في الواجهةمقالات قانونية

نور الدين بيكرون : تنفيذ اتفاق الصلح مابين الخيار والاجبار

 

 

 

تنفيذ اتفاق الصلح مابين الخيار والاجبار

 

 

 

 

من اعداد الطالب :  

نور الدين بيكرون

طالب باحث  بماستر القانون المدني والتجاري

 بكلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة :

يقول الله تعالى  لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [1]

وقال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[2]

هذه كلها دعوات من الخالق  عز وجل الى الاخد بالصلح  كوسيلة لفض النزاعات والخلافات بشكل ودي بين المتنازعين وذلك تجنبا للشقاق والعداوة وترسيخا لقيم التسامح والحلم وحفظا للروابط الاجتماعية  ومنه فان الصلح يعد من اهم الاليات التي انتقلت من قواعد الشريعة الى قواعد القانون الوضعي بداية بالقانون المدني وانتهاء بالقوانين الخاصة حيث حظيت بضوابط ومساطرة معينة ومحددة من اجل فض النزاع بطريقة ودية ومنه فان الصلح كمؤسسة يعد وسيلة مثالية لحل المنازعات بحث ان اساسه هو التنازل المتبادل من الاطراف عن بعض حقوقهم اتجاه بعضهم البعض والتي لايشترط فيها ان تكون دائما متساوية او متوازنة وذلك بهدف حسم النزاع القائم بشكل اتفاقي وقد نظم المشرع مؤسسة الصلح المدني في الفصول   1098الى 1116 من ق ل ع بالاضافة الى مجموعة من المقتضيات الاخرى المنظمة في اطار نصوص خاصة ومن اهم الخصائص التي يتميز بها الصلح هي كونه عقدا رضائيا ملزم لطرفيه اي انه يكون واجب التنفيذ باعتباره اتفاقا وهذا مايدفعنا الى طرح اشكالية تتعلق

                    بماهية حدود ارادة الاطراف في تنفيذ اتفاق الصلح

و محاولة منا للاجابة على هذه الاشكالية فاننا سنعمد الى معالجتها وفق التصميم التالي

المطلب الاول : التنفيذ الاختياري لاتفاق الصلح

المطلب الثاني : التنفيذ الاجباري لاتفاق الصلح

 

 

 

المطلب الاول : التنفيذ الاختياري لاتفاق الصلح

يعد الصلح عقدا رضائيا من جهة اي انه ينعقد بمجرد تراضي طرفيه اي دون الحاجة الى افراغه في شكل معين الا ما استثني بنص صريح كما هو الحال بالنسبة لما ورد عليه النص في الفصل 1104 من ق ل ع بشان الصلح الذي يكون واردا على حقوق عقارية او اشياء اخرى يمكن رهنها رهنا رسميا والذي لا يثبت الا كتابة وكما سبقت الاشارة الى ذلك فان الغرض من الصلح هو حل النزاع بشكل ودي واتفاقي ويكون محله تقديم تنازلات متبادلة وذلك دون اللجوء الى المساطر القضائية الطويلة عادة والمكلفة ماديا والتي تنهي غالبا حالة الود ويتميز الصلح وفقا لمقتضيات الفصل 1106  من ق ل ع بعدم امكانية الرجوع فيه ولو باتفاق الاطراف ولكن ولو ان هذا المنع صحيح وقائم بنص قانوني فليس هنالك مايمنع الطرفين من الرجوع فيه بارادتهما وذلك ما لم يدفع احدهما امام القضاء بوجود هذا الاتفاق ومنه فان اتفاق الصلح الغير القضائي يخضع لارادة الاطراف التي يجب ان تذهب اثناء ابرام الصلح الى تنفيذه وترتيب اثاره مراعاة لمبدا حسن النية في ابرام العقود وتنفيذها لكن ومع ذلك ليس هنالك مايجبر الطرفين على تنفيذ اتفاق الصلح ومنه يمكن لكليهما ان يمتنع عن التنفيذ مادام الطرف الاخر لم يقم بتنفيذ التزامه المقابل مالم يكن احدهما ملزما بالتنفيذ اولا بمقتضى اتفاق الصلح[3] بالاضافة  الى ذلك ماورد بشكل ضمني في الفصل1110    من ق ل ع والذي جاء فيه” اذا لم ينفذ احد الطرفين الالتزامات التي تعهد بها بمقتضى الصلح حق للطرف الاخر ان يطلب التنفيذ اذا كان ممكنا”

  اي ان تنفيذ اتفاق الصلح يكون اختياريا كمبدا

وخارج القواعد العامة للصلح فان تنفيذ مقرر التحكيم بالصلح[4] وان كان نوعا خاصا من التحكيم فان تنفيذه لايتمتع باي خصوصيات تميزه عن تنفيذ مقرر التحكيم العادي اي ان كلاهما يعد تنفيذه اختياريا مادام لم يذيل بالصيغة التنفيذية

من كل ما سبق يمكننا القول ان الاصل في التنفيذ انه اختياري ويخضع للقواعد العامة في ابرام وتنفيذ العقود مادام انه تم خارج مؤسسة القضاء او انه لم تتم المطالبة بتنفيذه امامه

المطلب الثاني : التنفيذ الاجباري لاتفاق الصلح

كما سبقت الاشارة الى ذلك فان المبدا هو التنفيذ الاختياري لاتفاق الصلح لكنه وفي حالة تعذر ذلك فان الطرف الذي يسعى الى التنفيذ يمكنه اللجوء الى القضاء عن طريق رفع دعوى قضائية يطالب فيها بتنفيذ ماتم الاتفاق عليه على اعتبار ان عدم تنفيذ الالتزامات المضمنة في اتفاق الصلح يترتب عنه جزاءات عادية من قبل الفسخ والتعويض بناء على قواعد المسؤولية العقدية طبقا للفصلين 259 و263  من ق ل وفي هذا الصدد جاء في احد قرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس ” ان عدم تنفيذ ماتم الاتفاق عليه بمقتضى الصلح يخول المتصالح المطالبة بتنفيذ العقد اذا كان تنفيذه ممكنا والا  حق له المطالبة بفسخ العقد وان عدم المطالبة بالتنفيذ يجعل طلب الفسخ غير مقبول”[5]

وهذا القرار يتماشى مع مقتضيات الفصل 1110 من ق ل ع وسعيا من المتعاقدين الى اعطاء اكبر ضمان ممكن لتنفيذ اتفاق الصلح يمكنهم اللجوء الى مقتضيات الفصل 264 من ق ل ع اي الاتفاق على شرط جزائي يصبح مستحقا بمجرد الاخلال بتنفيذ الالتزام وسواء وقع الضرر او لم يقع

اما في مايخص الصلح القضائي فان هذا الاخير يقع بين الخصوم في دعوى مرفوعة بينهم وتصدق عليه المحكمة وقد نصت المادة  103  من قانون المرافعات المصري في هذا الصدد على ما يلي ” للخصوم ان يطلبوا الى المحكمة في اي حال تكون عليها الدعوى اثبات ما اتفقوا عليه في محاضر الجلسة ويوقع عليه منهم او من وكلائهم فاذا كانوا قد كتبوا ما اتفقوا عليه الحق المكتوب بمحضر الجلسة  و اثبت محتواه فيه ويكون لمحضر الجلسة في الحالتين قوة السند التنفيذي واعتباره وتعطى صورته وفقا للقواعد المقررة لاعطاء صور الاحكام ” لكن مع ذلك لا يجوز توثيق العقد الا اذا حضر الطرفان وان عدل احدهما عن الصلح لم يجز للقاضي التصديق عليه ويعتبر القاضي الصلح الذي عدل عليه الطرفان ورقة من اوراق الدعوى[6]

ويعتبر الصلح القائم امام القضاء او الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح بمثابة ورقة رسمية اي سند تنفيذي واجب التنفيذ لتصديق القاضي عليه ويجوز لكلا الطرفين ان يطلب في دعوى اصلية ابطال الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح لنقص في الاهلية او لغلط في الواقع او لتدليس او زور او لغيرها من اسباب البطلان ومنه فاذا تصالح الخصوم اثناء سير الدعوى فان هذا الصلح لايمكن ان يؤتي ثماره بدون مساندة المشرع له وذلك بمنحه القوة التنفيذية في حالة تخلف احد الاطراف عن تنفيذ ماتم الالتزام به[7]  فالقاضي يقوم باثبات ما اتفق عليه الاطراف في محضر الصلح وبالتالي فبمجرد صدور الصلح القضائي فانه يكتسب القوة التنفيذية فيصبح ملزما للمخاطبين به ولا يملكون الخيرة بين التنفيذ وعدمه وهذه المقتضيا تجد تاكيدا لها في بعض القوانين الخاصة المغربية وخاصة ما جاء به الفصلان 277 و 278  من قانون  المسطرة المدنية الاول الذي جعل سلوك مسطرة الصلح اجبارية في بعض القضايا الاجتماعية وفي حالة نجاحها اكد الثاني على اثبات ذلك بمقتضى امر او محضر  حسب الحالات بالنسبة لقضايا الضمان الاجتماعي وبمقتضى امر  بالنسبة لباقي الحالات فاذا ثم هذا الاثبات بهذه الوسائل فان ذلك يضع حدا للنزاع وينفذ بقوة القانون ولا يقبل اي طعن

خاتمة

من خلال ماتم التطرق اليه سابقا يمكن القول ان اتفاق الصلح مادام خارج مؤسسة القضاء فان يخضع للارادة اي ارادة الاطراف المتعاقدة  في تنفيذه والعمل باحكامه فليس هنالك مايجبرهم على القيام بذلك كقاعدة عامة لكن تدخل القضاء سواء عند الاحتجاج بوجود اتفاق الصلح بين الاطراف سواء كان ذلك بدعوى اصلية ترمي الى التنفيذ ام بمناسبة النظر في احدى الدعاوى من جهة او بالنسبة الى الصلح الذي يتم بين يديه – القضاء – من جهة ثانية  فان الارادة يخفت دورها ان لم نقل ينعدم خاصة عنما يصبح هذا الصلح نهائيا وبمثابة سند تنفيذي يمكن للمستفيد منه ان يبادر الى التنفيذ  بواستطته دونما اللجوء مجددا الى القضاء وهذا طبيعي جدا وملائم خصوصيات مؤسسة الصلح باعتبارها تسعى الى انهاء النزاع بين الاطراف لا السعي الى انشاء  نزاع جديد

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش   :

  • القران الكريم
  • ظهير الالتزامات والعقود المغربي
  • قانون المرافعات المصري
  • قانون المسطرة المدنية المغربي
  • عبد الرحمان الشرقاوي_ التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة او البديلة_ الطبعة الرابعة 2018
  • طلعت يوسف خاطر – انقضاء الخصومة بالصلح القضائي_ الطبعة الاولى 2014

 

[1]سورة النساء الاية 14

[2] سورة الحجرات الاية 10

[3] قياسا على مقتضيات الفصل  235 من ظهير الالتزامات والعقود

[4]  استعمل المشرع المغربي تسمية ” وسيط بالتراضي”  للدلالة على” التحكيم بالصلح” حيث جاء في الفصل 327-45 من قانون المسطرة المدنية ” لاتفصل الهيئة التحكيمية بصفتها  وسيطا بالتراضي الا اذا اتفق الاطراف على اسناد هذه المهمة اليها ”

[5] قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس  رقم 1798 مؤرخ بتاريخ 6-12-2007 ملف تجاري عدد 1920 / 06

[6] عبد الرحمان الشرقاوي_ التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة او البديلة_ الطبعة الرابعة 2018 مطبعة المعارف الجديدة الرباط_ ص268

[7] طلعت يوسف خاطر – انقضاء الخصومة بالصلح القضائي_ الطبعة الاولى 2014  _ دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع –المنصورة مصر _  ص 225

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى