتسم بكونها منازعة فردية فهي مع ذلك ذات طبيعة موضوعية تشترط فيها المساواة الموضوعية وهو ما ينسجم مع كون القانون الجبائي من النظام العام، ما دام ان احداث الضريبة كغاية متميزة يستهدف تحقيق المنفعة العامة، وليس المنفعة الخاصة. وبالتالي فان وضعية الملزم بالضريبة هي وضعية موضوعية ناتجة عن كون الالتزام بادائها ينشا من القانون الجبائي مباشرة وذلك خدمة لمبدا مساواة الافراد في تحملهم للاعباء العامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
19) عبد الله العبدوني : " مسطرة بطلان اجراءات التبليغ في ضوء العمل القضائي المغربي" مقال منشور بمجلة الاشعاع عدد 20 سنة 1999- ص 33.
20) ابو الوفاء " نظرية الدفوع" ص 290.
21) والفصل 49 م م لا يخرج عن هذا السياق بقوله في الفقرة الثانية : " يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والاخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي الا اذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا".
22) LOUKAS Théocharopoulos "la juridiction fiscale héllénique" publiée au " juge fiscale" collection finances publique – 1988 page 233 et 234.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ان قراءة متأنية لهذا الاتجاه الفقهي يؤدي بنا الى التساؤل عن حدود صلاحيات القاضي الاداري، وهو يبث في منازعة ضريبية، مناطها طلبات الملزم المدعي المسطرة بمقال الدعوى.
بغض النظر عن النقاش الفقهي الذي يمكن ملامسته في هذا الاطار نرى ان الحل المناسب يكمن في وجوب التمييز بين العيوب والاخلالات الموضوعية او الجوهرية وبين الاخلالات القانونية.
بالنسبة للاولى فان القاضي ملزم بالبث في حدود الطلبات المسطرة بمقال الطعن دون غيرها، وهي القاعدة المنصوص عليها في الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية (23).
اما بالنسبة للثانية حيث القرار المنشا للضريبة يبدو معيبا من الزاوية القانونية، فان قاضي الضرائب يملك من الصلاحيات ما يؤهله لاثارة هذا العيب تلقائيا، حفاظا على المشروعية التي يجب ان تسود الاعمال الادارية بشكل عام (24) ومثال هذه الحالة سوء تطبيق القانون على وقائع معينة، او تطبيق نص ملغى، او حرمان الملزم من مزايا قانونية وغير ذلك، لكن ما الحكم بالنسبة لعيوب مسطرة التبليغ ؟
ان اجراءات التبليغ هي من الوسائل القانونية التي تم اقرارها لفائدة الملزم حفاظا على حقوقه في الدفاع من جهة تم تكريسا للحوار الذي يجب ان يسود بين الملزم والادارة الجبائية في شكل مسطرة تواجهية من جهة اخرى.
لذلك فان كل اخلال في تطبيق مساطر التبليغ يترتب عنه البطلان يستوي في ذلك عدم القيام بها اصلا او تطبيقها بشكل معيب لا يسمح للملزم بان يكون على بينة من امره كما لو تم اغفال بعض البيانات الجوهرية فيه، او عدم تضمين وثيقة التبليغ للاسس المزمع اعتمادها في حالة وجود مسطرة تصحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
23) تنص المادة 7 من قانون 90-41 المنظم للمحاكم الادارية على انه : " تطبق امام المحاكم الادارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك".
24) Thierry AL MBERT-Jean. Jacques NEUER " le droit du contentieux" Edition ECONOMICA page 120.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضريبية او عدم اعطاء الملزم الاجل الكافي لابداء دفاعه قبل فرض الضريبة عليه، وغير ذلك من الاسباب الوجيهة بابطال التبليغ .
غير ان هذا الحكم لا ينطبق على اطلاقه، فثمة حالات تتحقق فيها الغاية من التبليغ ولو تم تجاوز بعض الشكليات التي لا تنال من صحته، ومثال هذه الحالة مكان تحقق التبليغ.
في هذا الصدد نورد حيثيات من قرار للمحكمة الادارية بالدار البيضاء قضي بعدم كفاية حصول التسليم وحده ما لم يرد هذا التبليغ في شكله القانوني فقرر بان " مفتش الضرائب ملزم في اطار اجراءات التصحيح بتوجيه رسالة ثانية موصى بها مع الاشعار بالتسليم، بعد تلقيه جواب الخاضع للضريبة على الرسالة الاولى، وان تسلم الملزم لنسخة من الرسالة الثانية بمكتب المفتش وجوابه عنها لا تجعل هذا الاخير في حل من سلوك اجراءات التصحيح بصورة قانونية (25).
ومن جهة اخرى فان الادارة الجبائية مبدئيا غير ملزمة بسلوك مسطرة التبليغ قبل الفرض التلقائي للضريبة في الحالة التي يقوم فيها الملزم بتغيير محل اقامته او موطنه الجبائي بدون تقديم تصريح بذلك الى الادارة (26) اذ لا فائدة ترجى من سلوك هذه المسطرة في مواجهة ملزم غير حريص على اتخاذ التدابير الكفيلة بتامين توصله بالمراسلات الموجهة اليه، واقل هذه التدابير اشعار الادارة بتغيير محل اقامته او موطنه المختار.
المبحث الرابع
وجهة نظر
لقد حاولنا على امتداد محاور هذا البحث ان نبرز خصوصيات التبليغ في المادة الجبائية سواء فيما يتعلق بربط الضريبة او باستخلاصها متتبعا في ذلك المنحى التشريعي المؤطر لاجراءات التبليغ في القوانين الضريبية ومقارنتها عند
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
25) حكم المحكمة الادارية بالدار البيضاء رقم 473 بتاريخ 2/12/1994 في الملف رقم 102-98 غ غير منشور
26) François Pillet "Guide pratique de la procédure fiscale", deuxième édition "Litec" – page 49
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاقتضاء بطرق التبليغ الواردة في قانون المسطرة المدنية. الشيء الذي يفضي بنا الى خلاصات نتوخى منها ابراز جوانب القوة والضعف في مساطر التبليغ في القانون الجبائي المغربي .
اولا : فيما يتعلق بتاسيس الوعاء الضريبي
اذا كان قانون المالية لسنة 2001 قد سمح بتجاوز السلبيات المترتبة عن هيمنة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل على طرق التبليغ الاخرى بحيث حل مبدا المساواة بين هذه الطرق محل مبدا التراتبية التي كان معمولا بها في ظل قانون المالية لسنة 1995.
فانه مع ذلك ينبغي ان نقرر ان الحد من مشاكل التبليغ لا تتوقف فقط على خلق مساطر جديدة للتبليغ، بل اساسا باعادة قراءة وتحيين هذا القانون من خلال ادخال بعض المفاهيم التي لا مناص منها وهي :
1- اعتماد مفهوم الموطن الجبائي : فهذا المفهوم هو الذي يميز في الحقيقة طرق التبليغ في القانون الجبائي عن تلك المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، ويجسد خصوصية قانون الشكل في المادة الجبائية.
يترتب عن ذلك ان الموطن الجبائي هو الذي يلزم فقط الادارة دون غيره من العناوين، فتعين هذا الموطن عند محام او مكتب للاستشارة القانونية والمحاسبتية، يترتب عنه سريان اثار التبليغ في مواجهة الملزم.
وسندنا في هذا القول هو انه بالرجوع الى بعض النصوص الضريبية كالمادة 35 من قانون 30-85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة والمادة 26 من قانون 24-86 المنظم للضريبة على الشركات وكذا المادتين 5 و5 مكرر من القانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل، نجدها ترتب التزاما على الشركات والمقاولات الفردية بالتصريح بنقل مقراتها او تغيير عنوانها، الا انه يلاحظ عدم التناسق بين هذه المقتضيات والمقتضيات الاخرى المنظمة لمساطر التبليغ .
فمن المسلم به ان الشركات التي لا تتقيد بهذا الالتزام يعني انها لن تتوصل بالمراسلات الموجهة اليها، فهل تباشر المسطرة اذن في مواجهة شركة مهملة ؟
2- انه اذا كان قانون 15-97 المنظم لتحصيل ديون الدولة قد سجل قفزة نوعية على مستوى طرق التبليغ عندما نص في الفقرة الاخيرة من الفصل 43 على انه متى تعذر تسلم الانذار نظرا لعدم العثور على الملزم او من يمثله، اعتبر التسليم صحيحا بعد انصرام عشرة ايام من تاريخ تعليق الانذار في اخر موطن للمدعين فانه بالمقابل لذلك، وقياسا على هذه المسطرة، يناسب ادخال مؤسسة القيم المنصوص عليها في الفصل 39 م م لمباشرة الاجراءات ضده عند تحديد الوعاء الضريبي لملزم لم يظهر له اثر، ولا يتنافى هذا مع وجود مسطرة استعجالية خاصة بحالات التوقف او التخلي او مغادرة البلاد .
فاجراء مسطرة التبليغ وغيرها من الاجراءات في حق القيم يستهدف في الحقيقة هدفين اثنين اولهما : الدفاع عن ملزم توجد وضعيته الجبائية قيد التسوية مع انه مختفي عن الانظار: وثانيهما ايجاد جهة تباشر في مواجهتها المسطرة بحيث تكون في منأى عن البطلان مستقبلا متى تم ترتيب الاثار القانونية الواجبة من ربط للضريبة والشروع في اجراءات المطالبة بها، ما لم تكن الاجراءات اللاحقة باطلة بدورها.
يترتب على ذلك بالنسبة لهذه الحالات وهي كثيرة نسبيا، الحد من الدفع بعدم سلوك مسطرة التبليغ كمدخل لابطال الضرائب المترتبة عنها.
3- الملاحظة الثالثة التي نود ايرادها في هذا الاطار هي انه بقدر ما يجب البحث عن عناصر جديدة تصلح وعاء للضريبة أي البحث عن الوقائع المنشئة لها، بقدر ما يجب تطوير الاساليب الكفيلة بتحقيق ذلك ومنها – علاقة بموضوع هذا البحث – خلق جهاز خاص بالتبليغ تابع للادارة الجبائية، مهمته الاشراف على التبليغات .
ثانيا : على مستوى التحصيل
يلاحظ من خلال قراءة متانية للقانون رقم 15-97 انه اولى عناية كبيرة لطرق التبليغ الخاصة بمسطرة التحصيل الجبري في حين تفادى الزام الادارة بتبليغ الملزمين باعلامات الضريبة مكتفيا في المادة 5 منه بارسالها عن طريق البريد العادي، فكل ما هو مطلوب اذن هو ان تبادر مصالح الخزينة العامة الى اخبار الملزمين بتاريخ الشروع في التحصيل بكل وسائل الاخبار الممكنة .
وان تعذر اثبات تاريخ التوصل بالاعلام الضريبي، والعلم بتاريخ وضع الامر بالتحصيل موضوع التنفيذ كمنطلق لسريان الاجال في مواجهة الملزم سيترتب عنه حتما ما يلي :
1- ان الادارة لا يمكنها ان تتمسك في مواجهة الملزم بسقوط حقه في تقديم تظلمه الاداري لحجة عدم التقيد باجل تقديمها الوارد مثلا في المادة 47 من قانون 30-85 او المادة 52 من قانون 24-86 او المادة 114 من قانون 17-89 فالتمسك بسقوط الحق يستتبع اثبات بداية سريان الاجل وعلم الملزم به، وهو اثبات يقع على الادارة.
ففي فرنسا مثلا حيث اغلبية قواعد القانون الضريبي من صنع القضاء قضي بان المطالبات الموجهة الى الادارة بعد فوات الاجل القانوني لتقديمها معرضة لعدم القبول، وان عدم احترام هذا الاجل يسقط حق الملزم في تقديمها، وهو سقوط من النظام العام للمحكمة ان تثيره من تلقاء نفسها، وان رفع الدعوى الى المحكمة الادارية ليس من شانه تصحيح الوضع واعتبار التظلم مقبولا، بل ان مآل هذه الدعوى بدورها هو عدم القبول (27).
غير ان القضاء الفرنسي يشترط لترتيب هذا الاثر توفر العلم لدى الملزم بسريان اجل التظلم في مواجهته وهي نطلق من تاريخ وضع الامر بالتحصيل موضع التنفيذ بالنسبة للضرائب المفروضة عن طريق الجداول، ومن تاريخ القيام باداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
27) C.E 11 Octobre 1965. Cité au " contentieux fiscale" Edition lefebvre 1995 – Al – n° 4100.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الضريبة او الدفعات المتعلقة بها بالنسبة لباقي الضرائب الاخرى، فقرر مجلس الدولة الفرنسي على انه لا يسري اجل التظلم في مواجهة الملزم متى اثبت عدم توصله بالاشعار الضريبي (28).
ويتعين الاشارة ايضا علاقة بموضوع التظلم ان المشرع لم ينظم مسطرة تبليغ قرارات الادارة جوابا على تظلمات الملزمين، بحيث انه لا شيء يلزمها بسلوك اجراءات التبليغ بالبريد المضمون، وهو ما يؤثر بدوره على بداية احتساب اجل الطعن القضائي .
ولعل ما يخفف من حدة هذا القصور التشريعي هو وجود اجل اقصى لممارسة هذا الطعن محددا في سبعة اشهر كاملة من تاريخ تقديم المطالبة الادارية، فسكوت الادارة طيلة الستة اشهر التالية لتقديم هذه المطالبة يحمل على الرفض ويعطي للملزم حق طرق باب القضاء في الشهر الموالي لانصرام الاجل المحدد للجواب، تحت طائلة رد دعواه شكلا لفوات الاجل القانوني، على خلاف ما هو موجود في التشريع الفرنسي حيث يجب تبليغ الادارة لقراراتها الى الملزمين قصد احتساب اجل الطعن القضائي (29).
2- ان غياب التنصيص على الزامية تبليغ الملزمين باعلامات الضريبة يترتب عنه نتائج سلبية فيما يخص امكانية متابعة ملزم مدين للخزينة، بجريمة افتعال العسر المنصوص عليها في المادة 84 من قانون 97-15، هذه المادة اشترطت لثبوت الجريمة على الملزم شرطين اساسين هما التوصل باعلام الضريبة مما يسمح بالتاكد من كون الملزم قد عمد الى الاضرار بحقوق الخزينة بتصرفه في ممتلكاته او اخفاءها بعد التوصل بالاعلام، مما يثبت سوء نيته كشرط ثاني لثبوت هذه الجنحة في حقه (30).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28) C.E 16 Décembre 1992, op cité Alén 4670.
29) Fronçois pollet, op cité page 88.
30) د. عبد الرحمن ابليلا ورحيم الطور م س ص 58.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك اذن جوانب من موضوع شاسع لا ندعي الاحاطة به على الوجه الاكمل في هذه المقالة، لكن ارتأينا من خلالها رصد جانب من الخصوصية التي تميز مسطرة التبليغ في المادة الجبائية بمناقشة ما هو موجود، وما ينبغي ان يكون، فعسى ان نفلح في ذلك فيكون لنا اجران، وان جانبنا الصواب اكتفينا باجر واحد، والتمسنا العذر في ذلك، والعذر بعد الاجتهاد مقبول .
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 90، ص 88.