في الواجهةمقالات قانونية

عرض تحت عنوان : النصب والتدليس بين المسؤوليتين الجنائية والمدنية

 

بحث حول:

النصب والتدليس بين المسؤوليتين الجنائية والمدنية

 

 

أمين نصر الله

لائحة فك الرموز

ص: صفحة

م.ق.ج : مجموعة القانون الجنائي

ظ.ل.ع : ظهير الالتزامات والعقود

ط : طبعة

ع : عدد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تقديم:

إن فكرة المجتمع لا تختزل في مجرد تجمع بشري وكفى، وإنما هي تحصيل حاصل لمجموعة من الأنشطة والقواعد التي تواتر عليها الأفراد لضمان حياة آمنة وسليمة وشكلوا من خلالها ما يسمى بالنظام العام، ومن ثم كانت مختلف المعاملات التي تجري في بحره تستمد ضوابطها من نقطة أساسية وهي احترام هذا النظام العام والحفاظ عليه.

من بين هذه المعاملات ما ينصب على مصدر مهم ورئيسي من مصادر الالتزام الا وهو العقد، إذ يتسنى من خلاله للأفراد قضاء حوائجهم وهم في طمأنينة على مصالحهم، سيما وأن هذه المؤسسة – أي مؤسسة العقد- حظيت بعناية فائقة للقيام بأدوارها المنوطة بها. الشيء الذي ينعكس بشكل أو بآخر على تقوية المعاملات التعاقدية ومن ثم تقوية الروابط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والحفاظ على النظام العام الجوهر الأساسي لبنية المجتمع.

غير أن هذه المعاملات التعاقدية قد تكون محلا لأعمال غير مشروعة تؤثر على مصداقية مؤسسة العقد داخل المجتمع من ناحية، وعلى مصالح المتعاقدين من ناحية ثانية.

ومن بين هذه الأعمال غير المشروعة نجد النصب والتدليس، وإن كان هذين المفهومين يبدوان من الوهلة الأولى على درجة من التشابه والتطابق حيث يستهدفان رضا المتعاقد ليجري بمحض إرادته تلك المعاملة التعاقدية التي تضر بمصالحه، الا أن البون بينهما شاسع جدا رغم استهدافهما لنفس المعاملة.

فإذا كان الفقه عرف التدليس كونه استعمال خديعة توقع الشخص في غلط يدفعه الى التعاقد[1]، وعرف النصب على أنه الاستيلاء على أموال الغير عن طريق استعمال وسائل الاحتيال والخداع[2]، فالفرق بينهما يكمن في أن النصب يكون بوسائل أشد جسامة من تلك المستعملة في التدليس، الأمر الذي يستدعي معه معاملة خاصة لكل واحد منهما على حدة.

وهنا تبرز مكانة مؤسستي المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية في حماية العقد وأطرافه، وحماية المعاملات التعاقدية المؤدية لضمان استقرار وتنمية المجتمع، الحديث هنا عن دور هاتين المؤسستين في تكريس الأمن التعاقدي.

 

بناء على ما سبق ذكره تبرز أمامنا الاشكالية الآتية. كيف تتدخل مؤسستي المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية من أجل حماية المعاملات التعاقدية من النصب والتدليس ومن ثم تكريس الأمن التعاقدي ؟

وعلى ضوء هذه الاشكالية تتفرع الأسئلة التالية:

كيف تساهم المسؤولية الجنائية في ضمان الأمن التعاقدي ؟

وكيف تساهم المسؤولية المدنية بدورها في هذا الهدف ؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية أقترح التصميم الآتي، معتمدا فيه على المنهج الوصفي التحليلي:

     المطلب الأول: النصب في المعاملات التعاقدية تحت طائلة المسؤولة الجنائية

     المطلب الثاني: التدليس في المعاملات التعاقدية تحت طائلة المسؤولية المدنية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: النصب في المعاملات التعاقدية تحت طائلة المسؤولة الجنائية

إن بيان دور مؤسسة المسؤولية الجنائية في إقرار وضمان الأمن التعاقدي وما يستتبعه من حماية لمؤسسة العقد وأطرافه من جريمة النصب، يبدأ بضبط معالم هذه الجريمة أولا على ضوء مجموعة القانون الجنائي، أي تحديد الأركان التي ترتكز عليها جريمة النصب (الفقرة الأول)، ثم بعد ذلك يأتي الدور على الجزاء الذي تقرره مؤسسة المسؤولية الجنائية، أي العقوبة التي يتسنى من خلالها ردع مرتكب هذا النشاط الجرمي (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: أركان جريمة النصب

تعتبر جريمة النصب من الجرائم التي أدرجها المشرع الجنائي المغربي تحت لواء جرائم الأموال في الفرع الثاني (الفصول 540 الى 546) من الباب التاسع من الكتاب الثالث  من مجموعة القانون الجنائي[3] المخصص للجنايات والجنح الماسة بالأموال.

وإذا كان الفقه[4] كما سبق وأن ذكرنا قد استقر على تعريف  النصب كونه الاستيلاء على أموال الغير عن طريق استعمال وسائل الاحتيال والخداع، فقد حسن فعل المشرع المغربي حينما لم يعطي أي تعريف لهذه الجريمة، واقتصر على تحديد ركنيها المادي والمعنوي بما يفيد القاضي الجنائي في تكييف النشاط على أساس وجود جريمة نصب أم أنه مجرد تدليس مدني لا يستوجب تدخلا جنائيا وإنما تدخلا مدنيا في إطار المسؤولية المدنية.

وإذا كان الركن القانوني لهذه الجريمة يتجسد من خلال النص الوارد في مقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج، فإن الضرورة تستدعي كشف غمار باقي الأركان، الحديث هنا عن الركن المادي (أولا) ثم الركن المعنوي (ثانيا).

 

أولا: الركن المادي

جاء في الفصل 540 من م.ق.ج: “يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر …”.

ويستفاد من هذا الفصل أن جريمة النصب تعد من الجرائم المادية الشيء الذي يستلزم معه توافر العناصر الآتية في الركن المادي لهذه الجريمة:

أ  – نشاط إجرامي ( إيجابي أو سلبي ) والمتمثل في الاحتيال.

ب – نتيجة إجرامية متمثلة في وقوع شخص في الغلط جراء الاحتيال الذي مورس عليه.

ج – علاقة سببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة الجرمية.

وسنأتي على بيان كل عنصر من هذه العناصر على حدة

 

أ – النشاط الاجرامي “الاحتيال”.

بالرجوع الى مقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج يتضح أن المشرع لم يعرف ماهية الاحتيال المشكل للركن المادي وإنما اقتصر على حصر الوسائل التي يتأتى من خلالها الاحتيال.

ومرد عدم تعريف المشرع للاحتيال هو غاية إضفاء صبغة المرونة على هذا الفصل لكي يتسنى للقاضي تكييف كل صور الاحتيال تكييفا يدخلها تحت طائلة القانون الجنائي وعقاب مؤتيها، وفي نفس الوقت ترك المجال لتكييف بعض صور الاحتيال الأخرى تكييفا يدخلها في نطاق التدليس المدني، حيث لا يخول للمتعاقد الواقع تحت تأثيره سوى إمكانية طلب إبطال العقد والتعويض عن الضرر إذا كان له محل[5] كما سنرى في قادم الأسطر، حيث لا يبقى أمام القاضي الا اعتماد مدى خطورة وسائل الاحتيال المستعملة لتكييف الوقائع بالتدليس المدني أو بالنصب المستحق للجزاء الجنائي[6].

ومن ثم كان إعمال القاضي لمقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج رهين بمدى تحققه من مدى خطورة الاحتيال، وهذا ما أكدته محكمة النقض من خلال قرارها الذي جاء فيه:

“إن اكتفاء محكمتي الابتداء والاستئناف بعرض واقعة القضية لا يعفي محكمة الاستئناف من التثبت من عناصر جنحتي النصب وخيانة الأمانة.

إنه لا تكفي الإشارة الى كون مقتضيات الفصل 540 و547 من القانون الجنائي قد طبقت إما لابد من تحليلها وإبراز عناصرها المكونة لها والا كان الحكم قابلا للنقض”[7].

وقد حدد المشرع حصرا الوسائل التي يتحقق بها هذا الاحتيال وهي :

1 تأكيدات خادعة

2 إخفاء وقائع صحيحة

3 استغلال ماكر لخطأ وقع فيه الغير.

 

1 تأكيدات خادعة

هذه التأكيدات لا يمكن أن تتحقق الا إذا لجأ الجاني الى الكذب بأمر من الأمور، ويستوى هذا الكذب أن يكون شفهيا أو مكتوبا، فالكذب المقصود إذن لا يتحقق بمجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في تأكيد صحتها، وإنما يجب أن يكون الكذب مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحتها[8].

والكذب إذا كان ضروريا لقيام الركن المادي في النصب فإن المقصود به ليس ذاك الدارج بين الناس والمجرد، لأن هذا النوع لا ينخدع به الناس عادة بسبب أن الاحتياط منه يشكل واجبا يلزم الجميع، وأقصى ما يمكن أن يشكله هو التدليس المدني فلا يكون الواقع تحت تأثيره محميا بالنصوص الجنائية[9] وقد يتخذ هذا الكذب أكثر من صورة، كانتحال صفة، أو الكذب بمساعدة الغير أو أي طريقة أخرى.

وتبقى للقاضي حينها السلطة التقديرية في تكييف هذا الكذب من خلال الواقعة بكل تفاصيلها، إذ يتعين أن يأخذ في اعتباره الظروف الشخصية للضحية كالجنس والسن، والثقافة، والدراية بالحياة، بل عليه أن لا يهمل الظروف الشخصية للجاني التي من شأنها أن تؤثر على اقتناع الضحية بتصرفاته الخادعة، كالمهنة أو الوظيفة التي يمارسها، وعلاقة القرابة التي تجمعه بمن يمكنه تلبية رغبة المحتال عليه[10].

وقد جاء في أحد قرارات محكمة النقض “استناد القرار في إدانة المتهم على ما ورد في تصريحاته بمحضر الضابطة القضائية الموثوق به والتي لم يثبت ما يخالفها والتي جاء فيها بأنه فعلا قام بعملية النصب والاحتيال وسلب من الضحية مبلغا من المال صرفه في أغراضه الشخصية بعد أن أوهمه بقدرته على التدخل لتنصيب محام عن ابن الضحية وإطلاق سراحه بل والحكم ببراءته، هي تصريحات استخلصت منها المحكمة عناصر الفصل 540 ق ج والمتمثلة في تأكيد الطاعن للضحية على قدرته على الإفراج عن ابنه المعتقل على ذمة قضية جنحية مستغلا في ذلك جهله وكبر سنه يكون قد استعمل الاحتيال لإيقاعه في الغلط بتأكيدات خادعة دفعته إلى أعمال تمس مصالحه المالية في مقابل ذلك حصل هو على منفعة مالية”[11]

ويبقى الأصل أو القاعدة، أنه كلما تأكد الكذب بأي مظهر خارجي من شأنه أن يؤدي الى انخداع الضحية وسقوطها في حبائل الجاني المغلطة الا وتحقق العنصر الأول في الركن المادي لجريمة النصب[12].

 

2 إخفاء وقائع صحيحة

يعد إخفاء وقائع صحيحة أحد الأنشطة السلبية التي يتحقق بها الاحتيال كعنصر أول من عناصر الركن المادي لجريمة النصب، غير أنه يجب التدقيق في هذا الإخفاء أو الكتمان.

ولا يعتبر كذلك الا إذا كان منصبا على واقعة لها أهمية قصوى عند المجني عليه، ونحو ذلك أن يقوم شخص ببيع بقعة أرض لآخر يعزم بناء عمارات ذات طبقات متعددة عليها، في حين أنها أصبحت بمقتضى القوانين والقرارات المنظمة للبناء مخصصة للمناطق الخضراء[13]، وقد جاء في قرار لمحكمة النقض “إخفاء واقعة عدم ملكية البائع لموضوع البيع يشكل جنحة النصب”[14]

أما وأن يكون الكتمان في واقعة ليست ذي أهمية عند الضحية ولم تدفعه لقبول العملية التعاقدية، ففي هذه الحالة لا يكون هذا الكتمان مشكلا للاحتيال كعنصر من عناصر الركن المادي لجريمة النصب.

3 استغلال ماكر لخطأ وقع فيه الغير.

إن الاستغلال الماكر لخطأ وقع فيه الغير لا يعتد به كأحد وسائل الاحتيال إلا إذا كان مستجمعا لشرطين أساسيين، أولهما أن يقع الضحية المجني عليه في غلط ويكون من شأن هذا الغلط أن يجعله يتخلى عن ماله للجاني، وثانيهما أن يقوم الجاني باستغلال هذا الغلط بكيفية ذكية يتخللها المكر والدهاء فيتدخل قاصدا تصحيح الغلط وحمل المجني عليه على التخلي عن ماله[15]، أو بمنطوق بحثنا هذا، يدفعه إلى إبرام معاملة تعاقدية.

وتعد هذه الشروط ملزمة لمحاكم الموضوع تحت طائلة تعرض أحكامها للنقض، وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا: ” يشترط لقيام جريمة النصب حسب الفصل 540 من القانون الجنائي استعمال الاحتيال بإخفاء وقائع صحيحة من المحتال عليه قصد الإضرار به والاستفادة من وراء ذلك.

ولا يعتبر عدم تنفيذ الالتزام بأداء الثمن المتفق عليه وحده احتيالا والقرار الذي لم يبرز وقائع الاحتيال يكون عديم التعليل ويتعرض للنقض”[16].

 

ب –  نتيجة إجرامية

إن تصنيف جريمة النصب كونها جريمة مادية، أمر يستوجب تحقق نتيجة إجرامية بالضرورة، وقد جاء في الفصل 540 من م.ق.ج “ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر…”.

فالنتيجة في جريمة النصب في القانون المغربي تقوم بمجرد حصول الضرر للمجني عليه، ولا يشترط في ذلك أن يتسلم الجاني المال[17]، يكفي أن يستنفد جميع وسائل الاحتيال لتوقع الضحية في الغلط وأن يتحقق هذا وكفى، وهذا ما يستفاد من مدلول الفصل 540 من م.ق.ج.

ويبرر هذا الاتجاه للقانون الجنائي المغربي، أن الهدف من تجريم النصب هو حماية المصالح المالية للأفراد، فمتى تحقق المساس بهذه المصالح، كانت جريمة النصب تامة، لأن الضرر الذي وقع من أجله التجريم قد حدث فعلا، ولا يهم بعد ذلك أن يكون الجاني قد حصل على الفائدة المتوخاة له أم لا[18]. وقد جاء في أحد قرارا المجلس الأعلى سابقا، “جرائم التزوير والنصب وخيانة الأمانة لا تتم عناصرها الا بحدوث الضرر”[19].

 

ج  – العلاقة السببية

إن القول بضرورة توافر نتيجة إجرامية في جريمة النصب على اعتبار أن هذه الأخيرة تعد من الجرائم المادية، هو قول يستتبع بالضرورة توافر علاقة سببية بين النشاط الإجرامي المتمثل في الاحتيال، والنتيجة الاجرامية المتمثلة في الضرر، غير أن هذه العلاقة السببية ترجع مسألة تقديرها لقاضي الموضوع من خلال الوقائع المعروضة أمامه.

وقد جاء في أحد قرارت المجلس الأعلى سابقا: “فلا يكفي في ركنها المادي استعمال المتهم الاحتيال بقصد خداع المجني عليه وقيام هذه الأخير بأعمال تمس مصالحه أو مصالح غيره المالية، وإنما يلزم كذلك توافر علاقة سببية بين استعمال المتهم الاحتيال وبين وقوع المجني عليه في الغلط وبين قيامه بأعمال تمس مصالحه أو مصالح غير المالية”[20].

غير أنه يجب مراعاة أمرين اثنين في العلاقة السببية.

أولا: أن يكون المساس بالمصالح المالية للمجني عليه أو للغير (كتسليمه لماله أو لمال غيره) قد أتى لاحقا لتسليط الجاني للحيل على المجني عليه[21]، ويترتب على هذا الشرط أن الضحية إذا كانت سلمت المال الى الجاني عن طواعية وبدون احتيال، أي قبل أن يمارس الجاني احتياله، وبعد تسلم هذا الأخير المال فر هاربا، فآنذاك لا تقوم علاقة سببية لانعدام الوسائل الاحتيالية، ونكون أمام جريمة سرقة.

ثانيا: ينبغي أن تكون الوسائل الاحتيالية التي لجأ إليها الجاني، هي التي دفعت بكيفية رئيسية بالمجني عليه إلى الإضرار بمصالحه المالية أو مصالح الغير، أما إذا كان عالما بالوسائل الاحتيالية التي سلطت عليه ومدركا لها فلا نكون والحالة هذه أمام جريمة نصب[22].

 

ثانيا: الركن المعنوي

إذا كانت جريمة النصب تعد جنحة وهذا ما يستفاد من العقوبة المقررة لها طبقا لمقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج، فإن هذه الجريمة تدخل في زمرة الجرائم العمدية عملا بمنطوق الفصل 133 من م.ق.ج “الجنايات والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا…”، وهو الأمر الذي يستوجب توافر القصد الجنائي.

وهذا القصد يقوم على شرطين أساسيين[23]: أولا: عالما بأنه يستعمل وسائل احتيالية من شأنها تغليط المجني عليه ودفعه الى المساس بمصالحه أو مصالح غير المالية، وأن لا يكون استعمال هذه الوسائل عن حسن نية. وثانيا: إرادة النتيجة، وهي إلحاق الضرر بالضحية والاستيلاء على ماله أو مال غيره بواسطة الوسائل الاحتيالية.

 

الفقرة الثانية: العقوبة المقررة لجريمة النصب والأسباب المؤثرة فيها.

يتجلى دور مؤسسة المسؤولية الجنائية في حماية العلاقة التعاقدية على وجه الخصوص، في إقرارها لعقوبة زجرية الى جانب تحديد الأنشطة التي تمس بهذه العلاقات (أولا)، وفي تحديدها لجملة من المقتضيات التي تؤثر في هذه العقوبة (ثانيا).

 

أولا: عقوبة جريمة النصب

بالرجوع الى مقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج نجد أن المشرع عاقب على جريمة النصب بعقوبة أصلية من سنة الى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة الى خمسة آلاف درهم.

غير أن المشرع أجاز بمقتضى الفصل 564 م.ق.ج للمحكمة الحكم على الجاني بعقوبة إضافية تتمثل في الحرمان من واحدة أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من م.ق.ج.

أما عقاب جريمة المحاولة في النصب فهي معاقب عليها بنفس عقوبة المقررة للجريمة التامة، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 546 من م.ق.ج، في فقرته الأخيرة.

 

ثانيا: الأسباب المؤثرة في العقوبة على جريمة النصب

تتجلى الأسباب المؤثرة في العقوبة المقررة لجريمة النصب في التشديد الموقع بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 540 من م.ق.ج، والإعفاء من العقوبة المقرر بمقتضى الفصل 541 من م.ق.ج.

فالأسباب التي تشدد العقوبة طبقا للفقرة الثانية من الفصل 540 م.ق.ج، هي الاستعانة بالجمهور في إصدار أسهم أو سندات أو اذونات أو حصص أو أي وقرة مالية أخرى متعلقة بشركة أو بمؤسسة تجارية أو صناعية. حينها ترفع العقوبة الحبسية الى الضعف والحد الأقصى للغرامة المالية الى مائة ألف درهم.

ويلاحظ أن المشرع المغربي استثنى هؤلاء الجناة المقرر في حقهم تشديد العقوبة من ظروف الاعفاء الواردة في الفصل 541 من م.ق.ج، مهما كانت صفتهم بحيث لا يعفون م، العقاب أو يستفيدون من القيود المتابعة أبدا[24].

أما عن أسباب الإعفاء من العقوبة وقيود المتابعة الجنائية في جرمة النصب الواردة في الفصل 541 من م.ق.ج، تحيل على نفس أسباب الإعفاء وقيود المتابعة المقررة بمقتضى الفصول من 534 الى 536 الخاصة بجريمة السرقة والعائدة لشخص الجاني.

وهكذا يتحقق الإعفاء من العقاب وإلزام الجاني فقط بالتعويضات المدنية في مواجهة المجني عليه وفق أحكام الفصل 534 من م.ق.ج.

كانت هذه هي الكيفية التي تتدخل بها مؤسسة المسؤولية الجنائية في حماية المعاملات التعاقدية بصفة خاصة وإقرار الأمن التعاقدي الذي ينعكس إيجابا على الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومن ثم على النظام العام داخل المجتمع، بداية بتحديد الأنشطة التي تبلغ من الخطورة ما لا يسمح بتوصيفها توصيفا آخر غير جنائي، وهي النصب من خلال الاحتيال عبر الوسائل الواردة في مقتضى الفصل 540 م.ق.ج، ثم بعد ذلك توقيع عقوبات زجرية محددة بمقتضى الفصل المومأ إليه، وما جاء بعده.

غير أنه يجب الإشارة الى نقطة بالغة الأهمية، تتمثل في أن جريمة النصب المسؤولية قد تترتب عنها المسؤولية الجنائية والمدنية معا، وذلك لتخلف الضرر الخاص دوما عن نشاط الفاعل فيها، الا أن عند ثبوت المسؤولية الجنائية بحكم جنائي مبرم لزم القاضي المدني التقيد بما أثبته في خصوص الوقائع المنسوبة للمدان والتي رتبت عليها المحكمة الزجرية قيام المسؤولية الجنائية على عاتق المحكوم عليه، وذلك عند المطالبة أمام القضاء المدني بإعمال قواعد المسؤولية المدنية، أما إذا قضت المحكمة ببارة المتهم فإن القاضي المدني لا يجوز له الحكم بثبوتها في حقه[25]، إعمالا للقاعدة الفقهية القائلة الجنائي يعقل المدني.

وفيما يلي سنتطرق الى دور مؤسسة المسؤولية المدنية في ضمان الأمن التعاقدي من الأنشطة التي لا يسعها التكييف الجنائي، أي الأنشطة التي لا تبلغ من الخطورة ما يسمح للقاضي بإعمال مقتضيات الفصل 540 من م.ق.ج ويكتفي بأحكام المسؤولية المدنية وفقط، الحديث هنا عن التدليس.

 

     المطلب الثاني: التدليس في المعاملات التعاقدية تحت طائلة المسؤولية المدنية.

إذا كانت المسؤولية الجنائية قد أخذت على عاتقها مهمة حماية المعاملة التعاقدية من جريمة النصب على وجه الخصوص، أي بحماية ما يؤثر في إرادة المتعاقد من وسائل احتيالية  تبلغ من الخطورة ما يجعلها محطا للتكيف الجنائي، فهناك أنشطة لا تصل في درجة خطورتها الى درجة النصب لكنها تعيب الإرادة عن طريق الاحتيال[26]، الحديث هنا عن التدليس، ومن ثم ارتأى المشرع أن يفسح المجال لمؤسسة أخرى من أجل حماية المعاملة التعاقدية من هذه الأنشطة.

وللإسهاب في تبيان دور مؤسسة المسؤولية المدنية في حماية العلاقة التعاقدية من التدليس وإسهامها في الحفاظ على الأمن التعاقدي، وجب تحديد عناصر قيام المسؤولية المدنية عن التدليس (فقرة أولى)، ثم بعد ذلك تسليط الضوء على الضمانات المعتمدة من طرف هذه المؤسسة في أداء وظيفتها المنوطة بها (فقرة ثانية).

 

الفقرة الأولى: عناصر قيام المسؤولية المدنية

إن التدليس باعتباره تحايلا وخديعة يستعملها المحتال لإيقاع المتعاقد في الغلط، فهو بذلك عمل غير مشروع  يقع تحت طائلة المسؤولية المدنية في شقها التقصيري، وعليه فإن هذه الأخيرة لا تقوم الا باستحضار ثلاثة شروط أساسية وقطعية، وهي الخطأ والضرر (أولا)، ثم العلاقة السببية (ثانيا).

 

أولا: الخطأ و الضرر

سنأتي على بيان هذين الشرطين من خلال التفصيل في كل واحد منهما على حدة .

أ – الخطأ 

عرف الفقه[27] الخطأ بأنه إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال، وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 78 من ظهير الالتزامات والعقود، نجد أن المشرع قد عرف الخطأ بأنه ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.

والتدليس في المعاملة التعاقدية بصفته نشاطا غير مشروع موجب لقيام المسؤولية التقصيرية،  يبتغي توافر الشرط الآتي[28] المستمد من خلال الفصلين 52 و 53 من ظ.ل.ع: “استعمال أساليب احتيالية”.

وإذا كان الخطأ التقصيري يقوم عموما على عنصرين، الأول مادي يتمثل في الإقبال على ارتكاب فعل التعدي، والثاني معنوي يتجسد في إمكانية نسبة الفعل الضار للشخص المخطئ[29].

فالعنصر المادي في الخطأ قد يكون إيجابيا كتقديم وثائق مزورة أو شهادات كاذبة بقصد طمس الحقيقة وتغليط المتعاقد. كما يمكن أن يتمثل في الكذب، فهذا الأخير وإن كان في الأصل لا يعتبر أسلوب احتيال وتدليس، إلا أنه يعتبر كذلك، إذا تعلق بواقعة معينة لها اعتبارها عند التعاقد، كما في حالة المعلومات ذات الأهمية الخاصة في التعاقد، كالشخص الذي يقدم لشركة التأمين بيانات كاذبة بهدف إخفاء حقيقية الأخطار التي يتعرض لها والتي تزيد في نفس الوقت من تبعة الشركة[30].

وقد يكون العنصر المادي للتدليس سلبيا متمثلا في الكتمان، فالأصل في الكتمان أنه لا يعتبر أسلوب احتيال، الا أنه يصبح كذلك عندما يتعلق الأمر بكتمان أمور يلزم القانون أو طبيعة العقد بيانها، كما في حالة التأمين على الحياة عندما يكتم المؤمن له كونه مريضا بمرض لا يرجى شفاؤه، أو كتمان بائع العقار أن العقار المبيع قد شرع في نزع ملكيته للمصلحة العامة[31]. وهذا بصريح الفصل 52 من ظ.ل.ع.

أما العنصر المعنوي فيقصد به أن تنصرف نية المدلس الى تضليل المتعاقد الآخر، وقد جاء في أحد قرارا المجلس الأعلى بتاريخ 15 يوليوز 1965 “بأن مجرد الكتمان لا يترتب عنه بطلان التأمين الذي يستدعي عدم الضمان بل لابد من إثبات سوء نية المؤمن له، فسوء النية لا يفترض”[32].

ثم إن نية التضليل هذه لا يعتد بها الا إذا كانت تهدف الى تحقيق غرض غير مشروع، فإن الشخص لا يعتبر مدلسا، ومثال ذلك الشخص الذي يستعمل أساليب احتيالية تضليلية بقصد الحصول من مدينه على رهن يضمن به دينه بعد أن اتضح له أن مدينه غير أمين[33].

 

 

ب – الضرر

بخلاف الأمر بالنسبة للمسؤولية الجنائية التي يكفي فيها مجرد فعل المحاولة في النصب، فإن المسؤولية المدنية تتطلب أن يحدث فعلا الضرر.

ومن ثم، فإن الضرر يعتبر أساس المسؤولية المدنية عموما والمسؤولية التقصيرية على وجه الخصوص، بل إنه يعتبر الركن الذي تتميز به المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية[34].

والضرر الناتج عن التدليس لا يعتد به لقيام المسؤولية التقصيرية الا إذا توافرت فيه الشروط الآتية:

1 أن يكون الضرر مباشرا

ومفاد هذا الشرط أن الضرر الناجم عن التدليس يجب أن يكون له علاقة مباشرة بالتدليس، وهو الشرط الثاني المستمد من أحكام الفصلين 52 و 53 من ظ.ل.ع، “أن تكون الوسائل الاحتيالية هي التي دفعت الى التعاقد الذي ألحق ضررا بالمدلس عليه”.

ويترتب على ما سبق أن الضرر إذا لم تكن له أية علاقة مباشرة بالخطأ فإنه لا يستوجب التعويض، وقد أشار المشرع المغربي الى عنصر المباشرة في الفصل 77 من ظ.ل.ع “إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر”. وسنتطرق لهذا بالتفصيل في معرض حديثنا عن العلاقة السببية.

2 أن يكون الضرر محققا وحالا.

ويستفاد من هذا الشرط أن الضرر الناجم عن التدليس يجب أن يكون قد وقع فعلا، وأن المدلس عليه أبرم معاملة تعاقدية تحت تأثير التدليس الذي مورس عليه

3 أن يكون الضرر شخصيا.

يعني أن المطالبة بالتعويض عن التدليس حق للمضرور المباشر وحده لارتباط ذلك بمصلحته، من ثم فدعوى التعويض عن الضرر دعوى شخصية لا يقيمها الا المتضرر أصالة عن نفسه أو بطريق النيابة أو ورثته، وبذلك لا يسوغ للقاضي الذي ينظر في دعوى المسؤولية أن يحكم بتعويض لم يطلب أو يحكم بأكثر مما طلب، أو أن يحكم على شخص لم يوجه المتضرر الدعوى ضده[35]

 

ثانيا: العلاقة السببية

بالإضافة للخطأ والضرر الواجب توافرهما في التدليس الموجب لقيام المسؤولية المدنية فإنه يلزم توافر العلاقة السببية بين العنصرين السابقين، أي أن يكون الضرر ناتجا عن الخطأ.

ويدخل في حكم هذا الشرط أن تكون أفعال التدليس هي الدافعة للتعاقد وأن ارتكاب التدليس من طرف أحد المتعاقدين أو من قبل الغير المتواطئ معه أو متى كان مستفيد منه عالما به.

وهذا الشرط يستفاد من خلال الفصل 52 من ظ.ل.ع الذي جاء فيه “التدليس يخول الابطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبة أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطف الآخر، ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به.

أما إذا كان استعمال الأساليب الاحتيالية من طرف الغير ودون أن يعلم بذلك الطرف الذي يستفيد منه فلا يكون هناك تدليس لانتفاء نية التضليل، ولا يصح لضحية التدليس طلب إبطال العقد، وإنما يجوز له مطالبة الغير الذي اقترف التدليس بالتعويض عما أصابه من ضرر جراء التدليس عملا بأحكام المسؤولية التقصيرية[36].

 

الفقرة الثانية: الضمانات المقررة للمتضرر من التدليس

إن ثبوت التدليس وفق الشروط السالفة الذكر وتوافر عناصر قيام المسؤولية المدنية في شقها التقصيري، هو قول يستتبعه تبيان الضمانات المتاحة للمدلس عليه، الحديث هنا عن دعوى الإبطال (أولا) و دعوى التعويض (ثانيا).

 

أولا: دعوى الإبطال

إن دعوى الإبطال المخولة للمدلس عليه في المعاملة التعاقدية يستوجب أولا التفرقة بين التدليس الدافع الى التعاقد، والتدليس غير الدافع الى التعاقد.

ويميز الفقه في هذا الصدد بين التدليس الدافع الى التعاقد والذي سبق وأن تعرضنا له بالشرح والبيان، وقلنا أن لولاه لما كان المدلس عليه قبل بتلك المعاملة التعاقدية، وبين التدليس غير الدافع كونه لا يحمل على التعاقد وإنما يغري بقبول شروط أبهظ[37].

فإذا كان التدليس هو الدافع الى التعاقد خول للمدلس عليه طلب إبطال العقد عملا بمقتضيات الفصل 52 من ظ.ل.ع : “التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر. ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به.”

وقد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى أنه ” يعتبر التدليس معيبا للإرادة ويعطي الحق في طلب الإبطال ولو أعقبته ظروف خاصة حرمت صاحبه من الفائدة المرجوة من تدليسه السادر عن حيله”[38].

أما إذا تحقق التدليس ولكنه لم يكن هو الدافع الى التعاقد، فإنه لا يعطي الحق للمدلس عليه في طلب الإبطال، وإنما يعطي الحق فقط في طلب التعويض عن الأضرار اللاحقة طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، وذلك بصريح الفصل 53 من ظ.ل.ع ”  التدليس الذي يقع على توابع الالتزام من غير أن يدفع إلى التحمل به لا يمنح إلا الحق في التعويض.”.

غير أنه إذا اقترن التدليس غير الدافع بالغبن حق للمدلس عليه حينها المطالبة بإبطال العقد، عملا بمقتضيات الفصل 55 من ظ.ل.ع: ” الغَبْن لا يخول الإبطال إلا إذا نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله، وذلك فيما عدا الاستثناء الوارد بعد.”

 

 

ثانيا: التعويض

إن ضمانة إبطال العقد لا تستطيع أن تصلح جميع الأضرار التي يتعرض لها المدلس عليه بفعل التدليس، فإن من حق هذا الأخير بالإضافة الى ذلك أن يحصل على تعويض عن الأضرار.

بمعنى أنه يفتح أمام العاقد المدلس عليه خيار بين ممارسة دعوى الإبطال أو دعوى المسؤولية التقصيرية، ويستطيع الجمع بينهما، أيضا لا مانع يمنعه من سلوك أحدهما، كأن يمسك مثلا عن إثارة دعوى الإبطال مكتفيا برفع دعوى التعويض في مواجهة المسؤول لجبر الضرر الحاصل له[39].

والتعويض هو المخول للمدلس عليه تدليسا غير دافع كما سبق وأن أشرنا عملا بأحكام الفصل 53 من ظ.ل.ع.

ويعمل في ذلك القاضي سلطته التقديرية في تحديد التعويض بناء على تقدير حجم الضرر كما جاء في الفصل 98 من ظ.ل.ع “ويجب على المحكمة أن تقدر الأضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن تدليسه”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

تشكل مؤسسة العقد دعامة مهمة لتبادل المعاملات المالية بين الأفراد داخل المجتمع، إذ أن العقد لا يختزل في مجرد تصرف قانوني له أبعاد قانونية صرفة، بل له أبعاد اقتصادية في التشجيع على المعاملات المالية بين الأفراد وإقرار الضمانات اللازمة لمستعملي هذه الآلية أي آلية العقد.

ومن ثم جاء الدور على مؤسستي المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية في حماية مؤسسة العقد، الأولى حددت الأنشطة التي تمس بسلامة العقد ومن بينها النصب، وحددت أركانه وأقرت لمقترفه عقوبات زجرية.

فيما تدخلت مؤسسة المسؤولية المدنية من خلال تغطيتها لمختلف الأنشطة الاحتيالية التي لا تصل في درجة خطورتها الى مرتبة النصب، الحديث هنا عن التدليس، فأقرت لهذا الأخير شروطه وخولت للمدلس عليه ضمانات متمثلة في إمكانية الإبطال والتعويض.

ومن خلال هذه الضمانات المقررة جنائيا ومدنيا، يتسنى للأفراد في المجتمع التحلي بمزيد من الثقة في مؤسسة العقد والإقدام على المعاملة التعاقدي، ومن ثم المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يعد أكبر ضمانة للحفاظ على النظام العام داخل المجتمع.

غير أنه تثار مجموعة من الإشكالات في نهاية هذا البحث، يمكن إجمالها في الإشكالية الآتية، الى أي حد تساهم السلطة التقديرية للقاضي في حماية المعاملات التعاقدية ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة لمراجع

1 مراجع متخصصة في القانون الجنائي

1 أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص الجزء الثاني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط الثانية 1986.

2 عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، ط العاشرة 2019.

3 عابد العمراني الميلودي، امحمد اقبلي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، مطبعة الرشاد السطات، ط الأولى 2020.

4 عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، ط الثامنة 2018.

2 مراجع متخصصة في القانون المدني

1 مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، مطابع دار القلم، بيروت، ط الثانية سنة 1972.

2 عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الأولى.

3 عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة، مطبعة الأمنية الرباط، ط السابعة 2019.

4 أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي، منشورات الجامعة الأردنية، ط الأولى، عمان 1987.

5 عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الأول، المصادر الارادية للالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، ط 2016.

6 عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الثاني، المصادر غير الارادية للالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، ط 2015

7 سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، المجلد الأول، نظرية العقد والإرادة المنفردة، مطبعة السلام، القاهرة 1989.

8 عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الأول مضار الالتزام، مطبعة المعارف الجديدة، ط السادسة 2019

9 عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزامات في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الثاني، مصادر الالتزام الواقعة القانونية، مطبعة المعاريف الجديدة، ط الرابعة 2020.

3 المجلات

 

1 مجلة المحاكم المغربية ع 59.

2 مجلة قضاء محكمة النقض ع 76.

3 مجلة قضاء المجلس الأعلى ع 49 و50

4 ، مجلة القضاء والقانون، ع 24

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، مطابع دار القلم، بيروت، ط الثانية سنة 1972، ص 98

[2]  أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص الجزء الثاني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط الثانية 1986، ص 384

[3]   الصادر بظهير شريف رقم 1.59.413 في 28 جمادي الثاني 1382 (26 نونبر 1962)، الجريدة الرسمية ع 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 نونبر 1963)، ص 1253.

[4]  أنظر الهامش رقم 2 في الصفحة 3

[5] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، ط العاشرة 2019، ص 389 و390.

[6] أحمد الخمليشي، المرجع السابق، ص 386.

 

[7]  قرار رقم 76 – بتاريخ 7/01/1988 – ملف جنائي عدد 19619/86، مجلة المحاكم المغربية ع 59 ص 85.

[8]  عابد العمراني الميلودي، امحمد اقبلي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، مطبعة الرشاد السطات، ط الأولى 2020، ص 163.

[9]  عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص391

[10]  أحمد الخمليشي، المرجع السابق،  ص 390

[11] قرار ع 3/1811 بتاريخ 2007/11/17 في الملف الجنائي رقم  09/15147

[12] عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص 393.

[13]عبد الواحد العلمي، المرجع نفسه، ص  394.

[14]  القرار ع 45، الصادر بتاريخ 10 يناير 2012 في الملف الجنائي عدد 12148/06/10/2011، مجلة قضاء محكمة النقض ع 76 ص 304.

[15] عابد العمراني الميلودي، امحمد اقبلي، المرجع السابق، ص 163.

[16] قرار عدد 3/338 بتاريخ 19/03/2019 في الملف عدد 4566/95، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 49 و50 ص 183.

[17] للتوسع أكثر في الموضوع، يرجى الاطلاع على:

*عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص 399 و 400.

أحمد الخمليشي، المرجع السابق، ص 394

*وتجدر الإشارة الى أن هذا الموقف عارضه الأستاذين محمد أقبلي وعابد العمراني الميلودي في المرجع السابق، ص 164.

[18]  أحمد الخمليشي، المرجع السابق، ص 394

[19]  قرار عدد 745 في 19 مايو 1977 مجلة القضاء والقانون عدد 129 ص 191، عن عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص 405

[20]  قرار صادر بتاريخ 19/05/77 تحت عدد 745 في الملف الجنحي ع 41900 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ع 59 و 60، ص 451. أورده الأستاذ عابد العمراني الميلودي والأستاذ أمحمد أقبلي، المرجع السابق، ص 164.

[21] عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص 402.

[22]  عبد الواحد العلمي، المرجع السابق، ص 402و 403.

[23]  عبد الواحد العلمي، المرجع نفسه، ص 406.

[24]  عابد العمراني الميلودي، امحمد اقبلي، المرجع السابق، ص 183.

 

[25]  عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، ط الثامنة 2018، ص327 و328..

[26]  وقد قال الفقيه السنهوري في هذا الصدد أن التدليس المدني يختلف عن التدليس الجنائي وهو النصب، وذلك بأن الطرق الاحتيالية في النصب تكون أشد جسامة من الطرق الاحتيالية المستعملة في التدليس المدني.

*عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الأولى، ص 319.

[27]  مأمون الكزبري، المرجع السابق، ص374.

[28]  سنناقش باقي الشروط المنصوص عليها من خلال مقتضى 52 و53 من ظ.ل.ع في إطار تطرقنا للعلاقة السببية.

[29] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة، مطبعة الأمنية الرباط، ط السابعة 2019، ص 73.

[30] أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي، منشورات الجامعة الأردنية، ط الأولى، عمان 1987، ص 79 و 80.

[31] عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الأول، المصادر الارادية للالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، ط 2016، ص 106.

[32] قرار أورده الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الأول مضار الالتزام، مطبعة المعارف الجديدة، ط السادسة 2019، ص 148.

[33] سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، المجلد الأول، نظرية العقد والإرادة المنفردة، مطبعة السلام، القاهرة 1989، ص 384.

[34]  عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزامات في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الثاني، مصادر الالتزام الواقعة القانونية، مطبعة المعاريف الجديدة، ط الرابعة 2020، ص 86.

[35]  عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الثاني، المصادر غير الارادية للالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، ط 2015، ص 112

[36]  عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الثاني، المرجع السابق، ص107.

[37]  عبد الرزاق السنهوري، المرع السابق، ص 326.

[38]  قرار المجلس الأعلى، ع 67، الغرفة المدنية بتاريخ 13 يناير 1956، مجلة القضاء والقانون، عدد 24 دجنبر 1959، ص 333.

[39]  عبد الحق الصافي، الوجيز في القانون المدني الجزء الثاني، المرجع السابق، ص108.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى