في الواجهةمقالات قانونية

المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية

المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية

محمود والشمس

باحث في سلك الماستر تخصص قانون وعمليات البنوك التشاركية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، جامعة مولاي اسماعيل

مقدمة

تشكل تجربة المصارف الإسلامية اليوم أهمية واقعية حقيقية بحكم أنها تمثل بعدا من أبعاد الإسلام في واقع البشرية، ألا وهو البعد الاقتصادي، هذه التجربة تقوم على قواعد مختلفة عن تلك المعتمدة في البنوك التقليدية [1]، وقد عرَّف المشرع المغربي البنوك التشاركية من خلال المادة 58 من القانون 103.12[2]، “تعتبر بنوكا تشاركية الأشخاص الإعتبارية الخاضعة لأحكام هذا القسم والمؤهلة لمزولة الأنشطة المشار إليها في المادة الأولى والمادتين 55 و58 من هذا القانون وكذا العمليات التجارية والمالية والإستثمارية بصفة اعتيادية بعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى وفقا لمقتضيات المادة 62 أدناه”.

فالبنوك التشاركية أو الإسلامية [3] تقوم بمجموعة من العقود والتي من أبرزها المرابحة، الإجارة، السلم، الإستصناع، المشاركة، المضاربة…إلخ. ولما كانت البنوك التشاركية تقوم بهذه المعاملات كان لزاما أن تعتبر مسؤولة[4] تجاه عملائها وكذا الغير، هذه المسؤولية التي تتوزع بين الجنائية والمدنية، وما يهمنا في هذا الموضوع هو المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية، ويمكن تعريفها بأنها جزاء مدني يستوي الأمر أن يكون عقدي أو تقصيري من طرف البنك التشاركي تجاه الزبون.

وبناء عليه، فموضوع المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية يحظى بأهمية مزدوجة؛ الأولى نظرية تتجلى في شبه انعدام الكتابات حول هذا الموضوع وأهمية عملية؛ تتجلى في أن المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية معول عليها لتحقيق ثقة الزبناء في التعامل مع هذه المؤسسات.

من هنا يمكن طرح مجموعة من التساؤلات وهي كالآتي:

  • ما هي تجليات المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية؟
  • ما هي العناصر الواجب توفرها لتحقق المسؤولية العقدية؟
  • أين تتجلى المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية؟
  • ماهي الشروط الواجب توفرها لتحقق المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية؟

هذه الأسئلة وغيرها، سيتم بوثقتها في إشكالية مؤداها؛ ما مدى توفق المشرع المغربي في إقرار أحكام المسؤولية المدنية للبنوك التشاركية؟

ولمعالجة هذا الموضوع في محاولة للإجابة عن الإشكالية سيتم الإعتماد على التصميم الآتي:

أولا: أحكام المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية

ثانيا: أحكام المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية

 

 

أولا: المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية

منذ نهاية القرن 19 أصبح فقهاء القانون يميزون بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، بعد أن كان اهتمامهم قبل هذا التاريخ منصب على التمييز بين المسؤولية الجنائية والمدنية [5]، فالمسؤولية العقدية بشكل عام هي التي يخل فيها أحد المتعاقدين بالتزاماته تجاه الطرف الآخر[6]، أما المسؤولية العقدية للبنك التشاركي بشكل خاص هي إخلال البنك التشاركي بتنفيذ أحد التزامات العقدية الملقاة عليه، لذلك سيتم تناول مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي (أ) وعناصر هذه المسؤولية (ب).

  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية

فكما هو معلوم أن البنوك التشاركية تقوم بمجموعة من العقود، وهي على نوعين؛ نوع أول يتعلق بعقود المداينات ونوع ثاني؛ يتعلق بعقود المشاركات [7]، هذه العقود في حالة تخلف البنك التشاركي عن أحد الالتزاماته يترتب عنها المسؤولية العقدية، لذا سيتم الحديث عن مظاهر المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية وفق الآتي:

  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنوك التشاركية فيعقود المداينات

في عقد المرابحة: يقصد بعقد المرابحة حسب المادة 58 من القانون 103.12[8] “كل عقد يبيع بموجبه بنك تشاركي، منقولا أو عقارا محددا وفي ملكيته، لعملية بتكلفة اقتنائه مضاف إليها هامش ربح متفق عليه مسبقا”[9] .

فمن خلال هذا العقد تترتب مجموعة من الالتزامات على عاتق البنك التشاركي يؤدي الإخلال بها إلى تحقق المسؤولية العقدية، فمن مظاهر وتجليات هذا الإخلال ما نصت عليه المادة 12 من منشور والي بنك المغرب رقم 1/ و/ 17 المتعلق بالمواصفات التقنية للمنتجات التشاركية[10]. التي تنص على “إذا لم تسلم المؤسسة العين للعميل في الأجل المحدد وحسب الكيفيات والمواصفات المحددة في الوعد، ينقضي الالتزام الناشئ عن الوعد وللعميل أن يسترد هامش الجدية من المؤسسة في الحال، كما له أن يطالب المؤسسة بتعويض الضرر الفعلي المثبت الذي لحق به“.

فمن خلال هذه المادة يعتبر عدم تسليم البنك التشاركي الشيء المبيع في الوقت المحدد بمثابة صورة من صور المسؤولية العقدية، وهنا يتضح من هذه المادة أنه تم استخدام المفهوم الواسع للمسؤولية العقدية، من خلال عبارة “إذا لم تسلم المؤسسة” وهو ما يستوي فيه الأمر التسليم بشكل جزئي أو التأخر في التسليم أو عدم التسليم فهم أوصاف مختلفة لوصف واحد هو وهو الإخلال بالالتزام العقدي.

وهنا لابد من إثارة بعض الملاحظات؛ الملاحظة الأولى: لقيام المسؤولية العقدية عند الإخلال بآجال التسليم في عقد المرابحة لابد من أن يكون تاريخ التسليم محدد في العقد، حيث لا يكفي الاعتماد على التزام البنك التشاركي بالتسليم ومرور مدة معينة على عدم التسليم لاعتباره في حالة خطأ.

الملاحظة الثانية: أن لا يوجد في العقد تحفظ من طرف البنك التشاركي يكفل له حق تعديل تاريخ التسليم.

  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في عقد الإجارة؛ تناول المشرع المغربي عقد الإجارة من خلال المادة 58 البند “ب” من القانون 103.12 ” كل عقد يضع بموجبه بنك تشاركي عن طريق الإجارة، منقولا أو عقارا محددا وفي ملكية هذا البنك تحت تصرف عميل قصد استعمال مسموح به قانونا” وتتجلى مظاهر المسؤولية العقدية في هذا العقد من خلال ما نصت عليه المادة 25 في فقرتها الثانية ” إذا لم تضع المؤسسة العين رهن تصرف العميل في الأجل المحدد وحسب الكيفيات والمواصفات المحددة في الوعد به يقتضي الالتزام الناشئ عن الوعد…”

إذا فالملاحظ من خلال هذه الفقرة أن من أهم الالتزامات البنك التشاركي وضع العين المؤجرة للعميل في الأجل المحدد فإذا تخلف عن ذلك، كنا أمام صورة من صور المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في عقد الإجارة.

  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في عقد السلم، تناول المشرع المغربي عقد السلم من خلال المادة 58 البند” ه” من القانون 103.12 “بأنه كل عقد بمقتضاه يجعل أحد المتعاقدين البنك التشاركي أو العميل، مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من بضاعة مقبولة بصفات محددة في أجل”، فمظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في هذا العقد تتجلى في عدم تسليم البنك التشاركي الشيء موضوع عقد السلم وفق الخصائص المتفق عليها والمحددة في العقد.
  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في عقد الاستصناع يقصد بعقد الاستصناع  كل عقد يشتري به شيء مما يصنع يلتزم بموجبه أحد المتعاقدين، البنك التشاركي أو العميل، بتسليم مصنوع بمواد من عنده، بأوصاف معينة يتفق عليها وبثمن محدد يدفع من طرف المستصنع حسب الكيفية المتفق عليها بين الطرفين من خلال هذا العقد تتمظهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي فيما نصت عليه المادة 9.69 من منشور والي بنك المغرب رقم 1/ و/ 2019  “يمكن أن ينص عقد الاستصناع على أنه في حالة تخلف الصانع عن إتمام تسليم ما تعهد بصنعه كليا أو جزئيا دون عذر معتبر شرعا، يمكن فسخ هذا العقد مع استرداد ما دفعه المستصنع من الثمن، كما أن لهذا الأخير أن يطالب الصانع بتعويض الضرر الفعلي المثبت الذي لحق به “ فمن خلال هذه المادة يتضح أن المسؤولية العقدية الصانع تتمظهر في الحالة التي يتخلف فيها عن تسليم الشيء المصنوع في الأجل المتفق عليه وذلك دون عذر شرعي.

 

  • مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في عقود المشاركات:

 

  • في عقد المضاربة: تناول المشرع المغربي عقد المضاربة من خلال المادة 58 البند “د” من القانون 103.12 ويقصد بهذا العقد «كل عقد يربط بين بنك أو عدة بنوك تشاركية (رب المال) تقدم بموجبه رأس المال أو نقدا أو عينا أو هما معا، ومقاول أو عدة مقاولين (مضارب) يقدمون عملهم قصد إنجاز مشروع معين. ويتحمل المقاول أو المقاولون المسؤولية الكاملة في تدبير المشروع يتم إقسام الأرباح المحققة باتفاق الأطراف…” وتتجلى المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في هذا العقد في الحالة التي يخالف فيها مقتضيات البند 7 من المدة 53 من منشور والى بنك المغرب الدي ينص على “تنفيذ الحقوق والتزامات”.
  • في عقد المشاركة: تناول المشرع هذا العقدة من خلال البند “ج” من المادة 58 من القانون 103.12 بأنه ” كل عقد يكون الغرض منه مشاركة بنك تشاركي في مشروع قصد تحقيق ربح يشارك الأطراف في تحمل الخسائر في حدود مساهمتهم وفي الأرباح حسب نسب محدودة مسبقا بينهم[11] وبالجرع إلى منشور والي بنك المغرب نجده لا يحدد مظاهر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في هذا العقد لكن بالرجوع للقواعد العامة تتمثل المسؤولية العقدية للبنك التشاركي في هذا العقد بالإخلال بأحد الالتزامات الملقاة على عاتقه اتجاه الزبون.

ب: عناصر المسؤولية العقدية للبنك التشاركي

مما لا شك فيه، أنه لقيام المسؤولية العقدية للبنك التشاركي يتوجب الأمر توفر مجموعة من الشروط والعناصر ويتعلق الأمر بوجود عقد صحيح ووقوع خطأ (1) وتحقق الضرر والعلاقة السببية (2).

  • وجود عقد صحيح وحصول خطأ

لقيام المسؤولية العقدية للبنك التشاركي، لابد من وجود عقد صحيح؛ ومؤدى هذا الشرط هو أن يكون العقد الرابط بين البنك التشاركي والزبون أو العميل سواء تعلق الأمر بالمرابحة أو المشاركة أو السلم والإستصناع… الخ مستجمع لكافة العناصر الأساسية من صحة التراضي والمحل والسبب.

أما إذا كان العقد يفتقد أحد هذه العناصر سواء باطل أو قابل الإبطال تقوم المسؤولية التقصيرية للبنك التشاركي، ولا مجال للحديث عن المسؤولية العقدية أما الشرط الثاني فيتمثل في حصول خطأ من البنك التشاركي ويتخذ الخطأ العقدي للبنك التشاركي أكثر من مظهر قانوني، فهو قد يتمثل في امتناع البنك التشاركي في تنفيد ما التزم به في الأجل المحدد أو التأخر في تنفيد وهو ما نص عليه المشرع من خلال المادة 263 من ق ل ع “يستحق التعويض، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء به و ذلك و لولم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين “.

    وهنا لابد من طرح سؤال غاية في الأهمية ويتعلق الأمر بمقياس الخطأ العقدي للبنك التشاركي؟

فبالنسبة لمقياس تحقق الخطأ العقدي للبنك التشاركي ظهر اتجاهين؛ الأول شخصي فحسب أنصار المفهوم التقليدي للمسؤولية العقدية كان يتم ربط الخطأ بالمخطئ، ولا يتحقق الخطأ إلا إذا كان الفعل المرتكب ضمن زمرة الأخطاء الجسيمة[12]. وأمام الصعوبات التي كانت تواجه القضاء بخصوص مسألة تحديد هذه الأخطاء ظهر معيار موضوعي مرن من حيث التطبيق وتتمثل هذه التفرقة في وجود نوعين من الالتزامات العقدية التي يتحمل بها المدين (أي البنك التشاركي) ويتعلق الأمر بالالتزام بنتيجة (obligation de résultat) والالتزام بوسيلة أو بذل عناية (obligation de moyen)[13]، وبمقتضى النوع الأول من هذه الالتزامات فإن البنك التشاركي لا تبرأ ذمته إلا بتحقيق النتيجة المتفق عليها. ومثاله: في عقد المرابحة، فإن البنك التشاركي ملزم بتحقيق نتيجة والتي هي تسليم المبيع في الوقت المتفق عليه

أما النوع الثاني من الالتزامات المتعلقة ببذل عناية الواجب على البنك التشاركي. فمثاله: في عقد الوديعة الاستثمارية التي يكلف بإدارتها البنك التشاركي فالتزامه ليس التزام بتحقيق نتيجة التي هي الربح المؤكد للزبون بل الالتزام ببذل عناية.

 

  • تحقق الضرر والعلاقة السببية

بالإضافة إلى وجود عقد صحيح وحصول خطأ من البنك التشاركي لا بد من تحقق الضرر والعلاقة السببية:

  • شرط الضرر: عرف المشرع المغربي الضرر بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 264 من ق ل ع “الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تقييمه”.

كما نص عليه منشور والي بنك المغرب رقم 1/9/17 على هذا الشرط من خلال مجموعة من الفصول من بينها المادة 12 “… كما أن له أن يطالب المؤسسة بتعويض الضرر الفعلي المثبت الذي لحق به “، كذلك الأمر في المادة 25 من منشور والي بنك المغرب التي تنص في فقرتها الثانية على: “إذا لم تضع المؤسسة العين رهن تصرف العميل في الأجل المحدد حسب الكيفيات والمواصفات المحدد في الوعد، ينقضي الالتزام الناشئ عن الوعد. وللعميل أن يسترد هامش الجدية من المؤسسة في الحالة، كما أن له أن يطالب المؤسسة بتعويض الضرر الفعلي المثبت الذي لحق به”.

ومن هنا فالضرر الذي يمكن للزبون أن يطالب البنك التشاركي الحصوص على تعويض من أجله يستوجب مجموعة من الشروط وهي كالآتي:

  • أن يكون الضرر شخصيا
  • أن يكون الضرر محقق الوقوع
  • أن يكون الضرر مباشرا
  • أن يكون متوقعا.
  • شرط العلاقة السببية: لا يكفي لتحقق المسؤولية العقدية للبنك التشاركي حصول خطأ وضرر ووجود عقد صحيح، بل لا بد أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر. وهنا ينبغي التمييز بخصوص العلاقة السببية بين الالتزام بغاية والالتزام بوسيلة؛ فبالنسبة للنوع الأول، فإن العلاقة السببية تعتبر مقترفة؛ أي أنه يكفي للزبون إثبات عدم تحقق النتيجة المرجوة، أي الضرر العقدي، لتقوم المسؤولية البنك التشاركي، أما الخطأ العمدي فليس من الضروري إثباته، ما دام أن المسؤولية قائمة على افتراض الخطأ من جانب البنك التشاركي، أما بخصوص الالتزام بوسيلة فإن عبء إثباتها يبقى على عاتق الزبون باعتباره هو المدعي.

ثانيا: المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية

تقوم المسؤولية التقصيرية بصفة عامة على الإخلال بالتزام قانوني مبدئي لا يتغير هو ” عدم الإضرار بالغير” [14] فهي لا تشترط قبل قيامها وجود أي علاقة بين المتسبب في الضرر والمتضرر، على عكس المسؤولية العقدية للبنك التشاركي  التي لا يمكن تصور قيامها، إلا بوجود عقد يربط بين الطرفين[15]، وتجد المسؤولية التقصيرية أصلها، كغيرها من أنواع المسؤولية الأخرى في القاعدة الشرعية المشهورة ” لا ضرر ولا ضرار” إذ يعتبر الفعل الضار هو مصدرها القانوني المنتج لجميع أثارها[16]، لذلك سيتم الحديث في هذه النقطة عن مظاهر المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية (أ) وعناصرها (ب).

 

 

  • مظاهر المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية

اعتبارا للتحول العميق الذي طال المسؤولية البنكية نتيجة تعدد وتشابك العمليات المصرفية على كثرتها، إذا لم يعد الأمر يقتصر على الالتزامات المهنية[17]، لذلك سيتم الحديث عن مظاهر المسؤولية التقصيرية للبنك التشاركي عند إخلاله بالتزامه بالإعلام (1( وكذا مسؤولية البنك التقصيرية عن العرض المسبق والالتزام بالنصح (2).

  • المسؤولية التقصيرية للبنك التشاركي عند الإخلال بالالتزام بالإعلام

فالالتزام بالإعلام هو إحاطة المتعاقد أي المستهلك الزبون بالمعلومات الهامة والمؤثرة في إقدامه على التعاقد ويتم ذلك بقيام المؤسسة البنكية التشاركية من اجل تنویر رضا المستهلك وذلك ما جاء التنصيص عليه في قانون رقم 31.[18]08 المتعلق بحماية المستهلك وذلك من المادة 3 إلى 14 منه وبذلك فالمؤسسة البنكية ملزمة بالإعلام الزبون بكل المعلومات والبيانات المتعلقة بالبيع موضوع عقد المرابحة سواء كانت بسيطة أو للآمر بالشراء، فمثلا في إطار هذا العقد يتم تقديم المعلومات أي كل بيانات المتعلقة بالعقار موضوع العقد والثمن وغيرها من البيانات وإخبار الزبون و يجب أن يتسم بالنزاهة وفي حالة تقصيره في ذلك فإنه يتم إثارة المسؤولية التقصيرية.

وبالرجوع لمنشور والي بنك المغرب رقم 17/ و / 1 نجده نص على بيان ما للبنك التشاركي من الالتزامات وما عليه من واجبات اتجاه الزبون وما يستفاد من هذه المادة أنه في حالة إخلال البنك بذلك تثار مسؤوليته، وفي إطار نفس المنشور نجده نص على العديد من الالتزامات الملقاة على عائق البنك التشاركي ومن ذلك إعلام المستهلك في إطار عقد المرابحة بكل البيانات والمعلومات المتعلقة بالمبيع كما جاء ذلك أيضا في إطار قانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسة الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها إذن من كل ما سبق يتبين أن مسؤولية البنك التقصيرية تظهر بشكل جلي في حالة إخلاله بتلك الالتزامات وبالتالي مخالفة أحكام القانون البنكي أو قانون حماية المستهلك.

وإذا كان كل ما سبق يتعلق بمسؤولية البنوك التشاركية التقصيرية في الإخلال بالالتزام بالإعلام، فماذا عن الالتزام بالعرض المسبق والالتزام بالنصح؟ وهو ما سوف يشكل موضوع الدراسة للنقطة الموالية

  • مسؤولية البنك التقصيرية عن العرض المسبق والالتزام بالنصح.

فما يتعلق بمسؤولية البنك تجاه الزبون بالعرض المسبق فقد ألزم المشرع المغربي البنوك التشاركية بتقديم عرض مسبق يوفر للمستهلك كل المعلومات اللازمة والمؤثرة في إقراره وحدد زمنا معينا تلتزم من خلاله المؤسسة البنكية بالإبقاء مع عرضها القائم مما يتسنى معه للمستهلك دراسة ذلك التمويل أي المتعلق في مقامنا بعقد المرابحة كما أوجبه المشرع أن يتضمن العرض المسبق مجموعة من البيانات كما هو محدد في المادة 78 من قانون رقم 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلكة وبذلك فكل خطأ أو إخلال بذلك الالتزام ونتج عنه ضرر للمستهلك أي الزبون يكون موجبا المسؤولية التقصيرية

وبذلك في إطار التمويل عن طريق المرابحة في إطار البنوك التشاركية يجب على المؤسسة البنكية إضافة إلى مسؤولية البنكية السابقة أن تحترم أيضا الالتزام بالنصح.

فالالتزام بالنصح هو ذلك الواجب المهني فغايته الأساسية هي التمهيد لكي يتم التعاقد بشكل رضائي مبني على التوازن العقدي بين البنك التشاركي والزبون. في عقد المرابحة ويتعلق الأمر هنا بتقديم النصح بشأن كل عقد المرابحة سواء تعلق الأمر بالعقار أو المنقول الذي ينوي الزبون اقتنائه من البنك التشاركي وذلك ببيان كل من مصادر المبيع وبناء على ذلك يمكن للزبون متابعة البنك في حالة تقصيره في ذلك على إثر المسؤولية التقصيرية.

  • عناصر قيام المسؤولية التقصيرية للبنوك التشاركية

المسؤولية التقصيرية أو المسؤولية المدنية غير العقدية تناول المشرع أركانها من خلال المادة 77 من ظ ل ع حيث إنها لم تخرج عن الأركان التقليدية للمسؤولية المدنية بشكل عام ؛ وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية، غير أن الفرق بينهما يكمن في خصوصية التفاصيل المتعلقة بكل ركن على حدة [19]، وإذا كان الأصل في المسؤولية التقصيرية أنها تقوم على الخطأ بشكل عام والمتمثل في الاخلال بالتزام قانوني، فإنها في البنوك التشاركية نجدها ترتبط بمجموعة من الالتزامات، الصريحة التي وضعها المشرع على عاتق البنك التشاركي بموجب نصوص خاصة، لذلك سيتم تناول عناصر قيامها من خلال الخطأ (1) والضرر والعلاقة السببية (2).

  • الخطأ التقصيري

لقد تعددت التعاريف الفقهية التي أعطيت للخطأ التقصيري حتى البعض منها يكاد يكون تكرار لبعضها الآخر، من هذه التعاريف يمكن ذكر التعريف الذي صاغه سليمان مرقس[20]، والذي يعتبر الخطأ التقصيري بأنه الإخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل لنتائج أفعاله، كما عرف المشرع المغربي الخطأ من خلال المادة 78 من ق ل ع ” الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.

وبشكل خاص يقصد بالخطأ تقصيري للبنك التشاركي؛ إخلال البنك التشاركي بالتزام قانوني وذلك بالفعل أو الترك وبغير نية إحداثه. من خلال هذا التعريف لا بد للخطأ التقصيري من عنصرين؛ الأول مادي والثاني معنوي.

فأما العنصر المادي فيتجلى في انحراف البنك التشاركي عن السلوك المألوف ومثاله في الالتزام بالإعلام عدم ذكر تاريخ صلاحية الشيء المبيع، أما العنصر المعنوي فيلزم أن يكون البنك التشاركي مدركا لنتائج أفعاله [21]، لا فرق في ذلك بين أن يكون الفعل مقصودا في ذاته بأن صدر عن بينة واختيار عن صاحبه أو حصل عن طريق الإهمال والتقصير.

  • الضرر والعلاقة السببية

لا يكفي مجرد الخطأ بل لا بد من حصول ضرر وعلاقة سببية:

ركن الضرر:  الضرر هو الركن الثاني في المسؤولية التقصيرية وبعد أن كانت الجهود الفقهية منصبة منذ بداية القرن العشرين على مناقشة الخطأ كأساس للمسؤولية التقصيرية فإن الاتجاه المعاصر في الفقه أصبح يهتم بركن الضرر بشكل محسوس وينادي بتوسيع  نطاق المسؤولية الموضوعية اللأخطائية التي تنبني على تحقق الضرر وحده دون باقي الأركان الأخرى [22]، وقد عرف المشرع المغربي ركن الضرر من خلال المادة 98 من ق ل ع ” هو الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب التقصيرية بأنه الإخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل لنتائج أفعاله، كما عرف المشرع المغربي الخطأ من خلال الفقرة الثانية من المادة 78 “الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر”

خاتمة

على امتداد صفحات هذا المقال تم تناول المسؤولية العقدية وتجلياتها، وكذا عناصرها، من جهة، المسؤولية التقصيرية من خلال تجلياتها وأركانها وشروطها من جهة ثانية، وتم الركون لخلاصة مؤداها ضرورة مواكبة التشريع المغربي للمنظومة البنكية بإقرار قواعد أكثر حماية في ميدان المسؤولية المدنية تتماشى مع النظام البنكي بصفة عامة والبنوك التشاركية بصفة خاصة.

[1] – محمد العروصي، مخاطر التمويل بعقد المشاركة، في البنوك التشاركية، المجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية، 2019، العدد 4، ص 1.

[2] – ظهير شريف رقم 1.14.193 الصادر في فاتح ربيع الأول 1436 هـ (24 ديسمبر 2014 م) بتنفيذ قانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الجريدة الرسمية عدد 6328 فاتح ربيع (يناير 2015)، ص 462.

[3] – تعددت الإصطلاحات المستعملة لنعت التشريع المقنن للبنوك التشاركية، فعلاوة على تسمية البنوك الإسلامية، هناك من يعتمد وصف التمويلات البديلة أو المنتوجات البديلة أو البنوك التشاركية وهي مسميات لمسمى واحد.

[4] – قال تعالى: “ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون”، الآية 23 من سورة الأنبياء.

[5] – عبد القادر بوبكري، الوجيز في المسؤولية المدنية، د ذ ط، مطبعة سجلماسة مكناس، السنة 2019-2020، ص 9.

[6] – تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أخذ الإخلال بمفهومه الواسع بحيث يشمل حالات عدم تنفيذ الالتزام كلا أو بعضا وكذا الحالات التي يتأخر فيها التنفيذ عن الوقت المحدد في العقد.

[7] – يقصد بعقود المداينات كل من عقد المرابحة والمشاركة والسلم والإجارة، أم عقود المشاركات فهي كل من عقد المضاربة والمشاركة، لمزيد من التوضيح راجع لطيفة الحسني، عقود البنوك التشاركية، الطبعة الأولى، مطبعة دار السلام- الرباط، السنة 2018، ص 12-13.

[8]  – ظهير شريف رقم 1.14.193 صادر في فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015، ص: 462.

[9] – تجدر الإشارة أن لن يتم تعريف عقد المرابحة في المادة 58 من القانون 103.12 بل حتى في المادة3 من منشور والي بنك المغرب رقم 1/و/ 17 بأنها يقصد بعقد المرابحة كل عقد تبيع بموجبه مؤسسة منقولا أو عقارا محددا في ملكيتها لعملية بتكلفة اقتنائه، مضافا إليها هامش ربح متفق عليها مسبقا بين طرفي العقد.

[10]  – قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 339.17 صادر في 19 من جمادى الألى 1438 (17 فبراير 2017) بالمصادقة على منشور والي بنك المغرب رقم 1/و/17 الصادر في 27 يناير 2017 المتعلق بالمواصفات التقنية لمنتجات المرابحة والإجازة والمشاركة والمضاربة والسلم، وكذا كيفيات تقديمها إلى العملاء، الجريدة الرسمية عدد 6548 بتاريخ 2 مارس 2017، ص: 579.

 

[11]  – لابد من الإشارة إلى أن عقد المشاركة ليس على نوع واحد بل على نوعين، الأول المشاركة الثابتة، يبقى الأطراف شركاء، إلى حين انقضاء العقد الرابط بينهما، والنوع الثاني، المشاركة المتناقضة: ينسحب البنك تدريجيا من المشروع وفق بنود العقد.

[12] – عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام – المسؤولية المدنية الطبعة السابعة، مطبعة دار الأمان – الرباط- السنة 2019، ص 42.

[13] – نفس المرجع.

[14] – ادريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام نظرية العقد، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، السنة 1996، ص 643.

[15] – خليل الإدريسي، المسؤولية المدنية للبنوك عن عمليات الائتمان، الطبعة الأولى، دون ذكر المطبعة، السنة 2018، ص 57

[16] – نفس المرجع.

[17] – محمد جنكل، المسؤولية البنكية على ضوء القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك، الطبعة الأولى، دون ذكر المطبعة، السنة 2015، ص 21- و32.

[18] ظهير شريف رقم 1. 11 . 03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 ( 18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31. 08 الثاني بتحديد تدابير المستهلك الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 7 أبريل 2011 ص 1072 المواد من 3 إلى 14 منه.

[19] – سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني – الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الثاني، الطبعة الخامسة، دون ذكر الطبعة، السنة 1988، ص 188.

[21] – تجدر الإشارة إلى أن البنك التشاركي شخص اعتباري يتخذ شكل شركة مساهمة حسب القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وكذا منشور والي بنك المغرب رقم 1/ و/17 وبالتالي فالإدراك ينصرف لممثله القانوني.

[22] – عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام – المسؤولية المدنية، م س، ص 112.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى