بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

ضوابط سلطات القاضي الجنائي على ضوء الدستور المغربي – الباحث : جواد الغزواني



ضوابط سلطات القاضي الجنائي على ضوء الدستور المغربي

CONTROLS ON THE POWERS OF THE CRIMINAL JUDGE IN LIGHT OF THE MOROCCAN CONSTITUTION

الباحث : جواد الغزواني

طالب باحث بسلك الدكتوراه

تكوين البحث: الدراسات القانونية والفقهية والاقتصادية المقارنة وحدة: التشريع مناهجه وقضاياه

لتحميل الاصدار كاملا

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

ملخص:

ترتبط مفاهيم القانون والقضاء والعدالة بأكثر من رابطة، فالعلاقة بينها وطيدة ومتلازمة، وكل مفهوم يعضد الآخر ويتكامل معه في المعاني والدلالات، والوظائف والأبعاد؛ ولئن أحالت العدالة منذ القديم على المنظومة الفلسفية والقيمية للمجتمعات، فإن القانون والقضاء يرمزان إلى التنظيم، والضبط، والحكم على التصرفات والأفعال الفردية والجماعية، التي من شأنها احترام العدالة وضمان تحققها في الواقع، أو الإخلال بها، وإعاقة إشاعتها في جسم المجتمع ومؤسسات الدولة، لذلك تبدو الصلة تلازميةً وطرديةً بين المفاهيم الثلاثة أعلاه؛ فالدستور باعتباره أسمى قانون لضبط النظام في الدولة، يساهم في توفير شروط تحقق العدالة وسريان مفعولها، والقضاء بحسبه أداة لضبط القانون وفرض احترام تطبيقه، يُيسِّرُ للناس الشعورَ بالاطمئنان على حقوقهم وحرياتهم، أي يولد لديهم الثقة في وجود العدالة في حياتهم السياسية والمدنية؛ بيد أن التلازم بين القانون والقضاء والعدالة، لا يمنع من الإقرار منهجياً بوجود فصل إجرائي بين المفاهيم الثلاثة، يُخول القضاء منزلة التوسط بين القانون والعدالة، ويُكسِبُه بالضرورة دوراً مفصلياً في إدراك العدالة من عدمها؛ وذلك على اعتبار أن العدالة تعد عماد سلطة الدولة، و أساس الديمقراطية التي تحمي الحقوق والحريات، وتضمن سمو القانون وتوطيد دولة الحق؛ وتبعا لذلك فإن العنصر الذي يتحكم في الثقة التي يوليها المواطنون والشركاء الأجانب لنظام حكم معين، ويساهم بشكل فعلي في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية هو الإحساس بالأمن والاعتقاد الراسخ بأن القانون يطبق على الجميع؛ أي أن سيادة القانون هي الأساس في تطبيق العدالة، إذ يقف كل الناس أمامه ويخضعون لأحكامه، ولا فرق بين إنسان وآخر، لان القانون هو مجموع القواعد التي تسنها الدولة من أجل تنظيم شؤون البلاد وتسييرها، ووضع النظم والضوابط التي تطبق على جميع الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية، وفي علاقاتهم مع الدولة وتنظيم الأمور المدنية والتجارية والجزائية، و لتطبيق هذا القانون، نجد القاضي الذي يعتبر الأساس الركين و الممثل الأسمى للعدالة.

وتأسيسا على أهمية العدالة داخل النسيج المجتمعي و القضائي، جاءت الوثيقة الدستورية المستفتي بشأنها بتاريخ فاتح يوليوز 2011 لتشكل الولادة التاريخية للسلطة القضائية المغربية ، ذلك أن المغرب بعد أن عمل جاهدا من أجل تطوير القضاء ليضطلع بالمهام المنوطة به وفق الرؤية المعبر عنها سواء من قبل جلالة الملك أو من قبل جميع الجهات الأخرى التي عنيت بالسلطة القضائية و ضرورة تطويرها، من هيئات و منظمات حقوقية وفعاليات المجتمع المدني، وكذا من طرف بعض الأفراد الغيورين على استقلال السلطة القضائية، ولا ننسى في هذا الصدد المجهودات الجبارة التي تكلفت الودادية الحسنية للقضاة بالقيام بها من أجل تعزيز مكانة القضاء في البناء المجتمعي وبناء دولة الحق والقانون، وهو ما أكده عليه صاحب الجلالة في الخطاب الملكي السامي المؤرخ في 9 مارس 2011، الذي أعلن فيه عن إجراء إصلاح دستوري شامل

Summary

Based on the factthatlawis one of the fundamental institutions in human social life, becauseitplays an effective and pivotal role in developingsocietiesintellectually and practically, and helpscivilizehuman society and developcivilization, social development has always been linked to the development of legalrules, and it has also been linked to the existence of an apparatusthatmakesimplementingthese The rules are effective and sound.

Consequently, thereisalways a dialecticalrelationshipbetween the law and the rights and freedom of the citizen, as the most sensitive matters in the contemporary state revolvearound the proceduresthat can befollowed to preservetheserights and freedoms, becauseitis possible that the law and appliedmeans can beused as tools of tyranny, and they can alsobeused to preserve On rights and to preservefreedoms.

Modern societies have becomeaware of the importance of striving to establish the principles of justice and the rule of lawthat move awayfromtyranny and the monopolization of decisions. Since the Age of Enlightenment, the focus began on establishing the principles of justice by movingawayfrom the centralization of power in society, sothatroles are distributed and integrated. This was the emergence of the principle of separation of powers, whichwascrystallizedstartingfromFrom the seventeenth century until the presentday, the judiciary has emerged as one of the basic authorities for preserving the freedom and rights of individuals by establishing the rule of law. This iswhatwasenshrined in the new Moroccan constitution in Chapter 107, whereitstatedthat the judicialauthorityisindependent of the legislativeauthority and the executiveauthority, becauseitisresponsible for applying the law and achieving justice. In return, the constitution stipulates the rights of litigants and the rules of the administration of justice, including the right to Suing the administration, the right to a fair trial, considering innocence as the basis, and the necessity of justifying the rulings and issuingthem in public sessions, and within a reasonable time, providedthat the rulings, if theybecome final, are binding on everyone, whilerecognizing the right of everyoneharmed by a judicialerror. To obtain compensation borne by the state .

For thisreason, the constitutional and legalrules gave the criminaljudgebroaddiscretion; This is for the sake of fair application of the law, but in return thisauthoritywasframed by a set of objective controls (the first section), whichwillreflect on the limitedauthority of the criminaljudge in the fair application of the law (the second section).

تقديم:

من منطلق أن القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الإنسان الاجتماعية، لأنه يقوم بدور فعال ومحوري في تطوير المجتمعات فكريًا وعمليًا، ويساعد على تحضر المجتمع الإنساني وعلى إنماء الحضارة، فقد ارتبط التطور الاجتماعي على الدوام بتطور القواعد القانونية، كما ارتبط بوجود جهاز يجعل تنفيذ هذه القواعد فعالاً وسليمًا.

وتبا لذلك توجد دائمًا علاقة جدلية بين القانون وحقوق المواطن وحريته، حيث أن أكثر الأمور حساسية في الدولة المعاصرة، تتمحور حول الإجراءات التي يمكن إتباعها للمحافظة على هذه الحقوق والحريات، ذلك انه من المحتمل أن يستخدم القانون و وسائل تطبيقية كأدوات للطغيان، كما يمكن استخدامها للحفاظ على الحقوق و لصون الحريات.

ولقد وعت المجتمعات الحديثة أهمية السعي لإرساء مبادئ العدالة وحكم القانون التي تبتعد عن الطغيان و الاستئثار بالقرار، فابتدأ التركيز منذ عصر الأنوار على إرساء مبادئ العدالة بالابتعاد عن مركزية السلطة في المجتمع، بحيث تتوزع الأدوار وتتكامل فكان ظهور مبدأ فصل السلطات، الذي تمت بلورته ابتداء من القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا، فبرزت السلطة القضائية كإحدى السلطات الأساسية لصون حرية الأفراد و حقوقهم، وذلك عبر إرساء حكم القانون.

وهذا ما كرسه الدستور المغربي الجديد في الفصل 107 ، حيث اقر أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، وذلك لأنها هي المكلفة بتطبيق القانون وإحقاق العدالة، وفي مقابل ذلك نص الدستور على حقوق المتقاضين و قواعد سير العدالة، بما في ذلك الحق في مقاضاة الإدارة، و الحق في المحاكمة العادلة، واعتبار البراءة هي الأصل، و ضرورة تعليل الأحكام و صدورها في جلسات علنية، و في أجل معقول، على أن تكون الأحكام، إذا صارت نهائية، ملزمة للجميع، مع الاعتراف بالحق لكل من تضرر من خطأ قضائي في الحصول على تعويض تتحمله الدولة.

لأجل ذلك أعطت القواعد الدستورية والقانونية للقاضي الجنائي السلطة التقديرية الواسعة؛ و ذلك في سبيل التطبيق العادل للقانون، إلا انه في مقابل ذلك أطرت هذه السلطة بمجموعة من الضوابط الموضوعية (الفرع الأول)، مما سينعكس على محدودية سلطة القاضي الجنائي في التطبيق العادل للقانون ( الفرع الثاني).

الفرع الأول: الضوابط الموضوعية لسلطات القاضي الجنائي في التطبيق العادل للقانون

إن المشرع الدستوري عندما اوجب على القاضي الجنائي التطبيق العادل للقانون، فانه لم يتدخل في كيفية ممارسته لهذا الأمر على اعتبار انه مرتبط في هذا التطبيق بمراعاة الضمانات المقررة للحماية الحقوق و الحريات التي هي أساس المحاكمة العادلة ( المبحث الأول)، لذلك على القاضي الجنائي أثناء تكوين اقتناعه الصميم التقييد بمجموعة من الضوابط المحددة دستوريا و قانونيا ( المبحث الثاني).

المبحث الأول: الضمانات المقررة لحماية الحريات والحقوق الفردية

وفقاًلمبدأالشرعية الجنائية، يجب أن تكفل الأنظمة الإجرائية التوازن الكافي بين حقوق الدولة في التحقيق والاتهام، وحقوق المتهم، بحيث تضمن لهذ االأخير ضمانات في مواجهة الدولة لأن حرمان المتهم من هذه الضمانات يعني ببساطه تجريده من الوسائل التي يحتاج إليها للدفاع عن نفسه،وإثباتبراءته خصوصا مع كفله له الدستور الجديد من ضمانات أساسية و جوهرية لصون حقه في المحاكمة العادلة،لذلكسوفأوضحمعنىهذهالضمانات،سواء منها المؤسساتية (المطلب الأول) أو القانونية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الضمانات المؤسساتية

إن الحقوق والحريات الأساسية للإنسان هي حقوق فردية مشتقة من حاجات الإنسان وطاقاته، والتي يجب أن تحترم من قبل قضاة الأحكام لأن هذه الحقوق الأساسية تحافظ على كرامة الفرد وإنسانيته، وتمنع كل وسائل القهر والتعسف التي يتعرض لها، الأمر الذي يستلزم وجود ضمانات لحماية هذه الحقوق و الحريات من تدخل الدولة في توجيه المساطر الإجرائية و الضغط على القضاة لإصدار أحكام لا ترقى إلى درجة العدل المطلوب، مما يؤدي بالضرورة الى المساس بالحقوق الدستورية والقانونية للإنسان المتابع؛ لذلك فاستقلال السلطة القضائية هي الكافل المؤسساتي الواقعي و العملي الوحيد لحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد (الفقرة الأولى)، هذا إضافة إلى الدور الأكيد الذي تلعبه المحكمة الدستورية لتحصين الحقوق و الحريات من الانتهاك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دور القضاء في حماية الحقوق و الحريات

تعد الضمانات القضائية من الضمانات الداخلية التي تؤدي إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، من خلال قيام القضاء بفض المنازعات الخاصة بين الأفراد وإرجاع الحقوق إلى أصحابها من خلال إعطائهم حق التقاضي أمامه، بالإضافة إلى دوره في حماية حقوق الإنسان من خلال  الرقابة على دستورية القوانين وعلى أعمال السلطة التنفيذية.

إن حرية الأشخاص وحقوقهم لا تتأتى إلا بوجود نظام قضائي مستقل كفيل بضمان هذه الحقوق و الحريات، بحيث يؤمن له الناس و بواسطته يؤمنون على أموالهم وأعراضهم وأجسادهم من خلال فرض سلطان القانون تطبيقا و تنفيذا بكل حياد واستقلال ومسؤولية أيضا وعلى قدم المساواة بين الأفراد و الجماعات.

وتأسيسا على ذلك يجب أن توفر للقاضي الجنائي الضمانات من طرف المجتمع حتى يتمتع باستقلالية، وان توفر له الحماية و الاطمئنان حتى تجعله قادرا على تحري العدل و النطق بالحكم العادل مؤكدا سيادة القانون التي تعتبر صمام الأمان فهو يضمن للفرد و الجماعة حقوقهم كاملة؛ ذلك لان

القضاء وجد لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم عبر العمل على تكريس سيادة القانون و العدل، و هذا ما يشكل عمق الأمن القضائي؛ ولكي يتولى القاضي حماية هذه الحقوق و الحريات؛ لابد من أن لا تكون له مصلحة في القضايا المطروحة أمامه، كما أنه قبل أن يتخذ أي قرار يجب عليه أن يستمع لجميع الأطراف متحريا في ذلك جل الوسائل التي تحقق له هذا الاستماع؛ خصوصا إذا كان احدهم لا يستطيع الكلام أو يتكلم لغة لا يعرفها، إضافة إلى توكيل محام يشرح قضيته و يدافع عنه، كما يجب على القاضي الجنائي أن تكون قراراته مؤسسة على ما طرح أمامه من وسائل الإثبات بطرق قانونية، كما يجب أن تكون هذه القرارات معللة و مبنية على أسباب واضحة.

ذلك أن أسمى هدف لدستور 2011 هو ضمان حقوق المتقاضين في صدور أحكام عادلة ، ترد إليهم حقوقهم، لذلك فلا سبيل لهذا الضمان إلا عن طريق سلطة عليا تتولى الرقابة والحفاظ على المبادئ الدستورية وحسن تطبيقها من طرف جميع المؤسسات بما فيها القضاء، بحيث يمتنع كل من المشرع العادي و القاضي عن انتهاك تلك المبادئ أثناء عملية تشريع و تطبيق القوانين ، مما يكفل سيادة القانون و التطبيق العادل له دون المساس بالحقوق و الحريات؛ ولهذا انشأ ما يعرف بمبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين، حيث تتمثل هذه الرقابة في وجوب خضوع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للرقابة القضائية للتأكد من مطابقتها وامتثالها للنصوص الدستورية ، ويرتكز مفهوم تلك الرقابة الى ما يتمتع به الدستور من سمو باعتباره يشكل قمة الهرم القانوني في الدولة ؛ وبالتالي فالقاضي الدستوري يصون بتلك الرقابة الحقوق و الحريات الجماعية و الفردية، و يمنع المشرع من إصدار أي قوانين من شأنها المساس بتلك القيم الدستورية، كما أن محكمة النقض تراقب قضاة الأحكام في مدى حمايتهم للحقوق و الحريات اثناء تطبيقهم للقانون خصوصا و أنهم مطالبون دستوريا بالتطبيق العادل للقانون.

الفقرة الثانية: دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات

إنإحداث محكمةدستورية تحل محل المجلس الدستوري يكتسي أهمية قصوى بالنسبة لتدعيم دولة القانون وحماية حقوق الإنسان وتقوية استقلال السلطة القضائية،كما أن من بين مستجدات الدستور الجديد النص على أن المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر القضائي في القضايا، وذلك إذادفع أحد الأطراف بعدم دستورية القانون والإجراءات؛ لذلك فإحداث هذه المؤسسة الجديدة سيمكن من الحرص على دسترة القوانين وتلاؤمها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان،كماهو منصوص على ذلك في الدستور،وبناءعلى ذلك فإن مشروع القانون التنظيمي المنصوص عليه في المادة 232 من الدستور،مدعو إلى التأكيد على ضرورة إحداث محكمة مستقلة في سير عملها وتنظيمها وسهولة ولوج المتقاضين إليها حين تتعرض حقوقهم الدستورية للانتهاك.

و لقد حدد الدستور المغربي هذه صلاحيات المحكمة الدستورية بمقتضى الفصل 133 ، حيث نص على أن تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور، وبذلك تكون هذه المؤسسة الدستورية الكافل الوحيد للتوازن بين الحقوق والحريات والمصلحة العامة ، و هو ما أكده الفصل 134 من الدستور حيث أن قرارات المحكمة الدستورية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية؛ وبالتالي فالرقابة القضائية تعد من الوسائل الفعالة لحماية الحقوق والحريات و هي التي تحقق ضمانة حقيقية للأفراد ، إذ تعطيهم سلاحاً بمقتضاه يستطيعون الالتجاء الى جهة مستقلة تتمتع بضمانات حصينة من اجل إلغاء آو تعديل آو التعويض عن الإجراءات التي تتخذها السلطات العامة المخالفة للقواعد الدستورية المقررة .

ولكي يؤدي هذا القضاء دوره الفعال في هذه الحماية الجوهرية للحقوق وحريات الأشخاص يجب أن تكون المحكمة الدستورية منظمة تنظيماً دقيقاً، بحيث يتمتع أعضاؤها بجميع الحصانات المقررة للقضاة؛ وعليه فإن الرقابة القضائية وبسبب طبيعتها واستقلالها تعد أكثر فاعلية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. إذ تعمل على إلغاء القرارات الإدارية التي تتعارض مع حقوق الإنسان وحريات الأفراد، وتعمل على تعويضهم عن الأضرار التي تسببها هذه القرارات. كما إن هذه الرقابة تؤدي من جهة أخرى، إلى حرص الإدارة على القيام بأعمالها في حدود مبدأ المشروعية.

وفي الأخير تجدر الإشارة الى دور الرأي العام في ضمان حقوق و الحريات، ممثلا في المجتمع المدني الذي أصبح له ثقل دستوري و قانوني داخل النسيج الاجتماعي و القضائي و ذلك بهدف حماية حقوق و حريات المواطنين من الانتهاك، فهذا المجتمع هو إدارة شعبية حكيمة، تدخل في حوارات ومناقشات للعمل على نشر مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ويكون لها دور كبير في كشف الانتهاكات على هذه الحقوق من قبل السلطة الحاكمة، فضلاً على ذلك، فإن هذه الإدارة الشعبية تعمل على نشر مبادئ الديمقراطية في المجتمع، وهذا بلا شك يؤدي إلى حماية حقوق الإنسان، إذ إن الديمقراطية نظام سياسي و قضائي و سوسيو-اقتصادي يقوم على عدة مبادئ، منها المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وإقامة دولة المؤسسات، بالإضافة إلى تداول السلطة بين القوى السياسية بالطرق الدستورية والقانونية وذلك على أساس حكم الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية، وقد أكد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فينا سنة 1993 على الترابط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان في مادته الثامنة والتي تنص على أن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضاً.

    ومن الجدير بالذكر، إن دور الرأي العام في ضمان وحماية حقوق الإنسان يرتبط بمدى ثقافة المجتمع ومدى معرفته بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهذا بلا شك يتحقق من خلال تعليم وتثقيف أفراد المجتمع على الأفكار والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان.

المطلب الثاني: الضمانات القانونية

لقد اقر المشرع الدستوري و القانوني مجموعة من الضمانات و المبادئ الدستورية الموضوعية (الفقرة الأولى)، و الإجرائية ( الفقرة الثانية) للحماية الحقوق والحريات، و التي تجعل القاضي الجنائي في موقف القائم بالسهر على حماية هذه الحقوق و الحريات و ذلك بتطبيق للقانون التطبيق العادل دونما انتهاك لأي حق أو حرية.

   الفقرة الأولى: الضمانات الموضوعية

يشكل الحق في المحاكمة العادلة احد الأعمدة الأساسية لدولة الحق و القانون لحماية الإنسان من التعسف و الشطط و الاعتداء، وقد عمل المشرع الدستوري على تكريس هذا الحق من خلال النص صراحة في فصله 23 على أن قرينة البراءة و الحق في المحاكمة العادلة مضمونان، وقد رسخ الدستور المغربي هذه الضمانة من خلال الفصل 120 الذي أكد على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة و في حكم يصدر في آجال معقول؛ كما جاء في فصله 117 على أن القاضي الجنائي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون؛ لذلك فهو مؤتمن دستوريا و قانونيا على رعاية الحقوق و الحريات؛ بما يكفل عدم انتهاكها إلا وفقا للقانون؛ هذا ولقد عمل الدستور الجديد كذلك على تأكيد مجموعة من المبادئ الدستورية لتكريس ضمانات المحاكمة العادلة، من ضمنها قرينة البراءة ثم مبدأ الشرعية؛ حيث تعتبر قرينة البراءة من أهم المبادئ المؤسسة للمحاكمة العادلة، حيث ثم التنصيص عليها في المادة 23 من الدستور، فهي ضمانة قانونية ثم التنصيص عليها كذلك في ظل المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا الى أن تنبث إدانته بمقرر مكتسب لقوة الشئ المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية ويفسر الشك لصالح المتهم”، فهي بذلك قرينة قانونية بسيطة لإمكانية إثبات ما يخالفها.

إن الضمانة الأساسية التي يتمتع بها المفترض براءته بمقتضى قرينة البراءة، تكمن في كون عبء إثبات ما ينقله الى وضعية المدان يقع على عاتق أجهزة العدالة الجنائية؛ ومن أهم الضمانات الموضوعية المقررة في الدستور الجديد لحماية الحقوق و الحريات ما يتعلق بمبدأ الشرعية حيث جاء في مقتضيات الفصل 23 من الدستور في فقرته الأولى النص على انه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون؛ من هذا المنطلق و إذا كان مبدأ الشرعية الجنائية يؤكد على انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا إدانة إلا بمحاكمة قضائية، حيث يكون القانون هو المصدر الوحيد لتجريم الأفعال و العقوبة عليها، لان مبدأ الشرعية الجنائية لا يستساغ في المجال الزجري إلا في إطار مفهوم الدولة التي تتوفر على موصفات معينة يمكن تحديدها في دولة القانون، وفصل السلطات و احترام حقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار فان القاضي الجنائي ملزم باحترام هذا المبدأ الأصيل لأنه المحدد الأساس في جعل المحاكمة عادلة أو غير عادلة، بناءا على مختلف الموصفات المذكورة، خصوصا إذا علمنا أن القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي هي التي تحكم في فض المنازعات الجنائية؛ و من أهم الضمانات القانونية كذلك ، ما يتعلق بما تضمنه الدستور المغربي في تصديره الذي اقر و لأول مرة بسمو المواثيق الدولية على القانون الوطني، ما لم يكن هناك مخالفة لأحكام الدستور و القانون الوطني و الهوية الوطنية؛ وتطبيقا لذلك أتى الفصل السادس من الدستور بمجموعة من الضمانات المهمة في المحاكمة الجنائية؛ حيث يؤكد على أن القانون يعتبر أسمى تعبير عن الأمة، و بالتالي فاحترام الحقوق و الحريات أساسية للمحاكمة عادلة؛ كما تضمن الدستور الجديد اعترفا صريحا للسلطة القضائية كسلطة مستقلة، وذلك في فصله 107، والتي من ابرز تجلياتها إلزام قضاة الأحكام بالتطبيق العادل للقانون في إصدار أحكامهم، كما يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، و لا يتلقى القاضي بشان مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات و لا يخضع لأي ضغط، ناهيك عن الحق في صدور الأحكام في اجل معقول على أساس أن تكون كل الأحكام معللة، و تصدر في جلسة علنية و وفق الشروط المنصوص عليها في القانون، و يبقى القاضي في كل الحالات ملزما بحماية حقوق الأشخاص و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون حسب الفصل117من الدستور، يضاف إلى ذلك اعتبار كل قاضي جنائي اخل بواجب الاستقلالية و التجرد مرتكبا لخطأ مهني جسيم.

إلا أن أهم ضمانة قضائية مخولة للمتهم في هذا الدستور، ما يتعلق بتحمل الدولة التعويض عن الأخطاء القضائية التي قد ترتكب في حقه، فإذا كان من حق المجتمع معاقبة المجرمين فمن حقه كذلك عدم الزج بالأبرياء وراء أسوار السجون فذلك يشكل ضمانة لحقوق المتقاضين وقواعد لسير العدالة.

وعليه ففكرة احترام حريات وحقوق المتهمين، لها ارتباط بالمحاكمة العادلة المقررة في الدستور المغربي.

وبالتاليفإن الضمانات القانونية والدستورية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من الحقائق القانونية المسلم بها في كل نظام قانوني، وتحظى باهتمام دولي وإقليمي ومحلي، ومعترف بها في النظم القانونية الوطنية، فبدون وجود هذه الضمانات تبقى النصوص قواعد قانونية معرضة لتعسف السلطة وإساءة استعمالها؛ ولعل كذلك من أهم الضمانات الدستورية العامة التي تكفل حقوق الإنسان وحرياته، مبدأ المساواة، مبدأ المشروعية أو سيادة القانون، مبدأ الفصل بين السلطات، مبدأ استقلالية السلطة القضائية ومبدأ الرقابة على دستورية القوانين.

الفقرة الثانية: الضمانات الإجرائية

 لقد أعطى المشرع الدستوري للمتهم في مجموعة من الضمانات الإجرائية يجب على القاضي الجنائي الامتثال لها ومراقبة مدى رعايتها من طرف المتدخلين في الإجراءات، حيث نص في فصله 23 على انه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون أورد أن الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات؛ كما أكد ذات الفصل على وجوب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقاللقانون.
كما أن الفقرة الثالثة أقرت أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان.

ومن ضمن الضمانات الإجرائية التي يجب على القاضي الجنائي الالتزام بها مايلي:

  • الحق في المساواة أمام القانون و المحاكم و أمام محكمة مختصة و مستقلة و مشكلة وفق أحكام القانون حيث أن أول ما ينبغي أن يتوفر للمتهم هو تسيير إجراءات بلوغ المحاكم و اللجوء إليها كجهة قضائية قصد ابتغاء الإنصاف، و حقه في المساواة أمام القانون و أن يعامل على عدم احترام، النصاب القانوني بطلان الإجراءات و المسطرة، و أن تتوفر في هده المحكمة الاستقلالية و الحياد و النزاهة. و يجب أن تكون إجراءات البحث و المناقشة علنية.
  • و في نفس السياق تنص المادة 169 من الدستور المصري علة أن”جلسات المحاكم علنية إلا إدا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب. و في جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”.
  • افتراض براءة المتهم حيث أن المتهم يعتبر بريء إلى أن تنبث إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناءا على محاكمة عادلة. لذلك يجب أن يعامل على هدا الأساس أي ان القاضي الجنائي يجب أن يتعامل معه على أساس البراءة وليس فاعل أو مجرم لأن البراءة هي الأصل و هدا ما كرسته المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية.

      فهذه المادة وردت متشابهة مع مقتضيات المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و قد أحاطها المشرع بعدة تدابير عملية لتعزيزها و تقويتها و منها :

    – اعتبار الاعتقال الاحتياطي و المراقبة القضائية تدبيران استثناءين؛

    – تحسين ظروف الحراسة النظرية و الاعتقال الاحتياطي و إحاطتها بإجراءات مراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية.

  • الحق في عدم الإكراه على الاعتراف بالذنب، و استبعاد الأدلة المنتزعة بالعنف و الإكراه،  لأن انتزاع شهادة المتهم بالعنف ضد نفسه و تقديمها أدلة و حجة للقضاء لضمان إدانته هو عمل منافي لمعايير الحاكمة العادلة، بل يجب لبلوغ هده الأخيرة استبعاد تلك الاعترافات من ملف القضية سواء من طرف ممثل الحق العام أو أمام قضاء الحكم .

    حيث نصت المادة 293 فقرة 2 من قانون المسطرة الجنائية على أنه : ” لا يعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه”.

  • حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي و عدم محاكمة المتهم على نفس الفعل مرتين

       إن قواعد المسطرة الجنائية تطبق بأثر فوري و قواعد القانون الجنائي يطبق بأثر رجعي فقط القوانين الأصلح بالمتهم.

     لأن قواعد الشكل تكون دائما في صالح المتهم، لكونها شرعت من أجل السير الحسن للعدالة الجنائية.

      كما أنه لا يجوز محاكمة أو عقاب المتهم عن جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي   وفقا للقانون و الإجراءات الجنائية و هذا ما هو مكرس في المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية.

  • هذا إضافة إلى بعض الحقوق الأخرى التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية من ضمنها:
  • الحق في الاستعانة بمترجم أو شخص اعتاد التخاطب معه؛
  • الحق في حضور المحاكمات بكل درجاتها و حقه (المتهم) في الطعن فيها بجميع أنواع الطعن العادية و الاستثنائية؛
  • الحق في استدعاء الشهود و مناقشتهم؛
  • الحق في الاستعانة بمحامي أثناء المحاكمة سواء على نفقته أو في إطار المساعدة القضائية.

       و ما يمكن الإشارة إليه هو أن المشرع الجنائي لم ينص فقط على حقوق المتهم أثناء المحاكمة أو قبلها و إنما نص على حقوق هذا الأخير حتى بعد النطق بالحكم.  أي عند تطبيق العقوبة. و ذلك بالنص لأول مرة على مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة.

    المبحث الثاني: ضوابط السلطة التقديرية للقاضي الجنائي

    إن حرية القاضي الجنائي في الاقتناع وتقدير الأدلة ليست حرية تحكمية وعشوائية وغير منضبطة بل حرية لها ضوابط عامة (المطلب الأول) وخاصة (المطلب الثاني)؛ يجب مراعاتها وإتباعها من أجل الوصول إلى أحكام صحيحة تصون الحق وتحافظ على حسن سير العدالة؛

    المطلب الأول الضوابط العامة لسلطات القاضي الجنائي في التطبيق العادل للقانون

    من منطلق أن القاضي الجنائي يحمل على عاتقه أثناء النظر في القضايا المعروضة عليه مهمة عظيمة وجسيمة والمتمثلة في تحقيق العدل واستقراء كل الأدلة المعروضة عليه وتقديرها ووزنها وترجيح كفة الأدلة انطلاقا من ميزان الحقيقة والإنصاف لإعطاء كل ذي حق حقه بلا ميل ولا حيف.

    لأجل ذلك؛ فالقاضي الجنائي ملزما دستوريا وقانونيا بالالتزام بالمبادئ العامة التالية:

    أ)- تقيد القاضي بالحيادية

    إن من أسس استقلال القاضي الجنائي الحياد الذي يعكس صورته بصفة منطقية فالاستقلال المؤسساتي المتعلق بنظام القضاء عامة وتقنينه للشروط والضمانات المادية والموضوعية يتوخى حياد القاضي، والحياد لا يقف عند هذه الحدود بل يطال إجراءات سير المتابعة الجنائية من حيث التجرد واحترام إرادة العدالة دون توسيع الإطار القانوني المؤطر للمتابعة الجنائية ولا يغير أو يعدل سبب الدعوى الجنائية.

    فلا بد إذن للقاضي الجنائي أن يكون حياديا فلا يميل عند نظره في نزاع معين الى كفة أحد من الخصوم فيطبق القاعدة القانونية المحققة للعدالة وفقا لما يقتضيه النظام القانوني المقرر لهذه القواعد فيفصل في النزاع بروح موضوعية متجردا وبعيدا عن التأثر بالمصالح والعواطف الشخصية.

    فلا يجوز أن يكون هذا القاضي خصما في النزاع أو تكون له مصلحة ما فيه إذا لا يصح أن يكون هو الخصم والحكم في آن واحد. ولعل مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام أو التحقيق عن قضاء الحكم يترجم مضمون هذا الحياد بوضوح.

    ومما يتعارض مع هذا المبدأ أن يتدخل القاضي لتعويض النقص الناجم عن عدم خبرة أحد المتقاضين أو محاميه أو أن ينبه أو يدعوه إلى تصويب ما وقع فيه من أخطاء كي لا يفوت عليه المصلحة التي يبتغيها أو يقدم إليهم النصح والإرشاد حتى ولو كانت غايته من وراء ذلك نبيلة في تسريع إجراءات العدالة وتبسيطها بل عليه أن يصدر حكمه وفق ما توفر أمامه من معطيات.

    ب)- تقيد القاضي بالاختصاص

    فلا يكفي أن يكون القاضي متمتعا بولاية القضاء لكي يصبح ملتزما بالفصل في الخصومة إذا لا بد أن يكون مختصا نوعيا بالنظر فيها لذلك فلا بد للقاضي الجنائي أن يتقيد بالاختصاص الذي حدده له القانون وإذا حكم في قضية معينة ليست في اختصاصه كان حكمه باطلا.

    ج)- تقيد القاضي بالمساواة بين الخصوم

    يعتبر مبدأ مساواة المتقاضين أمام العدالة من المبادئ الهامة التي كرسها القانون، ذلك أن من واجب القاضي أن يلتزم، وفقا للأحكام المنصوص عليها في النظام الأساسي للقضاة، وعملا باليمين القانونية التي يؤديها قبل شروعه في أداء مسؤولية المهنية بمبادئ النزاهة والاستقلالية والحياد، وان يتعامل مع جميع أطراف الخصومة المعروضة عليه في إطار ما يلزمه به القانون، وهو مبدأ مهم كرسه الدستور في الفصل 127 حيث جاء فيه :” تُحدث المحاكم العادية والمتخصصة بمقتضى القانون و لا يمكن إحداث محاكم استثنائية “؛ أي أن الجميع يخضع للمساطر العادية بما فيه قانون المسطرة الجنائية في مختلف الجرائم التي يرتكبونها، سواء كان مواطنا عاديا أو مسؤولا كبير في الدولة. و بقراءتنا للفصول من 118 الى 126 من الدستور نجد أن في لبها مبادئ المساواة أمام القضاء، فالقول بتمتيع كل شخص بمحاكمة عادلة و ضمانة الدفاع هو جوهر المساواة أمام القضاء، كما انه يمثل مبدأ إجرائيا عاما، ولا يكفي وجود قواعد قانونية مكرسة لهذا المبدأ، بل يجب أن ترسخ في ثقافة و قناعة القضاة حتى يتم صد أي تمييز مهما كان نوعه في حق طرفي النزاع؛ هذا ومن بين مظاهر المساواة في القانون، ما يتعلق بالقواعد العامة للجلسات و كيفية الاستماع الى الأطراف، ومن هنا ينطلق مدى ممارسة القاضي الجنائي للمساواة، علما أن المساواة في التقاضي تنطلق منذ تقديم الطلب أو متابعة النيابة العامة، و مرورا بجميع الإجراءات إلى حين صدور الحكم الآمر الذي يجعل المتقاضي يطمئن للقاضي، و إلا اهتزت هذه الثقة لان الفرد هو في أحوج الناس الى ضمان حياد قاضيه.وإذا كانت المساواة رديف للحياد، فان القاضي يجب عليه عند النظر الى أي نزاع أن يتجرد من أية مصلحة شخصية، وان يزيل من فكره جميع ميولا ته، و ذلك حتى لا ينأى عن العدالة المطالب بتحقيقها.

    د)- تقيد القاضي بمبادئ حقوق الدفاع

    من المسلم به دستوريا أن حقوق الدفاع تعتبر من مكونات المبادئ الأساسية للتقاضي و المحاكمة العادلة، وهي تترجم بحق مدى المساواة بين الأطراف، والمعيار الفعلي الموضح لدرجة حياد القاضي الأمر الذي يجب الالتزام به من طرق القاضي الجنائي و ذلك عبر السهر على تكريس التطبيق العملي لهذا المبدأ خلال كافة مراحل الدعوى العمومية؛ وهذا ما تجلى في الفصل 120 من الدستور : ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”؛ كما جاء في الفصل 23 منه أيضا : “يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون”؛ فهذين الفصلين من الدستور يلزمان القاضي الجنائي بمراعاة حقوق الدفاع المكفولة للمعتقل أو المتهم، و مراقبة مدى احترام كافة الضمانات المتعلقة بتلك الحقوق، وذلك استحضارها في كافة مراحل الدعوى العمومية، وكذا أثناء انعقاد المحاكمة في جلسة علنية وما تحتمه من إجبارية مؤازرة الدفاع في القضايا الجنائية؛ وتطبيقا لذلك ومن باب أولى فالقاضي الحكم ملزم بالاستماع لجميع الأطراف، و منحهم فرصة الإدلاء بدفاعهم و دفوعاتهم سواء منها الشكلية أو الموضوعية حتى ينور نفسه بأطوار القضية و دقائقها و درجة صحتها و حجيتها، ومنه الأهداف المتوخاة من دفاعهم بتنظيم و تأطير من رئيس المحكمة؛ هذا وغني عن البيان ما لاحترام حقوق الدفاع، من أهمية قصوى في صيانة حق التقاضي على اعتبار أن حق الدفاع حق طبيعي مرتبط بحقوق الإنسان يتوخى منه المتقاضي درء الاتهام و يلقي على النيابة العامة عبء الإثبات.

    وهو مبدأ أخذت به كل الدساتير و التشريعات المعاصرة، حيث وتطبيقا للمادة 69 من الدستور المصري، وتكريسا لدستورية حق الدفاع ذهبت المحكمة الدستورية العليا : “…إن إنكار ضمانة الدفاع و فرض قيود تحد منها، يخل بالقواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة العادلة، و التي تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان و حماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة”.

    هـ)- تقيد القاضي بمبدأ علنية الجلسات

    حيث يعتبر مبدأ علنية الجلسات من المبادئ الدستورية التي اقرها دستور فاتح يوليوز 2011 حيث نص في فصله 123: ” تكون الجلسات علنية ماعدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك “، وهو بذلك يطال القضايا المدنية و الجنائية، وهذا يؤول الى كون أن كافة الجلسات مفتوحة في وجه العموم لمن يرغب في متابعة ما يجري، فهي ضمانة هامة للرأي العام لمراقبة أعمال القضاء، و كذا ضمانا أساسيا لحياد القاضي الجنائي مما يعطي لقيمة المحاكمة العادلة دلالة واقعية تطمئن بها نفوس أطراف النزاع، وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون في عدم إعمال هذا المبدأ، و المتجلية أساسا فيما نص عليه المشرع في المادة 301 من قانون المسطرة الجنائيةوهو يراعي في ذلك المصالح الفضلى للحدث المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل؛ و تأسيسا على ذلك جعل المشرع جلسات الأحداث سرية حيث نص في المادة 478 من قانون المسطرة الجنائية :” يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية، ويجب أن يحضر الحدث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور..”.

    هذا وتمكن علانية الجلسات من حضور العموم للمحاكمة مما يولد نوعا من الاحتكاك بالقضاء و تفعيل أساسي للمبدأ الدستوري القضاء في خدمة المواطن و بذلك يتم تربية المواطنين على القيم النبيلة للعدالة مما يعطي للمحاكمة العادلة بعدا مجتمعيا؛ وتمديدا لذلك، تتحقق العلانية كذلك بما تنشره الصحف عن حسن نية من مرافعات المحاكم دون التأثير في مسارها، أو إذاعة وقائع المحاكمة بمكبر الصوت للناس خارج جدران القاعة.

    وتأسيسا على ما سبق يمكن إجمال الحكمة من تقييد القاضي الجنائي بمبدأ علنية الجلسات في ما يلي :

  • أن هذا المبدأ يسمح بمراقبة القاضي و الوقوف على حسن سير المحاكمة؛
  • أن تفعيله يؤمن ضمانات أساسية لحقوق الدفاع؛
  • انه يؤمن الطمأنينة الى نفس المتهم بهذه الرقابة الجماهيرية؛
  • يعتبر هذا المبدأ من ضمانات الحرية الفردية شانها في ذلك شان حق الدفاع، فمن مصلحة المتهم أن يدلي برأيه أمام جمهور يمثل الرأي العام، كما له مصلحة في أن تعلن براءته أمام الملأ؛
  • يضمن هذا المبدأ حق الفرد في الإعلام و هو حق دستوري كرسه الدستور الجديد؛
  • و أخير هذا المبدأ يحفز قضاة الأحكام على بذل المجهود مضاعفا للوصول الى العدالة المنشودة من طرف العموم.

    و)- تقيد القاضي بإصدار الأحكام داخل أجل معقول

    ألزم الدستور الجديد القاضي الجنائي بالعمل على إصدار الأحكام داخل اجل معقول و ذلك بموجب الفصل 120، لان من حق أطراف النزاع أن تنظر المحكمة في موضوع المتابعة الجنائية داخل وقت معقول حتى يتم تحقيق الردع الخاص و العام وكذا ترضية لنفوس الضحايا المتضررة من الآثار السلبية و النفسية لوقع الأفعال الإجرامية لذلك فعلى القاضي الجنائي العمل على الإحاطة بالقضية بقدر يجعل إصدار الحكم فيها في وقت معقول، إلا أن التساؤل المطروح هو ما هي الآجال الواقعية حتى نحدد بأن هذا وقت معقول خصوصا و أن المشرع الدستوري ألزم قضاة الأحكام بالتطبيق العادل للقانون و هذا لن يتأتى إلا بعد تفحص و إعادة الكرة للوقوف عند الأساسات الحقيقية للقانون العادل الواجب التطبيق وفقا للمقتضيات الدستورية و لما ينسجم كذلك مع مبدأ الشرعية الجنائية على اعتبار أن القاضي الجنائي لا يتوسع في القواعد القانونية الجنائية لأنها لها علاقة بالحقوق و الحريات الأساسية لأطراف النزاع؛ وجدير بالذكر أن من مظاهر المحاكمة العادلة إصدار الأحكام في آجال معقولة، لأنه بعض القضايا تؤثر تأثيرا قويا على أصحابها خصوصا النزاعات المالية و ما تخلفه من اثار على أصحابها و التأخير لن يزيدها إلا تعقيدا و تأزما. و بالتالي يمكننا القول أن لكل شخص الحق في مناقشة قضيته في جلسة علنية على أن تصدر الأحكام داخل أجال معقولة من قبل محكمة مستقلة وحيادية، منشأة بحكم القانون في احترام كامل لكل الأسس الموضوعية في أية تهمة جنائية.

    المطلب الثاني: الضوابط الخاصة بالقاضي الجنائي في التطبيق العادل للقانون

    بالإضافة الى ما يلقى على عاتق القاضي الجنائي من الالتزامات الدستورية بالمبادئ العامة المؤطرة للحق في المحاكمة العادلة، خصوصا من الناحية الشكلية، فانه في المقابل كذلك يجب أن يلتزم بضوابط موضوعية حتى يوصف حكمه بالعادل ويمكن إجمال هذه الضوابط في ما يلي :

    أولاً : يجب أن يكون الاقتناع بناءً على وجود دليل

    إن القاضي الجنائي عندما يكون قناعته لا يكونها من فراغ إنما بناءً على أدلة موجودة بالقضية، و المشرع لم يحدد أدلة معينة في الإثبات الجنائي إنما فرض على القاضي أن يبني قناعته استناداً إلى دليل موجود، وهذا الدليل يجب أن يكون كاملاً لأنه هناك بعض الوقائع او المواقف لا ترقى إلى مرتبة الدليل، و بالتالي لا يصح الركون إليها وحدها في تشكيل القناعة قضاة الأحكام؛ ومن هذا القبيل أن سكوت المتهم لا يعد إقراراً منه على ما نسب إليه، لأنه لا ينسب إلى ساكت قول ، كما لا يجوز لقاضي الجنائي أن يتخذ من غياب المتهم أثناء المحاكمة قرينة كافية للحكم عليه دون وجود دليل.

    كما أن العطف من متهم على أخر ليس بدليل كاف على نسبة الجرم إلى المتهم الآخر إنما يبقى قولا يحتاج إلى دليل أو أدلة تسانده، وبالتالي لا يجوز الاعتماد عليه في الإدانة وبذلك فان الأدلة تنقسم إلى أدلة على جريمة و أدلة على مقترفيها. ومن اجل إدانة شخص بجريمة معينة و نسبتها له، لا بد من وجود دليل على وقوع الجريمة و لا بد من وجود دليل آخر يؤكد بشكل بما لا يدع مجالاً للشك اقتراف هذه الجريمة من قبل المتهم.

    ثانياً : بجب أن يكون الدليل الذي استخدمه القاضي في قناعته قضائياً

    من الشروط المسلم بها فقها و قضاء، و المستوحاة من المبادئ العامة للقانون، أن الاقتناع ينبني على دليل قضائي، و المقصود بالدليل القضائي هو ذلك الدليل الذي لا ينتج إلا عن عمل قضائي قامت به السلطة القضائية، أو أمرت به في حدود اختصاصها في جمع الأدلة، وقد ميز الففه بين الدليل و الاستدلال و قرر بأن الاقتناع الذي يترتب عليه الحكم بالإدانة، يجب أن تبنى على دليل على الأقل، يقتنع به القاضي بوقوع الجريمة من المتهم، فلا يجوز أن تنبني الإدانة على مجرد استدلال، على اعتبار أن هذا الأخير يدعم الأدلة، لكنه لا يصلح وحده سندا للإدانة؛ لأجل ذلك لا يجوز للقاضي الجنائي أن يعتمد إلا على البيانات التي قدمت أثناء المحاكمة و تناقش فيها الخصوم بصورة علنية ، أي لا بد أن يكون الدليل الذي استند إليه القاضي لتكوين قناعته له أصل في أوراق القضية وطرح في الجلسات للمناقشة العلنية وخضع لحرية المناقشة من قبل أطراف الخصومة الجنائية بعد تلاوته أمام الجميع من قبل المحكمة؛ وفائدة ذلك حتى يعرف أطراف النزاع الأدلة التي ضدهم و الأدلة التي من مصلحتهم ولكي يكون القاضي قناعته استناداً إلى تحقيق أجراه بنفسه من جهة أخرى.

    ثالثاً : يجب أن يكون الاقتناع بناء على أدلة مشروعة وصحيحة

    على القاضي أن يكون قناعته الوجدانية من خلال أدلة مشروعة وصحيحة؛ وبالتالي فانه يجب عليه طرح الأدلة التي جاءت عن طريق إجراءات غير مشروعة أو غير قانونية جانباً لأن ما بني على باطل فهو باطل؛ حيث يكون الدليل الباطل ناتج عن خرق قواعد جوهرية في قانون الموضوع، أو خرق في القواعد الإجرائية التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية.

    وغاية المشرع من ذلك تأمين حق الدفاع المقدس للأفراد، وبالتالي يكون الدليل المتحصل عليه بالضغط والإكراه والاحتيال دليلا معيبا يتوجب على القاضي استبعاده من بين الأدلة المطروحة عليه؛ وذلك استنادا للمادة 293 من قانون المسطرة الجنائية حيث لا يؤخذ بالاعتراف تحت الضغط لأنه يهدر ضمانات دستورية لحقوق المواطنين في الدفاع عن أنفسهم و حماية حرياتهم و يتناقض مع روح التشريع و القواعد العامة للقانون و الدستور التي تروم الى حماية جميع الضمانات الكفيلة بتحقيق المحاكمة العادلةكما هو منصوص عليها دستوريا في الفصل 120 .

    رابعاً: يجب أن يكون الاقتناع بناءً على الإلمام بجميع الأدلة ومناقشتها

    يجب على القاضي لتكون قناعته صحيحة وقبل أن يصدر حكمه أن يطلع على جميع الأدلة الموجودة أمامه، وان يمحصها كلها بنفس القدر سواء أكانت أدلة إثبات الجريمة ، أو أدلة نفيها عن المتهم، فالأدلة التي يبني القاضي الجنائي عليها اقتناعه الصميمتتركز أساسا في الدليل الذي يرتاح إليه ضميره، إلا انه يجب أن يستخلص هذا الدليل من أوراق الملف، و مستنداته التي عرضت أثناء الإجراءات، و نوقشت شفاهيا أمامه، وذلك كما تفرض ذلك المادة 287 من قانون المسطرة الجنائية و التي جاء فيها: ” لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة و نوقشت شفهيا و حضوريا أمامها”، و تكريسا لهذا المبدأ قضى المجلس الأعلى في احد قراراتهبأنه : “بمقتضى الفصل 289 من قانون المسطرة الجنائية، فان القاضي لا يمكن له أن يبني مقرره، إلا على حجج عرضت أثناء الإجراءات و نوقشت شفاهيا و حضوريا أمامه، و لهذا يتعرض للنقض، المقرر الذي بني على علم رئيس الجلسة عند ما قام بالتحقيق في قضية سابقة”. هذا وقد جرى عمل المجلس الأعلى، على التثبت بنفسه من الوقائع الإجرائية من حيث سلامتها، وذلك عن طريق مراجعة أوراق التحقيق، التي يكون القاضي الجنائي قد أشار إليها في بيان وقائع الدعوى، أي أركان الجريمة و ظروفها، و باقي الأدلة إثباتا أو نفيا، و يكون ذلك، إذا طعن صاحب الحق بأن ما احتواه الحكم المطعون فيه قد ورد مخالفا لما تضمنته الأوراق و غني عن البيان أن استناد المحكمة الى أدلة يتضح بأنها وهمية ولا وجودها لها في الأوراق، مقتضاه في نهاية المطاف، أن يكون الحكم باطلا، لانتفاء قيامه على أساس قانوني صحيح، وهو ما يدخل في رسالة المجلس الأعلى، أن يراقبه في حكم الموضوع بغير أن يعد هذا تطاولا منه على سلطة قاضي الموضوع في تقدير الوقائع. وهذه الوقاية، تفيد في رصيد الأخطاء التي قد تعتري عمل قاضي الموضوع، كأن يقول بأن الدليل العلمي وارد في تقرير الخبير، ويتضح من الاطلاع عليها، خطأ في الإسناد هذا، يتحقق كلما أسند الحكم مثلا أقوالا الى شاهد لم يقلها أو عبارة هامة في تقرير الطبيب لم ترد به. هذا ويحق لكل طرف من أطراف الدعوى الجنائية، أن يبدي وجهة نظره ويثبت ادعاءاته في مواجهة باقي الأطراف بصفة تتحقق فيها العلنية وسائر ضمانات حقوق الدفاع.كما انه من حق كل طرف في أن يطلع على الأدلة التي قد تكون سندا للاقتناع و له أن يجادل في صحتها و يعارضها.

    خامسا: يجب أن يكون الاقتناع يقيني

    يجب أن يكون اقتناع القاضي الجنائي مبنيا على أدلة يقينية تجعل يوافق في حكمه قواعد المنطق السليم القائمة على الاستنتاج و الاستقراء، حيث أن الاستقراء يلعب دورا هاما في مجال تحديد دلالة القرائن والأمارات عبر تحليلها من اجل التوصل إلى الاقتناع اليقيني الذي يؤسس لتطبيق عادل للقانون. والى جانب كون الاقتناع يجب أن يكون منطقيا، فإنه أيضا يلزم أن يكون جازما لان الأحكام الجنائية لا تبنى على الظن والاحتمال بل على الجزم واليقين؛ وهذه القاعدة ضمانة للعدالة، وهي من مستلزمات المنطق والعقل إذ لا يستقيم أن يدان الشخص على التخمين، أو مجرد احتمالات وظنون لا ترقى إلى درجة اليقين. لذلك فقاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم، تشكل ضمانة دستورية وقانونية تحمي حقوق الأفراد باعتبارها أثرا يترتب على قرينة البراءة، لذلك يلتزم القاضي الجنائي في إصدار الأحكام باحترام كافة المبادئ الدستورية التي تؤول إلى ضرورة إعمال القانون بشكل عادل و ذلك لن يحصل إلا بالاقتناع اليقيني القاطع و الجازم بارتكاب المتهم للجرم؛ فالقاضي الجنائي يجب أن لا يحكم إلا بعد أن تكون قد تمثلت في ذهنه كافة احتمالات الواقعة الإجرامية، وكانت كافة هذه الاحتمالات تؤدي إلى إدانة المتهم؛ فلو وجد احتمال بسيط لمصلحة المتهم يبرئ ساحته، لان هذا الاحتمال يعتبر شكاً و الشك يفسر لمصلحة المتهم، لذلك يجب أن تبنى الأحكام على الجزم و اليقين و ليس الظن و الاحتمال.

    الفرع الثاني: محدودية سلطة القاضي الجنائي من فكرة التطبيق العادل للقانون

    ترتبط سلطة القاضي الجنائي في التطبيق العادل للقانون بمدى مرعاته لمبدأي الشرعية الجنائية وقرينة البراءة، لكونهما الحصن الدستوري لحماية الحقوق والحريات لذلك فالقاضي الجنائي عندما يباشر سلطته التقديرية في تطبيق القانون، فانه لا يستمد هذه السلطة من ذاته، ولكنه يستمدها من القاعدة القانونية المرنة التي يقوم بتطبيقها، فهذه السلطة تظهر بمناسبة تطبيق قاعدة قانونية، وتباشر في حدود هذه القاعدة، مما يترتب على ذلك، إخضاعها لرقابة محكمة النقض (المبحث الثاني).

    وإذا كان القاضي الجنائي، يباشر هذه السلطة في تطبيق العادل لقواعد القانون الجنائي، فان ذلك لا يعني عدم خضوعه لأية رقابة من أي نوع كانت، بل يجب عليه أن يعلل أحكامه تعليل قضائيا يعزز اقتناعه إلى القانون المطبق (المبحث الأول).

    المبحث الأول: تعليل الأحكام الجنائية

    إن تجسيد استقلال السلطة القضائية وفق ما اقره الدستور في الفصول من 107 إلى 111؛ ترتبط بوجود آليات للرقابة القضائية على سلطات القاضي الجنائي لذلك فقد عمد المشرع المغربي على غرار نهج جل التشريعات المقارنة الى إقرار و بسط نوع من الرقابة على حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته، وذلك حتى يحتاط أكثر و يبدل مجهودا اكبر أثناء تكوين عقيدته القضائية العمل على استخلاص قناعته من خلال التطبيق العادل للقانون الذي وضعه المشرع الدستوري على عاتقه. هذا و تتمثل هذه الرقابة من خلال ما منحه المشرع الدستوري و القانوني في حق التقاضي على درجتين (المطلب الأول)، وكذا ضرورة تسبيب القاضي لأحكام الصادرة وفقا لاقتناعه الصميم بالقانون العادل في القضايا المطروحة أمامه.

    المطلب الأول: مبدأ التقاضي على درجتين

    لقد اقر الدستور المغربي في فصله 118 على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون، لذلك أخذ القضاء المغربي شأنه في ذلك شأن باقي الأجهزة القضائية المقارنة في جل الدول بمبدأ التقاضي على درجتين و ذلك حتى يتمكن المتقاضين من حقهم في إعادة طرح نزعاتهم أمام محكمة ثانية أعلى من المحكمة الأولى، فتصحح وتراجع ما يمكن أن تكون هذه الأخيرة قد اقترفته من أخطاء، سواء ما يتعلق بالواقع أو القانون. ومن ضمن تلك الأمور التي قد يقع فيها القاضي الجنائي أثناء إصداره للحكم الجنائي ما يلي:

  • أن يكون الحكم قد بني على مخافة للقانون أوخطا في تطبيقه أو عيب في تأويله؛
  • أن يكون الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص؛
  • إذا وقع في الإجراءات المسطرية التي اتبعت عند المتابعة الجنائية خطا مؤثر في صحة الحكم؛
  • إذا وقع الحكم خطا جوهري أهدر من خلاله حق لطرف من الخصومة الجنائية.

    وقد عمد المشرع المغربي الى تكريس هذا المبدأ من خلال فتح المجال أمام المتقاضين لاستئناف الأحكام أمام محاكم الاستئناف في الجنايات باعتبار أن هذا الصنف من الجرائم يتميز بخطورة الفعل، كما أن للمتقاضي المتضرر الحق في لن يستأنف أحكام المحكمة الابتدائية في الجنح أمام غرفة الاستئناف بذات المحكمة وبالتالي فضمانة التقاضي على درجتين كفيلة بتجاوز ما يمكن أن يشوب الحكم الأولي من أخطاء أو هفوات.

    وهكذا تطرح القضية أمام المحكمة من جديد أمام قضاة أكثر تجربة وحنكة، والملاحظ أن المشرع هجر استئناف القضايا الزجرية لمدة الى أن تدارك الأمر في المسطرة الجنائية سنة 2002 حيث أصبح يشمل القرارات الصادرة عن غرف الجنايات الباتة في الجوهر، إضافة إلى القرارات الباتة في الاعتقال الاحتياطي.

    ولم يقف المشرع المغربي عند هذا الحد بل عمد الى خلق وسيلة جديدة على المجال الجنائي إلا وهي إمكانية الطعن في إعادة النظر فيما يصدر عن المجلس الأعلى من قرارات في حالات محددة قانونا ” المادتين 563 و 564 من ق.م.ج”.

    وإذا كان المشرع المغربي لا يقر استئناف أحكام الغرف الجنائية ولمدة طويلة، حيث لم تعطى فيها فرصا للمتقاضين لإعادة مناقشة قضاياهم، وربما انتهكت حقوقهم بل إن عدم الاستئناف ذاته يعتبر انتهاكا لمبادئ المحاكمة العادلة، إن هذا الأمر أصبح غير مقبولا البتة مع صدور قانون المسطرة الجنائية و الدستور الجديد الذي أكد على مبدأ المساواة بين المتقاضين من حيث الطعن في الأحكام لان ذلك له ارتباط وثيق بمبدأ المحاكمة العادلة الذي نص عليها الدستور.

    كما أن الطعن في الأحكام يعطي للمتقاضين الحق في التعرض عن الأحكام الغيابية كطريقة من طرق الطعن العادية حيث تبت في الحكم ذات المحكمة لإعطاء المتقاضي حقه، تكريسا لمبدأ علانية الجلسات وحقوق الدفاع، وحتى يتمكن المتقاضي من تقديم تعرضه في آجال محددة بعد تبليغه بالحكم لمناقشة القضية والإبداء بدفاعه، و يجب أن تقبل جميع الأحكام الطعن بمحاكم الاستئناف و الغرف الجنحية بمحاكم الاستئناف و الغرفة الجنائية بنفس المحكمة.

    و إلى جانب المرحلة الاستئنافية نجد محكمة النقض التي ترفع إليها الطعون النقض و الأحكام النهائية الصادرة عن محكمة أخر درجة في الجنايات و الجنح، و يتولى مهمة فحص الحكم للتحقق من مطابقته للقانون، سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية، فالقضية لا يعاد عرضها من جديد أمام محكمة النقض باعتبار أنها عرضت على درجتين قبل أن يطعن في الحكم بالنقض، و إنما يهدف عرض الحكم على المحكمة فحصه في ذاته استقلال عن الوقائع لتقدير مدى مطابقتها للقانون، و سبيل هذه المحكمة الى تحقيق هذا الفحص و الرقابة هو أسباب الحكم، التي يلزم القاضي على إدراجها بحكمه تحت طائلة البطلان، وهو ما سيكون حديثنا عند التطرق الى الوسيلة الثانية التي تتحقق بها الرقابة على الأحكام الجنائية.

    فمبدأ التقاضي على درجتين هو كفيل بأن تبسط المحكمة الأعلى درجة رقابتها على مدى حسن فهم القاضي الأدنى درجة للوقائع، وحسن تطبيقه العادل للقانون وفقا للفصل 110 من دستور 2011، مما يدعم قرينة البراءة التي أكد عليها الدستور ذاته.

    وبالتالي فحق المتهم في محاكمة عادلة لا يقف عند حدود الأحكام الابتدائية التي تكون مشوبة بأخطاء و هفوات أو تكييف يجانب الصواب، فكان لابد من فتح أبواب الطعن فيها لتصحيحها و تنقيتها مما يعتريها من أخطاء موضوعية و قانونية عن طريق و سائل الطعن المتاحة قانونا، وهكذا لا يمكن أن يستقيم أي إجراء دون فتح باب الطعن، فحتى و لو كان قاضي محاكم الدرجة الدنيا نزيها و متمكنا و يتحرى المحاكمة العادلة ما أمكن، فان الطعن يفتح أبواب الإدلاء بإثباتات جديدة كانت غائبة عن المتقاضين أو ظهور شاهد إثبات أو نفي، و موضوعيا لابد من مراقبة الأحكام لان هذا سيحفز قاضي الدرجة الأولى للاجتهاد أكثر في التطبيق العادل للقانون مادام حكمه سيراقب من طرف محكمة الدرجة الثانية لمراقبة الحكم من حيث سلامته و مطابقته للواقع و الوقوف على درجة جودته و تحقيقها للعدالة إنصافا للأطراف.

    ورغم هذه الفوائد التي يحققها هذا المبدأ إلا أننا نجد بعض الفقه يِؤمن بوجهة نظر مختلفة و يتحدث عن بعض سلبيات التي تتمخض عن هذا الآخذ بالمبدأ، وجمل حججه في إطالة أمد التقاضي، و زيادة أعبائه مما يؤثر سلبا على أداء خدمات العدالة، وتأخير تنفيذ الأحكام.

    المطلب الثاني: تعليل و تسبيب الأحكام

    ينص الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية على أن القاضي الجنائي يحكم حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا لما أشار إليه البند 8 من المادة 365 من نفس القانون لما سرد البيانات التي يجب توفرها في الحكم الجنائي حيث جاء فيه: ” الأسباب الواقعية و القانونية التي ينبني عليها الحكم أو القرار أو الأمر و لو في حالة البراءة”.

    فتسبيب الأحكام هي الوسيلة التي تمكن محكمة النقض أو محكمة الاستئنافمن ممارسة الرقابة على حسن تطبيق القانون، ومدى احترام المنطق القضائي السليم.

    وفي الحقيقة فان تسبيب الأحكام يعد المدخل الوحيد لمعرفة مدى احترام قضاة الأحكام لكافة الضمانات الدستورية و القانونية في المحاكمة العادلة، و الدليل الوحيد الذي يكشف مدى مراعاة هذه الضمانات، فهي المرآة الناصعة الجلية التي تعكس مدى إتباع القواعد و الإجراءات المنصوص عليها قانونا، فيتضح بذلك ما إذا كان قضاة الأحكام أحسنوا تطبيق القانون وفقا لمقتضيات الفصل 110 من الدستور، و سلكوا في ذلك المنطق القضائي و الغاية الدستورية في التطبيق العادل و السليم للقانون، بناء على استقراء جيد و مضبوط لأدلة الدعوى الجنائية و استنباط سليم للحكم العادل، فيكون بالتالي المنطوق مبررا التبرير المنطقي، ومن خلال التسبيب تظهر جليا سائر العيوب الكاشفة عن غياب شروط محاكمة منصفة.

    هذا و قد أكدت محكمة النقض على هذا المعنى في أكثر من مناسبة حيث أوردت في أحد قراراتها القاعدة التالية : ” التناقض الموجب للنقض هو الذي يرد في تعليلات الحكم أو بين هذه التعليلات و منطوق الحكم”.

    وفي قرار أخر نجده يقول : ” إن منطوق كل حكم هو نتيجة لحيثياته الأمر الذي يجعل الحكم و حده يكمل بعضها البعض الأخر”.

    فالقاضي الجنائي يجب أن يبني اقتناعه عن طريق دليل يتفق و العقل و المنطق و الحقائق العلمية و القانونية المسلم بها، فإذا فرضنا أنه بنى اقتناعه على تجربة سابقة أو حكم مماثل، وقضى بإدانة المتهم، فلا سبيل لإلغاء هذا الحكم إلا بإلزامه بتسبيب حكمه، ومحكمة النقض باعتبارها محكمة قانون لا تمارس رقابتها على وزن الأدلة و تقدير قوتها و ترجيح بعضها على بعض، لكن يجب أن تتأكد من أن الحكم قد بني على أدلة قانونية قائمة بإطلاعها على تسبيب اختصاصها بتطبيق القانون من حيث صحة الحكم.

    و قد عمدت محكمة النقض المصرية الى إجمال القول بخصوص أهمية تسبيب الحكم في أحد أحكامها ، حيث جاء فيه : ” إن تسبيب الأحكام من أعظم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة، إذ هو مظهر قيامهم بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التي يعلنونها فيما يفصلون فيه من الأقضية، وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم و الاستبداد، لأنه كالعذر فيما يرتأونه ويقدمونه بين يدي الخصوم و الجمهور، و به يرفعون ما قد يرين على الأذهان من الشكوك و الريب، فيدعون الجميع إلى عدلهم مطمئنين، و لا تنفع الأسباب إذا كانت عبارتها مجملة لا تقنع أحدا، ولا تجد محكمة النقض فيها مجالا لتبين صحة الحكم من فساده”. و بالتالي و لكي يؤدي التسبيب مهمته، فلا بد أن يرد بالصورة التي أكد عليها قانون المسطرة الجنائية في المادة 370 حين نص على انه : ” تبطل الأحكام أو القرارات أو الأوامر…3- إذا لم تكن معللة أو كانت تحتوي تعليلات متناقضة…”.

    وهكذا فانه يستوي أن يخلو الحكم من التسبيب أو أن يشمل على تسبيبات متناقضة لا تنسجم فيها العناصر الواقعية الأساسية الثابتة، و هو ما يصطلح على تسميته بشرط سلامة الاستقراء و الاستنباط، فكلا الأمرين يعرضان الحكم للإبطال حسب ما ورد في نص المادة أعلاه. ويعد أيضا التسبيب المجمل أو الغامض في منزلة التسبيب المنعدم، لعدم تحقيقه لمقاصد الشارع، إذ أن من شأن إفراغ الحكم في عبارات عامة، أو وضعه في صورة مجملة، أو حتى تحريره بخط غير مقروء أن يجرده من الدعامة المبررة للمنطوق. فالتسبيب ينصرف الى إقناع الآخرين بأن الاستقراء سليم، و الاستنباط منطقي، ولا يكفي أن يكون الأمر مقنعا لواضعي الحكم، إذ أن ذلك يجعل الحكم مستورا في ضمائرهم، لا يدركه سواهم، و لو كان الغرض من تسبيب الحكم أن يعلم من حكم لماذا حكم لكان التسبيب ضربا من العبث، و لكن الغرض و المقصد الأساسي من التسبيب هو أن يعلم من يملك حق الرقابة على أحكام القضاة، خصما كان أو محكمة، أو حتى جمهور الناس، ما هي مسوغات الحكم، و هو علم لا يتحقق إلا ببيان مفصل الى قدر تطمئن معه النفس و العقل الى أن القاضي ظاهر العذر في إيقاع حكمه على الوجه الذي ذهب إليه؛ وعليه فإن من ضوابط حرية القاضي الجنائي في الاقتناع بأي دليل ، أن يسبب حكمه أي بذكر الأسباب و العلل التي قادته و جعلته يحكم بالإدانة أو البراءة ، و إلا كان القرار عرضة للنقض، و لا يكفي أن يعدد الحكم في حيثياته الأدلة في الدعوى بل يجب أن يبين خلاصة عن كل دليل طرح في الدعوى و مناقشة كافية معرفة الأدلة التي اخذ بها الحكم، وهو ما كرسه المجلس الأعلى في احد قراراته الذي جاء فيه : ” في شأن الوسيلة الوحيدة المتخذة من انعدام التعليل ، ذلك أن القرار المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بإدانة المطلوبين بالأفعال المذكورة أعلاه بعلة أن اعترافاتهما المدونة بمحضر الضابطة القضائية لا ترقى إلى وسائل الإثبات المحددة في الفصل 493 من القانون الجنائي و لا تعتبر اعترافات تضمنتها مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهمين لكونها غير ممضاة من طرفهما ، و الحال أن الاعترافات المذكورة واضحة و دقيقة و تلقائية و لا لبس فيها ، وأن عدم توقيعها لا يعني استبعادها لأن المشرع ترك الاختيار للمشتبه فيه في  التوقيع على محضر تصريحاته من عدمها مع بيان أسباب ذلك طبقا للمادة 24 من قانون المسطرة الجنائية ، و بذلك فالقرار  المطعون فيه أساء تطبيق المادة 493 من القانون الجنائي المبرر لطب النقض. نظرا للمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية. حيث إنه عملا بالبند الأول من المادة المذكورة فإن حالة التلبس بجناية أو جنحة تتحقق بضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو على إثر ارتكابها. و حيث إنه عملا بمقتضيات الفصل 493 من القانون الجنائي، فإن حالة التلبس تعتبر إحدى وسائل إثبات جريمة الخيانة الزوجية .وحيث إن القرار المطعون فيه قضى ببراءة المطلوبين بعلة عدم توفر وسائل الإثبات في القضية طبقا للفصل 493 من القانون الجنائي ، و أن اعترافهما المضمن بمحضر الضابطة القضائية لا يعتبر وسيلة إثبات لعلة عدم توقيعه من طرفهما ، دون مناقشة حالة التلبس و محضر الإيقاف المحرر من طرف الضابطة القضائية و مدى تأثيره في القضية و دره في إثبات حالة التلبس ، خاصة الحالة التي يضبط فيها الفاعل إثر ارتكاب الفعل ، و بذلك فالقرار المطعون فيه ناقص التعليل الموازي لانعدامه الموجب للنقض و الإحالة؛ “إن هذا الموقف الذي ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها ، يعتبر موقفا سليما على اعتبار أنه يمنع على الأفراد تفسير النصوص القانونية ذات الطابع الجنائي إلا وفق ما أراده المشرع و ليس وفق ما يخرق القواعد المؤسسة لمبدأ الشرعية سواء من حيث التجريم أو وسائل الإثبات؛ وهكذا فان نقاء الضمير وصفاء السريرة يظلان هما الحكم الأقوى تأثيرا، و الضمان الأكثر فعالية من أي نص قانوني، على أن يصدر الحكم مجردا من الشوائب، و العيوب المخلة بالنزاهة و العدل و على أن يظل التوافق هو السمة التي تطبع العلاقة بين قرينة البراءة و حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه.

    المبحث الثاني: رقابة محكمة النقض

    إن محكمة النقض باعتبارها قضاء مواطنا ورقابيا تسهر على الالتزام التام بمضامين الدستور المغربي الجديد، وذلك عبر تكريس الحقوق الدستورية من خلال توفير كافة الآليات لتيسير ولوج المواطن إلى المعلومة القانونية والقضائية، واستعمال كافة أدوات الحكامة الجيدة التي تقتضي الشفافية و العصرنة والمسؤولية والفعالية والانفتاح على الغير والاحترام المطلق لدولة القانون، بهدف ضمان شروط المحاكمة العادلة وإصدار الأحكام داخل أجل معقول. لذلك فدور محكمة النقض جوهري في ترسيخ فكرة التطبيق العادل للقانون التي جاء بها الفصل 110 من الدستور ( المطلب الأول)، من خلال تسليط الضوء على كافة القواعد القانونية التي استند عليها القاضي الجنائي لبناء تكييفه القانوني بالإدانة أو البراءة ( المطلب الثاني).

    المطلب الأول: دور محكمة النقض في ترسيخ فكرة التطبيق العادل للقانون

    إن الجمع بين المنطق القضائي والمنهج القانونيفي رقابة محكمة النقض على حسن التطبيق العادل للقانون وفقا للمقتضيات الدستورية، يجد سنده في ضرورة حماية كل مقومات العدالة الجنائية، لذلك ما كانت أسباب العدل وعلم القانون لتجتمع في قضاء محكمة النقض لو لم تستخدم كلا من المنطق القضائي والمنهج القانوني السليم أسلوبا لتفكيرها، للوصول إلى الحل القضائي السليم، مما يعطي لمحكمة النقض دورا كبير في مراقبة منطق الاستخلاص الموضوعي للقاضي الجنائي للقانون العادل الواجب التطبيق؛ لذلك فقد اتخذ المنطق القضائي أداة لمراقبة مدى حسن تطبيق القانون، تأسيسا على أنه لا يمكن لمحكمة النقض أن تضمن وحدة كلمة القانون في أحكام القضاء، ما لم تضمن في الوقت ذاته سلامة المنطق القضائي الذي ينبني عليه استخلاص الواقع؛ فالمنطق المعوج في استخلاص وقائع الدعوى الجنائية يقود إلي تطبيق معوج للقانون، لأن التحكم في الواقع لابد أن يسفر عن خطأ في القانون.

    وقد استطاعت محكمة النقضدستور 2011 وضع قواعد للمنطق القضائي في مجال رقابتها على تسبب الأحكام، بما يسمح بضمان سلامة هذا المنطق كخطوة لازمة نحو وحدة القضاء في حسن تطبيق القانون، وتجلي ذلك واضحا في كثير من أحكامها التي تتحدث عن سلطة المحكمة في استخلاص الدليل بطريق الاستنتاج والاستقراء والدلائل العقلية التي تشكل تركما ايجابيا للعمل القضائي، إلا انه ومع صدور الدستور الجديد بدئنا نلاحظ نوعا من عدم الانسجام في جزء من القرارات التي أصدرتها المحكمة، مما يزكي فكرة الارتباك في العمل القضائي المطالب بالعمل على التجسيد الفعلي للمقتضيات الدستورية دون هوادة لان ذلك سوف يعطي للجهاز القضائي المكانة الرفيعة داخل نسيج منظومة العدالة.

    إلا أن هذا لا يغطي الدور الهام الذي ستلعبه هذه المحكمة مستقبلا في تكريس عمل قضائي مبلور لفكرة التطبيق العادل للقانون من خلال ترسيخ مجموعة من القواعد التي ستحدد عيوب الأحكام القضائية الابتدائية التي تكشف عن اعوجاج منطق الحكم، وذلك باستجلاء عيوب في البيان وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد، مما يعطي لرقابة المحكمة فعالية أكثر وتنويرا أكبر وتركما متزايدا في الاجتهاد القضائي المغربي.

    ومن خلال رقابة محكمة النقض على المنطق القضائي لمحاكم الموضوع ستساهم بشكل عملي في الاقتناع العام بعدالة الأحكام التي تبطل ما لم تكن مبنية على منطق سليم و تطبيق عادل للقانون، مما سيؤدي الى ضمان الأمن القضائي والقانوني، عبر الحيلولة دون السماح بالخطأ في تطبيق القانون، وهو ما كرسه ميثاق إصلاح منظومة العدالة عبر تنصيصه من خلال الهدف الفرعي الخامس على الرفع من جودة الأحكام و ضمان الأمن القضائي، و ذلك عبر اعتماد آليات تمكن من توحيد الاجتهاد القضائي و الحد من تضاربه، ذلك انطلاقا من القيام بمجموعة من الإجراءات المنصوص عليها في التوصية 126 من الميثاق و المتمثلة في إعداد قواعد بيانات لقرارات محكمة النقض، و تمكين القضاة من الولوج إليها، إضافة الى إعداد نشرات بأهم الاجتهادات القضائية لمحكمة النقض، و التعليق عليها، و تمكين القضاة منها، وهو ما سينعكس بشكل ايجابي على جودة الأحكام و بالتالي بناءها انطلاقا من المنطق القضائي و التوجه العام لمحكمة النقض.

    هذا ولان القانون واسع النطاق ويمتد في كل اتجاه ويتخذ أشكالا مختلفة، لا يؤطره في المجال الجنائي إلا المنهج التفسيري الضيق في تحديد معنى القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، مما يحرك النشاط القضائي عند إعمال حكم القانون فقط. لذلك تعمل محكمة النقض على إبراز المعنى العادل للقانون من خلال جعل نصوصه الجافة أو حروفه الجامدة، تتفاعل مع الواقع والمستقبل بعوامله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على نشرها بين القضاة مما له انعكاس ايجابي في اغناء الثروة الاجتهادية لدى القاضي الجنائي.

    المطلب الثاني: دور محكمة النقض في مجال التكييف القانوني

    إن إعمال مبدأ الشرعية الجنائية يلزم القاضي الجنائي بأن يبحث في الواقعة القانونية بجميع أركانها وأوصافها حتى ينزل عليها التكييف القانوني السليم، باعتباره المجسد الفعلي لمنطوق القاعدة الجنائية، فإذا تجاهل تطبيقه بأن أضفى على الواقعة وصفا قانونيا خاطئا انطوى ذلك على إخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. هذا وتتعلق عملية التكييف التي يقوم بها القاضي الجنائي -كما سبقنا أن أشرنا إليه-بوقائع تثير تطبيق قواعد القانون الجنائي أو قانون المسطرة الجنائية؛ ومن ثم فإن عملية تكييف الوقائع تعتبر مسألة قانونية بحثه تخضع لرقابة محكمة النقض، وليس للقاضي الجنائي سلطة التقدير في هذا المقام؛ وتطبيقا لذلك فانه من المقرر أن كل التقديرات التي يبدلها القاضي الجنائي بشأن تكييف وقائع الدعوى جميعها من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض أيا كان نوع التكييف، ذلك أن عملية التكييف القانوني تعني إجراء المطابقة الكاملة بين الحالة الواقعية أو المادية المعروضة على القاضي مع قالب إجرامي أو نموذج تشريعي محدد في القواعد الجنائية الموضوعية و الإجرائية.

    فالقاضي الجنائي يقوم في المرحلة الأخيرة من العملية القضائية بتطبيق القواعد القانونية على الوقائع ومن تم تكون مرحلة حاسمة في التجسيد الفعلي للقواعد الجنائية عبر التكييف القضائي لهذه الوقائع؛ لان أي خطأ في تكييف الوقائع المعروضة على القاضي الجنائي يؤدي بالضرورة إلى وقوع خطأ في تطبيق القانون. ويخضع القاضي الجنائي في هذه العملية لرقابة محكمة النقض، باعتبار أن تطبيق القانون على الوقائع مسألة قانونية والخطأ فيها هو خطأ في تطبيق القانون.وفي هذا الصدد حدد الفقهأربع دعائم لسلطة قاضي الموضوع في أعمال التكييف القانون الصحيح: – عدم التقيد بالتكييف القانوني المرفوعة به الدعوى؛ – أن القاضي لا يتقيد بالتكييف القانوني الذي أثبته غيره من جهات القضاء؛- أن تغيير التكييف القانوني للواقعة ليس محض رخصة للمحكمة، بل هو واجب عليها، فعليها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع أوصافها وان تطبق عليها نصوص القانون؛ – وجوب تنبيه المتهم إلى التكييف القانوني الجديد احتراما لحق الدفاع عندما يتطلب الأمر ذلك، ولذلك وجب على المحكمة في هذه الحالة أن تمنح المتهم أجلا لإعداد دفاعه إذا طلب ذلك، وطالما أن تغيير التكييف لا يمس حق الدفاع فلا تلتزم المحكمة بلفت نظر الدفاع إلى التكييف القانوني الجديد إذا كان هذا التكييف مما يتسع له التكييف المرفوعة به الدعوى.

    وعليه تقوم محكمة النقض بمراقبة مدى إعمال القاضي الجنائي للتكييف القانوني السليم على الواقعة لضمان حسن تطبيق القانون، لذلك تعمل هذه المحكمة على تأكيد سيادة القانون؛ من خلال استخلاص معناه الحقيقي وصولا لاستخدام رقابتها من اجل العمل على توحيد كلمة القانون. هذا وتساهم محكمة النقض عبر قضائها المستنير في تحقيق الأمن القانوني، لأن اختلاف المحاكم في تطبيق القانون من شأنه أن يؤدي إلي تعدد معناه واختلاف الناس في تفسيره؛ وهذا الأمر يؤثر في الأمن القانوني بما يزعزع سيادة القانون ويخل بمبدأ المساواة أمام القانون.
    ولهذا حرصت محكمة النقض علي منع هذا الاختلاف، وتحقيق الاستقرار في تحديد معني القانون لضمان سلامة تطبيقه.

    ولكننا نلاحظ أن هذه المحكمة رغم الأعباء الجسام التي تتحملها لضمان حسن تطبيق العادل للقانون وفقا للمقتضيات الدستورية؛ ومراقبة قضاة الأحكام على هذا التطبيق تبقى قادرة ومؤهلة دستوريا وقضائيا على كشف ما يشوب التشريع في بعض الأحوال من عيوب تتبدى عند تطبيقه؛ وبذلك تقوم بدور محمود في توجيه المشرع نحو تعديل بعض نصوص قانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية لتستجيب للأهداف المرسومة للسلطة القضائية دستوريا.

    ومحصلة القول أن الدعوى الجنائية التي تنظر فيها محكمة النقض تشكل خليطا من الواقع والقانون؛ والقاضي عند تطبيقه للقانون لا يجد نفسه امام نصوص تحتاج الى التفسير والتطبيق، وإنما يصادف مجموعة من الوقائع يتوقع على تحديدها اختيار القاعدة القانونية، وهو أيضا في تفسيره للواقعة وتطبيقها لا يضع بحثا قانونيا مجردا؛ وإنما يفصل في دعوى محددة لها ظروفها الخاصة ووقائعها الذاتية؛ مما يؤثر في تحديد القانون العادل الواجب التطبيق. هذا وإذا كان الأمر كذلك خليطا من الواقع والقانون وظروف خاصة بكل دعوى؛ فإن القاضي يحتاج كل الاحتياج الى ممارسة نشاط فكرى يتصف بالمنطق حتى يحسم هذا الأمر؛ فالقاضي متى أتم فهم الواقع في الدعوى فإنه يبحث عما يجب تطبيقه؛ أي تنزيله من أحكام القانون على هذا الواقع.

    وخاتمة القول يتبين لنا أن القاضي الجنائي هو المحرك الأساسي لبلورة فكرة العدالة الجنائية، مما يكون له انعكاس طبيعي على المجال الاجتماعي و الاقتصادي؛ خصوصا مع التعديل الدستوري الذي جاء بنصوص قانونية جد مهمة في هذا المجال كالاعتراف بسلطة القضاء كسلطة مستقلة، وتغيير تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتكليف قضاة الأحكام بالتطبيق العادل للقانون؛ على اعتبار أن العدل أساس الملك ومنبع الاستقرار و سبيل الأمة لكل تقدم وازدهار، فهو الضامن للحقوق والحريات، و على دعائمه تبنى دولة الحق والقانون، وبدونه لا محل للحديث عن أي بناء ديمقراطي، فهو غاية ومقصد كل مؤمن بمبادئ الديمقراطية، لذا فهو أولى الأوليات، لذلك يجب إيجاد من الآليات ما يكفي لتحقيقه، عبر المحاكمة العادلة التي هي سبيل العدل إلى التحقق، فلا عدل دون وجود محاكمة عادلة، ولا محاكمة عادلة دون وجود قضاء مستقل، فالعدل يدور وجودا وعدما مع وجود أو انتفاء معايير المحاكمة العادلة، و هذه الأخيرة لا تتأتى إلا بوجود سلطة قضائية مستقلة تدير مجرياتها و تنفرد بالبت في مآلها بمنأى عن أي تدخل أو تأثير، فكان استقلال السلطة القضائية الركن الأساس في المحاكمة العادلة.

    إن الدستور الجديد جاء بمكتسبات غير مسبوقة تفرض على القضاة مسؤولية أساسية للعمل على تكريس أهدافه المتمثلة في احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته وتحقيق العدالة بمفهومها الواسع، بما في ذلك نهج المقاربة التصالحية بين أطراف الخصومة الجنائي، إلا أن النصوص الدستورية تبقى غير كافية لوحدها لبناء صرح عدالة جنائية قوية قوامها العدل، وإنما يستلزم الأمر تكثيف الجهود من أجل تنزيل مقتضيات الدستور بطريقة سليمة، وذلك عبر ملاءمة القوانين الزجرية مع أحكام الدستور و مبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة و بحقوق الإنسان، المصادق عليها و المنشورة، وبلورة كل توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة على ارض الواقع.

    لائحة المراجع

    أ)- المراجع العربية

  • الكتب العامة

    – إبراهيم النفياوي ” انعكاسات القواعد الإجرائية على أداء العدالة”، دار النشر غير مذكورة، طبعة 2000.

    – أحمد فتحي سرور ” الحماية الدستورية للحقوق و الحريات”، دار الشروق للنشر بالقاهرة، الطبعة الثانية، 2000.

    – أحمد فتحي سرور ” النقض الجنائي”، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2003.

    – الهلالي احمد “النظرية العامة للإثبات”، القاهرة الطبعة الأولى،1987 .

    – أمال الفزايري “ضمانات التقاضي”، منشأة المعاريف، الإسكندرية، 1990.

    – أحمد الخمليشي ” شرح قانون المسطرة الجنائية، المحاكمة وطرف الطعن”، الطبعة الثالثة، دار نشر المعرفة الرباط، 1990.

    – أحمد فتحي سرور “الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية”، دار النهضة المصرية، 2012.

    – اللورد ريننغ، ترجمة محمد عبد الله المشاوي مأمون كنون، ” الطريق نحو العدالة” ، دار الجيل، بيروت، 1982.

    – أمين مصطفى محمد”التمييز بين الواقع والقانون في الطعن بطريق النقض”،دار النهضة العربية،2002 .

    – جودة  حسين جهاد “الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجزائية “، مطبوعات أكاديمية شرطة دبي، الطبعة الأولى، 1994.

    – حاتم بكار ” حماية حق المتهم في المحاكمة العادلة”، الطبعة الأولى، منشأة المعاريف للنشر، الإسكندرية،2008 .

    – حسن الهداوي”القانون الدولي الخاص-تنازع القوانين-“،مطبعة الإرشاد 1968 .

    – حضري عبد العزيز ” القانون القضائي الخاص” ، الطبعة الأولى ، مطبعة دار الجسور ، وجدة ،1999 .

    – حلمي الحجار ” الوسيط في أصول المحاكمات المدنية”، الجزء الثاني، الطبعة الخامسة سنة 2002.

    – قانون المسطرة الجنائية الجديد، منشورات وزارة العدل سلسلة نصوص قانونية، مطبعة فضالة، 2004.

    – محمد حسن شريف “النظرية العامة للإثبات الجنائي”، دار النهضة العربية، مطبعة حمادة الحديثة القاهرة 2002.

    – محمد عياض “دراسة في المسطرة الجنائية المغربية”، الجزء الثاني، طبعة 1991.

    – محمد كشبور” رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية- محاولة التمييز بين الواقع و القانون-“، دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2001.

    – محمد نجيب حسني “شرح قانون الإجراءات الجنائية”، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة 1988.

    – مروكنصرالدين”محاضراتفيالإثباتالجنائي”،الجزءالثاني،الطبعةالثانية،دارهومةللطباعةوالنشروالتوزيع،الجزائر، 2008 .

    – نجيب حسني ” شرح قانون الإجراءات الجنائية”، دار النهضة للنشر، القاهرة، الطبعة 1995.

    – هلالي عبد الله احمد، “الحقيقة بين الفلسفة العامة والإسلامية وفلسفة الإثبات الجنائي”، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية،1987.

  • الكتب الخاصة

    إبراهيم إبراهيمالغماز“الشهادة كدليل إثبات في المواد الجنائية”، عالم الكتب، القاهرة، 1980.

    – اللواء محمد عبد الرحيم والعقيد حسن إبراهيم والرائد مصطفى رفعت والأستاذ رياض داوود “التحقيق الجنائي العلمي والفني”، الطبعة الثانية، دار الطباعة القومية، القاهرة ، 1969.

    – ايمان محمد علي الجابري “يقين القاضي الجنائي”، منشأة المعاريف، الإسكندرية، 2005.

    – رؤوف عبيد “ضوابط تسبيب الأحكام”، الطبعة الأولى، دار الفكر العربى للطباعة والنشر، 1986.

    – عبد الحافظ عبد الهادي عابد ” الإثبات الجنائي بالقرائن”، الطبعة الأولى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.

    – عبد الرؤوف مهدي “حدود حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته”، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.

    – عمر الفاروق الحسيني “مدى تعبير الحكم بالإدانة غير الصادر بالإجماع عن الاقتناع اليقيني الجنائي”، الطبعة الثامنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.

    – كمال عبد الواحد الجوهري ” أصول مبدأ حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته”، الطبعة الأولى،المركزالقومى للإصدارات القانونية ، القاهرة، 2010.

    – محمود محمود مصطفى ” الإثبات في المواد الجنائية”، طبعة الأولى، القاهرة، 1977.

    – محمد الأزهر”السلطة القضائية و الدستور”، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2013.

    – محمد عيد الغريب ” حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني وأثره في تسبيب الأحكام الجنائية”، مطبعة النشر الذهبي، 1996/1997

    – محمد محمود إبراهيم “النظرية العامة للتكييف القانوني للدعوى في قانون المرفعات”، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982.

    – هلالي عبد الله احمد “نظرية الإثبات الجنائي دراسة مقارنة”، المجلد الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987.

  • الأطروحاتو الرسائل

    – ياسر باسم ذنون يونس، “نظرية الرجحان وتطبيقها في أدلة الإثبات المدني”، أطروحة دكتورة، كلية الحقوق في جامعة النهرين، 2003.

    – عبد الرزاق أيوب ” التكييف القانوني الأسس النظرية و الجوانب العلمية”، أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2003-2004.

    – صالح يحيى رزق ناجي ” سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات الحديثة دراسة مقارنة”، رسالة جامعية ، جامعة الدول العربية، 2008.

  • المجلات و الجرائد

    – سلسلة العمل التشريعي والاجتهادات القضائية- مجلة الاجتهاد القضائي – مجلة الحقوق-مجلةالشريعةوالقانون- مجلة القانون و الاقتصاد- مجلة القصر- مجلة المحاماة- مجلة المحامي- مجلة الملف- مجلة قضاء-جريدة الأحداث المغربية- جريدة الأهرام.

  • المقالات

    – احمد فتحي سرور ” دور محكمة النقض في توحيد كلمة القانون”

    – عبد الحكيم الحكماوي “معنى حالة التلبس بالخيانة الزوجية و الفساد”.

    ب)- المراجع الفرنسية

    – Julie MEUNIER « La notion de procès équitable devant la Cour européenne des droits de l’homme ».

    – H.Capitant. Vocabulaire juridique, Pu f 1998 mot qualification, « Détermination de la nature d’un rapport de droit à l’effet de la classer dans l’une des catégories existantes ».

    Hervé Croze et Christian Morel, Procédure civil, Paris 1988.-

    ج)- العناوين الالكترونية

  • www.ccdh.org.ma


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى