في الواجهةمقالات قانونية

المثلث القاعدي؛ القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية: دراسة في الأصول وفي التراتبية وفي العلاقات الوظيفية. بقلم : الباحث نورالدين ادعمر

نورالدين ادعمر،  باحث بسلك الماستر الصياغة القانونية وتقنيات التشريع بالمغرب. بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول-أكادير-المملكة المغربية

مقالة تحت عنوان: المثلث القاعدي؛ القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية:

دراسة في الأصول وفي التراتبية وفي العلاقات الوظيفية.

اسم الباحث: نورالدين ادعمر،  باحث بسلك الماستر الصياغة القانونية وتقنيات التشريع بالمغرب. بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول-أكادير-المملكة المغربية.

 

ملخص بالعربية:

يعد المثلث القاعدي ملتقى التفاعلات والتقاطعات بين القاعدة اللغوية والقاعدة الأصولية والقاعدة القانونية. وتتجلى أهمية دراسة المثلث القاعدي، فلا ريب أن موضوع المثلث القاعدي تعن بلسان الحال قبل لسان المقال، فكافة القواعد القانونية تحفل بكافة أضرب القواعد اللغوية والقواعد الأصولية. وتظهر فائدة الضبط للمثلث القاعدي، فلا محيد إذا عن القول باستحسان تقنين قواعد اللغوية وقواعد الأصولية وصياغتها في مقتضيات قانونية واضحة، يرجع إليها عند الحاجة بيسر وسهولة. كما أن وصول القاضي بنصوص الفقه الإسلامي وقواعده يحتاج إلى رسوخ في العلم، واعتصام بأدوات الاجتهاد من لغة، ونحو، وأصول الفقه، وعلوم التفسير والحديث.

ونظرا لهذه الأهمية العلمية، تطرح هذه الدراسة أسئلة عدة عن طبيعة العلاقة الاستمدادية لمكونات المثلث القاعدي دراسة، وتأصيلا، وترتيبا (أو تصنيفا)، ووظيفيا. فانطلاقا من دراسة أصول المثلث القاعدي يتضح أن علم أصول الفقه وأصول القانون أحوج إلى اللغة وقواعدها من اللغة إليه، فإن علاقة الإمداد بين مكونات المثلث القاعدي أضحت أمرا ملحوظا، يقف عليه كل من له أدنى صلة بكتب اللغة وأصول الفقه والقانون ومصادره، حيث استفادت القاعدة القانونية في صياغة مناهجه ووضع قواعده بناء على اللغة والأصول وقواعدها، هذا من جهة، ثم دراسة تراتبية المثلث القاعدي بحيث تقدم القاعدة اللغوية على القاعدة الأصولية، وبخصوص تراتبية القاعدة الأصولية يمكن ربطها بتراتبية الأدلة عند الأصوليين والتمييز بين قواعد الأدلة الأصلية وقواعد الأدلة التبعية، ويصبح قول الأصولي بأن الكتاب مقدم على السنة مثلاً قاعدة أصولية، وأن الإجماع مقدم على النصوص مثلاً قاعدة أصولية. كما تتجلى تراتبية القاعدة القانونية من مدى توافق كل قاعدة قانونية مع مجموع القواعد الجاري بها العمل التي لها درجة أعلى منها. وتلعب الصياغة القانونية دورا هاما في فعالية القاعدة القانونية، وقابليتها للتطبيق، لأنه في وجود عيوب وضعف في الصياغة اللغوية والنحوية للنص، لن يجد القانون الطريق للتطبيق، وسيبقى نصوصا جامدة حبيسة لصفحاتها. ونتيجة لذلك، تأثيرها على مبدأ تراتبية (تدرج) القوانين. انتقلنا إلى دراسة العلاقات الوظيفية من خلال الحديث عن وظيفة القاعدة اللغوية في صياغة القاعدة القانونية، وعن وظيفة القواعد الأصولية اللغوية في تفسير النصوص القانونية.

الكلمات المفتاحية: المثلث القاعدي، القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية، تراتبية القواعد، أصول الفقه، تقعيد الأصولي، تفسير النصوص القانونية.

Résumé en français:

Triangle basal ; Règle linguistique, règle fondamentaliste, règle juridique : étude des actifs et Hiérarchique et dans les relations fonctionnelles.

Le triangle de base est le carrefour des interactions et des intersections entre la base linguistique, la base fondamentaliste et la base juridique. L’importance de l’étude du triangle basal se reflète dans le fait que le sujet du triangle basal est sans aucun doute concerné par la langue de l’article. L’utilité du triangle des règles est démontrée, inévitablement si l’on veut dire que la codification et la formulation des règles du langage et de l’intégrisme sont souhaitables dans des exigences juridiques claires, en raison d’elles quand elles sont nécessaires facilement et facilement. L’accès du juge aux textes et aux règles de la jurisprudence islamique doit également être inscrit dans la science, et de s’asseoir dans les outils de diligence de la langue, vers, les origines de la jurisprudence, et les sciences de l’interprétation et de la parole.

Le triangle de base est le carrefour des interactions et des intersections entre la base linguistique, la base fondamentaliste et la base juridique. L’importance de l’étude du triangle basal se reflète dans le fait que le sujet du triangle basal est sans aucun doute concerné par la langue de l’article. L’utilité du triangle des règles est démontrée, inévitablement si l’on veut dire que la codification et la formulation des règles du langage et de l’intégrisme sont souhaitables dans des exigences juridiques claires, en raison d’elles quand elles sont nécessaires facilement et facilement. L’accès du juge aux textes et aux règles de la jurisprudence islamique doit également être inscrit dans la science, et de s’asseoir dans les outils de diligence de la langue, vers, les origines de la jurisprudence, et les sciences de l’interprétation et de la parole.

En parlant de la fonction La règle languistique   dans la rédaction de La règle juridique   , et de la fonction des règles fondamentalistes dans l’interprétation des textes juridiques.

Keywords: Triangle basal, la regle languistique, Règle fondamentaliste, La règle juridique, Hiérarchie des règles, Origines de la jurisprudence, des règles generales, Interprétation des textes juridiques.

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة:

إن المتبع لمختلف الكتابات حول المثلث القاعدي؛ القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية سيرى أن طبيعة هذه العلاقة تأثير وتأثر، أو ما يمكن أن نسميه بالعلاقة الاستمدادية.

وإذا كانت القواعد الفقهية من أبرز الدلائل على ما يزخر به الفقه الإسلامي من أحكام وقواعد وعلى عبقرية العلماء المسلمين في مجال التقعيد الفقهي، فإن القواعد القانونية المعاصرة قد بلغت من النضج ما يجعلها تبين مكانة القانونيين في مجال التقعيد القانوني، وتجعل القانون الوضعي يواكب المستجدات الحديثة. وذلك أن القاعدة الفقهية استفادت في صياغة مناهجه ووضع قواعده بناء على اللغة والأصول وقواعدها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن للقواعد القانونية فضل كبير كذلك على نظيرتها الفقهية  من حينما صيغت هذه الأخيرة صياغة قانونية، بعبارات وجيزة وألفاظ محكمة، بينت أن القواعد الفقهية وصلت مرحلة النضوج والاكتمال، وخير دليل على ذلك صدور مجلة الأحكام العدلية، ومعلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية.

ويعود كل الفضل إلى القواعد اللغوية، فلولاها لما تمكنت تلك القواعد من الخروج إلى الوجود العملي إخراجا يحقق الغاية التي يفصح عنها جوهرها. فاللغة وعاء العلم، فمن لم يجد اللغة، لن يجد العلم الذي وقف نفسه على دراسته. والإلمام باللغة القانونية يتطلب التخصص في الدراسات القانونية والتعمق في الجوانب التشريعية والفقهية والقضائية، لكون القواعد اللغوية المعتمدة لصياغة القواعد القانونية لها خصوصيات ترتبط بالشكل والمضمون، وهي بعيدة كل البعد عن القواعد اللغوية الأدبية. ونفس الأمر ينطبق على صياغة القواعد الأصولية بألفاظ محكمة والمعبرة عن مضمونها وجوهرها.

تنبثق أهمية العلمية لموضوع قيد الدراسة، فلا ريب أن أهمية موضوع المثلث القاعدي تعن بلسان الحال قبل لسان المقال، فكافة القواعد القانونية تحفل بكافة أضرب القواعد اللغوية والقواعد الأصولية. وتظهر فائدة الضبط للمثلث القاعدي، فلا محيد إذا عن القول باستحسان تقنين قواعد اللغوية وقواعد الأصولية وصياغتها في مقتضيات قانونية واضحة، يرجع إليها عند الحاجة بيسر وسهولة. كما أن وصول القاضي بنصوص الفقه الإسلامي وقواعده يحتاج إلى رسوخ في العلم، واعتصام بأدوات الاجتهاد من لغة، ونحو، وأصول الفقه، وعلوم التفسير والحديث. ونظرا لهذه الأهمية العلمية التي يحظى بها موضوع الدراسة تفتح آفاق وبحوث واجتهادات معمقة وكثيرة أمام الباحثين والعلماء المسلمين في مختلف المجالات؛ التي قد تثري موضوع المثلث القاعدي من جوانب فقهية وقانونية واجتماعية.

ونظرا لهذه الأهمية العلمية، تطرح هذه الدراسة أسئلة عدة عن طبيعة العلاقة الاستمدادية لمكونات المثلث القاعدي دراسة، وتأصيلا، وترتيبا (أو تصنيفا)، ووظيفيا.

ويقتضي ذلك الإجابة عن عدد من التساؤلات الآتية:

  • ما هي أصول قواعد اللغوية والقواعد الفقهية والقواعد القانونية؟
  • وما مدى تأثير الصياغة اللغوية على تراتبية القواعد القانونية؟
  • ومن أين تتجلى العلاقات الوظيفية في المثلث القاعدي؟

أدرس هذه العلاقة من خلال اعتماد على ثلاث مناهج أولهما المنهج المقارن بين علم اللغة العربية وعلم أصوله الفقه وأصول القانون، والمنهج الوظيفي في تبيان وظيفية للمثلث القاعدي، والمنهج التحليلي من خلال تحليل بعض القواعد اللغوية والقواعد الأصولية، والقواعد القانونية.

وتأسيسا على ما سبق، سنحاول معالجة موضوع الدراسة وفق التصميم يعتمد على مدخل ومطلبين على النحو الآتي:

مدخل إلى المفاهيم: القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية.

المطلب الأول: المثلث القاعدي: دراسة في الأصول وفي التراتبية.

المطلب الثاني: المثلث القاعدي: دراسة في العلاقات الوظيفية.

 

 

 

 

 

 

 

مدخل إلى المفاهيم: القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية:

سنحاول في هذا المدخل أن أقدم للقارئ عرضا لبعض المفاهيم الرئيسية التي سيصادفها في ثنايا الدراسة. فهـذه الدراسة – فـيـمـا أوضـحـنـا – يهدف أساسا إلى إعطاء وجهة نظر علمية متماسكة عن عدد من المفاهيم الجزئية المؤطرة لموضوع الدراسة. ومن المفيد -لـهـذا الـسـبـب – أن نـتـفـق على فهم جوانب معينة في هذا الموضوع.

ولتوضيح هذه المفاهيم الممهدة إلى المثلث القاعدي؛ القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية الواردة في البحث ارتأينا تقسيم هذا المدخل إلى ثلاث فقرات نتطرق في الفقرة الأولى: تعريف القاعدة اللغوية ونرجأ الحديث عن تعريف القاعدة الأصولية في الفقرة الثانية، والقاعدة القانونية إلى الفقرة الثالثة، وذلك على ما يأتي بيانه:

الفقرة الأولى: القاعدة اللغوية:

القواعد من حيث اللغة: جمعُ، مفرده قاعدة، على وزن فاعلة، وأصل كلمة القاعدة اللغوي مركب من قَعَدَ، ويطلق لفظ القواعد على لسان العرب عدة معاني كثيرة، وأهمها:

أولا: قواعد أسس البناء وأساطينه وأعمدته([1]): وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ اُ۬لْقَوَاعِدَ مِنَ اَ۬لْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُۖ}([2]).

ثانيا: قواعد الهودج: وهي خشبات أربع يتركب منها الهودج([3]).

ثالثا: قواعد السحاب؛ أي أصولها المعترضة في آفاق السماء([4]).

رابعا: القواعد من النساء: هن الكبيرات المسنات اللواتي قعدن عن الحيض والولد، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَوَٰعِدُ مِنَ اَ۬لنِّسَآءِ}([5]).

إن المتأمل في هذه المعاني الأربعة ترجع حقيقة إلى معنى واحد يجمعها كلها، فالقواعد هي: أسس الشيء وأصوله، التي ينبني عليها غيره، سواء أكان ذلك الشيء حسيا أو كان معنويا، فالحسي هو ما سبق ذكره، أما المعنوي؛ كقولهم: قواعد الدين كذا وكذا، وقواعد الإسلام كذا وكذا… إلخ.

أما القاعدة بالمعنى العام سواء كانت لغوية، أو أصولية، أو فقهية، أو قانونية أو غير ذلك بتعريفات كثيرة([6])، غير أن هذه الصيغ التعريفية المختلفة لا تكاد تخرج عن أمور ثلاثة: فإما أن يعبروا عن القاعدة بأنها قضية([7]) أو أمر([8]) أو حكم([9]) فهذه التعريفات وردت في كتب المتقدمين من أهل العلم. وبعض المعاصرين عبر في تعريفها بالأصول([10]).

وفي إطار محور تعريف القاعدة، فإن المراد بالقواعد اللغوية هو “ما ينسب الأصوليون([11]) إلى العرب عند إثباتهم للقاعدة الأصولية([12])، سواء كان ذلـك نقلا صريحا عـن العـرب أم استنباطا من كلامهم، وسواء كانت تلك النسبة نقلا مباشرا عـن العـرب بـأن يذكر الأصولي مستنده مـن لغـة العـرب عنـد إثباته للقاعـدة الأصولية دون واسطة، أم كان ذلك بواسطة اللغويين([13])”. وهو الأمر الذي نستشفه من التعريف الآتي: القواعد اللغوية هي” قواعد تحكم علاقة الألفاظ بالمعاني، أو المحامل والتركيب بالدلالات والمقاصد، وحالات إعمال المعاني المستقاة من ظاهر الألفاظ المتوسل بها، وحالات إعمال المرامي البعيدة؛ أي المعاني غير المتبادرة من ظاهر الألفاظ، وسبل الكشف عن إرادة الأطراف المتعاقدة أو الشهود أو أطراف الخصومة القضائية، وكل ذلك يحتاج إلى دراية خاصة لا تتأثى إلا بالإلمام بالقواعد اللغوية التي صاغها فقهاء وأعلام جهابذة بعد استقراء موصول دام مئات السنين([14])”. فلذلك كانت قواعد اللغويين في الفهم واستنباط المعاني في الأكثر هي مرجع ومنطلق البحث الأصولي في صياغة وضبط قواعده الشرعية.

وعطفا على ما سبق، يتوقف أصول الفقه على ثلاثة أشياء: فالتوقف إما أن يكون من جهة ثبوت حجيّة‏ الأدلة، فهو أصول الدين. وإما أن يكون التوقف من جهة دلالة الألفاظ على الأحكام، فهو العربية بأنواعها. وإما يكون التوقف من جهة تصور ما يدل به عليه، فهو تصور الأحكام([15]).

وعلاقة بالقواعد اللغوية، “توقفه من جهة الألفاظ على الأحكام، فلتوقف فَهِمِ ما يتعلق بها من الكتاب والسنة وغيرهما على العربيّة. فإن كان من حيث المدلول، فهو علم اللغة([16]). أو من أحكام تركيبها، فهو النحو([17]). أو من أحكام أفرادها، فعلم التصريف([18]). أو من مطابقته لمقتضى الحال، وسلامته من التعقيد، ووجوه الحسن: فعلم البيان بأنواعه الثلاثة”([19]).

إذن فعمل الأصولي هو البحث عن الطرق والأساليب من خلال هذه الأشياء، والتي يقعّد بها الاستنباط ويوصله تأصيلاً، يمهد الطريق للفقيه و للقاضي على حد سواء في استخراج الأحكام الشرعية والقانونية من مظانها و أدلتها الشرعية.

الفقرة الثانية: القاعدة الأصولية:

تعريف القاعدة الأصولية بالمعنى الاصطلاحي الخاص هو أمر من الصعوبة بمكان، نتيجة عدم وجود تعريف محدد لها عند أوائل الأصوليين وإن استعملوا (القاعدة) منذ فترة قديمة حتى دخل في تعريف أصول الفقه نفسه، عند بعض العلماء، واستدلوا على ذلك بأن بعض الأصوليين عرفوا علم أصول الفقه بكونه هو العلم بالقواعد([20])، أو هو القواعد نفسها كما ورد في قول الشوكاني وهو يستعرض تعريفات علم أصول الفقه : وقيل : هو العلم بالقواعد، وقيل : هو نفس القواعد، وقيل: طُرق الفقه([21])…إلخ، وكما في تعريف ابن الحاجب : العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية([22]).

أما باعتبار بالمعنى الاصطلاحي الواسع الأعم، فإنه لا مائع حينئذ من أن نعتبر القواعد الأصولية قواعد فقهية([23])، مادام العلماء إنما توصلوا إلى تقعيدها عن طريق الفقه. فإذا نظرنا إلى هذه القاعدة: الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده. ونظائرها في أصول الفقه، وجدناها قواعد قد توصل إليها الفقهاء عن طريق فقههم للنصوص واستقراء صيغها وتتبع أوجه دلالتها على المعاني والأحكام. فهي قواعد أنشأها فقه الفقهاء وعلم العلماء. فكانت بهذا الاعتبار قواعد فقهية لكونها مقعدة وموضوعة بالفقه([24]).

ولئن بحثنا عن تعريف القاعدة الأصولية لن نفيد منه إلا في ما يخدم تصورنا لطبيعة العلاقة بين مكونات المثلث القاعدي، ولما كان ذلك كذلك، حيث من الثابت -على الأقل من وجهة نظري- أن القاعدة الأصولية شاملة لكل مباحث علم أصول الفقه، وهو الأمر الذي يستشف من تعريف جمال الدين عطية بقوله أن القواعد الأصولية هي :” القواعد التي تتناول مباحث أصول الفقه وتحكمها وتضبطها([25])“. وهذه الحقيقة أغفلها محمد الروكي حين عرفها بقوله: فالقواعد الأصولية هي قواعد لغوية وضعت على أسس علمية لتقعيد تفسير النصوص، وضبط الاستنباط والاجتهاد([26])”. وفي حد اعتقادي يبدوا ان هذا تعريف يقصد به القواعد الأصولية اللغوية([27]) لا القواعد الأصولية، ومراجعنا هنا أن القواعد الأصولية ليست كلها قواعد لغوية، بالإضافة أن قواعد الأصولية ضابطة وحاكمة على تصرفات المجتهدين، فهي ترسم المنهج القويم لاستنباط والاجتهاد.

ومن هذا المنطلق يمكن أن تعرّف القواعد الأصولية بأنها : “قواعد وضعها علماء الأصول بعد استقراء وتتبع تتعلق بالأدلة الشرعية، وتحديد الأصول والعزائم (الاستثناءات)، ودلالات الألفاظ عموما وخصوصا ([28])”. أو بتعبير جامع ومانع (وهو التعريف المختار) فإنها :” حكم كلي تنبني عليه الفروع الفقهية، مصوغ صياغة عامة، ومجردة، ومحكمة“([29]).

وللقاعدة الأصولية ركنان([30]) هما الموضوع، وهو المحكوم عليه، والمحمول وهو المحكوم به. والنحاة يسمونهما المبتدأ والخبر.

ويمكن بيان ذلك من خلال قاعدة «الأمر للوجوب ما لم تصرفه عن ذلك قرينة». فالركن الأول في هذه القاعدة هو الأمر، وهو طلب الفعل طلبًا جازما، وهو الموضوع، لأن الحكم سوف يحمل عليه، ويعبر عنه بالمخَبر عنه عند النحويين، أو المحكوم عليه عند الفقهاء. والركن الثاني المحمول، وهو الوجوب في حال عدم وجود القرينة الصارفة، ويسمى بالمحكوم به، لأنه هو الذي يحكم به على الموضوع، والناتج من هذه العملية هو الوجوب، وهو الحكم الكلي الذي يمكن إجراؤه على النصوص الجزئية التي هي أوامر، لنصل إلى الحكم التفصيلي وهو خصوص الحكم الفقهي([31]).

الفقرة الثالثة: القاعدة القانونية:

إن القاعدة القانونية لا ينفصل عن الموضوع التي تنظم وهو القانون([32])، وذلك أن القاعدة القانونية هي تلك الوحدة التي تتكون منها في مجموعة والتي تنطلق من مبادئ عامة وخاصة تكون صلب الموضوع التي تنظمه.

تصاغ القواعد القانونية على هيئة نصوص، ومن تم فإن حديث رجال القانون عن فحوى النص القانوني هو حديث عن القاعدة القانونية، وحديثهم عن خصائص القاعدة القانونية هو حديث عن خصائص النص القانون([33]).

وتشمل القاعدة القانونية على عنصري الفرض (=التصرف أو الواقعة) والحكم (=هو النتيجة التي يرتبها القانون على الفرض أو الواقعة المنصوص عليها في هذا الفرض). ويتم ذلك بصفة ثابتة ومطردة، فكلما تحقق الفرض (العنصر الأول للقاعدة) ترتب الحكم (العنصر الثاني في القاعدة). أي ان يكون هناك ثبات في إعمال الحكم كلما تحققت الشروط اللازمة لإعماله من دون تفرقة في التطبيق، وهذا ما يعبر عنه بسريان حكم القاعدة القانونية على كل من تنطبق عليه، وعدم الثبات على ذلك يسلب القاعدة القانونية جوهرها وأهم خصائصها ويفقدها دورها في ضبط سلوك الأفراد في المجتمع، فتشيع الفوضى ويفقد الافراد ثقتهم في القانون او النظام([34]).

ولعل توصية أخرج بها في هذا المدخل، إنجاز مشروع بحثي في موضوع: الثالوث المتكامل؛ العرف، والفقه الإسلامي، والقانون.

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: المثلث القاعدي: دراسة في الأصول وفي التراتبية:

إن الحديث عن دراسة الأصول وفي التراتبية للمثلث القاعدي يقتضي تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين بحيث سيتم تخصيص الفقرة الأولى عن دراسة في أصول المثلث القاعدي، وفي الفقرة الثانية عن دراسة في تراتبية المثلث القاعدي، وذلك على ما يأتي بيانه:

الفقرة الأولى: دراسة في أصول المثلث القاعدي:

سيتم الحديث في هذه الفقرة عن أصول القاعدة اللغوية والقاعدة الأصولية (أولا)، ونختم بأصول القاعدة القانونية (ثانيا)، وذلك على ما يأتي بيانه:

أولا: أصول القاعدة اللغوية (أو النحوية أو مبادئ اللغات) والقاعدة الأصولية (=الدلالات):

لم يكن العرب قبل الإسلام في حاجة الى بيان القواعد الناظمة للسان العربي الفصيح على اعتبار أن تداولهم للغة كان عن سليقةٍ، وبظهور الإسلام وامتداده في اتجاه شعوب لا تتحدث العربية وبمخالطة الاعراب للأعاجمَ، بدأ لسان العربي في الحواضر يلحن، وخرج بذلك عن أصول الكلام التي ورثها عن أسلافه.

وقد أشار الطنطاوي في كتابه إل ما قال أبو الطيب في سبب وضع النحو وقال: “أن أول ما  اختل من كلام العرب وأحوج إلى التعلّم: الإعراب، لأن اللحن ظهر في كلام الموالي والمتعرّبين من عهد النبي صل الله عليه وسلم فقد قيل إن رجلا لحن بحضرته فقال: “أرشدوا أخاكم فقد ضل “، وقال أبوبكر: لأن أقرأ فأسقط أحب إلي من أن أقرأ فألحن([35])”. ولا يهمني بكثير واضع الأول لهذا الفن، والذي يهمني معرفة أصول القواعد اللغوية في استنباط([36]) الأحكام في فهم النصوص الشرعية والقانونية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، الصلة ما بين القواعد اللغوية والقواعد الأصولية على مهيع مباحث هذين الفنين.

ونتيجة ذلك نشأت محاولات عدة لتقعيد القواعد اللغة العربية بعد أن فشا اللحن والخطأ اللغوي، وشكل عصر التدوين الذي امتد بين منتصف القرن الثاني والقرن الثالث للهجرة. الحركة الكبرى لتدوين وضبط تقعيد اللغة العربية صونا للغة الوحي من التحريف. استند النحاة في ذلك على لغة الأعراب الاقحاح، باعتبار أن البدو ظلوا بعيدين عن المؤثرات الخارجية، على عكس الحواضر التي شهدت امتزاجا كثيفا. ويجب التمييز بين مستويات هذا الوضع: منها الصورة الذهنية التي لدينا عن الأشياء، وهي المادة اللغوية المعجمية التي جمعت من الاعراب الأقحاح، وكنتيجة منطقية وعملية، هي أن الصورة التي تقدمها اللغة العربية لنا (و لأهلها) – شئنا أم أبينا- ستكون مطبوعة بطابع حياة الأعرابي، لأن اللغة جمعت من بيئة الأعرابي، وهي الجزيرة العربية، من البادية، ومحدودة بحدود هذه البيئة([37]).

يخلص محمد عابد الجابري إلى أن عملية الانتقال بالعربية من مستوى اللاعلم إلى مستوى العلم بمبادئ ومقدمات منطقية صارمة و بالسرعة المطلوبة، وعبر بقوله: ” والحق أن ذلك العمل العظيم الذي تم في عصر التدوين على مستوى جمع اللغة وتقعيدها كان بالفعل أشبه شيء بالمعجزة. وهل المعجزة شيء آخر غير خرق العادة”([38]).

فزمن بدء الوعي العربي بالتفكير في عملية تدوين القواعد اللغوية العربية، ذكر الجابري أن المرحلة الوعي تلك ابتدأت مع مهاجمة الشعوبية للماضي العربي والطعن فيه فكرا وثقافة وحضارة، فكان رد الفعل العربي الطبيعي هو الدفاع عن الماضي العربي، خاصة العصر الجاهلي، لا العصر الجاهلي كما عاشته عرب ما قبل البعثة، بل العصر الجاهلي كما عاشه في وعيهم عرب ما بعد ترتيبه وتنظيمه في عصر التدوين. وتحول الأمر إلى دفاع عن الهوية والوجود؛ فأضحت مسألة التدوين، إذن، مسألة مصير؛ فالماضي يهاجم لا من أجل ذاته، ولكن من أجل الحاضر والمستقبل. أمام هذه الظروف النفسية والحضارية والتاريخية اكتسب التدوين شرعيته وتوضحت ضرورة البناء الثقافي الشامل([39]).

من هذا نرى أنه إذا أردنا دراسة القواعد اللغوية دراسة علمية فيجب أن لا نغفل هذه الحقيقة، وهي أن النحو العربي لم يأت نتيجة تطور اللغة وتطور الفكر كما هو الشأن في اللغات الأخرى بل  كان هو المؤسس لهذا التطور، كان هو المنطلق.(…) إن أية قاعدة نحوية مهما كانت إذا طورت، أو إذا حذفت أو إذا عدلت، لا بد أن ينعكس أثر هذا التعديل أو هذا التطوير على الفقه، على التفسير، على الأدب، على النقد الأدبي، على مجمل الثقافة العربية، ذلك أن النحو ليس شيئا معزولا في الثقافة العربية، بل هو مؤسس، هو ذلك الخيط الرابط بين جملة عناصر الثقافة العربية. ففي علم أصول الفقه، مثلا، أبحاث لغوية خاصة وهي تستند إلى قواعد النحو. فالنحو إذن مشارك في عملية استنباط الأحكام وهذا يصدق كذلك على التفسير، والحديث، والأدب، والنقد الأدبي… إلخ([40]). ‎

ولعل من اللائق البدء بأول من صنف في القواعد الأصولية([41])، وهو الإمام الشافعي (المتوفى سنة 204 الهجرية)، فقد كان حجة في القواعد اللغوية وعلومها، ومن خلال الاطلاع على فهرست للرسالة  يتبين أنه اهتم بالقواعد اللغوية وبالفقه وسار على هدي منطلق اللغة العربية، فكانت اللغة العربية حاضرة في تأصيلاته وتفريعاته للمسائل الأصولية، كأنما هي المصدر الوحيد الذي ينهل منه علم أصول الفقه، فهو يعمد إلى إقامة الأدلة على تلك القواعد من الكتاب والسنة، وتأييدها بشواهد من اللغة العربية. لما لا وقد بقي قرابة عشرين سنة في دراسة العربية في معاقلها الأولى، ولما سُئل عن ذلك قال: “ما أردت بهذا إلا الاستعانة على الفقه”([42]).

إنّ من ينظر في مباحث القواعد اللغوية والقواعد الأصولية يُلاحظ أنّ هناك تشابهاً بينهما من أوجه متعددة([43]):

أولا: من حيث الأصول أو الاستمداد:

من أجل الإجابة ما ورد أعلاه يتطلب منا الرجوع إلى المصادر الأصولية الأصلية، وذلك أن القواعد الأصولية تستمد من استقراء نصوص الكتاب([44]) والسنة([45])وأقوال الصحابة([46]) والإجماع([47]) وقواعد اللغة العربية وشواهدها المنقولة من العرب([48]) والعقل([49]) واستقراء الفروع الفقهية([50]).

أما القواعد اللغوية من المصادر الآتية([51]) : السماع([52]): وهي القرآن الكريم والسنة النبوية، وكلام العرب الاقحاح. و الإجماع([53])، والقياس([54])، والاستصحاب([55])، والاستدلال بأنواعه([56])، التعارض والترجيح، والشعر، والشواهد النثرية.

وما فاد ما تقدم أن علماء اللغة العربية اعتمدوا القرآنَ مصدراً للُّغة، وكذلك السنَّةَ، والإجماعَ، والاستصحابَ، والاستدلال كما فعل السيوطي في الاقتراح([57])، وابنُ جنّي في الخصائص، وابنُ الأنباري وسيبويه في الكتاب وكثيرٌ غيرهم.

علاوة على ذلك، فإن كتب اللغة ككتاب سيبويه، كان مصدراً لكتاب الرسالة للإمام الشافعي. فكتاب سيبويه هو الأساس في علم النحو، وكتاب الرسالة هو الأساس في علم أصول الفقه؛ وقد صنَّفه الشافعي على أُسُسٍ متينةٍ اعتمد فيها على الأسلوب اللغويِّ الواضح، والفصاحةِ في التعبير، كما أنّنا نجد كبارَ أئمّة الأصول كالفخر الرازي، والشرازي، والزركشي، والأسنوي، ومن قبله البيضاوي وغيرهم؛ قد أخذوا ونقلوا المباحث اللغوية عن أئمة اللغة كسيبويه، ونفطويه، وأبي علي الفارسي، وابنِ جِنِّي، وثعلب، وقطرب، وابن خالويه، والزَّجَّاج، والأخفش، وابنِ الأنباري، وغيرِ هؤلاء من كبار أئمة اللغة.

ثانيا: من حيث المباحثُ: جاءت المباحث اللغوية في مؤلفات الأصوليين على نوعين: أحدهما مباحث لغوية قد بحثها اللغويون: ومن تلك المباحث المسماة في كتب الأصول بمباحث اللغات (أو مبادئ اللغات) والتي بُحث فيها تعريف اللغة وأصلها وابتداء وضعها، وأقسامها، وأقسام اللفظ المفرد، وأقسام اللفظ المركب، وطرق معرفة اللغة، ومباحث الحقيقة والمجاز، ومباحث الاشتقاق والترادف، والاشتراك، وحروف المعاني. والثاني مباحث انفرد بها الأصوليون: بحيث انفرد الأصوليون بمباحث كثيرة أغفلها اللغويين مثل مباحث الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد وغيرِ ذلك من المسائل المرسومَةِ في كتب الأصول، ولِلبحر المحيط القسطُ الأوفى في ذلك. حتى إن اللغويون كثيراً ما يعولون على الأصوليون في طريقة فهم دلالات الألفاظ ويحيلون إليهم وهذا يدل على أن اللغويون يعترفون بتفرد الأصوليون بدقائق لغوية لم يصل إليها اللغويون.

ثالثا: من حيث المصطلحات: فإنّ هناك تطابقاً تامًّا في المصطلحات العلمية بين هذين العلمين. مثال ذلك: أنّ علماءَ اللغةِ قسّموا الأحكام اللغوية إلى توفيقيّةٍ، واجتهاديةٍ، ونقْليةٍ، وقياسيةٍ؛ وكذلك فَعَلَ الأصوليون. وقسّموا المنقولَ إلى متواترٍ وآحادٍ؛ كذلك قسَّم اللغويّون الحكمَ اللغويَّ إلى واجبٍ، وممنوعٍ، وحَسَنٍ، وقَبِيحٍ، وخِلاَفَ الأولى، والجائز على السواء([58])؛ وكذلك فعل الأصوليون؛ حيث قسّموا الحكمَ الشرعيَّ إلى هذه الأقسام([59]).

احتلت القواعد اللغوية في مؤلفات الأصوليين بسبب أهميتها في تفسير النصوص واستنباط الأحكام منها. ومن هؤلاء ابن السبكي([60]) (المتوفى سنة 771 الهجرية)، ومن نماذج ذلك : القواعد المتعلقة بالواو، والفاء، وفي، وبلى، وحتى، وكاد، وكم، وكيف، وكذا، واللام، ولولا، ومن… إلخ. و ويليه الإسنوي([61])  (المتوفى سنة 772 الهجرية). أما القواعد الأصولية نجد : القواعد التسع والثلاثين التي أوردها الكرخي (المتوفى سنة 340 الهجرية)، ويليه الإمام القرفي (المتوفى سنة 684 الهجرية) في كتابه الفروق([62]). وبعده ابن السبكي -تم الإشارة إليه سابقا- ومن نماذج ذلك : الواجب لا يترك إلا لواجب([63])، والأمر لا يقتضي التكرار([64])، الأمر لا يقتضي الفور وخالفت الحنفية([65])، الأمر بالشيء نهي عن ضده([66])… الخ. ثم الزركشي (المتوفى سنة 794)، ومن نماذج ذلك : الحال لا يتأجل([67]) وغير ذلك ما جاء في الكتاب. و السيوطي (المتوفى سنة 911 الهجرية)([68])، وكذلك ابن نجي (المتوفى سنة 970 الهجرية)([69]).

وأما الذين لم يفردوها فقد قصدوا تأصيل تناسقها من بين مباحث الأصول، وامتازت هذه الطريقة التصنيفية بالربط بين القواعد والفروع وبين الأصول والفقه، وهي غالبا تسمى ب “تخريج الفروع على الأصول”.

ثانيا: أصول القاعدة القانونية:

     فالأمر مختلف بشأن مصادرها، ذلك أن للقواعد القانونية نوعان من المصادر، يطلق على الأول: مصادر مادية أو موضوعية؛ وهي عبارة عن العوامل التي أسهمت في تكوين القاعدة القانونية وتحديد مضمونها، سواء أكانت هذه العوامل طبيعية، أم اقتصادية، أم تاريخية، أم اجتماعية. أما النوع الثاني من مصادر القاعدة القانونية فيطلق عليه: المصادر الرسمية أو الشكلية؛ وهي عبارة عن وسائل وآليات تتحول بواسطتها المواد المستمدة من العوامل المكونة للمصادر المادية، إلى قواعد ونصوص قانونية مصحوبة بصفة الإلزام.

ولئن اعتبر كثير ممن ألف في العلوم القانونية أن مصادر القواعد القانونية الرسمية هي: التشريع، ثم تأتي المصادر الاحتياطية المتمثلة أساسا في العرف([70])، والدين، ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة. ويضيف آخرون الفقه والقضاء كمصادر تفسيرية؛ فإن المتأمل في هذه المصادر يجدها متعلقة بالأحكام القانونية لا بالقواعد؛ ذلك ان الذي يرجع إلى هذه المصادر هو القاضي وليس المقنن، كما أن التشريع المذكور على أساس أنه المصدر الأول الرسمي هو في مضمونه قواعد قانونية، فأي مصدر لتلك القواعد؟

 وموضع الاشتراك بين مكونات المثلث القاعدي من حيث الاستمداد([71]) ، يتحقق إذا اعتمد المقنن القانوني على النص الشرعي أو اجتهد في ضوئه، وصاغ قواعد قانونية على أساسه؛ بمعنى دخول القواعد اللغوية والقواعد الأصولية ضمن استمداد الموضوعي للقاعدة القانونية، كما هو الحال في مدونة الأسرة المغربية مثلا التي صاغت القاعدة الأصولية الآتية : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب([72])، وفي هذا الإطار نصت المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه : “تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج([73])”؛ بمعنى أن رسم الزواج لا يصح إلا بالكتابة فأضحت واجبة([74]). ومما تجدر الإشارة إليه أن المجلس الأعلى قد تبنى هذه القاعدة الأصولية، حيث جاء في قرار له : “المنصوص عليه فقها أنه لا يجوز الدخول بالزوجة إلا بعد العقد عليها،… ويجوز بصفة استثنائية إثبات الزوجية بالبينة الشرعية([75])“. وقاعدة : الخاص مقدم على العام، ومن تطبيقاتها في مدونة الحقوق العينية المغربية تقديم الشريك الأخص على الشريك الأعم حال تزاحم الشفاء عملا بمقتضيات المادة 297([76]).

ومن المهم أن نعيد ما أكدناه -في صدد تعريف القاعدة الأصولية- إذا أخدنا بالمعنى الاصطلاحي الواسع الأعم للقاعدة الأصولية، فإنه لا مائع حينئذ من أن نعتبر القواعد الأصولية قواعد فقهية. ولما كان ذلك كذلك، دأب المجلس الأعلى من خلال اجتهادات متوافرة على اعتبار خرق قاعدة فقهية معمول بها قضاء، في شتى المواضيع التي يقبل فيها التعويل على القواعد الفقهية، بمثابة خرق قاعدة قانونية واجبة التطبيق، فقد جاء في قرار له : “إن خرق قاعدة فقهية معمول بها في العقار غير المحفظ يكون بمثابة خرق قاعدة قانونية واجبة التطبيق([77])”.

تصاغ القواعد القانونية في إطار الصياغة التشريعية([78]) من ثلاث جوانب رئيسية، أولهما الجانب القانوني، والثاني الجانب اللغوي، والثالث الجانب الأصولي([79]).

وتفسيرا لذلك، فالقواعد القانونية تتم صياغتها حسب أصول القاعدة اللغوية والقاعدة الأصولية، لأن النص ما هي الا مفردة أو جملة أو عدة جمل تتم صياغتها لتدل على فكرة ومعنى محدد. علاوة على ذلك، هناك علاقة متينة بين التشريع واللغة، لأن أهم مسألة في الصياغة التشريعية هو صياغة قاعدة واضحة ودقيقة، إذ كيف يمكن صياغة نص تشريعي (وقانوني([80])) ونحن لم نستوعب نوعية النص (خاص، عام، دلالة منطوق، دلالة مفهوم؟ كيف نميز بين النص الواضح ودرجاته والنص الغامض وأنواعه؟ كيف يتم تقييم النص التشريعي من حيث الدقة والوضوح وهكذا؟ لأجل تحليل وتفكيك النص التشريعي نحتاج إلى تفاصيل التقسيمات التي وضعت في اللغة وعلم الأصول وذلك لا يتأتى إلا من خلال دراسة المستويات اللغوية، ودلالات النصوص([81]).

لذلك ينبغي الإلمام بالقواعد اللغة العربية قبل تكوين القواعد القانونية الجديدة، ولفهم هذه القواعد سواء كنت قاض مدني أم قاض في شؤون الأسرية أو فقيها تريد استنباط الأحكام منها أو غير ذلك، فيجب النزول والرجوع إلى قواعد الأصولية اللغوية لمعرفة استنباط الأحكام الوضعية، وما مصير القاضي يستنبط الأحكام ولا يفهم اللغة العربية؟ أو لا يفهم الاستنباط؟ ولا يفرق بين النص الظاهر أو النص الخفي؟ وما إلى ذلك من مباحث والتي أصلها مباحث لغوية.

وان صناعة القواعد القانونية في شكل نصوص ناظمة لفروع القانون يستوجب استحضار جميع المسائل الضرورية لصياغة قواعد قانونية تنسجم مع بلد المنشأ، لذلك فإن الشريعة الإسلامية خاصة بالنسبة للنصوص ذات المرجعية الفقهية الإسلامية انطلاقا من أحكامها التي تتميز بدقة الأحكام وخصيصة اللغة المستعملة التي تنطلق من مبدأ الكفاية الذاتية تعد ضرورة ملحة. لذلك ينبغي الاشتغال على القواعد الأصولية والقواعد الفقهية([82]) من منطلق الوعي بالواقع؛ لأن صياغة النص القانوني يتطلب الاجتهاد واعتماد الوسائل الفقهية المتاحة للتقعيد للنص القانوني انطلاقا منه([83]).

وهكذا يتبين أن مقومات المثلث القاعدي (القاعدة اللغوية والقاعدة الأصولية) أن التشريع هو القانون المكتوب، فأدلته هو اللغة، ووسيلته اللغة، ويبنى بقواعد اللغة العربية ويفهم بقواعد الأصولية اللغوية الدلالية؛ لأن الأصوليون علماء أصول الفقه، ومن حرم الأصول فقط منع من الوصول.

الفقرة الثانية: دراسة في تراتبية المثلث القاعدي:

سيتم التطرق في هذه الفقرة عن تراتبية القاعدة اللغوية (أولا)، ثم تراتبية القواعد الأصولية (ثانيا)، ونختم بتراتبية القواعد القانونية (ثالثا)، وذلك على نحو الآتي:

أولا : تراتبية القاعدة اللغوية([84]) :

الحديث عن تراتبية القواعد اللغوية هو الأمر من الصعوبة بمكان، وذلك من جهة ندرة التأليف في الموضوع، خصوصا وأن النحو العربي ركز في مرحلة التأسيس على المادة و لم يخضع التصنيف لقواعد عامة و منظمة، ومن جهة تداخل العلوم؛ لأن كل المعارف تخضع لمنطق تراتبي.

ولعل من اللائق البدء بأول مشروع إعادة بناء النحو العربي مع أبو الوليد بن رشد (520-595 هـ/1198م)، وهو فيلسوف قرطبة كان صاحب مشروع للتغيير، مشروع يهدف إعادة تأصيل الأصول في كل مجال من مجالات الثقافة العربية الإسلامية: في علم الكلام، والفقه وأصوله، والفلسفة، والطب، والعلم، واللغة، والسياسة.

وألف ابن رشد كتابه الوحيد في اللغة العربية وهو “الضروري في صناعة النحو“، ويرى  أن الغاية من دراسة النحو هي فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم جميع العلوم، وعمل الخطب والاشعار([85])، كما أن منهج دراسة علم النحو في نظره ينبغي أن يراعي فيه الترتيب الصناعي (=الطريقة العلمية) وأسهل تعليما وأشد تحصيلا للمعاني، والذي يقتضي أن يبدأ أولا بالألفاظ المفردة ثم بالمركبة ثانيا ثم باللواحق ثالثا([86])، وليس إلى اسم وفعل وحرف، كما كان عليه الحال منذ سيبويه.

يقول ابن رشد: “أما الترتيب الذي سلكناه في هذا الكتاب، فإننا رأيناه أن نقدم أولا من أمر الألفاظ المفردة، أما الاهتمام بمعرفته مساو للاهتمام بمعرفة الإعراب، بل لعلة أكثر وهي الأمور الضرورية في كل مخاطبة، ومشتركة لجميع الألسنة، وهذا هو شكل التثنية، وشكل الجمع، وشكل المذكر والمؤنث، وشكل الأخبار عن أنواع الضمائر الثلاثة، وهو شكل إخبار المتكلم عن نفسه وشكل الإخبار عن الحاضر وشكل الإخبار عن الغائب”([87]).

فالنظر في مقدمات علم النحو، يقتصر على قسمين: الأول معرفة أجناس الألفاظ الأول المفردة، التي يأتلف الكلام منها، والثاني معرفة الكلام المركب من هذه المفردات وأجناسها الأول، وفي هذا القسم بابان: فالباب الأول: في تعريف الألفاظ المفردة، بحدودها وخواصها، والثاني معرفة أنواعها الضرورية في هذه الصناعة، ويبذؤها ابن رشد بالكلام، عن الألفاظ المفردة، وهي ثلاثة الاسم([88]) والفعل([89]) والحرف([90]).

ودرس هذه الألفاظ الثلاثة، من جهة خاصيتها المعنوية واللفظية، فخاصية الاسم المعنوية أن يكون خبرا أو مخبرا عنه، واللفظية أن يدخل عليه التنوين والألف واللام التي للتعريف، والفعل خاصيته المعنوية أن يكون خبرا لا مخبرا عنه، واللفظية أن لا يحلقه تنوين ولا تعريف ولا خفض ولا نصب ولا رفع، بالمعنى الذي يلحق الأسماء، لأنه لا يكون مبتدءا ولا يكون فاعلا ولا مفعولا ولا مشبها لهما([91]).

ومفهوم الاسم يتعدد بتعدد دلالاته، وقسمة الأسماء النافعة في الإعراب، هي معرفة أن الأسماء منها، أسماء ظاهرة ومضمرة وموصولة، والأسماء المظهرة هي الأسماء الأولى الحقيقية التي ينطبق عليها حد الاسم المتقدم، أما الأسماء الباقية فإنما أسماها النحاة أسماء لأنها تحل محل الأسماء، وهي أشد مطابقة لحد الحرف منها لحد الاسم، ولذلك كان القدماء يعدونها من الحروف، لأن طبيعتها متوسطة بين الطبيعتين([92]). والأسماء الأول تنقسم إلى قسمين: اسم يدل على شخص مشار إليه قائم بنفسه، مثل زيد أو عمرو، أو صفة موجودة في الشخص مثل البياض أو السواد المشار إليه، في زيد أو عمرو. والثاني ما كان من الأسماء يدل على معنى موجود في كثير، مثل قولنا إنسان وحيوان وبياض وسواد، وهي قسمة يماثل فيها صاحبنا بين قسمة الألفاظ في النحو، وقسمتها في المنطق، فالقسم الأول يطابقه في المنطق الجوهر والعرض، والثاني يقابله النوع والجنس. وألمح ابن رشد إلى ذلك بقوله: “وكل علمين أحدهما أخص من الآخر، والآخر أعم منه، فإن الأعم يسمى جنسا، والأخص يسمى نوعا، عند بعض أهل النظر، ومعرفة ذلك نافع في هذه الصناعة”([93]). أما القسمة الثانية للأسماء في كتاب الضروري في النحو، فهي أن الأسماء منها أسماء صفات وأحوال إضافية، ومنها أسماء أفعال أو مصادر الأفعال، ويأتي فيها ابن رشد برأي النحاة الكوفيين والبصريين في أصل المصدر والفعل، أيهما أصل للآخر، ويميل لترجيح رأي نحاة البصرة في أن الفعل أصل للمصدر، أما أسماء المعرفة والنكرة فيحاول أن يبحث لها عن أساس منطقي، فأسماء المعرفة هي الأسماء العرفية، ومعرفتها ضرورية لهذه الصناعة، لأنها توضع لتعرف بالشيء المعين المحدد، سواء كان أسماء أشخاص أو أسماء أجناس أو أنواع، وذلك بدخول الألف واللام عليها، لتدل على الاسم بطريق العرف والاستعمال. أما أسماء النكرة فهي عكس المعرفة لأنها تدل على شيء غير معين، إما شخص أو جنس أو نوع، فهي إن كانت مركبة من دلالة مساوية لدلالة الاسم فهي جنس، وإن كانت مركبة من صفات زائدة على الاسم الذي هي له اسم فتسمى نوعا. ويختم ابن رشد كلامه عن الأسماء بالكلام عن الأسماء المضمرة والمبهمة والموصولة([94]).

أما الفعل فهو ثلاثة أنواع: الماضي والحاضر والمستقبل. فالماضي: ليس في أوله تاء ولا ياء ولا ألف ولا نون، وهي الحروف التي تعرف بحروف الزوائد، وهو فعل غير معرب مبني على الفتح، أما فعل المستقبل فأوله أحد الحروف الأربعة، والحاضر والمستقبل في لسان العرب لهما شكل واحد، فإن أرادوا تخليصه للاستقبال، أدخلوا عليه السين أو سوف، وإن أرادوه للحاضر قالوا يفعل الآن، وهو اسم مبني على الضم، وابن رشد يرى أن الحاضر الآن، هو فصل بين الحاضر والمستقبل، لأنه لا يوجد حاضر إلا بالوضع الآن، فمفهوم الزمن الطبيعي، أنه ينقسم، والآن ليس بزمان لأنه غير منقسم، الأمر الذي جعل النحاة يعتقدون أن الحاضر زمان، هو اعتقادهم أن الحاضر زمان يحيط به زمانان، زمان مستقبل وزمان ماض، قريبان من الحاضر، فلذلك سموا الحاضر باسم زمان، لتنزله في الحس منزلة الآن في العقل. أما فعل الأمر ويسميه بفعل النهي، فيأتي ابن رشد فيه برأي شاذ غير مشهور، وذلك عندما يقول، إن فعل الأمر والنهي ليس بالفعل مطلقا، لأنه إما استدعاء فعل أو استدعاء ترك فعل، وفي الحالتين ليس فعلا إلا بالمجاز، وإن كان النحويون اعتبروه فعل مستقبل مبني على السكون، لما اشتقوا لفظته من لفظة الفعل. أما أنواع الحروف فيلحق الكلام عنها، بالكلام عن الإعراب، لأنه لا يوجد حرف إلا وهو عامل.([95])

والقسم الثاني من الكتاب، يخصصه بن رشد للكلام عن الألفاظ المركبة من الثلاثة، الاسم والفعل والحرف، فيعرف القول وأنواعه، ويقسمه إلى قول تام كاف بنفسه، وهو الذي يسميه النحاة كلاما، وإلى قول غير تام بمنزلة الاسم المفرد، ويسميه تركيب تقييد، والجمل التامة عنده نوعان: منها ما تركيبه تركيب يحتمل الصدق والكذب، تسمى جملة خبرية، ومنها ما تركيبه تركيب لا يتصف بالصدق ولا بالكذب، وهو كالنداء وطلب الترك. أما الجمل الكلامية، فمنها جمل أول وجمل ثوان، والجمل الأول هي التي لا تحتوي إلا على قول واحد من الأقاويل التامة الأول. والجمل الثواني هي التي تحتوي على قولين تامين، والجمل المركبة منها جمل بسيطة وجمل مركبة، فالبسيطة هي التي لا يوجد فيها إلا نوع الأول المفيد، مثل الخبر والأمر والنهي فقط، أما المركبة فهي التي يوجد فيها إلا نوع التركيب المفيد بذاته الذي نسميه تركيب تقييد، وهو الذي يوجد فيه جميع أنواع الإعراب من رفع ونصب وخفض([96]).

وعالج ابن رشد في الجزء الثاني من ضروري في صناعة النحو” الأشكال الثلاثية” وهي : “شكل التثنية والجمع، وشكل التذكير والتأنيث، وأشكال الإخبار عن المتكلمين الثلاثة” غير أنه لم يلزم بهذه الأشكال في ترتيب الدراسة، وإنما راعى العناصر التي تقع عليها، لذلك يوهم ظاهرة هذا الجزء بمفارقة بين العنوان وأجزاء المحور.

وتناول في الجزء الثالث الإعراب، وهو بؤرة موضوعه، ومهد له ابن رشد بالتعريف بمفاهيمه الأساس، وهي: الإعراب والمعرب وموجبات الإعراب، وضمنه بقية أجزاء الكتاب ووزعه على أربعة أبواب، وهكذا حصر ابن رشد -بتحديد لقوانين إعراب هذه الأجناس- أصناف الإعراب والمعربات في الجملة البسيطة من الكلام الخبري، في حين درس الجزء الرابع من كتاب القسم الثاني من الجمل؛ الجمل وهي الجمل الثواني (التي) تتركب من جملتين من الأول وقسمه إلى أربعة أبواب وختم ابن رشد الأسماء المعربة من الكلام التام بالاستفهام وجزم بعدم وجود جنس خامس” وأضاف في نهاية الجزء عنصرين لا يندرجان ضمنه هما: الأسماء غير المتصرفة، في إيجاز، وإعراب الأفعال وبناؤها الذي فصل فيه القول عن قوانين النصب والجزم.

والذي يمكن تسجيله من قراءة كتاب الضروري في صناعة النحو،  أنه أضاف الجانب الصناعي العملي والبيداغوجي التربوي، وهو البناء العام، بنقده لهيكل النحو العربي واقتراح لقالب جديد مؤسس على التناسق الترتيب وحسن التصنيف.

وعطفا على ما سبق، يتوقف فهم أي نص شرعي أو قانوني على معرفة أساليب البيان في اللغة العربية، وطرق الدلالة فيها على المعاني، وما تدل عليه ألفاظها مفردة ومركبة. وعمل الأصولي هو البحث عن الطرق والأساليب من خلال هذه الأشياء، ولاحظ الأصوليون أن اللفظ قد يستعمل في معناه الأصلي الذي وضعه له علماء اللغة، وقد يستعمل في غير معناه الموضوع له، وقد تتفاوت درجة وضوحه، فليست الألفاظ في درجة واحدة من الوضوح والخفاء، وقد يعرف الحكم من صريح عبارة النص أو بواسطة إشارة النص التي تومئ إلى المعنى، أو من طريق دلالة الاقتضاء بتقدير لفظ لا بد من تقديره، وقد يكون المسكون عنه أو ما يسمى مفهوم الموافقة أولى بالحكم المصرح به في النص. ثم إن اللفظ من جهة أخرى قد يكون خاصاً مقصوراً على أمر ما، أو أمور معينة، وقد يكون عاماً له امتداد وشمول ينسحب على جيع الأفراد التي تنطوي تحته([97]).

ومن هذا المنطلق، تقدم القاعدة اللغوية على القاعدة الأصولية، وتتجلى تراتبية القاعدة القانونية من مدى توافق كل قاعدة قانونية مع مجموع القواعد الجاري بها العمل التي لها درجة أعلى منها. وتلعب الصياغة القانونية دورا هاما في فعالية القاعدة القانونية، وقابليتها للتطبيق، لأنه في وجود عيوب وضعف في الصياغة اللغوية والنحوية للنص، لن يجد القانون الطريق للتطبيق، وسيبقى نصوصا جامدة حبيسة لصفحاتها، ونتيجة لذلك، تأثيرها على مبدأ تراتبية (تدرج) القوانين.

ثانيا: تراتبية القاعدة الأصولية:

بخصوص تراتبية القاعدة الأصولية يمكن ربطها بتراتبية الأدلة عند الأصوليين والتمييز بين قواعد الأدلة الأصلية وقواعد الأدلة التبعية.

والأدلة الشرعية هي : مصادر التشريع الإسلامي، وهي تشمل القرآن الكريم والسنة والإجماع والقياس، وتشمل كذلك المصلحة المرسلة والاستحسان وسد الذرائع والعرف والاستصحاب ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستقراء وغيره.

وعلماء الأصوليون قسموها إلى نوعين :

النوع الأول : أدلة متفق عليها بين جمهور الأصوليون، أو المصادر الأصلية أو الأصيلة، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

والنوع الثاني : أدلة مختلف فيها أو المصادر التابعة أو التبعية، وأشهرها سبعة : الاستحسان، و المصلحة المرسلة، والاستصحاب، والعرف، مذهب الصحابي، وشرع من قبلنا، وسد الذرائع.

والأدلة المتفق عليها واجبة الاتباع، ولكنها مرتبة في درجة الاستدلال بها : الكتاب ثم، الإجماع، ثم القياس . ودليل وجوب اتباعها قوله تعالى :” ٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اُ۬للَّهَ وَأَطِيعُواْ اُ۬لرَّسُولَ وَأُوْلِے اِ۬لَامْرِ مِنكُمْۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِے شَےْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَي اَ۬للَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِۖ ذَٰلِكَ خَيْرٞ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاًۖ “([98])

وقد استقرأ علماء الأصول سائر النُّصوص والأدلة الكليَّة والجزئية، فرتَّبوا عليها كثيرًا من القواعد الأصولية والفقهية الصحيحة، التي استقرَّ العلماء على قَبولها واعتبارها والعمل بها.

ووفق الترتيب أعلاه([99]) فإنه يصبح قاعدة من القواعد الأصولية التي يقدر المجتهد أو القاضي بها على استنباط الأحكام الشرعية أو الوضعية، ويصبح قول الأصولي بأن الكتاب مقدم على السنة مثلاً قاعدة أصولية، وأن الإجماع مقدم على النصوص مثلاً قاعدة أصولية. وهو الأمر الذي يستشف من مضمون القاعدة الأصولية المتعلقة بالقرآن: “القرآن هو أصل الشريعة ومرجعها الأول وأساسها الذي تعود إليه كل الأدلة الأخرى؛ والسنة ثم كلام السلف طريق لبيانه؛ ويمكن لصاحب العقل الناضج أن يفهم الآيات بمقتضى الذوق العربي“([100]).

وآلية ترتيب قواعد الأدلة عند الأصوليين لحمل معنى ومقتضاها حسب الباحث – مصطفى محمد جبري شمس الدين([101])- هناك ثلاث نظرات تجاه الأدلة لتجعل منها أداة ترتيب قواعد الأدلة الأصلية وقواعد الأدلة التبعية:

أولا: اعتبار ترتيب قواعد الأدلة الشرعية آلة النظر الترجيحي:

الأدلة الشرعية قد تكون أحياناً متعارضة بعضها مع البعض الآخر في نظر الناظر إليها، حيث يستعصي عليه العمل بمقتضاها جميعا، وهذا الاستعصاء إما لعجزه عن الجمع بينها وإما ليأسه من التوفيق بينها. بمعنى آخر إعمال التنظير الأصولي للترتيب في تنـزيل العمل الترجيحي أو اتخاذ هذا التنظير آلة للتنـزيل. وفيه وجهان: فالوجه الأول: درء التعارض بين الأدلة المتفاوتة قوة ورتبة بمسلك الترجيح، اعتماداً على التنظير من إخضاع الأدلة تحت مقتضى التنظيم. وفيه صورتان؛ تقديم الأعلى قوةً والأول رتبةً من هذه الأدلة، وتأخير الأدنى قوةً والأقل رتبةً من هذه الأدلة. أما الوجه الثاني: درء التعارض بين الأدلة المتفاوتة قوةً ورتبةً بترتيب الأحكام الثابتة منها، وهي الدلالات التي تفيدها الأدلة كتقديم الحظر على الإباحة.

ثانيا : اعتبار ترتيب قواعد الأدلة آلة النظر الاجتهادي:

تكمن في عمليات البحث عن الحكم الشرعي([102]) في الأدلة المتفاوتة رتبةً وقوةً، وهي تتمثل في الأمور التالية :

  • تقديم النظر في الدليل الأولى رتبةً والأعلى قوةً على ما سواه من الأدلة لقصد الاستدلال على مسألة واقعة، ويشمل هذا النظر جميع الجوانب الدلالية للدليل من منطوقه ومفهومه.
  • تقديم النظر في الدليل الذي يليه رتبةً وقوةً على غيره من الأدلة لقصد الاستدلال على مسألة واقعة، ويشمل هذا النظر جميع الجوانب الدلالية للدليل من منطوقه ومفهومه، وإن عجز، ففي الأدلة الأخرى حسب ترتيبها بحيث لا يقدم المتأخر رتبةً على المتقدم، ولا الأضعف على الأقوى.
  • أما إذا وُجد الحكم في أول نظره في الدليل، فعلى المجتهد كذلك النظر في الأدلة الأخرى المتساوية رتبةً وقوةً والمتغايرة حسب الترتيب، وذلك لتحقيق عدة أغراض، وهي أولا: التأكد من خلو المعارضة، ثانيا: التماس البيان والتفسير، ثالثا: تعضيد دلالة الدليل على الحكم.

ثالثا: اعتبار ترتيب قواعد الأدلة آلة النظر المقاصدي (=مقاصد الشريعة):

إن المجتهد في جميع أعماله وتصرفاته الباحثة عن الحكم الشرعي يراعي المقاصد، ولا يمكن له الفصل بين اجتهاده والمقاصد، إلا أن ثمة حالات يكون احتياجه فيها إلى المقاصد أمس من غيرها، وتتطلب منه اللجوء إلى الاستناد إلى ترتيب الأدلة. ومن هذه الحالات:

  • الحالة الأولى: ترتيب المصالح بترتيب أدلتها؛ ومثاله المصلحة الثابتة بالدليل القطعي مقدمة في جلبها المصلحة الثابتة بالدليل الظني.
  • الحالة الثانية : ترتيب المفاسد بترتيب أدلتها؛ ومثاله المفسدة الثابتة بالدليل القطعي مقدمة في درئها على المفسدة الثابتة بالدليل الظني.
  • الحالة الأخيرة : ترتيب الوسائل إليهما (المصلحة أو المفسدة)؛ ومثاله الوسائل الثابتة بالدليل القطعي في جلب المصلحة أو درء المفسدة مقدمة على الوسائل الثابتة بالدليل الظني.

ثالثا : تراتبية القاعدة القانونية:

وفقا للمبدأ الدستوري([103]) المتعلق بتراتبية القواعد القانونية. يجب ان تتوافق كل قاعدة قانونية مع مجموع القواعد الجاري بها العمل التي لها درجة أعلى منها، أو يجب على الأقل ألا تتنافى مع هذه القواعد. ومن النادر ان يكون نص قانوني كافيا لوحده كي تطبق القواعد التي يتضمنها تطبيقا تاما. واحترام مبدأ تراتبية القواعد القانونية رهين بمدى جودة صياغتها اللغوية. وتلعب الصياغة القانونية دورا هاما في فعالية القاعدة القانونية، وقابليتها للتطبيق، لأنه في وجود عيوب وضعف في الصياغة اللغوية والنحوية للنص، لن يجد القانون الطريق للتطبيق، وسيبقى نصوصا جامدة حبيسة لصفحاتها.

وعلاقة بباقي مكونات المثلث القاعدي، فقد شهدت التجربة المغربية العديد من الأخطاء اللغوية في صياغة بعض القواعد القانونية، مست في جوهرها مبدأ تراتبية القوانين، وفي هذا الصدد النظام الداخلي لمجلس المستشارين الذي تم الحكم بعدم مطابقته لأحكام الوثيقة الدستورية في بعض مواده([104]) من طرف المحكمة الدستورية.

ونتيجة لذلك، أن ضعف الصياغة اللغوية للقاعدة القانونية يجعل المقنن المغربي أو الصائغ يقع في خطأ يؤدي به إلى السقوط في الاخلال بمبدأ تراتبية القوانين.

من زاوية أخرى، يعد الفقه المالكي المذهب المعمول به في المغرب، وهو من الاختيارات التي أجمع عليها المغاربة منذ القدم، حتى أضحى جزءا من المقومات الحضارية والفكرية والثقافية، ومنبعا للقيم والأخلاق الراسخة في نفوس أهل المملكة المغربية. لذلك فإن أغلب المدونات القانونية مؤسسة بدءا على أحكام الفقه المالكي ومعززة ببقية المصادر المعروفة عالميا على مستوى صناعة التشريعات وصياغة المدونات([105]).

وعلى مستوى التطبيقي فيما يتعلق بترتيب القواعد التي تحكم القضايا العقارية، فإنه وعملا بقاعدة الإحالة الواردة في المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية، فإن مقتضيات هذه المدونة تطبق ابتداء، ثم يرجع إلى قانون الإلتزامات والعقود (المغربي) لتلمس الحال القانوني، ثم إلى مقتضيات الفقه المالكي فيما لم يرد به نص قانوني، أو فيما اعتراه غموض من النصوص في ترتيب واجب المراعاة([106]).

وأما في القضايا الأسرية، تبقى المادة 400 من مدونة الأسرة([107]) السند القانوني للقضاء في اعتماده على أحكام وأراء فقهاء المالكية في كافة النوازل الماثلة أمامه. وبذلك أحي حسم مدونة الحقوق العينية في مادتها الأولى رتبة قواعد المذهب المالكي جدلا قديما درجة الاعتماد على هذا الفقه، ويظهر من خلال هذه المادة تقديم ظهير الالتزامات والعقود عليه ليس إلا تقديما فقه راجح ويرجع ذلك إلى سببين: أحدهما تأسيسه على المذهب المالكي كلية، فهو في حكم الراجح باعتبار عرضه على لجنة توجيه النظر الشرعي، والثاني استثمار تنظيم هذه الظهير لكثير من الأحكام المطبقة على المنقولات كالشفعة وأحكام الحيازة والهبة وعموم ما تنتقل به الملكية. وكما نشير أيضا إلى مقابلة مهمة([108]) جدا، وهي رتبة الإحالة إلى قواعد المذهب المالكي في مدونة الأسرة، حيث أن هذا الأخير أخرت قاعدة الإحالة إلى المادة 400 الأخيرة منه بينما جعلت أول المواد في مدونة الحقوق العينية التقديم الاهتمام كما هي قاعدة عند البلاغيين، ثم إن مقنن مدونة الحقوق العينية أحال على بعض قواعد المذهب المالكي وليس على كله بخلاف مدونة الأسرة؛ إذ إن مدونة الأسرة سمحت بتخطي المذهب المالكي كلما دعت الضرورة والتطورات إلى ذلك بخلاف مدونة الحقوق العينية التي تمسكت بمفهوم النظام العام بالسيادة الشديدة الصلة بقضايا العقار، فلم تُحل إلا على الراجع والمشهور وما جرى به العمل، وهذا تمسك بهذا المذهب وليس إهدارا له([109]).

والحق يقال أن خروج بتوصية حاسمة نهائية في دراسة أصول وتراتبية المثلث القاعدي بيد أن نظرية التقعيد الفقهي والأصولي واللغوية رغم أهميتها العلمية فإنها لم تنل حظها وربطها بالواقع على مستوى الرسائل والأطاريح، وفق شواهدها تطبيقية من البحث والتمحيص والتجلية. ولعل مرجع ذلك إلى صعوبة المستشعرة عند تناول قواعد الفقه الاسلامي إلى عدم تقنينه وكونه مبثوثا في تآليف ومظان لا ينفك رموزها إلا المجتهد ذو العدة اللغوية والأصولية والفقهية اللازمة، وأن عدم تقنينه قد افضى إلى تخبط الاجتهاد القضائي لعدم انقياده لضوابط وقواعد موسومة عند الفقهاء الأقدمين. وفضلا عن ذلك، أن كثير من القواعد القانونية هي في حقيقتها قواعد فقهية أصولية ألبست لبوسا قانونيا بعد ظهور حركة التقنين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: المثلث القاعدي: دراسة في العلاقات الوظيفية:

من منطلق أصول وتراتبية المثلث القاعدي-التي فصلنا مقتضياتها سابقا- يتضح أن علم اصول الفقه وأصول القانون أحوج إلى اللغة وقواعدها من اللغة إليه، فإن علاقة الإمداد بين مكونات المثلث القاعدي أضحت أمرا ملحوظا، يقف عليه كل من له أدنى صلة بكتب اللغة وأصول الفقه والقانون ومصادره، حيث استفادت القاعدة الفقهية في صياغة مناهجه ووضع قواعده بناء على اللغة والأصول وقواعدها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن للقواعد القانونية فضل كبير كذلك على نظيرتها الفقهية([110]) من حينما صيغت هذه الأخيرة صياغة قانونية، بعبارات وجيزة وألفاظ محكمة، بينت أن القواعد الفقهية وصلت مرحلة النضوج والاكتمال، وخير دليل على ذلك صدور مجلة الأحكام العدلية، ومعلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية.

ويجب الأخذ في الحسبان أن وظيفية القاعدة القانونية تقوم بتنظيم كل نواحي الحياة المتعلقة بسلوك الأفراد داخل المجتمع، لما كان ذلك كذلك، ستتم محاولة في هذا المطلب الأخير -من الدراسة-تبيان وظيفة المثلث القاعدي من خلال الحديث عن وظيفة القاعدة اللغوية في صياغة القاعدة القانونية (الفقرة الأولى)، وعن وظيفة القواعد الأصولية في تفسير النصوص القانونية (الفقرة الثانية)، وذلك على ما يأتي بيانه:

الفقرة الأولى: وظيفة القاعدة اللغوية في صياغة القاعدة القانونية:

لكي يصل خطاب القاعدة القانونية إلى الأفراد ينبغي على الصائغ أن يكون محكوما باللغة وضوابطها، وبدون ذلك تعجز عن تحقيق وظيفتها الأساسية في تنظيم سلوك أفراد المجتمع، ولتكون القاعدة القانونية مفهومة يتعين خضوعها لقواعد وضوابط محددة وواضحة تتعلق بلغة التشريع التي تتميز بخصائص تنفرد بها عن سائر لغات العلوم الأخرى([111]).

وتعود هذه الضوابط مهما تنوعت و تعددت إلى وجوب موافقة الصياغة للغة الرسمية لبلد ما، ما دامتا اللغتين اللغة العربية و الأمازيغية لغتان نصا عليهما الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011([112])، فيجب أن توافق الصياغة أحكام هاتين اللغتين، من جهة: اللفظ و التركيب والمعنى.

ويمكن تصنيف هذه الضوابط إلى ثلاث مجموعات([113])، أولهما ضوابط المعنوية، وهي: موافقة العبارة للمعنى؛ والتي تنقسم إلى قسمين، وما يهمنا في القسم الأول هو موافقة الجملة للمعنى؛ ومن البديهي في الدساتير العالم أنها تبين دين الدولة، فلذا يقال: ما دين الدولة في ألمانيا؟ ما دين الدولة في المغرب؟ وهكذا، فيأتي الجوابٌ لبيان السؤال. ولا يقال: ما الإسلام في المغرب؟ ليقال: الإسلام هو دين الدولة. وعليه ينبغي أن يكون (الدين) هو المبتدأ، (والإسلام) هو الخبر([114]). وكذا يقال في: (لغة الدولة العربية…).

ومما تجدر الإشارة إليه، فات هذا الإحسان صائغ للوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، قال فيه: “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية([115])

أما القسم الثاني الدقة والوضوح؛ وهذا من أهم الضوابط اللغوية، فالدقة والوضوح في التعبير يُضفيان على الصياغة المعنى المرادً المقصود. فعدم الدقة يقود إلى جعل النص مشوشا محتمِلا لغير المعنى المراد. وعدم الوضوح يقودٌ إلى الغموض والتردد في فهم النص.

وللدقة والوضوح أوجه لا حصر لها، ومنها: ألا يكون الأسلوب من الأساليب المحتملة اكثر من معنى؛ “كأن تصاغ قاعدة قانونية على النحو التالي: «على أن يقدم التظلم خلال شهر من تاريخ العلم اليقيني بالقرار» فكلمة شهر تثير التساؤل حول المقصود بها أهي شهر ميلادي أم شهر هجري وهل يقصد به 30 يوم أم 31 يوم. أو لورود القواعد القانونية في عبارات مختصرة حيث أن الاختصار المخل بالمعنى يصيب القاعدة بالغموض كأن يأتي القاعدة على نحو الآتي: ” يحظر التدخين في الأماكن العامة” دون أن يعرف ماهية هذه الأماكن العامة ومواصفاتها([116])”.

والثاني ضوابط اللفظية؛ وهي ثلاث ضوابط:

أولا : تجنب الأخطاء الدلالية والنحوية والصرفية:

” كلما جاءت القاعدة القانونية خالية من هذه الأخطاء كلما كانت الصياغة متينة وقوية، وبالتالي أقل عرضة للتأويلات والاجتهادات المختلفة وحتى المتباينة أحيانا. أما متى كانت صياغة القواعد القانونية ضعيفة أو غير دقيقة أو محتملة الدلالة فإنها تفتح باب التأويل على مصراعيه، وبالتالي يكون لكل جهة معينة بالنص تفسيرها وتنفيذها الخاص للنص مما يؤثر سلبا على جميع الجهات الأخرى المرتبطة بالنص قريب أو بعيد، كما يؤثر ذلك أيضا على التفسيرات التي يعطيها القضاء لذلك النص([117])”.

وسنورد بعض الأخطاء التي -لا حصر لها-تبرز أهمية وظائف القواعد اللغوية في صياغة القواعد القانونية:

  • يكتب بعضهم كلمات مثل: بناءا عليه، وفاءا، قضاءا ، بإضافة حرف ألف بعد الهمزة و هذا خطأ و الصحيح أن تحذف الألف في نهاية الكلمة فتكتب هكذا بناءً ، قضاءً ، وفاءً ؛ فالقاعدة أنه إذا وقعت الهمزة متطرفة قبلها ألف لا يكتب بعدها ألف.
  • جمع المذكر السالم هو الجمع الذى ينتهى بحرفي الواو و النون وهو يرفع بالواو و ينصب و يجر بالياء فمثلا نقول:
  • في حالة الرفع: رفع المدعون/المستأنفون/الطاعنون دعوى/استئناف/طعنا
  • و في حالة النصب: استجوبت المحكمة المدعين /المستأنفين/الطاعنين
  • و في حالة الجر: استخلصت المحكمة من أقوال المدعين /المستأنفين/الطاعنين دليلا ضدهم- عدم رد الحكم على دفاع المدعين /المستأنفين/الطاعنين يعيبه.

فإن كان صائغ القانون لا يستطيع تجنب الأخطاء الدلالية والنحوية والصرفية في صياغة القواعد القانونية، فيمكنه بكل سهولة الاستعانة بمختص يطهر له عمله من هذه الأخطاء.

ثانيا : تجنب استعمال الحشو والاطناب:

لغة القانون مباشرة، وتقوم على الجبر والإلتزام بقوة القانون، فلذا ينبغي أن تخلو من الحشو والالفاظ الزائدة والاطناب.

يقصد بالحشو” زيادة اللفظ على المعنى بدون فائدة، بحيث يتعين على صائغ القواعد القانونية تجنب الألفاظ الزائدة والإستطرادات التي لا تفيد المعنى وكذا تجنب تكرار نفس الأحكام في أكثر من مادة أو في أكثر من مناسبة في نفس القاعدة.  كما يعتبر الاطناب استعمال عدد كبير من المفاهيم والالفاظ للتعبير عن معنى واحد، كأن يستخدم الصائغ عبارة: بموجب أحكام القانون في حين أنه يمكن الاكتفاء بعبارة: بموجب القانون([118])”.

ثالثا : سلامة وصحة الأسلوب:

لا يعني صفُ الكلمات خلف بعضها أنها تكون تركيبا عربيا أو أسلوبا سليما، فإن التركيب في القواعد اللغوية له أحكامه كما أن الألفاظ والمعاني أحكاما، فجيب على صائغ القواعد القانونية أن يراعي أحكام التركيب وسلامة الأسلوب([119]).

والحديث عن سلامة الأسلوب، فإن ذلك يفرض على صائغ القواعد القانونية أن يكون متمتعا على الأقل بثلاثة علوم، وهي علم الدلالة الذي يتصل بمعاني الكلمات والتركيب، وعلم النحو، وعلم التصريف أو الصرف من أجل تجنب ارتكاب الأخطاء الدلالية والنحوية والصرفية؛ ينضاف إلى هذا وجوب الضبط التام من قبل الصائغ لاستعمال علامات الترقيم بمختلف أنواعها([120]).

وأخيرا ضابط سلامة استعمال علامات الترقيم؛ علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة؛ وهي وسيلة مكملة لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة، ومن ثم، تبرز طريقة بنائها، ‎ويتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة ‏أسرع، وذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيب الجملة، وذلك على مستوى نص المادة أو الفصل.

يجب على صائغ القواعد القانونية أن يحسن هذه العلامات استعمالها صحيحا يساهم في إيضاح المعنى، فيربط بين المترابطات، ويفصل بين المنفصلات، ويوضح أجزاء الكلام وآثاره([121]).

الفقرة الثانية: وظيفة القواعد الأصولية في تفسير النصوص القانونية:

ومفاد ما تقدم إلى حدود هذه النقطة، ” أن ما نشرته القواعد الأصولية من ظلال على لغة القانون يتبدى أكثر ما يتبدى في مجال التفسير؛ وأن القانونيين إنما يقتفون في استخلاص دلالات النصوص القانونية أثر الأصوليين في استخلاصهم لهذه الدلالات من النصوص الشرعية، وأن مباحثهم فيها تكاد تتفق مع ما‏ أورده علماء الأصول، ومن ثم كان لزاما أن نراعي في ضوء ما يسمح به المقام، القواعد الأصولية المستعملة في تفسير النص القانوني، إذ التفسير أرحب مجال تتجلى فيه معالم هذا التأثير([122])”.

من المقرر أن من يقوم على تطبيق القانون ينظر في النص، فإن وجده صريحا في عبارته، قاطعاً في دلالته، لا يحتمل إلا حكماً واحدا، أُعمل هذا الحكم، وأما إن غم عليه، لغموض في العبارة، أو خفاء في الدلالة بأن كان النص غير محكم الصياغة، أضحى من الواجب تفسير النص، وكان على المفسر أن يجتهد رأيه ولا يألو، متسلحا في ذلك بقواعد ومبادئ التفسير، سواء الأصول الفقهية المستقاة من أصول الفقه، أو تلك التي استقرت عليها أحكام القضاء([123])”، والتي سنفصل مقتضياتها على نحو ما يأتي بيانه:

أولا: حالة وجود نص قانوني واضح وسليم([124]):

ويقصد بالوضوح والسلامة هنا تطابق التفسيرين اللفظي والمنطقي في المعنى. والقاعدة في هذه الحالة أنه: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص). ومؤدى هذه القاعدة أنه إذا ورد نص قانوني سليم-أي لا عيب فيه كخطأ مادي أو غموض أو نقص أو نحو ذلك مما سيتبين بعد قليل- وجب استنباط معناه وإعمال حكمه عن طريق تفهم عباراته وألفاظه وتراكيبه. ويسمى استخراج الحكم من النص عن طريق ألفاظه وبنيته التركيبية بدلالة المنطوق. فإذا دل النص على حكم شيء لم يذكر فيه، فإن دلالته حينئذ هي دلالة المفهوم([125]).

أ‌- دلالة منطوق([126]) النص القانوني ومنظومه؛ وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي المعنى أو الحكم المنطوق به المصرح بذكره. ويكون ذلك عن طريق العبارة أو الإشارة، أو الاقتضاء التي سنفصل مقتضياتها فيما يأتي بيانه:

  1. دلالة عبارة النص القانوني؛ وهي دلالة اللفظ على ما كان الكلام مسوقا لأجله أصالة أو تبعا وأدرك القارئ أو السامع المعنى من غير تأمل.

ويتوصل المفسر إلى الحكم الذي أراده المشرع بحمل عبارة النص الواضحة على المعنى الذي أراده لها المشرع، ويتقيد في ذلك بقاعدتين أصوليتين لغويتين هما([127]):

  • العبرة بالمقاصد والمباني وليست بالألفاظ والمباني: كأن تكون مقدمة العقد دليلا على نشوء عقد هبة مثلا في الوقت الذي تؤكد فيه خاتمة هذا العقد على أن الاتفاق مبني على أساس البيع. وبما أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني وليس الألفاظ والمباني، لذلك يتعين البحث عن الغرض المقصود أثناء التعاقد، وقد أشار المقنن (المغربي) إلى هذه القاعدة في الفقرة الأخيرة من الفصل 462 قانون الالتزامات والعقود([128]) التي جاء فيها: “وعندما يكون للتأويل مُوجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ولا عند تركيبٌ الجمل“.
  • تغليب المعنى الفني أو الاصطلاحي على المعنى اللغوي ما لم بثبت العكس: فإذا كان لبعض ألفاظ النص القانوني معنى لغوي وآخر اصطلاحي، فالأصل ‏ أن يحمل اللفظ على معناه الاصطلاحي؛ أي المعنى الذي يستعمل في لغة القانون([129]).

ومن أوضح الأمثلة على ذلك بحيث أن الباحث في المدلول القانوني لكلمة الزنا([130]) ، لابد له من الرجوع الى الفصول الواردة في هذا الشأن وهي على الخصوص الفصول 490و491و492و493 من القانون الجنائي([131]).

وعليه، ومن خلال استقراء هذه الفصول يلاحظ أن المقنن المغربي جعل من الزنا نوعين مختلفين تمام الاختلاف وهما: زنا الأعزب، أي غير المتزوج، ويسميها الفساد، وزنا المتزوج ويسمى الخيانة الزوجية. وهكذا نكون أمام جريمتين.

  1. دلالة إشارة النص القانوني؛ وهي دلالة اللفظ على حكم غير مقصود ولا سيق له الكلام ولكنه لازم له([132]). ومثال ذلك في نصوص القانون ما جاء في الفصل 634 من قانون الالتزامات والعقود([133]) : “إذا لم يحدد المتعاقدان الأجرة، افترض فيهما أنهما قد قبلا أجرة المثل في مكان العقد، وإذا كانت ثمـة تعريفة رسمية، افترض في المتعاقدين أنهما قد ارتضيا التعاقد على أساسها.” فقد دل هذا النص بعبارته على ما ينبغي أن يفترض من الأجرة في عقد الكراء الذي لم يحدد فيه المتعاقدان أجرة محددة، ودل بإشارته على أن هذا العقد ثابت صحيح لا يبطل إذا لم تحدد سومته الكرائية.

وفي مثال آخر: نص الفقرة الرابعة من المادة 81 من مدونة الأسرة المغربية([134]) على أنه ” إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول، استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة، وإذا ثبت تحايل الزوج، طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة.” وهي الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ثلاثمائة درهم. فاشتراط طلب الزوجة ها هنا يستفاد منه بطريق الإشارة أن جريمة التحايل هذه بخصوصها ليست جريمة ضد المجتمع، وإنما هي جريمة في حق الزوجة إن شاءت أثارت المتابعة، وإن لم تشأ لم تثرها، وهذا تترتب عليه أمور قانونية كثيرة، ووجه ذلك هو تشوف المقنن إلى إبقاء فرص الحفاظ على الصلة الزوجية، وعدم الزج بها في متاهات الصراع والضياع.

  1. دلالة اقتضاء النص القانوني؛ هو أن يتوقف صدق الكلام أو صحته العقلية أو الشرعية على معنى خارج عن اللفظ؛ لأن استقامة الكلام تقتضي هذا المعنى وتستدعيه.

أما في القانون فقليلة، ومنها ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 33 من مدونة الأسرة([135]): “لا يخضع الصداق لأي تقادم”، فلا بد في هذا النص من تقدير مقتضى يقتضيه الكلام، فهل هو الأداء؟ أم هي المطالبة به، ورفع الدعوى بشأنه؟ أم هو مقتضى آخر؟.

ب- دلالة مفهوم النص القانوني وفحواه؛ وهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي هو دلالة اللفظ على حكم لم يذكر بألفاظ الخطاب بل بما يستفاد من ذلك الخطاب، وما يستفاد قد يكون موافقا في الحكم نفيا أو إثباتا وهو مفهوم الموافقة، وقد يكون مخالفا وهو مفهوم المخالفة.

  1. مفهوم الموافقة؛ وهي دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي تُدرك بمجرد معرفة اللغة دون الحاجة إلى القياس أو الاجتهاد. فإذا فحص المفسر الواقعة المسكوت عن حكمها، وبحث عللها، ثم وجد أنها تشترك مع الواقعة المنصوصة في العلة، وتتأثر بها وجودا وعدما، فإنه يعطيها نفس حكمها، إذ الأحكام منوطة بعللها ومقاصدها تابعة لها غير منفكة عنها. وهذا هو الذي يسميه المفسرون بالقياس، وهو على نوعين:

النوع الأول: قياس عادي: وأساسه اتحاد العلة بين الواقعة المنصوصة، وغير المنصوصة، وهو يقوم على بحث عقلي يفحص من خلاله المفسر دلائل وملابسات كثيرة ليكشف عن وجوه الاتحاد أو الافتراق بين الواقعتين علة وحكما. ومثاله أن ينص المشرع على أن التأمين البحري يعتبر عملا تجاريا، ولا يذكر ذلك في التأمين البري، فهاهنا يلجأ المفسر إلى بحث الأمر من جهة القياس، ويدقق في العلل والحكم، فإن ظهر له اتحاد في العلة بين التأمينين لزمه إلحاق التأمين البري بالتجاري في الحكم؛ أي في اعتباره هو الآخر عملا تجاريا تسري عليه المقتضيات المنظمة للأعمال التجارية، وإن لم يظهر له ذلك، استكمل البحث بأحد طرق التفسير الأخرى حتى يقع على وجه الصواب في المسألة.

النوع الثاني: قياس من باب أولى: وأساسه أيضا اتحاد العلة بين الواقعتين، غير أنه هاهنا تكون العلة في الواقعة غير منصوصة الحكم أظهر وأقوى منها في الواقعة المنصوصة، ولهذا تلحق بها من باب أولى. ومثال ذلك أن ينص المشرع في الفصل 418 من القانون الجنائي المغربي-السالف الذكر-على تمتيع الزوج الذي قتل زوجته وشريكها المتلبسين بجريمة الزنا بظروف التخفيف، ويسكت عن غير القاتل، فإن فرضنا أنه لم يقتلهما، لكنه ألحق بهما أذى جسميا وخطيرا، فإن تمتيعه بظروف التخفيف يكون من باب أولى؛ لأنه أحفظ للدماء والأعراض.

  1. مفهوم المخالفة([136]هو إعطاء المسكوت عنه خلاف حكم المنطوق. وفي هذا الإطار نص الفصل 602 من القانون الجنائي المغربي-السالف الذكر-: “من قتل أو بتر بغير ضرورة أحد الحيوانات المشار إليها في الفصل السابق أو أي حيوان آخر من الحيوانات المستأنسة الموجودة في أماكن أو مباني أو حدائق أو ملحقات أو أراض يملكها أو يستأجرها أو يزرعها صاحب الحيوان المقتول أو المبتور، يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما.” فمفهومه أن من قتل بضرورة لا تسري عليه العقوبة المذكورة في هذا الفصل([137]).

مما تجدر الإشارة إليه،” فإن الدلالات السابقة، سواء أكانت من دلالة المنطوق أو دلالة المفهوم، تفيد الحكم الثابت بها، ويكون النص حجة على هذا الحكم، ولكن هذه الدلالات متفاوتة في قوة الدلالة: فعبارة النص أقوى من الإشارة، لأن الأولى تدل على المعنى المقصود بسياق النص، والثانية تدل على معنى غير مقصود بالسياق. وكذلك فإن الإشارة أقوى من المفهوم، لأن الأولى تدل على المعنى بنفس اللفظ وصيغته، والثانية تدل على الحكم بمعقول النص ومفهوم([138])”.

ثانيا: حالة الوضوح والغموض في القواعد القانونية: 

نهى المقنن المغربي في مجال تأويل العقود عن البحث عن قصد صاحبها إذا كانت ألفاظ العقد صريحة([139])، ولا يعني ذلك أن العبارة إذا كانت واضحة فلا يجوز تفسيرها، بل إن المفسر قد يجد نفسه في حاجة إلى تفسير العبارات الواضحة، مهما بلغ وضوحها، وسلس معناها، وارتفع عنها اللبس والإبهام، ذلك أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة، فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة، ولكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح، فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى بل هو واضح وفي معنى آخر، ففي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ، ويجب عليه أن يعدل عنه إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان، وهو بذلك يفسر اللفظ الواضح، بل ينحرف عن معناه الظاهر دون أن يحرفه أو يمسخه أو يشوهه([140]). فالعبرة بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني.

الوضوح والغموض قاعدتين خاصتان ببيان الواضح الدلالة في القواعد القانونية، والغموض الدلالة منها، وبيان مراتب وضوح الواضح، ومراتب خفاء غير الواضح (الغموض)، وما يُزال به هذا الخفاء. وأساس التفريق بين الواضح وغير الواضح هو دلالة النص بنفسه على المراد منه من غير توقف على أمر خارجي أو توقفه على أمر خارجي، فما فهم المراد منه بنفس صيغته من غير توقف على أمر خارجي فهو الواضح الدلالة، وما لم يفهم المراد منه إلا بأمر خارجي فهو غير الواضح الدلالة([141]).

  • أ‌- الوضوح:

وقد قسم علماء الأصوليون الألفاظ من حيث وضوحها في الدلالة على الأحكام التي أرادها المشرع إلى أربعة أقسام([142]):

1.1 الظاهر؛ وهو اللفظ المحتمل لمعنيين فأكثر، والظاهر هو المعنى الراجح منهما([143])، ويقابله المؤول وهو المعنى الراجح([144]). ومثال ذلك كلمة “الليل” الواردة في الفصل 125 من القانون الجنائي المغربي([145])؛ فهل يقصد بها الليل الفلكي الذي يبتدئ من مغرب الشمس إلى شروقها؟ أم المقصود هو الحالة التي يعم فيها الظلام؟ فلو أنا قدرنا أن مجرما ارتكب جرمه في حالة كسوف كلي للشمس، أو في أزقة القصور والمداشر العتيقة حيث يعم الظلام، فإلى أي معنى يجب المصير؟ ففي مثل هذه الحال “فالمعنى الظاهر من لفظ (الليل) هو من غروب الشمس إلى شروقها، ولكنه يحتمل التأويل بشدة الظلمة التي يغتنمها السارق لتنفيذ مخططه الإجرامي؛ إذ هي الداعي لتشديد العقوبة([146]) “.

2.1 النص؛ اللفظ النص هو اللفظ الذي يكون أوضح من الظاهر، ويقبل التأويل. ومثال على ذلك في القانون الجنائي-السالف ذكره-، لفظ (الليل) -كما مر معنا سابقا-في جعله جريمة السرقة وفي جريمة، إتلاف المزروعات ظرفاً مشددا، فإذا أخذ بظاهر النص أريد بالليل من غروب الشمس إلى شروقها، ولكن هذا ربما لا يتفق وحكمة الشارع في جعل الليل ظرفا مشددا، لأن الغرض تشديد العقوبة على من يغتنم الظلام فرصة لإرتكاب جريمته، فيراد بالليل إذا خيم الظلام، وربما لا يكون ذلك أثر غروب الشمس مباشرة([147]).

2.3 المفسر؛ في اصطلاح الأصوليين: هو ما دل بنفسه على معناه المفصل تفصيلاً لا يبقى معه احتمال للتأويل، فمن ذلك، أن تكون الصيغة دالة بنفسها دلالة واضحة على معنى مفصل، وفيها ما ينفى احتمال إرادة غير معناها([148]). كما هو الشأن في نصوص القانون الجنائي التي تحدد العقوبات على جرائم معينة، كالعقوبات المقررة لفعل التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية المنصوص عليها في الفصل 218.5 من مجموعة القانون الجنائي -السالف ذكره-وكذا نصوص القانون المدني التي تحصر أنواعا من الديون أو الحقوق أو التي تفصل أحكاما تفصيلا لا احتمال معه للتأويل.

2.4 المحكم؛ وهو اللفظ الدال على معنى مقصود من سوق الكلام أصالة، لا يقبل تأويلا ولا تخصيصا ولا نسخا. وهذا النوع من الألفاظ يستعمل بصفة خاصة في الوثائق الدستورية، التي ترسي دعائم النظام القانوني للدولة وتضع قواعد ومبادئ راسخة للحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد. ولكن هذه الوثائق ليست محكمة إلى الدرجة التي لا تقبل بها التبديل والتغيير، فمن المعلوم أن النصوص القانونية هي من صنع البشر، وهؤلاء يصنعون لأنفسهم ما يوائم عصرهم، وما يوائم عصرهم قد يختلف عما يوائم عصور أجيال لاحقة، ومن ثم لا يستبعد التعديل أو التبديل على هذه الوثائق على مر الأزمنة والعصور([149]).

  1. الغموض أو غير الواضح: فقد قسم الأصوليون غير الواضح الدلالة إلى أربعة أقسام أيضا:

1.1 الخفي (يقابله الظاهر)؛ هو اللفظ الذي يدل على معناه دلالة ظاهرة، ولكن في انطباق معناه على بعض الأفراد نوع غموض وخفاء تحتاج إزالته إلى نظر وتأمل([150]).

كلفظ القاتل إذا ذكر مجردا من وصف، فيثار التساؤل حول ما إذا كان الحكم الذي تضمنه النص الوارد به هذا اللفظ يسري بالنسبة إلى القتل العمد والقتل الخطأ أم ينطبق بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر، فلفظ (القاتل) أو (القتل) واضح في ذاته، فالقتل هو إزهاق الروح، ولكن الغموض ينشأ بخصوص مدى انطباق الحكم الذي تضمنه النص على صورتي القتل من عدمه، حيث يحتاج تحديد ذلك إلى الاستعانة بوسائل أو أمور خارج اللفظ لاستظهار الحكم([151]).

2.1 المُشْكل (يقابله النص)؛ هو اللفظ الذي خفي معناه، ولا يدل بصيغته على المراد منه، ولا بدَّ من قرينة تبين المراد منه، فمنشأ الإشكال ذات الصيغة واللفظ، ولذلك فإنه لا يدرك معناه إلا بالتأمل وبقرينة خارجية تبين المراد منه، وتكون هذه القرينة غالبًا في متناول البحث([152]). ومثاله – أشرت سابقا في معرض الضوابط اللغوية-ألا يكون الأسلوب من الأساليب المحتملة أكثر من معنى كأن يصاغ قاعدة على النحو التالي: «على أن يقدم التظلم خلال شهر من تاريخ العلم اليقيني بالقرار» فكلمة شهر تثير التساؤل حول المقصود بها أهي شهر ميلادي أم شهر هجري وهل يقصد به 30 يوم أم 31 يوم. أو لورود القواعد القانونية في عبارات مختصرة حيث أن الاختصار المخل بالمعنى يصيب القاعدة بالغموض كأن يأتي القاعدة على نحو الآتي: ” يحظر التدخين في الأماكن العامة” دون أن يعرف ماهية هذه الأماكن العامة ومواصفاتها.

3.1 المجمل (يقابله المفسر)؛ المجمل هو اللفظ الذي لا يُعلم المراد منه من نفس صيغته، ‎وإنما يتوقف على أمر خارج عنه([153]). ومن ذلك مثلا ‏ لفظ (الطفل) الذي لا يتضح معناه ولا السن التي ينطبق عليها في القانون إلا بتحديد المشرع له، وقد عرف المشرع المصري الطفل بأنه: “كل من لم يتجاوز سنة الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة([154]) “.

4.1 المتشابه (يقابله المحكم)؛ وقد عُرف بأنه اللفظ الذي خفي معناه، ولا سبيل لآن تدركه عقول العلماء([155]). وبالتالي لا يتصور أن تجنح لغة القانون إلى استعمال هذا النوع من الألفاظ، إذ ليس من المنطقي أن يلجا المشرع، وهو يسن نصوصا تحكم تصرفات الأفراد وتنظم سلوكهم، إلى ألفاظ خفية المعنى ولا قرينة تبينها، لأن التكليف بما لا يتبين المراد منه هو تكليف للإنسان بما لا يفهمه، وذلك غير جائز لأن الإرادة لا تتجه إلى امتثال التكليف إلا بعد فهم النص الذي به التكليف([156]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة:

فقد فرغت من الدراسة في موضوع: « المثلث القاعدي؛ القاعدة اللغوية، القاعدة الأصولية، القاعدة القانونية: دراسة في الأصول وفي التراتبية وفي العلاقات الوظيفية»، وخرجت بجملة من النتائج والتوصيات، أُوجز أهمها فيما يلي:

أولا: أهم نتائج الدراسة:

إن كل مسألة من مسائل هذه الدراسة لا تخلو من فائدة تستحق التدوين، ولكني سأقتصر على أبرزها وذلك على النحو التالي:

  • أن علماء اللغة والأصوليون وفقهاء الإسلام قد تركوا إرثا فقهيا كفيلا باستيعاب كافة مشكلات المجتمع وقضايا العصر.
  • إن القاعدة بالمعنى العام سواء كانت أصولية، أو لغوية، أو فقهية، أو قانونية أو غير ذلك بتعريفات كثيرة، غير أن هذه الصيغ التعريفية المختلفة لا تكاد تخرج عن أمور ثلاثة: فإما أن يعبروا عن القاعدة بأنها قضية أو أمر أو حكم فهذه التعريفات وردت في كتب المتقدمين من أهل العلم. وبعض المعاصرين عبر في تعريفها بالأصول
  • عدم وجود تعريف محدد للقاعدة الأصولية بالمعنى الاصطلاحي الخاص عند أوائل الأصوليين وإن استعملوا (القاعدة) منذ فترة قديمة حتى دخل في تعريف أصول الفقه نفسه.
  • أما باعتبار القاعدة الأصولية بالمعنى الاصطلاحي الواسع الأعم، فإنه لا مائع حينئذ من أن نعتبر القواعد الأصولية قواعد فقهية.
  • تصاغ القواعد القانونية على هيئة نصوص، ومن تم فإن حديث رجال القانون عن فحوى النص القانوني هو حديث عن القاعدة القانونية، وحديثهم عن خصائص القاعدة القانونية هو حديث عن خصائص النص القانون.
  • نشأت محاولات عدة لتقعيد القواعد اللغة العربية بعد أن فشا اللحن والخطأ اللغوي، وشكل عصر التدوين الذي امتد بين منتصف القرن الثاني والقرن الثالث للهجرة. الحركة الكبرى لتدوين وضبط تقعيد اللغة العربية صونا للغة الوحي من التحريف.
  • أن عملية الانتقال بالعربية من مستوى اللاعلم إلى مستوى العلم بمبادئ ومقدمات منطقية صارمة و بالسرعة المطلوبة في عصر التدوين على مستوى جمع اللغة وتقعيدها.
  • إن أية قاعدة نحوية مهما كانت إذا طورت، أو إذا حذفت أو إذا عدلت، لا بد أن ينعكس أثر هذا التعديل أو هذا التطوير على الفقه، على التفسير، على الأدب، على النقد الأدبي، على مجمل الثقافة العربية.
  • إنّ من ينظر في مباحث القواعد اللغوية والقواعد الأصولية يُلاحظ أنّ هناك تشابهاً بينهما من أوجه متعددة.
  • أن علماء اللغة العربية اعتمدوا القرآنَ مصدراً للُّغة، وكذلك السنَّةَ، والإجماعَ، والاستصحابَ، والاستدلال كما فعل السيوطي في الاقتراح ، وابنُ جنّي في الخصائص، وابنُ الأنباري وسيبويه في الكتاب وكثيرٌ غيرهم. علاوة على ذلك، فإن كتب اللغة ككتاب سيبويه، كان مصدراً لكتاب الرسالة للإمام الشافعي. فكتاب سيبويه هو الأساس في علم النحو، وكتاب الرسالة هو الأساس في علم أصول الفقه؛ وقد صنَّفه الشافعي على أُسُسٍ متينةٍ اعتمد فيها على الأسلوب اللغويِّ الواضح، والفصاحةِ في التعبير، كما أنّنا نجد كبارَ أئمّة الأصول كالفخر الرازي، والشرازي، والزركشي، والأسنوي، ومن قبله البيضاوي وغيرهم؛ قد أخذوا ونقلوا المباحث اللغوية عن أئمة اللغة كسيبويه، ونفطويه، وأبي علي الفارسي، وابنِ جِنِّي، وثعلب، وقطرب، وابن خالويه، والزَّجَّاج، والأخفش، وابنِ الأنباري، وغيرِ هؤلاء من كبار أئمة اللغة.
  • جاءت المباحث اللغوية في مؤلفات الأصوليين على نوعين: أحدهما مباحث لغوية قد بحثها اللغويون. والثاني مباحث انفرد بها الأصوليون.
  • وموضع الاشتراك بين مكونات المثلث القاعدي من حيث الاستمداد، يتحقق إذا اعتمد المقنن القانوني على النص الشرعي أو اجتهد في ضوئه، وصاغ قواعد قانونية على أساسه.
  • من خلال اجتهادات متوافرة على اعتبار خرق قاعدة فقهية معمول بها قضاء، في شتى المواضيع التي يقبل فيها التعويل على القواعد الفقهية، بمثابة خرق قاعدة قانونية واجبة التطبيق.
  • دراسة في تراتبية القواعد اللغوية يخضع للجانب الصناعي العملي والبيداغوجي التربوي، وهو البناء العام، بنقده لهيكل النحو العربي واقتراح لقالب جديد مؤسس على التناسق الترتيب وحسن التصنيف.
  • تراتبية القاعدة الأصولية يمكن ربطها بتراتبية الأدلة عند الأصوليين والتمييز بين قواعد الأدلة الأصلية وقواعد الأدلة التبعية، وآلية ترتيب قواعد الأدلة عند الأصوليين لحمل معنى ومقتضاها هناك ثلاث نظرات تجاه الأدلة لتجعل منها أداة ترتيب قواعد الأدلة الأصلية وقواعد الأدلة التبعية وهي: أولا اعتبار ترتيب قواعد الأدلة الشرعية آلة النظر الترجيحي. وثانيا اعتبار ترتيب قواعد الأدلة آلة النظر الاجتهادي. ثالثا: ترتيب قواعد الأدلة آلة النظر المقاصدي.
  • أما تراتبية القواعد القانونية فيجب ان تتوافق كل قاعدة قانونية مع مجموع القواعد الجاري بها العمل التي لها درجة أعلى منها، أو يجب على الأقل ألا تتنافى مع هذه القواعد. ومن النادر ان يكون نص قانوني كافيا لوحده كي تطبق القواعد التي يتضمنها تطبيقا تاما. واحترام مبدأ تراتبية القواعد القانونية رهين بمدى جودة صياغتها اللغوية.
  • تلعب الصياغة القانونية دورا هاما في فعالية القاعدة القانونية، وقابليتها للتطبيق، لأنه في وجود عيوب وضعف في الصياغة اللغوية والنحوية للنص، لن يجد القانون الطريق للتطبيق، وسيبقى نصوصا جامدة حبيسة لصفحاتها. ونتيجة لذلك، تأثيرها على مبدأ تراتبية (تدرج) القوانين.
  • دراسة العلاقات الوظيفية من خلال الحديث عن وظيفة القاعدة اللغوية في صياغة القاعدة القانونية، وعن وظيفة القواعد الأصولية يتبدى أكثر ما يتبدى في مجال التفسير؛ وأن القانونيين إنما يقتفون في استخلاص دلالات النصوص القانونية أثر الأصوليين في استخلاصهم لهذه الدلالات.

ثانيا: مقترحات:

بعد الفراغ من هذه الدراسة العلمية والتجوال في كتب المختصة التي تكلّمت عن مسائله، والنظر إلى ما يحتاجه هذا الموضوع، فإن ثمة مقترحات اقترحها في ختام هذه الدراسة فيما يلي:

  • ضرورة جمع كافة القواعد الأصولية واللغوية بمختلف المذاهب الفقهية بمنهج استقرائي صارم يقدم الأهم على المهم، وبيان أن التقعيد القواعد وتأصيل الأصول يرجع إلى منهج علمي رصين للتقعيد يتبعه كل مذهب فقهي.
  • وجوب حصر الاستثناءات الواردة على القواعد اللغوية والأصولية والفقهية والقانونية حتى لا يتم الوقوع في محظور تطبيق القاعدة على علاتها.
  • وجوب تميز القواعد اللغوية والأصولية والفقهية والقانونية، وغني عن البيان أن القاعدة الفقهية والقانونية ليست ذات أثر مطلق لا يعتريها تغيير وتبدل بتغير عنها الزمانية أو المكانية، كما هو الأمر بالنسبة للقاعدة اللغوية والأصولية، والتي لا تتغير مهما تطاول الزمان أو اختلف المكان.
  • لزوم تدريس القواعد اللغوية والأصولية في وحدات الشرعية والقانونية بموضوع القواعد والتقعيد والتأصيل.

 

 

 

 

ثبت المظان:

أولا: القرآن الكريم برواية ورش عن نافع:

  1. سورة البقرة، الآية: 127، والآية: 237.
  2. سورة النور، الآية: 57.
  3. سورة النساء، الآية : 58.
  4. سورة الممتحنة، الآية: ١٢.

ثانيا: معاجم اللغوية:

  1. ابن منظور، لسان العرب، دار صادر-بيروت، بدون ذكر تاريخ النشر، المجلد الثالث.
  2. أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي المتوفى سنة: 224 هجرية، غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الدكن-الهند، 1964 ميلادية، الجزء الأول.
  3. أبي إسحاق إبراهيم بن السَّري الزَّجَّاجِ المتوفى عام 311 هجرية، معاني القرآن وإعرابه،، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتاب-بيروت، 1988 ميلادية، الجزء الأول.
  4. الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، 2004.
  5. علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)، التعريفات، المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر: دار الكتب العلمية بيروت -لبنان الطبعة: الأولى 1403هـ -1983 ميلادية.
  6. محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى الزبيدي المتوفى: 1205 الهجرية، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، 1971 ميلادية.

ثالثا: مؤلفات عامة:

  1. ابن المبرد؛ يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الصالحي، جمال الدين، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي،  المحقق: رضوان مختار بن غربية، دار المجتمع للنشر والتوزيع – جدة-المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1991.
  2. أبي الوليد بن رشد، الضروري في صناعة النحو، تحقيق : منصور علي عبد السميع، دار الصحوة، دون ذكر مكان النشر، الطبعة الأولى، 2010.
  3. أحمد بيومي، لغة القانون في ضوء علم لغة النص دراسة في التماسك النصي، الطبعة الأولى، دار الكتب القانونية مصر، 2010.
  4. أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب مع دراسة لقضية التأثير والتأثر، عالم الكتب – القاهرة-مصر، الطبعة السادسة، 1988.
  5. أمير بادشاه، تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، دار الباز-مكة المكرمة-المملكة العربية السعودية، الجزء الأول.
  6. تقي الدين أبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار، شرح الكوكب المنير، مكتبة العبيكان-رياض-المملكة العربية السعودية، المجلد الأول، 1993م.
  7. الجلال السيوطي؛ عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي المتوفى سنة 911 الهجرية، الاقتراح في أصول النحو، المحقق: عبد الحكيم عطية – علاء الدين عطية، دار البيروتي، دمشق، الطبعة الثانية.
  8. جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، مكتبة الاسكندرية، الطبعة الأولى، 1987.
  9. الجيلالي المريني، القواعد الأصولية وتطبيقاتها الفقهية عند ابن قدامة في كتابه المغني، دار ابن القيم ودار ابن عفان-جمهورية مصر العربية، المجلد الأول، 2001.
  10. حسن القصاب، الموجز في الحقوق العينية وفق أحكام المدونة والأصول الفقهية، مطبعة: قرطبة حي السلام أكادير-المغرب، الطبعة الأولى، 2019.
  11. حكيم التوزاني، مختصر اللغات والمصطلحات القانونية وفق تدرجها الهرمي، الطبعة الأولى، مطبعة SO-ME-PRINT، أكادير-المغرب، 2021.
  12. الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1411هـ- 1991م.
  13. سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (المتوفى: 793هـ)، شرح التلويح على التوضيح، مكتبة صبيح بمصر، الطبعة الأولى.
  14. عادل حاميدي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المنازعات العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية و قانون الالتزامات و العقود والفقه الاسلامي، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2022.
  15. عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي، الطبعة السابعة، دار الفكر العربي – مصر.
  16. علال فالي، صناعة النصوص القانونية إشكالات الاختصاص والصياغة، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، 2018.
  17. عليوة مصطفى فتح الباب، الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات، الكتاب الثاني: صياغة وتفسير التشريعات، دار الكتب القانونية مصر،2012.
  18. ماجد بن عبد الله بن ناصر الجوبر، استدلال الأصوليِّين باللُّغة العربيَّة (دراسة تأصيليَّة تطبيقيَّة)، دون ذكر دار النشر ومكانه، 1432 الهجرية.
  19. محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، 1994.
  20. محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، المحقق: سامي بن العربي الأثري، دار الفضيلة، الطبعة الأولى، الجزء الأول، 2000 الميلادية.
  21. محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة العاشرة، 2009.
  22. محمد عابد الجابري، مواقف إضاءات و شهادات كيف نتعامل مع التراث؟ الصورة التي تقدمها اللغة العربية لأهلها عن العالم!… ولأن العقلانية ضرورة!، مجموعة كتب صغيرة “من ملفات الذاكرة”، دون ذكر دار النشر، الطبعة الأولى، 2003.
  23. محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني شمس الدين أبو الثناء، بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، المحقق: محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى – مكة المكرمة-المملكة العربية السعودية، الجزء الأول.
  24. مسعود بن موسى فلوسي، القواعد الأصولية تجديد وتأصيل، مكتبة وهبة-القاهرة-مصر، الطبعة الأولى، 2003.
  25. مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، دار القلم، الجزء الأول، 2004.
  26. مصطفى سعيد الخن، أثر الإختلاف في القواعد الأصولية في إختلاف الفقهاء، مؤسسة الرسالة-بيروت-لبنان، الطبعة الثانية، 1982.
  27. مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية – منظمة التعاون الإسلامي مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة، 2013 الميلادية، الطبعة الأولى، المجلد الثاني: التقديم والمقدمات.
  28. وهبة الزحيلى، أصول الفقه الإسلامي، دار الفكر-دمشق-سوريا، 1986، الطبعة الأولى، الجزء الأول.

رابعا: الأطاريح والرسائل الجامعية:

  • الأطاريح الجامعية:
    1. سركوت سليمان عمر، تقويم الصياغة التشريعية لنظرية العقد -دراسة تحليلية مقارنة- (أطررحة دكتوراه في تخصص : فلسفة في القانون الخاص)، كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2016.
  • الرسائل الجامعية:
    1. مصطفى محمد جبري شمس الدين، ترتيب الأدلة الشرعية المتفق عليها عند الجمهور وتنزيله من خلال قضايا التعارض والترجيح (رسالة الماجستير في علوم الوحي والتراث)، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية-الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، 2005.

خامسا: الوثائق القانونية و المقررات القضائية:

  • الوثائق القانونية:
  1. الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، جريدة رسمية، عدد 5964 مكرر – 28 شعبان 1432، 30 يوليو 2011.
  2. قانون رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432 (17 أغسطس 2011) الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 شوال 1432 (22 سبتمبر 2011).
  3. القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424 (5 فبراير 2004).
  4. القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه قانون رقم 178.11.1 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (2011 نوفمبر 22) الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432(24 نوفمبر 2011).
  5. قانون رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963).
  6. القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، الجريدة الرسمية: العدد 24 (مكرر) في 15 يونية سنة 2008.
  7. قانون العقوبات المصري طبقا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003م القانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات، نشر في الوقائع المصرية العدد رقم 71 في 5 أغسطس سنة 1937.
  8. الأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412 هـ، الصدر عام 1412 هـ الموافق 1992.

ب– المقررات القضائية:

  • قرار محكمة الاستئناف بورزازات عدد 43 وتاريخ 1990/3/13، ملف شرعي عدد 8955،مجلة المحامي عدد 17 الصفحة : 63 وما بعدها، اورده عادل حاميدي في مؤلفه : القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية.
  • قرار عدد 1226 وتاريخ 6/6/90، ملف عدد 86/1001 أورده عادل حاميدي في كتابه: القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية.
  • قرار المحكمة الدستورية رقم : 93/19، بشأن مطابقة مجلس المستشارين لأحكام الوثيقة الدستورية، الذي صدر يوم 9 يوليوز2019.

سادسا: المجالات والدوريات:

  1. احمد حسن اللهيبي، قواعد صياغة النص التشريعي، مقال منشور بالمجلة العلوم القانونية، العدد الأول.
  2. سليمان بن عبد العزيز العيوني، الضوابط اللغوية للصياغة القانونية، مجلة العلوم العربية، العدد التاسع والعشرون، شوال 1434ه.
  3. سمية بن الصديق و أحمد جلايلي، البعد المعرفي لطريقة ترتيب قواعد النحو عند ابن رشد، مجلة العلامة، العدد :5، 2017.
  4. فاطمــــة رزاق، بناء الجملة العربية عند –بن رشد في كتابه ‏ ” الضروري في صناعة النحو “‏، مجلة الواحات للبحوث و الدراسات، المجلد : 9، العدد : 1، 2016.
  5. محمد هُمام، محددات اللغة والفكر في مشروع الجابري، مؤمنون بلا حدود، بدون ذكر العدد والسنة.

سابعا: الندوات:

  1. القواعد الفقهية وأثرها في القواعد القانونية والاجتهاد القضائي، أعمال الندوة الدولية التي نظمها مختبر التراث الفقهي تأصيل والتجديد بكلية الشريعة أيت ملول، جامعة ابن زهر أكادير – المملكة المغربية، يومي 26 و27 فبراير 2020.
  2. محمد محروك، إشكالية صياغة التشريع في القانون المغربي، أشغال الندوة العلمية: القانون المغربي في مطلع القرن الحادي والعشرين – دراسات مهداة تكريماً للأستاذ محمد الشافعي، مجلد1، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بمراكش، 2017.

([1]) أنظر: معاني القرآن وإعرابه، أبي إسحاق إبراهيم بن السَّري الزَّجَّاجِ المتوفى عام 311 هجرية، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتاب-بيروت، 1988 ميلادية، الجزء الأول، الصفحة: 195. كما حكاه عنه في تاج العروس، أنظر: تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى الزبيدي المتوفى: 1205 الهجرية، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، 1971 ميلادية، الصفحة: 49.

([2]) سورة البقرة، الآية: 127.

([3]) أنظر: لسان العرب، ابن منظور، دار صادر-بيروت، بدون ذكر تاريخ النشر، المجلد الثالث، الصفحة: 361.

([4]) أنظر: غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي المتوفى سنة: 224 هجرية، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الدكن-الهند، 1964 ميلادية، الجزء الأول، الصفحة: 104.

([5]) سورة النور، الآية: 57.

([6]) اختلف في تعريف القاعدة بناء على اختلاف العلماء في ‏مفهومها، هل هي قضية مطردة أو أغلبية. سيأتي تفصيل مقتضياتها في حينه.

([7]) “قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها” علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)، التعريفات، المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر: دار الكتب العلمية بيروت -لبنان الطبعة: الأولى 1403هـ -1983 ميلادية، الصفحة:177.

([8]) “الأمرٌ الكليُ الذي ينطبق على جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه” تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1411هـ- 1991م، الصفحة: 17.

([9]) “حكم كلي ينطبق على جميع جزيئاته لتعرف أحكامها منه ” سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (المتوفى: 793هـ)، شرح التلويح على التوضيح، مكتبة صبيح بمصر، الطبعة الأولى، الصفحة:.20.

([10]) “أصول فقهية كلية، في نصوص موجزة دستورية، تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعاتها ” مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، دار القلم، الجزء الأول، 2004، الصفحة: 15.

ونلاحظ أن هذه التعريفات كلها متقاربة وإن اختلفت عبارتها، وهي تفيد أن القاعدة  اما حكم أو أمر كلي أو قضية كلية تفهم منها أحكام الجزئيات التي تندرج تحت موضوعها.

فالذين عبروا بالقضية مستعملين في ذلك هذا المصطلح المنطقي إنما يقصدون بذلك الحكم الشرعي لا المفهوم المنطقي للقضية، فالقضية هنا حكم وإن كان مصطلحا منطقيا، وكذلك من قاموا باستعمال لفظ الأمر أو الأصل، فالهدف واحد هو التعبير عن الحكم الشرعي، وكذلك التعبير بالاطراد أو الأعظم أو الأكثر، والذي سببه اختلاف نظر هؤلاء إلى طبيعة القاعدة  من حيث كليتها وشمولها لجزئياتها وأفرادها من جهة ومن حيث نظرهم إليها وتصورهم خروج بعض أفرادها وفروعها عنها وما يلحقها من الشذوذ عادة.

فمن نظر إلى حال القاعدة  وأنها قضية أغلبية لا تندرج تحتها كافة جزئياتها نظرا لما يصحب وجودها من استثناءات، ولأن اطرادها ليس مطلقا، فقد استثني منها بعض الجزئيات وأعطى لها حكم الأكثري لا الكلي، لأن الأكثري إنما ينطبق على أغلب الجزئيات. كما نجد في تعبير التافتزاني السالف.

ومن نظر إلى أصل القاعدة وما ينبغي أن تكون عليه من الاطراد والاستغراق لجميع أفرادها فقد أضفى عليها وصف “الاطراد” و”الإستغراق” ولا يضرها بعد ذلك شذوذ وخروج بعض أفرادها منها، فكل قاعدة وكل مبدأ أو قضية له استثناءات حتى قيل: “لكل قاعدة استثناء”.

([11]) الأصولي هو العارف بالقواعد الأصولية الفاهم لها.

([12]) سنفصل مقتضياتها فيما بعد.

([13]) ماجد بن عبد الله بن ناصر الجوبر، استدلال الأصوليِّين باللُّغة العربيَّة (دراسة تأصيليَّة تطبيقيَّة)، دون ذكر دار النشر ومكانه، 1432 الهجرية،  الصفحة: 18.

([14]) عادل حاميدي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المنازعات العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية و قانون الالتزامات و العقود والفقه الاسلامي، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2022، الصفحة : 140.

([15]) تقي الدين أبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار، شرح الكوكب المنير،  مكتبة العبيكان-رياض-المملكة العربية السعودية، المجلد الأول، 1993م، الصفحة : 48.

ينظر أيضا لغاية الإفادة: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، المحقق: سامي بن العربي الأثري، دار الفضيلة، الطبعة الأولى، الجزء الأول، 2000 الميلادية، الصفحة : 69.

([16]) علم اللغة : هو علم باحث عن مدلولات جواهر المفردات وهيئاتها الجزئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي، وعما حصل من تركيب لكل جوهر، وهيئاتها الجزئية على وجه جزئي، وعن معانيها الموضوعة لها بالوضع الشخصي.

([17])  النحو: هو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية، من الاعراب والبناء وغيرهما وقيل: هو علم بأصول يعرف بها صحيح الكلام وفاسده.

([18]) قال ابن الحاجب: التصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب.

([19]) وهي التشبيه والمجاز والكناية. ينظر : ابن النجار، مرجع نفسه،  ونفس الصفحة.

([20]) ينظر: محمد أمير بادشاه، تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، دار الباز-مكة المكرمة-المملكة العربية السعودية، الجزء الأول، الصفحة : 14.

([21]) الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 59.

([22]) محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني شمس الدين أبو الثناء، بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، المحقق: محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى – مكة المكرمة-المملكة العربية السعودية، الجزء الأول، الصفحة : 14.

([23]) لم تسلم كذلك القاعدة الفقهية من صعوبة التعريف، بناء على اختلاف العلماء في ‏مفهومها، هل هي قضية مطردة أو أغلبية التي شرحناها في معرض تعريف القاعدة اصطلاحا. وقد حاول العلامة محمد الروكي بعد أن درس مختلف تعريفات الفقهاء للقاعدة انتهى إلى تعرفيها :بأنها: “حكم كلي مستند إلى دليل شرعي، مصوغ صياغة تجريدية محكمة، منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد أو الغلبة”.  محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء (اطروحة) ، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، 1994، الصفحة : 48. وعليه، فإنه خليقا بنا ونحن في صدد الحديث عن القاعدة الأصولية أن نميزه عن القاعدة الفقهية تفاديا لأي خلط أو التباس فيما تلي ورقات هذا البحث، وذلك على ما يأتي بيانه:

أولا: من حيث السبق الزمني فقواعد أصول الفقه سابقة من حيث الترتيب الذهني عن القواعد الفقهية فهي أساس قواعد الفقه، لأن علم أصول الفقه ومعرفة دلائل الفقه إجمالا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.

ثانيا: من جهة الموضوع إن موضوع القاعدة الفقهية أفعال المكلفين، وموضوع القاعدة الأصولية الأدلة الشرعية.  فالقاعدة الأصولية ” النهي يقتضي الفساد ” موضوعها كل دليل في الشريعة ورد فيه نهي، بينما القاعدة الفقهية ” المشقة تجلب التيسير” موضوعها: كل فعل من أفعال المكلف يجد فيه المكلف مشقة معتبرة شرعا.

ثالثا: من جهة كون كل منهما كلية أم أغلبية، فالقواعد الأصولية كلية مطردة خلاف للقواعد الفقهية فليست كلية، بل هي أغلبية أكثرية لأن لها استثناءات.

رابعا: القاعدة الأصولية يستمد الحكم منها بواسطة الدليل، مثلا ” الأمر للوجوب” هو قاعدة أصولية وهو لا يدل بنفسه على وجوب الصلاة او الزكاة، وإنما يستند إلى ادلة شرعية وهو قوله تعالى ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” بينما القاعدة الفقهية يستفاد الحكم منها مباشرة ودونما حاجة إلى أمر خارجي عنها فنقول مثلا” المشقة تجلب اليسير” وهذا الحكم هو رفع الحرج عنه وإرادة اليسر في عمل المكلف.

خامسا: من جهة المستفيد القواعد الأصولية يستفيد المجتهد منها خاصة حيث يستعملها عند استنباط الاحكام الشرعية الفرعية من ادلتها، اما القاعدة الفقهية فيستفيد منها الفقيه والمتعلم والمجتهد.

سادسا: من حيث توقف كل من القاعدتين على الأخرى فالقاعدة الأصولية مستقلة ولا يتوقف استنتاجها على القاعدة الفقهية، خلافا لهذه الأخيرة.

([24]) ينظر: محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء مرجع سابق ذكره، الصفحة : 57.

([25]) جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، مكتبة الاسكندرية، الطبعة الأولى، 1987، الصفحة : 102.

([26]) محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء مرجع نفسه، الصفحة : 57.

([27]) القواعد الأصولية اللغوية التي يكون مصدرها أدلة لغوية، بمعنى أنها موجودة في لغة العرب ويعرف مدلولها باستقراء كلامهم.

([28]) عادل حاميدي، مرجع سابق ذكره، ونفس الصفحة.

([29]) الجيلالي المريني، القواعد الأصولية وتطبيقاتها الفقهية عند ابن قدامة في كتابه المغني، دار ابن القيم ودار ابن عفان-جمهورية مصر العربية، المجلد الأول، 2001، الصفحة : 35.

([30]) الركن عند الأصوليين ما يتوقف عليه الشيء ويكون جزءًا من حقيقته كالركوع والقراءة في الصلاة… إلخ، بخلاف الشرط فهو ما يتوقف عليه الشيء ويكون جزءًا خارجا عن حقيقته، كالطهارة باعتبارها شرطا في الصلاة…إلخ.

([31]) مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية – منظمة التعاون الإسلامي مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة، 2013 الميلادية، الطبعة الأولى، المجلد الثاني: التقديم والمقدمات، الصفحة : 395و396.

([32]) يعبر القانون عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم الروابط الاجتماعية وتقوم على احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من يخالفها، كما تتصف (=خصائص) بكونها:

  • قاعدة اجتماعية؛
  • قاعدة مجردة وعامة؛
  • قاعدة سلوك؛
  • قاعدة ملزمة؛
  • قاعدة بيئية.

إن اصطلاح القانون من الناحية القانونية يستخدم للدلالة على معنيين مختلفين، فالقانون بمعناه العام هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع والتي تلزم السلطة العامة للأفراد على احترامها من خلال توقيع الجزاء على من يخالفها. كما يستعمل اصطلاح القانون للدلالة على فرع معين من فروع القانون الوضعي كالقانون المدني والقانون البحري… إلخ. ولفظ القانون هنا ينصرف إلى التشريع أي القانون المكتوب الصادر عن سلطة تشريعية.

([33]) ينظر: أحمد بيومي، لغة القانون في ضوء علم لغة النص دراسة في التماسك النصي، الطبعة الأولى، دار الكتب القانونية مصر، 2010، الصفحة : 26.

([34]) مرجع نفسه، الصفحة : 28

([35]) اختلفت الروايات في واضع النحو، منها من رأى أن واضعه الأول هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحيث روى أنّ أعرابياً في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: من ‏يقرئني شيئا مما أنزل الله على محمد صل الله عليه وسلم؟ فأقرأه رجل سورة براءة، فقال: (إنّ اللهَ بِرِيءٌ مِنَ المُشْرِكينَ وَرَسُولِه) بالجر، فقال الأعرابي: أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله تعالى ‏برئ من رسوله فأنا أبرأ عنه، فبلغ عمر رضي الله عنه مقالّة الأعرابي، فدعاه فقال: يا أعرابي، أتبرأ ‏من رسول  الله؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت من ‏يقرئني، فأقرأني هذا سورة براءة، فقال: (إنّ اللهَ بِرِيءٌ مِنَ المُشْرِكينَ وَرَسُولِه) فقلت: أو قد برئ الله تعال من رسوله؟! إن يكن بريء من رسوله فأنا أبرأ منه. فقال: له عمر: ليس هكذا يا أعرابي، فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منه. فأمر عمر رضي الله عنه، ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود أن يضع النحو. وفيه من قال أن واضعه وابتدائه من علي كرم الله وجهه، وهناك من يرى أن واضعه الأول هو عبد الرحمن بن الأعرج. وقيل إن واضعه هو نصر ابن عاصم. وقيل في واضعه اطلاقاً هو أبو الأسود الدؤلي. بأمر أمير المؤمنين علي أبي طالب بحيث  الفخر الرازي في كتابه (المحرر في النحو):”رسم علي رضي الله عنه لأبي الأسود باب (إن) وباب الإضافة وباب الإمالة ثم صنف أبو الأسود باب العطف وباب النعت ثم صنف باب التعجب وباب الاستفهام.

([36]) في الاصطلاح عرفه الجرجاني فقال:” استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة”. الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، 2004، الصفحة : 22.

([37]) لنأخذ مثلا عالم الأزهار والورود. فالأوربي، عندما يدخل حديقة الأزهار، يرى عالما متنوعا، كل زهرة لها اسمها، وبالتالي لها كيانها الذاتي الخاص، ولها خصوصيتها. أما نحن فإذا دخل أحدنا مثل هذه الحديقة، فهو لا يرى إلا أزهارا فقط، أعني شيئا واحدا فقط. محمد عابد الجابري، مواقف إضاءات و شهادات كيف نتعامل مع التراث؟ الصورة التي تقدمها اللغة العربية لأهلها عن العالم!… ولأن العقلانية ضرورة!، مجموعة كتب صغيرة “من ملفات الذاكرة”، دون ذكر دار النشر، الطبعة الأولى، 2003، الصفحة : 58 وما يليها. (بالتصرف) ويمكن الرجوع إلى هذا الكتيب، لتتمة باقي المستويات.

([38]) ينظر : محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة العاشرة، 2009، الصفحة: 80.

([39]) محمد هُمام، محددات اللغة والفكر في مشروع  الجابري، مؤمنون بلا حدود، بدون ذكر العدد والسنة، الصفحة : 4و5. وأيضا : ينظر: تكوين العقل العربي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 60و61. (بالتصرف).

([40]) ينظر : محمد عابد جابري، مواقف إضاءات و شهادات، مصدر سابق ذكره، الصفحة: 57.

([41]) ليس من اليسير أن نقول ان فقيها من الفقهاء في عصر تدوين العلوم الشرعية قد كان له الفضل في جمع وتقعيد القواعد الأصولية في كتاب مستقل، خاصة وأنه من الصعوبة بمكان تحديد التاريخ الفعلي الذي تم فيه التأليف أي كتاب من الكتب الأمهات. ينظر تفصيل هذا في اختيارنا الإمام الشافعي كأول من ألف في القواعد الأصولية وأكثر في:  القواعد الأصولية تجديد وتأصيل، مسعود بن موسى فلوسي، مكتبة وهبة-القاهرة-مصر، الطبعة الأولى، 2003، الصفحة : 95 وما بعدها.

([42]) ابن المبرد؛ يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الصالحي، جمال الدين، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي،  المحقق: رضوان مختار بن غربية، دار المجتمع للنشر والتوزيع – جدة-المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1991، الصفحة : 8.

([43]) من مراجع هذا البحث:

  • عبد المجيد محيب، علم أصول الفقه وقضايا الاستناد والاستمداد، البحث مقتطف من مجلة الواضحة: وهي مجلة علمية محكمة متخصصة تصدر عن دار الحديث الحسنية بالرباط بالمغرب. متاحة على شبكة الإنترنت.
  • ماجد بن عبد الله بن ناصر الجوير، مرجع سبق ذكره، الصفحة : من 21 إلى 27.

([44]) منها على سبيل المثال : قاعدة: ‘الحاكم هو الله عز وجل”. وقاعدة: “لا تكليف إلا بمقدور عليه”.

([45]) منها على سبيل المثال : قاعدة : ‘الأمر المطلق يفيد الوجوب”. قاعدة : “القياس حجة شرعية معتبرة”.

([46]) منها على سبيل المثال : قاعدة: ” مراسيل الصحابة حجة معتبرة شرعا”. ‎ قاعدة: ” سد الذرائع حجة معتبرة شرعاً”.

([47]) منها على سبيل المثال : قاعدة : “مذهب الصحابي في مسائل الاجتهاد لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين”. قاعدة: “لا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره في مسألة اجتهد فيها، وغلب على ظنه حكم فيها”.

([48]) منها على سبيل المثال : قاعدة : ” “الواو للجمع المطلق”. قاعدة: “إلى تفيد انتهاء الغاية”.

([49]) منها على سبيل المثال : قاعدة: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إن كان مقدورا”. قاعدة: ‎”يستحيل الجمع بين الحظر والوجوب في فعل واحد من جهة واحدة”.

([50]) منها على سبيل المثال : قاعدة: “الأمر لا يقتضي التكرار”. قاعدة: “الأمر المطلق يقتضي الفور” .

([51]) ينظر: الجلال السيوطي؛ عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي المتوفى سنة 911 الهجرية، الاقتراح في أصول النحو، المحقق: عبد الحكيم عطية – علاء الدين عطية، دار البيروتي، دمشق، الطبعة الثانية، الصفحة : 39 وما بعدها. وأيضا : أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب مع دراسة لقضية التأثير والتأثر، عالم الكتب – القاهرة-مصر، الطبعة السادسة، 1988، الصفحة : 18 وما بعدها.

([52]) وأعني به: ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى، وهو القرآن، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام العرب، قبل بعثته، وفي زمنه، وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين، نظما ونثرا، ‏عن مسلم أو‎ كافر، فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت.

([53]) والمراد به إجماع نحاة البصرة والكوفة.

([54])  هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه. وهو معظم أدلة النحو، والمعول في غالب مسائله عليه، كما قيل: إنما النحو قياس يتبع.

([55])  هو إبقاء حال اللفظ على ما يستحقه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل. وهو من الأدلة المعتبرة كاستصحاب حال الأصل في الأسماء وهو الإعراب حتى يوجد دليل البناء وحال الأصل في الأفعال وهو البناء حتى يوجد دليل الإعراب.

([56]) وهي : الاستدلال بالعكس، الاستدلال ببيان العلّة، الاستدلال بعدم الدليل في الشيء على نفيه، الاستدلال بالأصول، الاستدلال بعدم النظير، الاستحسان، الاستقراء، الدليل الباقي.

([57]) على سبيل المثال في القرآن : نصَّ السيوطيُّ في الاقتراح في أصول النحو أنّ كلَّ ما قُرئَ به؛ جاز الاحتجاجُ به في العربية، سواء كان متواتراً، أو آحاداً، أو شاذاً، قال “وقد أَطْبقَ الناسُ على الاحتجاج بالقراءة الشاذّة في العربية ولو خالفت القياس”. وهذا مذهبُ الأصوليين، فقد نصَّ الشافعي وجمهورُ أصحابه على أنّ القراءةَ الشاذّةَ حجَّةٌ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ وأصحابِه، وهو مذهب الحنابلة. ودليلُهم: أنّ هذا المنقولَ لا يخلو إمّا أن يكون قرآناً أو سنة وعلى التقديرين يجب العمل به. ينظر : السيوطي، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 39.

مصطفى سعيد الخن، أثر الإختلاف في القواعد الأصولية في إختلاف الفقهاء، مؤسسة الرسالة-بيروت-لبنان، الطبعة الثانية، 1982، الصفحة : 390.

([58]) ينظر تفصيل هذا في الاقتراح في أصول النحو، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 30.

([59]) وهي : الواجب، والمندوب، والمباح، والمحظور، والمكروه، والصحيح، والباطل.

([60]) أفرد قسما خاصا بالقواعد اللغوية أو النحوية في كتابه : الأشباه والنظائر، من تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد عوض، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، المجلد الأول، الصفحة : 202 وما بعدها.

([61]) كتابه : الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية،  المحقق: عبد الرزاق السعدي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الطبعة الأولى، 1984. ذكر فروعا فقهية على ما تقتضيه قواعد اللغة العربية وهو غالب ما في الكتاب، وذكر أيضا فروعا أخرى مخرجة على المرجوح من قواعد اللغة العربية، كما ذكر فروعا أخرى مخالفة لقواعد اللغة العربية، قد خرجت أحكامها على أمور أخرى غير اللغة كالاستحسان والعرف مثلا.

([62]) الفروق المسمى بأنوار البروق في أنواء الفروق، وبهامشه تهذيب الفروق، والقواعد السنية في الأسرار الفقهية.

([63]) ابن السبكي، الأشباه والنظائر، مرجع سابق ذكره، الصفحة 88.

([64]) ابن السبكي، مرجع نفسه، الصفحة : 115.

([65]) ابن السبكي، مرجع نفسه، ونفس الصفحة.

([66]) ينظر : ابن السبكي، مرجع نفسه، الصفحة 116.

([67]) كتابه : المنثور في القواعد فقه الشافعي، المحقق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، المجلد الأول، 2000، الصفحة : 278.

([68]) كتابه: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، ومن نماذج ذلك : الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد… إلخ.

([69]) كتابه : الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنفية النعمان، نجده قد أورد بعض القواعد الأصولية بما لا يخرج عن القواعد السابق إيرادها من السيوطي.

([70]) لا أوافق بأن يعد العرف مصدرا احتياطيا؛ فالعرف حسب علماء الاجتماع القانوني يعد قانون قائم بذاته. كما أن اعتبار تسمية مبادئ الشريعة أو الشريعة الإسلامية مصدرا احتياطيا  في مؤلفات القانونية بصدد تعداد مصادر للقاعدة القانونية مجانب للصواب؛ فالشريعة الإسلامية عبارة عن نصوص شرعية (=القرآن والسنة) ، فكيف يجتهد في ضوئه؟ وهو لا يفقه فيها؟ والعبارة الصحيحة هي : الفقه الإسلامي؛ لأنه عبارة عن أراء مذهبية سهلة الرجوع إليها.

([71]) يستحسن استعمال الاستمداد عوض المصادر لدقة التعبير.

([72]) مؤدى القاعدة هنا أن الوسائل التي لا يتحقق الواجب إلا بها فهي واجبة.

([73]) القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424 (5 فبراير 2004)، ص 418. ألاحظ أن صيغة العقد في هذه المادة مجانب للصواب، ليس فقط في هذه المادة، وإنما ورودها في الأحكام والقرارات القضائية وكذا مؤلفات القانونية! فالعقد في نظر القانونيين هو : “توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو انهائه” ومن خلال هذا التعريف هل ينصرف معناه إلى الزواج؟ وهل الزواج فعلا قابل للنقل والتعديل؟ كل هذا بسبب النقل من التشريعات المقارنة دون وعي بخصوصية المسميات، فهذا التعريف هو ترجمة أمينة للمادة 1101 من القانون المدني الفرنسي. لهذا من الآن يفضل استعمال  رسم الزواج.

([74]) غير أنه إذا تعذر تسويد رسم الزواج كتابة يصار على سبيل الاستثناء إلى الحكم القاضي بثبوت الزوجية حسب المستفاد من المقتضيات للمادة 16 المومإ إليها.

([75]) يتعلق الأمر بقرار محكمة الاستئناف بورزازات عدد 43 وتاريخ 1990/3/13، ملف شرعي عدد 8955،مجلة المحامي عدد 17 الصفحة : 63 وما بعدها، اورده عادل حاميدي في مؤلفه : القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 281.

([76]) القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه قانون رقم 178.11.1 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (2011 نوفمبر 22) الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432(24 نوفمبر 2011) ص 5587.

([77]) قرار عدد 1226 وتاريخ 6/6/90، ملف عدد 86/1001 أورده عادل حاميدي في كتابه :القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية، مراجع سابق ذكره، الصفحة : 118.

([78]) سأرد فيما سيأتي غير واحد من المفاهيم لذا قبل أن أحدد تعريف الصياغة التشريعية أن نعرف بمفهوم التشريع؛ لأنه يستحيل أن نتطرق لمفهوم الصياغة التشريعية قبل أن نفهم ما معنى التشريع. فالتشريع يعني قيام سلطة عامة مختصة في الدولة بصياغة القاعدة القانونية بصورتها النهائية وإعطائها قوتها القانونية الملزمة. أما الصياغة التشريعية وفي هذا الإطار لا بد أن نميز بين الصياغة القانونية والصياغة التشريعية والسياسة التشريعية، إذن فالسياسة التشريعية هي فلسفة التي تحكم عملية التشريع (=المساطير والإجراءات)، وأما الصياغة التشريعية فهي : عملية ضبط الأفكار في عبارات محكمة، موجزة وسليمة، لكي تكون قابلة التنفيذ. وأخيرا الصياغة القانونية فهي : عملية الإخراج الفعلي للقاعدة القانونية بما يحقق الهدف من فرضها. وبتالي فمحل التشريع هو القاعدة القانونية، ولإخراج هذه القاعدة إلى حيز الوجود، فإنه لابد من توفر عنصرين هامين: هما عنصر الصياغة وعنصر العلم؛ فعنصر الصياغة فيتعلق بإخراج مضمون التشريع وأسبابه الموجبة إلى حيز الوجود من خلال الوسائل الفنية اللازمة لإنشاء القاعدة القانونية والتعبير عنها ضمن قالب قانوني محدد، وأما عنصر العلم فهو العنصر المتعلق بجوهر التشريع وموضوعه.

([79]) ينظر : سركوت سليمان عمر، تقويم الصياغة التشريعية لنظرية العقد دراسة تحليلية مقارنة–  (أطررحة دكتوراه في تخصص : فلسفة في القانون الخاص)، كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2016، الصفحة : 47. ينظر تفصيل في الأصول اللغوية والأصولية في الصياغة التشريعية بدء من تلك الصفحة وما بعدها. وهو الأمر بالصعوبة في إيرادها هنا.

([80]) أعني هنا بالصياغة القانونية.

([81]) سنقتصر على الدلالات ونعطي نماذج عن ذلك في المبحث الثاني لغاية فهم القواعد القانونية الموضوعة باللغة العربية طبقا للفصل الخامس من الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، جريدة رسمية، عدد 5964 مكرر – 28 شعبان 1432، 30 يوليو 2011.

([82]) من حيث التراتبية؛ أن القاعدة الفقهية في منزلة بين منزلة أعلى منها وهي القاعدة الأصولية، ومنزلة أدنى منها وهي الضابط الفقهي.

([83]) ينظر : القواعد الفقهية وأثرها في القواعد القانونية والاجتهاد القضائي، أعمال الندوة الدولية التي نظمها مختبر التراث الفقهي تأصيل والتجديد بكلية الشريعة أيت ملول، جامعة ابن زهر أكادير – المملكة المغربية، يومي 26 و27 فبراير 2020، الصفحة : 182 و183.

([84]) من مورد هذا البحث:

– سمية بن الصديق و أحمد جلايلي، البعد المعرفي لطريقة ترتيب قواعد النحو عند ابن رشد، مجلة العلامة، العدد :5، 2017.

– فاطمــــة رزاق، بناء الجملة العربية عند ابن رشد في كتابه ‏ ” الضروري في صناعة النحو “‏، مجلة الواحات للبحوث و الدراسات، المجلد : 9، العدد : 1، 2016.

– مقال بعنوان : اكتشاف مخطوط مفقود لابن رشد. الضروري في صناعة النحو. سيدي ولد مناه..1999، منشور ومتاح على الشبكة العنكبوتية. كل بالتصرف الشديد.

([85]) ينظر : أبي الوليد بن رشد، الضروري في صناعة النحو، تحقيق : منصور علي عبد السميع، دار الصحوة، دون ذكر مكان النشر، الطبعة الأولى، 2010، الصفحة : 31.

([86]) مصدر نفسه، الصفحة : 101.

([87]) مصدر نفسه، الصفحة : 103. وما فاد ما تقدم، فابن رشد يلخص النحو في الأشكال الأربعة، وهي الأشكال الموجودة في جميع اللغات والألسنة، لأنه يبحث في النحو عما هو مشترك وعام بين البشر، وليس عن ما هو خاص بالعرب، ولذلك كانت هذه الأشكال، هي جوهر النحو وفائدته، لأنها الأشكال المسؤولة عن الإعراب في جميع اللغات، أما ما عداها من علم النحو، فهو فضل وغير ضروري، لعدم تعلق الإعراب به، ولذلك كان الإعراب يتعلق بعلم الأطراف الأخيرة من الألفاظ، وهي الأطراف الزائدة في بنية اللفظ

([88]) الاسم عنده هو “لفظ يدل على معنى غير مقترن بزمان تحصل، أعني بالمحصل الماضي أو المستقبل أو الحاضر، مثل زيد يدل على معنى غير مقترن بزمان تحصل”. مصدر نفسه، الصفحة : 105.

([89]) الفعل هو: “لفظ يدل على معنى، ويصح باقتران زمان يحصل، كقولنا قام يقوم، فهو لفظ يدل على معنى مقترن بزمان تحصل”. مصدر نفسه، الصفحة : 106.

([90]) أما الحرف فقد تأرجح رأي ابن رشد في تعريفه، بين القول باسميته وبين القول والقول بعدمها يقول: فهو “اللفظ الذي يدل على النسب التي تكون بين الأسماء أنفسها، وبين الأسماء والأفعال، ولذلك قيل في حده إنه لفظ يدل على معنى في غيره، وكل ما كان من هذه رابطا للخبر بالمخبر عنه، سموه حرفا أعني نحاة العرب، وذلك أنهم لما وجدوا هذه بخلاف الأسماء على جهة الاقتصار، اعتقدوا فيها أنها أسماء (…)، وإذا أريد أن يجعل حد الحروف لا يشمل هذا الجنس من الألفاظ، -يعني حروف الاستفهام والحروف الموصولة- فينبغي أن يقال في حده إنه لفظ يدل على معنى في غيره، من غير أن يخلف الاسم أو يقع موقعه” مصدر نفسه، ونفس الصفحة.

([91]) مصدر نفسه، الصفحة : 107.

([92]) مصدر نفسه، الصفحة : 108.

([93]) مصدر نفسه ،الصفحة : 109.

([94]) مصدر نفسه، الصفحة : من 110 إلى 117.

([95]) مصدر نفسه، الصفحة : 118 و119.

([96]) مصدر نفسه، الصفحة : 120 وما بعدها.

([97]) ينظر : وهبة الزحيلى، أصول الفقه الإسلامي، دار الفكر-دمشق-سوريا، 1986، الطبعة الأولى، الجزء الأول، الصفحة : 197و198

([98]) الآية : ﴿ 58 ﴾، من سورة النساء.

([99]) من خلال جهود الأصوليون في تحديد ما يدخل في مبحث القرآن أو الكتاب يتضح أنهم ركزوا على جانب الدلالة دون الجانب الثبوت، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل أن القرآن أو الكتاب دليل لا خلاف واقع حول ثبوته، وإنما الكلام في دلالته على الحكم. والدليل المتصف بهذه الخاصية لا يحتل غير المرتبة الأولى. وهذا ما يعنينا في دراسة تراتبية  القاعدة الأصولية.

([100]) أورد وهبة الزحيلى هذه القاعدة في كتابه المشار إليه سابقا: أصول الفقه الإسلامي، الصفحة 445.

([101]) هو مورد هذا البحث: ينظر: مصطفى محمد جبري شمس الدين، ترتيب الأدلة الشرعية المتفق عليها عند  الجمهور وتنزيله من خلال قضايا التعارض والترجيح (رسالة الماجستير في علوم الوحي والتراث)، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية-الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، 2005، بدء من الصفحة 53 إلى 57. أو اطلاع على مقالته بعنوان:

ORDERING LEGAL EVIDENCES AND ITS UNDERPINNING IN THE USULI  RESEARCH, International Journal of Business, Economics and Law, Vol. 18, Issue 6, 2019, page: 67.

([102]) وهي الخمسة: الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح.

([103]) نصت الفقرة الثالثة من الفصل السادس من الوثيقة الدستورية المغربية على أنه : “تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة.”  مصدر سابق ذكره.

وبناء عليه، تأتي مكانة القوانين التنظيمية حسب منطق التراتبية في القوانين في المرتبة الثانية بعد الدستور الذي يعتبر أسمى وأعلى القوانين مكانة ومنزلة، وعليه تتموقع القوانين التنظيمية من ناحية القيمة والدرجة بين الدستور وبين القوانين العادية، فهي إذن أقل من الدستور منزلة وأعلى من القوانين العادية مكانة، وعلى هذا المحمل جعل الدستور المغربي من الاتفاقيات الدولية أن تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية. وترتيبا عليه، فالدستور يوجد في قمة التشريع، بالمعنى الحصري والذي تتشكل منه الكتلة الدستورية في المقام الأول، ويليه في المرتبة الثانية الاتفاقيات الدولية فالقوانين العادية بعده ثم في النهاية التشريع الفرعي ويشمل كل القرارات الصادرة عن الهيئات التنفيذية المختلفة. ينظر : حكيم التوزاني، مختصر اللغات والمصطلحات القانونية وفق تدرجها الهرمي، الطبعة الأولى، مطبعة SO-ME-PRINT، أكادير-المغرب، 2021، الصفحة : 89و90.

([104]) أنظر في هذا الصدد: قرار المحكمة الدستورية رقم : 93/19، بشأن مطابقة مجلس المستشارين لأحكام الوثيقة الدستورية، الذي صدر يوم 9 يوليوز2019.

([105]) ينظر : القواعد الفقهية وأثرها في القواعد القانونية، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 318.

([106]) ينظر : عادل حاميدي، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 124.

([107]) مصدر سابق ذكره.

([108]) هناك من يستعمل عبارة هامة فهذا مجانب للصواب، لأن هم جمعها هموم.

([109]) ينظر : حسن القصاب، الموجز في الحقوق العينية وفق أحكام المدونة والأصول الفقهية، مطبعة: قرطبة حي السلام أكادير-المغرب، الطبعة الأولى، 2019، الصفحة : 9 وما بعدها. وهناك أيضا إشكالية في قاعدة الإحالة المتبناة في المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية، والتي قدمت الراجح ثم المشهور ثم ما جرى به العمل. وغني عن البيان أن ما جرى به العمل مقدم على الراجح والمشهور. ينظر تفصيل في هذا الشأن: القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية، مرجع سابق ذكره، بدء من الصفحة : 29 وما بعدها.

([110]) أقصد هنا القاعدة الأصولية بالمعنى الاصطلاحي الواسع الأعم التي فصلنا مقتضياتها سابقا في هذه الدراسة.

([111]) ينظر : علي احمد حسن اللهيبي، قواعد صياغة النص التشريعي، مقال منشور بالمجلة العلوم القانونية، العدد الأول، ص 48.

([112]) الفصل الخامس من الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، مصدر سابق ذكره.

([113]) سيتم اعتماد على ثلاث ضوابط اللغوية التي ذكرها-نظرا لطولها- سليمان بن عبد العزيز العيوني، الضوابط اللغوية للصياغة القانونية، مجلة العلوم العربية، العدد التاسع والعشرون، شوال 1434ه، بدون ترقيم الصفحات ولكن باحتساب صفحة التي بها مقدمة، ينظر ص 10 وما بعدها. (بالتصرف الشديد). وأيضا من أحب الاستزادة يرجى اطلاع على المقالة بعنوان: قواعد صياغة النص التشريعي، السالف ذكره. وأيضا ضوابط جودة القاعدة القانونية (دكتورة في القانون العام) دويني مختار، ص 137 وما بعدها.

([114]) فالقول: (دين الدولة الإسلام) و(الإسلام دين الدولة) كلاهما جملة اسمية وهما يدلان على معنى إجمالي واحد، ومع ذلك يختلفان في المعنى الخاص الدقيق؛ لأن الأصل في المبتدأ أن يكون الشيء المعلوم، وأن يكون الخبر الشيء المجهول، وقولنا المجهول أي؛ الشيء الذي يؤتى به الاخبار به عن المبتدأ.

([115]) الفصل الثالث من الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، مصدر سابق ذكره. وقد أحسن صائغ النظام الأساسي للحكم في قوله في المادة الأولى :” المملكة العربية السعودية، دولة إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض.”   الصدر عام 1412 هـ الموافق 1992 بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412 هـ. وأن داعي استعمال النظام عوض القانون؛ “أن كلمة قانون غير عربية الأصل. ولعل ذلك ما دفع المشرع السعودي إلى أن يستخدم مصطلح النظام في كافة التشريعات المنظمة لشؤون المجتمع، بحيث لا توجد أدنى إشارة إلى لفظ القانون في هذه التشريعات”.  حكيم التوزاني، مرجع سابق ذكره، ص 37

([116]) ينظر: محمد محروك، إشكالية صياغة التشريع في القانون المغربي، أشغال الندوة العلمية: القانون المغربي في مطلع القرن الحادي والعشرين – دراسات مهداة تكريماً للأستاذ محمد الشافعي، مجلد 1،   كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بمراكش، 2017، الصفحة : 285

([117]) ينظر : علال فالي، صناعة النصوص القانونية إشكالات الاختصاص والصياغة، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، 2018، الصفحة : 441.

([118]) ينظر: علال فالي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 432 و433

([119]) سليمان بن عبد العزيز العيوني، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 25

([120]) ينظر: علال فالي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 440 و441

([121]) إن طبيعة علامات الترقيم يجد مكانه الطبيعي في مصادر ومراجع قواعد اللغوية، فإن الأستاذ علال فالي تطرق في كتابه: صناعة نصوص القانونية إلى المميزات التي تميز بعض علامات الترقيم عن غيرها، وإلى كيفيات استعمال واستخدام هذه العلامات بشكل صحيح وسليم عند صياغة القواعد القانونية، وكذا الإشارة إلى بعض الأخطاء والاغلاط التي يتم ارتكابها على هذا المستوى في العديد من هذه النصوص. يرجى اطلاع على كتاب المذكور والذي أشرنا إليه أكثر من موضع، صفحات من 443 وما بعدها.

([122]) سعيد أحمد بيومي، لغة القانون، مرجع سابق ذكره، الصفحة : 448.

([123]) ينظر: عليوة مصطفى فتح الباب، الوسيط في سن وصياغة وتفسير التشريعات، الكتاب الثاني: صياغة وتفسير التشريعات، دار الكتب القانونية مصر،2012، الصفحة : 429.

([124]) لقد قسم علماء الأصول الدلالات اللفظية  باعتبار كيفية دلالة النص على المعنى إلى عدة طرق مع إختلاف في بعضها بين الحنفية وجمهور العلماء من المالكية والشافعية وقد كان الإتفاق حاصل بينه على أكثرها بالرغم من وجود بعض خلاف الذي كان في أغلبه خلاف في أكثره إختلاف في مجرد الاصطلاح ومتى كان كذلك فلا يلتفت إليه لأنه لا مشاحنة في الاصطلاح.

وبناء على ما هو مقرر في أصول الفقه من أن الإعمال أولى من الإهمال، فإن أرى أن الجمع بين منهجي الحنفية وجمهور العلماء في منهج واحد الأكثر طرق الدلالات اللفظية عند علماء الأصول هو اللائق وعليه فإن طرق الدلالة اللفظية ستكون كالتالي:

فالحنفية يقسمون هذه الطرق إلى أربعة: دلالة العبارة، ودلالة الإشارة، ودلالة الدلالة، ودلالة الاقتضاء، والجمهور يقسمونها إلى قسمين: دلالة المنطوق ودلالة المفهوم، والمنطوق عندهم إما أن يكون صريحا أو غير صريح، والمفهوم إما أن يكون موافقا أو مخالفا، وبين كلا التقسيمين تداخل وتكامل، ولكل دلالة من هذه الدلالات حقيقة تتميز بها، سواء من حيث قوة الإفادة، أو من حيث التقديم والترجيح على غيرها.

ودراسة الألفاظ باعتبار مراتبها في الدلالة على المعاني بحيث لاحظوا أن الألفاظ العربية تتفاوت في قوة الدلالة على معانيها، فمنها الخفي الدلالة، كالمتشابه والمجمل والمشكل والخفي، ومنها الواضح الدلالة، كالظاهر والنص والمفسر والمحاكم والتي سنفصل مقتضياتها فيما بعد.

([125]) سعيد أحمد بيومي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 450.

([126]) وتسمى كذلك بالدلالة الصريحة؛ لأنها تدل على المعنى بصراحة وجلاء.

([127]) ينظر: سعيد أحمد بيومي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 451 وما بعدها.

([128]) قانون رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432 (17 أغسطس 2011) الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 شوال 1432 (22 سبتمبر 2011) الصفحة : 4678.

([129]) ينظر: سعيد أحمد بيومي، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 452 وما بعدها.

([130]) من حيث معناها في لغة العرب فهي تطلق على معان منها:

الأول: الزنى بمعنى: الضيق، ومنه قيل للحاقن (زناء) بوزن (جبان) لأنه يضيق ببوله. ومنه أيضاً، يقال زنا في الجبل يزنا إذا صعد لأنه يضيق بذلك نفسه.

الثاني: يطلق (الزنى) على ما دون مباشرة المرأة الأجنبية من غير عقد شرعي. فزنا العين: النظر، وزنا اللسان: النطق وزنا اليد: اللمس.

الثالث: الزنى، بمعنى: وطء المرأة من غير عقد شرعي، وهذا هو المعنى المراد منه في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين) سورة الممتحنة، الآية: ١٢.

تعريف الزنى فقها:

-عرفه الشيخ خليل: الزنا وطء مسلم مكلف فرج آدمي، لا ملك له فيه، باتفاق، تعمدا، وإن لواطا، أو إتيان أجنبية بدبر.

-عرفه الحنفية : وطء مكلف ناطق طائع في قبل مشتهاة خال عن ملكه وشبهته في دار الإسلام أو تمكينه من ذلك أو تمكينها مع العلم بالتحريم.

([131]) قانون رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963)، ص 1253

([132])   ومما تجدر الإشارة إليه، أنه يجب ” الاحتياط في الاستدلال بطريق الإشارة وقصره على ما يكون لازماً لمعنى من معاني النص لزوماً لا انفكاك له، لأن هذا هو الذي يكون النص دالا عليه، إذ الدال على الملزوم دال على لازمه، وأما تحميل النص معاني بعيدة لا ‏تلازم بينها وبين معنى فيه يزعم أنها إشارته فهذا شطط في فهم النصوص، وليس هو المراد بدلالة إشارة النص “. عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي، الطبعة السابعة، دار الفكر العربي – مصر، 1996، الصفحة : 140

([133]) مصدر سابق ذكره.

([134]) مصدر سابق ذكره.

([135]) مصدر سابق ذكره.

([136]) أو لحن الخطاب. ويسمى أيضا عند مفسرين القانونيين: بالاستنتاج العكسي.

([137]) وعلى سبيل المقارنة، نصت المادة من قانون العقوبات على أنه:” لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل:

  • إما لجنون أو عاهة في العقل.
  • وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو غير علم منه بها”.

بمفهوم المخالفة أنه إذا أخذ هذه العقاقير مختارا وهو يعلم بها، فإنه يعاقب.

قانون العقوبات المصري طبقا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003م القانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات، نشر في الوقائع المصرية العدد رقم 71 في 5 أغسطس سنة 1937.

([138]) سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 461. يرجى الرجوع إلى الصفحة الموالية الذي يظهر فيها هذا التفاوت في القوة عند التعارض بين هذه الدلالات.

([139]) نص الفصل 461  من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أنه:” إذا كانت ألفاظ العقد صريحة، امتنع البحث عن قصد صاحبها”. مصدر سابق ذكره.

([140]) ينظر: سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 470.

([141]) ينظر : عبد الوهاب خلاف، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 152.

([142]) وهي في وضوح دلالتها على هذا الترتيب فالمحكم أوضحها دلالة، ويليه المفسر، ثم النص، ثم الظاهر، وتظهر ثمرة ‏هذا التفاوت عند التعارض. عبد الوهاب خلاف ، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 152. للوقوف على ثمرة ‏هذا التفاوت عند التعارض، يرجى اطلاع نفس الكتاب على القاعدة الخامسة: في التعارض والترجيح من القواعد الأصولية التشريعية، الصفحة : 214 وما بعدها.

([143]) كقوله عليه الصلاة والسلام : “لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل”؛ ظاهره نفي صحة الصوم إذا لم يعقد النية قبل الفجر، وله معنى مرجوح وهو عدم كمال الصيام.

([144]) كقوله تعالى : “وأحل الله البيع وحرم الربا”؛ ظاهر الآية حل كل بيع ما لم يكن ربا، غير أن هذا الظاهر غير مقصود لكون أن هناك أنواع من البيوع حرمت كبيع المعدوم وبيع ما ليس عندك.

([145]) نصه كالاتي: “تعتبر الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي في الحالتين الآتيتين:

  • القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما؛
  • الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة”.

([146])سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 472.

([147]) ينظر: عبد الوهاب خلاف، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 156.

([148]) عبد الوهاب خلاف، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 158.

([149]) ينظر: سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 475.

([150]) الوهاب خلاف، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 170.

([151]) سعيد أحمد بيومي، مصدر سابق ذكره، لغة النص، الصفحة : 476.

([152]) كقوله قوله تعالى: ﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، سورة البقرة، الآية: 237،  المشكل في الآية هو قوله تعالى: “الذي بيده عقدة النكاح” وقد اختلف العلماء في تحديد المراد به؛ هل هو الزوج أو الوالي؟ فذهب المالكية ومن وافقهم إلى أنه هو الولي. وذهب الحنفية ومن معهم إلى أنه هو الزوج. ولكل من المذهبين أدلته، وسبب الاختلاف هو الاشتراك.

([153]) ومثاله: لفظ الصلاة فإنه مجمل؛ لأنه لا يعلم المراد منه، ولا تعرف تفاصيله وكيفياته وغير ذلك. ولكي يُعلم المراد من المجمل لابد من أمور أخرى خارجة عن لفظ الصلاة تبين ذكر المراد.

([154]) المادة الثانية من القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، الجريدة الرسمية: العدد 24 (مكرر) في 15 يونية سنة 2008. ويعد من قبيل المجمل أيضا الألفاظ التي قد يستعملها المشرع دون تحديد دلالتها أو تعيين المراد منها وقد تؤدي عند التطبيق إلى التباس دلالي، كوصف بعض الجرائم بأنها (مخلة بالشرف والأمانة) أو (تفقد الشخص الثقة والاعتبار) . سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 478.

([155]) ومثاله: المقطعات في أوائل السور مثل مثل ألم، حم، طه… إلخ.

([156]) ينظر: سعيد أحمد بيومي، لغة النص، مصدر سابق ذكره، الصفحة : 480.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى