في الواجهةمقالات قانونية

السياسة الغذائية بالمغرب : معادلة بين ضمان  الحق في الأمن الغذائي وواجب محاربة الممارسات غير تنافسية في ظل جائحة كورونا  – مراد الفرجي

 

مراد الفرجي

باحث في القانون الخاص والشؤون القضائية

                   خريج ماستر قانون الأعمال-المحمدية

 

السياسة الغذائية بالمغرب : معادلة بين ضمان  الحق في الأمن الغذائي وواجب محاربة الممارسات غير تنافسية في ظل جائحة كورونا 

مقدمة:       

     ” بسم الله الرحمان الرحيم, وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين   

يعيش العالم اليوم وضعية استثنائية, وأزمة صعبة بكل المقاييس ذات انعكاسات سلبية على جميع الميادين ومناحي الحياة. لتشكل هذه الأزمة ظاهرة اجتماعية ظرفية تعرفها جل مجتمعات وبلدان المعمور. والمغرب ليس في معزل عن هذه الظرفية العالمية وتأثيراتها السلبية على جميع الميادين الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية… بسبب انتشار جائحة كورونا1,الذي دفع بلادنا إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية و العمل على تمديدها للمرة الثانية, وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية وحظر التجول الغير المأذون به, والالتزام بقواعد الحجر الصحي الإجباري لحماية النفس البشرية وحقها في الحياة وحماية الأسرة المغربية باعتبارها النواة الأولى للخلية المجتمعية.

لقد أفرزت وضعية حالة الطوارئ الصحية خوفا شديدا وواسعا في صفوف المواطنين , خاصة بعد الإعلان عنها مباشرة,هذه  الحالة النفسية تم تغذيتها بترويج بعض الأخبار الزائفة سابقا من طرف بعض الفئات  حول نفاذ السلع, والمواد الغذائية الأساسية لعيشهم, مما دفع بالسواد الأعظم منهم للتوجه نحو الأسواق التجارية, والمحلات الخاصة ببيع المواد الغذائية, وبيع الحبوب والدقيق من أجل اقتناء المنتجات والسلع الكافية طيلة الحجر الصحي, خوفا من نفاذها من جهة وثانيا هروبا من بعض تجاوزات التجار, واعتمادهم للممارسات غير تنافسية تتجلى خصوصا في احتكار وادخار السلع ,وتخزينها والزيادة في أثمانها مما يهدد الأمن الغذائي للمستهلك المغربي. الأمر الذي يحتم تدخل القانون بتنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات والتجار, من خلال تدخل أجهزة إنفاذه المتمثلة في الشرطة الإدارية والشرطة القضائية والمصالح الأمنية وعموما السلطات العمومية وبعض الهيئات الخصوصية  في تنبيه كل المحاولين ,وزجر كل المخالفين للأنظمة والقوانين المتعلقة بتحديد الأسعار, والمنافسة وحماية المستهلك,وزجر الغش في السلع سعيا وراء تحقيق وضمان للأمن الغذائي في ظل أزمة جائحة كورونا.

1فيروس كورونا المستجد   كوفيد-19  :  نوع من الفيروسات الجديدة المعدية الذي يسبب التهاب حاد في الجهاز التنفسي لدى الإنسان

تم الإعلان عن حالات الإصابة به في مدينة ووهان الصينية في أواخر دجنبر لينتقل إلى دول و بلدان أخرى من العالم

 وخلصت منظمة الصحة العالمية الى وصفه بالجائحة واعتبرته حالة طوارئ صحية عالمية.

 حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها بموجب قرار وزير الداخلية بتاريخ20 مارس 2020 والمقررة بمقتضى المرسوم  2.20.292 الصادر بتاريخ 24

إن الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية كتدبير استثنائي لا يتوقف على مجرد ضمان الأمن الصحي والصحة العامة بل يتعداه إلى الأمن الغذائي وضرورة الحفاظ على النظام العام داخل المجتمع المغربي.

من هذا المنطلق ولمقاربة الموضوع والإحاطة بمختلف جوانبه من الناحية القانونية دفعنا الأمر إلى طرح بعض التساؤلات المركزية والأخرى الفرعية من قبيل:

ماهي أهم محددات الأمن الغذائي بالمغرب؟ ماهو دور وأهمية السياسة الغذائية بالمغرب في مواجهة التطورات التي يعرفها العالم عموما ومواجهة تداعيات أزمة كورونا خصوصا ؟ ما علاقة الأمن الغذائي بالنظام العام في ظل الظروف الحالية؟ ماهي أهم ملامح المقاربة القانونية المعتمدة في التصدي لبعض التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد ؟

سنتناول موضوعنا بالتحليل والمناقشة معتمدين على المنهج التحليلي الاستقرائي وفق تصميم مطلبين أساسيين :

المطلب الأول: ضمان الحق في  الأمن الغذائي وعلاقته بالنظام العام في ظل أزمة جائحة كورونا

المطلب الثاني: الادخار السري كممارسة غير تنافسية من التهديدات التي تواجه الآمن الغذائي في ظل أزمة جائحة كورونا

 

المطلب الأول: ضمان الحق في  الأمن الغذائي وعلاقته بالنظام العام في ظل أزمة جائحة كورونا

للأمن أكثر من مظهر وأكثر من بعد, حيث لم يعد الأمن يقتصر على مفهومه التقليدي الضيق, و الذي تتقاسمه جميع الأجهزة الأمنية في مختلف بقاع العالم, بل اتسع حقل عملياته ليدخل إلى دائرته

أبعادا أخرى, تبدأ بالأمن الجيو سياسي إلى الأمن البيئي-الأمن الطاقي -الأمن الروحي مرورا بالأمن الغذائي, كي يبقى في جميع الحالات الأمن العمومي هو المهمة الأساسية لأي جهاز أمني, حيث يظل في صلب جميع الانشغالات الاجتماعية .بمعنى إن النظام العام يبقى من أولى الضروريات الواجب الحفاظ عليها بقوة القانون في ظل جميع الظروف والحالات التي يعيشها المجتمع في حالة الشدة والرخاء.

تشكل التغذية بالنسبة للجسم ما يشكله الأكسجين بالنسبة للحياة, فالحق في التغذية أمر لا يمكن جداله, فهي أساسية وحاجة ضرورية, لا يمكن تعويضها أو الاستغناء عنها لما تمنحه للإنسان من طاقة ضرورية لتواجده الجسدي ونشاطه الاجتماعي , إذن المحافظة على هذا الحق المرتبط بأمن الإنسان يمر حتما عبر الحصول على تغذية صحية ومغذية, وهذا يستلزم وفرة مواد وبضائع بكمية وجودة عاليتين. إذن فما هو مفهوم الأمن الغذائي؟

الفقرة الأولى: الإطار المفاهيمي للأمن الغذائي و أهم محدداته :

ظهر مفهوم الأمن الغذائي خلال سنوات 70 و تطور من معايير كمية واقتصادية ليتخذ تعريفا يأخذ بعين الاعتبار الجودة والبعد الإنساني . فالأمن الغذائي يتجاوز مفهوم الاكتفاء الذاتي ويجب تمييزه عن الأمن الصحي للمواد الغذائية التي ترتبط بالنظافة والصحة وسلامة المواد الغذائية.

) فعبارة الأمن الغذائي تعني : ( الوضعية التي من خلالها يمكن  FAO فحسب المنظمة العالمية للتغذية (

لأي شخص أن يحصل في كل الظروف على تغذية مضمونة ومغذية تمكنه من حياة سليمة و نشيطة).

إذن نستنتج أن مفهوم الأمن الغذائي يحيل على وفرة وجودة التغذية,وهو يتوزع على أربع مستويات :

أولا الوفرة التي تكمن في الإنتاج الداخلي,و القدرة على الاستيراد و التخزين. ثانيا الحصول على التغذية التي ترتبط بالقدرة الشرائية,و البنيات التحتية . ثالثا: الاستقرار المناخي و السياسي. و أخيرا الصحة المرتبطة بالنظافة و إمكانية الحصول على الماء الصالح لشرب.

إن خصوصية وضعية جائحة كورونا تكمن في المحدد الهيكلي,والمعقد لوضعية سوق المواد الغذائية وعلى الخصوص الحبوب,في الواقع هذه السوق لاتتوقف عن تسجيل نوع من الركود بالنسبة للعرض المترتب خاصة عن الاختلالات المناخية,وندرة التساقطات المطرية خلال هذا الموسم الفلاحي,مما دفع إلى التوجه نحوالاسواق العالمية لتغطية النقص في هذه المادة الحيوية وتحقيق الاكتفاء الذاتي .

بعد سنة1995 يبقى اللجوء إلى السوق العالمي لتوفير الغذاء اختيارا منطقيا, بحيث يمكن الحصول على المواد الغذائية بتكلفة مناسبة, وبثمن اقل من الكلفة الإنتاجية على الصعيد الوطني.فقيمة الشراء التي تم تعويضها بتصدير المواد الأولية الفلاحية المحلية التي لاتقوى على منافسة متيلاثها في البلدان الصناعية المتوفرة على شروط الإنتاج العلمي الأكثر تطورا.

ففي نهاية سنة2006تفاجات كل من المؤسسات المالية والتجارية الدولية,البنك الدولي,صندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة بمعطيات جديدة ستقلب اتجاه اثمنة المواد الغذائية كما هو الشأن بالنسبة للحبوب القمح_الأرز الذرة …ولعل ذلك يجد تفسيره في تزايد الطلب العالمي على هذه المواد والمرتبط بتزايد عدد سكان العالم وتغير نمط التغذية لدى عدد كبير من سكان اليابسة( الصين الهند) إضافة إلى تحسن مستواهم المعيشي.

حقيقة في المغرب, وعلى غرار باقي دول العالم يشكل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار واقعا

ملموسا. خاصة في ظل تفشي كابوس هذا الفيروس ,وما يتم الترويج له من طرف بعض الفئات حول ندرة المواد الغذائية,تبعث على نوع من الشعور بانعدام الأمن, هذا الشعور يتجسد في نوع من الخوف في عدم المقدرة على الحصول على تغذية, مستوفية لشروط الكيف و الكم. إذن ففي وقتنا الحاضر فإن مسألة الأمن الغذائي تطرح على كل المستويات. الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول أهمية ودور السياسة الغذائية لبلدنا في مواجهة تطورات وتداعيات أزمة كورونا؟ وتفنيد هذه الإدعاءات؟

 

 

الفقرة الثانية:دور و أهمية السياسة الغذائية بالمغرب في مواجهة تداعيات ازمة كورونا الحالية.

منذ عدة سنوات خلت, فإن بلدنا المغرب قد تبنى سياسة الأمن الغذائي, سياسة متغيرة ومرنة تستجيب للتطورات التي يعرفها العالم في هذا المجال, و تواجه التحديات المرتبطة ببعض الظرفيات و الوضعيات الخاصة كما هو الحال خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.

فمنذ الاستقلال, بذلت المملكة المغربية مجهودات كبيرة من اجل الرفع من الإنتاج الغذائي بإعطائه الأولوية للقطاع الفلاحي من خلال برنامج المغرب الأخضر,و تزويد السوق الوطنية بما تحتاجه من مواد وسلع ذات جودة ووفرة عالية,لتجاوز العجز الذي يعانيه الميزان الغذائي في بعض المواد.

أكيد أن الفلاحة المغربية تشكل رافعة أساسية للاقتصاد الوطني,مكنت من تحقيق مجموعة من المكتسبات بفضل التعبئة المستمرة حول مخطط المغرب الأخضر,الذي اشرف جلالة الملك نصره الله على انطلاقته في ابريل من سنة 2008 واستطاع هذا المخطط بفضل المجهودات التي راكمها ,جعل الفلاحة من أولويات القطاعات الإستراتيجية الوطنية,التي عملت على تحديث وعصرنة الفلاحة وتعزيز الاستثمارات والتكامل الجيد بين السلاسل الإنتاجية, والحد من التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية وإنعاش صادرات المنتجات الفلاحية وتثمين المنتجات المحلية وخلق فرص العمل,وأخيرا ضمان الأمن الغذائي.

باستثناء الحبوب يؤمن المغرب اليوم اكتفاءه الذاتي من المنتجات الزراعية,حيث تم تامين 100 في المائة  من حاجاته في اللحوم والخضر والفواكه,و الحليب و السكر1.فزراعات الحبوب تهيمن على حوالي  75في المائة من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة. رغم ذلك لازال يستورد 30 في مائة من هذه المادة من الأسواق الأخرى ويعزى هذا النقص حسب السيد بنسليمان رئيس الجمعية المغربية لمكثري البذور –”يستطيع المغرب إنتاج الحبوب الكافية دون ان يستوردها ,بالتخلي عن زرع الأشجار المثمرة في الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب وزرعها في الجبال ,إضافة إلى تجاوز مشكل عدم احترام الفلاحين للدورة الفلاحية,أي ضرورة تنويع المزروعات بين القطاني والقمح للرفع من إنتاجية وخصوبة الأرض”… .لكن ماذا عن مفهوم الاكتفاء الذاتي هل أصبح متجاوزا حاليا في وقتنا المعاصر؟

فإلى حدود بداية التسعينات فإن مفهوم الأمن الغذائي كان يفهم على أنه تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية, وبالتالي تزويد السوق المحلي بمنتوجات وطنية.وكان للقطاع الفلاحي دور أساسي في تحقيق الأمن الغذائي.بعد ذلك ومع ظهور سياق دولي جديد تغير كل شيء, فلم يعد الأمر يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية, بل ضمان الأمن الغذائي الذي يأخذ بعين الاعتبار إمكانية الإنتاج الوطني والفرص التي تقدمها التجارة الدولية.فتحدي اليوم يكمن في توفير المواد الغذائية الأساسية , وهو ما أكدته الوزارة الوصية وزارة الفلاحة من خلال بلاغها للرأي العام حول وفرة التموين و المواد الأساسية إلى غاية شهر دجنبر من السنة الجارية 2020 والمتطلبة لمعيشة المواطنين والمواطنات,واستقرار أسعارها,ونشير هنا لما تطرق اليه السيد وزير الفلاحة في كلمة شكر وجهها الى

 

 

احصائيات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات1

عموم الفلاحين ومهنيي القطاع على تعبئتهم التي سمحت باستمرارية النشاط الفلاحي على طول سلسلة القيمة,وضمان التموين العادي والمنتظم للسوق الوطني,والحفاظ على توازنات العرض والطلب في هذا الظرف الاستثنائي.وتبقى هذه التعبئة مستمرة مع الحفاظ على استمرار النشاط الفلاحي,وتوفير العرض خلال شهر رمضان الابرك بتموين ومستويات إنتاج مريحة.(على اثر اجتماع السيد عزيز اخنوش وزير الفلاحة بتقنية الفيديو عن بعد في ظل هذا الوضع الاستثنائي, مع رئيس جامعة الغرف الفلاحية ورؤساء الغرف الفلاحية ورئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية- كوما دير- الممثلة للفدراليات الفلاحية البيمهنية)

 

الفقرة الثالثة: علاقة الأمن الغذائي بالنظام العام في ظل أزمة جائحة كورونا.

قبل الحديث على أي علاقة بين الأمن الغذائي و النظام العام في ظل هذه الوضعية الوبائية,فكان من الطبيعي الوقوف أولا على مفهوم فكرة النظام العام.

يقال إن مفهوم النظام العام يقاوم التعريف. فالمشرع المغربي على غرار اغلب التشريعات المقارنة تركت مسالة تعريفه للفقه ,نظرا لطبيعته الزئبقية التي تكره الجمود وتحب التطور المستمر.انه مجموعة من الوسائل الأمنية التي توفر الحماية العامة لكافة المواطنين والأشخاص الذين يتواجدون على ارض دولة ما,ويعرف  أيضا بأنه الأسلوب المستخدم في تنظيم الحياة الاجتماعية في المجتمع الواحد عن طريق فرض سلطة القانون التي تمنح الأفراد حقوقهم ,وتعرفهم بالواجبات القانونية الملزمة لهم.

وعرف بعض الفقهاء القانونيين النظام العام بأنه الواجبات القانونية التي تقوم بها الدولة,وتحقق الخير والأمن لكل إنسان,مع الحرص على احتواء أي مشكلات تصدر من أي فرد وعلاجها بالطريقة المناسبة.

فيما عرفه الفقيه هوريو بأنه انعدام الفوضى والقلاقل,فهو يشكل مجموعة مصالح عليا مشتركة لمجتمع ما في زمن معين,يتفق الجميع على ضرورة سلامتها (الأمن العام,السكينة العامة,الصحة العامة).

ويبقى الفصل بين هذه المكونات الثلاث عملا تعسفيا للغاية وقد يجرد هذا المفهوم من كل قيمة عملية. فمفهوم النظام العام شيء متغير يضيق ويتسع باختلاف الأزمنة وتباين الدول,ليس جامدا بل في تطور مستمر (النظام العام الاجتماعي والنظام العام الاقتصادي والنظام العام السياسي…) والاستناد على الدستور كنص مرجعي يحدد الجوانب الأساسية للنظام العام,بما يساهم في توطيد دولة القانون,وتحقيق المصلحة العامة.

وإذا كانت ميزة استهداف وتحقيق المصلحة العامة هي ميزة تشترك فيها جميع القواعد القانونية,فان التشريع والفقه متفق على انه هناك أنواع منها يوصف بصفة القواعد فوق العادية ,تسمو على جميع القواعد الأخرى اصطلح على تسميتها بقواعد النظام العام.هذه القواعد هي تلك التي يقصد بها إلى تحقيق مصلحة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع وتعلو على مصلحة الفرد ,فيجب على جميع الأفراد مراعاة المصلحة وتحقيقها ,ولا يجوز لهم مناقضتها باتفاقات فيما بينهم لان المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة1.

1حليمة ايت حمودي,نظرية الباعث في الشريعة الاسلامية و القانون الوضعي.دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر الطبعة الأولى صفحة 39 ,1986

ففي ظل هذه الجائحة فالمصلحة العامة للوطن والمواطنين فوق كل اعتبار, ويبقى من أسمى تجلياتها ماتم اتخاذه من طرف الحكومة المغربية, من تدابيرواجراءات منها ماهو استباقي احترازي, وآخر تدخلي زجري ,جاءت على شكل مراسيم أو مقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات أو مراسيم قوانين. ومثاله مرسوم بقانون المتعلق {بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها} وما تضمنه من مقتضيات تخص المتابعة القضائية ولاسيما المادة الرابعة منه في حالات مثل : عدم وضع الكمامات الواقية من طرف الأشخاص المسموح لهم بمغادرة مساكنهم لأسباب خاصة, وأيضا تحريض الغير على عدم وضع الكمامة الذي  يشكل جنحة  منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي الإجباري .أيضا حظر التنقل الليلي من الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا خلال شهر رمضان المعظم بالنسبة للمواطنين والمواطنات سواء كانوا راجلين أو عبر استعمال وسائل النقل كما يتم توقيف العمل بالتراخيص التنقل الاستثنائية خلال توقيت الحظر المذكور,وهي معاقب عليها كما سبق الذكر بمقتضى  المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم.2.20.292 هذه الحزمة من التدابير والإجراءات جاءت كلها متوافقة مع ما تقتضيه المصلحة العامة, ومن اجل حماية النظام العام وامن وسلامة المواطنين, وهوما أكدته  النيابات العامة أنها لاتتوانى في تطبيق القانون بالصرامة اللازمة في حق المخالفين الذين يعرضون الأمن الصحي للمواطنين للخطر ويستهينون بحياة المواطنين وسلامتهم1نفس الأمر حول جاهزية القوات العمومية للدفاع والمحافظة وصيانة النظام العام.

مما لاشك فيه ان جل التدابير المتخذة في هذه الظرفية الصعبة  تدخل في إطار الحفاظ على النظام العام الذي يبقى من اختصاص الدولة  ويتماشى بشكل كبير مع تعريف الفقيه القانوني هوريو الذي اعتبر أن النظام العام هو مجموعة مصالح عليا مشتركة لمجتمع ما في زمن معين,وانه حالة من انعدام الفوضى والقلاقل,صحيح للدولة أن تتخذ في هذا الصدد كل الإجراءات الضرورية لتحقيق هذه الغاية, بما في ذلك اللجوء إلى استعمال القوة واستتباب الأمن كلما كان تهديدا لهذا الأخير .لكن في ظل هذه الوضعية يبقى استعمال القوة مستبعدا نظرا لملازمة الجميع منازلهم التزاما بقواعد  الحجر الصحي الإجباري من جهة. ومن جهة ثانية محاولة لإخراج مفهوم المحافظة على النظام العام من نطاقه الضيق وتجاوز ذلك إلى الاضطلاع بمهام التاطير والتوجيه والتحسيس من طرف السلطات العمومية من شرطة ودرك وقوات مساعدة و وقاية مدنية وسلطة إدارية محلية ومجتمع مدني ووسائل الاعلام…لفائدة الساكنة من مواطنين ومواطنات  حول خطورة هذا الوباء الفتاك,و من اجل خلق فضاء مفعم بالحوار و الوعي الجماعي لتجاوز هذه المحنة.

تأسيسا على ما سبق نلمس أن العلاقة بين النظام العام وضمان الأمن الغذائي هي بمثابة وجهين لعملة واحدة,فالأمن الغذائي هو جزء من المفهوم الواسع لمصطلح الأمن,هذا الأخير الذي يعتبر من المكونات الثلاثة المؤسسة لفكرة النظام العام(الأمن والسكينة والصحة).من هنا يمكن طرح التساؤل التالي كيف يمكن أن يؤثر انعدام الأمن الغذائي في النظام العام للمجتمعات وظهور بعض أشكال   التعبيرات المجتمعية خوفا من هاجس المجاعة؟

لقد علمنا التاريخ أن وضعيات الحرمان والحاجة والجوع كانت مصدرا لأحداث و أعمال زعزعت

 

مقتطف من بلاغ رئاسة النيابة العامة 1

السير العادي للمجتمعات القديمة , مثل مصر هايتي- و العديد من الدول بإفريقيا –البرازيل-الفيتنام- الهند.فالجوع كمرادف للحرمان البطيء أو الآني من التغذية, يؤدي إلى ظهور أمراض جسمانية ونفسية ويدفع بالشخص إلى نوع من الخمول.فاجتماعيا يمكن تعريف الجوع على أنه حالة الحد الأقصى لتدهور ظروف الحياة للفرد والمجتمع فهو نكران لحق أساسي يرتبط بالوجود نفسه وبالحق في الحياة. وعلى مستوى أقل, فإن ندرة الغذاء تزكي نوعا من الشعور بالخوف من الجوع,هذا الخوف الذي إذا ما استمر فإنه يهدد الحياة نفسها , فوفرة الغذاء تخلق نوعا من الإحساس بالسعادة,وقلته تؤدي إلى خلق هاجس الجوع.

وخلافا لما عرفته بعض المجتمعات القديمة والمعاصرة من ضروب المجاعة, وما يهدد سلمها الاجتماعي ويخلخل نظامها العام, فإن بلدنا المغرب ولله الحمد عكس بعض البلدان المتضررة من هذه الجائحة خاصة فيما يتعلق بجانب التموين ,كان سباقا لوضع خطط واستراتيجيات على جميع المستويات خاصة الاجتماعية و الاقتصادية,تحت القيادة الرشيدة و الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة نصره الله,في منحى التضامن و التكافل و التآزر بمفهوم الفصل 40 من دستور2011 ,حول تحمل الأعباء بصفة تضامنية بين الجميع, وكذا الالتزام الأخلاقي الذي تفرضه القيم الإنسانية و ديننا الإسلامي الحنيف .تحقيقا للسلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي وحفاظا على النظام العام داخل بلدنا الحبيب.بالتالي فالنظام العام إذن مرتبط بالأمن الغذائي ارتباطا جدليا فلا خوف من ندرة بعض المواد الأساسية ولاظهوربعض اشكال التعبيرات المجتمعية في ظل تفشي هذه الجائحة, ما دام المغرب قد تبنى سياسة غذائية استباقية منذ عهود,لمواجهة كل الطوارئ و الظروف. فصندوق المقاصة يتحمل عبء ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية لمعيش المواطنين, و صندوق جائحة كورونا لتدبير هذه الأزمة وتقديم الدعم المالي للأسر المعوزة و المتضررة ,حسب عدد أفرادها و لاسيما الأشخاص الدين انقطعوا عن عملهم, و المسجلين في نظام الضمان الاجتماعي والمسجلين في نظام المساعدة الطبية دون إغفال الفئات العاملة في القطاع الغير المهيكل.هذا الدعم المالي المقدم للفئات المذكورة جاء لتأمين الحياة اليومية للمواطن من احتياجات ضرورية خصوصا ما يتعلق بالجانب الغذائي والصحي. فعموما إن التدابير التي اتخذتها لجنة اليقظة الاقتصادية في هذا الجانب جاءت لتدعم الأمن الغذائي للمواطنين في إطار سياسة غذائية مواكبة.

المطلب الثاني: الادخار السري كممارسة غير تنافسية من التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي في ظل أزمة جائحة كورونا

إن أزمة اليوم, وما يعيشه المجتمع المغربي تحت وطأة الحجر الصحي الإجباري, و الذي فرضته وضعية انتشار جائحة كورونا, فقد يؤدي إلى ظهور أسواق سوداء للمواد الغذائية بل الأدهى من ذلك

هو احتمال تسريب مواد مضرة للسوق, أي ظهور مواد غذائية لا تتوافق مع معايير النظافة, الجودة و الصحة. فالحيطة والحذر ضروريان لمواجهة احتمالات انتشار ممارسات غير تنافسية, وتتمثل خصوصا في الزيادة الغير المشروعة في الأثمان,… والتخزين السري و الادخار و الاحتكار السري للسلع و المنتجات من طرف بعض فئات التجار بالجملة والتقسيط همهم الوحيد تحقيق الربح السريع و الركوب على مثل هذه الأحداث و الظروف الطارئة, ليشكلوا استثناءا لما نص عليه فصل 40 من دستور 2011 , مما يوجب تدخل القانون والقضاء للحد من جشع هؤلاء تجار الأزمة.

 الفقرة الأولى: الحماية القانونية للمستهلك في مجال الادخار السري و الزيادة

الغير مشروعة في الأسعار, في ظل تفشي جائحة كورونا. 

منذ بداية سنوات التسعينات, شرع المغرب في الأخذ بنمط تحديث اقتصاده فالتوجه نحو نظام اقتصاد السوق, لم يكن فقط بهدف تنشيط وتقوية الاكتفاء الاقتصادي, بل أيضا كان بهدف تحسين وتقوية شفافية العلاقات و المعاملات التجارية وحماية المستهلكين, هذا المرمى الأخير تم ترجمته إلى سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى محاربة كل الزيادات الغير المشروعة في الأسعار و الادخار الغير المشروع.

ففي كل الأحوال, ولاسيما خلال هذه الظرفية الصعبة كان من الطبيعي تضافر الجهود و انخراط كل الأجهزة في تنزيل مخطط المواجهة والمشاركة في العملية الإستباقية وآليات اليقظة الوبائية.

تعتبر حماية المستهلك في الدول المتقدمة وكذا في الدول النامية من الإشكالات التي فرضت نفسها في عصرنا الراهن, رغم عمقها المتجذر في تاريخ العصور القديمة, فالتشريعات المقارنة,و التشريع المغربي أوجد حماية جنائية وأخرى مدنية من خلال قانون حماية المستهلك وقانون حرية الأسعار و المناقشة, وما تضمنه قانون الالتزامات والعقود والقانون المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع.

أولا : في الإدخار السري

      لغة : جاء في لسان العرب لابن منظور: الحكر: ادخار الطعام للتربص, وصاحبه محتكر قال ابن سيده: الاحتكار جمع الطعام و نحوه مما يؤكل و احتباسه انتظار وقت الغلاء.

اصطلاحا: عند المالكية (وهو المذهب المتبع في المغرب) عرفه الإمام الباجي رحمه الله:هو الادخار للمبيع  وطلب الربح بتقلب الأسواق.

   شرعا:(موقف الشريعة الإسلامية):حرم الاحتكار لما فيه من تضيق على عباد الله في قول النبي صلى الله عليه و سلم (لا يحتكر إلا خاطئ)وفي حديث نبوي أخر ( من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه).

    قانونا: تعتبر بمثابة ادخار سري وتمنع: حيازة التجار أو أرباب الصناعة العصرية أو التقليدية أو الفلاحين لمدخرات من بضائع ومنتوجات يخفونها قصد المضاربة فيها في أي محل كان.حيازة مدخر من بضائع أو منتوجات ما لأجل البيع لدى أشخاص غير مقيدين في السجل التجاري أوليين لهم صفة صانع تقليدي وفقا للظهير الشريف رقم 194-63-1 الصادر في 5 صفر 1383 (28 يونيو 1963)بمثابة النظام الأساسي لفرق الصناعة التقليدية.

كما يمنع, وتعتبر بمثابة ادخار سري, حيازة مدخرات بضائع أو منتوجات لم يتم التصريح بها كما يلزم القانون بذلك طبقا لمقتضيات المادة 57 من نفس القانون.

فبروز ظاهرة الاحتكار والادخار السري, في زمن كورونا أصبح في تزايد ملحوظ, فكما تتبع المهتمون ما قام به المجلس الجهوي لصيادلة الجنوب في رفع شكاية إلى رئيس النيابة العامة, من أجل التحقيق في اختفاء الكمامات ومحاليل التعقيم من جل الصيدليات بالتزامن مع تسجيل حالات إصابة بفيروس كورونا, حيث عمدت شركات مجهولة وبعض السماسرة إلى إعادة شراء كميات ضخمة من المواد المذكورة الشيء الذي أدى إلى اختفاءها والارتفاع الصاروخي لأثمنتها عند الموزعين, وهو ما يهدد بتقويض الجهود المبذولة في القضاء على هذا الوباء.

مما يدعي تطبيق لمقتضيات فصل 5 من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 104-12 حول حرية الأسعار والمنافسة, وكذا تفعيل مقررات فصلين 62 -66 من نفس القانون والمتعلقين بمحاربة وزجر احتكار السلع و التخزين السري بغرض المضاربة ورفع الأسعار.

ثانيا:في محاربة الغش في السلع

العقوبات الزجرية كذلك يتضمنها ظهير شريف رقم 108-83-1 صادر في 9 محرم 1405 (5 أكتوبر 1984)بتنفيذ القانون رقم 83-13 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع – جريدة رسمية عدد 3777 الصادر 20 مارس 1985 – ص 395 خصوصا الفصل 6 منه الذي يقضي : تطبق العقوبات المقررة في فصل 1 وهي الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات وبغرامة من 1200 إلى 2400 درهما أو بإحدى هاتين العقوبتين. كل من يحوز دون مشروع بالمخازن أو الدكاكين أو المحلات المعدة للتجارة أو المنازل… أو الأقبية أو بمستودعات التبريد

1) مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية يعلم أنها مزيفة أو فاسدة أو سامة.

2)مواد مستعملة للمداولة مزيفة أو فاسدة أو انتهى أجل صلاحيتها.

3)منتجات يمكن استعمالها لتزييف مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية.

 

الفقرة الثانية: حماية المستهلك عن طريق تقنين الأسعار و السلطات المكلفة بالأبحاث.

القانون رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة المنشور في 5 يونيو2000 يلزم المهنيين بضرورة التوفر على فواتير وضرورة إعلام وإشهار أسعارهم وكذا الشروط الخاصة للبيع أو انجاز الخدمة.

فالحماية المطلوبة تستوجب ضرورة: الإشعار, الشفافية و المساواة عند المعاملة, فالواجب هو إعلام المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو بأي طريقة أخرى مناسبة بالأسعار و الشروط الخاصة للبيع.

ونجد المادة 3 من القانون المذكور فإن الإدارة تتخذ تدابير ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين.

لكن متى تكون الزيادة غير مشروعة في الأسعار؟

نكون بصدد الزيادة الغير المشروعة في الأسعار عندما يتعلق الأمر بالبضائع أو المنتجات أو خدمات مقننة الأسعار مثل: الدقيق الوطني للقمح اللين-السكر-الكهرباء-المنتوجات الصيدلية-التحاليل الطبية-جراحة الأسنان-السمك المصنع…

انه حسب فصل22 من القانون المتعلق بزجر الغش فيقضي بإمكانية الإثبات بأي طريقة مفيدة المخالفات للقوانين والأنظمة المتعلقة بقمع الغش.فيما فصل 20 حدد السلطات المكلفة بالبحث عن المخالفات وإثباتها وتحرير محاضر واخذ عينات والقيام عند الاقتضاء بالحجز:

– ضباط شرطة القضائية

-موظفو ومأمورو زجر الغش المحلفون

-المحتسبون في نطاق اختصاصهم

-المأمورون المعتمدون خصيصا لزجر الغش من لدن الوزارة المعنية

ونجد كذلك عدة مؤسسات قانونية تنشط في مجال حماية المستهلك ولاسيما في هذه الظرفية الحالية, ONSSA بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات  الغذائية  ويتعلق الأمر

كمؤسسة عمومية غايتها ضمان سلامة المنتجات الغذائية من المواد الخام إلى المستهلك النهائي ,بما في ذلك المنتجات السمكية والأعلاف الحيوانية,إضافة إلى  واجب تطبيق القوانين واللوائح المتعلقة بالشرطة البيطرية والصحية وتكثيف المراقبة الصحية بهدف تحسين جودة المنتوجات .

وأيضا نجد مراقبي الأسعار والتموين التابعين لوزارة الداخلية,بجميع الأقاليم والعمالات والجهات يسهرون على مدار السنة على مراقبة الأسعار حماية للمستهلك وزجر كل مخالف,كما هو  الحال في ظل تفشي هده الجائحة إذ تم تحرير محاضر زجرية في حق التجار المخالفين وإحالتها على النيابة العامة المختصة,وعلى سبيل المثال:بائع خضر رفع سعر مادة البصل  بشكل غير قانوني.وصيدلاني رفض بيع الكمامات الواقية من الوباء للمواطنين.إضافة إلى تاجر ثالث أقدم على تهريب أطنان من الدقيق .

تدخل السلطات يكون تلقائيا ومباغتا أو عن طريق تلقي الشكايات من طرف كل مواطن متضرر من رفع الأسعار العمدي عن طريق الاتصال بالرقم 5757 الذي وضع لهذه الغاية متى امتد زمن كورونا في المغرب.

ربي اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين وارفع الغمة عن هذه الأمة. رمضان كريم والسلام

تم بعون الله وتوفيقه_ في شهر ابريل من سنة 2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى