أميمة الرباطي ” طالبة باحثة في سلك الماستر- ماستر القانون المدني والأعمال – طنجة ”
مقال بعنوان
الآليات الجديدة لحماية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة
مقدمة:
لقد شكلت مدونة التجارة منعطفا جديدا في الحياة القانونية المغربية، على مستوى إعادة صياغة القوانين القديمة، ومنطلقا ضروريا للتناغم مع مجمل القوانين المؤطرة لميادين الاعمال، ليكون المغرب من الدول المعاصرة من حيث التوفر على ترسانة قانونية حديثة لتأهيل الاقتصاد وجلب الاستثمار.
فالممارسة العلمية لمقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة، أبانت عن جملة من الاختلالات والإشكالات، ذلك أن أغلب المقاولات التي تخضع للتسوية القضائية كانت تنتهي بالتصفية القضائية، الشيء الذي أثر بشكل سلبي على وضعية الدائنين والمقاولة معا، على اعتبار أن الدائنين هم مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين والتجاريين الذي يمثلون طرفا أساسيا في المنظومة الاقتصادية، بحيث يعتبرون ركيزة أساسية في الحياة الاقتصادية.
ومن أجل تحسين وضعية الدائنين بادر المشرع المغربي في تاريخ 23 أبريل 2018 إلى نسخ الكتاب الخامس من مدونة التجارة، بموجب قانون رقم 17.73، وأدخل عليه عدة تغييرات وتحسينات، وذلك بغية إعادة النظر في الضمانات المقررة لفائدة الدائنين وخلق نوع من التوازن بينهم وبين مصالح المقاولة المدينة.
وبالتالي عمل على تعزيز دور الدائنين، وذلك من خلال تحسين وضعهم في المسطرة، وتعزيز حقهم في الاعلام خلال كافة مراحلها، وكذا ضمان تمثيلية للدائنين في مسطرة التسوية القضائية عبر إحداث هيئة تمثيلية لهم، من خلال التنصيص على تشكيل جمعية الدائنين وتحديد شروط تشكيلها وتأليفها وانعقادها وصلاحياتها.
وتكمن أهمية الموضوع قيد الدراسة كون المقاولة في توسع أنشطتها، وخلق مشاريع جديدة أو مواجهة الصعوبات التي قد تواجهها تكون في حاجة للتمويل مما يضطرها إلى اللجوء إلى الائتمان من الدائنين، إلا أن هؤلاء لن يقوموا بمنح هذه التمويلات إلا إذا حصلوا على ضمانات أو تعهدات بأداء ديونهم في تاريخ الاستحقاق، وهو الأمر الذي جعل المشرع يوفر الآليات الحمائية لهم.
مما لا شك فيه، أن المشرع المغربي أعطى أهمية لإنقاذ المقاولة باعتبارها أداة للإنتاج والتشغيل، إلا أنه أوجد آليات حمائية مهمة للدائنين، وهذا ما يجعلنا نطرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد ساهمت الآليات التي جاء بها المشرع المغربي في إطار الكتاب الخامس من مدونة التجارة في حلته الجديدة في حماية الدائنين؟
وهذه الإشكالية تتفرع عنها عدة أسئلة فرعية وهي:
ماهي آليات حماية الدائنين التي أوجدها المشرع المغربي ضمن مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة؟
وما الجديد الذي جاء به المشرع فيما يخص هذه آليات بعد دخول القانون 17.73 حيز التنفيذ؟
وللإجابة على الموضوع قيد الدراسة، سوف نعتمد المنهج التحليلي من خلال تحليلينا لمواد القانون، والمنهج المقارن من خلال مقارنتنا بين الكتاب الخامس من مدونة التجارة في حلته القديمة، والكتاب الخامس من مدونة التجارة في حلته الجديدة فيما يخص آليات حماية الدائنين.
ولتطرق إلى هذا الموضوع، سنعتمد التصميم التالي:
المبحث الأول: الآليات الإجرائية لحماية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة
المطلب الأول: آلية استمرار العقود الجارية
المطلب الثاني: آلية التصريح والتحقيق
المبحث الثاني: الآليات الموضوعية لحماية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة
المطلب الأول: حق الامتياز
المطلب الثاني: جمعية الدائنين ودورها في حماية دائني المقاولة
المبحث الأول: الآليات الإجرائية لحماية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة
إن الهدف الذي جعل المشرع يتبنى مساطر صعوبات المقاولة، يتمثل في ضرورة الحفاظ على المقاولة عبر توفير نظام قانوني يعطي للمقاولة نوعا من الطمأنينة. لكن في مقابل ذلك نجد المقاولة تعتمد على الدائنين الذين يمدونها بوسائل مختلفة تضمن استمرارية نشاط المقاولة، الشيء الذي يحتم على المشرع الاتيان بمجموعة من الآليات التي تهدف إلى حماية دائني المقاولة. ومن بين هذه الآليات نجد الآليات المسطرية، التي تلعب دورا مهما يتجلى في طمأنة دائني المقاولة المتوقفة عن الدفع عن حقوقهم.
وسنتناول هذه الآليات الإجرائية من خلال ما ستجد به الكتاب الخامس من مدونة التجارة 15.95، بعد تغيير مقتضياته بقانون 17.73، الصادر في 19 أبريل 2018، والمنشور في الجريدة الرسمية في 23 أبريل 2018 فإننا سنتطرق إلى آلية استمرار العقود الجارية في (المطلب الأول) وآلية التصريح والتحقيق في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: آلية استمرار العقود الجارية
سنتطرق في البداية إلى قاعدة استمرار العقود الجارية ومجال تطبيقها في (الفقرة الأولى) وآليات حماية الدائنين في ظل استمرار العقود الجارية او عدم استمرارها في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: قاعدة استمرار العقود الجارية ومجال تطبيقها
سنتحدث (أولا) عن قاعدة استمرار العقود الجارية و (ثانيا) عن المقتضيات الخاصة بالعقود الجارية.
أولا: القاعدة العامة لاستمرارية العقود الجارية
إن العقود الجارية هي تلك العقود التي انعقدت قبل النطق بفتح المسطرة القضائية ولم تستنفذ آثارها الرئيسية يوم النطق بفتح المسطرة القضائية، فالعقود الجارية هي ذات التنفيذ المستمر قبل وبعد الحكم بفتح المسطرة القضائية للمقاولة والمبرمة من طرف رئيس المقاولة أَو ممثلها القانوني.
وحين راهن المشرع على استمرارية المقاولة في أفق إسعافها، فمن الطبيعي أن يستند ذلك ويعتمد على ضمان استمرارية العقود الجارية التي تربط المقاولة مع المتعاقدين معها، إذ أصبح ينظر إلى العقد ليس كرابطة بين إرادتين، بل كأحد أموال المقاولة، يتعين حمايته وتحصيله وتوظيفه في الحل المرتقب للمقاولة. ولقد خول المشرع من خلال المادة 588 من مدونة التجارة، للسنديك لوحده[1] سلطة تقديرية في تقرير استمرار أو عدم استمرار ارتباط المقاولة بهذا النوع من العقود، وذلك بحسب حاجة المقاولة وفائدة أو عدم فائدة الاستمرار في هذه العقود أو بعضها او إحداها.
ومن ثم فإن استمرار تنفيذ هذه العقود أو عدمه من طرف السنديك يرتب عدة نتائج:
- في حالة اختار السنديك بناء على طلب المتعاقد مع المقاولة متابعة تنفيذ العقود الجارية في تاريخ فتح مسطرة المعالجة، يتعين عليه أن يقوم بتقديم الخدمة أو الخدمات المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة متى كان للمتعاقد ديون سابقة في مواجهة تلك المقاولة.
- في حالة اختار السنديك عدم متابعة تنفيذ العقود الجارية، يتم فسخ هذه العقود بقوة القانون بعد توجيه إنذار للسنديك من أجل تنفيذه[2].
اذ أن اعتماد تلك العقود من قبل السنديك يحافظ على مصلحة المقاولة، وفي نفس الوقت يعطي للمتعاقد معه حق الأداء الفوري لديه، أما التخلي عن تلك العقود فيعطي للمتعاقد معه فرصة البحث عن زبون آخر[3].
ثانيا: المقتضيات الخاصة ببعض العقود من العقود الجارية
تتعلق هذه الحالات الخاصة ببعض العقود الجارية التي رتب لها المشرع مقتضيات خاصة نظرا لطبيعتها والالتزامات المفروضة على أطرافها، ومنها عقد الكراء وعقد بيع البضائع الموجودة في طور التسليم للمقاولة.
- عقد كراء المحل الذي تمارس فيه المقاولة نشاطها
غالبا ما لا يعمد السنديك إلى فسخ هذا العقد نظرا لأهميته في استمرار المقاولة لنشاطها في أحسن الظروف، وبالتالي يعمد السنديك إلى المطالبة باستمرار ومتابعة تنفيذ هذا العقد أثناء فترة إعداد الحل، إلا أن المكتري في هذه الحالة لا يتمتع بامتياز إلا بالنسبة لوجيبة الكراء المستحقة[4]، حسب المادة 694[5] من مدونة التجارة، وذلك عن السنتين السابقتين مباشرة عن تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، وإذا ثم فسخ العقد، يستفيد المكتري بامتياز إضافي عن ثمن كراء السنة التي يتم خلالها الفسخ.
وفي حالة تفويت حق الكراء، فإنه وفقا لمقتضيات المادة 589[6] من مدونة التجارة، لا يمكن الاعتداد بأي شرط يفرض على مفوت التزامات تضامنية مع المفوت إليه تجاه السنديك.
- عقد بيع البضائع الموجودة في طور التسليم إلى المقاولة
تعتبر وضعية عقد البيع في هذه الحالة من العقود الجارية التي لم يتم تنفيذها بعد، وتخضع لقواعد خاصة عند الحكم بفتح مسطرة المعالجة، حيث نصت المادة 702 من مدونة التجارة على أنه يمكن استراد البضائع إذا كانت عينية كليا أو جزئيا إذا ثم فسخ بيعها قبل حكم فتح المسطرة سواء بمقرر قضائي أو إثر تحقق شرط فاسخ. وفي حالة بيع بضائع لم يتم تسليمها بعد للمقاولة المعنية، يمكن استرداد البضائع المرسلة إلى المقاولة طالما لم يتم تسليمها في مخازنها أو مخازن بالعمولة المكلف ببيعها لحساب هذه المقاولة. غير أنه لا يقبل الاسترداد إذا كانت البضائع قد بيعت قبل وصولها دون تدليس، بناء على فواتير وسندات نقل صحيحة (المادة 703 من م – ت)، كما يمكن استرداد البضائع المسلمة للمقاولة سواء على وجه الوديعة أو لبيعها لحساب مالكها (المادة 704 من م- ت)[7].
وفي هذا الصدد ذهب المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في أحد قرارته بتاريخ 16 أبريل 2008 إلى أن طلب استرداد المتعلق بعقود جارية لا يمكن المطالبة بها إلا بعد فسخ العقد و انتهائه[8].
الفقرة الثانية: آليات حماية الدائنين في ظل استمرار العقود الجارية أو عدم استمرارها
تبرز آليات حماية الدائنين في ظل قاعدة استمرار العقود الجارية في حالتين، تتمثل الأولى في حالة استمرار العقود الجارية (أولا) وحالة عدم استمرار العقود الجارية (ثانيا).
أولا: آلية حماية الدائنين في حالة اختيار السنديك استمرار العقود الجارية
ولما كانت السلطة التقديرية في تقرير استمرار العقود الجارية من عدمها موكولة بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 588[9] من مدونة التجارة إلى السنديك، فإن هذا الأخير لم ولن يقرر استمرار عقد يراه مضرا بالمقاولة، لكون أن مهمة السنديك الأساسية تتمثل في إنقاذ المقاولة.
يلاحظ أن المشرع المغربي من خلال الفقرة الثانية من المادة 588[10] من م – ت قد نص بصريح العبارة على وجوب تنفيذ التزامه، رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة، ولا يترتب عن عدم تنفيذ هذه الالتزامات سوى منح الدائنين حق التصريح بها في قائمة الخصوم. وهنا نلاحظ أن الفقرة الثانية من المادة 588 من م – ت قد تضمنت آلية التصريح كآلية لحماية الدائنين.
وبالرجوع إلى المادة 720[11] في فقرتها الأخيرة نجدها نصت على ما يلي” فيما يخص المتعاقد المشار إليه في المادة 588، ينتهي أجل التصريح خمسة عشر يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي على مواصلة العقد، إذا كان هذا التاريخ لاحقا لتاريخ الاجل النصوص عليه في الفقرة الأولى”.
وما نستخلص مما سبق، هو أن المشرع قد نص على اجال جد قصيرة فيما يخص التصريح بالديون، لكن في الأخير تظل التزامات على المقاولة الوفاء بها.
ثانيا: آلية حماية الدائنين في حالة اختار السنديك عدم استمرار العقود الجارية
في حالة اختار السنديك عدم مواصلة تنفيذ العقود لعدة اعتبارات من أبرزها عدم استفادة المقاولة من استمرار هذا العقد إما بشكل مباشر أو ضمني. ويشكل عدم إقرار السنديك مواصلة العقد الجاري مع المتعاقد اشكالا مهما، وخاصة في حالة ما إن تضرر المتعاقد من هذا القرار الصادر عن السنديك، لذلك خول المشرع آلية لحماية الدائنين في هذه الحالة تتمثل في دعوى التعويض عن الاضرار المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 588[12] من مدونة التجارة. كما يمكن للطرف المتعاقد مع المقاولة تأجيل إرجاع المبالغ الزائدة التي دفعتها المقاولة تنفيذا للعقد، إلى حين البث في دعوى التعويض عن الاضرار.
المطلب الثاني: آلية التصريح والتحقيق
يعد التصريح والتحقيق أهم الآليات الإجرائية التي يعمد إليها الدائنين، قبل صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية، إذ بلجوئهم إلى كل من آلية التصريح وآلية التحقيق، فإنهم يثبتون علاقة المديونية القائمة بينهم وبين المقاولة، إذ أن آلية التصريح هي التي تؤسس لآلية التحقيق، وذلك عبر التصريح بالديون التي يقوم بها دائني المقاولة، مما يلحقها وبشكل مباشر تحقيق الديون. وبالتالي سنتطرق في (الفقرة الأولى) إلى آلية التصريح بالديون، مرورا إلى آلية تحقيق الديون في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسطرة التصريح بالديون
نظم المشرع مسطرة التصريح بالديون في المواد 719 – 723 من مدونة التجارة، وتمثل غاية هذه المسطرة إطلاع السنديك على حجم المديونية في المقاولة وطبيعة الدين، وحماية حقوق الدائنين في استفاء ديونهم، وعليه سنتعرف على كيفية خضوع الدائنين لمسطرة التصريح (أولا) ورفع دعوى السقوط (ثانيا).
أولا: خضوع الدائنين لمسطرة التصريح بالديون
طبقا لمقتضيات المادة 719 من مدونة التجارة، يتوجب على الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور الحكم بفتح مسطرة التصريح بديونهم، حتى وإن لم تكن مثبتة في سند، وبذلك يكون المشرع قد حدد فئة الدائنين الذين يتعين عليهم التصريح بديونهم، وكذلك أجل التصريح[13].
- الدائنون الملزمون بالتصريح بديونهم
بالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 719 من م – ت، فإنه يتعين على الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية للمعالجة، ولو كانت ديونهم موضوع دعوى جارية، أو كان الدائن هو من طلب فتح المسطرة، سواء دينا عاديا أو دينا مثقلا بضمان أو امتياز، باستثناء المأجورين الذين تربطهم عقود شغل بالمقاولة المفتوحة ضدها المسطرة، حيث يتم إعفاءهم بقوة القانون من مسطرة التصريح بديونهم[14]، فالمادة 719 من م – ت الجديدة قد عملت على تجاوز جل المعيقات التي كانت تأثر على وضعية الدائنين فيما يخص التصريح بالديون للسنديك.
ويشعر السنديك حسب الفقرة الثانية والثالثة من المادة 719[15] من م – ت الدائنين المدرجين بالقائمة، وكذلك الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان ايجاري.
فنطاق الدائنين المشمولين بالتصريح بديونهم عبر الاشعار من طرف السنديك قد توسع كثيرا، في إطار القانون الجديد مقارنة لما كانت عليه مدونة التجارة قبل دخول قانون 17.73 حيز التنفيذ، وهو ما نلاحظه من خلال المادة 719، إذ يمكن التصريح بالديون حتى وإن لم تكن مثبتة في سند. وكل هذه المقتضيات المستجدة هدفها هو حماية حقوق أصحاب الديون[16].
- اجال التصريح بالديون
نصت المادة 720[17] من مدونة التجارة، أنه يجب تقديم التصريح بالديون داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر الحكم القاضي بفتح مسطرة الإنقاذ والتسوية أو التصفية القضائية، ويهم الاجل الدائنين المدرجة أسمائهم بالقائمة أو الخاملين لضمانات أو عقد ائتمان ايجاري. ومن تاريخ نشر المقرر القضائي بفتح المسطرة بالجريدة الرسمية بالنسبة لباقي الدائنين. ويمدد هذا الاجل بشهرين بالنسبة إلى الدائنين القاطنين خارج تراب المملكة المغربية.
ويبقى هذا الاجل هو المعمول به ولو قامت محكمة الاستئناف التجارية مثلا إلى إلغاء الحكم الابتدائي القاضي بالتصفية وتحويلها إلى التسوية قضائية أو العكس، بحيث يتعين على الدائنين التصريح بديونهم خلال الاجل الأول، ولا يفتح قرار محكمة الاستئناف أجلا إضافيا لذلك[18].
ثانيا: دعوى رفع سقوط الدين
رتب المشرع على عدم تصريح الدائنين الناشئة ديونهم قبل حكم فتح مسطرة المعالجة بديونهم إلى السنديك داخل الاجل القانوني سقوط هذه الديون[19]، وفي مقابل ذلك مكن المشرع من خلال المادة 723 من م – ت، استرجاع حقوقهم عن طريق رفع هذا السقوط وفق ضوابط وشروط محددة.
طبقا للمادة 723 من م – ت، لا يمكن ممارسة دعوى رفع السقوط إلا داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ إشعار الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان ايجاري ثم إشهارهما والدائنين المدرجين بالقائمة، ومن تاريخ نشر مقرر فتح المسطرة بالجريدة الرسمية بالنسبة لباقي الدائنين[20]. ومن حيث الاثبات أن الدائن الذي يتقدم بدعوى رفع السقوط، يكون ملزما بإثبات أن سبب عدم تصريحه بدينه لا يعود إليه[21].
وقد سبق لمحكمة النقض أن اعتبرت بأن عدم الإشارة إلى عنوان المدين بلائحة الدائنين لا يشكل سببا لرفع السقوط في المادة 690، إذ يتعين أن يؤسس على سبب لا يعود للدائن[22].
الفقرة الثانية: مسطرة تحقيق الديون
لا يكفي أن يصرح الدائن الناشئ دينه قبل تاريخ الحكم بفتح المسطرة إلى السنديك بهذا الدين، وفقا للكيفيات المشار إليها أنفا لكي يتم قبوله في التوزيعات التي تجري على الدائنين، بل لابد في ذلك أن يخضع كل دين مصرح به إلى السنديك لمسطرة التحقيق، وتهدف هذه المسطرة من التحقق بشكل كبير من صحة الدين، الذي بذمة المقاولة على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة[23].
أولا: سير المسطرة
سنتحدث عن دور السنديك في تحقيق الديون، ومقررات القاضي المنتدب بخصوص تحقيق الديون المصرح بها.
- دور السنديك في تحقيق الديون
يلعب السنديك دورا حيويا فيما يتعلق بالديون السابقة، إذ يعتبر الجهة الأولى التي تودع لديها التصريحات، فهو من يتولى إعداد قائمة الديون وتقديم اقتراحات بقبول الدين أو رفضه طبقا للمادة 726 من م – ت. إذ تناط به مهمة التحقيق القبلي للديون المصرح بها، حيث يقوم بمساعدة المراقبين و بحضور رئيس المقاولة أو بعد استدعائه بصفة قانونية، مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 673 من مدونة التجارة[24].
أما إذا كان الدين موضوع نزاع، يجب أن يقوم السنديك بإخبار الدائن المعني بالأمر وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل[25]. ويجب تقديم شروحات وملاحظات حول الموضوع داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ توصله، تحت طائلة عدم قبول اية منازعة لاحقة لاقتراح السنديك بعد فوات هذا الاجل[26].
- مقررات القاضي المنتدب بخصوص تحقيق الديون المصرح بها
يقرر القاضي المنتدب بناء على اقتراحات السنديك قبول الدين أو رفضه، أو يعاين وجود دعوى جارية أو أن المنازعة لا تدخل في اختصاصه. وعندما يتعلق الامر بدين عمومي وفق المادة 2 من القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، ولم يصدر بشأنه سند تنفيذين، أمكن للقاضي المنتدب قبوله احتياطيا إلى حين الإدلاء بالسند، وعندما يكون الدين موضوع نزاع أمام جهة قضائية أو إدارية، فإن القاضي المنتدب يرجع البث في التصريح إلى غاية الفصل في المنازعة[27].
وهذا ما جاء في أحد قرارات محكمة النقض” تمسك المدين امام القاضي المنتدب بتقادم الدين العمومي المصرح به تعتبر بمثابة منازعة في صحة المديونية تخص بها المحكمة الإدارية وأن ذلك يفرض على القاضي المذكور التصريح بأن المنازعة المذكورة لا تدخل في اختصاصه عملا بالمادة 695 من م – ت[28]“
ثانيا: الاعفاء من تحقيق الديون
بالرجوع إلى المادة 724 من مدونة التجارة، يمكن ألا يتم تحقيق الديون العادية في حالة الحكم بتفويت المقاولة أو تصفيتها القضائية، وذلك إذا تبين أن منتوج بيع الأصول ستستهلك بالكامل للمصاريف القضائية والديون المثقلة بامتياز[29]. وتروم مقتضيات هذه المادة إلى التخفيف من أعباء مسطرة التفويت أو التصفية القضائية، إذا كان منتوج بيع أصولها لن يكفي لسداد مصاريفها وديونها الامتيازية على أبعد تقدير[30].
ولا يتم العمل بهذا الاعفاء من التحقيق إذا كان المدين شخصا معنويا، بحيث يتعين في هذه الحالة تحقيق هذه الديون لتحديد المقبولة منها وقيمتها، وبالتالي إلزام هؤلاء المسيرين بأدائها أو التصريح بقيمتها في المسطرة المفتوحة في مواجهتهم، ويمكن أيضا للقاضي المنتدب أن يقرر بعد تلقيه ملاحظات السنديك عدم اللجوء إلى تحقيق الديون في الحالة التي يتم فيها الحكم بالتفويت الكلي للمقاولة أو تصفيتها القضائية[31].
المبحث الثاني: الآليات الموضوعية لحماية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة
موازه مع الآليات الإجرائية المقررة للدائنين ذوي الدين السابق لفتح مسطرة المعالجة والمتمثلة في استمرار العقود الجارية، وآلية التصريح والتحقيق، اقر المشرع ضمانات أخرى موضوعية تروم إلى حماية الدائنين الذين كان دينهم لاحقا لفتح المسطرة، وتتجلى هذه الآليات في حق الامتياز أو الأسبقية (المطلب الأول) وجمعية الدائنين (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حق الامتياز
بالنظر إلى الوضعية الحرجة التي تمر منها المقاولة، بما قد يجعلها في حالة التوقف عن الدفع أو بعد توقفها عن الدفع، كان من اللازم التفكير في آلية قانونية تحفيزية تدفع الدائنين للمغامرة ومنح ثقتهم لها بما يجعلهم فوق المنافسة مع الدائنين الآخرين، فكان الاهتداء إلى إقرار نظام امتيازي نصت عليه المادة 590 من مدونة التجارة، إذ سنقف على مدلول امتياز الديون اللاحقة وضوابط الاستفادة منه في (الفقرة الأولى) والآثار المترتبة عن حق الأولوية ومحدوديته في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مدلول حق الامتياز وضوابطه
سنتعرف على مضمون حق الامتياز (أولا) وضوابط الاستفادة منه (ثانيا).
أولا: مضمون حق الامتياز
بالرجوع إلى قانون الالتزامات و العقود المغربي[32] وبالضبط في الفصل 1243 نجده ينص ” الامتياز حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين”، وبالرجوع إلى مدونة التجارة وبالخصوص في نظام معالجة صعوبات المقاولة، فإن حق الأسبقية يقرر للدائنين الناشئة بينهم بصفة قانونية، بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية وذلك بصريح المادة 590 من مدونة التجارة[33].
إن أهمية هذه المادة ليس فقط من حيث ما تمنحه للمخاطبين بأحكامها من امتيازات، بل كذلك لما تشكله من إعادة ترتيب الامتيازات في المنظومة المغربية، حيث يطلق عليها ” امتياز الامتياز”[34] .
فضمان تمويل المقاولة في هذه المرحلة، من خلال خدمات الممولين والمقرضين والأبناك والمساهمين، يقضي طمأنة هؤلاء بتحفيزهم، وذلك عبر الاعتراف لهم بامتياز جديد يتجاوز كل الامتيازات القانونية المعروفة والمألوفة في القواعد العامة.
ثانيا: ضوابط الاستفادة من حق الامتياز
إن أهمية هذا الامتياز من حيث ما يتمتع به أصحابه، وما يشكله من خطورة على حقوق باقي الدائنين، كان وراء إقرار قواعد وشروط يجب احترامها وهي:
- نشأة الدين بعد صدور حكم فتح المسطرة القضائية
إن امتياز الامتياز الذي أقرته المادتين 590 – 591 من مدونة التجارة، لا يستفيد منه إلا الدائنين الذي نشأت ديونهم بعد صدور الحكم بفتح المسطرة القضائية، ويكفي لإثبات تاريخ نشأة الدين المشمول بامتياز، مقارنته مع تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية الإنقاذ والتسوية[35].
- نشوء الدين بصفة قانونية
يقتضي الامر كذلك لكي تتم استفادة الدائن الناشئ دينه بعد تاريخ الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية من حق الاسبقية المنصوص عليه في المادة 590 من م – ت، أن يكون الدين قد نشأ في ذمة المدين بصفة قانونية، ذلك أنه إذا كان رئيس المقاولة محقا قبل فتح هذه المسطرة بالإتيان بكل تصرف يبدو له ضروري لنشاط المقاولة، فإن حريته في ذلك تخضع للعديد من القيود بعد فتح مسطرة المعالجة، تفرضها مصلحة المقاولة ذاتها ومصلحة دائنيها[36].
- الغاية من نشأة الديون اللاحقة
على الرغم من المادة 575 من مدونة التجارة القديمة لم تشر صراحة إلى ضرورة ارتباط الدين المشمول بأحكامها بمواصلة نشاط المقاولة، فإن قانون 17.73[37] جاء هذه المرة بعبارات صريحة وواضحة من خلال ما تم التنصيص عليه في المادة 590 من م – ت ” والمتعلق بحاجيات سير هذه المسطرة أو تلك المتعلقة بنشاط المقاولة، وذلك خلال فترة إعداد الحل…” وكذلك المادة 565. وبذلك يكون القانون 17073 بخصوص نطاق الغاية من الديون اللاحقة، قد حسم فيما يخص طبيعة و الغرض من هذه الديون[38].
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن حق الامتياز ومحدوديته
سنتطرق (أولا) للحديث عن آثار حق الامتياز أو الأسبقية و (ثانيا) عن محدودية هذا الحق
أولا: آثار حق الامتياز
ينتج عن حق الأسبقية الممنوح للدائنين الذين نشأ دينهم لاحقا لفتح المسطرة عدة آثار منها ما هو مباشر، ومنها ما هو غير مباشر.
- الآثار المباشرة
- أداء الديون في تاريخ الاستحقاق وهي من أهم الآثار التي تترتب على حق الأسبقية، فالديون المشمولة بهذا الحق تؤدى في تاريخ الاستحقاق مهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية. وعليه فإذا لم يقع الوفاء بالديون التي تمتع بحق الامتياز في تاريخ الاستحقاق أن يطالبوا بها قضائيا، ويمكن كذلك أن ينفذوا على أموال المقاولة المدينة، إلا أنه يمكن للدائن عن طيب خاطر أن يمنح أجلا جديدة للوفاء[39].
- عدم وقف المتابعات الفردية، فالدائنين المستفيدين من حق الأسبقية لا يخضعون لقاعدة وقف المتابعات الفردية المنصوص عليها في المادة 686 من مدونة التجارة[40] فإنه إذا لم يقع سداد الديون في الاجل المحدد لذلك، كان من حق الدائنين المقاضاة و إيقاع الحجوز وغيرها من الإجراءات نظرا لعدم توقف الدعوى الفردية.
- الآثار غير المباشرة
إلى جانب الآثار التي تنشأ بشكل فوري بالنسبة للدائنين اللاحقين وزيادة في الحماية المقررة لهم، تضاف ضمانات أخرى تتجلى في الاعفاء من التصريح والتحقيق، والذي سبق التطرق إليهما سابقا. وحظر وفاء الديون الناشئة قبل حكم فتح المسطرة، طبقا للمادة 690 من مدونة التجارة[41] إلا في حالات استثنائية.
ثانيا: محدودية الحماية التي يوفرها حق الامتياز
رغم أن حق الأسبقية يعتبر امتياز الامتيازات، إلا أنه هناك فئة أخرى رغم نشأ دينها قبل فتح المسطرة القضائية، تسبق على أصحاب حقوق الأسبقية، وهذا ما يؤكد على هشاشة هذا الحق[42].
- صاحب الرهن الحيازي
إن صمود الدائن صاحب الرهن الحيازي في وجه حق الأفضلية المعترف به للدائن اللاحق لا يعدو كونه تكتيك دبره القانون المغربي خدمة للأهداف الأساسية لنظام صعوبات المقاولة، وعلى رأسها العمل على ضمان استمرارية نشاط المقاولة المتوقفة عن أداء ديونها والمقترحة في وجهها المسطرة القضائية للتسوية.
لذلك يبقى صاحب الرهن الحيازي في وضعية مريحة بعيدا عن تزاحم ومنافسة بقية الدائنين بما فيهم الدائنين اللاحقين[43].
- صاحب الدين المضمون بحق حبس وحق الاسترداد
يحظى صاحب الدين المضمون بحق الحبس، فهو يملك حق الأفضلية في استيفاء دينه بالأسبقية على الدائن اللاحق، وعلى بقية الدائنين الآخرين مهما كانت درجة دينهم. وكذلك حق الاسترداد الذي نص عليه المشرع في الكتاب الخامس من مدونة التجارة[44]، حيث تم تنظيم أحكام ممارسة حق استرداد البضائع من قبل مالكها ولو في مواجهة الدائن اللاحق.
المطلب الثاني: جمعية الدائنين ودورها في حماية دائني المقاولة
تعتبر جمعية الدائنين آلية جديدة خلقها المشرع المغربي في قانون 17.73 من أجل حماية الدائنين، ويمكن تعريفها بأنها هيئة تضم في عضويتها كافة الدائنين في مسطرة التسوية القضائية، وتتداول مجموعة من النقاط التي لها علاقة بوضعية المقاولة وسير المسطرة.
وخصها المشرع بالتأطير في المواد 606 – 621 من مدونة التجارة، وعليه سنخصص (الفقرة الأولى) للحديث عن تأليف وانعقاد هذه الجمعية، وفي (الفقرة الثانية) سنتحدث عن دور جمعية الدائنين في حماية دائني المقاولة وآليات تعزيزها.
الفقرة الأولى: تأليف جمعية الدائنين وطرق انعقادها
لقد نظم المشرع المغربي تأليف جمعية الدائنين وكذا حدد طرق انعقادها، من أجل أن تقوم بالدور المنوط لها، وبالتالي سنتطرق (أولا) إلى تأليف جمعية الدائنين، وطرق انعقادها (ثانيا).
أولا: تأليف جمعية الدائنين
تتألف الجمعية حسب المادة 608 من مدونة التجارة من السنديك ورئيس المقاولة، باستثناء الحالة التي تنعقد فيها قصد اقتراح استبدال السنديك، إذ لها هذه الصلاحية، غير أن تأسيسها عندئذ يرجع إلى القاضي المنتدب[45]. كما تظم رئيس المقاولة[46]، والدائنين المسجلين في قائمة الديون المصرح بها التي يسلمها السنديك إلى القاضي المنتدب، والتي لم يبد السنديك بشأن ديونهم أي اقتراح برفضها أو بإحالتها إلى المحكمة ما لم يأذن لهم القاضي بالمشاركة في أشغالها[47]، وكذا الدائنين الذي أدرجت في مقررات قبول الديون الصادرة عن القاضي المنتدب طبقا للمادة 732[48].
وبالتالي يتضح أن المشرع حصر تأليف جمعية الدائنين في الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 608 وذلك من أجل الدفاع عن مصالح الدائنين بالدرجة الأولى، وإنقاذ المقاولة بالدرجة الثانية.
ثانيا: انعقاد جمعية الدائنين
بالنسبة لأشغال الجمعية، فإنها تنعقد حسب المادة [49]609، بدعوة من السنديك عن طريق نشر إعلان في صحيفة مخول لها نشر إعلانات قانونية وقضائية، وتعلق في لوحة المحكمة، كما توجه للدائنين في موطنهم المختار، مع تضمين هذا الاشعار شكليات نص عليها المشرع، كتحديد مكان ويوم وساعة عقد الجمعية، وموضوع تداولها، وتنعقد للتداول في مجموعة من النقاط التي تهم مصالح أعضائها من الدائنين ومصلحة المقاولة.
أما بخصوص اجال دعوة انعقاد الجمعية فقط نصت عليها المادة [50]610 من م – ت:
- اجل خمسة أيام من تاريخ عرض السنديك المخطط على القاضي المنتدب.
- في اليوم الموالي من تاريخ توصل السنديك بمشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة.
- في اليوم الموالي لتاريخ إيداع تقرير السنديك بشأن تغيير أهداف ووسائل مخطط الاستمرارية.
- اجل خمسة أيام من تاريخ تقديم ملتمس الاستبدال إلى القاضي المنتدب، بشأن استبدال السنديك.
- اجل خمسة أيام من تاريخ تقديم طلب التفويت إلى القاضي المنتدب، بشأن تفويت الأصول.
ولصحة مداولات الجمعية، يشترط أن يتم حضور الذين يحوزون على الأقل ثلثي مبلغ الديون المصرح بها وفق المادة [51]611. وإلا فإن رئيس الجمعية يحرر محضرا بذلك ويحدد فيه تاريخ جديد لانعقاد الجمعية، على ألا يتجاوز أجل عشرة أيام من تاريخ انعقادها، وهذا من باب توفير السبل القانونية الكفيلة بنجاح هذا الجهاز. وتعتبر قرارات جمعية الدائنين صحيحة عندما يوافق عليها الدائنون الحاضرون.
الفقرة الثانية: دور جمعية الدائنين في حماية دائني المقاولة وآليات تعزيزيها
سنتحدث عن دور صلاحيات جمعية الدائنين (أولا) وآليات تعزيز دورها (ثانيا).
أولا: أدوار وصلاحيات جمعية الدائنين
تطرقت المادة 607[52] إلى صلاحيات وأدوار جمعية الدائنين، ويتجلى ذلك في:
- التداول في مشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة المشار إليه في المادة 595، والملاحظ أن المشرع قصر مداولات جمعية الدائنين فقط إذا كان تقرير السنديك يروم إلى اختيار مخطط التصفية القضائية.
- مشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة الذي يقترحه الدائنون، وفقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 615، ولا شك ان منح جمعية الدائنين في ظل القانون الجديد إمكانية اقتراح مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة يترجم المكانة الجديدة التي أصبحت للدائنين في حل وإدارة الصعوبات التي تتعلق بالمقاولة.
- طلب استبدال السنديك المعين طبقا لمقتضيات المادة 677، رغم أن السنديك يعتبر رئيس جمعية الدائنين، إلا أنه في أي لحظة يمكن استبداله إذا كان يعرقل سير نشاط المقاولة.
- تغيير أهداف ووسائل مخطط التسوية الاستمرارية نشاط المقاولة عند تطبيق مقتضيات المادة 629، وبالتالي يحق لجمعية الدائنين تغيير من وسائل وأهداف في حال تبين لها انها غير فعالة في استمرارية المقاولة.
ثانيا: آليات تعزيز دور جمعية الدائنين
في ظل تعزير حكامة جمعية الدائنين، اعتمد المشرع على آليات هامة لتحقيق هذه الأدوار الجديدة والرفع من مكانة هذه المؤسسة من الشكلية إلى الفعالية، وذلك باعتماد آليات التبليغ والإخبار، بحيث أن كل عمل يقوم به السنديك في إطار السير العادي لمساطر التسوية القضائية إلا ويجب أن تكون لجمعية الدائنين الدراية بشأنها ضمانا لحماية حقوقهم.
أما فيما يخص الآجال نلاحظ أن المشرع نص على مجموعة من الآجال المختلفة، منها ما يتعلق بآجل دعوة انعقاد جمعية الدائنين، ومنها ما يتعلق بآجال مصادقة المحكمة على المخطط والتي حددت في مجملها في 10 أيام، ناهيك عن بعض الآجال الأخرى.
إذ فالغاية التشريعية من وضع الآجال المتسمة بقصرها خير دليل على الإرادة التشريعية في السير السريع للمسطرة، خدمة من جهة لمصالح الدائنين في استقاء حقوقهم، ومن جهة أخرى خدمة مصالح المقاولة من خلال ضمان استمرارها وتسوية وضعيتها.
وعلى مستوى آخر، نجد المشرع المغربي يحث على معطى في غاية من الأهمية ألا وهو عنصر السرية، حيث نصت المادة 613 من مدونة التجارة على أنه: ” لا يمكن استعمال أي من المعلومات المشار إليها في المادة السابقة والمادة 619 أدناه من هذا القانون ضد المقاولة في أي مسطرة أو دعوى أو أمام أي جهة كانت، إلا بموافقتها الصريحة، ما لم يتعلق الأمر بدين عمومي”[53].
إذ تبقى جمعية الدائنين هدفها الأول والأخير هو حماية الدائنين، فهي آلية جد مهمة توفر حماية للدائنين في إطار علاقتهم بالشركة، مما بحفزهم على التعامل مع المقاولة.
خاتمة:
نستنتج مما سبق، أن قانون صعوبات المقاولة قد جاء بمجموعة من القواعد التي لم تكن معروفة فًي نظام الإفلاس الملغى، حيث أن المشرع أراد تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، والمتمثلة فًي المحافظة على المقاولة ومناصب الشغل، ثم تصفية الخصوم. وبالتالي نلاحظ أن المشرع في إطار القانون الجديد 17.73 قد جاء لحماية الدائنين أكثر من حمايته للمقاولة، لأنه فطن بأن الدائنين هم أيضا مقاولات، وعمل على حمايتهم، وذلك بإدخال مجموعة من المستجدات على آليات حماية الدائنين، والتنصيص لأول مرة على آلية جديدة وهي جمعية الدائنين.
لكن نلاحظ أن جمعية الدائنين تطرح مجموعة من الإشكالات من بينها السنديك، فالمشرع جعل السنديك هو رئيس جمعية الدائنين الذي يمثلهم، وفي نفس الوقت يمثل المدين(المقاولة) فهو خصم وحكم في نفس الوقت، وهذا تناقض كبير جدا مما يطرح مجموعة من الصعوبات. والنقطة التي تحسب للمشرع في هذا الإطار هو أنه أعطى صلاحية للدائنين في استبدال السنديك. ومع ذلك يجب على المشرع إعادة النظر في السلط المخول للسنديك، وتوفير ضمانات فعالة للدائنين، باعتبارهم جزء مهم يؤثر بشكل كبير على استمرار نشاط المقاولة من عدمه.
“تم بحمد الله”
لائحة المراجع:
- الكتب
- عبد الرحيم شمعية ” شرح أحكام نظام مساطر صعوبات المقاولة في ضوء القانون 17.73 ” مطبعة مكتبة سجلمانة 9 –درب سلام بن المعطي المعاركة الزيتون – مكناس – دار الآفاق المغربية الطبعة 2018.
- علال فالي ” مساطر معالجة صعوبات المقاولة ” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط – الطبعة الثانية نونبر 2015.
- مصطفى بونجه – نهال اللواح ” مساطر صعوبات المقاولة وفقا للقانون 17.73″ دراسة عملية وتحليلية للكتاب الخامس من مدونة التجارة، الصادر بتاريخ 23.04.2018. منشورات المركز المغربي للتحكيم ومنازعات الاعمال- مطبعة ليتوغراف – طنجة – الطبعة الأولى 2018.
- محمد لفروجي ” صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها دراسة تحليلية نقدية لنظام صعوبات المقاولة المغربي على ضوء القانون المقارن والاجتهاد القضائي” مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2000.
- منال منصور ” محاضرات في مساطر صعوبات المقاولة على ضوء مستجدات القانون رقم 17.73 ” السنة الجامعية 2018-2019.
- المقالات:
- زكرياء رياحي الإدريسي ” قراءة في مضامين جمعية الدائنين على ضوء القانون رقم 17.73″ مجلة القانون والأعمال الدولية – جامعة الحسن الأول – 19 نوفمبر 2018.
- علي المجهد ” آليات حماية الدائنين في ضوء مستجدات القانون 17.73 التصريح بالديون ودعوى رفع السقوط نموذجا” مقال قانوني.
- إسماعيل بوهمو ” آليات حماية الدائنين في نظام مساطر صعوبات المقاولة” مجلة علمية محكمة تعنى بالدراسات والأبحاث في القانون والاعمال – تصدر عن مختبر البحث في قانون الاعمال بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة الحسن الأول- سطات – مجلة القانون والاعمال – عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة العدد 16 يوليوز 2016.
- نوفل الداودية ” آليات حماية الدائنين في نظام صعوبات المقاولة – آلية الامتياز – نموذجا – مجلة القانون والاعمال – عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة”.
- القرارات:
- قرار عدد 189 الصادر عن المجلس الأعلى في ملف تجاري 2007/1/3/1046، (غير منشور).
- القرار عدد 765 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 29/06/2005 في الملف التجاري عدد1131/3/1/2004 منشور بمجلة المحاكم المغربية – عدد 100 يناير 2006.
- قرار محكمة النقض عدد 44.1 الصادر بتاريخ 23.01.2014 في الملف عدد 98.3.1.2012 (غير منشور).
- قرار محكمة النقض عدد 182 الصادر بتاريخ2012.02.16 في الملف عدد 2011.1.3.135.
[1] عبد الرحيم شمعية ” شرح أحكام نظام مساطر صعوبات المقاولة في ضوء القانون 17.73 ” مطبعة مكتبة سجلمانة 9 –درب سلام بن المعطي المعاركة الزيتون – مكناس – دار الآفاق المغربية الطبعة 2018 ص 208.
[2] منال منصور ” محاضرات في مساطر صعوبات المقاولة على ضوء مستجدات القانون رقم 17.73 ” السنة الجامعية 2018-2019 ص 144- 145.
[3] عبد الرحيم شمعية ” مرجع سابق ” ص 209.
[4] علال فالي ” مساطر معالجة صعوبات المقاولة ” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط – الطبعة الثانية نونبر 2015 ص 228 – 229.
[5] المادة 694 من مدونة التجارة
[6] المادة 589 من مدونة التجارة
[7] منال منصور ” مرجع سابق ” ص 146
[8] قرار عدد 189 الصادر عن المجلس الأعلى في ملف تجاري 2007/1/3/1046، (غير منشور).
[9] الفقرة الأولى من المادة 588 من مدونة التجارة ” بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة، ويفسخ العقد بقوة القانون بعد توجيه إندار إلى السنديك يظل دون جواب لمدة تفوق شهرا”.
[10] الفقرة الثانية من المادة 588 من مدونة التجارة
[11] الفقرة الأخيرة من المادة 720 من مدونة التجارة.
[12] الفقرة الثالثة من المادة 588 من مدونة التجارة.
[13] مصطفى بونجه – نهال اللواح ” مساطر صعوبات المقاولة وفقا للقانون 17.73″ دراسة عملية وتحليلية للكتاب الخامس من مدونة التجارة، الصادر بتاريخ 23.04.2018. منشورات المركز المغربي للتحكيم ومنازعات الاعمال- مطبعة ليتوغراف – طنجة – الطبعة الأولى 2018 ص 327.
[14] علي المجهد ” آليات حماية الدائنين في ضوء مستجدات القانون 17.73 التصريح بالديون ودعوى رفع السقوط نموذجا” مقال قانوني ص 5
[15] الفقرة الثانية من المادة 719 من مدونة التجارة ” يشعر السنديك الدائنين المعروفين لديه، وكذا المدرجين بالقائمة المدلى بها من طرف المدين والناشئة ديونهم قبل صدور حكم فتح المسطرة”.
الفقرة الثالثة من المادة 719 من مدونة التجارة ” يشعر السنديك الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ايجاري ثم شهرهما وإذا اقتضى الحال في موطنهم المختار”.
[16] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص 221.
[17] المادة 720 من مدونة التجارة
[18] القرار عدد 765 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 29/06/2005 في الملف التجاري عدد1131/3/1/2004 منشور بمجلة المحاكم المغربية – عدد 100 يناير 2006، ص 154.
[19] منال منصور ” مرجع سابق ص 152.
[20] مصطفى بونجه – نهال اللواح ” مرجع سابق ” ص 331 -332.
[21] منال منصور مرجع سابق ص 152-153.
[22] قرار محكمة النقض عدد 44.1 الصادر بتاريخ 23.01.2014 في الملف عدد 98.3.1.2012 (غير منشور).
[23] إسماعيل بوهمو ” آليات حماية الدائنين في نظام مساطر صعوبات المقاولة” مجلة علمية محكمة تعنى بالدراسات والأبحاث في القانون والاعمال – تصدر عن مختبر البحث في قانون الاعمال بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة الحسن الأول- سطات – مجلة القانون والاعمال – عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة العدد 16 يوليوز 2016 ص 9.
[24] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص236.
[25] الفقرة الثانية من المادة 726 ” إذا كان الدين موضوع نزاع، يخبر السنديك الدائن بذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل…”
[26] محمد لفروجي ” صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها دراسة تحليلية نقدية لنظام صعوبات المقاولة المغربي على ضوء القانون المقارن والاجتهاد القضائي” مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2000 – ص 382.
[27] مصطفى بونجه – نهال اللواح ” مرجع سابق ” ص 337.
[28] قرار محكمة النقض عدد 182 الصادر بتاريخ2012.02.16 في الملف عدد 2011.1.3.135.
[29] منال منصور ” مرجع سابق” ص 154.
[30] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص 235.
[31] علال فالي ” مرجع سابق” ص 271.
[32] ظهير 9 رمضان 1331 بمثابة قانون الالتزامات والعقود – 12 أغسطس 1913.
[33] المادة 590 من مدونة التجارة “…..وفي حالة تعذر اداءها في تواريخ استحقاقها فإنها تؤدى بالأسبقية على كل الديون سواء كان مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات”.
[34] نوفل الداودية ” آليات حماية الدائنين في نظام صعوبات المقاولة – آلية الامتياز – نموذجا – مجلة القانون والاعمال – عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة” ص 43.
[35] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص 254.
[36] محمد لفروجي ” مرجع سابق” ص 389.
[37] قانون رقم 17.73 نسخ وتعويض الكتاب الخامس من قانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة – الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.18.26 الصادر في شعبان 1439 – 19 أبريل 2018 والمنشور بالجرية الرسمية عدد 6667 في شعبان 1439 – 23 أبريل 2018 – صفحة 2345.
[38] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق ” ص 257.
[39] نوفل الداودية ” مرجع سابق ” ص 47.
[40] المادة 686 من مدونة التجارة
[41] الفقرة الأولى من المادة 690 من مدونة التجارة ” يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره”.
[42] إسماعيل بوهمو ” مرجع سابق” ص 14.
[43] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص 262 – 263.
[44] نظم المشرع المغربي حق الاسترداد في الباب التاسع من القسم الخامس من الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة.
[45] عبد الرحيم شميعة ” مرجع سابق” ص 174.
[46] الفقرة الثانية من المادة 608 من مدونة التجارة
[47] الفقرة الثالثة من المادة 608 من مدونة التجارة
[48] الفقرة الرابعة من المادة 608 من مدونة التجارة
[49] المادة 609 من مدونة التجارة
[50] المادة 610 من مدونة التجارة
[51] المادة 611 من مدونة التجارة
[52] تنص المادة 607 من مدونة التجارة على صلاحيات وأدوار جمعية الدائنين.
[53] زكرياء رياحي الإدريسي ” قراءة في مضامين جمعية الدائنين على ضوء القانون رقم 17.73″ مجلة القانون والأعمال الدولية – جامعة الحسن الأول – 19 نوفمبر 2018.