مؤسسة المفوض القضائي في ظل جائحة كورونا.
يونس الشادلي
تعرف جل بلدان العالم اليوم، وضعا متوترا فرضه انتشار وباء فيروس كورونا covid 19، المعروف بسهولة انتقاله مما يضاعف من مخاطر الاصابة به، ولم يسلم المغرب بدوره من هذه الآفة، مما فرض على صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله التدخل لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي العاجل، ليعطي بذلك الضوء الاخضر للحكومة للقيام بجميع الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذا الوباء، الأمر الذي تجسد في اتخاذ الحكومة على وجه السرعة لمجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية، ولعل أبرزها هو إصدار مرسومين، الأول تحت عدد 2.20.292، يتعلق بسن احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، والثاني تحت عدد 2.20.293 متعلق بإعلان حالة الطوارئ بسائر أرجاء التراب الوطني لتفادي تفشي هذا الفيروس، وهو ما دفع بكل القطاعات الى تسخير امكانياتها واتخاذ تدابير من اجل الحد من انتشار هذا الوباء، ومن بينها نجد قطاع العدل.
وتشكل مهنة المفوض القضائي طبقا للمادة الأولى من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين إحدى المهن القانونية الحرة المساعدة للقضاء، نظرا للخدمات المهمة المنوطة به قانونا والتي تساهم في النهوض بقطاع العدالة، هذه المهنة التي لم تسلم هي الأخرى من تداعيات انتشار وتفشي فيروس كورونا المستجد.
وبعد هذه التوطئة ، يطرح السؤال حول عمل المفوض القضائي، وكيفية تصريفه في ظل الاكراهات التي خلقتها هذه الظرفية ؟ هذا الاشكال الذي سنجيب عنه من خلال تفحص بعض النصوص القانونية التي جاء بها القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، بالاضافة الى المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الصحية.
فالمشرع خصص المشرع القانون 81.03 الصادر في 14 فبراير 2006 لتنظيم مهنة المفوضين القضائيين كمهنة حرة للقيام بعدد من المهام منها على وجه الخصوص مهام التبليغ والتنفيذ، وجاء هذا القانون من حيث الشكل متضمنا 59 مادة موزعة على اربعة عشر بابا إلى جانب المقتضيات العامة التي تصدرت القانون.
وجاءت المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين بما يلي، ” يلتزم المفوض القضائي مالم يكن هناك مانع مقبول بمباشرة مهامه كلما طلب منه ذلك وإلا اجبر على إنجازها بمقتضى امر كتابي يصدره رئيس المحكمة التي يرتبط بها.
يمنع على المفوض القضائي ان يحجم عن تقديم المساعدة الواجبة للقضاء والمتقاضين بدون عذر مقبول، كما يمنع على المفوضين القضائيين التواطئ لنفس الغاية.”
وتطرح المادة أعلاه إشكالا يتلخص في حال امتناع المفوض القضائي عن اداء وظيفته معللا رفضه بحالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، فهل يجوز اجباره بمقتضى امر من رئيس المحكمة، ام ان امتناعه في هذه الحالة يدخل ضمن: المانع المقبول ، بدون عذر مقبول .
إلى جانب ذلك ومن خلال تفحصنا لنصوص المرسوم عدد 2.20.292 وبالأخص المادة السادسة، نجدها تنص على ما يلي : ” يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.
تستثنى من احكام الفقرة اعلاه اجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الاشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.”
فمن خلال المادتين اعلاه وبالرجوع الى الظرفية التي فرضها وباء كورونا، والتزاما بمضامين البلاغ الصادر عن السيد رئيس النيابة العامة القاضي بالعمل على استقبال الشكايات عن طريق البريد الالكتروني او الفاكس للتقليص من عدد الوافدين على المحاكم، ونظرا لطبيعة عمل المفوض القضائي والكاتب المحلف( ضمن اجراءات التبليغ المخولة له) والذي يوجب عليهم التنقل الى اماكن المبلغ إليهم واستقبال للزبائن بمكتبهم وما يمكن ان ينتج عنه من اختلاط ، مما قد يتسبب لهم او لغيره في خطر الاصابة بعدوى هذا الوباء.
من خلال هذه المعطيات يمكن القول على ان إحجام المفوض القضائي والكاتب المحلف عن اداء مهامه وبالأخص في هذه الظرفية(حالة الطوارئ الصحية) يتحقق معه وجود المانع المقبول و العذر المقبول، والذي يبقى خاضعا للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع.
إلا انه واستثناءا مما سلف ونظرا لطبيعة بعض الاجراءات التي تدخل ضمن ما يعرف بقضاء الامور المستعجلة، والذي يقصد منه الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس اصل الحق، وانما يقتصر على الحكم باتخاذ اجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الاوضاع القائمة او احترام الحقوق الظاهرة او صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
ولطبيعة هذه القضايا التي لا تقبل بطبيعتها التأخير والتي يكون للمفوض القضائي دور كبير فيها لا من حيث اثباتها ( المعاينات المجردة او بناءا على طلب ) او من حيث تبليغها وتنفيذها، مما يكون معه لزاما على المفوض القضائي العمل على تقديم الخدمة المنوطة به بصفته مساعدا للقضاء ولو في ظل حالة الطوارئ الصحية، أسوة منه برؤساء المحاكم في جميع ربوع المملكة الذين اخذوا عل عاتقهم القيام بالبث في قضاء الامور المستعجلة ولو في ظل هذه الظروف والذي هو من اختصاص مؤسسة الرئيس، وهذا ما حدى ببعض المجالس ومنها المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين لدى محكمتي الاستئناف بأكادير و العيون للعمل على إحداث خلايا للأزمة في نفوذ دوائر المحاكم الابتدائية التابعة لها قصد تدبير هذا الإستثناء.