في الواجهةمقالات قانونية

النظام القانوني للأجير البحري في ظل مدونة التجارة البحرية – أمين الصغير

 

النظام القانوني للأجير البحري

في ظل مدونة التجارة البحرية

 

  • من إنجاز المحامي المتمرن
  • الأستاذ: أمين الصغير

 

 

فرش

تأتي أهمية هذا الموضوع من خلال الحماية الخاصة التي خولها المشرع المغربي لفئة الأجراء البحارة بموجب ظهير عمر لأزيد من قرن من الزمن، وهو الظهير الشريف المؤرخ في 28 جمادى الثانية 1337 موافق ل 31 مارس 1919 المسمى بقانون التجارة البحرية[1]، هذا الظهير الذي عرف تعديلات متعددة كان أولها تعديل الذي عرفه الفصل الثالث وذلك بموجب الظهير المؤرخ في 26 يوليو 1922 وأخر تعديل هو القانون 46.12 الذي عدل مجموعة من الفصول من ظهير التجارة البحرية.

فالنظام القانوني للأجراء البحارة يعرف ما يسمى بالتعددية القانونيةLegal pluralism[2] فهو يخضع-أي الأجير البحري- للظهير السالف الذكر، كما أنه يخضع لمدونة الشغل حسب ما هو منصوص عليه في المادة الثالثة من مدونة الشغل “تظل فئات الأجراء الآتي ذكرهم خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تقل عما تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات:  2- البحارة ” كما تنص المادة 11 من ذات المدونة “لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء”

 إذن يمكن القول أن مدونة الشغل تبقى هي الشريعة العامة في التطبيق وذلك بعد البحث عن الأحكام الأكثر فائدة للأجير البحري سواء في الظهير السالف أو في العقدة الرابطة مع المشغل أو الربان أو في اتفاقية الشغل الجماعية أو حتى في العرف البحري.

سنحاول في هذا المقال البحث حول أهم الامتيازات التي نص عليها ظهير التجارة البحرية سواء في مرحلة تكوين العقد أو في مرحلة انهاءه وأيضا في الحالة التي يتعرض فيها الأجير البحري لحادثة شغل وما أكثرها نظرا لطابع مهنتهم ولذلك في ثلاث نقط أساسية:

أولا: الخصوصية القانونية في مرحلة تكوين العقد

ثانيا: الخصوصية القانونية في مرحلة إنهاء العقد

ثالثا: الخصوصية القانونية في حادثة شغل بحرية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نظم المشرع المغربي العلاقة الرابطة بين الأجير البحار والمجهز في الكتاب الثاني في القسم الرابع المعنون بالبحارة في خمسة أبواب بدءا من الفصل 165 وصولا للفصل 205 مكرر ثلاث مرات

أولا: الخصوصية القانونية في مرحلة تكوين العقد

نحاول في هذه الفقرة الوقوف على التعريفات المعطاة لعقد الشغل البحري وأطرافه وشكله القانوني.

  • تعريف عقد الشغل البحري وأطرافه

قام المشرع المغربي بتعريف طرفي عقد الشغل البحري في الفصلين 165 مكرر و166 من ظهير التجارة البحرية إذ اعتبر أن مجهز البواخر كل شخص ذاتيا كان أو معنويا يتصدى إلى استغلال باخرة سواء كانت هذه الباخرة على ملكه أم لا.

واعتبر البحار كل شخص ذكرا أو أنثى يقوم بأشغال على ظهر إحدى البواخر المتجولة في البحر.

كما عرف عقد الشغل البحري وسماه بعقدة التزام البحارة في الفصل 165 “كل عقدة أبرمت بين أحد مجهزي البواخر أو ممثله وبين أحد البحارة للقيام بإنجاز عمل على ظهر باخرة مجهزة تحت الراية المغربية تعتبر عقدة التزام البحار ويجري عليها مفعول مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا.”

فمن خلال التعريفات السابقة يمكن القول أن المشرع المغربي لم يقم بذكر كافة العناصر الشغلية التي يرتكز عليها عقد الشغل وهي عنصر الأجر تم عنصر العمل وبينهما العلاقة التبعية، وإنما اكتفى بذكر عنصر واحد فقط وهو القيام بإنجاز عمل من طرف البحار ولعل ذلك راجع إلى التسمية التي أعطاها المشرع للباب الأول “عقدة التزام البحارة” وهو ما تؤكده باقي الفصول الظهير التي ألزمت الأطراف على ضرورة ذكر بعض البيانات والتي من ضمنها أداء الأجر سنأتي على شرحها.

هذا وألزم المشرع توفر مجموعة من الشروط في الأجير البحار حتى يمكن أن يسجل بتلك الصفة في سجل طاقم السفينة وهذه الشروط هي التي نص عليها الفصل 167 مكرر

  • أول هذه الشروط: أن يعترف طبيب بقدرته البدنية على ممارسة مهنة بحار من طرف طبيب من القطاع العام أو طبيب خبير.
  • أن يكون قد تلقى تكوينا أساسيا يمكنه على الأقل من تتبع وتنفيذ قواعد السلامة في البحر وكذا التعليمات المتعلقة بإنقاذ الأرواح البشرية في البحر وحماية الوسط البحري.

إلا أن المشرع ربط هذه الشروط بصدور نص تنظيمي يحدد كيفية التحقق منها وتطبيقها، واعتقد أن هذه النصوص التنظيمية لم ترى النور إلى حد الساعة مما يجعل الفصل السابق مجرد حبر على ورق الشيء الذي يمس بمبدأ الأمن القانوني في المغرب.

  • الشكلية في عقد الشغل البحري

من الخصوصيات التي جاء بها ظهير التجارة البحرية هو ضرورة كتابة عقد الشغل البحري ويمكن استنباط ذلك من خلال الفصل 171 من الظهير الذي ينص “يمضي العقدة كل من المجهز والبحار وإن كان أحدهما لا يعرف الكتابة والتوقيع فينبغي الإشارة إلى ذلك في نص العقدة.”

كما يجب أن يتضمن هذا العقد بعض المقتضيات التي نص عليها الفصل169 من الظهير وهي: أولا- الإشارة إلى نوع الخدمة التي تعهد البحار بالقيام بها والوظيف الواجب عليه مزاولته عن طريق التسلسل الإداري؛

ثانيا- تاريخ الشروع في مزاولة أشغاله؛

ثالثا- كيفية دفع الأجرة المتفق عليها بين المتعاقدين؛

رابعا- مبلغ الأجرة الثابتة أو الأساس الذي ينبني عليه مبلغ الأرباح التي تنوب البحار؛

خامسا- المكان الذي يوقع فيه على العقدة وتاريخ التوقيع.

وبعد كتابة العقد وتضمينه كل المقتضيات المتفق عليها أوجب الفصل 172 من الظهير ضرورة التأشير عليه من طرف السلطة المكلفة بالشؤون البحرية.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو الحالة التي يخالف فيها المجهز المقتضيات المنصوص عليها سابقا -باعتباره هو الطرف القوي في العلاقة الشغلية- هل يمكن اثبات العلاقة الشغلية بدون عقد شغل مكتوب ومؤشر عليه؟

بما أن مدونة الشغل هي الشريعة العامة في العلاقات الشغلية وبما أن الأصل فيها هو الشفوية وأن علاقة الشغل فيها يمكن إثباتها بكل وسائل الإثبات، فيمكن للأجير البحري الاستناد عليها في علاقته مع المشغل حتى في الحالة التي لا يكون فيها العقد مكتوبا.

يبقى في آخر هذه الفقرة إشكال من اللازم طرحه نص عليه الفصل 168 من الظهير “يجب أن تتضمن عقدة الاستخدام مقتضيات تبين ما إذا أبرمت هذه العقدة لمدة معنية أو لمدة غير معينة أو للقيام برحلة واحدة.”

فالتساؤل الذي يمكن طرحه هل يجوز ابرام عقد الشعل محدد المدة خارج الحالات المحددة في مدونة الشغل؟

بالرجوع إلى الظهير لا نجده ينص على حالات معينة ومحددة يبرم فيها عقد الشغل لمدة محددة، ولما كان عقد الشغل غير محدد المدة يشكل حماية أكثر للأجير فيجب في هذه الحالة الرجوع إلى مدونة الشغل وعليه إذا كان العقد مبرم لمدة محددة خارج الحالات المبينة في مدونة الشغل فالعقد يعتبر مبرم لمدة غير محددة.

 

ثانيا: الخصوصية القانونية في مرحلة إنهاء العقد

إنهاء عقد الشغل إما أن يكون بشكل ودي بين الطرفين، وإما أن يكون الإنهاء بعرض النزاع على الجهات المختصة، أولا لمحاولة الصلح بين الطرفين وثانيا لإنصاف الطرف المظلوم.

إلا أن الظهير قد جاء بخصوصية تميز العلاقة الرابطة بين الأجير البحار والمجهز هذه الخصوصية نص عليها الفصل 205 مكرر “إن المنازعات التي تنشأ بين المجهزين وممثليهم والبحارة باستثناء الربابنة واتي يكون موضوعها عقود الالتزام الجارية عليها أحكام ظهيرنا الشريف هذا ترفع إلى السلطة المكلفة بالشؤون البحرية لتقوم بإجراء مصالحة فيها وتكون هاته المحاولة بمثابة المحاولة التي يجب إجراؤها على يد قاضي الصلح طبق القوانين العامة الجاري بها العمل”

كما نص الفصل 205 مكرر ثلاث مرات في فقرته الثانية أنه في حالة فشل محاولة المصالحة فإنها تحرر تقريرا بذلك وتسلم إلى المدعى نسخة منه تحتوي على إذن يسمح له باستدعاء خصمه أمام المحكمة الراجع إليها حق النظر في النازلة.

فإذا كانت المادة 41 من مدونة الشغل نصت على إمكانية لجوء الأطراف للصلح بالنسبة لنزاعات الشغل الفردية أمام مفتش الشغل، فإن الفصل السابق من الظهير نص على وجوبية اللجوء للصلح قبل رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة.

هذا ونص المشرع على بعض الأخطاء الجسيمة التي يمكن ارتكابها سواء من طرف البحار أو من طرف المجهز وذلك في الفصل 198 من الظهير، فمن هذه الأخطاء ما هو منصوص عليه في مدونة الشغل ومنها ما هو غير منصوص عليه، وذلك راجع إلى أن الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في مدونة الشغل هي على سبيل الاستثناء فقط وعليه يمكن أن تضاف لها أخطاء جسيمة قضائية –أي أن القاضي أضفى عليها صبغة الجسامة بما له من سلطة تقديرية- كما يمكن أن تضاف لها أخطاء جسيمة بنص القانون كما هو الحال بالنسبة لهذا الظهير.

كما يثار إشكال في الحالة التي يكون فيها اختلاف بين أخطاء جسيمة من نفس النوع ونعطي مثال على ذلك ما نص عليه الفصل 198 من الظهير “2.إذا تغيب من الباخرة بغير موجب طيلة مدة تزيد على ثلاثة أيام.”

تختلف هذه الفقرة على ما نصت عليه المادة 39 من مدونة الشغل ” التغيب بدون مبرر لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الإثني عشر شهرا.”

لعل التساؤل المطروح هو أي من النصيين القانونيين يشكل حماية أكثر للأجير، بقراءة سطحية للمواد يمكن القول أن مقتضيات مدونة الشغل هي الأكثر حماية لأنها نصت على أكثر مدة وهي أربعة أيام، إلا أن المشرع قد أضاف عبارة من شأنها الإضعاف من هذه الحماية وهي خلال “الإثني عشر شهرا” بخلاف مقتضيات الظهير.

ونفس الاختلاف نجده بخصوص أجل الإخطار فإذا كانت مدونة الشغل قد حددت الأجل الأدنى للإخطار في 8 أيام، فإن الفصل 168 من الظهير حدد أجل الإخطار في يوم واحد من أيام العمل، وهو أجل ملزم لكل من المشغل والأجير في عقد الشغل غير محدد المدة، فحتى يمكن معرفة المقتضى الأكثر حماية للأجير البحري، وجب معرفة من المبادر بإنهاء العلاقة الشغلية، فإذا كان الأجير هو من يريد إنهاء العلاقة الشغلية فإن المقتضى الأكثر حماية هو المنصوص عليه في الظهير-أي الأجل المحدد في يوم واحد- أما إذا كان المشغل هو المبادر بإنهاء العلاقة الشغلية فالمقتضى الأكثر حماية للأجير هو المنصوص عليه في مدونة الشغل-أي أجل ثمانية أيام-

أما بخصوص التعويضات المستحقة للأجير في حالة الفصل التعسفي، فإن الظهير لم ينص على طريقة احتساب هذه التعويضات كما هو الحال في مدونة الشغل، فإذا كانت طرق الاحتساب التعويضات المنصوص عليها في مدونة الشغل ما هو إلا قيد للحد من السلطة التقديرية الواسعة لقاضي الموضوع، فإن الظهير لم يقيد هذه السلطة بنصوص قانونية خاصة لهذا يجب التساؤل عن المقتضى الأكثر حماية للأجير:

في أحد الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية بأكادير قضت للأجير البحري بالتعويضات المنصوص عليها في مدونة الشغل.

 

ثالثا: الخصوصية القانونية في حادثة الشغل البحري

نص المشرع على مقتضيات الأمراض التي تعتري البحارة والجروح التي يصابون بها في الفرع الرابع من الفصل 189 إلى 194 من الظهير.

جاء الظهير في هذا الفرع ببعض الخصوصية  في حوادث الشغل وجب الوقوف عليها حتى نتعرف على المقتضيات الأكثر فائدة للأجير البحري.

ومن هذه الخصوصية ما نص عليه الفصل 190 من الظهير بخصوص التعويض عن العجز المؤقت “وفي حالة مرض البحار فإن الأجرة تدفع له طيلة المدة التي يكون له فيها الحق في المعالجة على نفقة مالك السفينة لكن تكون هذه المدة معينة حسب الحالات المحددة في الفصل”

ونص في الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور على حد أقصى للإستفادة من هذه الأجرة وهو أربعة أشهر تبتدئ من التاريخ الذي نزل فيه إلى اليابسة.

هذا بخلاف ما هو منصوص عليه في القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل الذي حدد العجز المؤقت في ثلثي الأجر.

كما أنه من نقط الاختلاف نجد المقتضى المنصوص عليه في المادة 22 من القانون 18.12 الذي ينص “إذا خلفت الحادثة عجزا دائما للمصاب، يحدد الطبيب المعالج، باتفاق مشترك مع الطبيب الخبير المنتدب من قبل المقاولة المؤمنة للمشغل، نسبة العجز اعتمادا على الجدول المتعلق بالعجز المحدد بقرار مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتشغيل وبالصحة.

في حالة عدم توصل الطرفين إلى اتفاق مشترك بخصوص تحديد نسبة العجز، يمكن للمقاولة المؤمنة للمشغل تعيين طبيب خبير مختص بناء على اقتراح من الطبيب المعالج للمصاب، وفي هذه الحالة، يتعين على الطبيب الخبير المختص تقديم تقرير طبي داخل أجل أقصاه شهر يبتدئ من تاريخ التعيين.

هذا بخلاف مقتضيات الظهير التي نصت في الفصل 190 أنه في حالة الاختلاف بين الطبيب المعالج والطبيب الذي اختاره مجهز السفينة فإن النزاع يعرض على المحكمة المختصة بعد إجراء محاولة الصلح لدى رئيس المركز البحري.

 

 

كانت هذه أهم المقتضيات الخاصة بالأجراء البحارة في ظل مدونة التجارة البحرية، التي حاول من خلالها المشرع إضفاء طبيعة قانونية خاصة على علاقتهم الشغلية الرابطة مع مجهز السفينة، إلا أن هذه الحماية أصبحت غير كافية بعد أن عمر هذا الظهير لأزيد من قرن، ويمكن أن نقترح في الأخير بعض الاقتراحات أهمها:

  • هذا الظهير صدر في عهد الحماية الفرنسية، كما أدخلت عليه تعديلات منها ما هو في فترة الحماية ومنها ما هو في فترة ما بعد الحماية، إلا أن المعضلة الكبرى هي عدم توفر نسخة رسمية صادرة باللغة العربية الشيء الذي يضرب بالمبادئ الدستورية.
  • إدخال المقتضات الشغلية المنصوص عليها في الظهير ضمن مواد مدونة الشغل.

 

 

 

 

[1] – نشر هذا الظهير بالصيغة الفرنسية في الجريدة الرسمية عدد 344 بتاريخ 26ماي 1919 الصفحة 478.

[2] – لمزيد من المعرفة حول هذا المصطلح يمكن الرجوع للمقال المعنون بالتعددية القانونية  في المغرب من إنجاز الأستاذ معاذ فخصي المنشور في الموقع الالكتروني التالي:

https://www.bibliotdroit.com/2018/10/pdf_44.html

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى