كيفية التمييز بين تاريخ العقد العرفي والتاريخ الثابت للعقد
|
كيفية التمييز بين تاريخ العقد العرفي والتاريخ الثابت للعقد
مقدمة:
يقصد بالعقد العرفي: كل اتفاق يتم تحريره من لدن طرفيه أو يتم صياغته لفائدتهما من طرف شخص أخر من غير الأشخاص المكلفين بتحرير العقود الرسمية (كالعدول أوالموثقين).
وعليه فإن هذا النوع من العقود يمكن استخدامها في كافة المعاملات المدنية منها والتجارية، على اعتبار أن المشرع المغربي لم يلزم تحرير العقود الرسمية بشأنها ومن بين المعاملات التي يجوز فيها إبرام عقود عرفية على سبيل المثال لا الحصر:
- المنقولات بشتى أنواعهاعند رهنها أو هبتها أو قسمتها.
- كراء المحلات المعدة للسكنى أو لممارسة نشاط مهني.
- إيجار المحلات والعقارات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي.
- عقود تأسيس الشركات المدنية والتجارية مالم يكن من بين حصتهاأموالا عقارية.
- بيع الأصول التجارية وهبتها ورهنها وتقديمها حصة في شركة إلا ما ستثنى من ذلك بنص خاص, كبيوع الأصول التجارية التي يكون محلها صيدليات حيث نصت المقتضيات المتعلقة بمهنة الصيدلة على إبرامها في عقود رسمية.
- الوكالات مهما كان موضوعها إلا ما استثنى منها بنص خاص، كالوكالات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية التي تنص عليها المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية.
وبعد هذه التوطئة للعقد العرفي وبيان جوانب تطبيقاته ننتقل إلى :
أولا : شروط العقد العرفي
يشترط في العقد العرفي :
- أن يكون موقعا من طرف المتعاقدين ومن طرف المحامي في حالة إبرامه تحت إشراف هذا الأخير.
- أن يكون التوقيع بيد المتعاقد أو الشخص الملزم نفسه.
- أن يتم التوقيع في أسفل العقد.
- أن لا يحل الطابع أو الختم مقام التوقيع.
- أن لا يكون صاحب التوقيع أميا (حسب القانون ) أو جاهلا للغة التي حرر بها العقد(حسب ما استقر عليه لإجهاد القضائي) فالمحررات المتضمنة لالتزامات أشخاصأميين لا تكون لها قيمة قانونية إلاإذا تلقاها العدول أو الموثقون أو غيرهم من الأشخاص المأذون لهم ذلك.
ثانيا :كيف يتم التمييز بين تاريخ العقد العرفي والتاريخ الثابت للعقد
بالعودة للفصل 425 ق.ل.ع فإن المحررات العرفية لا تكتسب تاريخا ثابتا إلا:
- من يوم التأشيرة و المصادقة عليها من طرف موظف مأذون له بذلك من طرف قاض سواء في المغرب أو الخارج.
- من يوم تسجيلها سواء أكان ذلك في المغرب أو الخارج.
- إذا كان تاريخ ناتجا عن التوقيع الالكتروني المؤمن الذي يعرف بالوثيقة و بموقعها وفق التشريع الجاري به العمل.
و للتمييز أكتر بين هاذين المفهومين، وحتى نكون تطبيقيين اكثر من نظريين لانه ما يهمنا في الواقع العملي هو العمل التطبيقي، أما المحتوى النظري الورقي فهو جامد في رفوفه لذا نستعرض المثالين التاليين:
المثال الأول:
لنفترض أن شخصين أبرما عقد كراء بمحرر عرفي وأغفلا الإشارة فيه لتاريخ إبرامه، ثم قاما يوم 6 مارس 2019 بالمصادقة على توقيعهما، في هاته الحالة يعد يوم 6 مارس2019 مبدئيا هو تاريخ العقد، ويعتبر اتفاقهما مكتسبا التاريخ الثابت ابتدءا من ذلك اليوم، بفضل تضمنه لتاريخ المصادقة المدرج بالعقد من طرف موظف مأذون له بذالك.
المثال الثاني:
لنفترض خلافا لما سبق أن الشخصين المشار إليهما أعلاه أبرما عقد الكراء، و أشارا فيه إلى أنه يوم 6 مارس 2019 لم يقوما بالمصادقة على توقيعهما، أو تسجيل هذا العقد، في هاته الحالة يعتبر العقد مؤرخا ولكنه غير مكتسب لتاريخ تابت .
ويتضح من خلال هذين المثالين أن ثبوت العقد لم يقرره المتعاقدين بمجرد تأريخهما للعقد، وإنما تم اكتسابه بالطرق المحددة قانونا.
و من هنا علمنا دور المديرية العامة للضرائب في حماية وحفظ كل الاتفاقات التعاقدية، التي يتم تسجيلها بالمصلحة و إعطائها تاريخ تابت.
ثالثا : ما الغاية من التمييز بين التاريخ المكتوب على العقد من طرف المتعاقدين و التاريخ التابت للعقد.
لقد توخى المشرع من هذا التمييزترتيب الآثار التالية:
1- إعتبار تاريخ العقد المكتوب من طرف المتعاقدين ملزما لهما و لورثتهم وخلفهم الخاص، و دليلا على وجود الإلتزامات التعاقدية المبرمة بينهم، ابتداءا من يومه.
2- عدم إعتبار تلك الالتزامات موجودة بالنسبة لغيرهم وعدم جواز الإحتجاج بها في مواجهتهم،إلا من يوم إكتساب العقد تاريخا تابتا بعد تسجيله بمديرية الضرائب.
و بالعودة للمجال التطبيقي و لمعرفة الواقع العملي لنعرض مثال:
مثال:
لنفترض أن لدينا عقد بيع أصل تجاري أبرمه المتعاقدان في 10 أكتوبر 2018 و تمت المصادقة عليه بتاريخ 29 دجنبر 2018.
في هاته الحالة يعتبر التاريخ الأول ( أي 10 أكتوبر 2018 ) ملزما بالنسبة للمتعاقدين و ورثتهم وخلفهم الخاص، إلا انه لا يمكن لهؤلاء الأشخاص إلزام غيرهم بما يتضمنه هذا العقد، إلا إبتداءامن يوم 29 دجنبر 2018، ولعل العبرة في تبريره في إحتمال تعرض تاريخ العقد العرفي للتحريف، الذي قد يضر بمصالح الغير بسبب تعذر تأكدهم من وجود ذالك العقد، إلا من خلال التاريخ التابت الذي يكتب أو يطبع على العقد من طرف جهة، بمثابة تسجيله مثلا أوعلى توقيعه.
غير أنه بعد تسجيل العقد أو المصادقة عليه، فهنا لا يحق للغير إدعاء أن هذا العقد لم يكن موجودا بذلك التاريخ التابت، من أجل التهرب من الآثار التي قد ينتجها في مواجهتهم.
هنا و تجب الإشارة إلى أن عدم جواز مواجهة الغير بتاريخ العقد المكتوب المصرح به من لدن المتعاقدين، لا يسقط حق الغير في التمسك به كل ما كانت المصلحة في التشبت به لإتبات حقوق مستحقة له إبتداءا من ذالك التاريخ و ليس فقط من يوم إكتساب العقد تاريخا ثابتا، و هو ما سنوضحه في المثال الأتي:
رسوم التسجيل تستحق على العقود و التفويتات داخل أجل شهر من تاريخ إبرامها، لذلك إذا افترضنا أن شخصا قدم لإدارة الضريبة عقد شراء أصل تجاري غير مؤرخ من لدن المتعاقدين و حامل لتاريخ تابت من خلال المصادقة عليه يوم 29 دجنبر 2018، و أنه من خلال إطلاع هاته الإدارة على ملف نزاع بين البائع و المشتري تبت لها بتصريحهما أمام القضاء بأن الشراء المذكور قد تم يوم 10 أكتوبر 2018.
وعلى ضوء هذا التصريح لن تلزم تلك الإدارة باستخلاص رسوم التسجيل على هذا البيع إبتداءا من يوم التاريخ الثابت للعقد أي 29 دجنبر 2018، و إنما إبتداءا من التاريخ الذي صرح بها المتعاقدان أي 10 أكتوبر 2018 لأنه التاريخ الأنسب لها، بحكم ما ترتبه على المتعاقدين من أداء الغرامات و ذعائر إضافية بسبب عدم تسجيل العقد داخل أجل شهر، كما يحق لهاته الإدارة المطالبة بأداء لكل الواجبات الضريبية، حتى ولو كان التصريح المدلى به أمام القضاء يفيد بأن البيع آنذاك كان مجرد بيع شفوي و لم يحرر بشأنه عقد مكتوب، و ذلك تماشيا مع مقتضيات مدونة الضرائب، و خاصة الفصل 127 من نفس القانون الذي يفرض حق الخزينة على كل التفويتات العقارية داخل أجل شهر من تاريخ إبرامها سوءا كانت تلك التفويتات شفوية أو كتابة.
نختم بطرح تساؤل حول التاريخ الذي يمكن الاعتداد به إذا كان العقد العرفي غير مؤرخ من طرف المتعاقدين و يحمل تواريخ مصادقة على عدة توقيعات متفاوتة زمنيا؟
في هاته الحالة يعتبر تاريخ آخر مصادقة على التوقيع هو تاريخ العقد، و يعتبر الإتفاق المبرم مكتسبا لتاريخ ثابت ابتداءا من نفس اليوم، و بالتالي تعتبر الإتفاقات التي يتضمنها العقد موجودة بالنسبة للمتعاقدين و الغير، ما لم يتبت الغير أن الوقائع المنشئة لحقوقه سابقة لهذا التاريخ .
رابعا : القوة التبوتية للعقد العرفي
للعقد العرفي نفس قوة الإتبات المقررة للعقد الرسمي بين المتعاقدين، سواء فيما يخص الإتفاقيات و الشروط الواقعة بينهما أو الأسباب المذكورة في العقد الوقائع التي لها إتصال مباشر بجوهره، ويجب على المتعاقد الذي يدعي عدم اعترافه بالعقد العرفي الذي يحتج به عليه، أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه.
فإن لم يفعل اعتبر العقد معترفا به من طرفه ومثبتا لما يتضمنه من حقوق في مواجهته.
إذا كان العقد العرفي تابت التاريخ، اعتبر حجة قاطعة وذي قوة تبوتية حتى على الغير، بالنسبة للوقائع و الإتفاقات التي يتضمنها، إلى أن يطعن فيها بالزور.
خامسا: متى تكتسب نسخ العقود العرفية نفس قوة الإتبات التي لأصولها ؟
لا تكتسب النسخ المأخودة عن أصول العقود العرفية قوة الإتبات التي لأصولها، إلا بعد الإشهاد على مطابقتها لتلك الأصول من طرف الموضفين الرسميين المختصين بذالك كالعدول المكلفين بالإشهاد على مطابقة النسخ للأصول المقدمة لهم رفقتها.
و من تمة فإن الصور أو النسخ الفوتوغرافية (فوطوكوبي) غير المستوفية لهذا الإجراء لا يمكن الإعتماد بها كحجة على وجود الإتفاقات أو الحقوق المدعي به.