نقد القانون ضرورة حتمية
إنجاز: عبد الصمد نيت أكني، طالب باحث في سلك الدكتوراه
معلوم في أدبيات علم الاجتماع أن الإنسان لا يمكن أن يعيش منعزلا عن الآخرين، وإنما يجد نفسه مضطرا إلى الاحتكاك معهم، ضمانا لاستمرار العيش، وتسهيلا لأمور الحياة، وذلك في إطار ما سمي بنظرية تقسيم العمل.
ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا الاحتكاك ما قد يحصل بين البشر من نزاعات، ومشاكل؛ تستلزم إحداث أدواتٍ تعين على ضبط السلوك الاجتماعي، وترشيده، تحقيقا للخير العام، وحماية للمصالح الفردية، والجماعية.
ومن هنا أتت الحاجة إلى فكرة تقنين الفعل الإنساني، لاستتباب الأمن داخل التجمعات البشرية، والاحتكام إلى القانون باعتباره مرجعية تواضع عليها الناس، بالطريقة المتفق عليها.
ولما كان الفعل الإنساني متغيرا نتيجة طبيعة التفاعلات التي تحصل داخل التجمع؛ فإن التقنين لا بد أن يكون مواكبا لما يحصل داخل هذه التجمعات من تغيرات، وتطورات، ما يعني أن نقد القانون أمر حتمي، وفعل صحي، وذلك للوصول إلى القانون الأصلح للمجتمع.
وأول من ينتقد القانون: واضعُه؛ لهذا نجده يعدله، ويغيره، وينسخه، بناء على معطيات ميدانية تثبت عدم صلوح القانون بأكمله، أو جزء منه لضبط السلوك الاجتماعي، وأغلبُ نقده يكون بسبب وجود فجوة واسعة بين مقصد المشرع، وما يتطلبه الواقع.
وثاني من ينتقد القانون: القضاءُ؛ وذلك باجتهاده في التكييف، وفي تفسير القاعدة القانونية، ورفع الغموض عنها، وإكمال ما فيها من النقائص، ودفع ما بينها من التعارض، وسد غياب النص القانوني، وتجاوز النص القانوني أحيانا للمصلحة كما في بعض القرارات؛ وعليه فإن الاجتهاد القضائي يساهم في خلق القاعدة القانونية، وإنتاجها، تعين المشرع في عمله التشريعي.
وثالث من ينتقد القانون: فقهاؤه، وشراحه؛ ونقدهم له يكون غالبا نتيجة ما في القاعدة القانونية من غموض، والتباس بسبب الصياغة، أو بسبب تعارض مدلولها مع قاعدة قانونية أخرى، أو ما ينتج عنها من إكراهات واقعية، فيقترحون صيغا بديلة، ويشيرون بقواعد قانونية يجدون لها مكانا في الواقع، تذلل الصعاب، وترفع المشقة عن الملزم.
بناء على ما تقدم، وتأسيا بالمشرع، والقاضي، والفقيه؛ فإن نقد القانون لا يُمنع ابتداء، ما دام النقد مؤسسا على منهجية علمية معتبرة، وصادرا ممن له خبرة بالشأن القانوني، والقضائي، بعيدا عن الفوضى، والتحريض، والتشنيع، فكان لا بد -هنا- من التمييز بين نقد التشريع، والدعوة إلى التمرد عليه.