في الواجهةمقالات قانونية

عوارض تحصيل الديون الضريبية

 

 

أحمد العلولي

طالب باحث في القانون العام بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس،

باحث في التقنيات الضريبية و الجبائية.

 

عوارض تحصيل الديون الضريبية

مقدمة:

تعتبر عملية الاستخلاص من أكثر العمليات الحساسة التي تستأثر باهتمام المدينين الذين عادة ما يأخذون مواعيد تسديدها بعين الاعتبار و يدخلونها في برامجهم و حياتهم الخاصة. لذا لقد منح المشرع لمرحلة التحصيل أهمية بالغة و خول الجهة المكلفة سلطات واسعة من أجل ضمان تحصيل الضرائب و الإيرادات اللازمة للنفقات العامة، باعتبارها تعبير عن طبيعة و نوعية العلاقة التي تربط الدولة بمواطنيها المدينين، فضلا عن كشفها لتمثلات المشرع للملزمين بالإضافة إلى تجسيدها لاختياراته التشريعية من حيث دقتها ووضوحها و بالتالي فعاليتها، و من حيث الأهداف المرصودة و المتمثلة أساسا في رفع نسب التحصيل و الأليات و الوسائل المستعملة و بالتالي نجاعتها.

واذا كان التحصيل وفق تصور المشرع يمثل في مجموع العمليات و الإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها و المؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل، أو ناتجة عن أحكام و قرارات القضاء أو عن الاتفاقات[1].  فأن هذه المرحلة- التحصيل الضريبي La phase du recouvrement- قد تعرف مجموعة من العراقيل و العوارض  التي تحد من فعالية هذه العملية و تحول دون تحقيق الفعالية المنشودة و بالتالي تؤثر بشكل مباشر على المردودية الضريبية و تعرض حقوق الدولة للخطر المتمثل في تعطيل تنفيذ برامجها التنموية[2]. و لقد جاءت مدونة تحصيل الديون العمومية في سياق متميز خاصة و أن الحقل المالي و خاصة الضريبي بالمغرب قد شهد مجموعة من المتغيرات و أصبح من الضروري تحديث أساليب و تقنيات التحصيل الضريبي و لتضع حدا للنقائص التي كانت تشوب ظهير 1935.

ورغم أن مدونة تحصيل الديون العمومية قد نجحت في تغطية بعض النقائص التي كان يعرفها الظهير السالف الذكر و ذلك بالإحاطة بمختلف مراحل التحصيل وتوضيح مساطره، إلا أن  و بعد مرور أزيد من 20 سنة على دخول المدونة حيز التنفيذ أبان الواقع العملي على مجموعة من النواقص و الإشكالات التي من شأنها أن تؤثر على المردودية الضريبية، و تتجلى بالخصوص في معرفة ما هي أهم عوارض أداء الدين الضريبي؟ و كيف تعامل المشرع المغربي مع الإشكالات التي تعترض عملية التحصيل؟

لمعالجة هذه الإشكالية سيتم تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين كالآتي: العوارض القانونية لأداء الدين الضريبي (المبحث الأول)، وعوارض أداء الدين الضريبي المتعلقة بمباشرة إجراءات التحصيل الجبري (المبحث الثاني)

المبحث الأول: العوارض القانونية لأداء الدين الضريبي

إن الباحث في ميدان تحصيل الديون العمومية سيلاحظ أن هذه الأخيرة بقدر ما حققت مجموعة من الأهداف كتبسيط المساطر المنظمة لعملية التحصيل و جعلها تواكب التطورات و المستجدات القانونية و الحقوقية و كذلك تقوية حقوق الملزمين، إلا أن لم تسطيع أن تضع حدا لمجموعة من الإشكالات القانونية العميقة خاصة و أن مجموعة من النصوص تتسم بالإبهام و الغموض(المطلب الأول)، أو تلك المرتبطة بالمساطر الخاصة بصعوبة المقاولة ( المطلب الثاني)، و التي تعترض أداء الدين الضريبي.

المطلب الأول: عوارض الأداء المرتبطة بغموض بعض النصوص القانونية

تثير بعض مقتضيات مدونة التحصيل العديد من الإشكالات سواء تلك المتعلقة بتنازع الاختصاص (الفقرة الأولى)، أو تلك المتعلقة بتنظيم الإشعار للغير الحائز (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الإشكال المتعلق بتنازع الاختصاص

من أهم و أبرز الملاحظات التي يمكن مؤاخذتها عن واضعي مدونة التحصيل الديون العمومية هو عدم الانتباه للإشكال الذي يطرحه تطبيق نصوصها أمام المحاكم، فهي تارة تنص بصفة صريحة على المحكمة المختصة[3]، فقبل إحداث المحاكم الإدارية كان يرجع اختصاص الدعوى في المنازعات الضريبية إلى المحاكم الابتدائية التي كانت تنظر في المواد المدنية و التجارية و الإدارية، لكن الأمر اختلف الأمر عند إحداث القضاء المتخصص ” المحاكم الإدارية”،  حيث ظلت المدونة تنص بصفة صريحة على المحكمة المختصة للبت في النزاع و تارة أخرى تكتفي بالإحالة على قانون المسطرة المدنية أو مدونة التجارة، و هو ما يخلق عدة إشكالات في تحديد الجهة المختصة للبت في قضايا التحصيل خاصة و أن إجراءات هذا الأخير تتخللها عدة مجموعة من المساطر المعقدة و التي بإمكانها أن تخلق نزاعات أمام القضاء، و كمثال على ذلك ما تنص عليه المادة 67 من المدونة فيما  يتعلق بحجز و بيع العقارات و التي تنص على ”… يتم حجز العقارات وبيعها من طرف أعوان التبليغات والتنفيذات القضائية طبقا لأحكام الظهير الشريف بمثابة قانون بتاريخ 11 من رمضان 1394 (28 سبتمبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية[4]”.

فحسب مقتضيات المادة المذكورة فان الجهة المذكورة هي المحكمة العادية- الإبتدائية- و ذلك من خلال إحالتها على قانون المسطرة المدنية، مما يجعله متعارضا و مقتضيات المادة 141 من مدونة التحصيل و التي تسند الاختصاص و بصفة صريحة إلى المحاكم الإدارية[5]، و نفس الملاحظة يمكن إبداءها بالنسبة لمقتضيات المادة 68 المتعلقة بحجز و بيع الأصول التجارية فرغم كون المحكمة التجارية هي صاحبة الاختصاص، إلا أنه قد يحدث أن يقوم القابض بحجز المنقولات فقط  فيتقدم الملزم إلى المحكمة الإدارية لطلب إيقاف إجراءات بيع تلك المنقولات بدعوى أن ذلك من شأنه الانقاص من قيمة الأصل التجاري، و بالتالي المطالبة ببيع الأصل التجاري برمته أمام المحكمة التجارية.

و نفس الشيء بالنسبة للإكراه البدني بحيث إن طلب وقف مسطرة الإكراه البدني في الديون العمومية يعد من أبرز أوجه تنازع الاختصاص التي يعرفها هذا النظام، و هو يكتسي أهمية كبير بالنظر لنوعية الجهة القضائية المختصة التي تتجاذب هذا الاختصاص بين من يرى أن القضاء الإداري هو المختص مستندين في ذلك إلى المادة 141 من المدونة، و من يرى بأن القضاء العادي هو المختص مستندين في ذلك إلى المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية و التي تستثني الحالة المتعلقة بتحديد الإكراه البدني التي  منح الاختصاص بشأنها لرئيس المحكمة الابتدائية، و كذا مقتضيات المادة 643 من قانون المسطر الجنائية و هو ما يشكل تداخلا واضحا في الاختصاص حيث من شأنه أن ينعكس و يؤثر على المردودية الجبائية.

الفقرة الثانية: المشكل المرتبط بعدم تنظيم الإشعار الغير الحائز

في اطار توسيع الضمانات الممنوحة للخزينة من أجل استخلاص الديون العمومية، و خاصة فيما يتعلق بالضرائب و الرسوم، مكنت مدونة تحصيل الديون العمومية المحاسب المكلف بالتحصيل من متابعة الغير الحائز على الأموال المملوكة للمدين الأصلي و هو ما يعرف بالاشعار للغير الحائزL’avis à tiers détenteurs، باعتباره من الإجراءات التي لها أهمية متميزة في ميدان التحصيل، حيث  يشكل اللجوء اليه مسلكا ناجعا في الاستغناء عن حجز وبيع منقولات المدين و التي لها وقع سلبي عليه[6].

و في هذا السياق تقر المادة 102 من مدونة تحصيل الديون العمومية بالأثار الناجمة عن ممارسة مسطرة الإشعار لدى الغير، حيث ينتج عن هذا الإجراء التسليم الفوري للأموال المتوفرة لدى الغير الحائز الذي تم تبليغه بدفع الدين الضريبي المستحقة على الملزم الذي تربطه احدى العلاقات و الصلات بالغير المسؤول في هذا الاطار.

و تجب الإشارة أن المشرع المغربي لم يحدد مدة معينة لتمكين الغير الحائز من تحويل المبالغ الموجودة بين يديه، و هي تعتبر ثغرة قانونية، ذلك أن التسليم الفوري يقتضي من حيث المبدأ أن الغير الحائز و بمجرد إثبات توصله بالإشعار يكون مطالبا بالتسليم الفوري لهذه المبالغ، فيتحمل مسؤولية عدم الأداء محل المدين الأصلي[7].

أما المشرع الفرنسي، فقبل إصلاح 1991 المتعلق بالمساطر التنفيذ المدنية، فانه اقتصر على التنصيص على أن الإشعار للغير الحائز ينتج عنه التسليم الفوري، دون تحديد مدة هذا التسليم، حيث تدخلت محكمة النقض الفرنسية[8] منذ سنة 1981 بوضعها قاعدة مفادها أن مفعول الإشعار للغير الحائز لا يمكنه أن يكون فوريا إلا بعد مرور شهرين من تاريخ تبليغه، و هي المدة الممنوحة للغير الحائز للتعرض على الإشعار للغير الحائز أمام القضاء.

و نتيجة لذلك يبقى الإشعار للغير الحائز ذات طابع تحفظي على أموال المدين لدى الغير طيلة مدة شهرين من تاريخ تبليغه، و تجاوزا لهذا الوضع تدخل المشرع الفرنسي بعد إصلاح سنة 1991 المتعلق بمساطر التنفيذ المدنية حيث أعطى للإشعار الغير الحائز طابع الحجز بالتسليمsaisie-attribution  من خلال إحالته على المادة 43 من نفس القانون[9]، على خلاف المشرع المغربي الذي قد أعطى للحجز لدى الغير الطابع التنفيذي le caractère exécutoire مباشرة ابتداء من تاريخ  تبليغه للغير الحائز مما يرجع كافة هاجس المشرع نحو المردودية على حساب حقوق الملزمين و الحائزين لأموالهم[10].

كما تجدر الإشارة إلى أن التسليم الفوري للمبالغ التي يحوزها الغير قد يطرح إشكالية تعدد الحجوزات أو ما يسمى بتزاحم الإشعار للغير الحائز، و يكون هذا الأخير في التزاحم بين الإشعارات من قبل أكثر من محاسب إلى نفس الغير الحائز، و ذلك في يوم واحد، و كانت الديون العمومية تتمتع بنفس درجة الامتياز.

المطلب الثاني: عوارض الأداء المرتبطة بالمساطر الخاصة لصعوبة المقاولة

اذا كانت الإدارة المكلفة بالتحصيل تتمتع بسلطات واسعة لتحصيل الديون الضريبية، فإنها قد تجد نفسها مقيدة و أمام مجموعة من العوارض القانونية الناتجة عن افتتاح مساطر صعوبة المقاولة، حيث أن هدف المشرع من هذه المساطر هو إنقاذ المقاولة و ضمان استمرارية نشاطها، حيث جعل الديون الضريبية خاضعة لإلزامية التصريح تحت طائلة السقوط (الفقرة الأولى)، و كذا منع أداء الضرائب و سريان الفوائد (الفقرة الثانية)، كما أن القيود التي تعرقل امتياز الخزينة العامة لا تقتصر على منع أداء الدين الضريبية و الغرامات، بل تمتد لوقف كل إجراءات التنفيذ و المتابعة ضد المقاولة المدينة (الفقرة الثالثة)، و حرصا منه لضمان استمرارية نشاط المقاولة لم يكتفي المشرع بهذه القيود بل نص على منع إجراء التقييدات(الفقرة الرابعة).

الفقرة الأولى: الزامية التصريح بالديون الضريبية

لقد أخضع المشرع المغربي تحصيل الديون الضريبية في اطار مساطر صعوبات المقاولة لضرورة التصريح، بحيث لا تباشر الخزينة العامة إجراءات التحصيل المخولة لها، بل تخضع للمقتضيات التي تطبق على الدائنين العاديين، حيث يعد التصريح بالديون ألية لتصفية خصوم المقاولة، فلا يتصور تحقيق الديون بدونها، كما تعد عنصرا جوهريا في حصر خصوم المقاولة طبقا للمادة 719 من القانون 73.17 التي تنص على أنه: يوجه كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور الحكم بفتح المسطرة، باستثناء الأجراء، تصريحهم ديونهم إلى السنديك.

و لقد رتب المشرع عن عدم التصريح بالدين سقوط الدين الضريبي La forclusion، في المادة 723 من الكتاب الخامس المتعلق بمساطر صعوبة المقاولة حرمان الدائن الذي لم يصرح بديونه داخل الأجل القانوني المحدد من المشاركة في التوزيعات و في المبالغ التي لم توزع بعد، فضلا عن انقضاء الديون الغير المصرح بها، و التي لم تكن موضوع دعوى رفع السقوط، و هو ما يشكل جزاء قاسيا و هو ما يفرض على المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل أن يكون يقضا و حريصا على القيام بهذه الإجراءات في الوقت المحدد حتى لا يتعرض الدين الضريبي للسقوط و الانقضاء.

الفقرة الثانية: منع أداء الضرائب و سريان الفوائد

أولا: منع أداء الديون  Interdictions des paiements

نصت المادة 690 من القانون 73.13 المتعلق بصعوبة المقاولة على أنه: يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره[11]. هكذا فان الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبة المقاولة يمنع أي دين نشأ سابقا، بحيث لا يمكن تحصيل  الضرائب الناشئة قبل صدور هذا الحكم.

و بالتالي لا يمكن تحصيل الديون الضريبية الناشئة قبل فتح المسطرة و يسري هذا المنع ابتداء من تاريخ النطق بالحكم القاضي بفتح المسطرة، كما أن الديون التي تؤدى في المرحلة السابقة للحكم و التي قد تمت في فترة الريبة période suspecte ، تكون قابلة للإبطال طبقا للمادة 714 من الكتاب الخامس المتعلق صعوبة المقاولة.

ولقد عزز المشرع هذا المنع بمقتضيات 691 من القانون 73.17  التي تنص على أنه: يبطل كل عقد أو تسديد تم خرقا لمقتضيات المادة السابقة و ذلك بطلب من كل ذي مصلحة يقدمه داخل أجل ثلاث سنوات من تاريخ إبرام العقد أو أداء الدين، أو من تاريخ إشهار العقد حينما يستلزم القانون ذلك.

كل هذا من شأنه أن يؤثر على وضع الخزينة فيصبح أكثر تعقيدا في ظل مساطر صعوبة المقاولة، إذ تجد نفسها مقيدة بمبدأ منع أداء الديون الذي سنه المشرع حفظا على مصلحة المقاولة، غير أنه يمكن للخزينة تفادي هذا الوضع و ذلك عبر مطالبة الكفيل بأداء المبالغ غير المؤداة، و  تكمن الغاية من تقرير هذا الاستثناء في كون مبدأ منع أداء الديون يسري في مواجهة المدين بخلاف الكفيل الذي لا يمكنه أبدا الاحتجاج بمبدأ منع أداء الديون، باعتباره أجنبيا عن المقاولة، و قيامه بأداء الديون الضريبية لن يؤثر على مصالحها[12].

ثانيا : منع سريان الفوائد L’arrêt du cours des intérêts

إلى جانب منع المشرع لأداء الديون، لقد نص المشرع على منع سريان الفوائد، و هدف المشرع من خلال هذا المقتضى تفادي تراكم الديون على المقاولة، حيث نصت الماد 692 على أن حكم فتح المسطرة يوقف سريان الفوائد القانونية و الاتفاقية و كذلك كل فوائد الـتأخير و كل زيادة.

الفقرة الثالثة: المنع من ممارسة المتابعات الفردية

ذا كانت الخزينة العامة تمتع بامتياز التنفيذ المباشر لتحصيل الديون الضريبية، فان مساطر صعوبة المقاولة تحد من هذا الامتياز، بإخضاع الدين الضريبي كباقي الديون الأخرى للمساطر الجماعية، و بالتالي توقف جميع المتابعات الفردية و إجراءات التنفيذ L’arrêt des poursuites individuelles، حيث نصت المادة 686 من القانون 73.17 المتعلق بصعوبة المقاولة على أنه: يوقف حكم فتح المسطرة و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم، كما نصت على وقف و منع كل إجراء للتنفيذ سواء على المنقولات أو العقارات[13]. و بالتالي لا يمكن للمحاسب المكلف بالتحصيل مباشرة إجراءات التحصيل المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية في مواجهة المقاولة المدينة، فلا يمكن له توجيه إنذار، أو القيام بالحجز، أو البيع، أو غيرها من الإجراءات التي تهدف إلى تحصيل الدين الضريبي، كما أن الإجراءات التي يكون قد بدأها المحاسب تتوقف هي الأخرى بمجرد صدور حكم فتح المسطرة، و هذا الوقف جاء عاما يشمل كل إجراءات التنفيذ العادية و الاستثنائية[14] .

و لقد توخى المشرع من هذا المنع توفير قدر الإمكان الحماية اللازمة للمقاولة المدينة، و ذلك عبر سنه هذا المبدأ حتى لا تتم عرقلة مسطرة المعالجة، و لما يشكله وقف المتابعات الفردية من دور في الدفع بجميع الأطراف لمساعدة المقاولة، والتوقف عن أي إجراء من شأنه إفشال تسوية المقاولة.

 

الفقرة الرابعة: منع من أجراء التقييدات L’interdiction des inscriptions

طبقا لمقتضيات المادة 699 من القانون 73.17 لا يمكن تقييد الرهون الرسمية ولا الرهن و لا الامتيازات بعد الحكم بفتح المسطرة. و تكمن الغاية من هذا المنع في حماية مصلحة المقاولة و إقرار مبدأ المساواة بين الدائنين.

أما بخصوص طبيعة التقيدات الممنوعة على الخزينة العامة فيلاحظ من مقتضيات المادة المذكورة أن المنع يشمل جميع الرهون و الامتيازات بدون أي تمييز سواء تلك المنصبة على عقارات أو منقولات، أو رهون رسمية أم لا، اتفاقية أو قانونية، عامة أو خاصة.

و تبعا لذلك لا يمكن للخزينة تقييد الرهن الرسمي المنصوص عليه في المادة 113 من مدونة تحصيل الديون العمومية. أما بخصوص مدة المنع فالمشرع لم يشر إلى أليها، الأمر الذي يؤكد أن هذا القيد يبتدئ من تاريخ افتتاح مساطر صعوبات المقاولة إلى غاية إقفال المسطرة.

المبحث الثاني: عوارض أداء الدين الضريبي المتعلقة بمباشرة إجراءات الحجز

اذا كانت الصورة المثلى لتنفيذ الالتزامات هي قيام المدين أو الملزم من تلقاء نفسه بأداء ما بذمته من ديون لفائدة الدائن المتمثلة في إدارة التحصيل، فان هذه الصورة لا تتحقق دائما لذلك أوجد المشرع المغربي مجموعة من الوسائل القانونية لاقتضاء هذه الحقوق بصفة جبرية و هي على التوالي الإنذار، الحجز، و البيع، و تعتبر عملية الحجز ذات أهمية بالغة حيث تحيل على وضع أموال المدين تحت يد القضاء و نظرا لأهمية هذه العميلة فقد تشوب عملية الحجز التي يباشرها المحاسب العمومي ضد المدينين إشكالات عديدة ترجع إلى الوضعية الاقتصادية و الاقتصادية للمدينين(المطلب الأول) أو عند مباشرة الإجراءات الاستثنائية للتحصيل الجبري (المطلب الثاني).

المطلب الأول: العوارض المادية المرتبطة بالوضعية المالية و الاقتصادية للملزمين

قد تعترض عملية الحجز على أموال المدين مجموعة من الصعوبات تتمثل يمكن إجمالها فيما يلي:

الفقرة الأولى: عوارض الأداء المرتبطة بالمدين

أولا: رفض المدين الحجوز عليه الأداء

لقد اشترط المشرع المغربي في عملية الحجز ضرورة تبليغ الإنذار القانوني للملزم، و مرور 30 يوما على الأقل من يوم تبليغ الإنذار، ثم صدور ترخيص من رئيس الإدارة التي ينتمي اليها المحاسب بإجراء الحجز في حالة عدم السداد، فان مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة ملزم بتوجيه إنذار أخير إلى الملزم الذي تظل أمامه فرصة أخرى للأداء الطوعي قبل أجراء الحجز[15]. إلا أنه قد يصر المدين على عدم أداء الدين المتحصل في ذمته كأحد مظاهر عوارض الأداء رغم مباشرة إجراءات الحجز، و في هاته الحالة يقوم مأمور التبليغ و التنفيذ بإحصاء الأشياء الموجودة في المحلات وداخل الأثاث الذي يمكن له أن يطلب فتحه و يحرر محضرا بذلك طبقا للمادة 49 من مدونة تحصيل الديون العمومية[16].

ثانيا: تعذر فتح الأبواب على مأموري التبليغ

نصت المادة 52 على أنه:” عندما يتعذر على مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة القيام بمأموريته لكون الأبواب مغلقة أو نظرا لرفض فتحها له، يرخص له بواسطة أمر صادر بناء على طلب وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية بفتح أبواب المحلات ذات الاستعمال المهني أو المعدة للسكنى، وكذا الأثاث، في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ.”

قد يتعرض مأمورو التبليغ و التنفيذ للخزينة بعض الأحداث عند إجراء الحجز التي تعوق السير العادي للحجز و لو بصفة مؤقتة لكون أبواب المحل المراد حجز الأشياء أو الأثاث المحجوزة بداخله مغلقة، أو إما لكون المدين لا يوجد في عين المكان أو لأنه رفض فتحها له، في هذه الحالة يجوز للمحاسب المكلف بالتحصيل أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة بترخيص لفتح أبواب المحلات ذات الاستعمال المهني أو المعدة للسكنى، و يقوم مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة بحجز الأشياء في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ و الهدف من ذلك هو تحصيل ديون الخزينة، مع احترام هذه الإجراءات القانونية.

و يستند المحاسب المكلف بالتحصيل في ذلك إلى مقتضيات الفصل 184 من قانون المسطرة المدنية، غير أنه يجوز لمأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة أن يستعين عند الضرورة بالسلطة الإدارية المحلية.

ثالثا: غياب المدين

تعتبر حالة اختفاء المدين و عدم وجود ما يحجز من الحالات المعرقلة لتحصيل الديون العمومية، حيث أن غياب الملزم يعرقل تنفيذ علميات الحجز بالحيلولة دون تميكن مأمور التبليغ و التنفيذ من إنجاز محضر الحجز في مواجهة المدين بسبب التغيب الدائم. مما يحول دون إنجاز عملية الحجز على منقولات بسبب تخلف و غياب الملزم[17]، حينها لا يخلو الأمر من احدى الوضعيتين:

  • الوضعية الأولى: تتعلق بانتقال الملزم خارج الدائرة الترابية للقباضة، مما يفسح للقابض مجال مسطرة الإكراه الخارجي، و هي أن تباشر قابض التحصيل بمدينة أخرى.
  • الوضعية الثانية: ترتبط بالغياب التام عن المحل، و هذه الحالة تتطلب مأمور التبليغ و التنفيذ تحرير محضر تفتيش في حالة اختفاء أو رحيل المدين دون الإدلاء بعنوانه الجديد، وذلك بحضور السلطة الإدارية المحلية عند الاقتضاء، شريطة أن يقوم بالتقصي و التحري عن المدين للتأكد من غيابه أو اختفائه أو رحيله. إما لدى الجيران أو مالك العمارة التي كان يقطن بها الملزم، و اذا كان الأمر يتطلب اللجوء إلى السلطة الإدارية المحلية من أجل الحصول على العنوان الجديد لتنفيذ الحجز به، أو لتفيد في اتخاذ طريقة أخرى من طرق التحصيل بحسب المعلومات المحصل عليها[18]، و قد يفيد لغاية إدارية أخرى محضة[19].

رابعا: إيقاف الحجز بالأداء

تعتبر المقتضيات الواردة في المادة 55 من المدونة أحد عوارض الحجز العائدة للملزم المحجوز عليه، و التي من خلالها يعلن المدين عن رغبته في الوفاء بدين الخزينة أثناء سريان مساطر الحجز التنفيذي على منقولاته، أو بمجرد التحاق عون التنفيذ بمكان الحجز، في هذه الحالة تتوقف عملية الحج، بالدفع الذي يقوم به الملزم في هذه الأثناء بالذات، شريطة أن يؤدي المبلغ بكامله بما في ذلك تكلفة الحجز، و معنى أن الحجز لا يمكن إيقافه لمجرد أداء المدين لجزء من الدين، و انم يشترط أداء مجموع أداء الدين بالإضافة إلى الصوائر التي تتم تصفيتها حسب التعرفة المخفضة[20]، أي واحد بالمائة و هي الحالة التي يطلق عليها المشرع الحجز الموقوف[21]، و لا يحرر محضر بشأنها، بل توضع على قائمة الحجز، مراجع الوصولات التي أدى بها المدين دينه، و المسلمة في الحين.

خامسا: عسر المدين

يشكل عسر الملزم L’insolvabilité احدى عوارض استيفاء ديون الدولة عن طريق الحجز و في هذه الحالة يجب تحرير محضر يدعى بمحضر العسر يثبت فيه عسر المدين، حيث ألزم المشرع المغربي مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة الذي لا يجد في محل الملزم المحجوز عليه أية أشياء قابلة للحجز، و غير مستثناة بموجب القانون، أو قد تبين من ظروف الحال أن المنفذ عليه لا يتوفر على ما يمكن أن يجري عليه الحجز، إلا في الحالتين التاليتين:

  • اذا لم يكن المدين لا يمتلك أية منقولات قابلة للحجز من أجل الوفاء بالديون المترتبة في ذمته؛
  • اذا لم يكن باستطاعة القابض المكلف بالتحصيل استعمال أية طريقة أخرى من طرق التحصيل لاستيفاء الدين العمومي، كالحجز على العقار أو بواسطة الإشعار للغير الحائز…

و كما سبقت الإشارة لقد اشترط المشرع للأخذ بالعسر كعارض من عوارض التحصيل ضرورة إثبات هذا العسر بإحدى وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 57 من مدونة تحصيل الديون العمومية[22].

الفقرة الثانية: عوارض الحجز العائدة للغير

إلى جانب عوارض تحصيل الدين الضريبي العائد للمدين تطرقت مدونة تحصيل الديون العمومية إلى عوارض أداء تعود للغير و منها ما نصت عليه المادة 47 و 48 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

  • لقد نصت المادة 47 على أنه : اذا وجد مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة عند إجراء حجز أن حاجزا سابقا قد انصب على أمتعة المدين القابلة للحجز، فانه يكتفي بجرد المحجوزات بعد الاطلاع على محضر الحجز السابق.

فاذا كان المحاسب المكلف بالتحصيل يتمتع بسلطة مباشرة في إيقاع الحجز على منقولات المدين موضوع الحجز، دون الحاجة إلى استصدار أمر من المحكمة المختصة فانه – عندما يكتشف مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة عند مباشرته لإجراءات الحجز أنه هناك حجزا سابقا على منقولات المدين، ذلك أنه اذا كان الحجز الأول يشمل كل منقولات المدين فانه يكتفي بجرد المحجوزات بعد الاطلاع على محضر الحجز السابق[23]، ليقوم بعد ذلك بتبليغ التدخل في الحجز إلى كل من الحاجز الأول و المدين و كذا المحجوز لديه و الحارس إن اقتضى الأمر ذلك، حيث يعتبر ذلك بمثابة تعرض على حصيلة البيع و يسمح للخزينة بالمشاركة في توزيع الحاصل طبقا للفصل 466 من قانون المسطرة المدنية[24].

أما اذا لم يكن الحجز الأول يشمل كل منقولات المدين، فيقوم مأمور التبليغ و التنفيذ للخزينة، و بعد الاطلاع على محضر الحجز الأول، يقوم بإجراء حجز أوفر يشمل باقي المنقولات التي لم يشملها الحجز الأول مع مراعاة- في جميع الأحوال- تناسب قيمة المحجوز مع قيمة الدين، ليتم ضم الحجزين معا ما لم يتم الشروع في بيع الأشياء المحجوزة الأول، على أنه و في حالة تقاعس الحاجز الأول فالقابض المكلف بالتحصيل طلب مواصلة مسطرة الحجز. و هو ما يساير توجه المشرع المغربي في الفصل 467 من قانون المسطرة المدنية[25].

  • هذا و نصت المادة 48 من مدونة التحصيل على أنه: في حالة تقاعس الحاجز الأول، يمكن للمحاسب المكلف بالتحصيل أن يطلب مواصلة مسطرة الحجز.

يتضح أن المشرع مكن المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل في حالة تقاعس الحاجز الأول، أن يطلب مواصلة الحجز و ذلك حفاظا على حقوق الخزينة من الضياع، و هو ما من شأنه الحفاظ على حقوق الخزينة من الضياع.

إلا أن هذا الإجراء قد يثير العديد من الإشكالات من الناحية العملية تتمثل أساسا في الصعوبات المتعلقة بإقامة الدليل على أن الحاجز الأول قد تقاعس عن مواصلة مسطرة الحجز، لذلك يجب في هذه الحالة تقديم الأدلة القاطعة و القانونية على تقاعس الحاجز الأول[26].

المطلب الثاني: العوارض المتعلقة بالإجراءات الاستثنائية للتحصيل الجبري

يعتبر الإكراه البدني في ميدان تحصيل الديون الضريبية من أبرز المساطر القسرية لإجبار المتخلفين و الممتنعين عن أداء الديون التي بذمتهم، و ذلك بالزج بهم في السجن لأداء ما بذمتهم من ديون ضريبية[27]، و تكمن خطورة هذا الإجراء في كون اذا كانت إجراءات التحصيل المتمثلة في الإنذار، الحجز، البيع و الإشعار للغير الحائز تنصب على أموال المدين، فان الإكراه البدني يشكل تهديدا أكبر للفرد، لأنه يهدده و يسلبه حريته الإنسانية[28]، لمدة قد تقل أو تقصر بحسب قيمة الدين العمومي المطالب به[29]. لذلك و درءا لأي تعسف من طرف الجهة المكلفة بالتحصيل لم يجعله المشرع مطلقا بل أدخلت عليه المادة 77 من تجعل مدونة التحصيل خمسة قيود (الفقرة الأولى)، و لم يقف المشرع عند هذا الحد بل وضع مجموعة من القيود عند متابعة المدين بجريمة افتعال العسر باعتبارها من المناورات التدلسية التي من شأنها عرقلة التحصيل الضريبي و أطرها بشروط (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: قيود تطبيق مسطرة الإكراه البدني

لقد نصت المادة 77 من مدونة التحصيل خمسة قيود لتطبيق الإكراه البدني و هي كالاتي:

أولا: القيد المتعلق بمبلغ الدين المراد استخلاصه

اذا كان ظهير 21 غشت 1931 أغفل التطرق للحد الأدنى التي يجوز تطبيق الإكراه البدني  La contrainte par corpsبشأنه[30]، فان مدونة التحصيل قد تداركت الأمر في المادة 77 التي نصت على أنه اذا كان مجموع المبالغ المستحقة يقل عن (8000 درهم)، فلا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الضرائب و الرسوم و الديون العمومية الأخرى، مع الإشارة إلى أن المبلغ المستحق لا يشمل فقط أصل الدين، بل يمتد إلى توابعه كالعلاوات و الغرامات و فوائد التأخير إلى جانب صوائر المتابعات[31]، و بالتالي اذا كان أصل الدين يقل عن 8000 درهم إلا أن توابعه جعلته يفوق هذا المبلغ فانه يجوز تطبيق الإكراه البدني بشأنه.

ثانيا: القيد المتعلق بثبوت عسر المدين

اذا ثبت عسر المدين لا يجوز للمحاسب المكلف بالتحصيل اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني ضد المدين، بل يكتفي بشهادة العوز المسلمة من طرف السلطة الإدارية المحلية، كوثيقة لإثبات ذلك العسر[32].

ثالثا: القيد المتعلق بالمرأة الحامل

مراعاة للظروف الصحية و النفسية و الاجتماعية و الإنسانية للمرأة الحامل، ارتأت مدونة تحصيل الديون العمومية منع اللجوء إلى الإكراه البدني ضدها، احتراما لصحتها و سلامتها، و لو على حساب عدم تحصيل ديون عمومية[33].

رابعا: القيد المتعلق بسن المدين

اهتم المشرع المغربي بعامل السن عند تطبيق مسطرة الإكراه البدني، و ذلك من خلال ما جاءت به مدونة التحصيل التي رفعت الحد الأدنى للسن من 16 سنة إلى 20 سنة و خفضت الحد الأقصى من 65 إلى 60 سنة، هكذا و قد كرست المادة 77 هذه المقتضيات عندما نصت على أنه ” لا يمكن اللجوء الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الضرائب و الرسوم و الديون العمومية الأخرى في الحالات التالية.

  • … اذا كان سن المدين يقل عن 20 سنة أو بلغ 60 سنة فما فوق…”

خامسا: القيد المتعلق بالمرأة المرضعة

اعتبارا للظروف الإنسانية و الاجتماعية للمرأة المرضعة منعت مدونة تحصيل الديون العمومية اللجوء إلى الإكراه البدني في حقها، و ذلك في حدود سنتين ابتداء من تاريخ الولادة، حيث يلاحظ أن المشرع المغربي يعطي الأسبقية للوضعيات الاجتماعية بدل المسائل المالية عندما يأخذ بعين الاعتبار الحياة الاجتماعية التي هي في أمس الحاجة للحماية و العناية، بغض النظر عن مبالغ الديون العمومية.

الفقرة الثانية: القيود المتعلقة بافتعال العسر

يحيل افتعال العسر L’organisation de l’insolvabilitéعلى مختلف التصرفات التناورية التي يصعب حصرها، إذ تختلف حسب البواعث و الطرق المستعملة، و حسب الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية. و قد عرفه بعض الفقه بأنه ” تملص المدين من المتابعات عن طريق إخفاء أمواله، إما واقعيا و إما عن طريق الحيل القانونية، بقصد إضعاف ضمانات الدائن بالتقليل من حقوقه و الزيادة في التزاماته”[34].

لهذا و سعيا منه لتدعيم ضمانات و حقوق الخزينة، و تمكين المحاسبين المكلفين بالتحصيل بمجموعة من الأليات المستحدثة لمواجهة كل محاولات الملزمين الرامية إلى التملص من الوفاء بالدين الضريبي، بحيث يظل تجريم افتعال العسر من الأليات الردعية التي وضعها المشرع لردع كل من سولت له نفسه الإضرار بحقوق الخزينة عن طريق التحايل، لكن المشرع لم يفتح الباب على مصرعيه أثناء تنظيمه لهذه المؤسسة بل أطرها بشرطين أساسين لمباشرة الإكراه البدني.

أولا: ضرورة التوصل بالإعلام الضريبي

إن أول الشروط التي وضعتها المادة 84 من مدونة التحصيل هو ضرورة التوصل بالإعلام الضريبي قبل مباشرة الأعمال الدالة على افتعال العسر أو التي تتسبب في عرقلة التحصيل، حيث أكد المشرع ضرورة أن تتم التصرفات التي يستشف منها افتعال العسر بعد التوصل بالإعلام الضريبي، و عليه لا يعتبر المدين مفتعلا للعسر اذا قام بتفويت أمواله قبل توصله بالإعلام الضريبي، حتى و لو كان الهدف منها تبديد أمواله مما قد يلحق أضرارا بمصالح الخزينة.

ثانيا: إثبات افتعال العسر

يعتبر شرط إثبات افتعال العسر من أهم القيود التي و ضعها المشرع، فاذا كان المدين قد اصطنع حالة عسر لعرقلة عملية التحصيل للتملص من أداء واجبات الدولة، فان المحاسب يكون مضطرا إلى إقامة الدليل على كون الطرف الأول غير معسر و على رغبته في التهرب من تسديد حقوق الخزينة، و يمكنه إثبات ذلك بكل وسائل الإثبات كالقرائن و الشهود، و غالبا ما يستعمل المحاسب العمومي السند التنفيذي كوسيلة للإثبات[35].

و عليه فان عبئ إثبات افتعال العسر القيام بنوع من المرونة، و اتخاذ سائر الإجراءات، التي قد تفضي إلى النتيجة المطلوبة، إذ يوسع المحاسب أن يستقرئ علاقة المدين بمصلحة الوعاء، و يستخلص منها ما هو كاف للدلالة على كونه مفتعل للعسر أو راغبا في عرقلة التحصيل، من هنا يظهر مدى صعوبة المهمة الملقاة على عاتق المحاسب العمومي للتحري و الاستقصاء عن كل ما من شأنه إثبات واقعة افتعال العسر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

اذا كانت المشرع المغربي مجموعة من الامتيازات بموجب القانون لتحصيل ديونها الجبائية و بهدف تحقيق تحصيل جبائي سليم، إلا أن الواقع العملي أبان على مجموعة من العوارض سواء القانونية حيث عمد المشرع أحيانا إلى التنصيص و بصفة صريحة في مدونة التحصيل الديون العمومية على مقتضيات تحد و تجرد  الجهة المكلفة بالتحصيل من كل الامتيازات التي كان قد منحها لها و تتعلق خصوصا بالمساطر الخاصة بصعوبة المقاولة. كما أن هذه القيود أن تكون غير مباشرة و راجعة إلى غموض بعض النصوص القانونية في مدونة تحصيل الديون العمومية و التي تطرح العديد من الإشكالات على مستوى التطبيق، كما إن أهم عوارض الأداء التي تعترض تحصيل الدين الضريبي هي التي تكون مرتبطة بالوضعية الاقتصادية و المالية للمدينين و التي تحول دون تحقيق الفعالية.

إلا أن عوارض الأداء لا تقف عند هذا الحد حيث تعتبر مقتضيات التقادم من أهم عوارض أداء الدين الضريبي و ما يثيره من إشكالات خوصا لو علمنا أن المنازعات المرتبطة بالتقادم من أكبر المنازعات ممن حيث الممارسة، و نظرا لكثرة الديون الضريبية التي تسقط بالتقادم و نظرا لصرامة النظام القانوني فيما يخص هذه المسطرة، و بالتالي فان التقادم يعتبر من بين العوارض القانونية للأداء الضريبي و التي تؤدي لاستحالة تحصيله خصوصا لو علمنا أن المشرع المغربي يأخذ بالتقادم الرباعي  La prescription quadriennaleو هو أجل قصير مقارنة مع أجل تقادم الالتزامات و المحدد في  15 سنة الشيء الذي من شأنه تفويت على خزينة الدولة مبالغ مالية جد مهمة.

 

 

 

 

 

 

[1] – المادة الأولى من القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، الجريدة الرسمية عدد 4800 بتاريخ 28 صفر 1421 (فاتح يونيو 2000)، ص 1256.

[2] – محمد شكيري، قانون 15.97 المتعلق بتحصيل الضرائب و الديون العمومية: قراءة أولية للمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 37 مارس- أبريل، 2001، ص 3.

[3] – فاروق الهاشمي، عراقيل التحصيل الضريبي و الطرق الاستثنائية للتحصيل، المجلة المغربية للإدارة المحلية، مارس- يونيو 97-98، 2011، ص، 80

[4] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447  بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741. كما تم تغييره وتتميمه.

[5] – تعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون على المحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية.

[6] -عبد الرحمان أبيلا و رحم الطور،  تحصيل الديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولي 2000، ص 28.

[7] -instructions sur le recouvrement des créances publiques, trésorerie générale du royaume, Mai 2001,page 128.

[8] -Arrêt de la cours de cassation,5 mai 1981, no 80-10344m SA Lecoq et autres. Cité par FRANCIS Lefebvre, contentieux fiscal, EFL, 1er novembre 2002, page 236.

[9] – Article 42 de la loi no 91/650 du juillet 1991 ‘’ l’acte de saisie compte, a concurrence de la créance saisie disponible entre les mains du tiers….’’

[10] – أحمد العلولي، دور القاضي الاستعجالي في إيقاف تحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2019/2020، الصفحة 78.

[11] -ظهير شريف رقم 1.18.26 صادر في 2 شعبان 1439( 19 أبريل 2018) بتنفيذ القانون رقم 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، فيما يخص مساطر صعوبة المقاولة.

[12] – مهدي خرجوج، حماية الدين العمومي في اطار مساطر صعوبة المقاولة- الدين الضريبي نموذجا- رسالة لنيل شهادة الماستر، السنة الجامعية 2012، 2013، ص 47.

[13] أحمد العلولي، مرجع سابق، ص 105.

[14] – أحمد العلولي، نفس المرجع، ص  106.

[15] – كريم لحرش، الشرح العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية فقها و قضاءا، مكتبة الرشاد السطات، الطبعة 2015، ص 94.

[16] – يتضمن محضر الحجز ما يلي:

وصف الأمتعة المحجوزة؛

تحديد تاريخ البيع؛

وتعيين الحارس.

 

[17] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص 99.

[18] -L’instruction sur le recouvrement des créances publiques émises par la Trésorerie Générale du Royaume, Mai, 2001.

[19] – كريم لحرش مرجع سابق، ص 99.

[20] – عبد اللطيف العمراني و مراد الخروبي، الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب و الديون العمومية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 22، 2000 ، ص 74

[21] – المادة 91 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[22] يثبت عسر المدينين:

إما بمحضر عدم وجود ما يحجز كما نصت عليه المادة 56 أعلاه بالنسبة للمدينين المعروفين بقدرتهم على الوفاء والذين لم يفض الحجز الذي أجري عليهم إلى أي نتيجة؛

وإما بشهادة العوز المسلمة من طرف السلطة الإدارية المحلية بالنسبة للمدينين المعروفين بعسرهم.

 

[23] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص 93.

[24]– لا يمكن للدائنين الذين لهم حق التنفيذ الجبري عند وجود حجز سابق على كل منقولات المحجوز عليه إلا التدخل على وجه التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ وطلب رفع الحجز وتوزيع الأموال ويحق لهم مراقبة الإجراءات وطلب متابعتها إن لم يقم بذلك الحاجز الأول.

[25]– إذا كان الحجز الثاني أوفر من الأول ضما معا عدا إذا كان بيع الأشياء المحجوزة سابقا قد وقع الإعلان عنه، وعلى كل فإن الطلب الثاني يعد بمثابة تعرض على الأموال المتحصلة من البيع وتكون محل توزيع.

[26]– عبد اللطيف العمراني و مراد الخروبي، الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب و الديون العمومية، مرجع سابق، ص 70.

[27] – MADANI Mohamed, compétence matérielle en matière de contentieux du recouvrement des créances publiques, mémoire de fin d’étude pour l’obtention de DESA en droit des contentieux, université Mohamed 1 faculté des sciences juridiques économiques et sociale Oujda, année universitaire 2007L2008, page,58 .

[28] – محمد الحيان، المنازعات الإدارية الاستعجالية و دورها في حماية الحقوق و الحريات، أطروحة الدكتوراه، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط ، السنة 2014 ، ص 185.

[29] – حددت المادة 79 من مدونة تحصيل الديون العمومية  مدة الإكراه البدني كالتالي:

– من خمسة عشر يوما (15) إلى واحد وعشرين يوما (21) بالنسبة للديون التي يعادل أو يفوق مبلغها ثمانية آلاف درهم (8.000) ويقل عن عشرين ألف درهم (20.000)؛

– من شهر إلى شهرين (2) بالنسبة للديون التي يعادل أو يفوق مبلغها عشرين ألف درهم (20.000) ويقل عن خمسين ألف درهم (50.000)؛

– من ثلاثة أشهر (3) إلى خمسة أشهر (5) بالنسبة للديون التي يعادل أو يفوق مبلغها خمسين ألف درهم (50.000) ويقل عن مائتي ألف درهم (200.000)؛

– من ستة أشهر (6) إلى تسعة أشهر(9) بالنسبة للديون التي يعادل أو يفوق مبلغها مائتي ألف درهم (200.000) ويقل عن مليون درهم (1.000.000)؛

– من عشر أشهر (10) إلى خمسة عشر شهرا (15) بالنسبة للديون التي يعادل أو يفوق مبلغها مليون درهم (1.000.000).

[30] – على الرغم من كون أن ظهير 21 غشت 1931 لم يحدد أي مبلغ ضريبي كحد أدنى لتطبيق الإكراه البدني، فان دورية الخازن العام عدد 63 ل 1998 قامت باستدراك الأمر و حددت الحد الأدنى في 1000 درهم.

[31] – عبد الرحمان أبيلا ورحم الطور، مرجع سابق، ص 50.

[32] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص 129.

[33] – كريم لحرش، المرجع نفسه، ص 129.

[34] – أحمد جواهري، اللجوء إلى الإكراه البدني لاستخلاص الديون العمومية الإشكالات القانونية و القضائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، السنة الجامعية 1999-2000، ص 94.

[35] –  أحمد جواهري، المرجع نفسه، ص 97.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى