التعليق على مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة – معاذ فخصي
مقال قانوني تحت عنوان:
التعليق على مسودة مشروع
قانون مهنة المحاماة
- ذ: معاذ فخصي
- محام متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء
- طالب باحث بكلية الحقوق بالدار البيضاء
مقدمة
“للعدالة جناحين لا يمكن أن تحلق عاليا بلا أحدهما” هي عبارة لطالما رددت على لسان أهرامات مهنة الدفاع ورجال السلطة القضائية، إذ وبناء على سنوات خلت أمضوها داخل أسوار المحاكم ومجال العدالة، اكتشفوا على أن مهنتي المحاماة و القضاء هما أساس العدالة ومحركها الأساسي.
فإذا كان القاضي هو من يحكم في النزاع بحجية قراراته، فإن المحامي هو من يدافع على الحق وينصر المظلوم من خلال تقديمه للمقالات والمذكرات والمرافعات التي لا يمكن أن نصل إلى مرحلة صدور الحكم إلا بعد المرور منها. وبهذا المعنى يمكن أن نقول أن المحامي يصنع الحكم القضائي باجتهاده وبحثه ومذكراته ودفوعه، ليبقى للقاضي الترجيح ما بين الطرفين بناء على روح القانون وقواعده.
نتاجا لهذه الحتمية، فإن إصلاح التشريع المتعلق بمهنة المحاماة هو مطمح أساسي للوصول لعدالة ناجعة، حيث أسفر قانون مهنة المحاماة الحالي عن مجموعة من الملاحظات والنقاشات الساخنة أحيانا، والتي تنادي بتعديل هذا النص بقانون مهنة جديد حداثي ومتطور يستجيب للغايات والمطامح ويلبي المناداة والمطالب.
لأجل ذلك وتفعيلا لمجموعة من الملتقيات العلمية، تم وضع مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة من طرف جمعية المحامين بالمغرب بوصفها الجهاز المناط له السهر على حماية المهنة، فصادق مكتب الجمعية على النسخة الأخيرة إلى حدود اليوم، وقد تمت هذه المصادقة بتاريخ 06\07\2019 بالبيضاء.
“فإلى أي حد يمكن وصف مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمشروع الحداثي والمتطور”؟
جوابا على هذه الإشكالية نقترح صياغة هذا الموضوع وفق محورين: محور أول نسرد فيه أهم المستجدات التي طالت هذا المشروع على جميع المستويات، ثم نشرع في محاولة التعليق على أهم النقط التي أثارت بعض الجدل والنقاش.
المحور الأول: مستجدات مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة
عرفت نسخة مسودة المشروع المقترحة من طرف جمعية المحامين بالمغرب مجموعة من المستجدات، والتي انقسم الرأي حولها بين المؤيد والمعارض، وقد خصت هذه التعديلات مجموعة من النقط التي تمس بعض القواعد الجوهرية في القانون الحالي. وسنحاول سرد هذه المستجدات عبر الإحاطة بمجموعة من المستويات.
ما وجب الإشارة إليه أولا، هو أن المادة الأولى من المشروع قد خصت تغيير صيغة التعريف التشريعي لمهنة المحاماة، وذلك باستبدال عبارة مساعدة القضاء بعبارة “مشاركة السلطة القضائية” فالمحاماة شريك فاعل للقضاء في تحقيق العدالة، أما المساعدة، فتدل في معناها على ثانوية الدور المناط، عكس المشارك الذي لا يقوم الأمر إلا بحضوره، وهو ما ينطبق على مركز المحامي في الخصومة القضائية.
كما أن عبارة السلطة القضائية جاءت لتواكب ما استحدث في الشأن القضائي وخاصة استقلال السلطة القضائية على وزير العدل وتغيير المصطلح المعمول به. فجاء في صيغة المادة الأولى من مسودة المشروع: “ مهنة حرة مستقلة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات. والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء”.
- على مستوى الانخراط في المهنة
لقد شهد القانون 28.08 مجموعة من الانتقادات بخصوص شروط الالتحاق بمهنة المحاماة، حيث اعتبر البعض أن هذه الشروط تعتبر تسهيلا لسياسة الدولة في امتصاص البطالة، فاللجوء إليها يكون على شكل اجتياز امتحان كتابي وشفوي فقط، فيتمكن الحاصل فيه على المعدل أن يحصل من شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة …
نتاجا لذلك، تدخل المشرع ليعدد شروطا صارمة للراغب في الترشح للمهنة، يبقى أهمها الشهادة الجامعية المتطلبة، والتي رفعها إلى شهادة الماستر في العلوم القانونية، إضافة إلى شرط الحصول على شهادة الكفاءة واجتياز امتحان التخرج بنجاح.
وبذلك أصبح يجتاز المرشح مباراة تسمى مباراة الولوج لمعهد التكوين، وبعد نجاحه فيها يتلقى تكوينا في المعهد مدته سنتين، ليحصل بعد اجتيازه للامتحان على شهادة الكفاءة لمزاولة مهنة المحاماة التي تخول له الولوج إلى إحدى المكاتب للتمرين لمدة سنتين، ويخضع بعد انتهاء مدة التمرين لامتحان كتابي وشفوي يجب أن يجتازه بنجاح تحت طائلة التمديد ثم الحذف.
- على مستوى التنافي :
لم يأتي المشرع بجديد كبير بالنسبة لحالات التنافي، حيث دقق عبارة البند 4 من المادة 7 من القانون الحالي، ليشير إلى عبارة ” وظيفة محاسب أو أجير خاضع لمدونة الشغل”.
غير أن الجديد الأساسي في باب التنافي هو إزالة المشرع للبس والغموض الذي كان يشوب مسألة التدريس في المعاهد والكليات، فجاء المشرع صراحة وأقر من ضمن الحالات التي لا تتنافى مع مهنة المحاماة، التدريس في المعاهد والجامعات ولكن بطريقة عرضية فقط، وهو ما يعرف في الوسط الجامعي بالأستاذ الزائر. إذ أصبح يعتبر عنصر الاعتياد عنصرا مهما جدا في القول بالتنافي من عدمه والحالة هذه.
- على مستوى التمرين:
جاء المشروع في باب التمرين ببعض المستجدات التي لبعضها علاقة بما أسلفنا تبيانه على مستوى الانخراط في المهنة، وأول ما يلاحظ هو إزالة المشرع لشهر مارس كأجل لوضع ملف التقييد في لائحة التمرين، فأصبح حسب المشروع شهر أكتوبر من كل سنة هو الشهر الذي تكون فيه مكنة رفع الطلب التقييد في لائحة التمرين.
وإذا كانت شرعية وقانونية واجب الانخراط قد أثارت ولازالت تثير جدلا كبيرا وآراء متعددة، فإن المشرع وفق هذا المشروع قد حسم الجدل بشأنها، فأسس لها ولشرعيتها بنص واضح وصريح يوجب من خلاله على الراغب في التمرين أن يدلي بما يفيد أداءه لواجب الانخراط.
كما حاول المشرع تجنب طول صياغة القسم المهني وغموض بعض عباراته وتبعيتها لجهات معينة، فعدل القسم المهني وفق المادة 13 من المشروع بصياغة جديدة ومختصرة جاء فيها “أقسم بالله العظيم، أن أمارس المحاماة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية واحترام لقواعدها ومؤسساتها”.
وقد ترك المشروع ترأس جلسة القسم للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، بعد أن كانت قد أسندت مشاريع سابقة ترأس الجلسة للسيد النقيب.
عموما تستغرق مدة التمرين حسب المشروع سنتين يقضيها المتمرن بأحد المكاتب المستوفية للشروط القانونية، وذلك بعد أن يكون قد مر من مرحلة تكوين بالمعهد مدتها سنتين، لتكون المدة التي يمر منها المحامي قبل تسجيله في الجدول هي 4 سنوات قابلة للتمديد في حالة عدم نجاح المتمرن في الامتحان الكتابي أو الشفوي الذي يجتازه بعد انتهاء مدة التمرين، أو في حالة الإخلال بالتزام من التزاماته المهنية المنصوص عليها قانونا، والتي تم الحفاظ عليها مع زيادة بند آخر يوجب على المتمرن إعداد تقرير مفصل عن مدة التمرين بمساعدة من المشرف على التمرين ورفعه إلى السيد النقيب.
من أهم المستجدات التي جاء بها المشروع هي فيما يخص الأشخاص المعفون من التمرين، والذين تنظمهم المادة 18 من القانون الحالي، فبما أن المشروع قد أضاف سنتين يقضيها المترشح في معهد التكوين، فإن أحكام المعفون اختلفت بين شريحة تعفى من امتحان الكفاءة والتمرين، وهي المنصوص عليها في المادة 21 من المشروع وهم:
– المحامون الذين ينتقلون من إحدى هيئات المحامين بالمغرب بعد قبول استقالتهم إلى أخرى شريطة ألا تزيد مدو انقطاعهم عن الممارسة ثلاثة أشهر؛
– المحامون المنتمون لإحدى الدول الأجنبية التي أبرمت مع المغرب اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بمزاولة مهنة المحاماة في الدول الأخرى بعد إثبات استقالتهم من الهيئة التي كانوا يمارسون بها شريطة ألا تزيد مدة انقطاعهم عن الممارسة على ثلاثة أشهر؛
– قدماء المحامين الذين سبق تسجيلهم مدة خمس سنوات على الأقل بدون انقطاع في جدول هيئة أو عدة هيئات للمحامين بالمغرب أو بإحدى الدول الأجنبية المبرمة لاتفاقية دولية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بمزاولة مهنة المحاماة في الدول الأخرى، ثم انقطعوا عن المزاولة، شريطة ألا تزيد مدة هذا الانقطاع على عشر سنوات.
أما النوع الثاني -وهم الواردون في المادة 20 من المشروع- فهو المعفى من شهادة الكفاءة فقط دون التمرين وهم:
– قدماء القضاة الخاضعون للنظام الأساسي للقضاة، الحاصلون على شهادة دكتوراه الدولة في القانون أو الشريعة أو شهادة الدكتوراه في القانون أو الشريعة، أو ما يعادلها طبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، الذين لا يتجاوز سنهم عند تقديم الطلب 55 سنة بعد قبول استقالتهم؛
– أساتذة التعليم العالي الذين لا يتجاوز سنهم عند تقديم الطلب 55 سنة بعد قبول استقالتهم.
مما يكون ومعه وبمفهوم المخالفة للمادة 20 إلزامية قضاء السادة القضاة والأساتذة الجامعيين لسنتين للتمرين في إحدى المكاتب.
كما يلاحظ رفع سقف شرط الالتحاق بالمهنة من طرف السادة القضاة لدرجة الحصول على شهادة الدكتوراه وعدم تجاوز سن أقصاه 55 سنة عملا بمبدأ التعامل بالمثل.
أما على مستوى الجدول فقد احتفظ المشرع تقريبا بنفس أحكام الفصول من 19 إلى 24 من القانون الحالي، باستثناء مسألة مهمة تتعلق بقضاة محكمة النقض الذين استثناهم المشرع في القانون الحالي من شرط عدم إمكانية مزاولة مهنة المحاماة لمدة 3 سنوات في هيئة اشتغلوا في دائرتها، حيث شهدت هذه المكنة ظهور تلاعب البعض، وذلك بالعمل على انتقالهم إلى محكمة النقض قبل تقاعدهم أو استقالتهم ليتمكنوا من الاستفادة من هذا الاستثناء، فتدخل المشرع في ظل المشروع ليزيل هذا الاستثناء وهذه المكنة.
- على مستوى اختصاصات المحامي:
كان توسيع اختصاصات المحامي و لا يزال مطمحا أساسيا للمحاميين والمحاميات، إذ أن الكم الهائل من المحامين الموجودين والموزعين على الهيئات السبعة عشر للمملكة يستوجب توسيع اختصاص المحامي، وخلق توازن مالي بين كل المحامين، إضافة إلى أثر ذلك على تطوير منظومة العدالة ببلادنا، فالمحامي يبقى أهم العارفين بخبايا المحاكم والإجراءات وقواعد الدفاع واستيفاء الحقوق.
لأجل ذلك حاول واضعوا مشروع قانون المهنة توسيع مجال اختصاص المحامي ليشمل مجموعة من المستحدثات الناجعة.
إن المتصفح للمادة 33 من المسودة سيستشف صرامة واضعي المشروع في هذه المسألة، فقبل أن يعدد المشرع لحالات تدخل المحامي جاء بالصياغة التالية:
” يختص المحامي دون غيره” قاطعا بوضوح أي تدخل في اختصاصات المحامي من طرف أي جهة من الجهات.
وعموما يبقى أهم ما استجد في اختصاصات المحامي في ضوء هذا المشروع:
- تحرير عقود تأسيس الشركات أو الرفع أو الخفض من رأسمالها
- إعداد الدراسات والأبحاث في الميدان القانوني
- مهام التصفية الرضائية
- مهام وكيل أعمال فني أو رياضي أو في مجال الملكية الصناعية والفكرية[1]
- إلزامية الشركات التي يتطلب القانون إلزامية تنصيب مراقب حسابات فيها أو التي يتجاوز رقم أعمالها 500 مليون درهم التعاقد مع محامي أو أكثر.
- التوقيع على العقود العرفية تحت طائلة بطلانها
- ضرورة تمثيل الإدارات والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والشركات والجمعيات بواسطة محامي
- إزالة استثناءات الترافع الشخصي والإبقاء فقط على حالة الجنح الضبطية والمخالفات.
وهو توجه سبق للمشرع الفرنسي أن أقره في قوانينه الداخلية، فأعطى للمحامي في فرنسا صلاحية القيام بمجموعة من المهام من قبيل أن يكون وكيلا رياضيا للرياضين بشتى أنواعهم والتفاوض نيابة عنهم بموجب المادة 4 من القانون 2011\311 الخاص بعصرنة المهن القضائية والقانونية، كما يمكنه القيام بدوروكيل في الصفقات العقارية بموجب الفقرة 3 من المادة 6 من القانون الداخلي لمهنة المحاماة،[2] إضافة إلى وكالته عن الفنانين والمؤلفين وغير ذلك.
هذه إذن كانت أبرز الاختصاصات التي أصبحت موكولة للمحامي وفق مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، وتجدر الإشارة إلى أن المشروع قد قلص من سن قبول المحامي للترافع أمام محكمة النقض لعشر سنوات عوض 15 سنة مع شرط إثبات المحامي المقبول للترافع سنويا خضوعه لتكوين مستمر في إحدى التكوينات المقبولة لمدة لا تقل عن 20 ساعة سنويا. كما يخضع المحامون بصفة عامة لتكوين مستمر وفق برنامج سنوي منظم.
- على مستوى المؤسسات
لم يشمل المجال المؤسساتي تغييرا كبيرا وفق المسودة، سواء على مستوى الجمعية العمومية أو مجلس الهيئة أو مؤسسة النقيب.
ومن ما شمله الطابع المؤسساتي من تغيير، نذكر الحرص على مقاربة النوع على مستوى التمثيليات النسائية بالمؤسسات المهنية، إذ اشترط المشرع ضرورة حضور الربع النسوي من أعضاء المجلس على مستوى الفئة التي تتراوح أقدميتها ما بين 10 و 20 سنة.
كما أضيف للاختصاصات المجلس صلاحية وضع نظام إجباري للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة المحامين والمحامين المتمرنين مواكبا بذلك للمستجد المتعلق بالتكوين.
على مستوى التبليغات والطعون
من ما استحدث في المشروع على مستوى التبليغات والطعون تحديد أجل 30 يوم يتم فيها تبليغ قرارات النقيب ومقررات الهيئة، على عكس القانون الحالي والذي لم يحدد أجلا لذلك.
كما عوض توقيع كتابة النيابة العامة على محاضر انتخابات مجلس الهيئة بالتأشير عليها فقط.
إضافة إلى أن المسودة حاولت تصحيح الغموض الذي تخلفه عبارة ” كل الأطراف المعنية” الواردة في المادة 94 من القانون الحالي، ليعوضها بمصطلح “المحامين” فهؤلاء هم الوحيدون الذين لهم صفة الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة وانتخابات النقيب إضافة إلى النيابة العامة في شخص الوكيل العام.
المحور الثاني: التعليق على مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة
شهد التفاعل مع مسودة المشروع الخاص بمهنة المحاماة المعد من قبل جمعية المحامين بالمغرب تضاربا في التفاعل معه، إذ أن هناك فريق يؤيده ويصفق له، فيعتبرونه مشروعا ملائما للمهنة، أما الفريق الثاني فقد عارض بعض مقتضياته وطالب بضرورة التدخل لتعديلها.
صحيح أن المشروع قد جاء بمجموعة من المستحدثات التي تستوجب النضال عليها والترافع من أجلها، إلا أنه لازال يتضمن بعض النقط القابلة للنقاش والتمحيص.
سنحاول من خلال هذا المحور بسط أهم النقط الجديرة بالنقاش سواء في شقها الإيجابي أو السلبي.
▪ ولوج السادة القضاة للمهنة ومبدأ المعاملة بالمثل.
لعل المستجدات التي طالت شروط ولوج السادة القضاة لمهنة المحاماة تعتبر أبرز نقطة أثارت الكثير من وجهات النظر بين المؤيد والمعارض، وبين موقف وسط يحاول تقريب وجهات النظر، لذلك فضلنا البداية بها أولا.
لقد اعتبر بعض القضاة أن الشروط الجديدة في المشروع الخاصة بولوجهم لمهنة المحاماة تعتبر شروطا تعجيزية ستؤدي إلى إغلاق باب هذه المهنة عليهم. أما الرأي الآخر فيعتبرها شروطا عادية إن نحن قارنها مع ما يشترط في حق السادة المحامون للولوج لمهنة القضاء، حيث جاء في المادة 10 من القانون 13.106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ما يلي: “يعفى من المباراة المترشحون الحاصلون على شهادة دكتوراه الدولة في القانون أو الشريعة أو شهادة الدكتواره في القانون أو الشريعة أو ما يعادلها طبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل الذين لا تتجاوز سنهم عند تقديم الطلب 55 سنة منتمون إلى بعض فئات المهنيين والموظفين التالي بيانهم:
- …….. ؛
- المحامون الذين مارسوا مهنة المحاماة بصفة فعلية لمدة لا تقل عن 10 سنوات”.
وبتصفح هذه المادة نجد أن المحامي الراغب في الالتحاق بصفوف القضاء يشترط فيه الحصول أولا على شهادة الدكتوراه، ثم عدم تجاوز سن 55 سنة، إضافة إلى أقدمية في مهنة المحاماة لمدة 10 سنوات، وهي لعمري شروط تعجيزية قد تستحيل معها هذه المكنة.
نقول من منظورنا الشخصي المتواضع أن كلا من المهنتين لا تقل أهمية وقيمة وفكرا وتكوينا عن الأخرى، فكلاهما تحتاجان للمواكبة القانونية والتكوين المتين، وبذلك فإن اشتراط واضعي مشروع مهنة المحاماة للشروط السالف بيانها هي بمثابة معاملة بالمثل، إذ لا يعقل أن يفتح الباب بيسر أمام السادة القضاة سواء في مرحلة اشتغالهم أو ما بعد إحالتهم على التقاعد، مقابل إغلاق الباب أمام السادة المحامون بموجب ما ذكرنا آنفا في المادة 10 من النظام الأساسي.
إن الحل الأمثل إذن، هو إما إصلاح هذه الشروط المنصوص عليها في النظام الأساسي للقضاة وجعلها تواكب ما هو مكرس في القانون الحالي لمهنة المحاماة، أو تعديل هذا الأخير بما يتلاءم والصيغة الحالية للنظام الأساسي للقضاة، فلا يستساغ أن يسمح للقاضي في تجاوز سن معين، بل قد يكون قد أحيل إلى التقاعد فيسمح له بالولوج لمهنة المحاماة، مقابل اشتراط سن 55 سنة وشهادة الدكتوراه في الضفة الأخرى، ومن تم فقواعد العدل والإنصاف تقتضي إعادة النظر بشأن ذلك.
أما قضاء السادة القضاة حسب المشروع لتمرين مدته سنتين، فهو أيضا يدخل ضمن مبدأ المعاملة بالمثل، إذ بالرجوع إلى النظام الأساسي للقضاة في مادته 12 نجدها تنص على ما يلي: ” يقضي القضاة المعينون طبقا للمادة 9 و10 أعلاه تكوينا بمؤسسة تكوين القضاة يحدد القانون مدته”
وهو أمر عادي، إذ لا بد في كلتا المهنتين من تكوين يستوعب بواسطته مجال القضاء أو المحاماة والتشبع بأعراف المهنة وتقاليدها والسير التطبيقي لمهامها.
تجدر الإشارة إلى أن السادة القضاة وحسب المشروع بصيغته الحالية معفون من شهادة الكفاءة فقط، وغير معفون من التمرين، وبذلك يستوجب على القاضي ضرورة قضاء تمرين مدته سنتين.
▪ تنافي مهنة المحاماة مع التدريس في الجامعات
أسالت نقطة تنافي مهنة المحاماة مع التدريس في المعاهد والجامعات مداد العديد من الباحثين، لا سواء قبل صدور القانون 28.08 ولا في ظل ظهير 1993 المنسوخ، وقد حاول المشرع توضيح الأمر بموجب مشروع مهنة المحاماة، حيث جاء بعبارات واضحة على الشكل الآتي: ” لا تتنافى مهنة المحاماة مع: – مزاولة مهنة التدريس في المعاهد والكليات بصفة عرضية”.
وبذلك يكون المشرع قد أعطى مكنة التدريس في الجامعات بشكل عرضي غير دائم في إطار ما يعرف في الوسط الجامعي بالأستاذ الزائر أو أستاذ الدروس التطبيقة. غير أن ما يمكن ملاحظته هنا هو عدم إشارة المشرع للجانب المالي لهذا التدريس، فقد ينتج عن ذلك التدريس العرضي مجموعة من العائدات الربحية المهمة التي قد تسقط معها حكمة المشرع من إقرار التنافي بشكل عام.
إن موقفنا المتواضع بخصوص هذه النقطة يتوجه حول المناداة بإزالة مصطلح “العرضية” وإقرار إمكانية التدريس بالجامعات والمعاهد من دون أي قيد ولا شرط، لما يصحب ذلك من نفع للنهوض بالعدالة بالمغرب بطريقة غير مباشرة، فمكونات العدالة وقبل تربعها على المناصب الدفاعية والقضائية والتوثيقية وغيرها، كانت في الماضي القريب تدرس بكليات الحقوق، وبذلك فطلبة اليوم الذين يؤتتون مدرجات كليات الحقوق هم مستقبل الغد والفاعلون في مجال العدالة مستقبلا، وبإشراك المحامي في المنظومة التعليمية الجامعية سينتج لا محاله إضافة تحصيلية زائدة، لما يحمله من حمولة نظرية مصدرها تدرجه في صفوف البحث العلمي ووصوله لدرجة الدكتوراه، وتطبيقية مصدرها طبيعة عمله كمحامي.
- اختصاصات المحامي
إن توسيع واضعي مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة من اختصاصات المحامي أمر مؤكد وضرورة ملحة، إذ أن طبيعة سير المساطر القضائية والخصومات تقتضي حضور أشخاص متخصصين في ذلك، يسايرون المسطرة شكلا وموضوعا ويسهرون على إرجاع الحق لأصحابه والدفاع المستنير عن العدالة.
إن تجربة منح الأشخاص حق الترافع شخصيا أسفرت عن ضياع مجموعة من الحقوق من أصحابها وتعطيل المساطر وتأخرها، مما يضطر معه عمليا السادة القضاة إلى إلزام الأطراف بتعيين محامي على الرغم من أن القانون يعطيهم حق الترافع شخصيا وفق المادة 32 من القانون 28.08.
لأجل ذلك نرى أن المشرع وفق هذا المشروع قد حاول جاهدا توسيع اختصاصات المحامي وتطويرها خاصة بعد الأعداد التي دخلت المهنة، فمنطق الملائمة يقتضي خلق فضاء مهني كافي لاستيعاب المحامين مهما كثرة أعدادهم.
ما يجب توضيحه والحالة هذه هو ضرورة العمل على خلق نوع من التوازن بين هذا المشروع وباقي المشاريع الأخرى المحيطة به وخاصة مشروع قانون المسطرة المدنية، فبالرجوع إلى هذا المشروع نجده في المادة 71 يتناقض تناقض صارخا مع ما تضمنه مشروع قانون مهنة المحاماة، إذ عمل على توسيع حالات الترافع الشخصي مقابل تضييق حالات تدخل المحامي، فاحتفظ بالحالات المنصوص عليها في المادة 32 من القانون 28.08 وأضاف عليها حالات الزواج والطلاق الاتفاقي وأجرة المحضون والحالة التي يكون فيها أحد الأطراف قاضيا أو محاميا، بل أضاف وفق المادة 370 في فقرتها الثانية إمكانية الترافع شخصيا أمام محكمة النقض في الحالة التي يكون فيها أحد الأطراف قاضيا أو محاميا. وهو لعمري أمر لا يستقيم إطلاقا، ومن تم وجب التدخل لإصلاح تضارب قانوني قد ينتج بين هذين النصين. ولا تفوتنا الفرصة هنا لنسجل استغرابنا من توجه المشرع في مشروع ق.م.م، إذ في الوقت الذي نحتاج فيه توسيع اختصاصات المحامي نتفاجأ باتباعه منهج التضييق الغير اللائق على اختصاصاته، مما سينتج وبالحتمية المطلقة مجموعة من الآثار السلبية الماسة بروح العدالة وغاياتها.
ومن ما يمكن ملاحظته على اختصاصات المحامي في ضوء المشروع، هو أن المادة 34 منه والتي أوجبت على الشركات اللازم تعيين مراقب حسابات بها أو التي يتجاوز رقم معاملاتها 5 مليون درهم تعيين محامي كمستشار قانوني بها، غير أن الملاحظة تتمثل في عدم ترتيب المشرع لأي جزاء من جراء عدم احترام هذا الإجراء، فعلى الرغم من أنه استعمل صيغة الوجوب، إلا أنه لم يرتب جزاء على ذلك، عكس ما فعله المشرع في قانون الشركات بخصوص تعيين مراقب الحسابات، والذي رتب البطلان على عدم احترام ذلك.
لأجل ذلك ندعو المشرع إلى ترتيب جزاء البطلان أو غيره من الجزاءات الناجعة لإضفاء فعالية أكبر على هذا المقتضى الذي يعتبر مكتسبا مهما للمحامين، ورافعا لمجال المال والأعمال، لما للجانب القانوني والاستشاري من حضور في حياة المقاولة وعلاقتها مع الأغيار.
في نفس السياق وارتباطا بنفس المادة يمكن أن ينتج عن هذه المكنة ظهور تصرفات تخل لأعراف وتقاليد رسالة المحاماة الشريفة، فقد تظهر فئة من المحامين الذين سيتعاقدون مع مجموعة من الشركات بأثمنة بخسة جدا وبمنطق استحواذي احتكاري سلبي، ويمكن تجنب ذلك إما بإقرار المشرع لحد أدنى من الثمن الممكن للمحامي هذا استيفاءه من جراء هذا التعاقد، أو تضييق ذلك بإلزام المحامي عدم تجاوز حد معين من التعاقدات في هذا المجال كعدم إمكانيته تجاوز التعاقد مع شركتين أو ثلاث.
- شروط الولوج لمهنة المحاماة
تدخل المشرع وفق مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة ليحصن المهنة من يسر وسهولة الولوج إليها، فأقر مجموعة من الشروط الأساسية التي ستجعل من الولوج لمهنة المحاماة وعلى غرار باقي المهن أمرا ليس بالهين، فيصبح الولوج لمهنة المحاماة متوقفا على الكفاءة والصبر وطول النفس.
وإذا كنا نتفق مع المشروع في اشتراطه لشهادة الماستر في القانون، لما يحمله هذا الشرط من افتراض التحصين التكويني للمترشحين، فإننا لا نتفق معه في الصيغة التي حدد بها هذا الشرط، حيث أن المشرع لم ينتبه فيها إلى إمكانية حصول المرشح على شهادة الإجازة في تخصص خارج التخصص القانوني، إذ هناك مجموعة من الماسترات في القانون التي تعطي إمكانية الولوج إليها لحاملي الإجازة في تخصصات أخرى كالاقتصاد والشريعة مثلا. ومن المعلوم أن الماستر لا يعدوا أن يكون إلا تعميقا للمعلومات الأساسية التي تكتسب في مرحلة الإجازة في القانون.
لأجل ذلك ندعو المشرع إلى التدخل لتعديل صياغة هذا المقتضى بما يستقيم وحكته في ذلك.
من المظاهر الجديدة الخاصة بالولوج للمهنة المحاماة مدة أربع سنوات التي يقضيها المرشح قبل ترسيمه، إذ يقضي سنتين بمعهد التكوين وسنتين بإحدى المكاتب كمحامي متمرن، لكن ما يثير بعض الملاحظات هنا هو شرط النجاح في اختبار كتابي وشفوي عند انتهاء التمرين تحت طائلة التمديد أو الحذف، إذ لا يعقل ومن منظورنا المتواضع أن يقضي المحامي سنتين للتكوين يجتاز في نهايتها اختبارا، ثم سنتين للتمرين ليشترط عليه مجددا ضرورة اجتياز امتحانين كتابي وشفوي، بل ونرتب على رسوبه آثار تصل إلى درجة الحذف من لائحة التمرين.
لذلك ندعو المشرع إلى محاولة تغيير هذا المنهج بموازنة تراعى فيها مصلحة المحامي المتمرن والمصالح الأخرى. ونقترح بدورنا قيام المحامي المتمرن في نهاية تمرينه ببحث لنهاية التمرين يشرف عليه أحد المحامين ويناقشه أمام لجنة علمية.
- ولاية النقيب
من ما نادى به العديد من المهتمين بشأن مهنة المحاماة هو صلاحية تعيين النقيب لولاية واحدة فقط غير قابلة للتجديد.
فبناء على القانون الحالي والمشروع أيضا يمكن للنقيب بعد مرور ولايته وولاية لاحقة أن يترشح من جديد لمنصب النقيب الممارس، وهو شيء قد يمس بنبل المهنة ومصداقيتها، كما قد يجعل من منصب النقيب قابلا للاحتكار والهيمنة. لأجل ذلك نضم صوتنا لصوت كن نادى بولاية واحدة للنقيب مع حضوره الممكن كعضو في المجلس لأناء المؤسسة بتجربته.
- مبلغ الانخراط
حسم المشرع وفق المشروع الجدل الذي كان يشوب مبلغ الانخراط وانعدام الأساس القانوني الصريح له، فأصبح وفق المشروع لهذا المقتضى نص خاص وواضح يشرعن مسألة وجوب أداء واجب الانخراط للتسجيل في لائحة التمرين.
غير أن ما يمكن المناداة به والحالة هذه هو مقترح توحيد واجب الانخراط هذا ليكون واجبا موحدا لدى كل الهيئات على الصعيد الوطني، وذلك من تكريس مبدأ المساواة واجتناب إمكانية التعسف في إقرار تلك المبالغ.
تجدر الإشارة إلى أن استقلال مهنة المحاماة التام عن كل المؤسسات وخاصة عن الدولة في شخص وزارة العدل هو استقلال يشمل كل المناحي وأهمها الناحية المالية، مما يستوجب موارد مالية للهيئات لتأطير الشأن المهني وتغطية حاجيات المهنة والمحامون، مما يجعل واجب الانخراط الذي يدفعه المحامي قبل اللجوء إلى المهنة أمر لابد منه، غير أن الأمر لا زال يحتاج للمراجعة في الشق المتعلق بحجم المبلغ وعدم ثباته بين الهيئات الوطنية.
خاتمة
لقد بادرت جمعية المحامين بالمغرب بوضع مسودة مشروع مهنة المحاماة بعد العديد من الانتظارات والمطامح والنداءات، بوصفها مؤسسة عالمة بالمحامي وبرغباته وخصوصيات المهنة، وبالأساس عالمة بأعراف المهنة وتقاليدها، فتشريع نص خاص بمهنة المحاماة يختلف عن وضع نص قانوني يهم مقتضيات معينة وينظم علاقات قانونية معينة، إذ أن هذه المهنة تحكمها رسالتها العميقة وأعرافها وتقاليدها العريقة، وقد حاول واضعوا المشروع الحفاظ أولا على المكتسبات وإضافة مجموعة من النقط التي أصبح غاية ملحة تدخل ضمن جدول الضروريات.
إلا أن هناك مجموعة من النقط التي أثارت العديد من النقاشات والتضاربات سواء بين المحامين أو بين المؤسسات التي يهمها أمر هذا المشروع، لذلك وجب بالأساس التدخل لتعديل بعض المقتضيات الطفيفة التي ستجعل من قانون مهنة المحاماة قانونا حداثيا يسيرا يلبي كل الغايات ويحيط بكل المصالح.
ونحاول في الأخير إرساء بعض الاقتراحات المتواضعة كالآتي:
▪ ترتيب جزاء قانوني على الشركات المخلة بشرط إبرام عقود مع المحامي.
▪ إعفاء المتمرنين وفق المسودة من قيد الامتحان الكتابي والشفوي بتبعاته القانونية.
▪ العمل على ملائمة المسودة مع باقي المسودات والمشاريع الأخرى المواكبة.
▪ العمل على إرساء قواعد حمائية للمحامي تواكب ما تم إقراره من مسؤوليات متعددة في باقي المشاريع
▪ الاهتمام بالجانب الإلكتروني و قواعد منصة المحامي وإرساء قواعد قانونية تواكبها.
▪ التنسيق مع وزارة العدل من أجل خلق حل قانوني تشاركي في شروط ولوج السادة القضاة لمهنة المحاماة مع استحضار مبدأ المعاملة بالمثل.
[1] _ يلاحظ أن المشرع هنا استعمل مصطلح الملكية الصناعية والفكرية، والحال أن الملكية الفكرية جامعة لكل من الملكية الأدبية التي تعنى بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والملكية الصناعية.
بذلك ندعوا المشرع إلى الاكتفاء بمصطلح الملكية الفكرية فقط
[2] – وقد صدر في ذلك قرار لمحكمة النقض الفرنسية عدد 035\20\12 بتاريخ 22 ماي 2014.