في الواجهةمقالات قانونية

ورش الجهوية المتقدمة: رؤية مستنيرة بناءً على نموذج تنموي جديد – الباحثة: جبور هجر

 

ورش الجهوية المتقدمة: رؤية مستنيرة بناءً على نموذج تنموي جديد - الباحثة: جبور هجر
ورش الجهوية المتقدمة: رؤية مستنيرة بناءً على نموذج تنموي جديد – الباحثة: جبور هجر

ورش الجهوية المتقدمة: رؤية مستنيرة بناءً على نموذج تنموي جديد
Advanced Regional Workshops : An Enlightened Vision Based on a New Development Model
الباحثة: جبور هجر
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية متعددة التخصصات ببني ملال
JABBOUR HAJAR
Doctoral Student

 

الملخص:
تم اعتماد إطار دستوري جديد في المغرب عام 2011، ومنذ ذلك الحين، شهدت المؤسسات التشريعية والدستورية، بما في ذلك الجماعات الترابية، تحولًا هامًا نحو تعزيز الديمقراطية والمشاركة المجتمعية. يسلط هذا المقال الضوء على أهمية اعتماد ورش الجهوية المتقدمة كأداة رئيسية في النموذج التنموي الجديد، مع التركيز على تعزيز التفاعل البناء بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.
يُسلط البحث أيضًا الضوء على الآفاق المستقبلية لورش الجهوية المتقدمة، حيث يبرز دور التكنولوجيا والابتكار في تعزيز فعالية البرامج التنموية. يتطرق البحث إلى أهمية تكامل التكنولوجيا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التواصل بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني. كما يشير البحث إلى دور الابتكار في تصميم وتنفيذ البرامج، مع التأكيد على أن الابتكار يلعب دورًا حيويًا في تحسين جودة الحياة وتلبية تطلعات المجتمعات المحلية. تؤكد الدراسة بشكل خاص على أهمية استخدام التكنولوجيا لتعزيز فعالية البرامج التنموية، سواء من خلال تحسين الإدارة وجمع البيانات، أو تشجيع التفاعل الفعّال بين المواطنين والجهات الحكومية.
وفي هذا السياق، يتناول البحث أيضًا دور الابتكار في تطوير حلول مستدامة ومبتكرة لتحديات التنمية.
الكلمات المفتاحية: ورش الجهوية؛ النموذج التنموي؛ الجهوية المتقدمة؛ التفاعل البناء؛ التنمية المستدامة.

 

 

 

 

 

 

Abstract :
A new constitutional framework was adopted in Morocco in 2011, and since then, legislative and constitutional institutions, including local governments, have undergone significant transformation towards promoting democracy and community participation. This paper highlights the importance of adopting advanced regional workshops as a key tool in the new development model, emphasizing the promotion of constructive interaction between government institutions and civil society.
This research also highlights the future prospects of advanced regional workshops, emphasizing the role of technology and innovation in enhancing the effectiveness of development programs. The study addresses the importance of integrating technology to achieve sustainable development goals and strengthen communication between government institutions and civil society. It also underscores the crucial role of innovation in the design and implementation of programs, asserting that innovation plays a vital role in improving the quality of life and meeting the aspirations of local communities. The study particularly stresses the importance of using technology to enhance the effectiveness of development programs, whether through improving data management and collection or promoting effective interaction between citizens and government entities.
In this context, the research also discusses the role of innovation in developing sustainable and innovative solutions to development challenges.
Keywords: Regional Workshops, Development Model, Advanced Regionalization, Constructive Interaction, Sustainable Development.

مقدمة
شهد المغرب منذ عام 2011 دينامية خاصة، حيث تم صياغة دستور جديد ، من خلاله شهدت المؤسسات الدستورية، بما في ذلك الجماعات الترابية، تعزيزًا كبيرًا، خاصة في سياق الجهوية. يأتي هذا التعزيز كخطوة جوهرية في ظل الفصل الأول من دستور عام 2011، حيث تم التأكيد بشكل واضح على الجهوية المتقدمة كأساس لتنظيم التراب في المملكة.
تنص الفقرة الرابعة من هذا الفصل على أن “التنظيم الترابي للمملكة يعتمد على الجهوية المتقدمة”. ويُخصص الباب التاسع من الدستور بالكامل لمناقشة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، مؤكدًا على أن الجهة تتبوأ مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الأخرى تحت إشراف مجلسها. تم، لهذا الغرض، اعتماد النموذج الجهوي من خلال تقسيم التراب الوطني إلى 12 جهة بدلاً من النظام السابق الذي كان يتضمن 16 جهة، وذلك في عام 2012. وقد أضفت هذه الخطوة شرعية دستورية وتنظيمية على هذا النموذج الجديد.
يسعى هذا النموذج الجهوي إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز اللامركزية الإدارية، ويعكس التفاعل الحيوي بين السلطات المركزية والهياكل الجهوية. يعكس هذا التحول الدستوري التزام المملكة بتحقيق تطلعات المجتمعات المحلية وتعزيز دورها الفعّال في صياغة مستقبلها.
يعتبر ورش الجهوية المتقدمة ركيزة أساسية في ساحة التنمية المستدامة، حيث تعكس رؤية مستنيرة تقوم على فهم عميق لاحتياجات المجتمعات المحلية وتحدياتها المتنوعة. يأتي هذا الاهتمام بفهم المفاهيم التنموية الحديثة وتطوير نماذج تنموية متقدمة، ليبني على هذا الأساس القوي مشروع تنمية فعّال يحقق الاستدامة ويسهم في تعزيز جودة حياة الأفراد.
في هذا السياق، يعتبر النموذج التنموي الحديث مرجعاً أساسياً لفهم طبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المستوى الجهوي. يتيح هذا النموذج إمكانية تحليل الأوضاع الراهنة والمستقبلية بطريقة شاملة، مما يمكّن الفاعلين على الأرض من اتخاذ قرارات مستنيرة تتناسب مع تطلعات المجتمعات المحلية.
ويحظى هذا الموضوع باهتمام بالغ لدى الباحثين في مجال القانون العام لما يتناوله من مواضيع مستجدة في الساحة السياسية والقانونية بالمغرب، ولما يشكله هذا الورش الملكي من دينامية سياسية واقتصادية تجعل من فتح النقاش حول ما يحمل في طياته من تصورات وأفكار تستمد مرجعيتها من روح دستور 2011، والتشريعات التي تم استسقاؤها منه بما يدفع العجلة الإقتصادية والتنموية. وسيتم التطرق الى هذا الموضوع وفق تقسيم ثنائي نتناوله من خلال محورين اساسين هما:
المحور الأول: الإطار السياسي والقانوني لتنزيل الجهوية المتقدمة بالمغرب
المحور الثاني: مرتكزات النموذج التنموي الجديد لإنجاح ورش الجهوية المتقدمة
والتطرق لهذا الموضوع سيكون وفق منهجية استنباطية تنطلق من العام الى الخاص، مع توظيف اساليب حجاجيه مناسبة لإعطاء نوع من الجاذبية للموضوع، مع توظيف لغة قانونية تستنبط معجمها من القوانين والتشريعات التي تطرقت لهذا الموضوع.
وهذا المقال سيعالج إشكاليتين والتي من خلالهما سنفتح نقاش موضوعاتي يتطرق للموضوع من جانبه الاجتماعي والسياسي من خلال التطرق لأهمية تبني ورش الجهوية المتقدمة لهذا النموذج التنموي الحديث، وكيف يمكن أن تسهم في تعزيز التفاعل البناء بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.
يهدف هذه المقال إلى توجيه الضوء نحو الأفق المستقبلي لورش الجهوية المتقدمة، مشددين على أهمية تكامل التكنولوجيا والابتكار في هذه الورش لتعزيز فعالية البرامج التنموية وتحقيق تطلعات المجتمعات المحلية نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.
المحور الأول: الإطار السياسي والقانوني لتنزيل الجهوية المتقدمة بالمغرب
تبرز الجهوية كإطار فعّال لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين المحلي والإقليمي في المغرب. تأتي هذه الرؤية استنادًا إلى استنتاجات التقرير السنوي للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، حيث يرى النموذج الجديد فرصًا متميزة لتحرير الإمكانيات واستعادة الثقة، بهدف تسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع.
تُعد الجهوية إطارًا يمكن من تجميع الموارد المحلية والتنسيق بين الخطط الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الأقاليم والمناطق، وكذلك تحقيق التناغم مع الاستراتيجيات الوطنية. يتيح هذا الإطار تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي متوازن على مستوى جميع المناطق، مما يسهم في التقليل من الاختلافات وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا السياق، سنقوم بتسليط الضوء على الإطار السياسي والقانوني الذي يوجه تنفيذ ورش الجهوية المتقدمة في المغرب، وذلك على أربع مستويات متداخلة.
الفقرة الأولى: دور الإرادة الملكية في تكريس الجهوية المتقدمة
تعتبر الإرادة الملكية في تكريس الجهوية المتقدمة في المغرب أحد المحركات الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة. تجسد هذه الإرادة في التزام جلالة الملك والمؤسسات الملكية بتعزيز اللامركزية الإدارية وتقوية الهياكل الجهوية، وتكريس الديمقراطية المعمقة والحكامة الجيدة .
من خلال الخطط والمشاريع التي تم اعتمادها، يظهر وضوحاً التركيز على تعزيز دور الجهات في صناعة القرار وتنفيذ السياسات التنموية. تتجلى هذه الإرادة في استمرار تطوير النموذج الجهوي وفتح المجال للجهات لتحديد احتياجاتها وتطلعاتها الفريدة.
على سبيل المثال، يمكن رؤية الإرادة الملكية في المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التفاعل بين المستويات المركزية والجهوية، حيث يتم توجيه الاستثمارات والدعم للمشاريع المحلية ذات الأولوية. كما تظهر هذه الإرادة في تفعيل الآليات التشاركية بين الحكومة المركزية والسلطات الجهوية لضمان تناغم وتنسيق الجهود.
يشكل خطاب 6 نونبر 2008 لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي أطلق فيه مفهوم الجهوية المتقدمة أو الموسعة، مرجعية أساسية لتوجيه التطورات في الهيكل الإداري والتنظيمي للمملكة المغربية. يأتي هذا الخطاب ليحدد رؤية مستقبلية دقيقة للجهوية، مع التأكيد على مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي تشكل أساس تحول الهيكل الجهوي المرتقب.
في هذا السياق، يبرز الخطاب الملكي مفاهيم مهمة مثل “الجهوية المتقدمة والمتدرجة”، و”التدبير الديمقراطي للشؤون المحلية”، و”الإصلاح الهيكلي العميق”، و”تقسيم ناجع”، مما يبرز التفاني في بناء نظام إداري جهوي يعكس التغيير ويتجاوب مع التحديات المستقبلية.
وفيما يتعلق بالتوجيهات الرئيسية، يتحدث الخطاب عن “مبادئ الوحدة والتوازن والتضامن” كمبادئ أساسية تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تعزيز الحكامة المحلية الجيدة، وتعزيز القرب من المواطن، وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة.
يتطرق الخطاب أيضاً إلى توجيهات أخرى مهمة، مثل الالتزام بالتضامن وتحقيق توازن في الصلاحيات والإمكانيات، وتجنب تداخل الاختصاصات بين الجماعات المحلية والسلطات المركزية. يتميز الخطاب بالرغبة في تحقيق هيكلية جهوية قائمة على التفاعل والتناسق بدلاً من التمركز الواسع، مما يعزز فعالية الحكومة الترابية.
في يوم 3 يناير 2010، ألقى جلالة الملك محمد السادس خطاباً بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية. وتأتي توجيهات هذا الخطاب لتحديد المرتكزات الأربع التي يجب أن تكون أساساً لتكوين هيكلية الجهوية المستقبلية:

 

 

● التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب: يُشدد في هذا السياق على أهمية أن تكون الجهوية المتقدمة تأكيداً ديمقراطياً للتميز المغربي، مع احترام وتفعيل تنوع الروافد الثقافية والمجتمعية التي تندمج في هوية وطنية موحدة.
● الالتزام بالتضامن: يتعين عدم اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات، بل يجب أن يكون الالتزام بمفهوم التضامن جزءًا أساسيًا من عملية بلورة الجهوية المستقبلية.
● التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانيات: يشدد على أهمية اعتماد التناسق والتوازن في توزيع الصلاحيات والإمكانيات بين الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، مع تجنب تداخل الاختصاصات أو تضاربها.
● انتهاج سياسة اللاتمركز الواسع: يتم التأكيد على أهمية تفعيل الجهوية في إطار حكامة ترابية ناجحة تعتمد على التناسق والتفاعل، بدلاً من التمركز الواسع، وذلك لضمان فعالية الهيكلية الجهوية.
ويتجلى اهتمام جلالته في توخي اللجنة الاستشارية للجهوية بتحقيق أهداف جوهرية، مثل وجود جهات قوية ذات مجالس وأجهزة تمثيلية فعّالة، مدعومة بنخبة مؤهلة ومؤطرة، قادرة على تسيير شؤون الجهات بشكل فعّال والاستجابة لتطلعات المواطنين وحاجياتهم التنموية .
بهذا يصبح الخطاب الملكي مرجعًا أساسيًا يمكن الاستناد إليه لفهم الإرادة الملكية والتوجيهات الأساسية في تنفيذ الجهوية المتقدمة في المغرب.
تتجلى الإرادة الملكية كذلك في تكريس الجهوية المتقدمة من خلال توجيه الاهتمام والدعم الكامل نحو تطوير الهياكل الجهوية، مما يعكس التزامًا قويًا بتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز اللامركزية الإدارية في المملكة.
الفقرة الثانية: الرؤية الاستراتيجية للجهوية في سياق توجيهات اللجنة الاستشارية
تقدم اللجنة الاستشارية للجهوية تصورًا متقدمًا لتحقيق الجهوية في إطار إرادة الملكية، حيث تأتي هذه التوجيهات استنادًا إلى كلمة جلالة الملك في 3 يناير 2010. يتم التأكيد في هذا السياق على أن الجهوية المتقدمة تمثل محورًا أساسيًا في تطور اللامركزية في المغرب.
في ضوء ذلك، تعكس هذه الخطوات تحولًا نوعيًا في أنماط الحكم الترابي، حيث يسعى المشروع المقترح إلى بلورة إرادة ملكية رامية إلى تحقيق جهوية متقدمة. تسعى هذه الإرادة لتحقيق توازن ديمقراطي وتنموي، يكون مدخلاً عميقًا لتحسين هياكل الدولة من خلال مسيرة تدريجية نحو اللامركزية الفعلية والديمقراطية العميقة، والتحديث الاجتماعي والسياسي والإداري للبلاد.
تتجلى الأهداف الرئيسية للتصور في الارتقاء بالجهوية من مرحلة ناشئة إلى مرحلة متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وتنموي. يعكس الخطاب الملكي رؤية قوية وطموحة لتحقيق تطور هيكلي كبير، مشيرًا إلى أن هذه اللحظة تعتبر نقطة انطلاق لورش كبيرة تهدف إلى بناء نموذج مغربي فريد للجهوية.
تتجلى خصائص التصور العام للجهوية المتقدمة في ثمانية عناصر رئيسية، تتمثل في نموذج جهوي ديمقراطي ومندمج، مدعوم للاختصاصات، مجدد للعلاقات، مؤهل ومتضامن، وظيفي ومؤسساتي، تجميعي وبين-جماعي، ووطني في خياراته السياسية والمجتمعية.
يتجلى التصور بشكل واضح في تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية ويمثل إشارة قوية نحو تطور الهياكل الترابية والتنمية في المغرب.
الفقرة الثالثة: الجهوية المتقدمة والمبادئ الدستورية المؤطرة لها
في الدستور المغربي لعام 2011، حظيت الجهوية المتقدمة بمكانة متميزة حيث جعل منها أساس التنظيم اللامركزي. يتمثل هذا في تفويض الجهات بمكانة ريادية فيما يتعلق بالجماعات الترابية الأخرى، خاصة في عمليات إعداد ومتابعة برامج التنمية الجهوية وتصميمات التراب، وذلك وفقًا لاحترام الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية.
يتميز دستور 2011 عن غيره من الدساتير بتضمينه مقتضيات هامة وأساسية، والتي رفعت مكانة الجهات وجعلتها تحتل مكانة رئيسية ومحورية. بناءً عليه، تم تعزيز سياسة التركيز الإداري عبر توسيع صلاحيات التنظيم الترابي للمملكة ، مما يعزز دور ممثلي السلطة المركزية على المستوى الترابي.
تضمنت الوثيقة الدستورية لأول مرة بشكل صريح مبادئ الحكامة الجيدة، وخاصة فيما يتعلق بالجماعات الترابية، وذلك انسجاماً مع التقطيع الترابي الحاصل وطبيعة التنظيم اللامركزي الذي يعتمد على الجهوية المتقدمة . الهدف من ذلك هو بناء مؤسسات فعالة تنموية تلبي تطلعات السكان وتقوم على الثقة والشفافية والمشاركة والتضامن .
من بين المبادئ والأسس الدستورية والتنظيمية المؤطرة للجهوية المتقدمة، التي تعد مدخلات جديدة تعيد رسم العلاقة بين الجهة والدولة:

 

 

 

 

● مبدأ الصدارة: في السياق الإداري يتعلق بتفوق الجهة الإدارية على المستوى الترابي على جماعات أخرى، ويستند هذا المفهوم إلى أحكام الدستور المغربي لعام 2011. يتضمن هذا المبدأ فكرة عدم جواز ممارسة أي جماعة ترابية للوصاية على جماعة أخرى، وذلك حسبما ينص على ذلك الدستور. على الرغم من عدم جواز فرض الوصاية، إلا أن الدستور أقر بمبدأ تبوأ الجهة مكانة الصدارة فيما يتعلق بالجماعات الترابية الأخرى. وفقًا للفصل 143 من الدستور، يُسمح للجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، بتولي مكانة الصدارة في الجماعات الترابية الأخرى. يشمل ذلك مشاركتها الفعّالة في إعداد ومتابعة برامج التنمية الجهوية وتصاميم التراب، مع الالتزام بتقدير احترام اختصاصات تلك الجماعات الترابية الذاتية.
هذا المبدأ يعزز التفاعل الإيجابي والتعاون البنّاء بين الجهات الإدارية والجماعات الترابية، مع المحافظة على استقلال كل جماعة في اتخاذ قراراتها الخاصة والاحتفاظ بأولوياتها الترابية الجهوية.
● مبدأ المشاركة: يعتبر من القيم الديمقراطية الأساسية في الدولة الوطنية الحديثة، ويتجلى هذا المبدأ في تفوق الديمقراطية في تنظيم شؤون الجهات، كمجتمعات ترابية، بطريقة تضمن مشاركة السكان المعنيين في إدارة شؤونهم. يهدف المبدأ إلى تعزيز المشاركة الفعّالة للمواطنين في تنظيم الشأن المحلي، وضمان رفع مساهمتهم في التنمية البشرية المتكاملة والمستدامة . لضمان مشاركة حقيقية للمواطنين في تدبير الشأن المحلي، يعتمد الدستور مقاربة تشاركية. تقوم مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى بإنشاء آليات تشاركية لتسهيل مساهمة المواطنين والجمعيات في إعداد ومتابعة برامج التنمية. بالإضافة إلى ذلك، تحصل هذه الجهات والجماعات على سلطة تنظيمية في مجال اختصاصاتها داخل دائرتها الترابية، مما يتيح لها تنفيذ مخططات وبرامج تنمية بشكل فعّال.
بفضل هذه الإجراءات، يصبح للجهات والجماعات الترابية القدرة على ممارسة صلاحياتها التنظيمية وتفعيل خطط وبرامج تنموية، وذلك بتشجيع التعاون بين السلطات المحلية والمواطنين. يلعب رؤساء الجهات والجماعات الترابية دورًا حيويًا في تحقيق هذا المبدأ، ويشكلون الركيزة الأساسية لتنفيذ الخطط والبرامج التنموية بمرونة وفاعلية.
● مبدأ التفريع: يشكل أساسًا أساسيًا في توزيع الاختصاصات، سواء كان ذلك بين الجهات والدولة، أو بين الجهات وباقي الجماعات الترابية، ويُعتبر من القضايا المحورية التي تحدد خصائص الجهوية. يهدف هذا المبدأ إلى تحقيق توازن في توزيع الاختصاصات والسلطات، وتعزيز التفاعل الفعّال والعادل بين الدولة والجهات.
في سياق إيجاد حلاً ناجعًا وعادلاً لمسألة توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية، يأتي دور مبدأ التفريع. يهدف هذا المبدأ إلى تحقيق تحول في العلاقة بين الدولة والجهات، حيث يتحول العلاقة من كونها تبعية وهيمنة إلى علاقة توازن وشراكة، مبنية على مفاهيم التعاقد والتضامن.
ينص الدستور الجديد، في الفصل 140، على أهمية تطبيق مبدأ التفريع في توزيع الاختصاصات والصلاحيات بين الدولة والجهات. ويحدد أن يكون هذا التوزيع وفقًا لمبدأ التفريع، الذي يشير إلى ضرورة تجنب التشدد وتحديد الاختصاصات بمرونة وفعالية .
وعليه، مبدأ التفريع، الذي اعتمدته مجموعة من الدول الديمقراطية، ينص على أن السلطات المنتخبة على المستوى المحلي يجب أن تكون أقرب إلى المواطنين وتقوم بتنفيذ المسؤوليات العامة. يعمل هذا المبدأ على تعزيز وتقوية الاختصاصات الذاتية للجهات والجماعات الترابية الأخرى في السياق الديمقراطي.
من الناحية العملية، يتيح مبدأ التفريع للسلطات المحلية والجماعات المحلية مزيدًا من المرونة والتكامل في ممارسة الصلاحيات. بموجب هذا المبدأ، يمكن للسلطات السفلى أداء المهام التي يمكنها القيام بها بفعالية، في حين يكون للسلطات العليا دورها في التكامل وتقديم الدعم عند الضرورة. في إطار هذا المفهوم، يمكن للسلطة السفلى تحمل المسؤوليات التي يمكنها أداؤها بشكل فعّال، وما لا يستطيع القيام بها على النحو المثلى يتم تحويلها إلى السلطة العليا. ينعكس هذا المبدأ على فعالية الإدارة المحلية، حيث يمكن للسلطات المحلية الأقرب إلى المواطنين فهم احتياجاتهم بشكل أفضل والتفاعل معهم بشكل أكثر فعالية.
● مبدأ التدبير الحر يمثل أحد جوانب وجل تجليات الحكامة الترابية، كما هو منصوص عليه دستورياً. يعد هذا المبدأ محطة هامة في تعزيز التفاعل الإداري المحلي، كما أنه يشكل جزءاً أساسياً من أركان الجهوية المتقدمة، ويعتبر آلية فعالة لتحقيق الأهداف المتعلقة بتطوير الجماعات وجعلها أقطاباً حقيقية للتنمية.
يمنح مبدأ التدبير الحر نوعًا من الحرية للتفاعل الترابي وممارسة الاختصاصات بمستوى أعلى، بهدف دفع التنمية المتكاملة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا. يُعتبر التدبير الحر ترجمة إدارية لفلسفة الديمقراطية المحلية، حيث يُمنح الجهات اختصاصات ذاتية لممارستها بشكل مستقل. كما يتضمن ذلك منح السلطة التنظيمية للجهات وفقًا للفصل 140، والتحول من مفهوم الوصاية إلى مفهوم الرقابة في العلاقة بين الجهات والسلطة المركزية. بالإضافة إلى ذلك، يتيح للجهات الوسائل القانونية الضرورية لممارسة صلاحياتها الذاتية، مما يعزز فعاليتها في تحقيق أهداف التنمية المحلية.
● مبدأ المعادلة بين الموارد والاختصاصات: يعكس التوازن الضروري بين الصلاحيات والموارد المالية للجهات والجماعات الترابية، وقد أقر الدستور بضرورة توفير موارد ذاتية لهذه الجهات، بالإضافة إلى الموارد المرصودة من قبل الدولة. وأكد الدستور أن كل اختصاص يتم نقله من قبل الدولة إلى الجهات يجب أن يترافق مع تحويل الموارد المالية المناسبة لتلك الاختصاصات.
يتطلب التدبير المستقل والحر للجهات والجماعات وجود موارد ذاتية مستقلة، وفقًا للمبدأ الدستوري الذي يمنع على الدولة التنصل من مسؤولياتها عبر نقل بعض الاختصاصات دون توفير الموارد المالية المناسبة. هذا يعني أن الدولة يجب أن تكون ملتزمة بتوفير التمويل الضروري لتمكين الجهات من أداء مهامها بكفاءة وفعالية.
بالتالي، يعتبر هذا المبدأ خطوة هامة نحو تحقيق التوازن والتعاون بين الدولة والجهات، وضمان أن يكون نقل الاختصاصات مصاحبًا لتوفير الموارد الضرورية لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية بشكل جاد وفعّال.
● مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة: يظهر كأحد الدعامات الأساسية للتدبير الإداري في سياق الجهوية، حيث يهدف إلى تحقيق معايير الجودة والشفافية، وضمان ترشيد وعقلنة التدبير المحلي وفقًا لخطط التنمية البشرية.
الدستور يحيط بمسؤولية الأفراد العاملين في المرافق العمومية بمجموعة من القواعد والضوابط. يشير النص إلى أن موظفي الخدمة العامة يجب أن يمارسوا وظائفهم وفقًا لمبادئ احترام القانون، والحياد، والشفافية، والنزاهة، وخدمة المصلحة العامة. يعزز الدستور أيضًا تمكين المواطنين من تقديم ملاحظاتهم وتظلماتهم للإدارة، مما يساهم في تعزيز المراقبة العامة وتحقيق المساءلة.
بالإضافة إلى ذلك، يُؤكد التحديد الدقيق للصلاحيات لمجالس الجهوية ورؤسائها على مبدأ أساسي يفيد بأن حيث توجد السلطة، توجد المسؤولية، وحيث توجد المسؤولية، توجد المحاسبة . هذا يعكس أهمية ربط التحقيق والتقييم بين التصرفات والمسؤوليات، مما يسهم في تعزيز نزاهة العمل الإداري وتحقيق الأهداف المستهدفة.
الفقرة الرابعة: الجهوية المتقدمة وفق القانون التنظيمي المتعلق بالجهات
القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 يهدف إلى تحقيق الأبعاد الدستورية المتعلقة بتنظيم الجهات المحلية، ويأتي كجزء من الجهود المستمرة لتعزيز مفهوم الحكم الديمقراطي على مستوى الجهات. يقوم القانون بتحديد الهيكل التنظيمي للجهات وصلاحيات مجالسها ورؤسائها، بالإضافة إلى إدارة الجهة ووكالات تنفيذ المشاريع وآليات التعاون والشراكة.
من بين الجوانب الهامة التي تمس الديمقراطية التشريعية، يخول القانون لكل جهة كوحدة ترابية سلطة في ممارسة صلاحياتها، مع إعادة النظر في مفهوم التبعية التقليدية والعمل على تعزيز مفهوم التدبير الحر. يتيح ذلك للمجالس الجهوية أداء دورها بشكل أكثر فعالية، ويشجع على التفاعل مع الرقابة والمساءلة في سياق تعزيز الحوكمة.
تحظى المراقبة البعدية بتعزيز وتقوية، وذلك بهدف الحد من المراقبة القبلية وتحقيق التوازن في التدبير الجهوي. يعكس هذا القانون تغييرًا في النهج الديمقراطي لتعزيز المشاركة المباشرة للمواطنين في انتخاب وإدارة المجالس الجهوية.
تُكلَّف الجهة بتحقيق التنمية المندمجة والمستدامة في دائرتها الترابية، وذلك من خلال تنظيم وتنسيق الجهود ومتابعة التنفيذ. يتم تحديد المهام التالية للجهة داخل دائرتها الترابية:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بشكل عام، يُعد هذا القانون خطوة هامة نحو تحقيق النموذج الجهوي الديمقراطي، مع تطبيق أساليب الانتخاب العلني والتصويت المباشر، والتركيز على تعزيز الحوكمة وتحقيق التوازن بين المراقبة البعدية والقبلية في سياق دعم المبادئ الديمقراطية.
بخصوص الاختصاصات المشتركة والتمايز في المجالات المحددة بموجب المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 111.14، تمنح الجهة صلاحيات مشتركة مع الدولة في عدة مجالات أساسية.
تشكل التنمية الاقتصادية أحد الأهداف الرئيسية للدول لضمان استمرارية نموها وتقدمها. يتضمن هذا الهدف جملة من السياسات والإجراءات التي تهدف إلى تعزيز جاذبية المجالات الترابية وتعزيز التنافسية. يتم ذلك عبر دعم البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات وتشجيع الشركات على النمو والتوسع. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الدول إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم البحث العلمي التطبيقي، حيث يسهم هذا النوع من البحث في إيجاد حلول فعّالة للتحديات الاقتصادية والبيئية.
من جهة أخرى، تركز التنمية القروية على تحسين حياة السكان في المناطق الريفية. يشمل ذلك تأهيل العالم القروي وتنمية المناطق الجبلية، حيث تُوفر الحكومات الدعم لتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. كما تُعنى التنمية القروية بتنمية مناطق الواحات وإحداث أقطاب فعّالة لتعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق.
في سياق التنمية الاجتماعية، تسعى الحكومات إلى تحقيق التوازن والمساواة في المجتمع. يتم ذلك من خلال تأهيل اجتماعي يشمل تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تتبنى السياسات الحكومية دعم السكن الاجتماعي وتعزيز الرياضة والترفيه كوسائل لتحسين جودة حياة المواطنين.
فيما يخص البيئة، تُعتبر حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية أموراً حيوية. تتضمن الجهود في هذا الاتجاه الحماية من الفيضانات والحفاظ على الموارد المائية والنباتية. بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على مكافحة التلوث والتصحر، وذلك من خلال تشجيع التقنيات النظيفة والاستدامة. تُقدم الدول دعمًا للمناطق المحمية وتعزز جهود المحافظة على التنوع البيولوجي، مما يسهم في تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة. هذه الاختصاصات تُمارس بالتعاون والشراكة مع الدولة، ويُنظم ذلك بمبدأ التفريع. كما يتيح القانون إمكانية إنشاء هياكل إدارية مثل “الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع” و”شركات التنمية الجهوية” لتحقيق تلك الاختصاصات بشكل أفضل وأكثر فاعلية. في إطار التمويل، يُمكن للجهة الاستفادة من موارد مالية جديدة، مما يعزز إمكانيات تحقيق أهدافها، بما في ذلك تعديل نسب الاستفادة من الضرائب والاعتماد على اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة.
المحور الثاني: مرتكزات النموذج التنموي الجديد لإنجاح ورش الجهوية المتقدمة
يهدف ورش الجهوية المتقدمة إلى تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الجهوية. يعتبر النموذج التنموي الجديد أساسياً في تحقيق هذه الأهداف، حيث يركز على استخدام الموارد المحلية بشكل فعال وتعزيز المشاركة المجتمعية والحكومية المحلية. يُعَدّ مرتكزات هذا النموذج أساسية لنجاح ورش الجهوية المتقدمة وتحقيق أهدافها بشكل فعال.
الفقرة الأولى: التصور العام للنموذج التنموي
بالعودة إلى التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، ولا سيما المحور الرابع المتعلق بـ “مجالات ترابية قادرة على التكيف وفضاءات لترسيخ أسس التنمية”، نجد أن اللجنة قد عرضت أربع اقتراحات نقوم بتفصيلها كالتالي:

 

 

 

 

 

 

 

تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة لتحقيق التنمية المستدامة موازاة مع لا تمركز فعلي تعزيز الاستقلال المالي وتحفيز التنمية المحلية استراتيجيات لتعزيز الاستثمار وتعزيز النمو المستدام إعادة هيكلة المجالات الترابية للاستجابة لمتطلبات التنمية
بعد صدور القوانين التنظيمية في يوليو 2015، تغيرت نظرة اللاتمركز من بديل للامركزية إلى تكامل معها، ويُعتبر اللامركز الإداري الآن نتيجة منطقية وتحصيلًا حاصلًا للامركزية، مع التأكيد على التعايش بين اللامركزية واللاتمركز في إطار اختصاصات كل جهة. توضح أهمية مالية الجماعات الترابية في تحقيق الأهداف التنموية المحلية، حيث تُعتبر أداة حيوية لتلبية احتياجات السكان وتحقيق التقدم المرجو. يتبين أن توفير الموارد المالية والمادية يعد أساسيًا لقدرة الجماعات على تنفيذ البرامج التنموية بكفاءة وفعالية . يدعو النموذج التنموي الجديد إلى تعزيز التنمية الاقتصادية عبر دعم المقاولات وخلق فرص عمل على مستوى الجهات، بهدف بناء بنية جهوية مستدامة للشباب في سوق العمل. يشدد على أهمية إنشاء صناديق لدعم الأنشطة الاقتصادية المحلية، وتعزيز الاستثمار، وتشجيع روح المقاولة، وتنفيذ مشاريع تنموية واسعة النطاق. التركيز على البُعد الترابي الجهوي كمفتاح لتحقيق التنمية يتطلب إعادة النظر في العمليات المتعلقة بتنظيم وتخصيص المساحات الجغرافية، وتكييفها بشكل ملائم مع متطلبات النمو.

مرتكزات النموذج التنموي الجديد لتعزيز فعالية ورش الجهوية المتقدمة
يبرز هذا الجدول عدة نقاط أساسية متعلقة بتسريع التنمية الإقليمية. أولاً وقبل كل شيء، يشير إلى أهمية الاستقلال المالي وتحفيز التنمية المحلية لتحقيق نمو مستدام. يوضح التركيز على ضرورة إعادة هيكلة المناطق الجغرافية في استجابة لمتطلبات التنمية.
كما يلاحظ تغير في وجهة النظر بخصوص التوازن بين التمركز واللاتمركز، كما هو مذكور في سياق القوانين التنظيمية ليوليو 2015. يسلط الضوء على تحول اللامركز الإداري من بديل للتمركز إلى تكامل معه، مع التأكيد على التعايش بين اللامركزية واللاتمركز في إطار اختصاصات كل جهة.
تشدد الفقرة حول مالية الجماعات المحلية على الدور الحيوي للموارد المالية في تلبية احتياجات السكان المحليين وتحقيق الأهداف التنموية. ويبرز أهمية توفير الموارد المالية والمادية كجوهر أساسي لقدرة الجماعات على تنفيذ برامج التنمية بكفاءة وفعالية.
فيما يتعلق بنموذج التنمية الاقتصادية، يتم التأكيد على أهمية دعم المقاولات وخلق فرص العمل على مستوى الجهات، وإقامة هيكل جهوي مستدام للشباب في سوق العمل. ويتم التأكيد على ضرورة إنشاء صناديق لدعم الأنشطة الاقتصادية المحلية، وتعزيز الاستثمار، وتشجيع روح المقاولة، وتنفيذ مشاريع التنمية واسعة النطاق

الفقرة الثانية: التمركز الإداري واللامركزية
المغرب يتبنى نظام اللامركزية الإدارية، حيث بُنيت الأسس الأولى للامركزية في الفترة الأولى للاستقلال، ثم أسندت بعض السلطات في ميادين اقتصادية واجتماعية لوحدات ترابية منتخبة، بهدف تحسين العلاقة بين الإدارة المحلية والمواطنين. ترافق ذلك مع إنشاء مصالح خارجية تُمثل الإدارات المركزية على المستويين الإقليمي والجهوي، وتُكلَّف بتسيير الإمكانيات البشرية والمالية وتنفيذ برامج المصالح المركزية.
تشير المراجعة الدستورية لعام 1996 ودستور 2011 إلى التحول نحو اللاتمركز الإداري، مع تبني نصوص قانونية تقلل من المركزية الزائدة. يتمثل التحدي الرئيسي في تحقيق توازن فعّال بين اللامركزية وتوفير السياسات والخدمات بشكل فعّال في جميع أنحاء البلاد. يأتي تركيز السلطات على الجهوية المتقدمة كفرصة لإصلاح النظام اللاتمركزي، وهو تحول يتطلب تنظيم تواجد الحكومة المركزية بفعالية على المستوى الجهوي.
تشير رؤية جلالة الملك محمد السادس إلى تحقيق الجهوية المتقدمة، ويعتبر اللاتمركز الإداري جزءًا أساسيًا من هذا التحول. يشدد على أهمية التحول الرقمي وتبني التكنولوجيا لتعزيز المشاريع الاستراتيجية وتحسين الظروف الاجتماعية. كما يركز على ضرورة تحسين الإدارة وتحقيق التنسيق بين الهيئات وتعزيز الشفافية والمساءلة.
الفقرة الثالثة: النتائج الأولية للنموذج التنموي الجديد
التفاعل الواسع والفعّال بين فئات المجتمع المختلفة يمثل عنصراً أساسياً في نجاح النموذج التنموي الجديد. إن تضمين جميع الفرقاء في العملية التخطيطية يعزز التعددية والشمولية في الرؤية، ما يُظهر استيعاباً شاملاً للتنوع الاجتماعي والسياسي في المجتمع. هذا التفاعل الوثيق يُظهر الاستجابة الديمقراطية لمختلف الآراء والاحتياجات، مما يعزز التفاهم المشترك حيال توجيه الجهود التنموية.
من خلال التركيز على التعليم كمحور أساسي للتنمية، يظهر النموذج التفكير الاستراتيجي في تحسين جودة التعليم وتوسيع إمكانيات الوصول إليه. تعكس التوصيات الحاجة إلى التدخل الفوري لمعالجة التحديات التي تعترض مجال التعليم، مما يجعلها نقطة رئيسية في تحقيق التنمية المستدامة.
فيما يتعلق بالرعاية الصحية، يبرز النموذج أهمية تكامل المنظومة الصحية مع تطلعات واحتياجات المجتمع. هنا، يرتكب النموذج إلى تحسين الهيكل التحتي للرعاية الصحية وتقديم خدمات ذات جودة، مما يعزز الرفاه العام ويؤثر إيجاباً على مستوى الحياة.
تحقيق الأثر الجهوي يظهر التفكير الاستراتيجي في تعزيز الاستقرار الجهوي وتحقيق العدالة المجالية. يشير التركيز على الجهوية المتقدمة والاستقلالية الجهوية إلى الاعتراف بأهمية تخصيص الموارد وتوجيه الجهود التنموية وفقًا لاحتياجات كل جهة على حدة.
مع ذلك، يجدد التصريح على أهمية الإرادة السياسية القوية والشاملة، فهي المحرك الأساسي لتحقيق نجاح هذا النموذج التنموي وتنفيذ التوصيات بشكل فعّال. إذ يعتبر التفاعل بين المجتمع والسلطات المحلية والجهوية بمثابة الأساس لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين
ان كل هذه التوصيات من شأنها ان تحقق ما كان يرمي اليه ورش النموذج التنموي ويحقق البعد الجهوي للتنمية وفق التصور القانوني للجهوية المتقدمة القائمة على تحقيق التنمية والاستقلالية الجهوية عبر خلق فرص الاستقرار الجهوي وتحقيق العدالة المجالية المرجوة، لكن كل هذا يحتاج الى ارادة سياسية شاملة.
خلاصة:
في خضم التحول الذي شهدته الوثيقة الدستورية والقانون التنظيمي للجهات في المغرب، يظهر الارتباط الوثيق بين اللامركزية الإدارية وتعزيز التنمية المستدامة على مستوى الجهات. يبرز المقال النموذج التنموي الجديد، الذي يركز على استغلال الموارد المحلية وتعزيز المشاركة المجتمعية، مما يُعَدّ خطوة مهمة نحو بناء هياكل إدارية قوية وفعّالة. تؤكد المعلومات الواردة على أهمية الاستقلال المالي للجهات ودورها الحيوي في تنفيذ برامج التنمية المحلية. يعكس التركيز على دعم المقاولات وتشجيع الاستثمار الجهوي استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية. بصورة عامة، يرسم المقال صورة إيجابية للجهود الرامية إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز التوازن بين التنمية والحفاظ على الهوية الثقافية والبيئية.
لائحة المراجع
التقارير والملفات
● تقرير النموذج التنموي الجديد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع، التقرير العام، أبريل 2021، منشور على الموقع الإلكتروني www.csmd.ma.
● ملف المالية المحلية: تكريس فعالية التدبير العمومي، مساهمة الدولة في موارد الجماعات الترابية، مجلة المالية العدد 29-يناير 2016، ص 10
القوانين
● المادة 80 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ،1.15.83 الجريدة الرسمية عدد ،6380 بتاريخ 23 يوليوز ،2015 ص،85 65.
● ظهير شريف رقم 1.15.83 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015).
● دستور المملكة الصادر سنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر 28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليوز 2011.
الكتب والمقالات
● هشام الفقيه، ديناميات صناعة القرار الجهوي: قراءة في المحددات والمتغيرات، منشورات جريدة أنفاس، على الموقع:(www.anfaspress.ma)
● المصطفى بلقزبور، مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه كلية الحقوق بسطات، سنة 2015 ص 259.
● مليكة الصروخ، القانون الإداري دراسة مقارنة، مطبعة فضالة، الطبعة السادسة، سنة ،2006 ص .224
● صالح الدين الأحمدي، مساهمة المبادئ الدستورية للتدبير الترابي في بناء النموذج التنموي، مقال منشور بالمؤلف الجماعي “النموذج التنموي الجديد: أي مدخلات لأي مخرجات؟”، منشورات مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، سلسلة الدراسات السياسية والدستورية، العدد الرابع، الطبعة األولى2021 ص.382
● صفية العزيز، الجهوية المتقدمة كأحد دعائم النموذج التنموي الجديد، منشورات دار المنظومة، المجلد/العدد ع 143 ص 205.
● احمد أجعون، الجهوية المتقدمة في الدستور المغربي لسنة ،2011 مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 116 ماي-يونيو .2014 ص 84.
● المصطفى بلقزبور، مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه كلية الحقوق بسطات، سنة 2015 ص 259.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى