أطروحات و رسائلفي الواجهةمقالات قانونية

تقرير حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من تقديم يونس الصالحي تحت عنوان شرعية التأديب داخل المؤسسات السجنية بين المواثيق الدولية وخصوصية المادة

 

تقرير حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من تقديم يونس الصالحي تحت عنوان شرعية التأديب داخل المؤسسات السجنية بين المواثيق الدولية وخصوصية المادة

 

مقدمة:

 

ظهرت الحاجة إلى العقوبة كوسيلة لردع الجريمة، منذ أن بدأ الإنسان ينظم حياته في تجمعات، واتخذت العقوبة في البداية شكل تنكيل جسدي، واستهدفت جسم الإنسان لإيلامه أو تشويهه، وتجلت في التعذيب البدني بشتى أنواعه انطلاقا من الإيلام إلى القتل مرورا بالجلد والضرب وبتر الأعضاء أو تشويهها.

في وقت لاحق تطور الفكر البشري، فبات يرى في حرية البشر قيمة كبيرة أصبح معها حرمان الإنسان من حريته يشكل عقوبة قاسية ورادعة.

لكن بالرغم من ذلك، ظلت المجتمعات خلال هذه الحقبة من تاريخها تعتقد أن الحرمان من الحرية وحده لا يكفي للاقتصاص من الجناة الخارجين عن نظامها، ولذلك فإنها كانت ترى في السجن كفضاء تسلب فيه حرية الإنسان ووسيلة للتنكيل بالسجين وإذاقته أشد أنواع العذاب والقهر، باعتبار التعذيب عقابا ملازما للاعتقال وسلوكا يمارس على السجين في غياهب سجون تلك العهود لم يكن السجين إنسانا.

فاستعملت المعتقلات حقلا للانتقام العنيف والمؤلم، لأن العقوبة البدنية كانت هي الأساس وأن سلب الحرية وحده لا يعتبر عقابا رادعا ولا يطفئ جمرة نار الانتقام، وكان ينبغي إيلام السجين وتعذيبه لتحقيق الهدف من العقاب الذي هو مجرد قصاص تطهيري. هذه الفترة كان السجن مجرد فضاء يوضع به السجين رهن إشارة الجلاد، وفي الوقت الحاضر ونتيجة لتطور الفكر البشري والثورات التي تمت باسم حقوق الإنسان، اقتنعت البشرية بأن الحرية هي أثمن ما يملكه الإنسان، وأنها مكسب هش يتطلب الحفاظ عليه، فلم يعد مقبولا أن تكون السجون مقابر للأحياء، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها كل الدول- ومن بنيها المغرب- مجمعة على احترام وتكريم الإنسان في كل أوضاعه[1].كما لم يعد مقبولا أن تكون العقوبة السالبة للحرية شكلا من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة، ولا أن تتخذ شكلا من أشكال التعذيب، فأغلب الدول- من بينها المغرب –  صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية[2].

إذا كان الألم الناشئ عن عقوبة قانونية أو ملازما لها أو نتيجة عرضية لها يعتبر تعذيبا في مفهوم المادة الأولى من الاتفاقية، فإن الألم المسموح به في السجون هو ذلك القدر الناشئ عن العقوبة السالبة للحرية أو المصاحب لها أو الذي قد ينتج عرضا عن تنفيذها، ولذلك لا يسوغ أن يكون السجن مجالا لممارسة تعذيب بدني أو عقلي بصفة ممنهجة ونظامية بذريعة الردع والعقاب، فهذا يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وخرقا لاتفاقيات الأمم المتحدة في هذا المجال.

لا شك أن السجن كان من أقدم العقوبات التي توصل إليها العقل البشري في بحثه عن استتباب الأمن والنظام في المجتمعات، ورغم أن العقوبة السجنية كانت ومازالت تنطوي على قدر من الانتقام من السجين بحرمانه من أهم حقوقه الأصلية “الحرية” التي يولد عليها ويفترض أن تظل معه لتشكل جناحيه اللذين يحلق بهما، فإن الأنظمة السجنية القديمة لم تكن تكتفي بسلب حرية السجين فقط، وإنما كانت تجد في فترة السجن وعزله عن العالم الخارجي فرصة للتنكيل به.

اعتبارا لذلك، فإن عقوبة سلب الحرية لا ترتبط بالضرورة بالمهانة والمذلة وسوء المعاملة أو بعيشة القهر وضياع كرامة السجين وهدر إنسانيته.

السجين يبقى إنسانا حتى وهو في السجن، يستحق أن يمارس كل حقوق الإنسان التي يخولها له وضعه كإنسان، وتقرها الإنسانية في مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، باستثناء ذلك القدر من الحقوق المرتبطة بالعقوبة القضائية السالبة للحرية واللازم لتنفيذها.

ليس من العقوبة أن يجوع السجين أو يحرم من العلاج أو التطبيب أو النظافة أو أن يتم سلبه حقه في الحفاظ على كرامته داخل السجن، فالسجين إنسان له الحق في كل الحقوق التي يخولها القانون للإنسان في البلد بل في العالم بأسره، إلا ذلك القدر من الحرمان الذي يرتبط بالعقوبة السالبة للحرية.

إذ أن الاهتمام المتزايد للعديد من الفعاليات والمنظمات الحقوقية، والرأي العام الدولي والوطني، بموضوع المعاملة العقابية للمحكوم عليهم أدى إلى ترسيخ فكرة حقوق السجناء، وبالتالي تحول المعاملة العقابية داخل الفضاء السجني والانتقال بها من معاملة الإيلام والتأديب إلى معاملة الإصلاح والتهذيب.

وقد شكل القانون رقم 98-23ومرسومه التطبيقي[3] في المغرب، تحولا نوعيا في المنظومة القانونية المنظمة للمجال السجني، حيث عمل المشرع على ملاءمة هذا القانون مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب أو انظم إليها مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.

إذ أن هاجس المشرع في هذا القانون، هو التوفيق بين معادلة العقاب وكرامة الإنسان بمعنى إقصاء مفهوم الانتقام واستحضار دور المؤسسة في الإصلاح والتأهيل والتكوين من أجل إعادة الإدماج.

فسيادة النظام والتزام المحكوم عليهم بقواعد السلوك داخل المؤسسة السجنية أمر ضروري لتطبيق برامج التأهيل والإصلاح وفرض الإنضباط والأمن، وهو ما تطرق له القانون 98-23 والذي تضمن تسعة أبواب خصص منها الباب الرابع لمسألة الإنضباط والأمن وتطرقت المواد من (53)إلى (62)  لنظام التأديب الذي لا يختلف اثنان على ما يكتسيه من أهمية قصوى في حفظ الأمن وضبط النظام داخل المؤسسة السجنية، وحتى تتمكن من النهوض بدورها الأساسي الذي يتماشى مع المفهوم الجديد للعقوبة  الذي لا يقتصر على مجرد الردع وإنما يتعداه كما قلنا إلى التأهيل والإدماج، فالتأديب داخل المؤسسات السجنية يبقى أمرا شديد الحساسية، باعتباره عقابا جديدا ينضاف إلى عقاب سابق وجزاءا إضافيا فوق الجزاء الأصلي يتعين تنفيذهما في آن واحد.

دواعي اختيار الموضوع:

دوافع شخصية:

نتيجة اشتغالي بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أثار انتباهي موضوع التأديب داخل المؤسسات السجنية، وما يثيره من إشكالات قانونية وعملية تستوجب التطرق إليها من أجل المساهمة في الحد من بعض التصرفات التي تقلص ما تبقى للسجين من حقوق داخل الفضاء السجني.

دوافع علمية:

تتلخص هذه الدوافع في قلة الدراسات عن السجون، وخاصة الدراسات القانونية، مما نتج عنه غياب الاهتمام بمرحلة تنفيذ الجزاء وكأن النطق بالحكم هو منتهى العدالة، مع العلم أن الغاية من الإيداع في السجن هي الإصلاح وإعادة التربية والإدماج، وبالتالي فإن السجين سجين نفسه بين أسوار وقضبان حديدية، تقيد حريته مما ينتج عنه مجموعة من الخروقات سواء من طرف السجين أو من طرف الإدارة التي تهدف إلى الحفاظ على الأمن وسلامة المؤسسة، وبالتالي هل هناك تعارض بين مصالح الطرفين؟

دوافع واقعية:

لا جدال في أن الكل اليوم أصبح يتحدث عن الأوضاع التي تعيشها سجون المملكة، سواء التقارير المعدة من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو المرصد المغربي للسجون، أو الجهة الوصية المتجسدة في المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فالكل يتفق على أن هناك مشاكل يجب التصدي لها بكل الوسائل من أجل أنسنة الفضاء السجني.

إشكالية البحث:

لم يحصل مرة توافق عام، كالتوافق الحاصل حول حقوق الإنسان، رغم أنه في العديد من مناطق العالم، لا تتلاءم النظريات مع الحقيقة، فإذا كان من الواجب سد هذه الثغرة، يجب الاعتراف بأن تطبيق معايير حقوق الإنسان ليست فقط مسألة نظرية محدودة بل هي تشمل جميع الناس بمن فيهم المعتقلون داخل المؤسسات السجنية، فإلى أي حد يمكن التوفيق بين مراعاة حقوق السجناء القانونية والمحافظة على النظام والأمن داخل هذه المؤسسات السجنية؟

إنها بلا شك معادلة صعبة، وشديدة التعقيد خاصة في ظل وجود منطقين متعارضين[4] هما السجن والحرية، فكيف يمكن تنفيذ عقوبة سالبة للحرية، دون المساس بحقوق المحكوم عليه، الذي ربما يتعرض داخل المؤسسة السجنية لتدابير تأديبية تحد مما تبقى له من حقوق؟

وتتفرع هذه الإشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية:

  • ما مدى حماية المواثيق الدولية لهذه الفئة من المجتمع وإلزام الدول بضمان وشرعية حقوقهم، خاصة أثناء تعرضهم لإجراءات تأديبية؟
  • هل يمكن الحديث عن شرعية التأديب، دون الدخول فيما يعتبر الخط الأحمر في عرف الإدارة السجنية (النظام الداخلي)؟
  • هل هناك توافق بين النظام الداخلي، ومسطرة التأديب بالمؤسسات السجنية؟
  • في حالة ما إذا ارتكب السجين مخالفة داخل المؤسسة السجنية هل فعلا تنعقد لجنة التأديب؟ أم أن مدير المؤسسة له سلطة في اتخاذ التدابير المناسبة؟ وفي حالة ما إذا افترضنا أن هذه اللجنة تجتمع لاتخاذ التدابير المناسبة ما هي الضمانات المخولة للسجين للدفاع عن نفسه أمام هذه اللجنة، التي تكون هي الحكم والخصم في الوقت نفسه؟
  • هل مدير المؤسسة له من المؤهلات الضرورية ليقوم مقام القاضي في اتخاذ هذه التدابير التأديبية؟
  • هل حقا يحق للسجين الطعن في هذه التدابير التأديبية سواء أمام الإدارة المركزية أو الجهات القضائية المختصة؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب كم عدد هذه الحالات وهل يمكن أن ترتكب أخطاء من طرف اللجنة المكلفة باتخاذ التدابير التأديبية؟
  • هل يتم تطبيق التدابير التأديبية، على جميع المعتقلين داخل المؤسسات السجنية أم أن هناك استثناءات جاء بها المشرع لحماية بعض الفئات من التعرض لهذه التدابير وخاصة الوضع بزنزانة التأديب؟
  • ما هي وضعية المعتقل احتياطيا هل يمكن تنفيذ التدابير التأديبية في حقه عند ارتكابه لمخالفة داخل المؤسسة السجنية، مع العلم أن جميع المخالفات المرتكبة بالفضاء السجني تحال على النيابة العامة للتحقيق فيها، وبالتالي يطرح تساؤل كبير إذا افترضنا أن المعتقل احتياطيا يخضع للتدابير التأديبية، وخاصة الوضع بزنزانة التأديب وعند تنفيذه لهذا التدبير قضى القضاء ببراءته من التهمة التي كان محبوسا بها احتياطيا مع العلم كما قلنا سابقا أن جميع المخالفات تحال على النيابة العامة، ما هو الوضع القانوني لهذا المعتقل؟
  • هل هناك تفعيل حقيقي لدور قاضي تطبيق العقوبة؟
  • ما هو دور الجمعيات الحقوقية، هل هو اذكاء للصراع بين السجين والإدارة وبالتالي هي جزء من الإشكال؟ أم أن الجمعيات الحقوقية تحاول الدفاع عن حقوق السجناء؟

منهجية البحث:

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب اعتماد أسلوب الوصف والتحليل بخوض مقابلة النظريات والآراء المختلفة انطلاقا من الزيارات الميدانية التي قمنا بها للمؤسسات السجنية، والمعطيات والوثائق التي سمح لنا بالاطلاع عليها، على الرغم من الصعوبات التي تعترض البحث الميداني في هذا المجال، معتمدين منهجا نقديا مقارنا مستحضرين التجارب والتشريعات المقارنة في دراسة التشريع السجني بالمغرب بالإضافة إلى مسودة السجون المتداولة حاليا، ومن خلال ذلك قمنا بتقسيم هذا البحث إلى قسمين رئيسين: خصصنا الأول لدراسة لمبدأ الشرعية في مسطرة التأديب داخل المؤسسات السجنية  والثاني لضمانات الشرعية للإجراءات التأديبية.

فأما القسم الأول فقسمناه بدوره إلى بابين: باب لدارسة مقاربة الشرعية التأديبية، والباب الثاني لنظام التأديب داخل المؤسسات السجنية بين إشكاليات الأمن وحقوق السجناء.

وأما القسم الثاني فقسمناه بدوره إلى بابين: باب خصصناه للرقابة على الإجراءات التأديبية، والباب الثاني لآفاق التأديب.

حيت تم التطرق في القسم الأول من هذا العمل والذي عنوناه بتكريس مبدا الشرعية في مسطرة التأديب داخل المؤسسات السجنية ،اذ تم تقسيمه الى بابين ،الباب الأول تحت عنوان مقاربة جديدة للشرعية التأديبية حيث تطرقنا من خلاله الى أسس شرعية التأديب داخل المؤسسات السجنية وكان لابد من التطرق الى الاطار التاريخي لمؤسسة السجون بالمغرب ،سواء خلال فترة ما قبل الحماية او اثنائها بحيث خلصنا الى ان المغرب باعتباره دولة إسلامية ،فان القواعد التي كانت تطبق في تلك الفترة تعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية ومذهب الامام مالك في تسير الأمور الدينية والدنيوية ،وكانت السجون بدورها تخضع لهذه المبادئ ،بحيث كان الهدف من السجن هو التهذيب والتأهيل اذ ان السجون كانت خاضعة لسلطة العامل او القائد الذين يمثلون السلطة التنفيذية .

الا انه مع دخول المستعمر حاول هذا الأخير وضع مجموعة من النصوص القانونية التي تنظم سلوك الفرد داخل المجتمع بهدف تنفيذ اجندته الخاصة وطموحاته الاستعمارية في جميع مجالات الحياة حيث مهدت سلطات الحماية فيما يتعلق بتنظيم السجون بالمغرب خلال هاته الفترة بإصدار عدة اتفاقيات وقرارات لتنظيم سير العمل بالمؤسسات السجنية كان أولها ظهير 26 ابريل 1915 المتعلق بتنظيم وضعية السجون والسجناء ،اتفاقية 8 دجنبر 1923 واتفاقية مارس 1924 المتعلقتين بإنشاء أجهزة إدارية في جنوب المملكة ، ومحاولة من المستعمر لسد الثغرات التي خلفها ظهير 1915 فقد تدارك الامر من خلال ظهير 26 يونيو 1930 المخصص للاعتقال الاحتياطي.

وعلى اثر استقلال المغرب وقبل حلول الالفية الثالثة تمت المصادقة بالإجماع على القانون 98/23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية والذي حقق قفزة نوعية حيث نقل وضعية السجناء من الإهمال والمعاناة الى وضعية قانونية يمكن اعتبارها خطوة نحو تجدر هذا القانون في مجال حقوق الانسان ، والذي تضمن تصورات جديدة للحياة داخل الفضاء السجني ،اذ أصبحت أنسنة ظروف الاعتقال والحفاظ على ما تبقى للسجناء من حقوق وكرامة هي الهدف ، بالإضافة الى حضور ثقافة الادماج من خلال البرامج التعليمية والتكوينية على عكس ما كان سائدا في القوانين الملغاة .

كما اكدنا من خلال هذا العمل على ضرورة انتقال الشرعية الجنائية وامتدادها الى مرحة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ، فلا جدال اليوم ان مبدا الشرعية الجنائية يشكل حجر الزاوية في القانون الجنائي والضمان الأساسي لحرية الافراد ضد التحكم ، وهو بلا شك لا يتسع لاحتواء مرحلة التجريم والعقاب فحسب ، بل يجب ان يسري بالتأكيد حتى على المرحلة الإجرائية أي لابد من ان يرافق المحكوم عليه في حياته داخل السجن ، فشرعية التنفيذ العقابي هي جزء من الشرعية الجنائية وتجد أساسها في حماية حقوق الانسان من حيث الجوهر ، فالأصل في الانسان الحرية وعليه لا ينبغي ان تقيد هذه الحرية الا في نطاق من الشرعية ،هذه الفكرة التي كرستها المنظومة الدولية ، فقد شكل كل من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية المكملة له ، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء واتفاقية مناهضة التعذيب اهم المرجعية الحقوقية والتي لا يسوغ لأي قانون جنائي ان يحيد عنها .

  • اما من حيث الأساس الشكلي والجوهري فقد خلصنا الى انهما يرتكزان على المبادئ التي يسطرها الدستور والاهداف المتوخاة من العقوبة، اذ تحرص جل الدساتير على حماية حقوق الانسان كيفما كان جنسه او انتمائه وهوما أكده الفصل 23 من الدستور الذي نص “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.
  • الاعتقال التعسفي أو السري.
  • يجب اخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت
  • قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونة
  • يتمتع كل معتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية ويمكن أن يستفيد من برامج للتكوين إعادة الإدماج“.

 

وخلصنا الى انه هناك ثلاث مظاهر للشرعية:

الشرعية الجنائية التي يقوم عليها القانون الجنائي

الشرعية التي يقوم عليها قانون المسطرة الجنائية

الشرعية العقابية وهي شرعية تنفيذ العقوبات السالبة للحرية.

فمبدأ الشرعية لم يعد مقتصرا على المرحلة السابقة على الحكم والنطق به فقط، بل امتدت الى مرحلة التنفيذ ليلعب فيها دورا حاسما.

اما الفصل الثاني فقد تطرقنا فيه الى الشرعية الدولية في مجال حقوق الانسان، اذ ان الاهتمام المتزايد بحقوق الانسان لم يقتصر على المستوى الدولي بل شمل المستوى الإقليمي فظهرت أنظمة لحقوق الانسان في اوربا وامريكا وافريقيا والعالم العربي وكل هذه الأنظمة الهدف منها احترام حقوق الانسان

من كل ما تقدم يمكن القول ان الأنظمة الإقليمية تتدرج في القوة، اد نجد النظام الأوربي فالأمريكي ثم الافريقي والعربي نتيجة لما يضمنه من أداة فعالة لحماية حقوق الانسان.

كما تطرقنا الى حماية السجناء على ضوء المواثيق الدولية اذ نجد الإعلان العالمي لحقوق الانسان والميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ويمكن القول ان الإعلان العالمي لحقوق الانسان يمثل منعطفا في احترام حقوق الانسان على الصعيد العالمي لحقوق الانسان ولم يميز هذا الإعلان بين الانسان الحر والانسان السجين وعليه فالسجين يبقى انسانا يتمتع بالحقوق المسموح بها ولا يجب ان يتعدى على هذه الحقوق.

اتفاقية مناهضة التعذيب

الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين

اتفاقية حقوق الطفل

قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات (قواعد بانكوك)

قواعد الأمم بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم: حيث عملت على توفير الحماية اللازمة لهذه الفئة داخل المؤسسات السجنية وحظرت إيداع الحدث في زنزانة مظلمة.

قواعد الأمم النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء: جاءت هذه القواعد لتحفظ للسجين ما تبقى من حقوق داخل الفضاء السجني، حيث نصت على شرعية المخالفة والجزاء التأديبي، وان تكون هناك جهة مختصة اعرض هذا الجزاء حتى لا يكون هناك تعسف ضد السجين، والذي ينبغي ان يتمتع بضمانات المحاكمة العادلة والا يعاقب الا وفقا لأحكام القانون واعطائه فرصة للدفاع عن نفسه، ولمزيد من الضمانات ونضرا لقسوة الوضع بزنزانة التأديب فقد خصته هذه القواعد بمجموعة من الضمانات ومنحت للطبيب سلطة الحد منه.

قواعد نيلسون مانديلا: إذا كانت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ،كانت دائما هي المعايير الدنيا المعترف بها دوليا لاحتجاز السجناء، فإن إرساء نظام عدالة جنائية فعال ومنصف يخضع  للمساءلة ويراعى لاعتبارات الإنسانية ويستند إلى الالتزام بتشجيع وحماية حقوق الإنسان، لن يتأتى إلا بإعادة تنقيح هذه المبادئ وهو الأمر الذي تمت المناداة به في مؤتمر الأمم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، من طرف لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية التي أنشأت فريقا من الخبراء من أجل العمل على تنقيح هذه المبادئ ليتم تضمنيها آخر، ما تم التوصل إليه في مجال علم الإصلاح[5].

تبعا لذلك تم عقد ثلاثة اجتماعات من أجل الخروج بتوصيات لحماية هذه الفئة في قرار اتخذته الجمعية العامة في 15 دجنبر 2015، وهو ما يعرف بقواعد الأمم المتحدة النموذجية للدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا) التي أضافت مجموعة من القواعد التي تحمي الحقوق المتبقية للسجين خاصة عند ارتكابه لمخالفة داخل الفضاء السجني، كما قلصت هذه القواعد من مدة الوضع بزنزانة التأديب واستثنت السجناء ذوي الإعاقة العقلية أو البدنية، إذا كان هذا الوضع قد يؤثر على صحتهم. وذلك يتجلى بوضوح من خلال القواعد التالية والمعنونة بالقيود والانضباط والجزاءات( من القاعدة 36 الى 49)

فما هو موقف المشرع المغربي من هذه المواثيق وهل عمل على ملائمتها مع قانون السجون وهل اعتمد المشرع المغربي على قواعد نيلسون مانديلا في مسودة السجون.

اما الفصل الثالث فتناولنا فيه الاحكام القانونية للمخالفة التأديبية اد يعتبر التأديب داخل المؤسسات السجنية من المواضيع التي تكتسي أهمية خاصة لدى السجناء لأنه يتعلق بمادة جزائية وهو جزاء فوق الجزاء الذي ينفدونه ، فاذا كانت الشرعية ضرورة ملحة سواء في مرحلة التحقيق او المحاكمة فان دورها كما سبق وذكرناه لا يقتصر هذه المرحلة فحسب وانما يمتد الى مرحلة التنفيذ لما لها من أهمية على حياة السجين وهو ما أكدته مجموعة من القوانين المقارنة التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة والقانون 98/23 المتعلق بتسيير المؤسسات السجنية حيث يلاحظ ان المشرع الفرنسي  قسم هذه  الأخطاء الى ثلاث درجات اذ تضم عشرون (20) جريمة ،اما التشريعات العربية لم تنص على الأخطاء التأديبية وانما وضعت العقوبات فقط .

اما المشرع المغربي فقد نص في المادة 54 من قانون 98/23 على خمسة عشر (15) خطا تأديبيا ومن خلال قراءتنا لهذه المادة تبين ان المشرع أورد هذه الأخطاء على سبيل الحصر لا المثال بهدف الحد من السلطة التقديرية لمديري المؤسسات السجنية ،لكن بالرغم من هذا التحديد الحصري الذي جاء به المشرع المغربي يلاحظ انه استعمل عبارات عامة وفضفاضة (النظام الداخلي ، احداث الضوضاء المرسوم 29 ،30 )،خلط بين ماهو جريمة وهو خطا تأديبي

وعليه يمكن القول انه لا يمكن الحديث عن شرعية كاملة وانما شرعية ناقصة تعطي لمدير المؤسسة السلطة التقديرية في إضافة بعض الأخطاء مع العلم ان المشرع المغربي عمل على ملائمة هذا القانون مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء(القاعدة 29 )

كما تطرقنا أيضا الى التدابير التأديبية حيث ان معظم التشريعات التي اشتغلنا عليها (الفرنسي التونسي المصري العراقي) عمدت الى وضع لائحة حصرية للتدابير التأديبية التي تطبق على السجناء.

فالمشرع المغربي تناول هذه التدابير في المادة (55) من قانون 98/23

أنه يعتبر خطأ تأديبيا:

  • ممارسة عنف أو إيذاء ضد أحد العاملين بالمؤسسة أو الزائرين لها أو المعتقلين وكذا تعمد تعريضهم للمخاطر
  • حيازة أو ترويج الأدوات والمعدات التي تشكل خطرا على أمن المؤسسة وسلامة الأشخاص.
  • المساهمة في كل حركة جماعية من شأنها الإخلال بأمن المؤسسة وبالنظام داخلها.
  • حيازة أو تناول أو ترويج المخدرات أو المسكرات أو أي مادة من شانها أن تحدث اضطرابا في سلوك المعتقل.
  • السرقة آو الاستحواذ على أشياء مملوكة للغير أو الحصول على تعهدات أو تنازلات وذلك بكل الوسائل
  • تعمد إحداث خسائر في بناية المؤسسة أو تجهيزاتها
  • التهديد أو القذف أو السب الموجه للسلطات الإدارية والقضائية او للموظفين أو الزوار أو المعتقلين.
  • حيازة أشياء غير مسموح بها بمقتضى القانون الداخلي وكذا ترويجها أو التعامل بها.
  • القيام بأفعال من شأنها الإخلال بالحياء
  • إحداث الضوضاء
  • عدم المحافظة على نظافة المؤسسة
  • عرقلة الأنشطة التي تزاول بالمؤسسة
  • الهروب أو محاولته
  • عدم احترام القانون الداخلي

التحريض على القيام بأحد الأفعال المنصوص عليها أعلاه

وما يلاحظ على هذه المادة ان المشرع المغربي استعمل مصطلح تدابير تأديبية عوض عقوبات تأديبية وذلك لتحاشي التماثل التي يثيره الفقه بين الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية من جهة والعقوبة الجنائية والعقوبة التأديبية من جهة أخرى.

تجاوز المطالبة بالطعن في هذه العقوبات، فهذه المادة تتضمن لائحة مليئة بأشكال الحرمان التي تنضاف الى الحرمان الأساسي من الحرية حيث جاءت بصفة تسلسلية تزيد حدة الخطورة فيها من نوع لآخر واقصى تدبير هو الوضع بزنزانة التأديب

كما يلاحظ ان المشرع واكب القواعد الخاصة بحماية الاحداث حينما استثنى الاحداث من الخضوع للوضع بزنزانة التأديب.

رفض الغرامة المالية

من كل ما سبق يمكن القول ان المشرع المغربي عمل على مواكبة المستجدات التشريعية وملائمة القانون 98/23 مع المواثيق الدولية، لان الإصلاح وإعادة ادماج والاعتراف لهم بأدق الحقوق قد أصبح قدرا وليس خيارا، وانطلاقا من الرغبة في توفير بعض الضمانات القانونية للسجناء وحماية ما تبقى لهم من حقوق وفي إطار الحفاظ على الامن بالمؤسسات السجنية فقد وضع المشرع المغربي حدا للعشوائية في اصدار العقوبات وأصبح النظام التأديبي يكتسي الشرعية اللازمة رغم انها شرعية ناقصة.

اما الفصل الثاني فقد تحدثنا فيه عن إشكالية الوضع بزنزانة التأديب وهيمنتها على التدابير التأديبية حيث قلنا ان شرعية تنفيذ التدابير التأديبية بقيت بعيدة عن انشغالات المهتمين وبالتالي عن تنظيم قانوني لمركز السجين الذي يفترض قيامه على احترام لحقوقه الشخصية الإنسانية ، اذ ان إشكالية السجن تمكن أساسا في مصادرة الحرية من المحكوم عليه ، لذا كان لابد من الوقوف على حمولة التدابير التأديبية لأنها تهدف الى العديد من أنواع الحرمان التي تهدد كيان المحكوم عليه وبالتالي الانزلاق الى المساس ببعض حقوقه خاصة الوضع بزنزانة التأديب والذي اسماه الفقه بالاعتقال داخل الاعتقال .

فالمشرع المغربي ومن خلال المادة 55 من قانون 98/23 حدد بدقة أنواع التدابير التأديبية التي يمكن ان تصدر في حق المعتقلين وهي:

1 الإنذار مع التسجيل في الملف الشخصي

2 المنع لمدة لا تتجاوز 45 يوما من الشراءات ما عدا مواد النظافة وكذا من التوصل بمعونات من الخارج، وبصفة عامة الحرمان من المزايا التي يجيزها هذا القانون.

3 المنع لمدة لا تتجاوز 45 يوما من استعمال جهاز المذياع الشخصي او التلفاز او كل الة تم الترخيص باستعمالها

4 الحرمان لمدة أقصاها ثلاثة (03) أشهر من الدخول الى قاعة الزيارة بدون فاصل

5   الالتزام بالقيام بأعمال تنظيف مجلات الاعتقال لمدة لا تتجاوز 7 أيام.

6 الالتزام بإصلاح الخسائر التي احدتها المعتقل.

7 الوضع بزنزانة التأديب لمدة لا تتجاوز 45 يوما وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 61.

من خلال الاطلاع على هذه التدابير التأديبية وكما قلنا سابقا من خلال الملاحظات التي ابديناه فان بعض هذه التدابير لا فائدة منه في ظل ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها المؤسسات السجنية وعموما يمكن القول ان المشرع المغربي عمل على ملائمة هذه المادة مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء حيث نصت القاعدة 29 على

تحدد النقاط التالية دائما اما بالقانون واما بنظام تضعه السلطة الإدارية المختصة:

ا  السلوك الذي يشكل مخالفة تأديبية .

ب  أنواع ومدد التدابير التأديبية .

ج  السلطة المختصة بتقرير انزال هذه العقوبات .

ويترتب على هذه التدابير مجموعة من التدابير:

* قانونية: الإنذار، المنع من الزيارة والشراءات الالتزام بالقيام بأعمال النظافة اصلاح الخسائر.

*إدارية: علاقتها بالتصنيف واعادة التصنيف، العفو والافراج المقيد بشروط، التكوين المهني.

*اجتماعية: وصمة عار تلاحق السجين أينما حل وارتحل.

 

وبالرغم من تنوع هذه التبعات، فان الوضع بزنزانة التأديب يبقى من اشد التدابير قسوة على حياة السجين (الاعتقال داخل الاعتقال)، لأنه يجرد السجين مما تبقى له من حقوق، وهذا التدبير يهيمن على بقية التدابير الأخرى حيث وصل سنة …. الى 8225 حالة أي بنسبة 35.77/ من مجموع التدابير التأديبية ، فهذا الاجراء لا ينبغي اللجوء اليه بصفة مسترسلة وانما في الحالات الشاذة والتي تشكل خطورة على الحياة داخل الفضاء السجني ،اذ رغم نص المشرع المغربي على مجموعة من الضمانات في المادة 61 كالفسحة وزيارة الطبيب ،التغذية  ، الا ان له اثار سلبية على نفسية السجين ،وقد حاول المشرع من خلال مسودة  قانون السجون التقليص من مدته حيث جاء في المادة 260 من المسودة على ان “الوضع بزنزانة التأديب لمدة 15 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة مماثلة على سبيل الاستثناء بعد استشارة طبيب المؤسسة حول الحالة الصحية للسجين .

منع الاحداث

النساء المسنين الحوامل الأمهات المرفقات …

واقترحنا مجموعة من البدائل لهذه التدابير:

*التخفيض من مدة الوضع بزنزانة التأديب

*تغير الجناح او الحي

* وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار

* تنفيذ عمل من اجل مصلحة عامة

*تفعيل الوساطة لفض النزاعات داخل المؤسسات السجنية.

 

في حين تطرقنا في الفصل الثالث الى الضمانات الممنوحة للسجين، فالإجراءات التي تسبق عقد لجنة التأديب، وان كانت الغاية منها جمع الأدلة في شان ما ارتكب من مخالفات لقانون السجون حتى يتسنى اسنادها الى مرتكبيها وتطبيق التدابير التأديبية المقررة لها فهي نوعين:

*الإجراءات المتخذة قبل عرض المخالفة على لجنة التأديب: ان عملية التبت من وقوع المخالفة داخل المؤسسة السجنية وما يقتضيه ذلك من وجوب البحث والتحري عن مرتكبيها وجمع الأدلة أطلقنا عليه مرحلة البحث التمهيدي الذي اسنده قانون 98/23 الى الموظف الذي عاين الحادث او أخبر به والاخبار كما تطرقنا الى ذلك يعتمد اما على الشكاية او الوشاية وأكدنا على ضرورة حياد الموظف وان بتأكد من المعلومة قبل تحرير المحضر.

*الإجراءات المتخذة عند مساءلة السجين تأديبيا: رغم نص المشرع المغربي على بعض الضمانات الممنوحة للسجين اثناء مثوله امام المجلس التأديبي

1 حق السجين في القاضي الطبيعي: مدير المؤسسة هو رئيس لجنة التأديب اثار مجموعة من النقط حكم وخصم، في حالة غياب المدير، قاضي تطبيق العقوبة …..

2 حق السجين بالعلم بالتهمة

3 حق السجين في ابداء الاقوال

4 مناقشة الشهود

المعتقل الاحتياطي لم يتطرق المشرع الى وضعيته هل يمكن وضعه في زنزانة التأديب ،المشرع المصري سوى بين المعتقل الاحتياطي والسجين المحكوم نهائيا

5الحق في منازعة القرار التأديبي:

المادة 59 …………يصدر قرار التأديب ويبلغ الى المعتقل كتابة داخل اجل خمسة (05) أيام من صدوره ويجب ان يتضمن القرار بالإضافة الى ذكر الأسباب

هل المنازعة توقف التدبير

المشرع التونسي كان صريحا، اما المشرع المغربي لم يوضح الامر لكن بالرجوع الى دليل مساطر التدبير الأمني نص على انه رغم المنازعة في القرار التأديبي ينبغي ان ينفذ.

الأسباب التي تؤثر على تنفيذ التدابير التأديبية: 

 

1الافراج

2 العفو

3 إيقاف التنفيذ لأسباب طبية

4 إيقاف التنفيذ لمتابعة الدراسة

5 وقف التنفيذ

 

اما القسم الثاني من هذا العمل فقد قسمناه بدور الى بابين حيث تطرقنا في الباب الأول الى الرقابة على الإجراءات التأديبية ،حيث لا تكفي ضرورة الاعتراف بالشرعية في الإجراءات التأديبية ، بل لابد من وجود اليات تضمن هذه الشرعية وبالتالي احترام ما تبقى للسجين من حقوق ، وتتمثل هذه الالية في الرقابة على الإجراءات التأديبية ، والرقابة اما تكون داخلية وهي التي يمارسها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج ، او خارجية مجسدة في الجهات القضائية والحقوقية ،حيث تطرقنا في الفصل الأول من هذا الباب الى هيكلة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج واختصاصات كل مديرية على حذا ، لنصل الى الرقابة التي يمارسها المندوب العام على الإجراءات التأديبية حيث نجد ان المشرع المغربي حدد وسيلتين يمكن النظر فيهم لشرعية او قانونية القرارات التأديبية وهي :

*بناء على طلب من المعتقل الصادر في حقه تدبير تأديبي معين، وذلك داخل اجل خمسة (05) أيام من تاريخ تبليغه بالقرار.

 

*تلقائيا بعد توصل المندوب العام بتقرير مفصل عن الحادث الذي كان سببا في التأديب.

 

كما نلاحظ ان المشرع المغربي جعل لزاما على المندوب العام لإدارة السجون البث في طلب المنازعة داخل اجل شهر من توصله وان يعلل قراره وعدم جوابه داخل الاجل المذكور يعتبر بمثابة رفض المنازعة وهو ما أكدته الفقرتين 5 و 6 من المادة 59 من قانون 98/23 .

يجب على مدير إدارة السجون وإعادة الادماج ان يبت في طلب المنازعة داخل اجل شهر من توصله به وعليه ان يعلل قراره.

يعتبر عدم الجواب داخل هذا الاجل بمثابة رفض المنازعة

 

ومن خلال الاطلاع على الاحصائيات الصادرة عن المندوبية العامة والواردة في الجدولين 1 2  اتضح لنا ان المخالفات التأديبية وصل عددها 20942 وهو نفس العدد الذي صدرت بشأنه التدابير التأديبية مما يستشف معه ان الجهاز الإداري للرقابة لم يتدخل ولو لمرة واحدة لإبطال او تعديل أي قرار تأديبي .

كذلك من خلال الاطلاع على بعض ملفات التأديب اتضح لنا ان مدراء المؤسسات السجنية يراسلون المندوب العام مديرية سلامة السجناء والاشخاص والمباني والمنشئات المخصصة للسجون مصلحة البرامج الأمنية وتدبير الازمات، فهذه المديرية لها كبيرة في حفظ الامن داخل المؤسسات السجنية على الصعيد الوطني، وعليه نعتقد ان دراسة طلبات المنازعة لن تعطى لها الأهمية، وكان من الاجدر ان تنظر في هذه المنازعات مصلحة الشؤون القانونية والمنازعات التابعة مباشرة الى الكاتب العام.

وعليه يمكن القول ان الرقابة الإدارية تبقى قاصرة عن أداء مهامها في حفظ وصيانة حقوق السجناء خاصة اللذين تعرضوا لقرارات تأديبية، وان الوسيلة التي ينبغي سلكها هي مسطرة التشكي والتظلم او اللجوء الى القضاء الإداري.

فالسجين يمكن له تقديم شكاية في الموضوع الى المكتب المركزي لتلقي وتتبع الشكايات التابع للمفتشية العامة، هذه الأخيرة ملزمة بتقديم جواب كتابي للسجين.

كما ان السجين يمكن له  الطعن في قرار مدير المؤسسة باعتباره قرارا إداريا يقبل الطعن امام القضاء الإداري ، رغم عدم وجود نص صريح سواء في القوانين المنظمة للشأن السجني  او من خلال المذكرات ، لكن من خلال البحث في ردهات المحاكم لم نجد الا حكم وحيد قضى للأسف برفض الطلب ” وحيث إنه لما كان القرار الإداري المطعون فيه قد اتخذته المطلوبة في الطعن في إطار السلطة المخولة إليها من طرف المشرع ضمانا لحسن سير المؤسسة السجنية التي تستوجب فرض  نوع من الانضباط والنظام بغية تحقيق مهمة إصلاح وتهذيب السجناء، واعتبارا كذلك لطبيعة مرفق المؤسسة السجنية التي تتطلب قدرا من الانضباط والنظام… والاجتهاد القضائي الفرنسي اعتبر هذا النوع من القرارات من قبيل الإجراءات الداخلية التي ظل مجلس الدولة الفرنسي برفض قبول دعوى الإلغاء بشأنها نظرا لضالة أهميتها ومحدودية آثارها القانونية بالنسبة لمن صدرت في حقه واعتبارا لطبيعة بعض المرافق التي تتطلب قدرا من الطاعة والنظام.

وحيث إنه تأسيسا على ما تم بسطه أعلاه يكون معه طلب الطعن الحالي قد انصب على قرار غير قابل للطعن ويتعين التصريح بعدم قبوله”.

 

فمن خلال هذا الحكم يتضح ان المحكمة عللت الحكم لاعتبارات:

*قرارات مدير المؤسسة تتعلق بالنظام العام

*أسست حكمها على الاجتهاد القضائي الفرنسي

من كل ما سبق، يمكن القول أن القرار التأديبي الصادر عن مدير المؤسسة والمندوب العام يجب أن يخضع لمراقبة القضاء الإداري لاعتبارات السالف ذكره، إذ أن الغاية من القضاء هو ضمان حقوق الأفراد والمعتقل مواطن له وضع خاص ينبغي أن تصان ما تبقى له من حقوق، وألا يخضع لإجراءات تعسفية بذريعة  الحفاظ على النظام الداخلي الذي تعتبر إجراءاته غير قابلة للطعن فيها بالشطط، وبالتالي لا يمكن مراقبتها ،وهكذا تبقى المراقبة الإدارية التي يمارسها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج والمراقبة القضائية المتمثلة في القضاء الإداري مراقبة وهمية لا وجود لها  في الواقع، اللهم المستجد الذي جاءت به المذكرة السابق ذكرها، والتي تتيح للمعتقل إمكانية التشكي ولو بحصوله على جواب يتضمن حيثيات القرار المتخذ في حقه.

 

اما الرقابة الخارجية والمتمثلة في الجهات القضائية والحقوقية:

قبل التطرق الى هذه الرقابة كان لابد من التطرق الى التدخل القضائي في عملية تنفيذ العقوبات السالبة للحرية وذلك باستعراض اسسه وطبيعته انصل الى ان التدخل القضائي له وجهان فهو ذو طبيعة إدارية وقضائية.

كما تطرقنا الى صور التدخل القضائي فوجدنا ان هناك:

*أجهزة إدارية قضائية أي مختلطة ونخص بالذكر اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون والمشرع المغربي اقرها بمقتضى الفصلين 620 621 من ق. م. ج ،اد بعد ان تطرقنا الى تشكيلتها واختصاصاتها  وجدنا ان من بين الاختصاصات تلقي شكايات وتظلمات السجناء طبقا للمواد 97-98 من قانون 98/23 ، كذلك الإجراءات التأديبية المتخذة في حقهم .

اذ في هذه الحالة تتم إحالة الشكاية على قاضي تطبيق العقوبة والذي يطالب بالملف التأديبي وسجل التأديب من اجل الاضلاع عليه ومراقبته، الا انه ليس له سلطة تأويل النصوص او التعرض لما يمس سلطة القضاء او رئيس المؤسسة السجنية، وعليه فان دورها يبقى محدودا خاصة انها تقوم بزيارات نصف سنوية.

*أجهزة قضائية هنا تحدثنا على دور النيابة العامة وقاضي تنفيذ العقوبة

دور النيابة العامة:

تفقد السجناء

السهر على امن وسلامة المؤسسة السجنية

 

قاضي تطبيق العقوبة: التطرق الى قاضي تطبيق العقوبات في بعض التشريعات المقارنة وركزنا على التشريع الإيطالي والفرنسي

 

اما التشريع المغربي فقد اسند لقاضي تطبيق العقوبة مجموعة من المهام بهدف تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقلين خلال تتبع وضعيته داخل السجن.

الا انه لاحظنا قصورا على هذه المهام

*زيارة المؤسسة مرة واحدة كل شهر على الأقل

*الاكتفاء بالاطلاع على سجلات التأديب دون الاستماع الى المعتقل المتخذ في حقه التدبير التأديبي وخاصة الوضع بزنزانة التأديب.

وهناك من ينادي بضرورة تعين ق ت ع عضوا في لجنة التأديب او ان يكون رئيسا لهذه اللجنة باعتباره يمثل جهاز القضاء حامي الحريات الفردية، الا اننا لا نتفق مع هذا الراي لان فضاء السجن فضاء تصارعي يستدعي حلولا فورية من اجل وضع حد للمخالفة التأديبية هذا من جهة ومن جهة أخرى تداخل الاختصاص بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بالإضافة الى قلة الموارد البشرية (قاضي تطبيق العقوبات) مقارنة مع عدد المؤسسات السجنية.

بعد التطرق الى الرقابة الإدارية والقضائية وثبوت قصورهما في حماية ما تبقى للسجين من حقوق خاصة اثناء تعرضه للإجراءات التأديبية، فان هذا الأخير لا يجد الا اللجوء الى الجمعيات والمؤسسات الحقوقية، وقد اقتصرنا في هذا العمل على المجلس الوطني لحقوق الانسان والمرصد المغربي للسجون، نظرا لدورهم الحيوي في مراقبة المؤسسات السجنية سواء من خلال التقارير او الزيارات التي يقومون بها الى المؤسسات السجنية من اجل الاطلاع على أحوال السجناء وظروف اعتقالهم.

فقد تحدثنا عن الهيكلة التي يتكون كل واحد منهما، ودورهما في الحفاظ على ما تبقى للسجين من حقوق سواء من خلال الشكايات التي يتقدم بها سواء السجناء او عائلاتهم او من خلال الزيارات التي يقومون بها الى المؤسسات السجنية او التقارير التي يصدرونها، بحيث من خلال الاطلاع على التقارير تم الوقوف على مجموعة من الاختلالات كازدواجية التأديب، عدم خضوع المعتقلين الموضوعين بزنزانة التأديب للفحص الطبي، ضعف وقصور الرقابة سواء الإدارية او القضائية.

كما تشكل وسلة التشكي الية أخرى لقيام كلمن المجلس الوطني لحقوق الانسان والمرصد المغربي بمهامهما، اذ بعد تلقي الشكاية يتم ارسالها الى المندوبية العامة من اجل البحث والتحري، او تكليف أحد العاملين بمجموعة عمل مكلفة برصد انتهاكات حقوق الإنسان وحمايتها؛ بالانتقال الى المؤسسة السجنية من اجل الاستماع الى السجين المشتكي للوقوف على حقيقة الامر.

من كل ما تقدم يمكن القول ان المجلس الوطني لحقوق الانسان والمرصد المغربي للسجون سواء من خلال التقارير او الزيارات التي يقومون بها الى المؤسسات السجنية يكملون النقص والقصور الذي يعتري الرقابة الإدارية والقضائية والتي تبقى رقابة وهمية.

 

اذا كانت الغاية من سن مسطرة التأديب بالمؤسسات السجنية هي فرض الامن والانضباط داخل المؤسسات السجنية ،فان التساؤل الذي يطرح هو هل نجحت المقاربة الأمنية في تحقيق هذا الهدف قطعا لا يمكن للمقاربة الأمنية وحدها ان تفرض الامن والانضباط ،لذا فالتوجه الحديث في لسياسة العقابية يذهب الى ربط المعاملة العقابية بالمقاربة الإدماجية التي تؤدي بالسجين الى تفجير طاقاته في مسائل إيجابية تعود عليه بالنفع عوض ان يستغل تلك الطاقات في الاخلال بالنظام الداخلي للمؤسسة وهو ما تطرقننا له في الباب الثاني من القسم الثاني من هذا العمل

بحيث تطرقنا الى الشغل داخل الفضاء السجني الذي يعد من بين اهم العوامل التي تؤدي الى ملئ وقت فراغ السجين ،لان السجن لم يعد مكانا لتنفيذ العقوبة فقط وانما اصبح مكانا مخصصا لإصلاح فئة من المجتمع ، فالشغل يساعد السجين على الاندماج مع محيطه سواء اثناء تواجده بالسجن او بعد الافراج عنه من خلال ولوجه لسوق الشغل ، لهذا سعت معظم التشريعات الى مواكبة السياسة الجنائية الحديثة من خلال ملائمة قوانينها مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية ،حيث أدت فلسفة العقاب الحديثة الى دور الشغل في اصلاح المحكوم عيه ،وهو ما أكدته مجموعة من المؤتمرات أهمها مؤتمر لاهاي سنة 1950 الذي أوصى بضرورة ان تكون وظيفة العمل في السجون على مختلف درجاتها وظيفة تقويمية للسجين ، وبهذا يمكن القول ان العمل اصبح يكتسي هدفا تأهيليا يرمي الى اصلاح السجين وتهذيبه مع إمكانية مساهمته في التنمية الاقتصادية وهو ما حذا بجل التشريعات الى تنظيم العمل بالسجون وضفاء الطابع التهذيبي عليه عوض الايلام ،وهو نفس التوجه الذي سار فيه المشرع المغربي في المواد من 24 35 وما بعدها محددا شروط الاستفادة منه .

وما يلاحظ ان اغلب السجناء يتواجدون خارج دائرة العمل وذلك راجع بالأساس الى ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها المؤسسات السجنية، كما ان اغلبها لا يتوفر على وحدات مستقلة للإنتاج حيث يمكن للسجين ابراز طاقاته، وان العمل يبقى مجرد امتياز او مكافأة لمدير المؤسسة سلطة مطلقة في اختيار من يعمل، وكان من الاجدر منح مهمة اختيار من يعمل الى قاضي تطبيق العقوبات كما فعل المشرع الايطالي والفرنسي.

ومن خلال عملنا وطلاعنا على ملفات التأديب لاحظنا ان السجناء الذين يشتغلون في الاوراش او الكلف هم سجناء منضبطون للقواعد المنظمة للحياة داخل السجن وأقلهم ارتكابا للمخالفات وذلك راجع الى خوفهم من ضياع هذا العمل الذي يدر عليهم دخل، كما انهم يملؤون وقت فراغهم.

الى جانب الشغل نجد التعليم والتكوين المهني والتهذيب في كونهم أداة فعالة للحفاظ على الامن والانضباط داخل المؤسسات السجنية ،بالإضافة  الى كونهم أداة لتحقيق استغلال امثل لطاقات وامكانيات السجناء ، الا انه ينبغي توفر بعض الشروط للراغبين في الولوج لهذه البرامج ،ومن بين اهم هذه الشروط نجد حسن السلوك داخل المؤسسة ،وعليه فالهاجس الأمني يظل حاضرا حتى في اختيار السجناء للولوج لهذه البرامج ، ومن خلال الاحصائيات التي امكن الاطلاع عليها اتضح لنا ان السجناء المسجلين سواء في التعليم او التكوين المهني او الأنشطة هم اقل السجناء ارتكابا للمخالفات داخل المؤسسة ،وبالتالي فهم يعملون على المحافظة على النظام والامن داخل المؤسسات لان السجين عند استغلال وقته بشكل إيجابي ويفجر طاقاته في مسائل إيجابية تعود عيله بالنفع عوض التفكير في مسائل سلبية كالتمرد على الأنظمة والقوانين المعمول بها .

وعليه يمكن القول ان برامج التعليم والتكوين المهني والتهذيب والشغل تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على الامن والانضباط داخل السجن، فالمقاربة الأمنية لا يمكن لها النجاح دون المقاربة الإدماجية، فالمقاربة الأمنية تهدف على للحفاظ على الامن والنظام داخل المؤسسات السجنية، فان المقاربة الإدماجية بدورها تهدف الى تأهيل المعتقل وملئ اوقات فراغه.

فمسؤولية الحفاظ على الامن والانضباط هي مسؤولية مشتركة تقتضي تظافر جهود كل الفئات من معتقلين ومسؤولين عن المؤسسات السجنية، فالمعتقل الذي لا يتوفر على طموح وإرادة في تقويم سلوكه وتأهيل نفسه سيكون عقبة امام التأهيل والادماج فهو المستفيد الأول من هذه البرامج.

اما المؤسسات السجنية الفاعل الثاني في هذه العملية ينبغي ان توفر للمعتقلين الوسائل والامكانيات، فلا بد من رصد ميزانية خاصة للعمل الاجتماعي داخل المؤسسات السجنية، بالإضافة الى تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع مختلف القطاعات الوزارية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

إن المعلومات التي أمكن الحصول عليها، قد لا تسمح بالإحاطة الشاملة بالموضوع، وبالتالي استغلال جميع النتائج المرجوة وتبقى الملاحظة الأساسية في هذا الشأن، أن هناك شرعية منقوصة داخل الفضاء السجني ببلادنا، لأن المشرع المغربي نص على صور الأخطاء التأديبية، والتدابير المقررة لها، إلا أنها جاءت بصيغ فضفاضة وتركت للنظام الداخلي سلطة التلاعب بهذه الأخطاء، لذا ندعوا أن يكون النظام الداخلي بالمؤسسات السجنية انعكاسا مباشرا وترجمة عملية للأحكام التنظيمية المنصوص عليها في القانون  المنظم للسجون ومرسومه التطبيقي.

كما يعتبر الوضع بزنزانة التأديب، أخطر تدبير، باعتباره حرمانا جديدا  ينضاف إلى الحرمان الأول، فهذا التدبير لا ينبغي اللجوء إليه بصفة مسترسلة، وإنما في الحالات الشاذة التي تشكل خطورة على أمن وسلامة المؤسسة، لذا ندعو المشرع إلى التخفيض من مدته ليساير بذلك قواعد نيلسون مانديلا، لأن  المدة الطويلة تكون ضارة بالسجين نفسيا وجسميا فالهدف من التدبير التأديبي  هو الإصلاح والتأهيل لا الإيلام والانتقام، أو الاعتماد على بدائل، كتغيير الجناح، ووقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار.

بالنسبة للضمانات التشريعية عند مساءلة المعتقل، ندعو إلى إسناد مهمة رئاسة لجنة التأديب إلى المشرف الاجتماعي عوض المدير، نظرا لدراية المشرف الاجتماعي بالمعتقلين، واتصاله اليومي بهم ، فهذا الأخير يعتبر صلة وصل بينهم والعالم الخارجي، بالإضافة للاحترام الذي يتميز به سواء مع المعتقلين أو الموظفين.

إذ لا نتفق مع الرأي القائل بمنح هذه المهمة إلى قاضي تنفيذ العقوبات، فكما يعلم الجميع أن فضاء السجين يستدعي حلولا فورية وعاجلة من أجل وضع حد للمخالفة، هذا بالإضافة إلى تداخل الاختصاص بين  السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، كما أن قلة الموارد البشرية مقارنة مع عدد المؤسسات السجنية سيؤدي إلى تأخر البت في هذه الملفات.

للمزيد من الضمانات، ارتأينا إلى ضرورة التنصيص صراحة على حضور  المحامي لجلسات التأديب، وألا يبقى مقتصرا على الإطلاع على الملف التأديبي .

وبالنسبة للرقابة على الإجراءات التأديبية، فقد تم تقسيم هذه الرقابة إلى ثلاث أنواع:

الرقابة الإدارية: التي يمارسها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إذ تبقى رقابة قاصرة على أداء مهمتها في حفظ وصيانة حقوق المعتقلين، خاصة الذين يتعرضون لإجراءات تأديبية، إذ أنه في أغلب الحالات لا يتم الجواب على منازعة المعتقل

في اعتقادنا أن أحسن وسيلة يمكن أن يلجأ إليها المعتقل، هي التشكي عن طريق الآلية المحدثة والمتمثلة في المكتب المركزي لتلقي وتتبع الشكايات، إذا أن هذا المكتب ملزم بتقديم جواب أي شكاية بعد البحث التحري خلال مدة سبعة ( 07) أيام من توصله بها.

كما نجد أن الرقابة الإدارية يمكن أن تمارس من قبل القضاء الإداري، إذ تثير الجزاءات التأديبية، نزاعات حول شرعية القرار الذي يتخذه مدير المؤسسة، لعدة اعتبارات رغم الاختلافات الفقهية السابق ذكرها ، إلا أننا نعتقد أن قرار مدير المؤسسة السجنية قرار إداري ينبغي أن يحظى بالاهتمام من القضاء الإداري، و ألا يتم الدفع بكون هذه القرارات من النظام الداخلي للمؤسسة، حتى لا تضيع حقوق المعتقلين.

الرقابة القضائية: فالتدخل القضائي لم يعد دوره مقتصرا فقط على مرحلة النطق بالحكم، بل أصبح يمتد إلى مرحلة التنفيذ، وبهذا الخصوص ثار نقاش  فقهي حول تدخل القضاء في مرحلة التنفيذ، إلا أننا نرفض  أن يتحول المعتقل إلى مجرد رقم لا اسم له تتصرف به إدارة السجن، وأنه لا بد من الاهتمام به كمواطن له وضع خاص، وبالتالي لابد من أن يلعب القضاء دورا فعالا في مراقبة الإجراءات التنفيذية والتأديبية على وجه الخصوص، فالتدخل القضائي أصبح ضرورة ملحة أملتها اعتبارات تتعلق باحترام الشرعية في مرحلة التنفيذ وأساليبه، إذ رغم الاختلاف في أساليب الأخذ به بين الأجهزة الإدارية والقضائية أي المختلطة والأجهزة القضائية يبقى له دور مهم.

فالأجهزة المختلطة  ممثلة عندنا في اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون، تقوم بدور مراقبة المؤسسات السجنية، إلا أن هذه المراقبة تبقى قاصرة من تحقيق أهدافها وخاصة مراقبة الإجراءات التأديبية، إذ من خلال اطلاعنا على بعض محاضر زيارة هذه اللجان إلى المؤسسات السجنية وجدنا انه تركز أكثر على  الصحة والتغذية والنظافة أما التدابير التأديبية نادرا ما يتم الإطلاع على السجلات التأديبية  من طرف هذه اللجنة أو زيارة زنازين التأديب،كما نجد  النيابة العامة  رغم اعتبارها الجهاز المشرف على الدعوى العمومية والمكلفة بتتبع تنفيذ الأحكام الزجرية، إلا أن دورها يبقى قاصرا في مراقبة الإجراءات التأديبية، إذ أن وكيل الملك عندما ينتقل إلى المؤسسة السجنية، فإنه  يكتفي فقط بالاطلاع على سجل التأديب والتأشير عليه، دون الاستماع إلى المعتقل المتخذ في  صفة إجراء تأديبي، لذا ندعو وكلاء  الملك عند زيارتهم إلى المؤسسات السجنية، وعند الإطلاع على سجلات التأديب، أن يستمعوا إلى المعتقلين المتخذ في حقهم تدابير تأديبية وخاصة الذين يوضعون في زنازين التأديب لمعرفة أوضاعهم وظروف ارتكاب المخالفة، مع العلم أن جميع المخالفات المرتكبة تحال على النيابة العامة مع التدابير المتخذة.

أمام هذا  القصور في رقابة النيابة العامة، عقدت كل الهيئات أملها في قاضي تطبيق العقوبات، نظرا للصلاحيات المخولة له من تفقد السجناء والاطلاع على السجلات بما فيها سجل التأديب، إلا أن هذا الأمل بدأ بالتراجع، بحيث بقيت هذه الرقابة قاصرة عن أداء مهمتها سواء من حيث عدد الزيارات التي يقوم بها هذا القاضي للمؤسسات السجنية ، أو من خلال الاطلاع على السجلات، إذ تبقى رقابة شخصية  مما دفع ببعض المهتمين الدين ينادون بضرورة إسناد مهمة رئاسة لجنة التأديب إلى هذا القاضي.

إلا أننا لا نتفق مع هذا الرأي كما سبق ذكره، لكن يمكن أن تخول له  بعض  الصلاحيات كالتأشير على القرارات التأديبية وخاصة الوضع بزنزانة التأديب مع إمكانية إعطاء صلاحية إخراج المعتقل من زنزانة التأديب أو إيقاف التدبير وتقديم الطعون أمامه عوض الاقتصار على المندوب، ليساير المشرع المغربي  المشرع الفرنسي والايطالي وبالتالي الحفاظ على ما تبقى من حقوق للسجين.

أمام قصور الرقابة القضائية، فإننا نرى أن الرقابة الحقوقية يمكن أن تلعب دورا ايجابيا في حماية ما تبقى للمعتقل من حقوق، سواء من خلال الزيارات التي تقوم بها هذه المؤسسات الحقوقية إلى المؤسسات السجنية أو من خلال مسطرة التشكي كما سبق بيانه ولتفعيل هذه الرقابة على الوجه الأمثل، لا بد من إخراج الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز، وأن تضم في عضويتها مختلف الفاعلين والمهتمين بالشأن السجني من جمعيات وأساتذة جامعيين وألا يقتصر أعضاءها على المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

فإذا كانت الغاية من سن مسطرة التأديب، هي فرض الأمن والانضباط داخل هذه المؤسسات، من خلال إقرار مجموعة من التدابير التأديبية تطبق على المعتقل في حالة ارتكابه مخالفة داخل المؤسسة، قد فشلت في تحقيق هذا الهدف، و يمكن القول أن المقاربة الأمنية عجزت  عن توفير الأمن والانضباط  داخل المؤسسات السجنية، وبالتالي ضرورة ربطها بالمقاربة الإدماجة والتي تساعد في تحقيق غايتين: تأهيل المعتقل وتحقيق نوع من الأمن والانضباط، وهذا لن يتأتى إلا بالاعتماد على البرامج التعليمية ونتحدث هنا التعليم بجميع أسلاكه والتكوين المهني ، بالإضافة إلى الأنشطة الدينية والثقافية والرياضية وكذلك الشغل،  فهذه البرامج تعمل على ملئ أوقات فراغ  المعتقل.

عوض أن يفجر هذا الأخير طاقاته في مسائل سلبية لن تعود عليه بالنفع، يتمكن من الإبداع وشغل وقته ويتحرر من الضغط النفسي وتفتح أمامه فرص سانحة لتأهيله اجتماعيا ومهنيا لذا ندعو إلى تكريس هذه المقاربة الإدماجة، وذلك من خلال إحداث مراكز بيداغوجية في جميع المؤسسات، حتى يستفيد منها عدد كبير من المعتقلين، وكذلك منح الفرصة للمعتقلين المحكومين بمدد طويلة في الاستفادة من هذه البرامج وألا تبقى حكرا على من اقترب الإفراج عنه.

كما أنه يمكن للشغل داخل المؤسسات السجنية أن يساهم بملء أوقات فراغ المعتقلين، وحفظ الأمن بهذه المؤسسات، وهكذا تحقيق نوع من التوازن المنشود بين الهدف التأهيلي للشغل من جهة، والهدف الأمني من جهة ثانية، وذلك من خلال إدخال حرف جديدة ومتنوعة تتناسب مع حاجيات سوق الشغل، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة من أجل اقتناء التجهيزات الحديثة وجلب المواد الأولية.

فالمقاربة الأمنية لا يمكن لها تحقيق الأمن والانضباط بمعزل عن المقاربة الإدماجية، وبالتالي لا يوجد بينهما أي تعارض بل أن كليهما مكمل للآخر ويسعيان إلى تحقيق هدف واحد هو تأهيل المعتقلين وحفظ الأمن داخل المؤسسات السجنية، وهو الاسم الذي تحمله الإدارة الساهرة على هذه الأهداف، وهي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

وإلى هنا وكما يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته” عزمت أن نقبض العنان عن القول ( في هذا الموضوع) ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله  بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله، على أكثر معالجتنا“.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى