في الواجهةمقالات قانونية

الجماعات الترابية ودورها في الحد من تداعيات فيروس كورونا

 

عبد الغفور أيت السي الطيب

طالب باحث في سلك الماستر، كلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة القاضي عياض، مراكش.

الجماعات الترابية ودورها في الحد من تداعيات  فيروس كورونا

 

اتخذت المملكة المغربية مجموعة من التدابير الوقائية بشكل استباقي وإستعجالي للحد من تفاقم الحالة الوبائية لفيروس كورونا حيث سارعت الحكومة إلى إصدار ثلاث مراسيم في ظرف قياسي، مرسوم بقانون  رقم   2.20.293 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها بتاريخ 23  مارس 2020 (1).

-مرسوم رقم 2.20.293 لتنفيذ المرسوم السالف الذكر والمتعلق ب إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا بتاريخ 24 مارس 2020، (2) بالاضافة إلى إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا”، (3) الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أبان عن حنكته باتخاذ عدة إجراءات احترازية وقائية واستباقية من أجل ضمان سلامة الشعب المغربي وحمايته من خطر هذا الوباء الذي عرفه العالم بأسره خلال هذه الفترة الحرجة، حيث أبانت المملكة المغربية عن حكمة كبيرة في تعاملها مع هذه الجائحة ، من خلال الإجراءات التي اتخذتها سواء الحكومة ولجنة اليقظة الاقتصادية وبعض الوزارات منفردة أو مجتمعة عبر بلاغات ودوريات ومناشير، باعتبار هذه الوسائل  أكثر قدرة على تحقيق النجاعة والاستعجال في التدخل والوقاية من تفشي هذا الوباء،

كالبلاغ الخاص باستعمال وسائل التنقل الخاصة والعمومية بين المدن، ودعم أرباب الأسر الذين يعملون في القطاعين المهيكل والغير المهيكل الذين تضرروا من التدابير التي اتخذتها الحكومة ، والبلاغ المشترك بين وزارة الداخلية والصناعة والتجارة بتحديد لائحة الانشطة التجارية والخدماتية الضرورية التي يجب أن تستمر في تقديم خدماتها و منتجاتها للمواطنين، كذلك البلاغ الذي يتعلق باجبارية وضع الكمامات الواقية لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات سكناهم ابتداء من يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020 ، والبلاغ الأخير حول حظر التجوال الليلي بداية ابتداء من فاتح رمضان من الساعة السابعة مساء إلى غاية الخامسة صباحا.

وهكذا، فالسلطات العمومية عندما اتخذت تدابير الحجر الصحي والحد من حرية التنقل ومن ممارسة بعض الانشطة التجارية وغيرها من التدابير المرتبطة بإعلان حالة الطوارئ الصحية، والتي كان من الواجب عليها اتخاذها كتدابير احترازية ضرورية لحماية المجتمع من مخاطر هذا الوباء الفتاك،

فإنها، بالموازاة اتخذت تدابير لضمان حقوق اساسية ضرورية للافراد في ظل وجود حالة الطوارئ، والتي تهدف الى ضمان أمن المجتمع وعيش الأفراد وصحتهم، من قبل ضمان الحق في الحصول على العلاج للمرضى والمصابين، وتنظيم حرية التنقل لأسباب مهنية أو للتزود بالحاجيات الاساسية للمعيش اليومي أو من أجل العلاج واقتناء الأدوية وكل غاية ملحة  أخرى مع ضرورة اتخاذ الاحتياطات الضرورية المعلن عنها سابقا.

إضافة إلى العمل على توفير المواد الغذائية الاساسية والحيوية ، والحفاظ على بعض الأنشطة التجارية والخدماتية الضرورية ، ودعم الحصول على دخل إسثتنائي لفائدة بعض الأجراء وتعزيز الحماية الاجتماعية لهم ولأسرهم، وضمان الحق في الحصول على المعلومة الخاصة بالوضعية الوبائية، واتخاذ التدابير التوعوية والتحسيسية للوقاية من الوباء والحد من انتشاره في كافة التراب الوطني.

وبما أن التنظيم الترابي للمملكة المغربية هو تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة حسب ما نص عليه الفصل الأول من دستور 2011، إلا أننا نتساءل، إلى أي حد ساهمت الجماعات الترابية في الحد من تداعيات كورونا “كوفيد 19″؟

هذه الإشكالية أعلاه تتفرع منها عدة أسئلة هي كالتالي:

ماهو واقع اللامركزية في ظل هذه الظروف؟ وما هي بعض الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية في الميدان الصحي ؟ وما هي بعض الميادين التي على الجماعات الترابية إيلائها أهمية كبرى بعد هذه الأزمة؟

للإجابة على كل هذه الإشكالات وغيرها  سنتبع التصميم التالي:

المطلب الأول: اختصاصات الجماعات الترابية في الميدان الصحي.

المطلب الثاني: الجماعات الترابية في ظل هذه الجائحة:الواقع والآفاق .

 

المطلب الأول: اختصاصات الجماعات الترابية في الميدان الصحي،

إن الوحدات الإدارية اللامركزية المتمثلة في الجماعات الترابية بأصنافها الثلاث غير بعيدة عن هذه المسؤولية في مواجهة هذا الوباء بجانب السلطات العمومية المركزية، نظرا لمكانتها في هرم توزيع سلطات الدولة ونظرا لاختصاصاتها الواسعة ، سواء في ما يتعلق باختصاصات مجالس الجماعات الترابية في الأمراض الوبائية الخطيرة (الفقرة الأولى) أو في ما يتعلق باختصاصات في مجال  الشرطة الإدارية سواء لرجال السلطة أو لرؤساء الجماعات (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : اختصاصات مجالس الجماعات الترابية في الأمراض الوبائية الخطيرة.

للجماعات الترابية اختصاصات متنوعة ومتعددة حددتها القوانين التنظيمية الثلاث (4)، المنظمة لها، هذه الاختصاصات تشمل مجالات عدة موزعة بين تدبير شؤون الحياة اليومية للمواطنين بالنسبة للجماعات عبر تقديم خدمات القرب الاساسية والحيوية ، والاهتمام بالجانب الاقتصادي بالنسبة للجهات، في ما يفترض أن تهتم العمالات والأقاليم بالجوانب الاجتماعية للمواطنين، لذلك فالجماعات بحكم قربها المجالي واحتكاكها اليومي بالمواطنين أسند لها المشرع مسؤولية تقديم خدمات القرب، وخاصة في هذه الظرفية الإستثنائية ، والتي تتطلب من الجماعات مضاعفة الجهود لضمان استمرارية عدد من المرافق التي تديرها عبر اختصاصاتها الذاتية، وهذا ما نصت عليه مقتضيات الفصل الثاني من القسم الثاني من القانون التنظيمي رقم 113.14 المنظم للجماعات، ونخص بالذكر المادة 83 التي نذكر منها :

-ضمان توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والإنارة العمومية لدور هذين المرفقين في الحياة اليومية للمواطنين خاصة في هذه الظرفية الاستثنائية التي تطلب التعقيم ونظافة الاماكن الخاصة والعمومية. -التطهير السائل وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ، تنظيف الأماكن العمومية والساحات العامة والشوارع والأزقة والأسواق اليومية و الأسبوعية…

– تجنيد مكتب حفظ الصحة بالجماعة لمواجهة كل طارئ باتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل المرضى و الأموات ودفنهم، بتنسيق مع السلطات المحلية، مع اتخاذ التدابير الصحية لمحاربة عوامل انتشار الأمراض.(5)

إضافة إلى مقتضيات الفصل 31 من الظهير الشريف رقم 1.11.91  الصادر في 27 شعبان 1432  (29 يوليوز 2011) بمتابة دستور للمملكة المغربية حينما نص على أنه :

“تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة ، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة ، من الحق في:

-العلاج والعناية الصحية؛

– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛

-الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة….”

أما على المستوى الإقليمي والجهوي فمن الإختصاصات التي يمكن أن يمارسها مجلس العمالة أو الإقليم للمساهمة في المجهود الوطني لمحاربة وباء كورونا، ما نصت عليه المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالة أو الإقليم رقم 112.14:

-توفير التجهيزات والخدمات الأساسية خاصة في الوسط القروي؛

-القيام بإنجاز أي مشروع استعجالي اجتماعي فرضته الظرفية ؛

-تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم خصوصا مع ما تستدعيه هذه الظروف من تعليم عن بعد والوقاية وحفظ الصحة؛(6)

وعلى مستوى الجهات فيمكن أن تتدخل في حدود اختصاصاتها للمساهمة في مواجهة الجائحة بشراكة وتعاقد مع باقي مؤسسات الدولة وخاصة في جوانب المساعدة الإجتماعية وفك العزلة بالعالم القروي، عبر برامج استعجالية تهم تنظيم خدمات النقل الطريق غير الحضري  بين الجماعات الترابية داخل الجهة خصوصا بالنسبة للشاحنات المحملة للمواد الأساسية في هذه الفترة الاستثنائية التي تستدعيها المصلحة العامة من أجل تجاوز هذه المحنة.

ومن ثمة، يتضح الدوري المحوري الذي تقوم به مجالس الجماعات الترابية في التقليص من حدة تفشي الوباء، حيث يمكن القول أن الجماعات الترابية بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، تركز دورها أساسا في التحمل المؤسساتي والتضامن التطوعي الجماعي للأعباء في الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، تنفيذا للتوجيهات الملكية القاضية باحداثه ، وتنزيلا للخيارات الدستورية المتمثلة في الفصلين 31السالف الذكر والفصل 40 من دستور 2011 .

الفقرة الثانية : اختصاصات رئيس المجلس الجماعي في الميدان الصحي،

يضطلع رئيس المجلس الجماعي بمجموعة من الاختصاصات التي يمكنه من خلالها دعم المجال الصحي، من خلال العمل على تنفيذ جميع التدابير الرامية إلى ضمان المحافظة على الصحة العمومية من قبيل ممارسته لمهام الشرطة الإدارية.

الأصل العام تعتبر الشرطة الإدارية هي تلك الوسيلة القانونية التي تبيح للإدارة التدخل للحفاظ على النظام العام بكافة مدلولاته،(7)  فإذا كان اختصاص ممارسة الشرطة الإدارية على المستوى الوطني موكولا إلى رئيس الحكومة بمقتضى الفصل 90 من دستور 2011  ،

(8) فإن ممارستها على المستوى الترابي، فقد تم توزيع مهام  الشرطة الإدارية بين رؤساء مجالس الجماعات طبقا  لأحكام المادة 100 من القانون التنظيمي للجماعات من جهة، والعمال أو من ينوب عنهم طبقا لأحكام المادة 110 من جهة ثانية ، فعندما نتحدث عن الشرطة الإدارية فإننا نتحدث عن تلك الوسيلة القانونية التي تبيح للإدارة التدخل للحفاظ على النظام العام بكافة مدلولاته في إطار الاختصاصات المنوطة بها،

حيث يمارس رئيس الجماعة صلاحياته وفق المادة 100 من القانون التنظيمي للجماعات 113.14، في مجال الشرطة الإدارية في ميادين الصحة والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور ولتنظيم الأنشطة التجارية والاقتصادية بتدابير خاصة تتلائم مع الظرفية الاستثنائية ، واتخاذ تدابير احترازية لمكافحة انتشار الأمراض الوبائية  الخطيرة والمساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية ، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص في الميدان الصحي بالصلاحيات التالية:

-السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها. -تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس  بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة  العمومية  أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها.

-السهر على نظافة مجاري المياه و الماء الصالح للشرب وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة.

– اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها…(9)

واللافت في هذه الفترة الحضور البارز للشرطة الإدارية التابعة للسلطة التنفيذية (الولاة والعمال، القواد، الأمن، القوات المساعدة)  من خلال السهر على تنزيل التدابير التي ترمي إلى فرض الحجر الصحي والحد من تنقلات وتجمعات الأشخاص و بإغلاق المحلات المفتوحة للعموم خارج الأوقات المحددة ، و بمراقبة الأسعار وكل التدابير التي تهدف إلى حفظ النظام العام والأمن العموميين، حيث نجد سند الشرطة الإدارية ذات الطابع التنفيذي في أحكام المادة الثالثة من المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية التي نصت على أنه “يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة “، فضلا عن تخويلهم حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة ، بالاضافة إلى المرسوم المحدد لاختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية ، حيث تناط بهذه الأخيرة مهام:” الإدارة الترابية للمملكة والحفاظ على النظام والأمن العموميين.”(10)

كل هذه الاختصاصات والصلاحيات التي  تحددها النصوص القانونية سواء لمجالس الجماعات الترابية أو لرؤسائها تحيل إلى الدور الهام المنوط  بالجماعات الترابية من أجل الحد من انتشار هذا الوباء، ويبقى السؤال مطروحا حول ما مدى عمل هذه  المجالس واقعيا في هذه الظروف الاستثنائية خصوصا إذا أخذنا بعين الإعتبار القرار الصادر عن وزير الداخلية الذي ألغى دورة شهر ماي قرار 6743  بتاريخ 22 أبريل 2020 ،(11) حيث اعتمد قرار إلغاء إنعقاد دورة ماي للمجالس الجماعية على مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، إضافة إلى المرسوم رقم 2.20.330 القاضي بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية.

وهذا ما يمكنه أن يؤثر على عمل مجالس الجماعات، إذ لا يمكن لها اتخاذ إجراءات تتطلب موارد مالية  دون انعقاد الدورة وهو ما سيتم تأجيله إلى ما بعد تجاوز أزمة فيروس كورونا المستجد في جميع تراب المملكة.

المطلب الثاني :الجماعات الترابية في ظل هذه الجائحة:الواقع والآفاق.

أصبح للجماعات الترابية اليوم دورا مهما في مسلسل التنمية المحلية استجابا لمنطقها وللاختصاصات الجديدة المخولة لها، وفقا لما سبق سنحاول في هذا الشق الثاني من موضوعنا تسليط الضوء على واقع الجماعات الترابية في ظل هذه الظروف الإستثنائية التي نعيشها جميعا(الفقرة الأولى) ثم بعد ذلك سنتطرق لأهم آفاق تجويد عمل الجماعات الترابية وأولويات تدبير الشأن العام الترابي في المغرب بعد مرور هذه الجائحة(الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: واقع الجماعات الترابية في ظل هذه الظروف الاسثتنائية.

بالإضافة إلى ضرورة انخراط الجماعات الترابية في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية التي أعلنتها السلطات العمومية الوطنية ، فإن مجالس ورؤساء الجماعات الترابية مطالبون بتعبئة الموارد المادية والبشرية الكافية للمساهمة في محاصرة الوباء من جهة، وضمان المعيش اليومي للأسر التي فقدت مناصب شغلها بسبب توقف عدد من الأنشطة الاقتصادية من جهة ثانية ،

ومن أجل ذلك يجب على الجماعات الترابية إعادة النظر في الأولويات المسطرة وتكثيف ميزانية الجماعات الترابية مع هذه الظرفية، ومن أجل تسهيل مأمورية الجماعات في اتخاذ مثل هذه  المبادرات والسرعة التي تتطلبها الظرفية، أرسلت وزارة الداخلية بتاريخ 26 مارس 2020 منشور للجماعات لإجراء تعديلات في الميزانية وتحويلات في الفصول لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والمطلوبة لمواجهة تداعيات وباء “كوفيد 19″، وبناء على ذلك فالجماعات الترابية مطالبة باتخاذ كل الإجراءات التي املتها الظرفية الخاصة ، كاقتناء الحاجيات والمتطلبات اليومية للمواطنين عبر سندات الطلب أو التفاوض في حالة الإستعجال القصوى،

-اقتناء مواد التعقيم والمطهرات ومواد التنظيف والكمامات وتوزيعها على المواطنين الذين لا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعيات لإقتنائها. -اقتناء المواد الغذائية الأساسية  وتوزيعها على الفئات الفقيرة والتي فقدت مصدر عيشها.

– توفير سيارات الإسعاف وسيارات نقل الأموات و لنقل الحوامل إلى المستشفيات مجانا، بعد توقف النقل الحضري وسيارات النقل العمومي، و تقييد حركة تنقل الخواص.

– الانخراط في الحملات التحسيسية والتوعوية الهادفة إلى شرح مخاطر الوباء وكيفية الوقاية منه.

– مساعدة تلاميذ الوسط القروي في متابعة دراستهم عن بعد.

إن تفعيل أدوار الجماعات الترابية لا يقتصر على النصوص القانونية فقط وإنما يجب أن يترجم بواسطة إجراءات ملموسة تبرهن عن إرادة قوية في التدبير الأنجع.(12)

ومن تمة، يتضح الدور المحوري للجماعات في التقليص من حدة الأوبئة الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد والتقليل من حدة تفشي الوباء انطلاقا من موارد مالية ذاتية وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة.

وفي هذا الصدد، كان مجلس الدار البيضاء قد أعلن أنه تدارس جملة من المقترحات الرامية إلى إجراء تحويلات أو إعادة برمجة للاعتمادات، منها تلك التي تهم بعض مجالات التنشيط ودعم الجمعيات على مستوى ميزانية الجماعة برسم سنة 2020، بما يتناسب مع خصوصيات هذه الظرفية.

وتعمل الجماعات في ظل هذا الوضع على تجنيد موظفيها وكذا عمال الإنعاش الوطني من أجل القيام بعمليات التعقيم في الأحياء والشوارع والساحات العمومية والإدارات، ونظرا للطبيعة التقديرية للميزانية الجماعية والطبيعة الفجائية والمباغتة للأوبئة  وسرعة انتشارها ،  حيث يتعين على المجالس رصد الاعتمادات الكافية للقيام بهذا الدور، وذلك من خلال مجموعة من الأليات التي تسمح بتغيير ملامح الميزانية ، من أبرزها الميزانية المعدلة وإمكانية تحويل الإعتمادات، وقد أصدرت وزارة الداخلية في هذا الصدد دورية تحت رقم f/1248 بتاريخ 28 مارس 2020 تسمح من خلالها لرؤساء مجالس الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها بتعديل الميزانيات دون اللجوء إلى مداولة المجالس، سواء ببرمجة اعتمادات جديدة أو بإعادة البرمجة عن طريق التحويلات وذلك بتنسيق وتأثير سلطة المراقبة .

لهذا يجب على الجماعات الترابية اتخاذ إجراءات استثنائية واستعجالية للحد من تفشي  هذا الوباء والتصدي لتداعياته  الإجتماعية بانخراط مستوياتها الثلاث في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية التي أعلنتها السلطات العمومية الوطنية بتنسيق مع ممثل السلطات الإقليمية والمحلية.

الفقرة الثانية: آفاق تجويد عمل الجماعات الترابية ما بعد الجائحة.

إن هذه الظروف الاستثنائية التي يمر  منها المغرب شأنه شأن باقي دول العالم من تفشي وباء “كوفيد 19″، وعلى الرغم من التدابير الوقائية المتخدة  في هذا الصدد بشكل استباقي واستعجالي للحد من تفاقم الحالة الوبائية لهذا الفيروس، إلا أن أذهاننا تخالجها أفكار متعددة حول تداعيات “كوفيد “19 مستقبلا على الجماعات الترابية في تدبير الشأن العام المحلي، خصوصا في المستويين الاقتصادي و الإجتماعي، لأن ما يلاحظ مع هذه الجائحة هو الحضور القوي للدولة المركزية مقابل تراجع اللامركزية ، في الوقت الذي كان من المفروض تعزيز هذه الاخيرة خصوصا مع تبني خيار الجهوية المتقدمة مع دستور 2011، وأعتقد أنه من بين مظاهر تخلف نظام اللامركزية بالمغرب مخاطبة مختلف أصناف الجماعات الترابية بقرارات ودوريات وزارة الداخلية تحت السلم الإداري للعمال والولاة كأنها مجرد أقسام أو مصالح تابعة لهذه الوزارة ( وآخرها دورية إلغاء الدورة العادية لشهر ماي للجماعات) في حين أن الدستور المغربي يعتبر الجهة والجماعات الترابية الأخرى وحدات  ترابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلالين الإداري والمالي، وبالتالي كان من المفروض مخاطبتها بمرسوم تحدد فيه مختلف الإجراءات التي  تشتغل بها هذه الجماعات طيلة مدة الحجر الصحي، بل كان يجب تعزيز دور الجهات في مواجهة الجائحة  وليس  الإكتفاء فقط بتقديم إحصائيات انتشار الفيروس جهويا.

وعليه، يجب الحد من مركزية المركز حيث أن هذه الجماعات تعززت مكانتها دستوريا وقانونيا وتنظيميا ولم تعد  تحتاج إلى “وصاية” وبالتالي وجب إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المركز و المحلي ،  من خلال الاهتمام بالسياسات الاجتماعية المحلية والسياسات الصحية المحلية ، وبالتالي بعد مرور هذه الأزمة وجب توظيف أطر الصحة في عدد من الجماعات حيث نجد أن عدد من الجماعات لا تتوفر على أطر صحية ويقتصر دورها في الميدان الصحي في أغلب الأحيان على اعتمادات بسيطة تترجم في شراء مواد صحية للمكاتب الصحية البلدية أو شراء مواد التلقيح أو مواد إبادة الفئران (رمز الميزانية 20.30.30.10.13.) ، وعليه يجب إيلاء أولوية للمجال الصحي والتعليمي ما بعد هذه الجائحة.

إضافة إلى ذلك يجب التنصيص على مستوى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على حالة الطوارئ الصحية حيث نجد أن هناك فراغ دستوري في هذا المجال أي  تضمين القوانين التنظيمية بمقتضيات استثنائية يدبر بها الزمن الاستثنائي.

علاوة على ذلك ، يجب أن يكون هناك إصلاح عميق في الجبايات المحلية ، يجب أيضا على الجماعات الترابية الاشتغال على تنمية الموارد الذاتية وعدم الاعتماد على موارد الدولة حيث أن الميزانية المحلية تكون أقل تأثير وضررا من ميزانية الدولة في هذه الظروف، بالموازات مع ذلك، قامت وزارة الداخلية بإصدار دورية تحت رقم 6578 بتاريخ (15 أبريل 2020) حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020  هذا المنشور يحث رؤساء مجالس الجماعات الترابية على تعليق وتأجيل الالتزام بالنفقات غير الضرورية في الوقت الراهن،  لكن مع ضمان تنفيذ النفقات الإجبارية وتلك المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة وآثارها، ويلاحظ أن الدورية ركزت فقط على بعض النفقات الإجبارية، خصوصا تلك التي لها علاقة بضمان استمرارية مرفق الجماعة كرواتب وتعويضات الموارد البشرية ، والنفقات المتعلقة باستهلاك الماء والكهرباء والإتصالات وواجبات الكراء، دون أن تتضمن النفقات المتعلقة بالديون المستحقة، وفي هذا الإطار من المفروض أن يقوم صندوق التجهيز الجماعي على وجه الخصوص بتأجيل تلقي الديون المستحقة له  في هذه الظرفية ، وإعادة برمجة جدوال استهلاك القروض، خصوصا أن مجموعة من المشاريع الملموسة ستعرف توقفا وإجراءات استثنائية ، ثم الدورية لم تذكر ضمن النفقات الإجبارية المتعلقة بتنفيد القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية، في المقابل تم التركيز على النفقات المخصصة لمواجهة جائحة كورونا والمحددة بشكل توافقي بين سلطة المراقبة ورؤساء المجالس المنتخبة. (13)

يجب أيضا إعادة النظر في العلاقة بين السلطة المنتخبة والسلطة المعينة حيث نلاحظ أن هناك حضور قوي للسلطة المعينة على غرار السلطة المنتخبة،

وأخيرا يجب الاستثمار في الرقمنة والتقنية في الإدارة الترابية، حيث أن قوة الدول هو الاستثمار في الرقمنة مع تحديث الأجهزة الإدارية في المجال الترابي بوسائل  حديثة ومتطورة لمسايرة الدول الرائدة في التنمية الترابية من أجل تدبير أمثل وأنجع للشأن العام الترابي.

خلاصات:

إن دور الجماعات الترابية من خلال مجموع الاختصاصات الموكولة لها السابق ذكرها لا يجب أن يقتصر فقط على النصوص القانونية وإنما يجب أن يترجم بواسطة إجراءات ملموسة تبرهن عن إرادة قوية في التدبير الأنجع، حيث ينبغي على جميع الجماعات الترابية الانخراط في المبادرات التي اتخذتها السلطات العمومية ، وأن تعرض على التنسيق الدائم مع ممثلي السلطات المحلية على المستوى الترابي (الولاة، العمال والقواد..)

كما يجب أن تجتهد في كيفية تقديم مساعدات اجتماعية للمتضررين من جائحة كورونا وهذا ما ينبغي أن يكون تحت إشراف السلطات المحلية تفاديا لأي استغلال سياسي للمساعدات الاجتماعية ، وحفاظا على تدابير السلامة الضرورية لمنع انتقال العدوى.

و أحث  الجميع في المشاركة الكاملة للتصدي لمخاطر و تداعيات هذا الوباء، والتي نسجل بكل فخر واعتزاز قيم الوحدة والتضامن والتلاحم لكل الفاعلين وكل القوى الوطنية الحية في هذه الظروف الصعبة و  الاستثنائية التي تمر منها بلادنا كما هو الحال بالنسبة للعديد من دول العالم، والتي تتطلب مزيدا من اليقظة واحترام الطوارئ الصحية من خلال الالتزام بالامتثال التام للتدابير و الإجراءات الاحترازية والوقائية الرامية إلى حماية صحة المواطنين والمواطنات وضمان أمنهم وسلامتهم، لتجنب الوصول إلى مرحلة صعبة ، كما هو الحال بالنسبة لبلدان أخرى لا قدر الله، بحيث ما لا تستطيع الجماعات القيام به يسند لمجالس الأقاليم، وما لا تستطيع هذه الاخيرة إنجازه تقوم به مجالس الجهات، وما تعجز عنه هذه المجالس بمستوياتها تقوم به الدولة .

الهوامش:

( 1) مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية رقم  6867  مكرر بتاريخ 24 مارس 2020.

(2) مرسوم رقم 2.20.293 بتنفيذ المرسوم السالف الذكر والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا في 28 رجب 1441 الموافق (23 مارس 2020) بالجريدة الرسمية عدد 6867  بتاريخ 24 مارس2020.

(3) مرسوم رقم 2.20.269 صادر بتاريخ 21 رجب 1441 الموافق 16 مارس 2020 متعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد 19” الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6865 بتاريخ 17 مارس 2020.

(4) -ظهير شريف رقم 1.15.83 صادر في 20  من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، جريدة رسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015).

-ظهير شريف رقم 1.15.84 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، جريدة رسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015).

-ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، جريدة رسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436(23 يوليوز 2015).

(5) المادة 83 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات.

(6) المادة 78 من القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.

(7) المديرية العامة للجماعات المحلية، دليل الشرطة الإدارية الجماعية، سلسلة دليل المنتخب، الطبعة الأولى،2009.

(8) الفصل 90 من دستور 2011، ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)  بتنفيذ نص الدستور، جريدة رسمية عدد 5964 مكرر 28 شعبان 1433 (30 يوليوز 2011).

(9)  المادة 100 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات.

(10)  المادة الأولى من المرسوم رقم 2.19.1086 صادر في 4 جمادى الأخيرة 1441 (30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية ، الجريدة الرسمية، عدد 6854، ص: 621

(11) دورية وزير الداخلية عدد 6743  بتاريخ  22 أبريل 2020، بشأن إلغاء دورة شهر ماي بالنسبة للجماعات.

(12) فاروق الحجاحي، مقال بعنوان ” أدوار الجماعات الترابية في مواجهة جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19”  منشور في الجريدة الإلكترونية “ألتبريس” بتاريخ 12 أبريل 2020.

(13) الحسن رشدي، مقال بعنوان ” تدبير مالية الجماعات الترابية في ظل جائحة كوفيد 19″ منشور في الجريدة الإلكترونية ” كش بريس” بتاريخ 25 أبريل 2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى