في الواجهةمقالات قانونية

زواج المغاربة المقيمين بالخارج بين إحترام شكليات المادة 14 من مدونة الأسرة والعسف بحقوقهم المكتسبة‎

 

  

 يعتبر الزواج من أقدم الممارسات الإنسانية التي تجمع بين الرجل والمرأة، يؤسسان من خلاله ميثاق يؤلف بين مصالحهما المختلفة. وهو بذلك يحكم ويؤثر في علاقاتهما الشخصية المالية منها والعائلية.

   ولاعتبارات الهجرة و الإقامة ببلد آخر غير بلدهم الأصلي المغرب "أمور نوكوش"، يرغب المغاربة المقيمين بالخارج في إبرام زواجهم في فترة وجودهم بدول المهجر تيسيرا لهم من مشقة الرجوع للمغرب لابرام الزواج، و ما يرافق ذلك من طول الإجراءات الإداريةالتي تأخّذ من وقتهم الكثير في فترة الإنتقال بين إقليم الدول التي اتوا منها والتي قصدوا إليهاكما تفوت عليهم العديد من فرص الحياة كالعمل والإستقرار مع العائلة.

  وقد شكلت بذلك المادة 14 من مدونة الأسرة فاتحة خير، ترخص للمغاربة المقيمين ببلد المهجر إبرام زواجهم في بلد إقامتهم مع مراعاة ما تمليه مقتضيات مدونة الأسرة حيث جاء في سياق المادة على أنه:" يمكن للمغاربة المقيمين بالخارج، أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، إذا توفر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الإقتضاء وانتفت الموانع ولم ينص على إسقاط الصداق، وحضره شاهدان مسلمان…".[1]

  ومن هذا المنطلق، يظهر على أن هذه المادة أعطت ميزة إيجابية لهذه الفئة من المواطنين المغاربة، لتحصين حقهم في بناء مؤسسة الزواج في مكان إقامتهم دون الحاجة للتنقل لمسافات طويلة لإبرام عقد الزواج، لكن ما يعاب كثيرا على هذه المادة أنها بالغت في الإهتمام بالجوانب الشكلية و عطلت الهدف الأساسي أي والغايةالجوهرية من إقرار مضمون هذه المادة،ألا وهو التخفيف من معاناة تنقل المغاربة بين دول إقامتهم و المغرب لعقد الزواج، و إعطاء الصلاحية للقنصليات المغربية للتكفل بمصالح الجالية المغربية ورفع الحرج عنهم وتسهيل إجراءات عقد الزواج على تلك الفئة، هذه فرصة أيضا تحقيق نوع من المصالحة النسبية مع الجالية التي لا طالما إشتكت من تعقيد الإجراءات القانونية والإدارية، وحرمانهم من التسهيلات و تيسير تسجيل عقود زواجهم في المكان الذي يتواجدون فيه، ورد الإعتبار لهم ليس فقط من أجل المشاركة السياسية كما ضمنه الدستور بل من أجل تمتيعهم بحقوقهم الأساسية وعدم إهدار مصالحهم الشخصية والعائلية.

  وسوف نستعرض في  هذا الإطار الشكليات ، التي أشارت إليها المادة 14 ، لنرى مدى موافقتها للغاية من اقرار هذه المادة و الهدف من مقتضياتها.

  لعل  ما أثار نقاش  وفضول فقهاء و قضاة و مهتمي المجال القانوني، هو شكلية حضور شاهدين مسلمين في عقود الزواج التي يبرمها مغربي ومغربية، بحيث تركز النقاش أساسا حول جنس الشاهدين، وعقيدتهما، وما يترتب عن تخلفهما. وقد ذهبت بعض الأحكام القضائية إلى إشتراط ذكرين أو رجل وامرأة كالحكم الصادر من محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 17 يناير 2007 ،الذي إشترط أن يكون الشاهدان ذكرين أو رجل وامرأتان، فيما ذهبت أخرى إستناذا إلى الفقه المالكي الذي يعتبر مسألة الشهادة فيما ليس بمال يطلع به الرجال دون النساء.[2]

   بالرغم من مدونة الأسرة في المادة المذكورة لم تميز الشاهدين على أساس الجنس، بل جاءت عامة ، وهذا ما أيدته بعض المحاكم الأخرى التي إعتبرت أن الشهادة ليست حكرا على الرجال، فالعبرة تبقى مرتبطة بعدالة الشاهد وليس جنسيته.

 و أمام التباين القضائي في مسألة حضور شاهدين مسلمين من تخلفهما، تبقى حقوق المهاجر مهضومة في بلده الأصلي كلما غاب الشاهد أو كان امرأة ، ويتم رفض تذييل حكمه بالصيغة التنفيذية في المغربية، إذ نجد الزوجة أحيانا متزوجة وفقا للإجراءات التي قامت بها أثناء عقد الزواج بفرنسا مثلا و ليست مرتبطة بمؤسسة الزواج وفق للنظرة الضيقة للقاضي المغربي، وتفسيره النص بحرفية تامة دون الإستناد إلى المصلحة التي كان من الممكن أن تحفظها المادة 14. 

   وكما هو الشأن بالنسبة لشهادة المرأة وحضور الشاهدين في عقود الزواج المبرمة بالخارج، أثير النقاش من زاوية أخرى حول عبارة " المسلمين" الواردة في المادة 14 من مدونة الأسرة، حيث رفضت بعض المحاكم الإعتراف بل وتذييل عقود أبرمت بالخارج أمام السلطة المختصة بحجة كون عقيدة الشاهدين على غير الإسلام، وهو ما انتقده الأستاذ أحمد الخمليشي في كتابه من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة ، مشيرا إلى أنه ليس هناك دليل قاطع على إتفاق المذاهب الفقهية على عدم قبول شهادة المسلم على غير المسلم، وبالتالي فصفة الإسلام في الشاهد لا تقتضيها مصلحة عملية، ولا يوجبها نص شرعي صريح.[3]

   وفي معرضنا حديثنا هذا، نشير إلى أن المادة 14 وإن كانت قد يسرت من عقد الزواج بين المغاربة في دولة إقامتهم بالخارج  ، وخففت من إزدواجية الإبرام في كلا البلدين، فيكفي إحترام الشكليات النصوص عليها في المادة المذكورة و تسجيل العقد لدى المصالح الخاصة بذلك في القنصليات المغربية بالخارج ليصبح الزواج صحيحا، إلا أنها قد تعسف بالحقوق و تجعلها غير موجودة بل وتغير مراكز الأشخاص كلما أثوا لبلدهم لإضفاء الشرعية على العقد وتدييله بالمغرب، بعلة مخالفة ذلك لشكليات قد لا يستطيع المهاجر توفيرها إما لجهله بالإجراءات أو لصعوبة إيجادها بدولة إقامته، و تكريس هيمنة الإسلام السياسي على البعد القانوني الذي يمتثل له الجميع، بل يشجع المغاربة على التهرب من مقتضيات مدونة الأسرة العقيمة و اللجوء إلى المباديء التي تكرسها دول المهجر الأروبية أساسا ، من خلال المساواة وعدم التمييز على أساس العقيدة أو الجنس أو الرأي السياسي وتوفير العديد من الضمانات التي تحمي الحريات الفردية أثناء قيام مؤسسة الزواج.

 

 

 المادة 14 من مدونة الأسرة المغربية.[1]

 حسن الإبراهيمي: إشكالات راهنة في قضايا التذييل بالصيغة التنفيذية في المادة الأسرية، مداخلة في الندوة [2]

العلمية احتفاءا و تكريما للدكتور محمد الكشبور، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الإجتماعية سلا، 17 و 18 دجنبر 2014.

 للتفصيل أكثر راجع:[3]

أحمد الخمليشي: من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة، الجزء الأول: الزواج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى