مشروع قانون رقم 22.20 اشكاليةالموازنة بين حرية التعبير في فضح الفساد ،وحمايةالسمعة الشخصية.
ذ: محمد الزكراوي
باحث في الشؤون الادارية و القانونية
مقال بعنوان:
مشروع قانون رقم 22.20 اشكاليةالموازنة بين حرية التعبير في فضح الفساد ،وحمايةالسمعة الشخصية.
.
مقدمة: من المسلمات الادبية، و الفلسفية وحتى الحقوقية منها، اعتبارحرية الرأي التعبير، حق طبعي لكل انسان،فمنذ فجر التاريخ ارتبط هذا الحق بوجود الانسان شرعا ،وارتبط نفاذه بما يتجاوز حدود الزمان والمكان ،، وفي وقت لاحق تمت حماية هذه الحقوق قانونياً بمجموعة من المعاهدات الدولية والإقليمية،ولا شك ان المغرب كبلد شاء له ان يختار سياق عمل مؤسساته على بيان من الحقوق التي يكفلها الدستور الذي جعل من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها ،تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، كما عمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة،بل الاكثر من ذلك جعل من تلك الحقوق مضمنة في التصدير، الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الدستور.
فحرية الرأي و التعبير ُتعد سلطة ايجابية داخل منظومة الدولة الاجتماعية،إذ لا يمكن القيد منها الا في حالات شادة ،بيد أن القيود التي تفرض عليها، يجب أن تكون منظمة بموجب القانون، وأن يكون هدفها حماية المصالح العامة أو حقوق الآخرين، وأن تكون ضرورية بوضوح لهذا الغرض.
وفي هذا السياق،وعلى غرار ما جاء به مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة،هذا المشروع الذي ارتأى اصحابه ،تقزيم حدود حريات المواطن، وتكميم افواه شعب طالما غنى للحرية ودافع عنها بشكل مستميت ، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال. وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن أرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.
المبحث الاول:تقاطع احكام مشروع قانون مع مبادئ الحقوق والحريات في الدستو
المطلب الاول:الاصل في المبدأ الدستوري حماية الحقوق والحريات
لا يجادل احد من الحقوقيين والمهتمين بالشأن الدسنوري ،في كون السيادة تعود للأمة، و تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها،حيث تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم،كما انه من بين اهم القيم الدستورية في النظم الديمقراطية العتيذة ،ان
يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينه، فالأصل في الحقوق التي يكفلها الدستور ، أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمي يجعل بعضها أقل شأناً من غيرها، أو في مرتبة أدنى منها، بل تتكافأ في أن لكل منها مجالاً حيوياً ،لا يجوز اقتحامه بالقيود التي تفرضها النصوص التشريعية،بحيث
لا يجوز مخالفة الضوابط و القواعد و الفصول الاولى من الدستور، والقائمة على حماية حق الرأي ،و حرية التعبير، والأخلاق الوطنية باعتبارها أساس المجتمع، و حيث إن المواد الدستورية تكمل بعضها البعض،فلا يمكن تجزيئها وفصلها عن بعضها البعض،ذلك ان الأصل في النصوص الدستورية انها تفسر بافتراض تكاملها، وباعتبار أن كل منها لا ينعزل عن غيره، ويتعين بالتالي التوفيق بينها، بما يزيل شبهة تعارضها، ولا يستوي ذلك التوفيق أن يكون بوضع قيود إضافية لم يشير إليه النص الدستوري،وفي هذا الصدد،تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة، فأي تشريع في هذا المجال يجب أن يراعي ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، في نطاق المسؤولية، ومن ضمنها حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها، ورفضها لأي مقتضيات تشريعية ،تتعارض مع ممارسة هذه الحريات المقررة والمكفولة دستوريا.
المطلب الثاني: تقاطع احكام مشروع قانون مع مبادئ الحقوق والحريات في الدستور
من المعلوم ان الدستور يسمو على كافة القواعد القانونية، ويعتبر ركيزة للبناء القاعدي للنظام القانوني، ويتمتع بالسيادة على كافة أجزاء هذا البناء، هذا بشكل نظري، ولكن تجربة السنوات الماضية تثبت أن هناك ممارسات عملية قادرة على تعطيل الدستور، خاصة عندما تختار الحكومات، أن تغلب نص دستوري على الآخر، تحت شعار حماية مصلحة المجتمع، وبما يجعل مصلحة الفرد وحريته في مرتبة تالية من الأهمية،وهو ما جسدته الحكومة مؤخرا في مشروعها القانوني رقم 22.20، والذي لا يمكننا القول بشأنه سوى انه مشروع جسد للرجعيةالقانونية ،وأفرغ المنطق الدستوري من محتواه، و روحه، ذلك ان الدساتير المغربية المتعاقبة، قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1962 على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها،قصدا من الشارع الدستوري أن يكون لهذه الحريات والحقوق قوة الدستور وسموه على القوانين العادي ، وحتى يكون النص عليها في الدستور قيدا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، فتارة يقرر الدستور الحرية العامة ويبيح للمشرع العادي تنظيمها لبيان حدود الحرية وكيفية ممارستها، من غير نقص أو انتقاص منها، وطورا يطلق الحرية العامة إطلاقا يستعصي على التقييد والتنظيم ، فإذا خرج المشرع فيما يضعه من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية وردت في الدستور مطلقة، أو أهدر أو انتقص من حرية تحت ستار التنظيم الجائز دستوريا، وقع عمله التشريعي مشوبا بعيب مخالفة الدستور،
وحيث إن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات”، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في الفصل 2 منه، وقررت مضمونه الدساتير المغربية السابقة عليه بدءا بأول دستور عرفه المغرب، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن تكون للشعب – ممثلا في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن تكون للشعب أيضا بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء ، لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات ،وفضلا عن ذلك فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية، وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة، وعلى هذا المنوال صار الفصل 25 من الدستور ، حيث اقر
بحرية الفكر والرأي والتعبير معثبرا اياها مكفولة بالحماية الدسنوربة بكل أشكالها (حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني).وفي نفس المرمى نص الفصل 28 على كون
حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية ،فللجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة، فالسلطات العمومية مطالبة بتشجيع تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.
فمشروع القانون رقم 22.20 ،يعثبر في رأينا مسا خطيرا” بحرية الرأي والتعبير، ويمثل “تراجعا واضحا” على المكتسبات التي حققها المغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان،كما يعد خرقا سافرا” للحق في المعلومة كإحدى الحقوق الأساسية الذي يقرها دستور المملكة خصوصا في مادته 27.
المبحث الثاني:اشكالية الموازنة بين حريةالتعبير في فضح الفساد وحماية السمعة الشخصية
المطلب الاول :اشكالية الموازنة بين حريةالتعبير في فضح الفساد وحماية السمعة الشخصية
من المبادئ التي لا يمكن ازاحتها عند التعامل مع نصوص حرية الرأي والتعبير، يأتي على رأس هذه المبادئ عدم جواز فرض أي قيود إضافية على الضوابط التي أوضحها الدستور والمرتبطة بحرية الرأي والتعبير، نظرا لأن الأصل في الدستور هو تشجيع الأعمال باسهام المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، من خلال التعبير عن ارائه بكل حرية، وليس فرض قيود جائرة عليه، فإذا كان مشروع قانون رقم 22.20 ، من خلال
المادة 14 ينص على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات و/أو غرامة مادية بحق من يدعون إلى مقاطعة “بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات”، بينما تنصّ المادة 16 على عقوبة السجن من 3 أشهر إلى سنتين و/أو غرامة مادية بحق كل من قام عمداً “بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً”، فجوابنا عن ذلك يكون بالقول انه ،لما كانت حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون أن تجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع ،واﻻ اعثبرنا انفسنا، امام قانون يقيد من نص دستوري، ويضع ضوابط مطاطة بحيث يصعب تفاديها،بحيث إذا استرجعنا المفهوم الواسع للدستور سنرى أن مضمون القواعد الدستورية تسمو بطبيعتها على مضمون القواعد القانونية، وطبقا لنهج القضاء المغربي الدينورب والعادي، في التعامل مع القوانين المخالفة للدستور، سيكون من الاحرى نسخ هذه القوانين وتعطيلها ، إعلاء لمبادئ الدستور و نصوصه، او على الاقل أخذ هذه المواد التي رأت محاكم عادية مخالفتها للدستور بعين الاعتبار، حين تُعرض على المحكمة الدستورية،فبدلا من اقرار مشاريع قوانين تضرب عرض المكتسبات من الحقول فالاجدر،اقرار قوانين تنص على معاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي ، طبقا للقانون، ومنع كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات،فتجويد التشريع يكون اخدا بالموازنة بين الحق والواجب، الذي يقتضي
ان يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية،عن طريق مؤسسات النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فجميع المواطنات والمواطنين ملزمون، باحترام الدستور، والتقيد بالقانون ، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات،ذلك ان تحقيق شروط الموازنة بين حرية التعبير والحقوق الشخصية بالسمعة، يقتضي، بأن لا توضع كفة حرية التعبير بإقتصارها فقط على الحقوق المدنية والسياسية، بل تشمل أيضاً اعتبارات التنمية وما يستتبعها من حقوق اجتماعية واقتصادية،وهو ما تم التنصيص عليه بموجب
المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ومضمونها،حيث أوجبت هذه المادة ،على الدول، أخذ التدابير المناسبة لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون الى القطاع العام على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس في ما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه، عبر تدابير عديدة، ومنها خاصة ما يضمن تيسّر حصول الناس فعلياً على “المعلومات” واحترام وتعزيز وحماية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها،فعلى من يتعاطى الشأن العام أو يمارس سلطة عامة يتخلى حكماً عن جزء من الحماية المتوفرة للأشخاص العاديين ويخضع لمراقبة الرأي العام بكل أفعاله المتعلقة بوظيفته، ولا بد له من إظهار نسبة أعلى من التسامح ، أما تحصين مسؤولين عموميين إزاء الاتهام الإعلامي، فليس من باب الحكمة القانونية، ما دام ثمة احتمال أن يكون اتهامهم محقاً.
المطلب الثاني: ضمانات القضاء في تحقيق الموازنة بين حمابة حرية الرأي والتعبير والسمعة الشخصية
من المبادئ الدستورية التي اقرها الدستور المغربي انه ،يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور،كما يضيق الفصل 36 على انه
يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي، فعلى السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات كما،يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
وهناك مبادئ وقواعد عامة تكون بمثابة مرجعيات للمحاكم في التصدي لمفهوم حرية التعبير، فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ملزم للمحاكم لتوقيع الدول عليه والتي تنص على :1- لكل انسان حق في اعتناق اراء دون مضايقة
2- لكل انسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضرب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين دون اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او باية وسيلة اخرى يختارها ،
وتستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة المشار اليها اعلاه، واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية لاحترام حقوق الاخرين او سمعتهم او لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة ،وعليه و وفقا لهذا النص، فان القيود المفروضة على حرية التعبير والتماس المعلومات والافكار شرط سندها، ان تكون هذه القيود محددة في نص القانون، اي ان يتم ذكرها وان تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لاتمس جوهر الحرية وفي النهاية، فان المحاكم القضائية هي التي تحدد فيما اذا كانت حرية التعبير تنتهك قيدا ما او لا عبر تأويلها لجوهر القيد ومداه،وقد،استقر القضاء المغربي ،على أن الأصل في دور القاضي العادي هو استبعاد النصوص التشريعية المخالفة للدستور، ويتجلى ذلك من خلال حيثيات الأحكام التي تصدر، إذ أن للحكم منطوق يبدأ بالديباجة المعروفة وهي “حكمت المحكمة …” ويأتي في أخر الحكم القضائي، وتسبقه الحيثيات أو أسباب هذا الحكم بمعنى أكثر تفصيلا، وترجع أهمية الحيثيات إلى حماية أطراف الدعوى من تحكم القاضي، بإلزامه الكشف عن العلة القضائية والاسباب التي انتهت به الى هذا القضاء، فضلا عن أن جميع ضمانات المحاكمة المنصفة، لا دليل على احترامها الا اسباب الحكم، وبخصوص تفسير التشريعات ونصوص الدستور وإنزالها على وقائع الدعوي، فلن يكشف عنها سوى هذه الحيثيات، لذلك نرى انه، وجب على المحاكم أن تطبق حكم الدستور وتغفل حكم القانون، وذلك إعمالا لمبدأ سيادة الدستور، وسموه على التشريعات الاخرى، فالنصوص التشريعية لا تصاغ فى الفراغ، ولا يجوز انتزاعها عن واقعها محددًا بمراعاة المصلحة المقصودة منها، وهى تعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص فى فلكها، ويفترض دومًا أن المشرع رمى إلى بلوغها متخدا من صياغته للنصوص التشريعية سبيلاً إليها، ومن ثم تكون هذه المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعى وإطارًا لتحديد معناه،وهذا ما جسده القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على اعتبار أنه أجاز نشر مراسلات خاصة عند اتصالها بمصلحة عامة ذات شأن،فإذ كان مشروع
القانون رفم 22.20 المرتقب، يجد سنده المرجعي في “ملاءمة القانون المغربي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد المصادقة على اتفاقية بودابست بتاريخ 29 يونيو (حزيران 2018)”
فإنه وإن كان من المقرر طبقا لقواعد القانون الدولي العام، بأن المعاهدات الدولية التي يتم إبرامها والتصديق عليها واستيفاء الإجراءات المقررة لنفاذها لها قوتها الملزمة لأطرافها، وأن على الدول المتعاقدة احترام تعهداتها المقررة بمقتضاها طالما ظلت المعاهدة قائمة ونافذة، إلا أن ذلك لا يضفي على المعاهدة حصانة تمنع المواطنين من مناقشتها ونقدها وإبداء رأيهم فيها، ذلك أن حرية التعبير عن الرأي – بما تشمله من إباحة النقد – هي حرية عامة دستورية مقررة بنص المادة 25 من الدستور، جيث لكل مواطن أن يمارسها في حدودها المشروعة.
المراجع:
* ظهير شريف رقم 58-07-1 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 بنشر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003 (ج. ر. بتاريخ 8 محرم 1429 – 17 يناير 2008).
* مشروع قانون رقم 22.20
*المفكرة القانونية (الحكم الصادر في 26-11-2014 عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف)
* الدستور المغربي
المحكمة الدستورية العليا المصرية
* قضية رقم 44 لسنة 7 قضائية المحكمة الدستورية العليا
*القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 12-4-2012
*القرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف في 26-11-2014: واجب الدولة ضمان مشاركة المواطنين النشطة في فضح الفساد