التحكيمفي الواجهةمقالات قانونية

مصطفى القاسمي : قوانين البوليس في التحكيم التجاري الدولي

 

مصطفى القاسمي

حاصل على الماستر في العلاقات الدولية خاصة

بكلية العلوم القانونية والاقتصادية

والاجتماعية  السويسي-الرباط.

باحث في العلوم القانونية

 

مقدمة

أقر فقه القانون الدّولي الخاص منذ عهد “Savigny”  بوجود بعض القواعد الوطنية ذات الطبيعة المطلقة والامرة، والتي يجب تطبيقها بغض النظر عن ارتباط العلاقة القانونية بأكثر من نظام قانوني، أو حتى رغم تركيزها الفعلي في دولة أجنبية، وهي قواعد شرعت لتنظيم الروابط الداخلية، وإن كان مراعاة طبيعتها الآمرة تقتضي امتدادها أيضا إلى العلاقات الدولية الخاصة بغض النظر عن حكم مخالف يتضمنه القانون المختص بحكم العلاقة العقدية بمقتضى قواعد الإسناد[1] ، ويتعلق الآمر بقواعد البوليس التي تعتبر من ناحية وطنية المنشأ وتشريعية الوضع، ومن ناحية ثانية فهي ضرورية التطبيق أمام القاضي الوطني وحتى أمام القاضي الأجنبي على كافة العلاقات والروابط التي تتصل وتمس المصالح الحيوية للدولة، ويبقى التساؤل عن مدى تطبيقها أمام المحكم؟

ويقصد بالقواعد البوليس، مجموعة القواعد الموضوعية في النظام القانوني الوطني والذي بلغ طابعها الأمر حدا يقتضي إعمالها على المسائل التي تدخل في مجال سريانها بصرف النظر عن نوع العلاقة وطنية بحتة أم ذات طابع دولي.

تعرف هذه القواعد من جهة أخرى بأنها ” القواعد التي تلازم تدخل الدولة، والتي ترمي إلى تحقيق وحماية المصالح الحيوية والضرورية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة، والتي يترتب على عدم احترامها إهدار ما تبتغيه السياسة التشريعية، وتكون واجبة التطبيق على كافة الروابط التي تدخل في مجال سريانها أيا كانت طبيعتها وطنية أم ذات طابع دولي”[2].

وعليه يتبين أن المحكم ملزم بتطبيق مثل هذه القواعد على كافة المنازعات المعروضة عليه مادامت تدخل في نطاق سريانها، بغض النظر عن القانون المختار،لأن هذه القواعد بلغت من الأهمية حدا كبيرا لا يسمح أن تدخل في منافسة مع القوانين الأجنبية،ما يعني أنه يتحتم إنزال حكمها الموضوعي على المسائل الواقعة في مجال سريانها دون إذن أو مرور بقواعد الإسناد، وهو ما يدعم قول الفقيه البلجيكي ” CRAULICH “الذي تحدث عما أسماه ” تخفيض مرتبة قاعدة التنازع”، بحيث قرر أن لقواعد البوليس هيمنة وصدارة على قواعد التنازع  تقيد الأولى الثانية وتحدد مجال تطبيقها[3].

و يعد الفقيه  “FRANCESCAKIS” أول من تعرض لقواعد البوليس ذات التطبيق الفوري في اطروحته للدكتوراه حول ” نظرية الإحالة وتنازع الأنظمة في القانون الدولي الخاص“، وهو الذي  قال أن هذا المنهج أصبح ينافس منهج قواعد الإسناد[4]،وأيده في ذلك جانب من الفقه نذكر منهم “SPERDU” والفقيه الإيطالي “DE NOVA” الذي يرى أنها قوانين ضرورية التطبيق، و “RIGAUX” في بلجيكا وغيرهم[5].

وقد ارتبط ظهور هذه القواعد مع مطلع القرن العشرين بفضل نمو وتزايد قوانين التوجيه الاقتصادي والاجتماعي التي أضحت الدول تسنها بهدف حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي،خاصة قوانين المنافسة،وقوانين حماية المستهلك،وقوانين المتعلقة بالقطاع البنكي وصرف العملة وتغييرها….

والجدير بالذكر، أن الأولوية التي تشغلها القواعد البوليس في مواجهة قواعد التنازع هي أولوية مطلقة، لا تتعطل حتى أمام حكم واجب التطبيق بمقتضى اتفاقية دولية، وهو ما كرسته المادة 9 من اتفاقية روما لسنة 1980 المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية حيث نصت على أن ” أحكام الاتفاقية الحالية لا يمكن أن تنال من تطبيق القوانين الآمرة في  بلد القاضي وذلك أيا كان القانون الواجب التطبيق على العقد”[6].

وقد انتهى جانب من الفقه المعني بدراسة هذا النوع من القواعد إلى ضرورة اعتماد المعيار الوظيفي أو الموضوعي للكشف وتقييم قاعدة قانونية بأنها ترقي إلى مصاف قواعد بوليس تطبق على النزاعات الداخلية و الدولية الخاصة دون تفرقة، بعد أن خلصوا إلى عدم كفاية معيار الغاية أو الهدف وكذلك المعيار العضوي والمادي، فقام هذا المعيار عليهما معا تبعا للوظيفة التي تؤديها القواعد في النظام القانوني الذي تعد جزء منه[7].

وعليه فإن تطبيق قواعد البوليس يستوجب أن يتحقق فرضان:

– أن نكون بصدد اختيار من قبل أطراف العقد الدولي لقانون ليس على صلة وثيقة بالعقد.

– أن تكون هناك قاعدة أمرة تنتمي إلى نظام قانوني معين، وترغب في الانطباق على النزاع المعروض على القاضي لوجود صلة وثيقة تربطها بهذا النزاع.

وإلى هنا تبرز أهمية دراسة موضوع إعمال قواعد البوليس أمام المحكم الدولي في كون المحكم ليس له قانون اختصاص داخلي يستند إليه ،مما يرتب على المحكم مراعاة قواعد البوليس في مقر التحكيم،وبلد التنفيذ،وبلد صدور الحكم ،وذلك من أجل ضمان فعالية الحكم التحكيم الذي سيصدره مع مراعاة عدم الخروج عن توقعات الأطراف المشروعة لان المحكم يكون ملتزما بإرادة الأطراف والخروج عنها قد يؤدي إلى الإخلال بها.

ومن هذا المنطلق تبرز الإشكالية المحورية للموضوع في:

ففي ظل خصوصية الالتزامات التعاقدية الدولية التي يكون لها ارتباط بأكثر من نظام قانوني لدول مختلفة،فما مدى التزام المحكم بتطبيق قواعد البوليس الواردة في هذه الأنظمة القانونية على النزاعات المعروضة عليه وما حدود ذلك؟

ولا شك أن معالجة هذه الإشكالية تقتضي نهج مقاربة تحليلية في إطار التقسيم التالي:

 

المبحث الأول:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء تقييم قابلية المنازعة للتحكيم

المبحث الثاني:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء  تفعيل القانون الواجب التطبيق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء تقييم قابلية المنازعة للتحكيم

أثبتت الممارسة العملية لقضاء التحكيم ضرورة وضع قوانين البوليس في الاعتبار في تقييم القابلية للتحكيم لأسباب مرتبطة بمبدأ فاعلية الحكم التحكيمي وإحترام توقعات الأطراف(المطلب الأول) كما أن إعمال هذه القوانين في القابلية للتحكيم يكون بشروط محددة(المطلب الثاني).

المطلب الأول:أسباب إعمال قواعد البوليس في القابلية للتحكيم

لاشك أن غياب قانون اختصاص يلزم المحكم بتطبيقه وفي ظل سيادة الطابع الاتفاقي للتحكيم فإن حرية المحكم تكون مقيدة بما يجعله في تطبيقه لهذه القواعد يحقق مبدأ فاعلية الحكم التحكيمي (الفقرة الأولى) ومبدأ إستمرار التحكيم وإحترام التوقعات المشروعة للأطراف(الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:مبدأ فعالية الحكم التحكيمي

ويقصد بمبدأ فعالية الحكم التحكيمي قابليته للتنفيذ، أي عدم مساسه بنظام العام الدولي لبلد التنفيذ، مما يستوجب على المحكم إصدار حكما غير مخالف للنظام العام وتحديدا قوانين البوليس [8]، وهو ما أكدته اتفاقية نيويورك على مستويان:

أولا:احترام قواعد البوليس لبلد صدور الحكم التحكيمي

استنادا إلى المادة 5 من اتفاقية نيويورك[9] ،فإن حكم التحكيم يجب أن لا يتضمن ما يمس بالنظام العام لبلد صدوره، أي أن المحكم عليه التحلي باليقظة وتجنب أسباب البطلان المتعلقة بالقابلية للتحكيم، والمكرسة في قانون الدولة التي صدر الحكم فيها،غير أن الأمر لا يستقيم في ذات المنحى إذا تعلق الأمر بقواعد البوليس الأجنبية عن القانون الواجب التطبيق على القابلية للتحكيم، فهنا يكون تطبيق قانون دولة مقر الهيئة التحكيمية حالة استثنائية في التطبيق.

ثانيا:احترام قواعد البوليس لبلد تنفيذ الحكم التحكيمي

إن احترم قانون بلد التنفيذ يترجم مبدأ فاعلية الحكم التحكيمي، مما يقتضي من المحكم احترام قواعد البوليس التابعة لقانون دولة التنفيذ لأن القضاء سيرفض تنفيذ الحكم التحكيمي لتعارضه مع قواعد البوليس المنتمية لقانونه نظرا للرابطة الوثيقة بين قواعد البوليس لهذا البلد والمسألة المثار حولها النزاع.

واستنادا إلى ما جاءت به الاتفاقيات الدولية ، وإقرارها حق الدول في الامتناع عن الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه ، من خلال دفعين ، الأول هو الدفع بعدم قابلية النزاع للتحكيم ، والثاني هو الدفع بمخالفة النظام العام ، دون أن ترفق ذلك بقواعد موضوعية لإلزام الدول بذلك[10]، ففي بروتوكول جنيف لسنة 1923 المتعلق بشرط التحكيم ، من بين الشروط المدرجة في المادة الأولى شرط يقضي بان يكون موضوع النزاع من الأمور التي يمكن حسمها بالتحكيم وفقا لقانون الدولة المراد الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم بها[11]، ولم تختلف اتفاقية جنيف الثانية عن سابقتها في هذا الشأن مؤكدة رفض الاعتراف والتنفيذ لحكم التحكيم تحت دفعين هما الدفع بعدم قابلية النزاع للتحكيم ، والدفع بمخالفة النظام العام[12]، وكذلك اتفاقية نيويورك  في مادتها الخامسة فقرة 2 التي نصت ” يجوز للسلطة المختصة في الدولة المراد الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم فيها أن ترفض ذلك من تلقاء نفسها إذا تبين لها أن موضوع النزاع طبقا لقانون ذلك البلد لا يجوز حله بالتحكيم، وأن لا يكون الاعتراف أو التنفيذ الحكم يتعارض مع قواعد النظام العام لذلك البلد[13]“.

 

غير أن هذا الأمر ليس مطلقا ففي قضية رقم 6106 لغرفة التجارة الدوليةCCI  رفض المحكمون تطبيق قانون مكان التنفيذ المحتمل لتقدير قابلية النزاع  للتحكيم معللين ذلك بصعوبة التحديد المسبق لمكان التنفيذ نظرا لتعدد الأماكن التي تتواجد بها أموال المدين، حيث سيطلب من القضاء الموجود على إقليمه تنفيذ  القرارات وهذا سيثير مسائل تنازعية حسب اختلاف القوانين[14].

الفقرة الثانية:مبدأ استمرارية التحكيم واحترام التوقعات المشروعة للأطراف

يلتزم المحكم باحترام قواعد النظام العام وبالأخص قواعد البوليس، لأن في ذلك ضمانة لديمومة التحكيم واستمراره كوسيلة ناجعة لحل منازعات التجارة الدولية، ولتفادي امتناع القاضي الوطني للدول المراد تنفيذ فيها حكم التحكيم نظرا لمخالفته لقواعد البوليس الواردة في النظام القانوني لدولته، فهي تفرض تطبيقها برغم من الحرية الممنوحة للأطراف في عرض نزاعاتهم و توسيع نطاق القابلية للتحكيم بما يوسع اختصاص المحكم، يفترض دائما على الأطراف وعلى المحكم احترام قواعد النظام العام.

فهذا الأخير ملزم تجاه الأطراف المتنازعة بالقيام بمهامه واحترام توقعاتهم، وملزم باحترام تشريعات الدول ذات الصلة بما يحقق رقي وازدهار التجارة الدولية ليصبح التحكيم أنجع الوسائل لحل نزاعاتها.

وقد تجسد ذلك في قضايا تحكيمية كما في القضية رقم 697 التي أشار فيها المحكمون إلى ضرورة الحفاظ على مؤسسة التحكيم كوسيلة ملائمة للتجارة الدولية، وللحفاظ على سمعة ومكانة التحكيم الدولي،الذي أثبت أنه الوسيلة الوحيدة لتسوية منازعات التجارة الدولية ولحماية معاملاتها[15].

وعلى نحو آخر، يتعين على المحكم مراعاته هو تحقيق رغبة الأطراف، وذلك من خلال احترام التوقعات المشروعة لهم في القانون الواجب التطبيق الذي توقعوا تطبيقه،غير أن إعمال هذا المقتضى يكون في الحالة التنازع الايجابي بين عدة قوانين البوليس تريد الانطباق على القابلية للتحكيم ، بحيث يتم الأخذ في الاعتبار للتوقعات المشروعة للأطراف في فض التنازع لصالح قواعد البوليس الموافقة لتوقعاتهم المشروعة، مع الإشارة أن دور مبدأ إحترام التوقعات المشروعة للأطراف عند تطبيق قواعد بوليس أجنبية هو ترجيح تطبيق قاعدة بوليس تنتمي إلى قانون ما، أكثر من كونه مبرر لتطبيق قواعد البوليس من حيث المبدأ[16].

وبالتالي فإن احترام التوقعات المشروعة للأطراف هو الدافع الرئيسي لإعمال المحكمين لقواعد بوليس أجنبية تكريسا للطابع الاتفاقي للتحكيم الذي يفرض على المحكم الخضوع لسلطتهم في حدود المستطاع حتى لا يفاجأ الأطراف بتطبيق قواعد بوليس غير متوقعة لديهم.

فإذا كانت هذه هي المبررات والأسباب التي تفرض على المحكم ضرورة مراعاة قواعد البوليس الأجنبية وتطبيقها، فهي غير كافية بل يجب أن يتوفر إلى جانب ذلك شروط الإعمال لهذه القواعد.

المطلب الثاني: الشروط إعمال قوانين البوليس في القابلية للتحكيم

لا يمكن تطبيق قوانين بوليس تنتمي إلى قانون أجنبي عن القانون المختص، أن يرقى إلى الأخد بالاعتبار إلا وفق مجموعة من المحددات تتجلى في كونه معنيا بالقابلية للتحكيم،وعلى علاقة وثيقة بها(الفقرة الأولى )، وأن يكون هذا التطبيق مشروعا(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:أن يكون قانون البوليس على علاقة وثيقة بالقابلية للتحكيم

إن تقدير القابلية للتحكيم يتحدد في ضوء قواعد البوليس التي تعكس تدخل الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يقتضي وجوب تطبيق قوانين البوليس في نطاقها المكاني على جميع النزاعات التي تدخل في نطاقها نظرا لكونها معنية بالقابلية للتحكيم ،مما  يعني توافر معايير وشروط التطبيق المكاني لهذه القواعد فقد يفصح القانون عن معايير التطبيق لهذه القواعد كما قد يخلو من ذلك ، وهنا يجب البحث في نطاق تطبيقها من خلال أهدافها التي قد تكون حماية لمصلحة عامة كما في المنازعات المتعلقة بالمنافسة تكون قابلة للتحكيم في بعض الأنظمة القانونية،ومع ذلك يجب تطبيق قوانين البوليس الخاصة بالمنافسة في الدول التي تتأثر بالتصرفات المقيدة للمنافسة  فيكون على المحكم تطبيق قانون المنافسة بوصفه قانون بوليس كلما كانت له أسبابه المشروعة في التطبيق.

وقد تمثل قواعد البوليس حماية لمصلحة خاصة كما في قانون حماية المستهلك،إذ تنص المادة 6 فقرة 2 من اتفاقية روما على انه “بغض النظر عن نص المادة 3 فإنه لا يكون لاختيار الأطراف قانونا واجب التطبيق 2 موجبا لحرمان المستهلك من الحماية التي تؤمنها له القواعد الآمرة في قانون بلد إقامته المعتاد”[17] فحتى لو كانت المادة تتعلق بالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ،لكن لها اثر على القابلية للتحكيم في حالة كان قانون محل الإقامة ينص على منع اللجوء إلى التحكيم في عقود الاستهلاك، وهذا يعني أنه كلما كان قانون البوليس معنيا بالوضع المتنازع عليه يكون المحكم ملزم بتطبيقه إذا ما توفرت الصلة بين قانون البوليس والمسألة محل النزاع.

وعلى نحو أخر يجب على المحكم أن يتحقق من الصلة الوثيقة لقانون البوليس بالمسألة محل النزاع،من خلال تأكد بأن هناك رابطة بين المسألة محل النزاع والقانون الداخلي للدولة المتضمن قاعدة البوليس، والذي قد يكون قانون دولة مكان التنفيذ للعقد،أو إذا كانت إحدى الدول طرفا في العقد، وقاعدة البوليس التابعة لقانونها لها صلة بالنزاع، فإذا ما كانت قواعد البوليس في القوانين التي لها رابطة تريد التطبيق و لذات الهدف والمصلحة ، فتطبيق أحد هذه القوانين هو تطبيق من زاوية أنه يحقق الهدف والمصلحة التي ترمي إليها هذه القوانين إلى تحقيقها بما ينفي تنازعها[18].

فوجود صلة وثيقة بين قانون البوليس والمسألة المتنازع حولها يبرر الأخذ بهذه القواعد في التطبيق .

ففي إحدى القضايا عمد المحكمون إلى تطبيق قانون البوليس لمكان تنفيذ العقد،فقضوا بوجوب تنفيذ العقد بسوريا والأردن ولبنان،وأنه يتعين على المستورد اللبناني احترام قوانين لبوليس للبلاد المستوردة،ولا يمكن للمصدر الياباني الادعاء بأن لا وجه لإلزامه بهذه القوانين[19]، كما أن مكان إجراء التحكيم أو مكان تنفيذ الحكم التحكيمي يشكل أيضا معيارا للصلة الوثيقة بين قواعد البوليس فيه والمسألة محل النظر المتعلقة بالقابلية للتحكيم،وقد نص المشرع السويسري في المادة 19 من القانون الدولي الصادر بتاريخ 1987على شرط الصلة[20]مثله مثل اتفاقية روما لسنة 1980 والتي وقع تعديله سنة 2011 في المادة9 [21]،فكلاهما تطلب شرط الصلة الوثيقة بين قانون البوليس الأجنبي والمسألة محل النزاع لتقييم مدى قابلية النزاع للتحكيم أو تحديد قانون الواجب من خلال الأخد بالاعتبار القواعد الآمرة التي  لها صلة وثيقة بالنزاع.

غير أن كلا الشرطين السابقين يقتضيان لتطبيقهما وأخذهما في الاعتبار

توافر شرط آخر .

الفقرة الثانية:مشروعية المصلحة المحمية

حتى يتسنى للمحكم تطبيق قانون البوليس يجب عليه أولا تقدير مشروعية المصلحة التي يرمي إلى حمايتها من خلال الأخذ بالاعتبار موضوع النزاع وطبيعته ونتائج التطبيق لقواعد البوليس الأجنبية ، فكلما كان القانون الأجنبي مشروعا تحقق شرط تطبيقه وهو ما كرسه المشرع البلجيكي في القانون الدولي الخاص لسنة ‌2004[22].

فتقدير مشروعية المصلحة المحمية لن يكون صعبا بالنسبة للقاضي كونه يستند لقانونه في تقديرها، بينما يصعب الأمر بالنسبة للمحكم بسبب عدم وجود قانون اختصاص لهذا الأخير مما يجعله أمام بعض الفروض لتقييم مشروعية المصلحة المحمية.

أولا:اللجوء إلى مفاهيم القانون المختار

من خلال بعض الأحكام التحكيمية نجد أن المحكمين اعتبروا القانون الواجب التطبيق قانون اختصاص لهم في ضوئه تتحدد مشروعية المصلحة المحمية،فقد أشار الحكم الصادر عن تجار جمعية الحبوب بأمستردام إلى مصلحة الاقتصاد الهولندي ورفضه تطبيق القانون النمساوي [23]،وكأن المحكمين اعتبروا أنفسهم قضاة،ولم يسلم هذا اتجاه المنادي  باعتبار قانون المختار قانون اختصاص بالنسبة للمحكم الذي يجعله كالقاضي حارس لمصالح الدولة المختار قانونها كقانون واجب التطبيق لإعتبارات مرتبطة بطبيعة التحكيم الدولي الذي يفترض فيه الاستقلالية عن الأنظمة القانونية الداخلية،وهو ما جعل البعض يدعو إلى تقدير المصلحة  المحمية المشروعة انطلاقا من التطابق بين أهداف قانون البوليس الأجنبي وقواعد النظام العام في القانون المختار.

وقد تكرس هذا الأمر في الحكم التحكيمي رقم 6294 حين قضى المحكمون بضرورة النظر إلى الهدف المتوخى من قانون البوليس الأجنبي في ضوء القواعد القانونية السويسرية باعتباره القانون الواجب التطبيق استنادا إلى المادة 19 من القانون الدولي الخاص السويسري التي تجيز تطبيق القوانين الأجنبية[24].

ثانيا:اللجوء إلى قوانين الدول التي لها ارتباط بالنزاع

عندما يرتبط النزاع بدول مختلفة إما عن طريق جنسية أحد الأطراف أو التنفيذ أو حالة تعدد أماكن التنفيذ أو مكان الإبرام، فان المحكم يلجأ إلى جميع هذه القوانين من أجل تقدير مدى المشروعية المصلحة المحمية، وتجسد ذلك في حكم لغرفة التجارة بزيوريخ في 31 ماي 1996 حيث رفض المحكمون الأخذ في الاعتبار قواعد  نظام عام روسي، معتبرة عملية اكتساب الحصص في الشركة صحيحة بما يزيد عن % 15 لشركة مجرية و % 20 لشركة أرجنتينية والتي يعتبرها القانون الروسي مخالفة للنظام العام رغم أن مكان التنفيذ روسيا وبنكها قد رفض التنفيذ[25].

   ثالثا:اللجوء إلى مفاهيم النظام العام عبر الدولي

النظام العام عبر دولي هو تعبير عن المبادئ والقيام السائدة في مجتمع التجارة الدولية العابرة للحدود،وهو قانون اختصاصهم، وهم حراس عليه،ومصدره قواعد الآمرة الدولية التي تنتمي إلى القانون العام والمعاهدات الدولية والعرف الدولي ومبادئ القانون الموحد UNIDROIT  و المبادئ العامة المذكورة في المادة 38 من نظام محكمة العدل الدولية لتقييم مشروعية المصلحة المحمية.

المبحث الثاني:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء  تفعيل القانون الواجب التطبيق

يقتضي على المحكم أثناء تفعيل القانون الواجب التطبيق مراعاة قوانين البوليس الواردة في بعض الأنظمة القانونية لدول لها ارتباط وثيق بالنزاع حتى يكون للحكم الذي سيصدره قوة نفاد واسعة (المطلب الثاني) و في بعض الأحيان يضطر المحكم إلى استبعاد قوانين بوليس من التطبيق (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التزام المحكم بتطبيق قوانين البوليس المنتمية لقانون العقد أو الأجنبية عنه

أشرنا فيما سبق أن المحكم ليس له قانون اختصاص داخلي، وترتيبا على ذلك تصبح قوانين البوليس بمثابة قواعد أجنبية للمحكم، وباعتبار أن المحكم يستمد اختصاصه وسلطاته من إرادة أطراف العلاقة العقدية، فإنه يتعين عليه أن لا يخرج عن هذه الإرادة وأن يصون التوقعات المشروعة للأطراف المتعاقدة[26].

غير أنه ينبغي على المحكم كضريبة لضمان تنفيذ حكمه، أن يطبق قوانين البوليس لأنه إذا لم يطبق هذه القواعد التي تحمي المصالح الأساسية للدولة، فإنه سيعرض حكمه في  الدولة إلى رفض تذييله بالصيغة التنفيذية لخرقه قاعدة أمرة واردة في النظام القانوني لهذه الدولة.

وعليه، إذا كان من الممكن للمحكم الالتزام بقواعد البوليس التي تنتمي لقانون العقد فما مدى الزاميته بتلك التي تنتمي لقانون أجنبي عن العقد؟

الفقرة الأولى:التزام المحكم بالقواعد البوليس المنتمية إلى قانون العقد

تثير هذه الحالة إشكال قابلية هذه القواعد للتطبيق وليس تحديد هويتها، بحيث ينبغي على المحكم تطبيق قوانين البوليس التي تنتمي إلى النظام القانوني الذي ينتمي إليه العقد، تحت تحفظ وحيد هو عدم مخالفتها للنظام العام الدولي الحقيقي الذي يفرض نفسه على المحكم.

و على سبيل المثال في حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدّولية بباريس سنة3611 تم استبعاد القانون السوري-قانون العقد- الخاص بمقاطعة إسرائيل وبصفة أدق استبعد المحكمون قواعد البوليس المتعلقة بالحضر الاقتصادي على إسرائيل المنصوص عليه في قرارات الجامعة العربية لمخالفتها للنّظام العام الدّولي الحقيقي، لأنه يقوم بحسب المحكمون على التمييز العنصري والديني والعرقي، وهو ما يصطدم بمبادئ النظام العام الدولي الحقيقي المستند على مبدأ حرية التجار وعدم التمييز 72 [27]على الرغم أن أطراف النزاع هي التي اختارت قانون العقد الذي تنتمي إليه القواعد ذات التطبيق الضروري، وتختلف معالجة المحكمون لمشكلة تدخل القواعد ذات التطبيق الضروري لقانون العقد بحسب ما إذا كان الأطراف هم اللذين اختار القانون(أولا) أو المحكم(ثانيا).

أولا:تحديد قانون العقد من قبل الأطراف

يلتزم المحكم بتطبيق هذا القانون المختار كما هو وبنصوصه المتعلقة بالنظام العام حتى ولو كانت مخالفة لنصوص العقد، فالقانون المختار على هذا النحو هو القانون المختص بالرابطة العقدية، وإعمال قوانين البوليس في هذا القانون لا تشكل مفاجأة للمتعاقدين، ولا تخل بتوقعاتهم المشروعة ، فالطابع الاتفاقي للتحكيم يقتضي حرص المحكمين على احترامها[28].

أما إذا استنتج المحكم أن إرادة الأطراف هدفها اجتناب القواعد المتعلقة بالنظام العام ففي هذه الحالة يحترم هذه الإرادة التي كان بإمكانها اختيار قانون للعقد لا يحتوي قواعد متعلقة بالنظام العام[29]

ونفس الوضع في الحالة التي يتبين فيها للمحكم أن الأطراف قد أرادت الإفلات منه، فلا يمكنه إعطاء أي اثر لإرادتهم، إلا إذا رأى بأنها غير مخالفة للنظام العام[30].

و يستخلص من هذا ضرورة احترام إ رادة الأطراف عند تحديد القانون الواجب، وإذا تعلق  الأمر بقواعد داخلية ذات طابع أمر، فإن إعمالها يتطلب احترام توقعات الأفراد وعدم مفاجأتهم بتطبيق قاعدة قانونية لا يتوقعونها[31].

و يميل جانب كبير من أحكام المحكمين إلى ترجيح تطبيق قواعد البوليس السائدة في الدولة التي يتوقع الأطراف تطبيق قانونها، فإذا تبين للمحكم أن قاعدة من قواعد البوليس التي تريد الانطباق ستؤدي إلى مفاجأة للأطراف، فإنه يتجاهل إعمالها مفضلا الرجوع إلى القاعدة التي لا تفاجئ  توقعاتهم، فالمحكمون يستمدون اختصاصهم من إرادة الأطراف ، فهم يحاولون قدر طاقتهم ألا يتصدوا لوضع حلول تشكل مفاجأة لهذه الإرادة احتراما لليقين القانوني[32].

ومن هنا كان ميل المحكمين إلى فض التنازع الايجابي بين قواعد البوليس المرتبطة بالعلاقة العقدية في ضوء هذا الاعتبار، وذلك بالاتجاه إلى تطبيق القاعدة التي يتوقع المتعاقدون تطبيقها، ولا يشكل تطبيقها على هذا النحو مفاجأة لهم.

فغالبية الأحكام التحكيمية تطبق قواعد البوليس التي تنتمي لقانون العقد، خاصة فيما لو تصدى المتعاقدون لاختيار هذا القانون وتحديد مجال انطباقه، وذلك باستبعاد بعض الشروط في عقدهم من الخضوع لهذا القانون إذا كانت باطلة بموجبه، لأنه كان في استطاعتهم اختيار قانون آخر يعتبر هذه الشروط صحيحة[33].

ثانيا:تحديد قانون العقد من قبل المحكم

في غياب الإشارة إلى القانون المختص من قبل الأطراف، أو القيام باختيار قانون ولكنه يتضمن قواعد بوليس مختصة مخالفة لقواعد النظام العام، هنا يتولى المحكم مهمة تحديد قانون العقد، وتكون كل القوانين التي تطمح إلى التطبيق على العقد على قدم المساواة، وفي نفس المستوى أو الدرجة، مادام المحكم لم يقرر تطبيق قانون من بينها مهتما باحترام رغبة الأطرف المشروعة التي كان بإمكانها اختيارها كقانون يحكم العقد[34].

وقبل تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد، يقوم المحكم باستخلاص النتائج المترتبة عن عدم التطابق الموجود بين نصوص العقد ومضمون القانون المحتمل تطبيقه[35].

ومن الممارسات التحكيمية في هذا الشأن حكم محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة في القضية رقم 4132 لعام 1983 في نزاع يتعلق بعقد ينفذ جزء منه في CCI الدولية كوريا وجزء أخر في إقليم المجموعة الاقتصادية الأوروبية[36]، حيث ثار تساؤل حول تطبيق قواعد البوليس التابعة للقانون الكوري أم التابعة لمعاهدة روما في مادة المنافسة، وقام المحكم بفحص القانونين قبل تحديد القانون، وخلص إلى وضع قوانين البوليس التابعة للقانون المختار في نفس مرتبة قوانين البوليس الأخرى القابلة للتطبيق.

الفقرة الثانية:مدى التزام المحكم بقوانين البوليس الأجنبية عن قانون العقد

إذا كان القاضي يجري تفرقة بين قاعدة البوليس في قانونه وقانون البوليس الأجنبي، ويعطي الأفضلية لقانون البوليس في قانونه أيا كان القانون الواجب التطبيق على العقد، فالمحكم لا يعالج المشكلة بنفس الطريقة لافتقاره إلى قانون اختصاص، فإعمال المحكم لقواعد البوليس التي لا تنتمي لقانون العقد يكون باعتماد المنهج الأحادي، وذلك بشرط أن تكون هناك صلة معقولة بين مضمون هذه القواعد وأهدافها ونطاق تطبيقها كما حددها مشرعها من ناحية أخرى[37] .

يأخذ المحكم على هذا الأساس قوانين البوليس الأجنبية بعين الاعتبار عند قيامه بتطبيق قوانين البوليس التي تنتمي إلى قانون العقد، أما الأجنبية عن العقد فيلتزم في مواجهتها بمجرد المراعاة.

وهذا ما اتجهت إليه بعض الأحكام إذ رفضت تطبيقها ووضعتها في اعتباراتها، ففي حكم محكمة التحكيم في غرفة التجارة الخارجية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية حيث ثار نزاع بين شركتين ألأولى من ألمانيا الشرقية والثانية من ألمانيا الغربية، وتم الاتفاق في العقد على تطبيق قانون ألمانيا الشرقية، في حين تمسكت مؤسسة ألمانيا الغربية بقانون دولتها الذي يؤكد حرية المنافسة للانتهاء إلى إبطال العقد الذي خالف هذا القانون الذي يعد من قوانين البولیس ذات التطبيق الضّروري التي لا تنتمي إلى قانون العقد.

وبدلا من إبطال العقد وفقا لقاعدة البوليس التي تريد الانطباق على هذا النحو اكتفت محكمة التحكيم بوضع هذه القاعدة في اعتبارها عند تطبيق قانون العقد، أي قانون ألمانيا الشرقية الذي تنص المادة 306 من تقنينه المدني على أنّ ‹‹ العقد الذي يستحيل تنفيذه يعد باطلا»[38]

وقررت المحكمة أنه كان يجب على المدعى عليه أن يثبت وجود استحالة مادية حتى يمكن إبطال العقد وفق لقانون ألمانيا الشرقية، وقد انتهت المحكمة إلى صحة العقد رغم أن القضاء ببطلانه كان متعينا دون حاجة لذلك فيما لو كانت المحكمة قد طبقت قاعدة  البوليس المقررة في قانون ألمانيا الغربية[39].

تكتفي غالبية أحكام المحكمين بفكرة قواعد البوليس التي لا تنتمي لقانون العقد بوضعها  في الاعتبار دون التصدي لتطبيقها، قد قصد به عدم الاصطدام بمصالح الأفراد، في حين اتجهت بعضها إلى تطببيق قواعد البوليس التي لا تنتمي لقانون العقد، وحرصت على تطببيق هذه القواعد احترما للتوقعات المشروعة للأطراف، ووجود صلة وثيقة بين قانون البوليس والمسألة موضوع النزاع وتتمثل في مكان تنفيذ العقد، ومن أمثلة هذه الأحكام القضية رقم 1859 لعام 1973 والتي طبق فيها المحكم قواعد البوليس السائدة في قانون دولة تنفيذ العقد ( لبنان، سوريا، الأردن) رغم خضوع الرابطة العقدية لقانون آخر بمقتضى منهج التنازع، وتبعا لذلك فالمستورد اللبناني ملزم باحترام قوانين البوليس في بلاد الاستيراد، ولا يمكن للمصدر الياباني الادعاء بأنه لا يجوز التمسك بهذه القوانين في مواجهته[40].

المطلب الثاني: حدود استبعاد تطبيق قوانين البوليس من طرف المحكم

نتناول في هذا الجانب أسباب رفض المحكم تطبيق قوانين البوليس إلى جانب قانون العقد (الفقرة الأولى)،ثم نعرج على الوقوف عند حلول فض تنازع  بين قوانين البوليس امام المحكم(القرة الثانية)

الفقرة الأولى: حدود رفض المحكم تطبيق قواعد البوليس إلى جانب قانون العقد

 اتجهت بعض الأحكام التحكيم إلى رفض تطبيق قواعد البوليس التي لا تنتمي لقانون العقد، لاعتبارات تتعلق بأن تطبيقها سيؤدي إلى الإخلال باليقين القانوني للأطراف، وبالوقوف على الممارسات نجد أن المحكمين امتنعوا عن تطبيق قواعد البوليس في قانون العقد لأسباب مختلفة تتمثل في:

أولا: لمخالفتها النظام العام عبر الدولي

امتنع المحكمون عن تطبيق قواعد البوليس الأجنبية التي يتعارض هدفها مع النظام العام عبر الدولي، فإذا كان المحكم يراعي النظام العام في الدولة التي يختص قانونها بحكم الرابطة العقدية بمقتضى منهج التنازع، وهذا هو الاتجاه الغالب، وبصفة خاصة الدولة التي اختار الأطراف قانونها الداخلي لحكم العلاقة العقدية، بشرط ألا يتعارض مع النظام العام الدولي، والذي هو تعبير عن المبادئ والقيم السائدة في مجتمع التجارة الدولية العابرة للحدود، وهو قانون اختصاصهم، وهم حراس عليه.

ومن الممارسات التحكيمية في هذا الشأن امتناع المحكمون عن تطبيق القانون السوري بمقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل بحجة تعارضه مع حرية التجارة ومبادئ عدم التميز المتعلقة بالنظام العام عبر الدولي أو المشترك، والذي ينبغي أن يعلو عن النظام العام الداخلي[41].

وفي قضية (GOTAVERKEN)  فقد رفض الطرف السويدي وضع شرط المقاطعة الكامل ضد إسرائيل، إلا أن الطرفين اتفقا رغم ذلك على تضمين في العقد شرط  يلتزم بمقتضاه المتعاقد السويدي (Certificat de Garantie D’origine ) ضمان الأصل بعدم الحصول على المواد والتجهيزات من إسرائيل، وفي غياب اتفاق مسبق على القانون الواجب التنفيذ على العقد، فالاختصاص يعود للقانون السويدي، ولكن بعد أن استبعدت هيئة التحكيم تطبيق قواعد البوليس في القانون الليبي المتضمن التزاما بالمقاطعة لتعارضه مع النظام العام عبر الدولي، فلم يجد المحكمون أي قاعدة في القانون السويدي تحظر شرط المقاطعة المحدود بشهادة ضمان الأصل التي اشترطها الطرف الليبي[42].

ثانيا: لمخالفتها مبدأ حسن النية

يسود حسن النية تنفيذ جميع العقود، وهو من المبادئ الهامة في ميدان التحكيم التجاري الدولي، فالعقود جميعها في القانون الحديث قوامها في التنفيذ حسن النية [43]، فقد قام المحكمون باستبعاد القوانين الداخلية بسبب مخالفتها حسن النية، سواء كانت هذه القوانين منتمية للقانون الواجب أم أجنبية عنه، ومن أمثلة هذه القرارات تلك التي استبعدت تطبيق القوانين الداخلية التي تحظر على الدولة اللجوء إلى التحكيم.

ثالثا: مخالفتها توقعات المتعاقدة المشروعة

يحرص المحكمين على احترام توقعات المتعاقدين المشروعة، وهذا هو النتيجة الطبيعية للطابع الإتفاقي للتحكيم، الذي يقضي باحترام توقعات الأفراد الذين هم مصدر سلطة المحكم، فيعمدوا إلى عدم تطبيق قواعد البوليس الأجنبية متى كانت مخالفة لتوقعاتهم عند إبرام العقد.

وقصد الاستجابة لهذه التوقعات دفعت المحكمين إلى استبعاد قواعد البوليس الأجنبية،واستبعاد قواعد البوليس المنتمية إلى القانون الواجب التطبيق على العقد، بل يجب التعامل بحذر مع هذه القواعد، فعدم احترام قواعد البوليس في مكان التنفيذ بحجة مخالفتها لتوقعات الأفراد يجعل القضاء يرفض تنفيذ القرار التحكيمي.

الفقرة الثانية:ضوابط فض التنازع بين قوانين البوليس أمام المحكم

من بين المشاكل القانونية التي تطرح أمام المحكم الدولي أثناء تفعيل القانون الواجب التطبيق على المنازعة،هي كيفية فض التنازع الايجابي بين قوانين البوليس التي تريد الانطباق على جوهر النزاع (أولا) بالإضافة إلى صعوبة أخرى تتجلى في تطبيق قوانين البوليس في زمان(ثانيا).

 أولا: التنازع الايجابي بين قوانين البوليس

لاشك فيه انه لا صعوبة في الأمر تثار ،إذا كان هناك قانونا أجنبيا واحدا،تريد قوانين البوليس فيه التطبيق، فالمحكم يطبقها إذا كانت الواقعة أو المسألة  المعروضة تدخل في نطاق سريانها.

ولكن قد يصعب الأمر إذا كانت هناك أكثر من قاعدة من هذا النوع  تريد الانطباق[44]،فيحدث أن يكون هناك تنازع ايجابيا بين أكثر من قانون أجنبي،فأي القوانين يكون له الأفضلية.

فيذهب فريق من الفقه إلى تطبيق قانون الدولة التي كان يمكن أن تختص محاكمها بالفصل في النزاع وتم سلب الاختصاص منها لصالح التحكيم،ويبرر هذا الاتجاه رأيه أنه عادة ما تختص محاكم الدولة التي يكون النزاع على صلة بنظامها القانوني وهو ما يبرر تطبيق قواعده وهذا يشكل مظهرا من مظاهر الواقعية في حلول القانون الدولي الخاص.

والراجح،أنه من الملائم أن يطبق المحكم قانون الدولة التي لها مصلحة حقيقية وجدية في أن يسري قانونها[45]،فقد يكون قانون الدولة التي يجب أن ينفذ فيها الحكم الصادر،فلا أهمية لحكم بغير تنفيذ يكون شبه مجرد من كل قيمة،حيث إن الحماية القضائية التي يقررها لا تعدو أن تكون نظرية لا يرتفع بها الاعتداء بها الواقع على الحق أو المركز القانوني المتنازع عليه.فدولة محل التنفيذ عادة هي التي تكون مصالحها أقوى وأجدر بالحماية،وفيها تنتهي أخر مراحل النزاع،كما يقتضي تدخل السلطة العامة بها،وهؤلاء لا يخضعون في عملهم إلا لأوامر مشرع دولتهم.

وعموما، يجب أن يترك للمحكم أن يقدر أي القوانين هو الأجدر بالتطبيق، فهذا لا يعني التزامه بتطبيق القانون الذي يعتبره مختصا في جميع الحالات،فقد تحول دون ذلك عقبات فنية معينة.

ثانيا:تطبيق قوانين البوليس في الزمان

قد يصادف المحكم في بعض الأحيان مشكلة في غاية الأهمية وهي تطبيق قوانين في الزمان،وهنا يطرح السؤال إذا كان يجب أن يؤخذ في الاعتبار التغيير في الوضعية التشريعية بين تاريخ إبرام العقد والنزاع أو اللحظة التي يحكم فيها المحكم ففي هذا التغيير لمحتوى قانون البوليس قد يكون عبارة عن تغيير أو حذف،ولحل هذه المشكلة يجب على المحكم اعتماد مقاربة مشابهة تماما لتلك المقترحة لفحص شرعية تطبيق قانون البوليس من خلال البحث في هذا القانون والحق الذي ينتمي إليه ليرى كيف يتم حل هذه المشكلة،وهو المنطلق الذي اتبعه المحكم في حكم غرفة التحكيم في ميلانو رقم 1491 بشان الحصار الأوروبي على العراق بحيث كان مستحيلا تنفيذ العقد،وقد استنتج المحكم من بنود التشريع المتعلق بالحصار أنه ينطبق أيضا على العقود لمبرمة قبل دخوله حيز التنفيذ وقد برر ذلك بطابع السياسي البارز للأحكام المتنازع عليها والتي لها صلة بالحالة المعروضة عليه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

كما رأينا سابقا أن قوانين البوليس هي مجموعة من القواعد القانونية التي تطبق بشكل مباشر على النزاعات الداخلية والدولية دون تفرقة ،والتي تهدف إلى حماية النظام العام الاجتماعي والاقتصادي لدولة وقد ظهرت مع مطلع القرن العشرين بسبب بسياسة الحمائية والتوجيهية التي أضحت تنهجها مختلف دول العالم في المجال الاقتصادي والاجتماعي حفاظ على تماسكها.

وقد اقتضى الأمر على المحكم أثناء فض المنازعات التي لها ارتباط بأكثر من نظام قانوني لدول مختلفة إما عن طريق التنفيذ أو الإبرام أو جنسية الأطراف مراعاة تطبيقها حفاظا وضمانا لمبدأ قوة النفاذ الموسع للحكم الذي سيصدره واحتراما توقعات المشروعة الأطراف.

وعليه فان المحكم يكون ملزم بتطبيق قوانين البوليس في تقييم مدى قابلية المنازعة للتحكيم لأسباب مرتبطة بضمان تنفيذ الحكم الذي سيصدره عل نطاق واسع واحتراما لتوقعات الأطراف المشروعة ،وهذا التطبيق لا يكون إلا بشروط منها أن تكون لهذه القواعد صلة وثيقة بالنزاع،كما أن المحكم في بعض الأحيان يستبعد هذه القواعد من التطبيق في حالة كانت مخالفة لتوقعات المشروعة للأطراف أو لنظام العام العبر الدولي.

ولاشك فيه كذلك أن ارتباط المنازعة بمجموعة من الأنظمة القانونية لدول مختلفة يضع المحكم أمام مشكلة تنازع بين قوانين البوليس الواردة في هذه الأنظمة التي تريد الانطباق على المنازعة وانتهينا أن الحل المناسب هو ترك المجال للسلطة التقديرية للمحكم في تطبيق قوانين البوليس التي لها ارتباط وثيق بالنزاع .

ولا تقف المشاكل القانونية عند هذا الحد بل يصطدم أيضا المحكم بإشكالية تطبيق قوانين البوليس في زمان بين تاريخ إبرام العقد وتاريخ تغيير أو حذف في قوانين البوليس يكون لها تأثير على الحل القانوني للمنازعة،مما يستوجب على المحكم في هذه الوضعية الرجوع إلى الحلول القانونية في التشريع الذي وقع فيه تغيير حول تطبيق هذه القواعد مع إمكانية استبعاد تطبيقها إذا كانت مخالفة للنظام العام العبر الدولي .

قائمة المراجع

مؤلفات:

  • إبراهيم أحمد إبراهيم: “التحكيم الدولي الخاص، الطبعة الثالثة”، دار النهضة العربية، 2000.
  • أحمد عبد الحميد عشوش: “تنازع مناهج تنازع القوانين “،مؤسسة شباب الجامعة ،الإسكندرية،1989.
  • أحمد عبد الكريم سلامة:” القواعد ذات التطبيق الضروري وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص”، (دراسة تحليلية تطبيقية)الطبعة الأولى، دار النهضة العربية سنة 1985.
  • أشرف عبد العلیم الرفاعي : القانون الواجب التطبیق على موضوع التحكیم والنظام العام في العلاقات الخاصة الدولیة ، دار الفكر الجامعي، الإسكندریة ، 2003.
  • بردان اياد محمود:” التحكيم و النظام العام “، الطبعة الأولى ،منشورات الحلبي ، الحقوقية ، طبعة 2004.
  • د.هشام علي صادق:” القانون الواجب التطبیق على عقود التجارة الدولیة”، دار منشاة المعارف، الإسكندرية، 1995،ص 764.
  • عيادي فريدة:”سلطة المحكم في موضوع حل النزاعات المترتبة عن العقد التجاري الدولي”،مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون الأعمال، كلية الحقوق بن عكنون، جامعة الجزائر،2001.
  • محمود محمد ياقوت:”قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق”، دار الفكر الجامعي-الإسكندرية، 2003.
  • مصطفى الجمال ،عكاشة عبد العال : “التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية و الداخلية “، منشورات الحلبي.، بيروت، لبنان، 1998.

المقالات

  • هشام علي صادق : مدى سلطة المحكمين في إعمال القواعد ذات التطبيق الضروري “، المجلة المصریة للقانون الدولي، العدد 50، مصر، 1994.
  • محمد ولید المصري :دور المحكم الدولي تجاه شرط المقاطعة في العقود الدولیة، مجلة الحقوق، العدد الأول، الكویت، 2004.

 

 

Les ouvrages

  • BABTISTE RACINE JEAN: l’arbitrage commercial international et l’ordre public, LGDJ, 1999.
  • GUILLAUME JOHANNA: L’affaiblissement de l’état- nation et le droit international privé, L.G.D.J, Paris, 2011.
  • MAYER PIERRE : Les méthodes de la reconnaissance en droit international privé, Dalloz, Paris, 2005.
  • MONEGRE FRANCOISE: Droit international privé, 5édition, Litec, Paris, 2009.
  • PIERRE MAYER : L’autonomie de l’arbitre dans l’appréciation de sa propre compétence R.C.A.D.I 1989.
  • BABTISTE RACINE JEAN:d’arbitrabilité des litiges de propriétés industrielle revue arbitrage, 1977.

Thèse

  • CHRISTOPHE SERAGLINI : Lois de police et justice arbitrale internationale, thèse doctorat, université Paris l, 2000.

 

 

 

 

 

 

الفهرس

مقدمة. 1

المبحث الأول:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء تقييم قابلية المنازعة للتحكيم. 5

المطلب الأول:أسباب إعمال قواعد البوليس في القابلية للتحكيم 5

الفقرة الأولى:مبدأ فعالية الحكم التحكيمي. 5

أولا:احترام قواعد البوليس لبلد صدور الحكم التحكيمي. 5

ثانيا:احترام قواعد البوليس لبلد تنفيذ الحكم التحكيمي. 6

الفقرة الثانية:مبدأ استمرارية التحكيم واحترام التوقعات المشروعة للأطراف.. 7

المطلب الثاني: الشروط إعمال قوانين البوليس في القابلية للتحكيم 8

الفقرة الأولى:أن يكون قانون البوليس على علاقة وثيقة بالقابلية للتحكيم 8

الفقرة الثانية:مشروعية المصلحة المحمية. 11

أولا:اللجوء إلى مفاهيم القانون المختار. 11

ثانيا:اللجوء إلى قوانين الدول التي لها ارتباط بالنزاع. 12

ثالثا:اللجوء إلى مفاهيم النظام العام عبر الدولي. 12

المبحث الثاني:خصوصيات تطبيق المحكم لقوانين البوليس أثناء  تفعيل القانون الواجب التطبيق.. 12

المطلب الأول: التزام المحكم بتطبيق قوانين البوليس المنتمية لقانون العقد أو الأجنبية عنه. 13

الفقرة الأولى:التزام المحكم بالقواعد البوليس المنتمية إلى قانون العقد 13

أولا:تحديد قانون العقد من قبل الأطراف.. 14

ثانيا:تحديد قانون العقد من قبل المحكم 15

الفقرة الثانية:مدى التزام المحكم بقوانين البوليس الأجنبية عن قانون العقد 16

المطلب الثاني: حدود استبعاد تطبيق قوانين البوليس من طرف المحكم 17

الفقرة الأولى: حدود رفض المحكم تطبيق قواعد البوليس إلى جانب قانون العقد 18

أولا: لمخالفتها النظام العام عبر الدولي. 18

ثانيا: لمخالفتها مبدأ حسن النية. 19

ثالثا: مخالفتها توقعات المتعاقدة المشروعة. 19

الفقرة الثانية:ضوابط فض التنازع بين قوانين البوليس أمام المحكم 19

أولا: التنازع الايجابي بين قوانين البوليس.. 19

ثانيا:تطبيق قوانين البوليس في الزمان. 20

خاتمة: 22

قائمة المراجع. 23

 

 

[1] _ محمود محمد ياقوت:”قانون الإرادة وقواعد البوليس ضرورية التطبيق”، دار الفكر الجامعي-الإسكندرية، 2003 ،ص 8و9.

[2] _ أحمد عبد الكريم سلامة:” القواعد ذات التطبيق الضروري وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص”، (دراسة تحليلية تطبيقية)الطبعة الأولى، دار النهضة العربية سنة 1985 ، ص 16 وما بعدها.

[3] _ أحمد عبد الحميد عشوش: “تنازع مناهج تنازع القوانين “،مؤسسة شباب الجامعة –الإسكندرية،1989، ص 9.

[4] _ GUILLAUME JOHANNA: L’affaiblessement de l’état- nation et le droit international privé ,L.G.D.J, Paris, 2011,p 435.

[5] _ MONEGRE FRANCOISE:Droit international privé, 5édition, Litec, Paris, 2009, p 69.

[6] _ 2. Les dispositions du présent règlement ne pourront porter atteinte à l’application des lois de police du juge saisi.

[7] _ ياقوت محمد محمود: مرجع سابق، ص 70.

[8] _PIERRE MAYER : Lautonomie de l’arbitre dans l’appréciation de sa propre compétence R.C.A.D.I

1989, p 365.

[9] _المادة 5 فقرة 1 من اتفاقية نيويورك “لا يجوز رفض الاعتراف و تنفيذ الحكم، بناء على طلب الطرف المحتج ضده هذا القرار، إلا إذا كان قدم ذلك الطرف إلى السلطة المختصة التي يطلب إليها الاعتراف والتنفيذ ما يثبت:

أن طرفي الاتفاق المشار إليه في المادة الثانية كانا بمقتضى القانون المنطبق عليهما في حالة من حالات انعدام الأهلية،أو كان الاتفاق المذكور غير صحيح بمقتضى القانون  الذي اخضع له الطرفان الاتفاق او إذا لم يكن هناك ما يشير إلى ذلك،بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه القرار..”

 حيث تشمل هذه المادة القابلية الموضوعية التي يتعين إخضاعها لقانون الإرادة كأصل،فإن لم يكن بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه القرار ،وهذا يعني أن المحكم يجب عليه مراعاة القواعد الآمرة المتعلقة بالقابلية في بلد صدور الحكم تحكيمي.

[10] _مصطفى الجمال ،عكاشة عبد العال : “التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية و الداخلية “، منشورات الحلبي.، بيروت ، لبنان ، 1998 ،ص 26.

[11] _article 1 de PROTOCOLE RELATIF AUX CLAUSES D’ARBITRAGE , Signé à Genève, le 24 septembre 1923.

[12] _article 1 : Pour obtenir cette reconnaissance ou cette exécution, il sera nécessaire, en

autre :

  1. a) Que la sentence été rendue à la suite d’un compromis ou d’une clause compromissoire

Valables d’après la législation qui leur est applicable.

  1. b) Que, d’après la loi du pays où elle est invoquée, l’objet de la sentence soit susceptible d’être

Réglé par voie d’arbitrage :

Convention pour l’exécution des sentences arbitrales étrangères signée à Genève, le 26 septembre 1927.

[13] _ إبراهيم أحمد إبراهيم : “التحكيم الدولي الخاص ، الطبعة الثالثة” ،دار النهضة العربية ، 2000، ص 2.

[14] _Sentence rendue dans l’affaire 6106 en 1988 CCI, cité par BABTISTE RACINE JEAN en matière d’arbitrabilité des litiges de propriétés industrielle revue arbitrage , 1977 , p 63 .

[15] _ BABTISTE RACINE JEAN: larbitrage commercial international et lordre public , LGDJ, p311.

[16] _بردان اياد محمود:” التحكيم و النظام العام “، الطبعة الأولى ،منشورات الحلبي ، الحقوقية ،2004.

[17] _ 1. Sans préjudice des articles 5 et 7, un contrat conclu par une personne physique (ci-après «le consommateur»), pour un usage pouvant être considéré comme étranger à son activité professionnelle, avec une autre personne (ci-après «le professionnel»), convention de Rome de 1980 sur la loi applicable aux obligations contractuelles agissant dans l’exercice de son activité professionnelle, est régi par la loi du pays où le consommateur a sa résidence habituelle, à condition que le professionnel:

  1. a) exerce son activité professionnelle dans le pays dans lequel le consommateur a sa résidence habituelle, ou
  2. b) par tout moyen, dirige cette activité vers ce pays ou vers

plusieurs pays, dont celui-ci,

et que le contrat rentre dans le cadre de cette activité.

[18] _ PIERRE MAYER :L’autonomie de l’arbitre dans l’appréciation de sa propre compétence R.C.A.D.I ,1989 p 328.

[19] _Sentence rendue dans l’affaire N 1854 en 1973 , revue arbitrage, 1973 , p 134 .

[20]_ Art. 18 .Sont réservées les dispositions impératives du droit suisse qui, en raison de leur but particulier, sont applicables quel que soit le droit désigné par la présente loi.

_Art. 19

-.Lorsque des intérêts légitimes et manifestement prépondérants au regard de la conception suisse du droit l’exigent, une disposition impérative d’un droit autre que celui désigné par la présente loi peut être prise en considération, si la situation visée présente un lien étroit avec ce droit.

Pour juger si une telle disposition doit être prise en considération, on tiendra compte du but qu’elle vise et des conséquences qu’aurait son application pour arriver à une décision adéquate au regard de la conception suisse du droit.

[21] _Article 9

Lois de police

  1. Une loi de police est une disposition impérative dont le respect est jugé crucial par un pays pour la sauvegarde de ses intérêts publics, tels que son organisation politique, sociale ou économique, au point d’en exiger l’application à toute situation entrant dans son champ d’application, quelle que soit par ailleurs

la loi applicable au contrat d’après le présent règlement.

  1. Les dispositions du présent règlement ne pourront porter atteinte à l’application des lois de police du juge saisi.
  2. Il pourra également être donné effet aux lois de police du pays dans lequel les obligations découlant du contrat doivent être ou ont été exécutées, dans la mesure où lesdites lois de police rendent l’exécution du contrat illégale. Pour décider si effet doit être donné à ces lois de police, il est tenu compte de leur nature et de leur objet, ainsi que des conséquences de leur application ou de leur non-application.

[22] _ «….il tenu compte de leur nature et de leur objet, ainsi que des conséquences de leur application ou de leur non-application.

[23] _ BABTISTE RACINE JEAN: larbitrage commercial international et lordre public ,op cit ,p239

[24] __Art.19. Lorsque des intérêts légitimes et manifestement prépondérants au regard de la conception suisse du droit l’exigent, une disposition impérative d’un droit autre que celui désigné par la présente loi peut être prise en considération, si la situation visée présente un lien étroit avec ce droit.

 

[25] _BABTISTE RACINE JEAN: larbitrage commercial international et lordre public, op. cit, p 277.

[26] _ هشام علي صادق،” مدى سلطة المحكمين في إعمال القواعد ذات التطبيق الضروري “،المجلة المصریة للقانون الدولي، العدد 50 ، مصر، 1994 ، ص من 107الى117.

[27] _MAYER PIERRE : Les méthodes de la reconnaissance en droit international privé , Dalloz, Paris, 2005, pp 554-573.

[28] _ د.هشام علي صادق:” القانون الواجب التطبیق على عقود التجارة الدولیة”، دار منشاة  المعارف، الإسكندریة، 1995،ص 764.

[29] _ عيادي فريدة:”سلطة المحكم في موضوع حل النزاعات المترتبة عن العقد التجاري الدولي”،مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون الأعمال، كلية الحقوق بن عكنون، جامعة الجزائر،2001،ص 104.

[30] _نفس المرجع، ص 104.

[31] _ هشام صادق: “القانون الواجب التطبیق على عقود التجارة الدولیة” ،مرجع سابق، ص 764.

[32] _ هشام صادق: “مدى سلطة المحكمین في إعمال القواعد ذات التطبیق الضروري”، المرجع السابق، ص 113 .

[33] _أشرف عبد العلیم الرفاعي، القانون الواجب التطبیق على موضوع التحكیم والنظام العام في العلاقات الخاصة الدولیة ، دار الفكر الجامعي، الإسكندریة ، 2003 ص89.

[34] _عیادي فریدة، مرجع سابق، ص  104.

[35] _ أشرف عبد العلیم الرفاعي، مرجع سابق، ص 150.

[36] _Sentence, C C I, N° 4132 rendue en 1983, Revue de L’arbitrage,1986, P 400, note Yves derains.

[37] _هشام صادق:“مدى سلطة المحكمین في إعمال القواعد ذات التطبیق الضروري”، مرجع سابق، ص 113.

[38] _ هشام صادق: “القانون الواجب التطبیق على عقود التجارة الدولیة”، مرجع سابق، ص 769.

[39] _نفس المرجع، ص 770.

[40] _. 2 إیاد محمود بردان، مرجع سابق ، ص 429

[41] _Sentence rendue dans l’affaire N°3881 en 1984, J D I, P 1096, note, JAVIN.

[42] _محمد ولید المصري، دور المحكم الدولي تجاه شرط المقاطعة في العقود الدولیة، مجلة الحقوق، العدد الأول، السنة 2004 ، الكویت، ص 271 وما یلیها.

[43] _أنظر هشام علي صادق، القانون الواجب التطبیق، مرجع سابق، ص 768.

[44] -يمكن ضرب مثال بين قانون دولة يحظر التجارة لبائع المشتري من دولة معينة وقانون دولة أخرى يعاقب على رفض التعامل بدافع الاعتبارات العرقية.

 

[45] _CHRISTOPHE SERAGLINI :Lois de police et justice arbitrale internationale, thèse doctorat, université Paris l,2000,p409,410,411.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى