بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

أزمة المالية العمومية في زمن كورونا

أزمة المالية العمومية في زمن كورونا

 

 

حسن بوغشي

باحث بسلك الدكتوراه

في القانون العام بجامعة إبن زهر- أكادير

عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية

h.boughchi@gmail.com

 

شهد المغرب في الفصل الأول من سنة 2020 عدت متغيرات جوهرية، تمثلت بالأساس في ضعف التساقطات المطرية التي لها انعكاس سلبي على الموسم الفلاحي. هذا بالإضافة إلى وقع تداعيات وباء كورونا “كوفيد-19” على المجال الاقتصادي والاجتماعي والصحي. وفي هذا الإطا  تندرج هذه المقالة التي سيتم فيها مساءلة التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الوضع وتأثير ذلك على توازن المالية العمومية.

Le Maroc a connu au premier semestre de l’année 2020, plusieurs changements fondamentaux, principalement dues à la faible pluviométrie, qui a impactée négativement la compagne agricole. Ceci s’ajoute aux répercussions de l’épidémie de Corona virus “Covid-19” sur le plan économique, social et sanitaire. Dans ce cadre, on va essayer dans cet article de remettre en cause les mesures prises par le gouvernement pour faire face à cette situation critique et leurs impacts sur l’équilibre des finances publiques.

 

 

شكلت الظرفية الحرجة التي يمر منها المغرب، على غرار باقي دول العالم، جراء تفشي وباء كورونا “كوفيد-19” اختبارا حقيقيا لمدى جدية العديد من المفاهيم التي تتبناها الدولة. فمنذ ظهور الوباء بالمغرب سارعت الحكومة إلى اتخاذ العديد من التدابير الرامية إلى مواجهته والحد من مخاطر تفشيه. وبحكم الطابع الفجائي للوباء، وعلى الرغم من الصدى الإيجابي للعديد من التدابير التي اتخذتها الحكومة المغربية لمواجهته، إلا أن ذلك لم يحجب مدى الارتجالية التي اتسم بها التعامل الحكومي مع هذه الظرفية الحرجة، مما يدل عن غياب رؤية واضحة للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات.

ومن تجليات الارتباك والارتجالية في اتخاذ القرارات نشير إلى الإشكالات التي طرحها قرار توقيف الدراسة واعتماد التعليم عن بعد، حيث أن تفعيل هذا القرار كشف عن هشاشة ومحدودية الوسائل اللوجيستيكية والفنية والبيداغوجية الضرورية لرفع هذا التحدي هذا فضلا عن غياب رؤية واضحة حول آفاق الموسم الدراسي هذه السنة. كما أن قرار فرض حالة الطوارئ الصحية هو الآخر طرح أزمة قانونية (غياب الأساس القانوني للقرار) ومجتمعية (غياب استراتيجية متكاملة لضمان العيش الكريم لعموم المواطنين) ولازالت التدابير المتخذة لمحاولة تصحيح الأمور هي الأخرى يطبعها الارتجال والترقيع.

وبحكم أن البعد المالي يبقى المحدد الأساسي لإمكانية النجاح في إنجاز وتنفيذ مختلف أهداف السياسات العمومية، فإن هذه الورقة سنحاول من خلالها تناول الإشكالات القانونية والواقعية التي طرحها التعامل الحكومي مع أزمة وباء كورونا على مستوى المالية العمومية. وذلك بالنظر للكلفة المالية لمختلف التدابير المتخذة وآثارها على استقلالية السيادة الوطنية وعلى مستقبل الأجيال القادمة.

لهذا، وأخذا بعين الاعتبار للمتغيرات الجوهرية التي ميزت الربع الأول من السنة والتي خلخلت أغلب الفرضيات والتوقعات التي تأسس عليها قانون المالية لسنة 2020، ألم يكن من الأجدى حرص الحكومة على بلورة مشروع قانون مالية تعديلي لإعادة ضبط توازن المالية العمومية، واستعمال صلاحياتها الدستورية للتعجيل بالمصادقة عليه؟

أولا: الضرورة القانونية لإقرار قانون مالية تعديلي برسم سنة 2020.

  1. التدابير ذات البعد القانوني لمواجهة وباء كورونا ووقعها على المالية العمومية.

تميز الأساس القانوني للتدابير والإجراءات التي أقدمت عليها الحكومة لمواجهة تحدي وباء كورونا بارتكازه على العديد من المراسيم والمناشير الوزارية. وذلك تفعيلا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 70 و 81 من الدستور ومضمون الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون التنظيمي لقانون المالية التي تسمح للحكومة بأن تتخذ تدابير يختص القانون باتخاذها وذلك في الحالات الطارئة والضرورة الملحة وغير المتوقعة وخلال الفترة الفاصلة بين الدورات التشريعية. وفي هذا السياق يندرج المرسوم المحدث لصندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد19″، بالإضافة إلى مرسوم الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

بقراءتنا للمراسيم، سالفة الذكر، لابد من الوقوف على آثارها وتكلفتها على المالية العمومية. خاصة فيما يخص المبالغ المرصودة من الميزانية العامة لتمويل الصندوق المحدث لتدبير هذا الوباء والتدابير الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية التي يجوز للحكومة اتخاذها في مثل هذه الظرفية، هذا بالإضافة إلى وقف سريان الآجال القانونية خلال فترة الطوارئ. وهو الأمر الذي يصعب معه الاستمرار في العمل بمقتضيات قانون المالية لسنة 2020.

وأخذا بعين الاعتبار لمشروع المرسوم بقانون رقم 2.20.320 المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، والذي بموجبه سيسمح للحكومة بتجاوز سقف المبلغ الاقتراض الخارجي المنصوص عليه في المادة 43 من قانون المالية لسنة 2020، والمحدد في 31 مليار درهم، فرغم المبررات التي المرتبطة بضرورة توفير الرصيد الكافي من العملة الصعبة في ظل تزايد الطلب على الاستيراد وتراجع مداخيل المغرب من العملة الصعبة جراء تضرر العديد من القطاعات الاقتصادية من هذا الجائحة مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالإضافة إلى تراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إلا أن ذلك لا يجب أن يغيب عنا التأثيرات السلبية للاقتراض الخارجي غير المعقلن. والذي قد يفضي إلى رهن السيادة الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة للمؤسسات المالية الدولية. لهذا كان يفترض أن يتخذ هذا القرار الحساس وفق مقاربة شمولية ومتكاملة من خلال قانون مالية تعديلي يأخذ في الحسبان المتغيرات الطارئة ويعيد ترتيب التوازنات المالية حسب ما تقتضيه الظرفية المعطيات الماكرو-اقتصادية.

إن إفراط الدولة في الاقتراض الخارجي، من شأنه أن يخضع السيادة الوطنية للتبعية للمؤسسات الدولية المانحة من خلال ما ستفرضه من شروط وإملاءات. كذلك، فالاقتراض غير المعقلن من شأنه أن يفضي إلى تفقير البلاد جراء ما ينجم عنه من تدهور في قيمة النقود. ولنا في سياسة التقويم الهيكلي التي فرضت على المغرب في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، نموذجا على مدى إضعاف سلطة الدولة ورهن سياساتها العمومية لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.

  1. تأثير التدابير ذات البعد التنظيمي تدبير المالية العمومية

وإلى جانب التدابير القانونية، نجد المراسيم والدوريات ذات البعد التنظيمي التي أقرتها الحكومة بناء على الفصل 90 والفصل 92 من الدستور والمادة 68 من القانون التنظيمي لقانون المالية، والتي تجيز للحكومة اتخاذ كل التدابير التنظيمية الضرورية بما في ذلك تلك التي من شأنها ضمان التدبير الجيد للمالية العمومية. وبقراءتنا لمضامين المراسيم والمذكرات الوزارية المرتبطة بالصفقات العمومية وتدبير المؤسسات العمومية نجد أنها، بذريعة تحديات مواجهة فيروس كورونا، أقرت العديد من الإجراءات الضامنة للكثير من المرونة في تدبير المؤسسات والمقاولات العمومية. فمن خلال هذه المرونة الموصى بها سيتم ضرب العديد من البادئ المرتبطة بحكامة وشفافية النفقات والصفقات العمومية والمساواة في الولوج لها والحرص على المنافسة الشرفية. وهو الأمر الذي يخشى معه من توفير الغطاء القانوني لتبذير المال العام وتكريس الزبونية والمحسوبة فيما يخص المستفيدين.

واستئناسا بالتجارب الدولية مثل القمة الافتراضية التي جمعت قادة دول مجموعة العشرين الصناعية الكبرى المنعقدة بتاريخ 26 مارس 2020، ومادام أن الدولة عملت على اعتماد إستراتيجية الرقمنة والعمل عن بُعد، مستفيدة من الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، والتي أعطت أكلها على صعيد المؤسسات التعليمية والعديد من الإدارات العمومية رغم بعض التذبذبات التي تبقى مقبولة في بداية أية تجربة، ألم يكن حري بالحكومة الحرص على اعتماد نفس النهج فيما يخص الإعلان عن الصفقات وطلبات العروض والولوج إليها، وفي ما يخص اجتماعات الهيئات التداولية المختصة في المصادقة على ميزانية المؤسسات والمقاولات العمومية فيما يخص الموافقة القبلية والنوعية على نفقاتها؟. فمن خلال إمكانية الاجتماع عن طريق تقنية الفيديو واعتماد التوقيع الإلكتروني يمكن الجمع بين الإسهام في تحقيق الوقاية من تفشي الوباء وضمان السرعة المطلوبة في اتخاذ القرار مع ضمان ترسيخ مبدأ الشفافية والمساواة والحرص على حماية المال العام وعقلنة تدبيره.

وبناء على ما سبق، نستشف أنه على الرغم من اجتهاد الحكومة في توفير الأساس القانوني للتدابر التي اتخذتها، إلا أن هذه الأخيرة تبقى لحظية وتفتقر للانسجام والرؤية المستقبلية. وذلك بالنظر لما تشكله من إخلال بتوازن المالية العامة وخلط لكل التوقعات والحسابات التي جاء بها قانون المالية لسنة 2020، وما لذلك من انعكاس على الأمن المالي للبلاد ورهن لمستقبل الوطن والمواطنين. فالإشكال المثار من خلال اعتماد مراسيم قانون في المجال المالي يتمثل في أنه رغم أنها ستعرض على البرلمان للمصادقة عليها خلال دورته العادية الموالية، تبقى الصفة التي يمكن أن نعطيها لهذه القوانين بعد مصادقة البرلمان عليها محط إلتباس، هل هي قوانين مكملة لقانون المالية أم قوانين معدلة أم قوانين موازية له؟.

إن الحرص على مبدأ سمو القانون، باعتباره المعبر الأسمى عن إرادة الأمة حسب تنصيص الفقرة الأولى من الفصل السادس من دستور 2011، كان يستوجب على الحكومة العمل على إعداد مشروع قانون مالية تعديلي برسم سنة 2020. وبحكم طابع الاستعجال الذي يميز الظرفية كان بإمكان الحكومة دعوة البرلمان للمصادقة على مشروع القانون في دورة استثنائية طبقا للفصل 66 من الدستور. فالقانون التعديلي لقانون المالية هو الذي من شأنه أن يقدم تصورا قانونيا شموليا ومتكاملا يأخذ بعين الاعتبار لهذا الوضع الطارئ ومختلف المتغيرات المرتبطة به والتي لها انعكاس على مستوى الموارد والنفقات. وذلك إعمالا لمضمون المادة الرابعة من القانون التنظيمي لقانون المالية التي تنص على أنه لا يمكن تعديل مقتضيات قانون المالية للسنة إلا من خلال قوانين المالية التعديلة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن معنى “مقتضيات قانون المالية” يشمل كل ما يتعلق بالموارد والنفقات والمساطر والآجال المرتبطة بها.

لهذا، فإن كل محاولة ترمي إلى إقرار قوانين مكملة أو موازية لقانون المالية تبقى بدون أساس. كما أن دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها التي تعد من المبادئ الملزمة حسب الفقرة الثالثة من الفصل السادس من الدستور، تستوجب أن لا يتم تعديل قانون من حجم قانون المالية إلا بقانون من نفس الدرجة، نظرا لما تشكله التعديلات الجزئية المتكررة من إخلال بتوازن المالية العمومية وتهديد للأمن المالي للبلاد.

ثانيا: المبررات الواقعية المستوجبة لقانون مالية تعديلي برسم سنة 2020.

  1. المتغيرات التي شهدتها الفرضيات التي قام عليها قانون المالية لسنة 2020.

تأسس قانون المالية لسنة 2020 على العديد من الفرضيات التي عصفت بها المتغيرات التي شهدها الربع الأول من السنة. وهو الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في كل التوقعات والأرقام التي بنيت عليها الميزانية، لا من حيث الموارد ولا من حيث النفقات المرتقبة. فإلى جانب شح التساقطات المطرية هذه السنة، مما ينبئ بتواضع الموسم فلاحي وما لذلك من انعكاس على نسبة النمو، فإن الظروف الطارئة المرتبطة بتفشي وباء فيروس كورونا “كوفيد-19″،كان لها انعكاسات هائلة على الاقتصاد الدولي والوطني، الأمر الذي أفقد فرضيات وتوقعات قانون المالية لسنة 2020 صدقيتها، ويحثم على الحكومة ضرورة التعجيل بإعداد مشروع قانون تعديلي للمالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

فيما يخص القطاع الفلاحي فإن قانون المالية لسنة 2020 قام على فرضية التحسن النسبي للقطاع متوقعا بلوغ محصول الحبوب لما يناهز 70 مليون قنطار هذه السنة عوض 52 مليون قنطار فقط المسجلة سنة 2019، هذا بالإضافة إلى توقع تحسن الإنتاجية في باقي الزراعات وتربية المواشي بحكم استفادتها من التدابير التي جاءت في إطار مخطط المغرب الأخضر. لكن بحكم استمرار سوء الظروف المناخية وشح التساقطات المطرية فإن الموسم الفلاحي لهذه السنة سيتسم بالجفاف مسجلا المزيد من التراجع في القدرة الإنتاجية لزراعات الحبوب والخضر والقطاني. هذا بالإضافة إلى ما يشكله ذلك من تهديد للفرشة والمخزون المائي للبلاد. الأمر الذي سينعكس سلبا لا محالة على معدل النمو رغم التحسن الذي يرتقب تسجيله بالقطاعات الفلاحية التصديرية المستفيدة من ارتفاع الطلب الخارجي جراء تراجع الإنتاج ببعض الدول الأوربية كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا المتأثرة بتفشي وباء فيروس كورونا “كوفيد-19”.

وعلى صعيد آخر، ففي الوقت الذي كانت فيه التوقعات التي قام على أساسها قانون المالية تشير إلى أن سعر النفط سيعرف نوعا من الاستقرار على المستوى الدولي، حيث قدر سعر البرميل من النفط 67 دولار، نجد أن سعر البتول على مستوى السوق العالمية قد شهد تقلبات جوهرية تميزت بتراجع الطلب العالمي في مقابل ارتفاع العرض جراء المخاوف الناتجة عن تطور تفشي وباء “كوفيد-19”. فمنذ بداية تفشي الوباء في الصين بدأت أسعار النفط في التراجع لتعرف انهيارا شبه تام في شهر مارس مع تفشي الوباء في مختلف دول العالم خاصة في الدول الأوربية والأمريكية والآسيوية، حيث وصل سعر البرميل في أواخر شهر مارس إلى نحو 22,5 دولار فقط كما هو مبين في الرسم البياني أدناه.


La source : Le cours officiel du pétrole (https://prixdubaril.com) au 08 avril 2020

أما بالنسبة لمعدل النمو العام فإن قانون المالية لسنة 2020 توقع نسبة نمو تصل إلى 3.7% مسجلا تحسنا بالمقارنة بسنة 2019 التي سجلت 2,9%. ويعزى ذلك إلى تزايد القيمة المضافة التي كان من المرتقب تسجيله بالقطاعات غير الفلاحية، والتي كان ينتظر منها أن تسجل زيادة في الناتج الداخلي الخام بنحو 3,7% سنة 2020 عوض 3,3% سنة 2019. غير أن الفصل الأول من السنة تميز بالركود على مستوى العديد من القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والنقل… جراء تأثرها بتداعيات الوباء “كوفيد-19” جراء تباطؤ الاقتصاد العالمي وانخفاض الطلب الخارجي والداخلي. هذا فضلا على ما نجم عن التدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات العمومية التي أغلقت على إثرها العديد من المنشآت الإنتاجية والخدماتية. وهو ما انعكس سلبا على معدل النمو المسجل في الفصل الأول من السنة ومرشح إلى للمزيد من التراجع في الفصل الثاني من السنة، حيث يرتقب أن لا يتعدى معدل نمو الاقتصاد الوطني 1,1٪ خلال الفصل الأول من 2020 عوض 1,9+٪ التي كانت متوقعة، ليتراجع في الفصل الثاني مسجلا 1,8٪، عوض 2,1+٪ التي كان يرتقب تسجيلها قبل ظهور وباء كوفيد-19 وما صاحبه من تداعيات على الاقتصاد الوطني.

  1. انعكاس تدابير مواجهة الوباء “كوفيد-19” على موارد ونفقات الميزانية.

تمثلت الأهداف الأساسية لقانون المالية في مواصلة الجهود المبذولة على مستوى المالية العمومية الرامية إلى تحسين عملية تعبئة الموارد والتحكم في النفقات. وهو ما تمت ترجمته على مستوى العديد من المقتضيات التي جاء بها والتي تمثلت بالأساس في توسيع الوعاء عبر مراجعة مجموعة من الإعفاءات الضريبية وإقرار مجموعة من التدابير الرامية إلى الحد من القطاع غير المهيكل، فضلا على تدابير العفو الضريبي.

  1. تأثر موارد الميزانية بسبب تداعيات وباء “كوفيد-19”

على غرار أغلبية الدول الحديثة، تشكل الموارد الجبائية المصدر الأساسي لتمويل الميزانية العامة بالمغرب. وذلك نتيجة تراجع عائدات الأملاك والمنشآت العامة جراء تفويت أغلبيتها للقطاع الخاص في إطار سياسة ليبرالية قائمة على تحرير السوق وما رافقها من خوصصة للمنشآت العامة. لهذا وبناء على الفرضيات التي تأسس عليها قانون المالية لسنة 2020 توقع هذا الأخير أن يبلغ صافي الموارد العادية لسنة 2020 حوالي 257,1 مليار درهم، أي بزادة تصل إلى 7% مقارنة بتوقعات سنة 2019، وهذا دون احتساب الحصة المحولة للجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة ومداخيل الحسابات الخصوصية للخزينة.

وبقراءة لبينية الموارد العادية للميزانية العامة، نستشف أن الزيادة التي كانت مرتقبة تعود بالأساس إلى العائدات الجبائية. لقد كان ممن المنتظر أن تشهد هذه الأخيرة ارتفاعا بنسبة 3,5% سنة 2020 بالمقارنة مع توقعات سنة 2019، حيث كان من المرتقب أن تدر على خزينة الدولة نحو 233,4 مليار درهم (19% من الناتج الداخلي الخام). في حين أن الموارد غير الضريبية فكانت مساهمتها المتوقعة تبقى في حدود 23,7 مليار فقط. وذلك على إثر تسجيل تراجع في حصيلة الخوصصة وموارد الهبات وتواضع مساهمة المؤسسات والأملاك العامة نتيجة النهج النيولبرالي الذي “اختاره” المغرب كما أسلفنا الذكر.


المصدر: تركيب ذاتي انطلاقا من معطيات قانون المالية لسنة 2020.

غير أن المغيرات التي ترتبت عن تفشي الوباء “كوفيد-19” وما صاحبها من قرارات السلطات العمومية، ستكون لا محالة كلفتها ثقيلة على حجم موارد الميزانية العامة ذات المصدر الجبائي. فعلى مستوى الضريبة على الشركات، فإن التوقف التام أو الشبه التام للعديد من القطاعات الاقتصادية (السياحة، الصناعة، النقل، الخدمات) سيؤثر سلبا على معدل أرباحها إن لم نقل على وجودها وهو ما سينعكس بالضرورة على إمكانيات مساهماتها الضريبية. كما التدابير المرتبطة بتأجيل وضع التصريحات الضريبية حتى 30 يونيو 2020 بالنسبة للمقاولات التي يقل رقم معاملاتها للسنة المالية 2019 عن 20 مليون درهم وتعليق المراقبة الضريبية والاشعار لغير الحائز حتى 30 يونيو 2020، كلها تدابير من شأن تأثيرها أن يخلق نوع من الارتباك في استفاء الموارد الضرورية لسد ولو جزء من النفقات التي تحتمها الظرفية. هذا طبعا بالإضافة إلى الركود الاقتصادي المرتقب في ظل ظروف الحظر الصحي وتراجع الطلب الخارجي المتأثر بتداعيات تفشي وباء كورونا “كوفيد-19”.

في نفس السياق، ستشهد الموارد الضريبية المرتبطة بالضريبة على الدخل هي الأخرى تراجعا هاما على إثر فقدان مناصب الشغل الناجم عن الركود الاقتصادي والتوقف الكلي أو الشبه كلي للعديد من المقاولات. هذا بالإضافة إلى توقف العديد من الأنشطة المهنية والحرفية نتيجة التدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات العمومية. وارتباطا بهذا الركود الاقتصادي وما سينجم من تدني في مستويات دخل الأفراد، فمن البديهي أن تسجل عائدات الضريبة على الاستهلاك وعلى رأسها الضريبة على القيمة المضافة هي الأخرى تراجعا في مستوى عائداتها على خزينة الدولة.

  1. تداعيات وباء كوفيد-19 على النفقات العامة.

كان مبلغ الإجمالي للنفقات العامة المتوقعة في قانون المالية لسنة 2020 تصل إلى 396,33 مليار درهم. وهو ما يعادل 32,6% من الناتج الداخلي الخام. وهذا دون احتساب نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة التي كانت مواردها الخاصة تعادل إجمالا نفقاتها. وتتوزع بشكل عام بين نفقات التسيير بنحو 221,59 مليار درهم، ونفقات الاستثمار بنحو 78,21 مليار درهم، في حين يبلغ مجموع النفقات المرتبطة بالدين العمومي (الفوائد والعملات بالإضافة إلى استهلاك الدين العمومي) 96,54 مليار درهم.

ومن أجل محاولة التخفيف من وقع تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية الناجمة عن تداعيات الوباء “كوفيد-19″، فإن حجم ونطاق النفقات العامة سيعرف تزايدا مطردا. وذلك راجع إلى شمولها لنفقات عامة مستجدة وليدة هذه الظرفية الطارئة التي لم تكن ضمن التوقعات التي قام عليها قانون المالية لسنة 2020. لهذا، ونتيجة وضع الركود الاقتصادي الذي يعيشه المغرب وما سيترتب عنه من تراجع مرتقب على مستوى موارد الميزانية فإنه لم يبقى هناك مجال للمزيد من التدابير الارتجالية ضيقه الأفق التي يبقى هاجسها هو محاولة تدبير المرحلة دون الأخذ بعين الاعتبار لتداعيات ذلك على مستقبل التوازن والأمن المالي للبلاد.

إن مراهنة الحكومة على الحلول “السهلة” والإنجرار خلف إغراءات الاقتراض الخارجي لتمويل عجزها الميزانياتي سيفضي إلى مفاقمة حجم التكاليف العامة. وذلك بالنظر لما ستشكله عملة استرداد أصل الدين والفوائد والعملات المترتبة عليه من استنزاف للميزانية العامة، والتي تبقى الموارد الجبائية هي مصدرها الرئيس. وهذا ما يزيد من تكريس لا عدالة السياسة الجبائية نظرا لارتهانها بالهاجس المالي. كما أن الاٌقتراض الخارجي غير المعقلن من شأنه أن يخضع السيادة الوطنية لشروط المؤسسات الدولية المانحة وإمكانية إعادة التجربة المريرة لبرامج إعادة التقويم الهيكلي. فبمثل هذه الاختيارات ستساهم الحكومة في رهن مستقبل الأجيال القادمة، عبر تحميلها أعباء مالية ناتجة عن قروض لم تستفد بالضرورة منها ولم تساهم في اتخاذ قرار اللجوء إليها.

لهذا فإن الظرفية تقتضي العمل بشكل مستعجل مع افتتاح الدورة التشريعية المنتظرة يوم الجمعة 10 أبريل 2020، على تحضير مشروع قانون مالية تعديلي متكامل من شأنه معالجة الإشكالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن هذه الظرفية الطارئة التي يمر منها المغرب جراء تفشي وباء كورونا “كوفيد-19” على الصعيد العالمي. والذي من خلاله يجب إعادة ترتيب الأولويات والاعتمادات المالية ومراجعة التوجهات العامة للسياسات العمومية.

تستوجب الظرفية الحرجة التي يمر منها المغرب، على غرار باقي دول العالم، والدروس والعبر المستخلصة منها، ضرورة التحلي بالشجاعة اللازمة لمراجعة التوجهات الكبرى للسياسة العامة. خاصة فيما يخص تهميش القطاع العام والتمادي في سياسة الخصخصة وما نتج عن ذلك من تفقير للدولة وتقديمها قربانا للمؤسسات المالية الدولية. فعبر تاريخ، كانت المنشآت والمؤسسات العامة هي الدعامة الأساسية التي تستند عليها الدول في عز الأزمات.

إن هذه الظرفية الصعبة تقتضي تكاثف الجهود لتحضير الشروط الضرورية لتسطير تعاقد اجتماعي جديد يقوم على بعث روح التضامن والمواطنة، حيث يتخلى فيه كل مواطن عن أنانيته. إن التحلي بأكبر قدر من الموضوعية هو الكفيل بالمساعدة على ابتكار مشاريع حلول كفيلة بإخراج البلاد من هذه الظرفية العصيبة وتفادي الدفع بها نحو المجهول. ومن أجل ذلك، يجب مرحليا استثمار الحس التضامني الذي برهنت عنه مختلف الفئات المجتمعية. وذلك من أجل بلورة مالية عمومية تضامنية تقوم على الحرص بشكل حازم على تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بضرورة مستاهمة الجميع في تحمل الأعباء الوطنية كل حسب استطاعته.

المراجع المعتمدة:

  • Délégation de l’Union européenne au Maroc – Section commerciale, « Note sur les impacts économiques du Covid-19 au Maroc au 26/03/202 »
  • التقرير الاقتصادي والمالي 2020 المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2020.
  • القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية، الجريدة الرسمية عدد 6370 الصادرة بتاريخ فاتح رمضان 1436 (18 يونيو 2015) ص 3105.
  • المندوبية السامية للتخطيط، موجــز الظرفيـــة الاقتصادية خلال الفصل الأول من 2020 وتوقعات الفصل الثاني.
  • بلاغ وزارة الداخلية بخصوص قرار إغلاق المقاهي، والمطاعم، والقاعات السينمائية، والمسارح، وقاعات الحفلات، والأندية والقاعات الرياضية، والحمامات، وقاعات اللعاب وملاعب القرب، في وجه العموم. الصادر في 16 مارس 2020.
  • تدابير مقرر من ظرف لجنة اليقظة الاقتصادية في اجتماعها الثاني المنعقد بمقر وزارة الاقتصاد والمالية يوم 19 مارس 2020.
  • حسن بوغشي، تعدد رهانات القرار الجبائي وأزمة العدالة الجبائية بالمغرب، المجلة الدولية للدراسات الاقتصادية: العدد الأول – مارس – آذار – سنة 2018، تصدر عن المركز الديمقراطي العربي. ألمانيا-برلين.
  • دستور 2011، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011) ص 3600.
  • دورية وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بتاريخ 31 مارس 2020 (C9/2020/DEPP)، حول موضوع إجراءات مواكبة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل ضمان المرونة في التدبير خلال فترة الطوارئ الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا “كوفيد19”.
  • قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6838 مكرر بتاريخ 17 ربيع الآخر 1441 (14 ديسمبر 2019)، ص 11087.
  • مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441( 23 مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها.
  • مرسوم رقم 2.20 .270 صادر في 21 من رجب 1441 (16 مارس 2020) يتعلق بمساطر تنفيذ النفقات المنجزة من لدن وزارة الصحة.
  • مرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية في سائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.
  • مرسوم رقم 9 2.20.26الصادر في 21 من رجب 1441 (16 مارس 2020) بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم «الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد -19” »
  • مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.320 يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، الذي أحيل على مجلس النواب يوم الاثنين 6 أبريل 2020 وأحيل في نفس اليوم على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية والذي فاقت عليه بالأغلبية لتتم إحالته إلى رئيس الحكومة ومجلس المستشارين بتاريخ 07 أبريل 2020، كما هو مبين بالموقع الالكتروني لمجلس الذي تم تصفحه يوم 07 أبريل 2020 على الساعة 18:00 – https://www.chambredesrepresentants.ma/ar

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى