في الواجهةمقالات قانونية

تأثير الحجر الصحي على العلاقات الأسرية   ” العنف ضد الزوجة نموذجاً

 

تأثير الحجر الصحي على العلاقات الأسرية   ” العنف ضد الزوجة نموذجاً

 من إعداد: أمـــين برفـــود

 خريج الماستر المتخصص                  في المهن القانونية والقضائية

مقـــدمــة:

 

تعتبر قضية العنف ضد المرأة ظاهرة من الظواهر القديمة قدم الإنسان، فقد اتخذ العنف مجموعة من الأشكال عبر مر العصور والحضارات، ومع تطور الحياة اليومية تطورت معها مظاهر هذا العنف الممارس ضدها، فالمرأة عانت ولاتزال تعاني من العنف والتمييز والاضطهاد، الذي أصبح يشكل تهديداً لأمنها واستقرارها وانتهاكاً صارخاً لحقوقها وكرامتها، والعنف الممارس ضد المرأة تعددت أشكاله، ومنها العنف الزوجي المرتكب ضد الزوجة الذي يعد من أكثر أشكال العنف انتشاراً عموماً في العلاقات الأسرية، حيث أصبحت الزوجة عرضة لكل أشكال العنف النفسي واللفظي، والجسدي والجنسي.

وتحظى ظاهرة العنف ضد المرأة باهتمام كبير، حيث اهتمت بها المنظمات العالمية، ومنها هيئة الأمم المتحدة، التي نبهت إلى خطورة هذه الظاهرة، وانعكاساتها على المجتمعات مادامت أنها تمس دعامة من دعائم المجتمع، وعامل أساسي في تنميته، بل حتى على المستوى الوطني حظيت باهتمام من كل فئات المجتمع، بما فيهم المجتمع المدني المحدثة لهذا الغرض التي كثيراً ما تسعى إلى المطالبة بالتصدي والتعبئة الاجتماعية وإيجاد حلول لهذه الظاهرة، وهو ما تحقق لها بعد أن أصدر المشرع المغربي قانون يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء رقم 103.13[1].

وبتفشي وباء كورونا في العالم برمته بعدما ظهر لأول مرة بمدينة وهان الصينية، لينتقل فيما بعد إلى باقي الدول العالم بما فيها المغرب، جعل منظمة الصحة العالمية تعلن حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة تفشي الفيروس القاتل، وعلى إثر ذلك قامت بلادنا باتخاذ الإجراءات اللازمة لكبح جماح عدوى هذا الوباء من خلال تكثيف إجراءات الرصد والتأهب، وعلى رأسها تطبيق تدبير الحجر الصحي وذلك بعد ارتفاع عدد الحالات الإصابة والوفيات بالفيروس في الأيام الأخيرة بشكل متسارع للحد من انتشارها، أعلن المغرب يوم الاثنين 16 مارس 2020 بتطبيق برتوكول الحجر الصحي بموجب المرسوم رقم 2.20.293 الصادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية[2] على مواطنيها يوم 20 مارس 2020، إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 ليتم تمديدها من طرف الحكومة مرتين، المرة الأولى إلى يوم 20 ماي 2020 والمرة الثانية إلى غاية 10 يونيو بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19، على أن يتم رفع هذا الحجر تدريجياً فيما بعد.

وبالتالي هذا الإجراء الاحترازي الذي اتخذته بلادنا كان له انعكاس إيجابي على الحد من انتشار فيروس كورونا والتقليص من عدد الإصابات، لكن رغم هذه الإيجابيات التي حققها الإجراء الحجر الصحي من الحد من انتشار هذا الفيروس، نجد بالمقابل أن هذا الإجراء المتعلق بالحجر الصحي يرمي بظلاله على سلوك ممارسات أسرية متخلفة والمتعلقة بالعنف الزوجي ضد المرأة، مما جعل المرأة بين مطرقة الحجر الصحي وسندان العنف الأسري، الأمر الذي سيطرح عدة إشكالات قانونية لما بعد تجاوز جائحة كوفيد 19 وتأثيرها على العلاقات الأسرية عامة والزوجية خاصة، لذلك سأحاول التطرق إلى الإشكالية المحورية التالية : إلى أي حد استطاع المشرع المغربي توفير حماية للمرأة من العنف الزوجي خلال هذه الفترة الاستثنائية؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية ارتأيت من خلال المقاربة للموضوع تقسميه إلى محوريين:

 

المحور الأول : العــــنف الزوجي ضد المرأة وفق إكراهات الحجــر الصحــي

المحور الثاني : آلــــيات محاربة العنف الزوجي في ظل الظرفية الاستثنائية

 

 

المحور الأول : العــــنف الزوجي ضد المرأة وفق إكراهات الحجــر الصحــي

 

منذ إعلان المغرب عن أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية قصد الحد من تفشي هذا الفيروس، حيث بدأت بفرض الحجر الصحي على مواطنيها للحد من حركاتهم، مروراً بوضع الكمامات والمعقمات إلى إغلاق جميع المرافق (المقاهي والمساجد، والمطاعم، وغيرها) باستثناء الصيدليات ومحلات بيع المواد الغذائية، وبالعودة إلى تدبير الحجر الصحي كمصطلح فهي مشتقة من اللغة الفرنسية “Quarantaine” نسبة إلى “Quarante” وهو رقم 40، واستخدم المصطلح للمرة الأولى في مدينة دوبروفنيك الكرواتية سنة 1377، واستخدم مرة أخرى في مدينة البندقية الإيطالية سنة 1423، حيث فرض العزل لمدة 40 يوماً على سفن قادمة من مناطق مختلفة ضربها الطاعون[3].

وبالرجوع إلى المرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 ( 24 مارس 2020 ) والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، نجد أن المشرع لم يعط تعريفاً للحجر الصحي بل اكتفى فقط بذكر الحالات التي يجري عليها الحجر الصحي، ولذلك يمكن تعريف الحجر الصحي على أنه إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا لمرض معد، سواء أصيبوا بالمرض أو لم يصابوا به، ويطلب منهم البقاء في المنزل أو أي مكان آخر لمنع المزيد من انتشار المرض، ولرصد آثار المرض عليهم وعلى صحتهم بعناية، وقد يكون هذا الحجر في منشأة خاصة مثل فندق مخصص، أو المستشفى، أو في منزل الشخص، وفي حالة ما إذا كان الحجر في المنزل فقد يجعل المرأة كزوجة في بعض الحالات في مواجهة غير عادلة مع زوجها، نتيجة ارتفاع في معدلات العنف الزوجي في البلاد وفي شتى بقاع العالم لتصبح ظاهرة وجب التصدي لها.

والعنف الأسري وخاصة المرتكب من قبل الزوج يعد أكثر شيوعاً بالمجتمع المغربي حيث أضحت الزوجة عرضة لأبشع أنواع العنف والاعتداء النفسي والجسدي والجنسي، مما يشكل تهديدا لحياتها ويسبب لها معاناة كبيرة ويخلف مضاعفات اجتماعية واقتصادية هامة.

وبالرجوع إلى تعريف العنف الممارس على المرأة في القانون نجد أن المشرع لم يعرفه رغم أن مجموعة القانون الجنائي تضمنت العديد من القواعد التي حرمت وعاقبت على كثير من الأفعال التي تدخل ضمن مفهوم العنف ضد المرأة[4]، لكن مع صدور قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء نجده اهتم بتحديد الإطار المفاهيمي لعدد من المصطلحات الواردة في المادة الأولى منه وتقديم تعاريف متقدمة للعنف ضد النساء، وتعديد أنواعه وأشكاله بصورة شبه متكاملة – النفسي، الجسدي، الجنسي، الاقتصادي -، فالعنف ضد المرأة كما عرفته لنا المادة الأولى من القانون 103.13 هو ” كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بين الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة.

العنف الجسدي: كل فعل أو امتناع يمس، أو من شأنه المساس، بالسلامة الجسدية للمرأة، أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه.

العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية، أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك.

العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.

العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر، أومن شأنه أن يضر، بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية للمرأة”.

وبالتالي فالعنف ضد المرأة كظاهرة اجتماعية تتخذ مجموعة من الأشكال وفق ما هو مبين في المادة أعلاه، وتتخذ أنواع متعددة ويبقى العنف الممارس من طرف الزوج بمثابة أخطر أنواع العنف التي تقع ضحيتها الزوجة بحكم تعدد أشكاله ومظاهره أمام تظافر الأسباب المؤدية له، خصوصاً في ظل الظرفية الحالية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا والعالم بأسره والتي فرضها تفشي وباء كوفيد 19، باتخاذ اجراءات أو تدابير الحجر الصحي على الأسر، والضغوطات الاجتماعية والاقتصادية التي ترافقها، الأمر الذي يترتب عنه لا محال آثار خطيرة قد تهدد استقرار المجتمع والأسرة على حد سواء.

وعليه، فإن فترة الحجر الصحي التي تمكثها الأسر في منازلها جراء فيروس كورونا قد تتسبب في ظواهر خطيرة أبرزها العنف الزوجي، فالعنف المنزلي ضد النساء في ظل حالة الحجر الصحي بت ظاهرة متزايدة خصوصاً وأن البقاء في المنازل يزيد من فرص الاحتكاك اليومي بين الأزواج، مادامت أن هذه الظرفية أغلب الأزواج متوقفون عن العمل بسبب كون معظم المقاولات والمقاهي والمطاعم التي يشتغلون بها قد توقفت أنشطتها، أو بسبب أرباب العمل الذين اتخذوا قرار تسريح الأجراء، إما بشكل كلي أو جزئي، مما جعل رب الأسرة الذي كان يغيب عن البيت بسبب العمل اليوم أصبح بدوره ملازما بالبيت، وبالتالي  تتزايد معها الخلافات الزوجية نتيجة سلوكات انحرافية على شكل العنف  سواء الجسدي أو الجنسي، أو النفسي أو العنف الاقتصادي.

وقد أثبتت الدراسات أن أغلب حالات الاعتداء الممارس ضد النساء ترتكب من طرف الأزواج وهوما أكدته غالبية مراكز الاستماع، حيث يحتل العنف الزوجي نسبة 95% من مجموع حالات العنف التي تتوافد على هذه المراكز[5]، وقد قام مركز الاستماع والإرشاد القانوني والدعم النفسي لضحايا العنف بالمغرب والذي تأسس سنة 1995 باعتباره جمعية مغربية لمناهضة العنف ضد النساء من خلال حصيلة توصل إليها ما بين 2000 و2003، بكشف عن أن أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له المغربيات يتمثل أساساً في العنف الزوجي وذلك بنسبة 76%، كما جاء في التقرير السنوي لحالات العنف الواردة على مراكز النجدة والايواء سنة 2004 على أن معظم حالات العنف التي يستقبلها المركز بالرباط يأتي في مقدمتها العنف الزوجي[6]، وفي نفس الإطار أصدرت رئاسة النيابة العامة حصيلة القضايا المتعلقة بالعنف ضد النساء، وهي حصيلة لهذه القضايا خلال العشر السنوات الأخيرة – ما بين 2007 إلى 2016 – حيث سجلت ما مجموعه 217384 عدد قضايا العنف ضد النساء، أي ما يقارب المعدل السنوي 21738 قضية[7]، وهي أرقام مخيفة تبين الارتفاع المهول في قضايا العنف، رغم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق مرتكبها خلال هذه الفترة.

بل خلال فترة الحجر الصحي ارتفع عدد ضحايا العنف ضد النساء بشكل كبير، حيث كشفت دورية صادرة عن رئاسة النيابة العامة تسجيل ما مجموعه 892 شكاية تتعلق بمختلف أنواع العنف ضد النساء، سواء الجسدي منه أو الجنسي أو الاقتصادي أو النفسي، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين 20 مارس و20 أبريل 2020، في وقت تـم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط[8]، دون الحديث عن النساء اللواتي لم يستطعن  التبليغ عن العنف الذي تعرضن لـه منذ الشروع في تدابير الحجر الصحي أو المنزلي، إما بسبب مراعاة مصالح البيت والأبناء، أو بسبب انتظارهم لرفع تدبير الحجر الصحي كلياً وعودة المحاكم إلى أنشطتها الطبيعة، وبالتالي اللجوء إليها قصد رفع دعاوى التطليق للشقاق أو الضرر، أو بسبب صعوبة في التنقل خارج المنزل سواء لتواجد الدائم للجاني بالمنزل أو بالنظر في الصعوبة الادارية المرتبطة بالحصول على رخصة التنقل والتي غالبا ما تسلم لأرباب الأسر من الرجال، إلى جانب ضعف امكانية الولوج إلى المعلومة المرتبطة بوسائل التبليغ وعدم التوفر على امكانيات للتبليغ ومن بينها الهواتف الذكية أو البريد الالكتروني أو الانترنيت، نظراً لكون أغلبية النساء أميات، مما يجعلهن عرضة للعنف الذي يشكل في كثير من الأحيان خطراً على حياتهن الجسدية والنفسية وكذا على أطفالهن.

وهذا العدد من الشكايات المسجلة المرتبطة بالعنف الأسري يثير الكثير من القلق والخوف على السلامة الجسدية والنفسية للنساء، مما يجب على الدولة تكثيف جهودها لمواجهة هذا العنف وتطويقه، ما دامت الزوجة حبيسة في بيتها مع زوجها بسبب التزامها بالحجر الصحي في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، وإلا سوف تتفاقم المشاكل بين الزوجين لتصبح المرأة ضحية العنف، مما سيؤثر على توازنها النفسي والتربوي لأطفالها، وذلك بالبحث عن آليات قانونية ومؤسساتية لتصدي لهذا العنف، وبالتالي فما هي آليات المحاربة هذا العنف في ظل ظرفية الحجر الصحي؟ هذا ما سنعالجه في المحور الموالي.

 

 

 

 

 

 

 

المحور الثاني : آلــــيات محاربة العنف الزوجي في ظل الظرفية الاستثنائية

 

عملت بلادنا وفق منهج متكامل، يجمع بين البعد الوقائي والحمائي، على مناهضة العنف ضد النساء، من خلال مجموعة من الإجراءات، مكنت من ضمان الترسيخ الدستوري والقانوني لمحاربة هذا العنف بشتى أنواعه وأشكاله، لتحصين المكتسبات وتطويرها، وبحكم انخراط المغرب في المجتمع الدولي لم يكن بمنأى عن الاهتمام الدولي لمحاربة العنف ضد النساء، لذلك فقد بادر في إطار الوفاء بالتزاماته اتجاه القانون الدولي باعتماد قوانين وسياسات عمومية للنهوض بالمساواة بين الجنسين، وتجاوز إكراهات دخل المجتمع الذي يعرف مختلف أشكال التمييز القانوني والاجتماعي والسياسي ضد المرأة، وبإقرار العديد من الإصلاحات على الصعيد المؤسساتي والتشريعي من أجل التصدي لظاهرة العنف ضد المرأة خاصة منها ظاهرة العنف الزوجي وذلك في أفق القضاء عليها نهائيا.

وقد ساهمت العديد من الفعاليات وعلى رأسها جمعيات المجتمع المدني إلى فضح الانتهاكات الصارخة لحقوق المرأة بما في ذلك محاربة كل أشكال العنف اتجاهها، فبفضل عمليات التعبئة وحملات التحسيسية التي قامت بها ولا تزال تقوم بها استطاعت أن تشكل قوة ضاغطة من أجل تحقيق مطالبها، وهو ما تحقق لها بالفعل من خلال التعديلات المهمة التي أدخلت على المنظومة التشريعية خصوصاً الإصلاح الذي طال مجموعة القانون الجنائي وبإصدار قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، ومن بين هذه الفعاليات نجد جمعيات المجتمع المدني واللجان الجهوية والمحلية، والخلايا المركزية واللاممركزة على مستوى المحاكم والقطاعات المكلف كالمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي وغيرها، بالإضافة إلى المرصد الوطني للعنف ضد النساء، ودور رئاسة النيابة العامة في تلقي التبليغات والشكايات[9] وتحريك الدعوى العمومية في حق مرتكبي جرائم الاعتداء والعنف في حق المرأة.

  • جمعيات المجتمع المدني:

لعبت هذه الجمعيات دوراً كبيراً في تطرقها المبكر لظاهرة العنف إذ تعتبر من الجهات التي تقصدها النساء المعنفات، حيث أخذت هذه الجمعيات على عاتقها فضح مختلف الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة المغربية والتي ظل يلفها الصمت لفترة طويلة، وبفضل جهودها تمكنت من كسر حاجز الصمت لتكشف عن واقع مأساوي تتعدد فيه مشاهد العنف الممارس على النساء عامة وعلى الزوجة بوجه خاص داخل المجتمع المغربي، خصوصاً بعد إنشائها لمراكز الاستماع والإرشاد والتوجيه القانوني لنساء ضحايا العنف، ومساعدتهن على تجاوز محنتهن والدفاع عن حقوقهن ووقايتهن من كل أشكال العنف واللامبالاة، مع دورها الأساسي في التحسيس والتنسيق مع مختلف القطاعات المعنية بمناهضة العنف.

وفي ظل الظرفية الاستثنائية الحالية التي تعيشها بلادنا والعالم بسبب تفشي وباء كوفيد 19، فإن جمعيات المجتمع المدني تتلقى شكاوى واتصالات من قبل النساء المعنفات نظراً للوضعية التي تعيشها النساء اليوم من تفاقم الضغط عليهن، كما هو الحال بالنسبة لباقي أفراد الأسرة الذين يعيشون أيضاً وضعاً ضاغطاً، وهو ما  قد يزيد من حالات العنف، ومعظم هذه الجمعيات قد وضعت أرقام هواتف المراكز التابعة لها لتقديم المساعدة والمواكبة النفسية للنساء ضحايا العنف الأسري على خلفية الحجر الصحي، وهي مبادرة قامت بها عدد من الجمعيات النسائية والتي عوضت غياب خدمات خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف بالمحاكم نتيجة تعليق العمل والاستقبال، في إطار التدابير الوقائية الهادفة إلى الحد من انتشار الفيروس المستجد، وحرصاً على سلامة كل العاملين بالمحاكم وخصوصاً الموظفين بتلك الخلايا، وكذا جميع المرتفقين والمتقاضين.

بالإضافة إلى إطلاق بعض الجمعيات لحملات تحسيسية، كما هو الحال للفيدرالية النسوية التي أطلقت حملة تحت عنوان “المواطنة المسؤولة في ظل وباء كورونا”[10]، للتوعية أولاً بالالتزام بتدابير الحجر الصحي وقرارات السلطات، علاوة على السعي لمحاربة العنف والتمييز ضد النساء، وكون شروط الحجر قد تكرس العنف الزوجي والأسري والاقتصادي والعنف ضد النساء والفتيات بشكل عام.

لكن رغم هذه المجهودات التي تبدلها جمعيات المجتمع المدني لصالح المرأة أو الزوجة المعنفة، فإنها تعاني من صعوبات على أرض الواقع، وأبرزها قلة مراكز الاستماع وتغطيتها الجغرافية غير متساوية بالمناطق المغربية الأمر الذي يترتب عنه عدم الاستجابة لشريحة مهمة من ضحايا العنف بالمملكة، بالإضافة إلى قلة إن لم نقل انعدام مراكز الإيواء المخصص لنساء ضحايا العنف.

وبالخصوص ضحايا العنف الزوجي وفي ظل الظرفية الصحية والحجر الصحي الذي قد تتفاقم المشاكل بين الزوجين العادية والبسيطة، لتصل الأمور إلى الطرد خارج بيت الزوجية، فإن الأمر لا يفرق عن الأيام العادية، حيث يجب اتباع نفس المساطر القانونية، وذلك تطبيقاً للمادة 53 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه ” إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر، تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالاً، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته “، إلا أنه قد يمتنع الزوج عن إرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية وتجد نفسها خارج البيت أثناء الحجر الصحي الذي تعيشه البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، أو قد تعود للبيت مما قد يزيد التوتر بين الزوجين وترتفع معها نسبة الخطر على الزوجة من تعنفها بشتى أنواع العنف، لذا عاقب المشرع على هذه الأفعال في الفصل 480-1 من القانون الجنائي[11] تفادياً لمثل هذه الأفعال التي قد تصدر من الزوج تجاه الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، خاصة هذه الظرفية التي تلزم الأزواج بالمكوث في الحجر الصحي لتفادي الإصابة بهذا الوباء، ونظراً لإنعدام مراكز الإيواء وحتى وان كانت هذه المراكز فأغلبها حالياً تستقطب بالدرجة الأولى المتشردين للحفاظ على صحتهم من الوباء، بل أكثر من ذلك أن هذه المراكز تعاني من محدودية الإمكانيات المادية.

 

  • اللجان المنصوص عليها في القانون رقم 103.13:

        يهدف إحداث اللجن المنصوص عليها في المواد من 11 إلى المادة 16 من الباب الرابع المعنون بآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إلى مأسسة آليات التنسيق بين المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، باعتبار الصلاحيات الهامة التي أسندت إليها بموجب القانون، خاصة المساهمة في وضع آليات لتحسين تدبير عمل خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي، فاللجنة الوطنية التي نصبت يوم 5 شتنبر 2019 تهدف إلى ضمان التواصل والتنسيق وطنياً بين تدخلات القطاعات الحكومية والإدارات المركزية المعنية بموضوع العنف ضد النساء وبالأخص في هذه الظرفية الحساسة، بالإضافة إلى باقي المهام المنوطة بها طبقاً للمادة 12 من القانون السالف الذكر.

أما بالنسبة للجان الجهوية المحدثة على مستوى الدائرة القضائية لكل محكمة استئناف، فتناط بها مهام تكفل بالنساء ضحايا العنف من خلال إعداد خطط عمل جهوية في إطار الاختصاصات الموكولة لها، وضمان التواصل والتنسيق بين السلطة القضائية وباقي القطاعات والإدارات المعنية بقضايا التكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الجهوي، ورصد الإكراهات والمعيقات المرتبطة بعمليات التكفل بالنساء ضحايا العنف واقتراح الحلول المناسبة لها بشكل تشاركي وفي حدود صلاحيات وامكانيات كل قطاع، وغيرها من المهام المنوطة بها طبق المادة 14 من القانون رقم 103.13.

أما بخصوص اللجان المحلية المحدثة على مستوى الدائرة القضائية لكل محكمة ابتدائية، فتسعى إلى القيام بالمهام المنوطة بها وفق ما نصت عليها المادة 16 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي حدد فيه المشرع اختصاصات هذه اللجان بدأ من إعداد خطط عمل محلية في إطار الاختصاصات الموكولة لها، مروراً بضمان التواصل والتنسيق بين السلطة القضائية وباقي القطاعات والإدارات المعنية بقضايا التكفل بالنساء ضحايا العنف وجمعيات المجتمع العاملة في المجال، وغيرها من المهام الأخرى.

وفي ظل استمرار حالة الطوارئ الصحية، وفي إطار التدابير الاحترازية للحد من تفشي وباء كورونا المستجد كوفيد 19 وتماشياً مع دورية السيد رئيس النيابة العامة بشأن المساهمة في محاربة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، عملت النيابات العامة بالمحاكم الابتدائية بالمملكة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفاعل ايجابي مع شكايات وتبليغات المرتبطة بالعنف ضد النساء، مادامت أن هذه الظرفية تجعل المواطنين والمواطنات في وضعية صعبة للولوج إلى المحاكم، وعلى إثر توقف عمل خلايا استقبال النساء والأطفال ضحايا العنف بالمحاكم، أصدرت النيابات العامة بلاغات حول كيفية تلقي الشكايات المتعلق بالعنف، كما هو الحال بالنسبة لنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بورزازات حيث أصدر وكيل الملك بلاغ[12] باعتباره رئيس اللجنة المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف ينهي فيه إلى كافة المواطنين والمواطنات أنه تم إحداث منصة الكترونية كدعامة للوسائل البديلة التي سبق وضعها رهن إشارة عموم المتقاضين والمتمثلة في الأرقام الهاتفية والفاكس، والتي تمكنهم من الاستفادة من خدمة تقديم الشكايات والتظلمات دون ضرورة التنقل إلى مقر المحكمة.

  • الإعلام:

يعتبر الإعلام سلاحاً ذو حدين، فوسائل الإعلام التي تدرك مسؤولياتها تجاه مجتمعاتها تستطيع أن تكون أداة إصلاح، أما تلك التي تتحرك بدوافع تجارية أو نفعية محضة فإنها تتحول إلى معول هدم وتخريب لأركان المجتمع ومن أهمها المرأة التي هي أساس المجتمع، والوسائل الإعلامية لها دور إيجابي في مساهمتها ومشاركتها المباشرة والصحيحة في التصدي للعنف ضد النساء بشتى صوره، حيث أنها تشهد إقبالاً متزايداً باعتبارها المتنفس الوحيد في هذه الفترة الحالية المتعلقة بالحجر الصحي لدى المواطنين، وتستهدف المشاهدين بكافة أعمارهم، مادام أن هناك أسر لا تتوفر على وسائل الاتصال الحديثة من الهواتف المتطورة والأنترنيت وغيرها.

وبالرجوع إلى الإعلام الوطني ودوره في نشر الوعي للتصدي للعنف ضدي النساء خصوصاً في هذه الظرفية الاستثنائية، نجد أنها عملت على نشر إشهارات وحملات تحسيسية وتوعية للمواطنين بخطورة العنف، وتؤكد على ضرورة احترام الرجل للمرأة وعدم المساس بها والاعتداء عليها، كما هو الحال بالنسبة للحملة الوطنية التي أصدرتها اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بشراكة مع مجلس أوربا تحت عنوان ” المرأة في المغرب “، والتي تهدف إلى محاربة كل أشكال العنف ضد النساء، وكذا تعزيز حماية النساء من العنف من خلال تطبيق مقتضيات القانونية ذات صلة، مع نشر أرقام هواتف للدرك الملكي والأمن الوطني قصد التبليغ عن حالات العنف ضد النساء.

كما أطلقت أيضاً حملات أخرى تحسيسية، كالحملة التي شارك فيها ثلة من المشاهير المغاربة في وصلة توعية رقمية برعاية وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، للحد من العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، وذلك بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، في إطار برنامج التعاون البلجيكي، للتغلب على الإكراهات النفسية، خلال مدة الحجر الصحي، تحت شعار: ” هاشتاق #مغاربة متحدين وللعنف ضد النساء رافضين”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمــــة:     

 

خاتماً لموضوعنا هذا يمكننا القول بأن جائحة فيروس كورونا المستجد قد تحولت من أزمة صحية إلى أزمة نفسية واقتصادية واجتماعية ضربت الوسط الأسري بسبب الاحتكاك والضغط الذي ولدته تدابير الحجر الصحي على الأسرة، مما نتج عنه تفاقم ظاهرة العنف الأسري وعلى الخصوص العنف الزوجي في هذه الفترة، ورغم الجهود المبذولة من قبل الدولة خلال هذه السنوات الأخيرة بمختلف آلياته التشريعية والمؤسساتية نحو مواجهة هذه الظاهرة وبذل جهود جمة قصد تطويقها والقضاء عليها، فإن هذه المجهودات غالبا ما تصطدم بعدة عراقيل تحول دون تحقيق الهدف المطلوب خصوصاً وأن الأمر يتعلق بظاهرة معقدة تحكمها عوامل متشابكة ترجع أساساً لكونها تمارس دخل مجتمع لا يزال يقبع تحت مجموعة من الضغوطات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تجعل من الصعب مواجهة هذه الآفة.

ومواجهة العنف الزوجي خلال فترة الحجر الصحي يسجل عدة ثغرات في تدابير الدعم والحماية والتكفل المخصصة للزوجة المعنفة، خاصة في ظل عدم استحضار مقاربة النوع على مستوى التدابير المتخذة للدعم الاجتماعي أثناء الجائحة، وضعف الحماية لها وضمان سلامتها، باعتبار أن العنف المنزلي الذي تواجهه الزوجة لا يقل خطورة عن وباء كوفيد 19، ولا يقل أيضا عن نوع آخر من العنف ألا وهو العنف ضد الزوج وضد الأبناء، الذي يعتبر أيضا من أخطر أنواع العنف الممارس خلال فترة الحجر الصحي، فما هي مظاهر وآليات محاربة العنف الممارس ضد الزوج في ظل الفترة الاستثنائية التي تعيشها بلادنا بسبب تفشي وباء كورونا المستجد؟

[1] – ظهير شريف رقم 1.18.19 صادر في 5 جمادى الآخرة 1439 ( 22 فبراير 2018 ) بتنفيذ القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1439 ( 12 مارس 2018 )، صفحة 1449.

 

[2] – المرسوم رقم 2.20.293 الصادر في 29 من رجب 1441 ( 24 مارس 2020 ) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب  الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في 29 رجب 1441 ( 24 مارس 2020 )، صفحة 1783.

[3] – جريدة اليوم السابع، متى ظهر مصطلح الحجر الصحي في العالم وما أول عزل للمرضى في التاريخ؟ https://www.youm7.com تاريخ الاطلاع: 03/06/2020، على الساعة: 14H 35min

 

[4] – كما في العنف الجسدي: الذي عاقب فيها المشرع جرائم الإيذاء العمدي والضرب والجرح ضد الزوجة في الفصول 400 و401 و404 من القانون الجنائي، بالإضافة إلى جرائم أخرى كالضرب والجرح المفضي إلى عاهة مستديمة في الفصول 402 و404 من نفس القانون، وغيرها من الجرائم.

– العنف النفسي: السب والشتم والقذف المعاقب عليها في الفصول 442 و443 و444 من القانون الجنائي، والتهديد في الفصول من 425 إلى 429 من نفس القانون.

– العنف الجنسي: التحرش الجنسي (الفصل 1-503)، الاغتصاب (الفصل 486)، هتك العرض (الفصول 484 و485 و488)، وغيرها من الجرائم.

العنف الاقتصادي: الإمساك عن أداء النفقة (الفصل 480)، النصب والاحتيال (الفصل 540)، وغيرها من الجرائم.

[5] – كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين، تقرير عن الحملة الوطنية لمناهضة العنف الممارس ضد النساء، “محاربة العنف ضد النساء مسؤولية الجميع… منسكوتش عليه”، الرباط، 24 -30 نونبر 2004، صفحة 30.

 

[6] – الفيلالي خديجة، العنف الأسري ضد المرأة بالمغرب أية حماية؟ -العنف الزوجي نموذجا-، رسالة لنيل دبلوم الماستر، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة فاس، السنة الجامعية 2005/2006، منشورة بمجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، العدد 10.

 

[7] – احصائيات منشورة بالمنصة الالكترونية لرئاسة النيابة العامة: http://www.pmp.ma

 

[8] – احصائيات منشورة بالصحفة الالكترونية لهسبريس، تحت عنوان ” ارتفاع العنف ضد النساء والأطفال خلال الحجر الصحي يصل البرلمان “، بالموقع الالكتروني: https://www.hespress.com/societe/471521.html، تاريخ الاطلاع: 05/06/2020، على الساعة: 9H.

[9] – وهو ما كان لها بعد أن وضعت منصة الكترونية http://www.pmp.ma:85/ بين يد العموم قصد تقديم شكاياتهم المتعلقة بالعنف ضد النساء، في إطار إعطائها الأهمية والأولوية في المعالجة، واتخاذ إجراءات الحماية المقررة بمقتضى القانون لفائدة النساء والأزواج عموما بما يتلاءم مع الوضعيات التي تتطلب الحماية.

[10] – مأخوذ من الموقع الالكتروني: https://2m.ma/ar/news، تحت عنوان ” فيدرالية نسوية تطلق حملة لمحاربة العنف والتمييز ضد النساء خلال الحجر الصحي”، اطلع عليه 07/06/2020، على الساعة: 18H 00min.

[11] – ينص الفصل 480-1 من القانون الجنائي على ما يلي ‫” يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر غرامة من 2.000 درهم إلى 5.000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة، وتضاعف العقوبة في حالة العود‫”

[12] – بلاغ صادر عن وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بورزازات، عدد 206/2020 ر.ن.ع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى