في الواجهةمقالات قانونية

الضمانات الحمائية للحقوق والحريات في ظل الظروف الاستثنائية

الضمانات الحمائية للحقوق والحريات في ظل الظروف الاستثنائية

  

ازويني جميلة

حاصلة على ماستر قانون الأعمال بتطوان

وحاصلة على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة

 

 

مقدمة:

ترتكز دولة القانون على مبدأ المشروعية، الذي يعني خضوع كل من الدولة من حكام ومحكومين إلى القانون. ما يفرض على الإدارة أن تلتزم بقواعد القانون في كل تصرفاتها، والذي يعتبر ضمانة أساسية للحقوق والحريات في الظروف العادية.

لكن هذه الظروف لا يمكن أن تتميز بالثبات والدوام، تنعم من خلالها البلدان بالسلام والأمن والاستقرار على وثيرة واحدة مضطردة، فقد يتعرض أمن البلاد إلى تهديد ناتج من ظروف استثنائية تضطر معها الدولة إلى تطبيق حالة من الحالات الاستثناء المنصوص عليها في الدستور كحالة استثناء وحالة الحصار… . ولمعالجة الوضع بطريقة حاسمة وسريعة، تضطر الدولة إلى الخروج عن مبدأ المشروعية عن طريق تحللها من بعض قواعد القانون العادي إلى قوانين استثنائية تستطيع بموجبها اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على زمام الأمور والحفاظ على كيانها وأمنها. لكن من شأن هذه التدابير الاستثنائية تعطيل العمل ببعض ضمانات حقوق الإنسان، حيث ينتج عن تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية اتساع صلاحيات السلطة التنفيذية في مواجهة هذه الظروف على حساب الحقوق والحريات التي يتم التضييق منها بهدف المحافظة على النظام العام وضمان السير المنتظم لمرافق الدولة.

وفي سبيل منع الاستبداد والتسلط وصيانة حقوق الأفراد، كان لابد من توزيع هذه السلطة بين هيئات متعددة وإلزام كل هيئة حدودها، وهو ما يعرف بمبدأ الفصل بين السلطات، وانطلاقا منه كان لابد من فرض رقابة مجدية على نشاط الإدارة لإلزامها باحترام القانون، وعليه خص المؤسس الدستوري القضاء بمهمة مراقبة أعمال الإدارة باعتباره أكثر الأجهزة القادرة على حماية مبدأ المشروعية والدفاع عن حقوق والحريات، حيث تعتبر الرقابة القضائية على أعمال الإدارة واحدة من أقوى وأهم الضمانات الحرية الأساسية مقابل ما تقوم به الإدارة عموما،وفي سبيل ما تصبوا إليه من تحقيق النظام العام على وجه الخصوص لاسيما أمام عدم كفاية وفعالية الرقابة الإدارية الذاتية، ذلك كونها تعد الوسيلة فعالة في حماية الحرية الأساسية إزاء ما يصدر عن الإدارة من أعمال، لأن الغرض الأساسي من الرقابة القضائية هو حماية الأفراد، وذلك بإلغاء قرارات الإدارة المخالفة للقانون والتي تكون قد سببت ضرارا للأفراد، والحكم بالتعويض عن الضرر الذي يمس الأفراد من جراء سير المرافق العامة.

و من هنا نطرح التساؤلات التالية:

ما مدى ضمان حماية الحقوق والحريات من قبل السلطات المتدخلة في ظل حالة الطوارئ الصحية؟

ما هو دور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات الأساسية في ظل الظروف الاستثنائية؟

لمعالجة هذه التساؤلات سوف أقسم الموضوع إلى المطلبين التاليين:

 

المطلب الأول: الضمانات التي أقرتها الدولة المغربية لحماية الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ الصحية

تتحقق حالة الطوارئ أو ما يسمى بالظروف الاستثنائية إذا ما نشأت في دولة معينة ظروف تجعل السلطة التنفيذية مضطرة لاتخاذ تدابير وإجراءات لحماية الأمن العام لمواطنيها في ظرف استثنائي غير عادي، تفرضه الدولة عندما يتهدد أمنها ونظامها العام .

فحالة الطوارئ تخول الحكومة القيام بأعمال أو فرض سياسات لا يسمح لها عادة القيام بها في الظروف العادية. وتستطيع الحكومة إعلان هذه الحالة أثناء الكوارث، أو حالة العصيان المدني، وحالة ظهور الأوبئة خطيرة، بحيث تنبه المواطنين إلى تغيير سلوكهم الطبيعي وتأمر الجهات الحكومية بتنفيذ خطط الطوارئ. وتحيل أيضا حالات الطوارئ على فرض أحكام استثنائية بموجب قانون طوارئ أو قوانين مؤقتة تتخذها السلطة التنفيذية. وتشمل هذه الحالة فرض قوانين تقيد حرية الحركة، وتحد من مجال التمتع بمجموعة من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور والنصوص التشريعية والتنظيمية، تماشيا مع ما تفرضه الضرورة والظروف الاستثنائية كما هو الشأن بالنسبة لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب.

وتظل تدابير الشرطة الإدارية نظاما وقائيا تتولى فيه الإدارة حماية المجتمع من كل ما من شأنه أن يخل بأمنه وسلامته وصحة أفراده وسكينتهم، بحيث يقتصر دور السلطات الإدارية على تنظيم مجموع الحقوق والحريات، وضبط كيفيات ممارستها دون أن تصل سلطاتها إلى منعها أو تحريمها. فالقاعدة تظل متمثلة في أن الحرية في نطاق الشرطة الإدارية هي الأصل، وتحديدها بإجراءات وقرارات ضبطية هي الاستثناء. مع ما يترتب عن ذلك من خضوع الإدارة لرقابة القضاء الإداري، إلغاء أو تعويضا.

نعتقد بأن مفهوم حالة الطوارئ الصحية أصبح من المصطلحات أكثر دقة في الوضع الحالي من المفاهيم أخرى كمفهوم حالة استثنائية المنصوص عليه في دستور.

ونظرا لهذه الظروف الاستثنائية التي يشهدها بلدنا، عملت السلطات المتدخلة في هذه الظروف على توفير الحماية للحقوق والحريات المكفولة دستوريا، حيث صدر المرسوم2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية والإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب في 23 مارس 2020 بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا[1].

إلا أنه رغم إعلان عن حالات الطوارئ فالسلطة التقديرية للدولة ليست مطلقة، بل تظل مقيدة بالتزامها باحترام بعض الحقوق والحريات الأساسية حتى في حالة الطوارئ. وذلك تكريسا لما جاء في الدستور” أن الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا لا يمكن تقييدها إلا بقانون “.

لذلك فمن واجب على السلطات المتدخلة في ظل الظروف الاستثنائية توفير مجموعة من الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات.

لمعالجة هذه النقط نقسم هذا المطلب إلى فقرتين:

 

الفقرة الأولى: الإطار القانوني لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب

 

بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية لسنة 2011 لا نجد التشريع المغربي ينظم لنا “حالة الطوارئ”أو ما يسمى”بحالة الطوارئ الصحية”، ولكن يتطرق لبعض الحالات الاستثنائية المشابهة وهي حالة الحصار المنصوص عليها في الفصلين 49 و 74 من دستور، وإلى حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور. وهذه الحالات تختلف عن حالة الطوارئ الصحية من ناحية الشروط الموضوعية والشروط الشكلية، على رغم من أنها تشترك مع هذه الأخيرة في التأثير على الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا.

وفي غياب نصوص دستورية تنظم لنا حالة الطوارئ الصحية، يمنح المشرع للحكومة آليات قانونية يمكن من خلالها التشريع عوض عن البرلمان، من أجل المحافظة على السير العادي لمرافق الدولة التي لا تقبل التوقف مهما كانت الظروف.

إن الحالات التي تتعلق بحلول الحكومة محل البرلمان في ممارسة الوظيفة التشريعية تكون ناتجة عن:

  • تفويض التشريع بمقتضى القانون أثناء دورات انعقاد البرلمان، وهو ما يعرف بالمراسيم التفويضية ( الفصل 70 من الدستور 2011).
  • التشريع في الفترة الفاصلة بين انعقاد الدورات البرلمانية، وهو ما يعرف بمراسيم الضرورية (الفصل 81 من الدستور).

إن الفرق بين التفويض في إطار الفصل 70 من الدستور، والتفويض في إطار الفصل 81 من الدستور، هو أن الأول تفويض إرادي بحيث يمكن للبرلمان أن يأذن للحكومة بالتشريع في مجال من مجالات القانون، كما يمكن له أن يمتنع عن ذلك. في حين أن التفويض في إطار الفصل 81 هو تفويض بحكم الدستور أثناء عطلة البرلمان.

لذلك استندت الحكومة على الفصل 81 من الدستور لإصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 الذي يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الذي تزامن مع الفترة الفاصلة بين الدورات.

إذ لابد من توافر أربعة شروط لإصدار مثل هذه المراسيم:

  • وجود ضرورة ملحة تفرض إصدارها؛
  • أن يكون ذلك خلال الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان، أي بين دورة أكتوبر ودورة أبريل؛
  • أن يقع بالاتفاق مع اللجنة التي يعينها الأمر؛
  • أن يتم عرض المراسيم المتخذة على مصادقة البرلمان في أقرب دورة عادية؛

فإذا أقر البرلمان هذه  المراسيم استمر سريان مفعولها، أما إذا رفض المصادقة عليها، فانه يزول ما كان لها من قوة القانون، ويتوقف سريان مفعولها، إلا أن هذا الرفض لا يسري بأثر رجعي احتراما للمراكز القانونية والحقوق المكتسبة.

فالفصل 81 من الدستور يعتبر الإطار الدستوري لإصدار هذا المرسوم بقانون، لكي يكون هذا المرسوم مطابق لمبدأ المشروعية وملزما للأفراد ومرضيا لهم، استندت الحكومة إلى الفصل 21 و 24 من الدستور.

حيث يجب أن تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار الاحترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع (الفصل 21 من الدستور)، ما يمكن ملاحظته بشأن الفصل 21 أنه لم يذكر كلمة “قانون”التي يمكن للحكومة أن تعتمده لتقييد حق المواطن في سلامته، فهو حق مطلق لا يمكن التصرف فيه.

لكن تجد الحكومة سندها في الفصل 24 من الدستور بقراءة الفقرة الرابعة منه بمفهوم المخالفة للتدخل وفق القانون قصد تقييد حرية التنقل، عبر التراب الوطني والخروج منه والعودة إليه، و ما يترتب عن خرق هذه المقتضيات من تدابير.

والهدف من إتباع هذه التراتبية القانونية هو إعطاء المشروعية لمرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية رقم 2.20.292.

و استنادا إلى الفصلين 90 و 92 من الدستور بالإضافة إلى المرسوم قانون حالة الطوارئ السالف الذكر… تم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19 بمرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020[2].

وبعد إصدار المرسوم رقم 2.20.292، وكذا المرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا ضمن الجريدة الرسمية لتاريخ 24 مارس 2020، مع العلم أن بداية تطبيق حالة الطوارئ بدأ العمل به على اثر صدور بلاغ وزير الداخلية بشأن إعلان” حالة الطوارئ الصحية” ابتداء من يوم 20 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء. مما يطرح مدى شرعية التدابير المتخذة قبل 24 مارس 2020، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من مسؤولية في حالة حصول ضرر للأفراد.

و لأن المرسوم المذكور لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا بعد 24 مارس 2020، فان هذا التاريخ هو المعتد به قانونا لبداية العمل بالتدابير التي جاء بها، رغم أن الحكومة استندت في سنها للأحكام الطوارئ الصحية على مقتضيات الفصل 81 من دستور، حيث تم اتخاذ المرسوم في الفترة الفاصلة بين الدورتين التشريعيتين. فان تمامه من الناحية القانونية يتوقف على المصادقة عليه من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية.

و ابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية يحق للحكومة، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة للحد من تفاقم الحالة الوبائية للمرض، خاصة تلك المنصوص عليها في المادة 3 من المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، والتي تمنع التجمع أو التجمهر أو مجرد الاجتماع غير مبرر، أو مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم، أو تنقلهم خارجه، باستثناء حالات الضرورة القصوى للعمل حينما تقتضيه حيوية المرفق المعني بقرار من السلطة الحكومة المختصة، أو التنقل لاقتناء حاجيات المعيشية اليومية أو التطبيب، أو لأسباب عائلية ملحة تستدعي مساعدة أشخاص في وضعية صعبة، أو في حاجة إلى إغاثة.

 

الفقرة الثانية: واقع الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ الصحية بالمغرب

 

فإذا طرأت ظروف غير عادية على الدولة: مثل الحروب الأهلية أو الدولية، أو فيضانات أو الزلازل أو غيرها من الكوارث الطبيعية، أو حالات الانقلاب أو الانقلاب الأمني أو انتشار مرض أو وباء يهدد الصحة العامة للمواطنين، تجد الدولة نفسها وفي سبيل المحافظة على النظام العام تتخذ تدابير عاجلة أو إجراءات استثنائية لا تسمح بها قواعد القانون المقررة في الظروف العادية،فهي تضطر إلى التحلل من بعض القواعد المقررة في القوانين المنظمة للحرية لكي تفسح المجال أمام قواعد أخرى أكثر تقييدا وتضييقا للحرية[3].

و بالرجوع لمقتضيات الواردة في الدستور المغربي لسنة 2011 لا نجده  يقنن لنا حالة الطوارئ الصحية كما هو الشأن بالنسبة لحالة الاستثناء وحالة الحصار، كما أشرنا إلى ذلك سابقا. ومع ذلك فان التدابير والإجراءات المتخذة من طرف السلطات المختصة في هذه الحالة، قد تؤدي إلى المساس بالحقوق والحريات المدنية والسياسية للأفراد المقررة في الدستور من قبيل تقييد حق التنقل، والتجمع والتجمهر، وممارسة الرقابة على حرية التعبير وغير ذلك من الحريات أخرى.

وعلى اثر الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بالمغرب صدرت مجموعة من القرارات والتدابير الإدارية تمس بحقوق وحريات الأفراد، وهي التي غالبا ما يحرص عليها الفرد ويدافع عنها في كل وقت ورغم كل الظروف المحيطة به، لكن الظروف التي يعيشها البلاد تفرض على السلطة تقييد ممارسة بعض هذه الحقوق والحريات.

وتتمثل هذه الحريات في: تقييد حرية التنقل، وحرية التجمع والاجتماع، وحرية الرأي والتعبير.

أولا: تقييد حرية التنقل في حالة الطوارئ الصحية

فحرية التنقل من الحقوق الأساسية للإنسان، بحيث يؤدي ضمانها إلى تمتيع الفرد بباقي حقوقه وحرياته الأخرى ولازما لممارستها، ولهذا نجد المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على أن” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، وتؤكد أيضا أنه “يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”.

وباستقرائنا الفصل 21 من الدستور المغربي الفقرة الثانية منه نجدها تنص على أنه “تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.

و تماشيا مع الفقرة الرابعة من الفصل 24 من الدستور على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”.

ولا شك أن حرية التنقل ليست حرية مطلقة وإنما هي مقيدة ويأتي هذا التقييد في عدة جوانب يكون هدفها تحقيق التوازن بين المصلحة العامة للمجتمع والمصلحة الخاصة للأفراد ومن ثم تغليب الأولى على الثانية عند تعارضها، وهذه القيود إما أن ينص عليها الدستور صراحة أو في أغلب الأحيان يحيل في تنظيمها إلى القوانين العادية.

و بالرجوع إلى تقييد حرية التنقل في المغرب نجد أن السبب في ذلك غايته الحفاظ على الصحة العامة من خلال الحد من انتشار الفيروس داخل تراب الدولة خاصة أن هذا الانتشار يكون بطريقة سريعة وغير مكشوفة مما يؤدي إلى تفشي العدوى بكثرة ويهدد حياة الأشخاص في ظل غياب لقاح أو علاج لهذا الفيروس[4].

وهذا التقييد تجلى في المادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ بالمغرب نجدها تنص على: “… عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، طبقا لتوجيهات السلطات الصحية،… منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالات الضرورة القصوى…”. مما يتبين من خلال هذه المادة الأثر المباشر للإجراءات المتخذة أثناء حالة الطوارئ على حرية التنقل. ويمكن القول أنها جاءت متوافقة إلى حد ما نصت عليه نصوص اللوائح الصحية الدولية، التي سمحت هي الأخرى بوضع قيود على هذه الحرية متى كانت ضرورية لحماية الأمن الصحي الوطني والدولي.

ثانيا: تقييد حرية الاجتماع والتجمع في حالة الطوارئ الصحية

لم تسلم حرية الاجتماع والتجمع بدورها من تأثير الظروف الاستثنائية على ممارستها، فقد أشارت عدة نصوص داخلية ودولية إلى إمكانية فرض القيود على ممارستها بشكل يجعلها لا تمس بالنظام العام أو الصحة العامة، أو تعرقل سير مؤسسات الدولة،  وهو استثناء على الأصل.

فيجب أن نسلم نتيجة لذلك أن اتساع سلطة الضبط الإداري أثناء فرض حالة الطوارئ الصحية تحد بشكل كبير من الحرية، ومن ذلك حرية الاجتماع التي أصبحت تعطي لها أهمية قصوى في التشريعات المتعلقة بالظروف الاستثنائية، لأن التساهل أو عدم القدرة على ممارسة هذه الحرية لا شك أنه يهدد النظام العام والصحة العامة.

و يتمثل تضييق حرية الاجتماع والتجمع غالبا في منع التجمعات التي تمس بالنظام العام أو الصحة العامة، أو تعرقل سير مؤسسات الدولة الذي على الدولة أن تضمنه. وبصرف النظر عن مدى هذا القيد فان حرية الاجتماع والتجمع لن تلقى أثناء حالة الطوارئ ما تلقاه في الظروف العادية من جانب السلطة التنفيذية.

و بالرجوع إلى المادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 نجدها تنص على:” في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة طبقا للمادة الأولى أعلاه، تتخذ السلطات العمومية المعنية التدابير اللازمة من أجل: “… منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك، ويستثنى من هذا المنع الاجتماعات التي تعقد لأغراض مهنية مع مراعاة التدابير الوقائية المقررة”[5].

نستخلص مما سبق بأن المشرع منع كل تجمع أو تجمهر خلال فترة الحجر الصحي بهدف منع انتشار فيروس كورونا، إلا أنه استثنى منها التجمعات المهنية مع ضرورة التزام بالتدابير الوقائية، وهذا استثناء غايته الحيلولة دون توقف عجلة الاقتصاد.

ثالثا: تقييد حرية الرأي والتعبير في حالة الطوارئ الصحية

بالاطلاع على المقتضيات الدستورية نجد الفصل 25 من الدستور يضمن لنا حرية الرأي و التعبير بكل أشكالها[6]، لذلك تعالت مجموعة من الأصوات الحقوقية بالمغرب، التي نبهت إلى الانزلاقات التي تتم بمناسبة هذه الحالة الوبائية، والتي تِؤدي إلى مزيد من التضييق على الحقوق والحريات، ومطالبة الدولة بضرورة احترام القانون، الذي يفرض نوعا من تلاؤم الحدود، التي تفرضها السلط العمومية على ممارسة الحقوق والحريات، مع الظروف والملابسات التي فرضت تلك التدابير، والغاية التي دفعتها لذلك، أي أن يكون وضع الضوابط التي قد تحد من ممارسة الحقوق والحريات، يتسم بنوع من العقلانية بمعنى أن تكون متناسبة مع الظروف التي فرضت ذلك، خاصة وأن هذه الفقرة شهدت حملة واسعة على المدونين تحت طائلة عقوبات مفرطة، مما يعتبر إجهازا على حرية الرأي والتعبير، التي تعرف تراجعا كبيرا بالمغرب.

و ارتباطا بموضوع حرية الرأي والتعبير، التي نص عليها دستور2011 من خلال الفصل 25 “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، فان محاكمة العديد من المدونين بسبب التعبير عن رأيهم يعتبر مسا بعلوية القواعد الدستورية، التي من المفروض احترامها بصيانة حقوق  المواطنين مهما كانت الظروف، وإلا أصبح الدستور مجرد برنامج سياسي، في أقصى الحالات ملزم على المستوى الأخلاقي أو مجرد مجموعة من النصائح التي يتلقاها المشرع، والتي يكون حرا في الأخذ أو عدم الأخذ بها[7].

المطلب الثاني: القضاء الإداري كضامن للحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ الصحية

وفي ظل تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية فان المشرع منح للإدارة صلاحيات واسعة لمواجهة تلك الظروف بما يهدف لحماية النظام العام وتحقيق المصلحة العامة في المجتمع، لذلك قد تستخدم الإدارة وسائل غير عادية قد تضر بالحريات العامة، التي ضمنت حمايتها الدساتير والمواثيق الدولية، خاصة في حالة إعلان حالة الحصار وحالة الطوارئ والحالة الاستثنائية.

وأهم ضمانة لحماية الحريات في هذه الحالة هو مسؤولية الإدارة عن جميع أعمالها، وخضوعها للرقابة القضائية التي تقف في صف حماية هذه الحريات[8].

بوجود ظرف استثنائي أيا كانت صورته لا يجعل الإدارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق، فلا يعدو أن يكون الأمر توسعا لقواعد المشروعية، فالإدارة تبقى مسؤولة في الظروف الاستثنائية على أساس الخطأ الذي وقع منها، غير أن الخطى في حالة  الظروف الاستثنائية يقاس بميزان آخر غير ذلك الذي يقاس به الخطأ في الظروف العادية.

فالإشكالية المطروحة في هذا المطلب هي:ما مدى حدود بسط رقابة القاضي الإداري على القرارات الإدارية المتخذة خلال هذه الفترة مع إبراز طبيعتها القانونية؟

و للإجابة عن هذه الإشكالية نقسم هذا المطلب إلى فقرتين أساسيتين:

 

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للقرارات الإدارية المتخذة في حالة الطوارئ الصحية

لا يخفى أنه قد ينشأ عن بعض القرارات أو الأعمال الإدارية المتخذة تطبيقا لقرار الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية إضرار بحق أو مصلحة مشروعة، وتبعا لذلك، فهل تكون تلك القرارات والأعمال محصنة من أي رقابة قضائية بعلة أنها سيادية؟ وهل وصف “السيادي” ينطبق على جميع القرارات المتخذة بمناسبة الطوارئ الصحية-منها قرار تعليق الرحلات الجوية- وما هي حدود الرقابة القضائية عليها؟

قليلة هي المناسبات التي تعرض فيها القضاء المغربي للقرارات السيادية محددا إياها بهذه الصفة، وقد شكل القرار الصادر بتاريخ 26 مارس 2020 عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط واحدا من هذه القلة حيث وصف قرار الحظر الجوي بالقرار السيادي بامتياز.

إن وصف قرار ما ب”السيادي” ينبغي أن يؤسس على المفهوم القانوني الدقيق له، لا أن يكون وصفا لحال، فكل قرار لا شك أنه يعبر عن سيادة الدولة من زاوية أنها مالكة لزمام قرارها، مستقلة في تحديد مصلحتها، واتخاذ ما يجنبها أي ضرر ويجلب لها مصلحة. لكن ليس معنى ذلك أن هذا القرار سيادي بالمفهوم القانوني لنظرية الأعمال والقرارات السيادية كما وضع أسسها الفقه والقضاء المقارن، فالقرارات الإدارية التي تصدر عن الدولة بمختلف إدارتها تخضع للرقابة القضائية، وهي قاعدة تقرها الدساتير ومنها الدستور المغربي، أما تلك التي تتجاوز الطابع الإداري والتنظيمي. و تتصف بالسيادية فهي وحدها مستثناة من هذه الرقابة ولتبسيط الفكرة وتقريبها للأذهان يمكن تحديد ماهية القرارات السيادية باعتبارها القرارات الصادرة عن السلطات العليا في البلاد بوصفها سلطة حكم لا إدارة، في موضوع يهم علاقة السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية أو العلاقات الدولية والدبلوماسية، ومن ذلك قرار الدعوة إلى الانتخاب أو إيداع مشروع قانون بالبرلمان، أو حل البرلمان أو تعيين أعضاء الحكومة أو إقالتهم، وكذا قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إحدى الدول، وما إلى ذلك من القرارات التي تعبر فعلا عن سيادة الدولة فتخرج عن رقابة القضاء الإداري الذي يحكم مجال تدخله الدستور ويقصره على رقابة القرارات المتخذة في هذا المجال فقط. وهذا النوع من القرارات تم استثناؤه، باجتهاد قضائي قار، من الخضوع لرقابة القضاء الإداري وفق ما كرسه قضاء مجلس الدولة الفرنسية الذي استحضر وجود نوع آخر من الرقابة على هذه القرارات السيادية هي رقابة السلطة التشريعية ورقابة القضاء الدستوري.

وقد استخلص الفقه معايير لتمييز القرار الإداري عن القرار السيادي منها معيار الباعث السياسي، و إن كان القضاء الفرنسي قد تخلى عنه، في مقابل تطبيق المعيارين العضوي و الموضوعي.

وسيكون من المناسب لو يتبنى القضاء الإداري المغربي نظرية القرار المنفصل- القابل للطعن فيه بالإلغاء- أسوة بنظيره الفرنسي على مستوى مجلس الدولة، بحيث لا يتردد في تقدير شرعية القرارات الإدارية المتخذة في إطار قرار الطوارئ الصحية المعتبر قرارا سياديا، أي ولو في الظروف الاستثنائية، كما تحقق من انفصالها عن القرار السيادي، أي متى كانت رقابته في حال إلغاء القرار المطعون فيه ليس من شأنها المساس بالقرار المعلن عن الطوارئ الصحية وسريانه.

فمن خلال تفحص “قرار الحظر الجوي” من حيث الجهة المصدرة له وموضوعه، يتبين أن الأمر يتعلق ببيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج يتضمن الإعلان عن قرار تعليق الرحلات الجوية المتوجهة والقادمة من وإلى عدد من الدول، وكان قرار تعليق الرحلات الجوية (وحتى غلق الحدود البحرية مع اسبانيا) قد صدر في 13 مارس 2020 وعلى إثره تم تعليق الرحلات من أربع دول هي الصين وايطاليا وكوريا الجنوبية واسبانيا، وفي 14 مارس 2020 تم تعليق الرحلات مع ألمانيا هولندا بلجيكا والبرتغال ومع عدد من الدول الإفريقية والعربية منها تونس. وقد أشار البيان إلى أن هذا الإجراء الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج وفق ما هو واضح من بلاغها المنشور في موقع الوزارة على الانترنيت، وبالتالي صدر عن سلطة عمومية في إطار تدابير الضبط الإداري (الشرطة الإدارية) الذي يمكن للوزارات ممارسته لحفظ النظام العام المتمثل في الصحة العامة على اعتبار أن خطر تفشي الوباء مرتبط بحالات وافدة من الخارج.

ثم انه بالتدقيق في تاريخ إصدار قرارات تعليق الرحلات الجوية سيتبين أنها سابقة عن تاريخ اتخاذ قرار الإعلان عن الطوارئ الصحية، سواء الذي صدر في شكل بلاغ لوزارة الداخلية الصادرة في 19 مارس 2020 الذي حدد بداية المجال الجوي والبحري اتخذ في إطار تدابير إدارية محضة وفق ما تسمح به السلطات الضبط الإداري وليس خلال فترة الطوارئ الصحية.

كما أن القانون المنظم للطيران المدني يسمح للدولة، من خلال السلطات الجوية إذا كان في الأمر مساس بالنظام العام أو تهديد لسلامة الممتلكات والأشخاص. ومبرر تعليق الرحلات الجوية كان بداعي الحفاظ على الصحة العامة أي سلامة الأشخاص، وهو التزام دستوري أيضا.

وتأسيسا على ما ذكر يكون قرار الحظر الجوي، أو تعليق الرحلات الجوية، قرارا إداريا من حيث طبيعته القانونية، وغير متصل بقرار سيادي لصدوره قبل تاريخ القرار المعلن عن الطوارئ الصحية بمرسوم، وبالتالي لا يندرج بهذا الشكل ضمن القرارات المتخذة تنفيذا لقرار سيادي حتى يمكن اعتباره قرارا متصلا به، لأن ذلك يقتضي أن يكون لاحقا لصدوره القرار السيادي أي بعده لا قبله، ولا يسوغ قانونا إضفاء اثر قانوني لقرار إداري على أوضاع قانونية سابقة عنه.[9]

الفقرة الثانية: الرقابة القضائية على القرارات الإدارية في زمن كورونا

إن رقابة القضاء على مدى احترام الحقوق والحريات الفردية والعامة تعد أنجع وسيلة رقابة على المستوى الوطني، كون أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات[10]. حيث تتنوع أوجه الرقابة على تدابير الشرطة الإدارية بين رقابة قاضي الإلغاء والقضاء الشامل والقضاء الاستعجالي. وباعتبار هذا الأخير حاميا للحريات، كقضاء الإلغاء والقضاء الشامل، من خلال تخويل المتضرر إمكانية رفع الدعوى الاستعجالية أمام قاضي المستعجلات الإداري على وجه السرعة، فان القاضي في إعماله لهذه الإجراءات يتوفر على سلطات واسعة، بحيث يمكنه تعليق قرار الإدارة أو يأمره باتخاذ إجراءات محددة. ولذلك يتعين عليه أن يثبت، من جهة، أن هناك ضرورة ملحة للحكم. ومن ناحية أخرى، أن الإدارة-من خلال أفعالها أو تقاعسها- قد انتهكت بشكل غير قانوني حرية أساسية. ويقوم القاضي بتقييمه لهذه النقطة، مراعاة للتدابير التي اتخذتها الإدارة بالفعل والوسائل المتاحة لها. وبالتالي فالقضاء الاستعجالي غير مشمول بتعليق العمل بالمحاكم إبان حلة الطوارئ بل ينبغي الدفاع عن دور القضاء الإداري كضامن للحقوق والحريات حتى في الظروف الاستثنائية. إذ لا يقبل أن تتعطل هذه الوظيفة بداعي هذه الظروف فتصبح الدولة ممثلة في السلطة التنفيذية في حل من أي رقابة قضائية.

إن رقابة قضائية على مشروعية تصرفات الإدارة يمثل ضمانة مهمة من ضمانات حقوق الأفراد وحرياتهم لما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون، والقاضي هو مفتاح الالتزام بسيادة القانون ويتوقف عليه احترام مضمون القانون من حيث وجوب حمايته لحقوق وحريات.

وتعد مراقبة السلطة القضائية للأعمال الإدارية الصادرة عن السلطة التنفيذية أثناء قيامها بالمهام المنوطة بها، من أقوى نفوذ مبدأ المشروعية وضمان حقوق وحريات الأفراد، لأن القضاء هو حصن الحريات وحاميها لذا كانت أنجع وسيلة لرقابة الأعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية في حالة الطوارئ، هي رقابة القاضي الإداري على جميع الإجراءات والتدابير المتخذة من قبلها.

وعليه فان أغلب التشريعات اتفقوا على خضوع الإجراءات والتدابير المتخذة أثناء حالة الظروف الاستثنائية لرقابة القضاء الإداري، حيث استقر كل من القضاء الإداري الفرنسي والمصري في مجموعة من قراراتهما، على أن ما تمارسه السلطة التنفيذية من أعمال في ظل حالة الطوارئ المعلن عنها، تعد من قبيل الأعمال الإدارية تنبسط عليها رقابة القضاء الإداري إلغاءا وتعويضا[11].

و ارتباطا بدراسة الموضوع فقد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في 23 مارس 2020 ” بأحقية مواطن ليبي قادم من مالطا بالدخول إلى التراب الوطني، بعد التأكد من عدم إصابته بفيروس كورونا، وذلك طيلة فترة الحظر الجوي مع تحديد مكان إقامته بالدار البيضاء[12]. فوجود هذا المواطن نفسه محبوسا داخل المطار منذ 16 مارس 2020 بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية ومنع الرحلات الجوية.

وقد استند القرار إلى أن مقتضيات القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير الشرعية، لم تتطرق لحالة بقاء المسافرين الأجانب العابرين لتراب المملكة عالقين بالمطارات الدولية المغربية نتيجة أي منع اضطراري للطيران. إلا أن ذلك لا يحول دون تدخل قاضي المستعجلات  لرفع أي ضرر يتظلم منه الشخص العالق بالمطار، في إطار تطبيق القواعد العامة ومبادئ العدالة، والتي تراعي من طرف قاضي المستعجلات تحقيق دوره الايجابي في حماية الحريات العامة للأفراد ومراكزهم القانونية.

واستئنافا لهذا الأمر الذي أصدره رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بإلغاء الحكم الابتدائي. وعللت المحكمة حكمها بكون الملف خال مما يفيد أن المواطن الليبي يتوفر على سند قانوني، في إشارة إلى تأشيرة الدخول إلى المغرب. وكان الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن وزير الخارجية والتعاون الدولي، و المدير العام للأمن الوطني قد أدلى في مذكرته الاستئنافية، بأن قرار الحظر الجوي الذي تقرر نتيجة الحظر الصحي، قررته السلطات العليا للبلاد، لتفادي انتشار فيروس كورونا، و الذي يندرج ضمن القرارات السيادية الواجبة التطبيق.

وأوضح الوكيل القضائي أن الحكم الابتدائي خرق قواعد الاختصاص على اعتبار أن مصدر الأمر قضى بالإذن بالدخول للتراب الوطني، وهو ما لا يندرج ضمن اختصاص القضاء، وإنما من اختصاص السلطة التنظيمية، بالإضافة إلى خرق مبدأي فصل السلط المكرس دستوريا، وكون القاضي الإداري يحكم ولا يوجه أوامر للإدارة، فضلا على عدم الارتكاز على أساس قانوني، وانعدام التعليل من خلال انتفاء حالة الاستعجال القصوى، والاستناد إلى وجهة نظر أحادية، وترجيح وثائق عن الإجراءات السيادية التي اتخذتها السلطات العليا. وأبرز الوكيل القضائي من جهة أخرى، أن تنفيذ الأمر يقتضي التأكد من عدم إصابة المستأنف عليه من فيروس كورونا، والذي تتولاه إدارة أخرى ليست طرفا في الدعوى وهي وزارة الصحة، كما أنه إذا ثبت إصابته بهذا الفيروس تكون المحكمة قد أمرت بإدخال شخص مصاب، وهو ما يعد خرقا للحظر الجوي. وقد خلصت المحكمة إلى أن القرار المتخذ يدخل ضمن أعمال السيادة بامتياز ولا يمكن تعليق آثاره القانونية إلا في حالات التي يقررها قرار الحظر نفسه أو الأعمال اللاحقة التي اتخذتها نفس السلطة المختصة.

وجاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط[13]: ” أن حالة الحظر الجوي والبحري مجرد تدبير تنظيمي مؤقت لا يخل بمبدأ حرية الدخول والخروج من وإلى التراب الوطني كأصل عام، خاصة أن سنده الفصل 24 من الدستور الذي يحدد ضوابط لتنظيم هذا الحق يؤسسها القانون نفسه”.

ويتعلق هذا الأمر بقرار رفض طلب مواطن مغربي وزوجته الدخول إلى التراب المغربي، بعدما ظل عالقين بميناء الجزيرة الخضراء في اسبانيا، على اثر إعلان حالة الطوارئ الصحية. وقد عللت السلطات الإدارية قرارها بإجراءات الحجر الصحي، رغم أن هذه السلطات نظمت عدة رحلات جوية لإجلاء رعايا بلدان أجنبية عالقين بالمغرب.

لقد رفض رئيس المحكمة طلب المدعيين باعتباره غير مؤسس، نظرا إلى أن قرار إغلاق الحدود الجوية والبحرية تم طبقا لقانون الطوارئ الصحية الذي نشر بالجريدة الرسمية،معتبرا أنه:”لا يمكن خرق حالة الطوارئ الصحية عن طريق الإذن للطالبين بالدخول إلى التراب الوطني”، خاصة أن ما قامت به السلطات المغربية يمثل الشرعية الآنية في ظل الوضع الحالي، وأن القاضي يحمي الشرعية في كل الأحوال.

وقد علل رفضه بأن المدعيين وإن كان يحملان الجنسية المغربية ويقيمان بالمغرب ولهما حق الخروج والدخول من وإلى التراب الوطني طبقا لأحكام الدستور، غير أن ذلك يبقى في الأحوال العادية. أما في نازلة الحال فان استمرار وجودهما في منطقة العبور بالجريرة الخضراء بعدما كانا قادمين إلى المغرب من اسبانيا، إنما يرجع إلى تدابير احترازية سريعة وحاسمة اتخذتها السلطات المغربية بفرض حظر جوي وبحري، استنادا إلى السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة لها في هذا المجال لحماية الصحة العامة[14].

 

خاتمة:

وفي ختام يمكننا القول أن تخويل الإدارة نوع من التحرر في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية لا تبيح إلى منح سلطة مطلقة للسلطات المتدخلة في حالات الطوارئ الصحية، وتعسف الإدارة عن طريق المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم تحت شعار الإجراءات الاستثنائية، مما دفع إلى تخويل القضاء حق الرقابة القضائية على القرارات الإدارية باعتباره الضامن الأساسي للحقوق والحريات حتى في ظل الظروف الاستثنائية.

وباعتبار أن الرقابة القضائية تعد من أهم أنواع الرقابة فاعلية من ناحية حماية الحقوق والحريات العامة في الظروف الاستثنائية، فهذه الرقابة تعد مسالة ضرورية لخلق التوازن المطلوب بين ما للسلطة من امتيازات، وبين ما يصبو إليه المواطنين من حقوق وحريات.

 

 

 

المراجع المعتمدة:

[1]  – مرسومين منشورين بالجريدة الرسمية، العدد 6867 مكرر، بتاريخ 29 من رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020.

[2]  – مراد فارسي، حالة الطوارئ الصحية بالمغرب: التنزيل القانوني والإجراءات المواكبة، مقال منشور بالمجلة الباحث، ملف خاص 3 جائحة كورونا” الطوارئ الصحية”، العدد 19- يونيو 2020، ص 32.

[3]  – مديحة الفحلة، نظرية الظروف الاستثنائية بين مقتضيات الحفاظ على النظام العام والتزام حماية الحقوق والحريات الأساسية، مقال منشور بمجلة الفكر، العدد الرابع عشر، ص 222.

[4]  – إدريس بنشطاب، الدولة وحقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، مقال منشور بمجلة الباحث، ملف خاص جائحة كورونا           ” الطوارئ الصحية”، العدد 20-يوليوز 2020، ص249.

[5]  – محمد امجاهدي، حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، على الرابط التالي:  www.droitetentreprise.com ، تاريخ الاطلاع : 23/08/2020 على الساعة 12:35 .

[6]  – الفصل 25 من الدستور 2011:” حرية الرأي والفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها… .

[7]  – علي المغراوي، الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ، مقال منشور في موقع “لكم”، على الرابط التالي: https://lakome2.com/opinion/179865/،  تاريخ الاطلاع: 23/08/2020 على الساعة 13:01.

[8]  – صالح الدين شرقي، حماية الحريات العامة للأفراد في ظل تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية، مقال منشور في دفاتر السياسة والقانون، العدد الرابع عشر جافي 2016، ص 89.

[9]  – صالح لمزوغي، تأملات حول بعض إشكاليات القضاء الإداري في زمن كورونا كوفيد-19، مقال منشور على موقع العلوم القانونية، على الرابط التالي: https://www.marocdroit.com/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%83%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AF-19_a8612.html ، تاريخ الاطلاع 25/08/2020 على الساعة:12:24.

[10]  – سمية لعسل، سلطات القاضي الإداري في حماية الحقوق و الحريات الأساسية، رسالة ماستر في القانون العام المعمق، جامعة أبو بكر بلقايد-تلمسان، السنة الجامعية 2015/2016، ص 27.

[11]  –  محمد امجاهدي، حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، مرجع سابق.

[12]  –  المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، أمر استعجالي رقم 239 ملف 2020/7101/358 بتاريخ 23 مارس 2020.

[13]  – أمر عدد 955 ملف رقم 667/7101/2020 صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالنيابة بالرباط بتاريخ 31 مارس 2020.

[14]  –  حسن صحيب، الشرطة الإدارية في حالات الطوارئ: الطوارئ الصحية بالمغرب؛ مقال منشور على الرابط التالي: https://participer.ma/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A/ ، تاريخ الاطلاع 26 مارس 2020، على الساعة 18:15، ص 355.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى