في الواجهةمقالات قانونية

علاقة القانون بالأخلاق : بين الاتصال والانفصال

علاقة القانون بالأخلاق : بين الاتصال والانفصال

 

الداودي بدر الدين : باحث بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس

مـــــــقدمـــــــــة:

تصدر عن الإنسان أحكام كثيرة ومتنوعة، فإذا قال “المبتدأ مرفوع” فهذا حكم نحوي، وإذا قال “الأجسام تتمدد بفعل الحرارة” فهذا حكم طبيعي، أما الحكم الأخلاقي[1] فهو أن تحكم على الشيء بأنه خير أو شر، عبر تلك الحاسة الخلقية التي تنمو داخل كل إنسان، والتي تخبرنا بأن الصدق خير حكم أخلاقي، أما الكذب، فمنه تنبعث كل الشرور.

إن هذه الحاسة هي التي تجعل الإنسان يجد اللذة في السلوك الفاضل، ويستهجن السلوك القبيح[2]، إذ من خلالها يمكنه التمييز بين الحسن والخبيث، وإدراك الفرق بين الخطأ والصواب، وحديثنا هذا يحدو بنا لنحط الرحال أمام علم ومذهب جدير بالثقة والدراسة، علم يوقظ الفرد للابتعاد عن كل ما هو ذو طابع شرير في المجتمع ومؤذي، ومذهب ينظم حياة الجماعة البشرية من حيث حسن التآلف والتعايش في مجتمع منسجم عادل لا ظلم فيه ولا إجحاف، على نحو يرتفع بالإنسان إلى نوع من الوعي الاجتماعي[3].

وعليه، فكما أن المنطق يبحث في قوانين الفكر، كذلك الأخلاق تتأمل في قوانين السلوك الإنساني، عبر الغور في  أعماق هذا الكائن ابتغاء الكشف عن نواياه، وأسراره، والإحاطة بما يكنه لغيره، وتوجيهه صوب الالتزام بالفضيلة والابتعاد عن الرذيلة، الشيء الذي جعل منها مبحثا أساسيا من مباحث الفلسفة، حيث اهتم الفلاسفة على مر العصور بتخصيص مكان عام للأخلاق في مذاهبهم الفلسفية[4].

والدارس لعلم الأخلاق، والناظر لتاريخه، سيلمحُ بأن له، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم، ارتباطات وتوغلات في العديد من العلوم الأخرى، خاصة منها علم القانون، وارتباط الكيانين ببعضهما يخلق لنا علاقة بدلالات مهمة لاسيما في العصر الحالي، المرهق من ويلات تفشي قيم التسيب والفساد، الشيء الذي يستدعي البحث في أطوار هذا الاقتران بما يخفيه من ارتباطات متعددة.

إن خلخلة بسيطة لهذه العلاقة يفصح لنا بأنها شهدت تغيرات كثيرة، إذ في بادئ الأمر كانت المبادئ الأخلاقية منسجمة مع قواعد القانون، فكان اليونانيون لا يميزون بينهما، ثم بدأت التفرقة عند الرومان حتى تردد على أحد الفقهاء قوله : “ليس كل ما يبيحه القانون يعتبر موافقا للأخلاق”، ليعود الخلط بينهما في القرون الوسطى[5] عند الفقهاء الكنسيين الذين كانوا يتشددون في إقامة قواعد قانونية طبقا للأصول الدينية والأخلاقية، ولم يبرز الفصل بين القانون والأخلاق بشكل واضح إلا في العصور الحديثة، وبالتحديد في القرن التاسع عشر ميلادي على يد كل من كانط (Kant) و(Thomashuis)[6].

وعموما، فإن الحديث عن ثنائية الأخلاق والقانون قديم قدم الإنسانية، فالإنسان تلقى تربية أخلاقية إلى جانب الضابط القانوني منذ اللحظات الأولى من عمر استخلافه للأرض[7]، وقد تم تصوير هذه الثنائية بدائرتين متداخلتين، دائرة يتقاطعان فيها وهي تمثل الأرضية والمنطقة المشتركة بينهما، أما الأجزاء الخارجة عن هذه الدائرة فهي تمثل مجالات متمايزة يهيمن كل منهما على جزء منها، مجال تهيمن فيه الأخلاق دون القانون، وآخر يتولى القانون تنظيمه دون أن تكون للأخلاق صلة به، “مما يجعل المبادئ الأخلاقية سائدة في القانون، لكن في نفس الوقت، فكلاهما يواصل حياته المستقلة”[8].

من هنا، ساد الاتفاق على وجود رقعة عريضة مشتركة بين كلا المفهومين، فكلاهما معني بفرض مستويات معينة من السلوك[9] من الصعب للمجتمع البشري أن يستمر بدونها، وفي العديد من هذه المستويات يعزز القانون والأخلاق كل منهما الآخر، كما تتجلى ملامح الاتصال أيضا في أن “المشتغل في الحقل القانوني يجد ضالته -في معظم الأحيان- حينما يستعين بالبعد الأخلاقي الذي حكم وضع القاعدة القانونية”[10].

ولعل هذا ما دفع أحد الفقهاء الانجليزيين إلى ضم كلا المفهومين تحت ظل نظرية واحدة أطلق عليها “النظرية المعيارية“، معتبرا إياها مجموعة من الأفكار والقيم التي يحملها الناس في مجتمع معين، نابعة من التراكم الذي خلفته التفاعلات الاجتماعية، حيث إن قيام بنيان هذه النظرية يمكن من خلاله ضبط وتوجيه نطاق غير محدود للسلوك البشري[11].

وهكذا، فالأطروحة التي تتناول الفصل بين القانون والأخلاق، لا تعني أبدا أن محتوى القواعد القانونية لا يتطابق مطلقا مع ما هو أخلاقي[12]، بل تعني فقط أن لكل مجاله، ومعناه، ومغزاه، إذ من الأهمية البالغة ألا نخلط بين هذين المجالين، دون أن يعني ذلك إنكار وجود بوادر الاتصال والتعاون بينهما، “فالنظرية الخالصة للقانون إن كانت تفصل بين فكرة القاعدة القانونية والأخلاقية، فهذا الفصل ليس معناه جعل القانون مخالفا للأخلاق (immoral)، وإنما يعني فقط جعله بمعزل عنها (ammoral)[13]، وإن كنا نسجل في بعض الأحيان خروجها –أي قواعد القانون- عن المجرى الأخلاقي، حيث تتم صناعة التشريع ووضع النصوص القانونية استنادا لاعتبارات أخرى، غير تلك ذات النكهة الأخلاقية.

من خلال ما سبق، يتضح بأن الإشكالية التي تطرح نفسها تتلخص في : ماهي أوجه الاتصال والانفصال القائمة بين القانون والأخلاق؟ للإجابة على هذه الإشكالية سنسلط الضوء على في البداية على مظاهر العلاقة القائمة بين القانون والأخلاق (أولا)، على أن نحيل الدراسة لنبرز حدود هذه العلاقة (ثانيا).

 

أولا: مظاهر العلاقة القائمة بين القانون والأخلاق

يكتسي الجانب الأخلاقي مقاما رفيعا في عملية صنع القواعد القانونية، فصناعة القانون لم تكن في يوم من الأيام بعيدة عن الأخلاق، حيث توجد علاقة وطيدة بين المؤسستين، إذ أن العديد من الأحكام القانونية ما هي إلا ترجمة وتقنين لمبادئ أخلاقية تم نقلها من الحقل الأخلاقي إلى الحيز القانوني، وفي العقود الأخيرة، نمت هذه العلاقة بشكل كبير، حيث أن مشرعي اليوم مهتمون بشكل متزايد بالتنظيم القانوني لقضايا كان يفهم ذات يوم أنها أخلاقية وذاتية التنظيم[14](أ)، والعلاقة بين هذين القطاعين في تطور مستمر، حيث يتزايد مع تقدم الإنسانية غزو الفلسفة الأخلاقية على القواعد القانونية، حتى صرنا نسمع بتخليق هذه الأخيرة وأنسنتها (ب) .

أ: تقنين المبادئ الأخلاقية

رغم عديدِ الفوارق التي وضعت بين القواعد القانونية والمبادئ الأخلاقية[15]، إلا أننا نلمح وجود تداخل كبير بينهما، حيث قال قاضي المحكمة العليا الأمريكية السابق إيرل وارن أن “القانون يطفو في بحر الأخلاق[16]، وهو قول صحيح، ذلك أن أغلب القواعد القانونية مستمدة من مبادئ أخلاقية، مما يجعل البعد الأخلاقي حاضرا بقوة في بناء منظومة القواعد القانونية، وهو “حضور يتصف بالتغير الدائم المنبثق من حركية النظام الاجتماعي ذاته وفي جزئيات تفاصيله، لذلك فإن الحاجة إلى إدخال تعديلات على القوانين، سواء بحذف بعضها أو تغييرها أو إتمامها أو حتى خلق قواعد جديدة، يبدو أمرا مبررا ما دام هناك تغيير في طبيعة المعايير والقيم الأخلاقية التي تحكم العلاقات داخل المجتمع”[17].

ويدافع بالأساس عن هذه الأطروحة الفقيه رونالد دوركن[18]، حيث القانون من منظورها يجب أن يعتني بالعديد من القيم الأخلاقية الأساسية والضرورية التي لا غنى للمجتمع عنها ولا يصلح أمره إلا باحترامها، مما يضعنا أمام دائرة مشتركة ينظم ويتبنى فيها القانوني ما هو أخلاقي، ويجعل قواعد القانون في مجملها مشتركة مع المبادئ الأخلاقية في المحتوى الذي تحمله، فالقاعدة القانونية يمكن أن تأمر مثلا بدفع الضرائب والوفاء بالالتزامات والعقود، وتمنع عن القيادة في حالة سكر وتنبذ التحرش والشذوذ الجنسيين وخيانة الأمانة، وهذا ما تدعو إليه أيضا المبادئ الأخلاقية.

يعبر أحد المؤلفين الرومان بصورة واضحة عن هذه الفكرة حيث يقول : “لقد أضحت القاعدة الأخلاقية تلج بسهولة للحقل القانوني، أو على الأقل فهي تصول وتجول في جنبات هذا الحقل منتظرة الفرصة المواتية للدخول”[19]، وهكذا، فالمبادئ الأخلاقية تحولت وتنكرت شيئا فشيئا في زي قانوني، بحيث أنها اليوم تتسرب خطوة خطوة إلى صلب أكثر العلوم صرامة باسطة سيادتها عليه، أملا في الحصول على المزيد من الفعالية التي يوفرها لها الوصف القانوني، ذلك أن أحد أهم المزايا الكامنة وراء تحويل المبادئ الأخلاقية إلى مقتضيات قانونية تتمثل في حالة عدم التزام الأفراد، ففي هذه الحالة بالذات يمكن للقانون أن يحدد الخطوات التي ينبغي اتخاذها ضدهم، مما يجعل المخالفين معرضين لتوقيع الجزاء[20].

ومن بين هذه المبادئ نرصد تلك الحامية لقيمة الإنسان وحرمة الأبدان، وحق الملكية، وتلك المانعة للإثراء بلا سبب على حساب الغير والإجهاض والاستنساخ، والموجبة للوفاء بالالتزام، وتنفيذ الاتفاقات بحسن نية والتعاون في ذلك[21]، واعتبار الآداب العامة كضابط لا بد من احترامه في التعامل، وتطلب أن يكون المحل في الالتزام غير مخالف للنظام العام والآداب العامة[22]، فهذه مبادئ أخلاقية قبل أن تكون قانونية، لكن وعيا بضرورتها، عملت الأجهزة التشريعية والتنظيمية على إعطائها وزنا يجعلها تؤخذ على محمل الجد[23].

وتعد مسألة تقنين المبادئ الأخلاقية ملموسة أكثر وبشكل واضح حين الحديث عن بعض المفاهيم كما هو الشأن بالنسبة لفهومي الفضائل والرذائل، فقد قال أرسطو بأن القانون أضحى يبسط سلطانه على جميع الفضائل والرذائل، إنه يأمر بأفعال بعينها وينهى عن أخرى، القانون يأمر بأفعال الشجاعة فلا يلقي رجل سلاحه في وقت المعركة أو يهرب من ساحتها، كما يأمر بأفعال الحكمة والاعتدال كالنهي عن الإضرار بالغير وعن الضرب والاعتداء[24].

ولعل هذا ما جعله -أي القانون- ينحو ليعاقبَ على بعض أنواع الكذب باعتبارها رذائل تمثل خطورة على النظام الاجتماعي، كالتزوير وشهادة الزور، والتدليس المقرون بكذب أو بالسكوت فيما يلزم الإخبار عنه، وضمان العيب الخفي والصفات، وكذا يقننَ نظرية التعسف في استعمال الحق، بل إن الفكر القانوني زاد امتدادا ليجرم حتى فعل السب والقذف.

وفي سياق البحث عن القواعد القانونية المرتبطة بالأخلاق دائما، نرصد تعابير متناقضة من قبيل الإيثار على النفس والتضحية بها وإنكار الذات، وبعبارة أوضح صوب البحث عن كيان الإنسان اللاأناني من حيث اعتباره قيمة أخلاقية[25]، وهو ما عززه الموقف القانوني حين معاقبته كل من امتنع عن إنقاذ إنسان في حالة خطر رغم قدرته على ذلك.

ومن تم، يظل القانون في حاجة ماسة للأخلاق[26] مما يجعل العلاقة بينهما سارية في هذه الرقعة، فكلاهما معني بفرض مستويات معينة من السلوك من الصعب للمجتمع البشري أن يستمر بدونها، كالالتزام بالأمانة، النصح، التحذير، كتمان السر المهني، وغيرُ ذلك كثير، وفي العديد من هذه المستويات يعزز القانون والأخلاق كل منهما الآخر، ولعل هذا التفاعل من شأنه أن يخلق لنا –كما قال البعض– أسس نظام متينة، ذلك أنه كلما تعددت المصادر الآمرة والداعية إلى احترام قاعدة معينة، كلما قلت احتمالية انتهاك هذه القاعدة[27].

 

 

ب: سياسة التخليق كآلية لأنسنة القواعد القانونية

لقد بات من المألوف، خاصة في الآونة الأخيرة، الإلحاح على مطلب التخليق، باعتباره مدخلا أساسيا لا بد من ولوجه في جل الإصلاحات، على اختلاف مستوياتها وأصعدتها، والمقصود بتخليق أي قطاع، من جهة، تطهيره من كل ممارسة معيبة، أو تصرف مشين أو انحراف أو تجاوز أو فساد بمختلف أشكاله، يمس بالمشروعية، ويجعل القطاع المعني يحيد عن الغرض الذي تم إحداثه من أجله، وهو خدمة الأفراد والجماعات، وتمكينهم مما يخوله القانون لهم، مما لا يتأتى إلا باعتماد مرجعية سلوكية وقيم مؤسسة على الأخلاق، منبثقة من ركائز دينية أو فلسفية راسخة في القدم، وواسعة الانتشار وسهلة الإدراك، تكُف عمّا هو محظور ومنبوذ، وتحث على ما هو مستحب ومنشود[28].

أيضا، ومن جهة ثانية، يحيل مصطلح “تخليق” على مفهوم آخر يكاد يكون مرادفا له، والحديث هنا على ما أضحى يطلق عليه مُسمّى “أنسنة“، باعتباره فعلا حضاريا رشيدا يساهم في التخفيف من صرامة القانون، وجعله يحابي فئة على حساب أخرى بسبب ضعفها الاجتماعي أو الاقتصادي، باعتبارها أجدر بالعناية، كما هو الشأن بالنسبة لحماية فئات المستهلكين، الأجراء، عاملي وعاملات المنازل[29]، الأشخاص في وضعية إعاقة[30]، النساء[31]، وغيرها من الفئات التي تفرض قوة الواقع إحاطتها بالحماية والعناية. فعبر التخليق من هذه الزاوية، يتم تحويل قضية ما إلى قضية إنسانية، حيث يتم التعامل مع كل المعطيات وفق هذه النظرة، وهذا ما شهده التوجه الحديث الذي ما فتئ يحكم وضع النصوص القانونية، على نحو يروم بعث شيء من التوازن في العلاقات داخل المجتمع.

وعلى العموم، يلاحظ في مسألة التخليق أنها غزت جل القطاعات، والنماذج الدالة على تبني هذه الاستراتيجية كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها تخليق العقاب والمساطر (1)، إلى جانب تخليق بعض المجالات الأخرى (2).

1: تخليق العقاب والمساطر

صاحبت فكرة العقاب فكرة القانون منذ نشأته، في شكل أعراف وعادات تنسجم مع العقلية البدائية، ثم تطور مفهومه على مر العصور حتى استقر في معناه الحديث حيث اكتسى درجة عالية من الأنسنة، ومستوى متقدم من التلطف، بعد أن كان على درجة من الفظاعة، حيث لم يعد الجسد محلا للعقوبات المؤلمة التي كانت تمارس ضمن طقوس التعذيب، بفضل المعرفة التي نسجت حول كيان الإنسان الإجرامي.

وهي فكرة لا تخرج عن المجرى العام، فالقانون يتم إخضاعه ببطء لأسلوب أكثر إنسانية، إذ أن الكثير من المقتضيات الواردة في القانون الجنائي القديم كانت عقوبات وحشية، كما كنا نلحظ تجريم بعض الأفعال التافهة، فعبر الأخلاق تم السير نحو نظام جنائي أكثر إنسانية[32].

حيث تم التخلي على العقاب الجسدي (التعذيب)، ورفض علنيته، والابتعاد قدر الإمكان على العقوبات السالبة للحرية لصالح الغرامة، كما اتجهت الفلسفة العقابية الحديثة إلى الفصل بين الجريمة والمجرم وتحليل شخصية الجاني والظروف الحافة به وبواعث الإجرام لديه[33]، والأخذ بعين الاعتبار الدوافع المؤدية لارتكاب الجريمة، كل ذلك لا لشيء إلا من أجل البحث عن “الإنسان” في شخصية المجرم قصد إصلاحه[34].

في نفس السياق، نشأت تصورات بديلة للعقاب[35] في شكل تدابير احتزارية محاولة لإصلاح المجرمين وتيسيرا لعملية إدماجهم بالمجتمع، وفق سياسة تروم تدجين الإنسان وجعله أفضل مِما كان.

بل والأكثر من هذا، نجد بأن العدالة التي ابتدأت بفكرة أن كل شيء ينبغي أن يدفع ثمنه، أضحت تتغاضى عن الهفوات تاركة غير القادر على الدفع يذهب في حال سبيله، مِما جعلها تنتهي إلى تدمير نفسها بنفسها بداعي الرحمة والشفقة، وهذا ما نلمسه حين نتصفح المقتضيات المنظمة لمسطرة الإكراه البدني، حيث استثنت من الخضوع للمسطرة المذكورة الديون الناتجة عن الالتزامات التعاقدية، إلى جانب الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة وغيرها من ديون الدولة الأخرى على ألا تتجاوز في مجموعها 8000 درهم[36]. كما نصت مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه لا يمكن اللجوء إلى المسطرة المذكورة فيما يخص تحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى في مجموعة من الحالات التي حددتها في المادتين 77[37] و78[38].

وفي نطاق سياسة التخليق دائما، لكن هذه المرة في شقها الإجرائي، يمكن لمتتبعي الحركة التشريعية ببلادنا أن يلحظوا تلك القفزة الأخلاقية التي عرفها قانون المسطرة الجنائية، خاصة حين نتحدث عن مسودة المشروع القاضي بتغيير وتتميم القانون المذكور، باعتبارها أتت في سياق تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة[39].

وضمن الحيز الإجرائي دائما، طالت عملية التخليق مجموعة من المساطر الواردة في فصول قانون المسطرة المدنية، منها مثلا أن المدين، بعد أن كان في حاجة حتى يبعث الثقة في وعده، ومن أجل أن يضمن التسديد، يضطر ليرهن لدى الدائن مثلا جسده، أو زوجته، أو حريته، أو حتى حياته أو سعادته في الآخرة، وخلاص روحه تحت فرضيات دينية معينة، وفي الأخير راحته في القبر[40].

فقد كان حتما على الفكر القانوني أن يتدخل وفق منطق يفرضه التطور الذي طال المنظومة الأخلاقية، ليحد من هذا الواقع المرير، حيث تم استثناء بعض الأموال من الخضوع لمسطرة الحجز[41]، وعقلنة مسطرته من خلال منع تمديدها إلى أكثر مما هو لازم لأداء ما وجب للدائن وتغطية مصاريف التنفيذ الجبري.

2: سياسة التخليق التي طالت بعض القطاعات الأخرى

لقد طالت سياسة التخليق العديد من القطاعات المهمة الأخرى، من بينها، وقع الخيار على تخليق الحياة العامة (1.2)، إلى جانب تخليق منظومة العدالة (2.2).

1.2:تخليق الحياة العامة

ترتكز سياسة تخليق الحياة العامة على عدة روافد أساسية، خاصة تعزيز منظومة النزاهة ومواصلة محاربة الرشوة، استكمال تأهيل الترسانة القانونية خاصة فيما يهم اعتماد ميثاق المرافق العمومية ودعم مؤسسات الحكامة وتفعيلها، إصلاح المالية العمومية وترشيد النفقات عبر مواصلة تفعيل القانون التنظيمي لقانون المالية، إلى جانب مواصلة الإصلاح الضريبي لاسيما عبر تحسين مردودية  التحصيل  وتبسيط مساطره وإقرار العدالة الجبائية، وكذا توسيع الوعاء الضريبي ومحاربة التملص والغش الضريبيين، دون نسيان إصلاح الإدارة والمؤسسات العمومية بالاعتماد على الإدارة الرقمية، ومراجعة منظومة الوظيفة العمومية، وأيضا وضع آليات الشفافية في تدبير الشأن العام .. الخ[42].

على العموم، يستهدف التخليق في هذه النقطة محاربة الفساد باعتباره قضية الدولة والمجتمع على حد سواء، من خلال السعي نحو ضمان التفعيل الأمثل لمختلف الآليات القانونية بغية الحد من هذه الظاهرة الخطيرة خاصة عبر تجريم مختلف مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين، ورفضها وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة القائمة على العفة والنزاهة الكرامة[43].

والبين أن مسالة التخليق هذه، لا تقتصر على مجرد المؤسسات التي تنشط في القطاع العام، بل إن الأمر أوسع من ذلك بكثير، فقد آضت الاعتبارات الأخلاقية حاضرة في المقدمة على جميع الأصعدة، حتى بالنسبة لتلك التي تنشط في القطاع الخاص، فالتطور الذي طال مفهومي حقوق الإنسان وحماية الحياة الخاصة استدعى من  المقاولات التجارية اتخاذ إجراءات مسؤولة رغبة في بعث معايير أخلاقية على أعلى مستوى في علاقاتها مع العملاء والزبناء، فمن كان يظن أنه في يوم من الأيام سنتحدث عن المسؤولية الاجتماعية للمقاولة، كمسؤولية تفرض التفكير في عواقب التصرفات على الآخرين وإنشاء خطوط واضحة للمساءلة وجبر الأضرار المحدثة، هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على إدراك واضح بأن أنشطة الأعمال والخدمات لم تعد خالية من فكرة القيم[44].

لقد أضحت أخلاقيات العمل حلقة أساسية في مسلسل النجاح، كونها تسعى وراء تجويد السلوك الذي ينبغي أن تلتزم به كل مقاولة في تعاملاتها اليومية، وتحسين المناخ الأخلاقي في أعمالها وصناعاتها[45]، والسبب في ذلك أن النهج الأخلاقي ركن أساسي للاستمرارية والازدهار لاسيما في الوقت الراهن، حيث رجال الأعمال لا يهتمون سوى بكسب المال مهما كلفهم ذلك من تكاليف أخلاقية وأضرار قد تلحق الإنسان وحتى الطبيعة (التلوث البيئي)، مما جعل مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمقاولة يبرز للوجود ليحدد الركائز الأخلاقية وقواعد السلوك التي يجب على رجال الأعمال اتباعها من قبيل : أخلاقيات التسويق والإنتاج، حوكمة الشركات، أخلاقيات العمل[46]. فمن هنا صارت المقاولة مسؤولة أخلاقيا على النحو الذي يفرض عليها الاعتناء بسلامة المنتج، الأثر البيئي، صدقية الإعلانات، دقة التسويق، وظروف العمل الإنسانية[47]، حيث إن التركيز على مثل هذه المعطيات سيعطي للمقاولة صورة لامعة وإيجابية، كما سيحفظ لها سمعتها وماء عينيها في السوق.

في حقيقة الأمر، لا يمكن اعتبار أي مجال من مجالات النشاط الإنساني معفيًا من الالتزام بالمقومات الأخلاقية، وعليه فإن إعادة النظر الحالية في أخلاقيات العمل بشكل عام لا تتعارض في شيء مع ضمان التطور السريع الذي يشهده كل من القطاعين العام والخاص، ما دام أن الغاية من وراء ذلك ترمي في نهاية المطاف إلى تعزيز السلوك المسؤول والنزاهة المهنية[48].

2.2: تخليق منظومة العدالة

حسب ما ورد في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فإن هذه الأخيرة تعاني بكل مكوناتها من مجموعة من الاختلالات[49]، ويعد التخليق من المداخل الأساسية لتحصين هذه المنظومة من مختلف مظاهر الفساد والانحراف، لما لذلك من تعزيز لثقة المواطن فيها، وتكريس دورها في تخليق الحياة العامة، ودعم إشاعة قيم ومبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة الجيدة.

وينبني التخليق في هذه المحطة على معالجة متكاملة تجمع بين المقاربة القانونية الرامية إلى تحصين هذه المنظومة ضد مختلف أسباب الفساد، وبين المقاربة الأخلاقية المرتكزة على مجموعة من القيم والواجبات الضابطة لقواعد السلوك المهني[50] والهادفة إلى تملك مبادئ الأخلاقيات والسلوكيات القويمة، ترسيخا للمسؤولية الأدبية والأخلاقية لكل فاعلي منظومة العدالة، وذلك بالعمل على بلوغ مجموعة من الأهداف[51].

ولا تفوتنا الإشارة في هذه المحطة أن نثير مسألة على درجة قصوى من الأهمية، وهي تلك المتعلقة بباحثي اليوم ، هذه الفئة التي ستشكل قضاة ومحاميي المستقبل من دون أدنى شك ستكون عرضة لمواقف تتطلب منها اتخاذ قرارات صعبة، والموازنة بين أنظمة معتقدات وأفكار متعارضة بشأن السلوك الأخلاقي، في هذا الإطار، غالبا ما يتم إهمال تدريس الأخلاقيات القانونية في كليات الحقوق باعتبارها مكنة يمكن من خلالها تخليق قواعد السلوك القانوني المهني، يقول الداعي إلى مثل هذا التوجه أنه إذا كان الهدف من التعليم القانوني هو إعداد خريجين قانونيين مؤهلين لمزاولة المهام القانونية على أعلى مستوى، فإن ذلك سيضل غير كاف لتجنب الوقوع في المنزلقات، لذلك يجب تعليمهم كيف يستخدمون البوصلات الأخلاقية بشكل مناسب[52].

فطالب القانون لا يستطيع الاعتماد على مجرد القواعد القانونية وحدها ليكون مهنيا ناجحا وخادماً قانونياً لائقاً، بل يجب تدريبه حتى يتقن استخدام بوصلته الأخلاقية، وترويضه كي يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والاجتماعية، وبالتأكيد فإن تطوير وتنمية الفضائل داخل الفرد من شأنه أن يحسن ويوجه سلوكه الأخلاقي، وهكذا، بالنسبة لطالب الحقوق الذي يرغب في أن يكون رجلا ناجحا، من شأن سعيه وراء هذه الفضائل وغيرها أن يدعمه في تحقيق أهدافه لكبي يصبح محاميا ناجحا، أو قاضٍيا موقرًا، أو مدع عامًا شريفا[53].

ثانيا: حدود العلاقة بين الأخلاق والقانون

إذا كان اللقاء يعقد بين القانون والأخلاق في مناحي عدة، والتي أشرنا لبعضها، فإن خارج هذه النقاط توجد منطقة يستقل فيها كل واحد منهما عن الآخر (أ)، من جهة ثانية، تبرز ملامح الانفصال في وجود مجموعة من المعايير التي درج الفقه على اعتمادها للتمييز بين الوصف الأخلاق والقانوني (ب).

أ: المنطقة الفاصلة بين الأخلاق والقانون

ساد شعور، بأن القانون يجب أن يؤسس على قاعدة من المبادئ الأخلاقية لضمان تأثيره على المدى البعيد، وعلى سبيل المثال، فإنه على الرغم من أن أحد الدوافع الهامة لدى الملزمين بأداء الضريبة تتمثل في خشيتهم من توقيع الجزاء إذا ما افتُضح أمرهم، فإن القوانين لا تكون مؤثرة على المدى البعيد إلا إذا اعتقد أغلب هؤلاء أنها قوانين عادلة، فلو ترسخ لديهم هذا الاعتقاد، فسيقومون لا محالة –من تلقاءِ أنفسهم- بسلوك طريق الأداء[54].

بعبارة أخرى، يتساءل البعض عن ماهية الفرق بين الأمر الذي يوجهه السارق وذلك الصادر عن إدارة الضرائب، فالاثنان يأمرانِنا بأداء مبلغ من المال، والحال أننا نقول بأننا “ملزمون ومكرهون على الخضوع لأمر السارق”، بينما نتحدث عن “واجب الخضوع لأمر الجابي”[55]، وبدلالة أدق، فنحنُ نحدد واجب الخضوع لإدارة الضرائب بما هو واجب قانوني تفرضه الطبيعة الاجتماعية ووظيفة الضريبة، في كونها أداةً تسعى إلى تحقيق المساواة بين الأفراد وتقليص الفوارق الاجتماعية، في حين نرى بأن إلزامية الخضوع لأمر السارق بما هو واجب إكراهي لا مشروع.

لهذه الاعتبارات، يدرك فلاسفة القانون عموما أن صلاحية القانون نفسه تعتمد في نهاية المطاف على تأسيسه على قيم ومبادئ أخلاقية، مما تظهر معه أهمية الأخلاق في تبرير القانون باعتبارها مسألة متأصلة في التاريخ، نالت الكثير من العناية في أدبيات القانون [56].

من هنا، تبرز فكرة وجوب اعتناء التنظيم القانوني واهتمامه بما هو أخلاقي، أو على الأقل بعدم معارضته، وبالتالي تتسع الدائرة المشتركة بين القانون والأخلاق، وهو ما يسبغ على قواعده الاتساق مع الفطرة السليمة، ويدعم الوعي التلقائي باحترامه[57]، هذا الأمر الذي أخذت بعض معالمه تتآكل أمام العديد من الضغوطات، حيث نشهد أحيانا استغلال عملية صنع القوانين بطرق لا أخلاقية.

فبسبب مجموعة من المتغيرات، أضحى يغلب على القائم على التنظيم اعتبارات أخرى غير الأخلاق، الشيء الذي جعل ثلة من القواعد القانونية تنهج نهجا مخالفا لذلك الذي تدعو إليه المبادئ الأخلاقية، من قبيل تغليب الاعتبار الاقتصادي في بعض الأنظمة مما أدى إلى إجازة التعامل بفائدة ربوية، وتغليب استقرار التعامل على نحو ترتب عنه إقرار التقادم المسقط[58]، ونفس الشيء يبرز مع ذلك الضغط الذي يمارسه أصحاب المشاريع الاقتصادية الكبرى بغية حماية مصالحهم، الأمر الذي يتمخض عنه في الغالب الأعم عدم وضع قواعد قانونية كفيلة بتحقيق حماية فعالة للبيئة من مختلف المخاطر المحدقة بها.

على هذا الأساس، أضحى محتوى القواعد القانونية يعبر عن الاعتناقات والميول السياسية والاقتصادية، ولعل البحث في خلفيات تأسيس، تدشين، تبرير القانون وصنعه، سيكشف عن وجود قوى ضاربة، ونوعا من العنف الإنجازي، وتفسيرا بعيدا كل البعد عمّا هو عادل أو غير عادل.

إن التحليلات السابقة المتعلقة “بتجزؤ القانون” تؤكد تحوله نحو التهجين، من خلال اقتران بنيوي ضيق متحكم فيه مع المنطق الاقتصادي، فبعض الخطابات الاجتماعية أصبحت مغفلة بمنطق سياسي، حيث تمت المتاجرة بالمعايير المعتمدة في صنع القوانين وتحويلها إلى عقود تجارية، أما الجهات الموكول لها وضع القانون فقد تحولت لمؤسسات ربحية[59].

ولعل ملامح تحكم الاقتصاد وتوجيهه لسياسة صنع القاعدة القانونية تتضح بشكل جلي فيما تمت تسميته “بالعدالة الضريبية” التي عبرها يتقبل الفرد أداء الضرائب عن طيب خاطر، وهو مفهوم فلسفي ولج نظرية القانون، يتجاذبه تياران، أحدها يعتبره ذا نكهة أخلاقية، كونه يهدف إلى إيتاء كل ذي حق حقه، وتحقيق المساواة بين الحالات المماثلة مع مراعاة ظروف كل حالة[60].

لكن هنالك من يقول  أن الأمر غير ذلك، معتبرا أن “العدالة الجبائية ما هي في الحقيقة سوى مسحة أخلاقية أضفتها القيادات السياسية لإثبات شرعية الضريبة”[61]، فالواقع يكشف على وجود خلل على مستوى نسب الضرائب على الدخل على نحو يكرس ضغطا جبائيا على فئة معينة، خاصة حينما يتعلق الأمر بسياسة جبائية موجهة نحو إرادة سياسية كبرى ومصالح لوبيات اقتصادية.

كما أن المنطق  الأفقي الذي تعامل به المشرع المغربي بالنسبة للشركات على وجه الخصوص أدى للمس بمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، بعد أن تم سن قواعد تتعامل بمنطق مزدوج، أحيانا محاباة لبعض المقاولات التي متعت ببعض الإعفاءات، في حين تم تضييق الخناق ورفع العبء الضريبي على أخرى.

هذا الإجراء قد يكون مقبولا إذا ما كانت نية المشرع نبيلة، كأن تتجه نحو تشجيع بعض المستثمرين على إقامة مشاريع تنموية في قطاعات قصد توفير فرص الشغل، أو تلبية لحاجات السوق بشأن خدمات أو منتوجات معينة، أو ربما يتعلق بإعفاء بعض الجمعيات ذات المنفعة العامة أو بعض المؤسسات التي تقدم خدمات صحية للمواطنين كالعصبة الوطنية لمكافحة أمراض القلب والشرايين ومؤسسة الحسن الثاني لمكافحة داء السرطان، ففي هكذا حالات يمكن أن نتحدث عن أخلاقية التنظيم وانسياقه وراء فكرة العدالة، لكن في بعض الحالات، “تم منح بعض الإعفاءات المجانية لقطاعات مهمة  كان بالإمكان أن تجلب موارد مهمة لخزينة الدولة”[62].

ولا يقتصر الأمر على المجال الضريبي فقط، حيث أن سياسة انحراف النسق القانوني عما هو أخلاقي تبرز في قطاعات أخرى، خاصة حين يتعلق الأمر بقانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، الذي رغم ادعاء البعض بأنه قانون أخلاقي، بدعوى أنه قانون فرضته المصلحة العامة، حيث يغلب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، إلا أن هذا الادعاء يظل محفوفا ببعض اللبس، ودائرا بين سندان ما هو أخلاقي، ومطرقة ماهو غير أخلاقي.

سيمكن الحديث عن كونه قانونا أخلاقيا في الحالة التي لا تباشر فيها مسطرة نزع الملكية إلا لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه، أما وأن يتم تغيير وضعية الأرض التي تم نزعها، وتحويلها لأغراض تجارية، أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية، وأن يعاني المواطن من طول و تعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في مادة نزع الملكية ضد الإدارة، ففي هذه الحالة سنكون أمام قانون لا أخلاقي.

ولعل هذا ما دفع صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى طرح التساؤل التالي : “من غير المفهوم أن تسلب الإدارة المواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها؟ وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟”.

من جهة أخرى، تظهر بوادر الانفصال بين القانون والأخلاق في كون بعض المجالات رغم إيمان الفكر القانوني بأنها أخلاقية، لكن بداعي البحث عن تقبل أهون الضررين وأخفهما، يضطر واضعو التشريع إلى الامتناع عن تأييد الحكم الأخلاقي، لشعورهم بأنه قد تتولد شرور اجتماعية أكثر من تلك التي يراد منعها في حالة ما إذا تدخل القانون.

ومن الأمثلة على ذلك رفض المعاقبة على السكر الذي يجري سرا، بل حتى في حالة إيجاد قوانين تعاقب على مثل هذا الفعل فإن تطبيقها سيكون صعبا كونه يجري في الخفاء، وإذا ما طبق القانون، فإنه سيضر أكثر مما ينفع. ما يؤيد هذا التوجه، أن الخيانات الزوجية، والعلاقات التي تجري خارج مؤسسة الزواج، تعد سلوكيات -رغم منعها قانونا- إلا أنها تظل منتشرة بشكل غير محسوس، لكن بما أنها تتم في السر، فالقليل الذي يضبط متلبسا حين ممارستها، مما يعطي انطباعا زائفا على أن المجتمع خالٍ من هكذا أفعال مخلة بالآداب.

وهذا ما جعل البعض يدعو إلى أن القانون يجب ألا يتدخل في الشأن الأخلاقي أكثر من اللازم حفاظا على النظام العام وحماية للمواطنين، وبعبارة أدق: فإن هناك منطقة أخلاقية من الأفضل أن تترك لضمير الفرد[63]، إلى جانب ما سبق، توجد الكثير من الحجج الأخرى والتي تنادي بعدم تحويل المبادئ الأخلاقية إلى واجبات قانونية، إذ يحبذ أن يكون التقنين في أضيق الحدود، فالمجتمع يضيق بالقوانين الكثيرة، كما أن تضخم الترسانة التشريعية ينقص من هيبة القانون نفسه على المدى البعيد[64].

ب: التمييز بين القواعد القانونية والمبادئ الأخلاقية

يتطابق القانون مع الأخلاق من حيث اعتبار أن كليهما معني بوضع ضوابط ومعايير للسلوك البشري، وهذا ما يعبر عنه بألفاظ الالتزامات والواجبات، لكن مع ذلك توجد العديد من الاختلافات بينهما، وقد درجت العادة على الاستناد لبعض المعايير في سبيل إبراز هذه الاختلافات.

  • من حيث طبيعة الجزاء:

إذ لا يتصور أن تتحقق فاعلية القواعد القانونية والاحترام التام لها إلا من خلال الجزاء كعنصر مميز لهذه القواعد، والذي يتسم بمظهره المادي الموقع من طرف السلطة العامة بما لها من سلطتي الأمر والنهي.

فالجزاء يجسد العنصر الذي تتميز به القاعدة القانونية عن القواعد الاجتماعية الأخرى التي يتراجع فيها هذا العنصر إلى مجرد استنكار الجماعة واستهجانها، كما هو الشأن في المبادئ الأخلاقية[65]، حيث يشكل وجود الجزاء في القاعدة القانونية أمرا لا غنى عنه وبدونه يصبح مضمونها مجرد نصيحة، كما أن حضوره ضروري تفرضه طبيعة القواعد الاجتماعية، لأن الشخص لكي يوجه سلوكه وفقا لقواعد القانون لا بد أن يخشى شيئا، وهذا الشيء الذي يخشاه هو الجزاء[66].

لكن يجب ألا يفهم مما تقدم أن جميع الأشخاص لا يحترمون القانون إلا خوفا من الجزاء، لأن الشخص قد يحترم أحكام القانون من تلقاء نفسه وينفذ التزاماته عن رغبة في الوفاء بالعهود والمواثيق لا رهبة، كما قد ينبع احترام الناس لقواعد القانون من الشعور بكونها ضرورة اجتماعية لا بد منها لحماية النظام العام الاجتماعي، والسير بالمجتمع في طريق التقدم والرقي[67]، لكن لما  كان مجتمع المدينة الفاضلة الذي يتألف جل أعضائه من الفضلاء العقلاء أولئك الذين يحترمون التنظيم القانوني لوعيهم الحضاري، هو مجرد مجتمع خيالي، فإن ذلك يجعل من احترام التنظيم القانوني كما قد يعتمد على التلقائية الواعية والكوابح الشخصية والترغيب، فإنه يعتمد أيضا على الترهيب بالجزاء[68].

ومن تم يظل هذا الأخير عاملا فاعلا في حث الناس على احترام القانون، فيكون كالسيف الذي لا يشهر ولا يستعمل إلا عند الاقتضاء، حين يخرق القانون[69]، ذلك أنه يجسد “الأداة التي تكافئ أصحاب الأعمال الفاضلة، وتعاقب أولئك الذين يأتون أفعالا شريرة، وهي تفعل ذلك تشجيعا للأولين وصدا للآخرين”[70].

وإذا كان هذا هو حال قواعد القانون، فإن القرارات التي تتخذ من المنظور الأخلاقي لها آثار وعواقب لا تقل أهمية عن تلك المتعلقة بفكرة القانون، صحيح أن كلا من القانون والأخلاق يسعيان إلى توجيه السلوك الإنساني، لكن الاختلاف يكمن في كون السلاح الذي ترفعه النظرية التي تحتوي ما هو أخلاقي تتمثل في تحسيس الفرد ومعه الجماعة بأن الأفعال السيئة قد تؤدي إلى الشعور بالذنب والإحباط، في حين أن فعل الخير يترك أحاسيس فاضلة،  فقوى الشد والجذب الأخلاقية هذه هي التي تؤثر على السلوك[71]، وهذا ما يجعل الجزاء في نظرية الأخلاق لا يعدو أن يكون سوى جزاء أدبيا معنويا، مظهره تأنيب الضمير وازدراء واستهجان المجتمع، وسخطه على المخالف ونفوره منه، واستنقاص وتعيير من لا يلتزم بها.

وبالتالي، فالمبادئ الأخلاقية تسأل الإنسان عن نياته التي في أعماق نفسه، حيث توكل أمر مكافأته أو معاقبته إلى الله وإلى ضميره، ولعل أبرز مثال يمكن أن نسوقه حين نتحدث عن ذلك الذي يقصده قريب أو صديق طلبا للعون أو المساعدة فيرفض، فهو في مأمن من المحاكم، لكنه ليس في مأمن من ضميره.

  • من حيث النطاق:

تتمَحورُ الفكرة الجوهرية التي يحاول المنادون بهذا المعيار إيصالها، في أن دائرة الأخلاق أوسع من دائرة القانون، وذلك راجع إلى أن مقياس الحكم على التصرف في دائرة القانون مقياس خارجي يعتمد على السلوك الظاهري للشخص داخل الجماعة، دون أن يحفل بالنوايا والبواعث المجردة التي يُضمِرها الشخص في نفسه ولا تبرز إلى العالم الخارجي في سلوكه الظاهر[72].

أما الأخلاق فإلى جانب اهتمامها بالسلوك الخارجي للشخص، فإنها تهتم أيضا بالنوايا المستترة والبواعث ولو لم يصحَبها سلوك خارجي، لأن مقياس الحكم على التصرف في دائرة الأخلاق مقياس داخلي باطني يتوغل في سرائر النفوس ويكشف عن الدوافع الخفية[73]، فإذا كان الشخص يعد مذنبا في نظرية القانون حينما ينتهك حقوق الآخرين، فإنه في عالم الأخلاق يصطبغ بهذا الوصف في اللحظة التي يفكر فيها في القيام بذلك[74].

وهذا توجه مأثور، فباعتبار أن الأخلاق تبالي بتهذيب الإنسان وكماله، فإنها تقيم اعتبارا للنوايا والبواعث الداخلية ولو لم تقترن بسلوك خارجي، بينما نجد القانون لا يحفل سوى بهذا الأخير ولا شأن له بما يظل حبيس النفوس، لأن هذه النوايا لا تؤثر –طالما ظلت كامنة- على النظام الاجتماعي.

كذلك، نجد بأن دائرة الأخلاق تتسع حين نعلم بأن القانون لا يهتم إلا بالقيم الأساسية التي لا غنى للمجتمع عنها، أما أوجه السلوك المتصلة بقيم ثانوية، فهذه يترك القانون تنظيمها لقواعد الأخلاق شأن إكرام الضيق والإيثار[75].

  • من حيث الغايات:

إذا كانت قواعد القانون تبتغي تحقيق النظام في المجتمع والمحافظة على كيانه وديمومته، والارتقاء به نحو الأفضل، فإن قواعد الأخلاق تراعي في تنظيمها للمجتمع ما يجب أن يكون عليه الإنسان عن طريق السمو به[76]، وعليهِ، فبينما تنتصر الغاية من الأخلاق  في غاية مثالية تنحو بالإنسان نحو الكمال والتهذيب، فإن التنظيم القانوني يتأثر بمجموعة عوامل وحقائق موضوعية بحيث لا تمثل الأخلاق سوى إحدى العوامل المؤثرة في تشكيل مضمون تنظيمه، الأمر الذي يفسر اختلاف التنظيم  القانوني عن الأخلاقي في العديد من النواحي[77].

ومن تم، يتبين أن الأخلاق إنما تخضع الفرد لضميره في تطلع دائم إلى السمو والكمال، بينما القانون يخضع الفرد للجماعة في سعيها الحثيث نحو تحقيق مصالحها وإقامة النظام والاستقرار فيه، ولعل هذا ما يجعل من القانون نظاما اجتماعيا، بينما الأخلاق تظل مجرد نظام فردي أو شخصي، ولهذا يعتبر بعض المفكرين أن القانون يستهدف تحقيق العدل، في حين أن الأخلاق تستهدف تحقيق الخير، الرحمة، والغيرية[78]، كيف لا وهي تعتمد على الضمير الشخصي وحكم الجماعة، ابتغاء التمييز بين الخير والشرير، وهو تمييز يتجاوز ماهو قانوني[79].

  • من حيث درجة الوضوح:

مما يكاد يتفق عليه، أن ما يميز القواعد القانونية عن المبادئ الأخلاقية كون الأولى نشأت بفعل سلطة منحتها هذه الصفة، بخلاف الثانية التي تبقى مفترضة[80]، هذا هو ما يجعل قواعد القانون واضحة المعالم، يمكن التعرف عليها وبالتالي تطبيقها، خاصة وأنها قائمة على مبدأي الشهر والكتابة، بينما قواعد الأخلاق لا تعدو أن تكون سوى مجرد أحاسيس داخلية مخبأة في الضمائر، ولعل ما يميزها هو غموضها وعدم الوضوح[81].

والسبب في ذلك أن الأسس الأخلاقية المعتمدة في اتخاذ  القرار جد متنوعة ومتعددة، فقد يستند هذا الأخير على حقيقة متصورة وراسخة في الفكر، أو على نظام قيم وأولويات تم إنشاؤه اجتماعيًا، أو تحليل موضوعي من الناحية النظرية للعواقب التي قد تترتب، أو على الواجبات الدينية، أو الدوافع الداخلية التي تفرض مجموعة معتقدات شخصية، أو ربما على مزيج من كل هذه العوامل، بشكل عام، يرتكز الأساس الأخلاقي لأي قرار خارجي على ما يسمى بمدونة الأخلاقيات التي تقسم السلوكيات إلى طوائف مقبولة وغير مقبولة[82].

فاستنادا لهذه المدونة المفترضة يتم الحكم على السلوك البشري، حيث تصدر أحكام قيمة حول عدالة أو لا عدالة التصرف، انطلاقا من مجموعة من القيم والمبادئ المتأصلة من فكرتي العدالة والوعي الفردي والجماعي، ولعل هذا ما يدفع الإنسان لأن يجد نفسه خاضعا لبعض القواعد الغير مكتوبة، والتي تؤلف بدورها جزءا من نظرية القانون الطبيعي، هذا ما حدا بأرسطو ليميز بين عدالتين، العدالة القانونية التي يتم تحقيقها عبر تطبيق قواعد القانون، والعدالة الطبيعية التي كانت ولازالت سارية في كل مكان[83].

لكن مما ينبغي الإشارة إليه هنا، أن دائرة القانون آخذة في التوسع، إذ لا أحد ينكر بأننا أضحينا “نعيش لحظة تحت هيمنة القانون، منذ الولادة إلى الوفاة، بل وإلى ما بعد الوفاة وما يتطلبه الأمر من احترام حرمة القبر، لكن مع هذا، ورغم وعينا بهذا الحضور المهيمن للقانون، إلا أننا غالبا عاجزون عن تحديده”[84].

خـــــاتمــــــــــــــــــة :

إذا ما نظر إلى تاريخ العلاقة بين القانون والأخلاق من الجانب الذي تم تصويره أعلاه، فإننا نكون من الشاهدين على وجود علاقة بمنحيين، تارة تكون الأخلاق والقانون كالجسد الواحد، وتارة يكونان خطين متوازيين لا يلتقيان، وعلى العموم فإن المسائل الأخلاقية تعد من المسائل التي يجب أن يهتم بها كل إنسان، فكل فرد محتاج لأن يبني تصرفاته ويبررها بالرجوع إلى “معيار خلقي”، فإذا لم يتخذ لنفسه موقفا مماثلا وآثر أن يكون سلبيا، فإن هذه السلبية تكون ضد الأخلاقية، وفي ذلك يقول باسكال : “إن السلبية هي أساس التدهور والسقوط[85].

صحيح أن للعلم أهمية في رقي الإنسان، لكن الأخلاق أكثر أهمية لأنها تتصل بالناحية الروحية، فلا ينتظر من كل إنسان أن يكون عالما بالقانون، ولا أن يكون ملما بحيثياته وتفاصيله، ولكن ينتظر منه أن يدرك معنى الواجب، وأن يهدف في أعماله وتصرفاته إلى اعتماد المبادئ الخلقية في منهجه.

حين يصل المرء لهذه المرحلة، سينعكس ذلك بشكل تلقائي على مدى امتثاله للقانون، مما يكون معه البناء السياسي قويا لا تزعزعه العواصف والفتن، راسخا يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه، فلا يفرض عليه قانون ولا تشريع، بل يقوم هو نفسه –من خلال ممثليه- بسن القوانين، والنظم، والقواعد، والتشريعات التي يطيعها ويخضع لها سلوكه، فيكون بذلك حرا حرية حقيقية، لأن الحرية الحقة لا تعني الانفلات من القوانين، أو الخروج على القواعد والنظم كما يظن الفوضويون، وإنما هي تعني أن أطيع القانون الذي أضعه لنفسي بنفسي، فلا تمنعني في هذه الحالة سوى ذاتي، سوى إرادتي الحرة، فالحرية هي كما أكد كانط : الاستقلال الذاتي للإرادة، أن أحدد نفسي بنفسي، الحرية هي التحديد الذاتي، أن أحكم نفسي بنفسي”[86].

[1] – يتم الحكم على أي سلوك بشري من خلال معيار القيم الأخلاقية، حيث تعطى أحكام قيمة حول أخلاقية أو لا أخلاقية السلوك، بشكل عام يعتمد الحكم الأخلاقي على مجموعة متكاملة من القيم والقواعد ومبادئ العدالة والسلوك المفروضة على الوعي الفردي والجماعي.

GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, The relation between ethics and law, Fiat Iustutia, No 1/2016, P 189.

[2] -للمزيد ينظر وليم كلي رايت، تاريخ الفلسفة الحديثة، ترجمة محمود سيد أحمد، الطبعة الأولى، التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 2010، ص 173 و 221.

[3]ناجي التكريني، فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومكسويه، الطبعة الأولى، دار دجلة، عمان، 2011، ص  103  .

[4]  – يعتقد معظم الباحثين، حين يتكلمون عن الأخلاق، أن مفهوم هذه الكلمة لا يثير أي خلاف بين المفكرين، إلا أن الأمر خلاف ذلك، حيث يقع الفصل بين اتجاهين أساسيين في معالجة المسائل الأخلاقية، اتجاه الفلاسفة، واتجاه علماء الاجتماع، فيرى الفلاسفة أن قوانين الأخلاق “عامة” لا تتأثر بحدود الزمان والمكان، أما موضوع بحثها فيتمحور حول قوانين السلوك الإنساني.

أما المدرسة الاجتماعية فتقول أن الإنسان الذي يعيش في مجتمع معين لا بد أن يعكس المبادئ الأخلاقية والعادات السائدة في مجتمعه، والضمير الأخلاقي عند الإنسان يتقيد كثيرا بما يسود في المجتمع من معتقدات وعادات وتقاليد، ولذلك فإن الإنسان يحكم على الأفعال والتصرفات لا من خلال ضميره فحسب، بل من خلال ضمير المجتمع.

والأخلاق كما يدرسها الفلاسفة ليست علما في نظر علماء الاجتماع، ولكنها يمكن أن تصبح موضوعا لعلم، وهذا العلم يطلقون عليه اسم “علم الظواهر الأخلاقية”، وهي إن أصبحت علما فيجب أن تفصل فصلا تاما بين النظرة الذاتية، والنظرة الموضوعية، أي أن تفصل بين دراسة ما هو كائن، وما يجب أن يكون.

للمزيد ينظر محمد بدوي، الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، الطبعة الأولى، دار المعرفة الجامعية، الأزاريطية، 2000، ص 6-7-8 وما بعدها.

[5] للمزيد ينظر إمام عبد الفتاح إمام، السياسة والأخلاق، دراسة في فلسفة الحكم، دون ذكر الطبعة، المجلس الأعلى للثقافة، 2001، ص 10.

[6]فاطمة الزهراء علاوي، القانون والأخلاق: أية علاقة؟، منشور على http:platform.almanhal.com ، ص2.

[7]-لقد ظهر مفهوم الأخلاق عندما أراد قابيل قتل هابيل، وإذ رأينا كيف تنازل هابيل عن حقه القانوني وهو الدفاع عن النفس مقابل الالتزام الأخلاقي، “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك”.

[8]DAVID HIEZ, L’éthique et le droit, Bibliothèque National du Québec, Bibliothèque National du Canada, 2009, 1° trimestre, p2.

[9]GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, Op cit, P 805.

[10] عبد الحكيم الحكماوي، البعد الأخلاقي في بناء القاعدة القانونية وآثاره، الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، 7 نونبر 2017، منشور على http://aljami3a.com

[11] Steve Sheppard, Law, Ethics, and justice, the university of Arkansas, USA, Encyclopedia Of Life Support Systems (EOLSS), P 4.

[12]GEORGETABIANCA SPIRCHEZ, Op cit, p189.

[13] إمام عبد الفتاح إمام، م س، ص 77.

[14]BENOIT DUBREUIL, Réguler l’éthique par le droit, Klesis, Revue philosophique, 2011, philosophie analytique du droit, p 78.

[15] – يعتبر أحد المفكرين الانجليز أن القانون أقرب للقاعدة، في حين أن الأخلاق تميل لتأخذ وصف الحكم والمبدأ.

DAVID HIEZ, Op cit, p 1.

[16]Stuart C. Gilman, ETHICS CODES AND CODES OF CONDUCT AS TOOLS FOR PROMOTING AN ETHICAL AND PROFESSIONAL PUBLIC SERVICE: Comparative Successes and Lessons, Washington DC, Winter 2005, p 23.

[17]– عبد الحكيم الحكماوي، م س.

[18]– يرتكز رونالد دوركن في دفاعه هذا على قرار لمحكمة استئناف نيويورك صدر سنة 1997، حيث قتل أحد الأشخاص جده طمعا في ثروته، ورغم سجنه ظل يطالب بالإرث، فبحسب القانون السائد آنذاك تعد مطالبته مشروعة، إلا أن المحكمة رفضت منحه الإرث عملا بمبدأ أخلاقي غير مكتوب يقول بعدم الإفادة من السوء المسبب للغير. ميشيل تروبير، فلسفة القانون، ترجمة جورج سعد، الطبعة الأولى، منشورات بريس أونفيرسيتير دوفرانس، 2004، ص 75.

[19]GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, Op Cit, P 190.

[20]توني أونوريه، أراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض، الطبعة الاولى، دار الفكر للدراسات والتوزيع، 1998، ص 10.

[21] كمثال على التعاون هنا أنه إذا التزم مقاول مثلا بتركيب مادة معينة وتعذر عليه الحصول عليها، فليس للدائن رفض مادة أخرى إذا كانت لا تقل عنها جودة.

محمد الشرقاني، النظرية العامة للالتزام، العقد، دون ذكر الطبعة، مطبعة سجلماسة، مكناس، 2013-2014، ص 196.

[22]رمضان أبو السعود، همام محمد محمود زهران، المدخل إلى القانون النظرية العامة للقاعدة القانونية، دون ذكر الطبعة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1997، ص 47.

[23]Stuart C. Gilman, Op cit, p 23.

[24]ناجي التكريني، فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكويه، دون ذكر الطبعة، دار دجلة كمان، 2011، ص 67.

[25]فريدريك نيتشه، م.س، ص 103.

[26]GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, Op cit, p 196.

[27]  – STEVE SHEPPARD, Op cit, P6.

[28] – عبد العزيز بنزاكور، قيم وأخلاقيات المهن القضائية، مجلة المحاكم المغربية، العدد 150، يناير 2016، ص 20.

[29]ظهير شريف رقم 1.16.121 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، الجريدة السمية عدد 6493، 18 ذو القعدة 1437 (22 أغسطس 2016)، ص 6175.

[30] – مثلا القانون رقم 05.08 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين، والقانون رقم 03.10 المتعلق بالولوجيات، إلى جانب القانون رقم 05.81 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر، كما تم إحداث مندوبية سامية للأشخاص المعاقين بموجب المرسوم رقم 2.94.201 الصادر في 13 دي الحجة 1414 الموافق ل 24 ماي 1994.

أيضا م توفير الحماية لهده الفئة من خلال بعض فصول مدونة الشغل، خاصة الفصول …

[31] – مثلا الظهير الشريف رقم 1.18.19 الصادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) بتنفيذ القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1439(12 مارس 2018)، ص 1449.

[32]اسحق ابراهيم منصور، نظريتا القانون والحق وتطبيقاتهما في القوانين الجزائرية، دون ذكر الطبعة، ديوان المطبوعات الجامعية، 2001-2002، ص 55.

[33]  – لقد أضحى تعيين الاحكام يتم بشكل تناسبي مع ذنب المجرم، مما حذا ببعض القوانين ودفع بها إلى إعفاء الجناة من المسؤولية أو التخفيف منها في الحالة التي يتبين فيها عدم تحملهم المسؤولية كاملة.

  1. VASANTHA KUMAR, , An analyze on Law Vs Ethics and Moral in a changing Society, University of Madras,2000, P 1.

[34]لعروسي لسمر، من الحق التعذيبي إلى ولادة السجن، ديوان العرب، السبت 29 ماي 2010، منشور على الموقع، www.duwanalarab.com.

[35]– كما هو الشأن بالنسبة للعمل لأجل المنفعة العامة الذي جاءت به المواد 6-35 و7-35 و8-35 و9-35 من مسودة مشروع القانون الجنائي.

أيضا خولت مسودة مشروع القانون الجنائي للمحكمة إمكانية الحكم ببعض العقوبات التي تتضمن تقييدا لبعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية (المادة 13-35 من المسودة وما بعدها).

[36]– القانون رقم 30.06 الرامي إلى تعديل أحكام ظهير 1.60.305 الصادر في 04 رمضان 1380 (فبراير 1961) بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية، ج ر عدد 5477 بتاريخ 27 نونبر 2006.

[37]– لا يمكن اللجوء إلى الاكراه البدني فيما يخص تحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى في الحالات الآتية: 1-إذا كان سن المدين يقل عن 20 سنة أو بلغ 60 سنة فما فوق، 2-إذا ثبت عسر المدين طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 75 من م ت د ع، 3-إذا كان المدين امرأة حاملا، 4-إذا كان المدين مرضعة وذلك في حدود سنتين ابتداء من تاريخ الولادة.

[38]– لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني ضد الزوج وزوجته في آن واحد، ولو من أجل ديون مختلفة.

[39] خاصة من خلال: مراجعة ضوابط الوضع تحت الحراسة النظرية عبر سياسة الترشيد، ترشيد الاعتقال الاحتياطي وإجراءات التحقيق، وضع مجموعة آليات للوقاية من التعذيب، تعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية، تعزيز حقوق الدفاع، ضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية وتحديثها، تطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة.

[40]فريدريك نيتشه، م.س، ص 100.

[41]– المادة 458 من قانون المسطرة المدنية المغربي والمادة 46 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[42]عن المملكة المغربية، الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، مجلس النواب (المادة 100 من الدستور)، جواب السيد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، المحور الأول: تخليق الحياة العامة، الثلاثاء 26 شعبان 1438/23 ماي 2017، ص 5- 6.

[43]– في هذا السياق، وعملا بالتوجهات الملكية السامية، أفردت الحكومة لهذه المسألة أهمية بالغة، حيث تم تحقيق مجموعة من المكتسبات نذكر منها: إحداث الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، تفعيل مبدأ تعميم مباراة التوظيف بالوظيفة العمومية ونشرها بالبوابة الوطنية (emploi-public.ma)، إصدار القانون التنظيمي والمرسوم الخاص بالتعيين في المناصب العليا، مراجعة المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وإحداث اللجنة الوطنية للطلبات العمومية، التفاعل مع هيئات الرقابة والحكامة حيث تم خلال سنة 2016 تسجيل 2992 متابعة تتعلق بجرائم الفساد…للمزيد أنظر الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، الجلسة رقم 1، مجلس النواب (المادة 100 من الدستور)، م.س، ص 5 وما بعدها.

[44]social research association, Ethical Guidelines, Decembre 2003, P 7.

[45]Steven R. Salbu, Law and Conformity, Ethics and Conflict: The Trouble with Law-Based Conceptions of Ethics, Indiana Law Journal, Article 3, Winter 1992, Volume 68, Issue 1, p 101.

[46]JOHN VELENTZAZ, GEORGEA BRONI, Ethical Dimension In the Conduct of business: Business ethics, Corporate social responsibility and the law. The “ethics in business” as a sense of business ethics, International Conference On Applied Economics – ICOAE 2010, P 795.

[47]JOHN VELENTZAZ, GEORGEA BRONI, Op Cit, p 805 and P 795.

[48]social research association, Op cit, P 7.

[49]ـ- راجع الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، ميثاق إصلاح منظومة العدالة، يوليوز 2013، ص 44.

[50]– التخليق المهني علاوة على ارتباطه بمبادئ عامة مثل الشرف، الاستقامة، والنزاهة، فإن الأخلاقيات المهنية تفرض أيضا بصفة خاصة، التزامات سلوكية على العاملين، فالأخلاقيات المهنية هي إذن مجموعة قواعد والتزامات يضعها المرفق أو الهيئة المهنية بغية مواجهة حالات معينة، في إطار قانوني يجد مصدره في القيم الأخلاقية الأساسية. عبد العزيز بنزاكور، قيم وأخلاقيات المهن القضائية، م س، ص 21.

[51] تتحدد هذه الأهداف فيما يلي: -تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية منظومة العدالة، تعزيز مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية في مختلف المهن القضائية، ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية، تعزيز دور القضاء في تخليق الحياة العامة. للتوسع راجع ميثاق إصلاح منظومة العدالة، م س، ص من 63 إلى غاية 67.

[52]Jo-Marí Visser, Christoffel H Van Zyl IV, Legal Ethics, Rules of Conduct and the Moral Compass considerations from a Law Student’s Perspective, May 2016, University of the Free State, South Africa,  article pdf available on: https://www.researchgate.net/publication/303322740_Legal_Ethics_Rules_of_Conduct_and_the_Moral_Compass_-_Considerations_from_a_Law_Student’s_Perspective.

[53]Jo-Marí Visser, Christoffel H Van Zyl IV, Op cit.

[54]توني أونروريه: آراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض، الطبعة الاولى، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، 1998، ص 10.

[55]ميشيل تروبير، فلسفة القانون، ترجمة جورج سعد، الطبعة الأولى، منشورا بريس أونيفيرسيتيردوفرانس، 2003، ص 6.

[56]BENOIT DUBREUIL, Op Cit , p 78 .

[57]رمضان أبو السعود، همام محمد محمود زهران، المدخل إلى القانون، النظرية العامة للقاعدة القانونية، دار المطبوعات الجامعية، اسكندرية، 1997، ص 48.

[58]رمضان أبو السعود، همام محمد محمود زهران، م.س، ص 49.

[59]-يختزل البعض هذا التوجه في قوله: “إنه في هذه الحالة أين يتم فهم خاطئ لسياق القانون في مواجهة الأنساق الاجتماعية الأخرى، فالاقتران البنيوي لهذه الأنساق مع الاقتصاد سيؤدي إلى إعادة صورة الموقع المهيمن للسياسة المُمَأسسة على حساب كافة المجتمع، لكي تكون الهيمنة للمنطق الاقتصادي.

[60]محمد عبد الملك محسن الحبشي، تاريخ وفلسفة القانون، دار الكتاب الجامعي، صنعاء، 2012، ص 114.

[61]مولاي الحسن تماري، موقع العدالة الجبائية في ثقافة حقوق الإنسان، مجلة تمازيغ، 5 ديسمبر 2010، العدد 9، ص 2.

[62]– للمزيد ينظر مولاي الحسن تمازي، موقع العدالة الجبائية في ثقافة حقوق الانسان، مجلة تمازيغ، 5 ديسمبر 2010، العدد التاسع، ص 6 وما بعدها.

[63]اسحق ابراهيم منصور، نظريتا القانون والحق وتطبيقاتهما في القوانين الجزائرية، م.س، ص 56.

[64]توني أونوريه، آراء في القانون، ترجمة مصطفى رياض، الطب الأولى، الجمعية المصرية لنشر المعرفة الثقافية العالمية، 1998، ص 10-11.

[65]رمضان أبو السعود، همام محمد محمود زهران، المدخل إلى القانون، النظرية العامة للقاعدة القانونية، دون ذكر الطبعة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1997، ص 39.

[66]–  غالب علي الداودي، المدخل إلى علم القانون، الطبعة السابعة، دار وائل للطباعة والنشر، السنة ،ص 22-23.

[67] – الدافع لاحترام القانون هنا هو دافع الغاية الاجتماعية، وهي حفظ المجتمع إلى جانب دافع التضامن الاجتماعي، وهو شعور الأفراد بارتباطهم بالجماعة وبضرورة إقامة نظام الجماعة على أساس العدالة. ينظر محمد عبد الملك محسن المحبشي، تاريخ وفلسفة القانون، دون ذكر الطبعة، دار الكتاب الجامعي، صنعاء، 2012، ص 20

[68]رمضان أبو السعيد، م.س، ص 26.

[69]–  غالب علي الداودي، م.س، ص 24.

[70]ناجي التكريتي، فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكويه، دون ذكر الطبعة، دار دجلة عمان، 2011، ص 67.

[71]VASANTHA KUMAR, Op Cit, P 4.

[72]– مع التسليم بوجود بعض الاستثناءات مثل سبق الاصرار في جريمة القتل، وسوء النية في بعض التصرفات.

[73]– فالعبرة بالنية دائما في نظر الأخلاق لا العمل في مظهره وآثاره، ولذلك فإن من يفكر في قتل غيره ويفكر في سرقة جاره يعد وفقا لقواعد الاخلاق مجرما، ولكن فعله في كلتا الحالتين لا يشكل مخالفة في نظر القانون ما لم يتجاوز مرحلة التصميم والعزم والتفكير إلى البدء في تنفيذ فعل ظاهري يصح أن يقال معه أنه شرع في تنفيذ ما كان قد صمم عليه. غالب علي الداودي، م.س، ص 28.

[74] N.Vlanic, Law and Ethics, Winter 2017, Op cit, P 4.

[75]رمضان أبو السعود، م.س، ص من 47 إلى 50.

[76]غالب ابو السعود، م.س، ص 29.

[77]رمضان أبو السعود، م.س، ص 46.

[78] – فالنظامان يتحدان في الظاهر إلا أنههما يختلفان في الواقع، فإذا كانا يحرمان معا القتل، فالهدف متباين،القانون ينظر إلى عواقب القتل الاجتماعية، وما لها من أثر وخيم على أمن المجتمع واستقراره، بينما تنظر الأخلاق إلى المستوى الذي تنجر إليه النفس البشرية وما تنغمس فيه من شرور ورذيلة، فالقانون حين يجرم القتل إنما يجرمه باعتباره حارس المجتمع من كل ما يخل بأمنه واستقراره، بينما حين تحرمه الأخلاق فإنما تحرمه باعتبارها حارسة للفرد ضد ما تحدثه به النفس الأمارة من شرور، ومعنى ذلك أن سلوك الفرد هو الذي يتصف بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي بالمعنى الدقي لهذه الكلمة لأن “مواصفات الفعل الخلقي” لا تنطبق إلا على سلوك الفرد. إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة، م س ، ص 73.

[79]BENOIT DUBREUIL, op cite, p 78.

[80]ميشيل تروبير، فلسفة القانون، ترجمة جورج سعد، الطبعة الأولى، منشورات بريس أونيفيرسير دوفرانس، 2003، ص 50.

[81] – GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, Op Cit, p 195.

[82]Steven R. Salbu, Op Cit, p 101.

[83] – GEORGETA-BIANCA SPIRCHEZ, Op Cit, p 189.

[84]ميشيل تروبير، م س، ص 5.

[85]  – محمد بدوي، م س، ص 8.

[86]  – إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة، دراسة في فلسفة الحكم، دون ذكر الطبعة، المجلس الأعلى للثقافة، 2001، ص 7-8.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى