في الواجهةمقالات قانونية

فلسفة الإعفاءات الجبائية في التشريع المغربي بين التكلفة والهدر

 

فلسفة الإعفاءات الجبائية في التشريع المغربي بين التكلفة والهدر

احمد بنحيدة باحث بالقانون الضريبي والتقنيات الجبائية

كلية الحقوق اكادير

مقدمة

لا شك ان السياسة الجبائية[1] تعد من بين اهم اليات السياسة المالية، وهو ما يتضح من خلال الاهمية التي تشكلها الضرائب والرسوم في انماء الخزينة العامة[2] وتمويل النفقات العامة، وإنعاش التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية. هذا وتعد سياسية الاعفاءات الجبائية احدى التدابير الجبائية الاستثنائية[3] التي تنهجها الدول لتحقيق نوع من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي على الرغم من انها تعمل على هدر وتفويت مواد مهمة على خزينة الدولة.

وفي المغرب تشكل الإجراءات الاستثنائية بصفة عامة والاعفاءات الجبائية بصفة خاصة عنصرا اساسيا من مكونات السياسة الجبائية منذ فجر الاستقلال، وهو الأمر الذي يتضح من خلال اصدار المشرع للعديد من النصوص التشريعية والقانونية التي تتضمن جملة من الإجراءات الجبائية الاستثنائية، باعتبارها تقنية تستعملها الدولة لتخفيف العبء الضريبي على فئة من الملزمين أو قصد تحفيز قطاعات معينة. وتعد الاعفاءات الجبائية من بين أكثر صور الإجراءات الجبائية الاستثنائية شيوعا على المستوى العملي، على الرغم من انها تساهم بشكل كبير في تخفيض حصيلة الايرادات الضريبية، الشيء الذي يعتبر تحديا هاما بالنسبة للسياسة الجبائية في معظم الدولة النامية، والمغرب نموذجا لهذا الوضع. الأمر الذي دفعنا الى الخوض في تناول الموضوع على امل الوقوف على اثارها وتحديد وتقييم تكلفتها المالية.

ومن هذا المنطلق يمكن طرح الإشكالية التالية: ما مدى فعالية الإعفاءات الجبائية في تحقيق العدالة الاجتماعية والانصاف الجبائي. ورغبة منا في محاولة الالمام بمختلف جوانب الدراسة ومقاربة الاشكال المطروح والاجابة عن مختلف الاسئلة المترتب عنه، سنعمد على تبني خطة تقليدية متوازنة وفقا لمنهج وصفي تحليلي، ففي المبحث الأول حاولنا التطرق الى الاعفاءات الجبائية لتأصيل المعنى وتحديد الاهداف، على ان نخصص المبحث الثاني لسياسة الاعفاءات الجبائية ورهان الحكامة.

المبحث الأول: الاعفاءات الجبائية: تأصيل المعنى وتحديد المبررات

لقد اصبحت السياسة الجبائية قناة تستطيع من خلالها الدولة خدمة الاهداف الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الهدف المالي الكلاسيكي. الأمر الذي جعل من الجباية وسيلة متميزة لتنفيذ السياسات العامة، عبر دورين اساسين أحدهما تمويلي والاخر تدخلي[4] وتعتبر هذه الاخيرة تقنية تستعين بها الدولة لتحقيق التنمية بمختلف الوانها وذلك عبر منح تخفيضات واعفاءات جبائية لقطاعات معينة، ومن اجل الاحاطة بمحددات واسباب تبني هذه الاعفاءات والتخفيضات (المطلب الثاني) لابد من التطرق اولا الى التأطير المفاهيمي عبر تحديد مضمون الاعفاءات الجبائية وصورها وتمييزها عن بعض المفاهيم المشابهة (المطلب الأول).

 المطلب الأول: التأطير المفاهيمي للاعفاءات الجبائية

في هذا المطلب سنحاول تحديد المقصود بالاعفاءات الجبائية باعتبارها أحد أبرز صور النفقات الجبائية والاجراءات الجبائية الاستثنائية كفقرة اولى على ان نخصص الفقرة الثانية لتمييز هذه الاعفاءات عن بعض المفاهيم المشابهة لها.

الفقرة الاولى: مضمون الاعفاءات الجبائية

تعد النفقات الجبائية امتيازات جبائية تمنحها الدولة بقصد تشجيع وتحفيز انشطة أو فئات اجتماعية أو مناطق محددة، كما يمكن تعريفها على انها اجراءات استثنائية تخرج من نطاق النظام الضريبي المرجعي الذي يضم مختلف الانظمة الرئيسية للضرائب.

وبالنظر لما تحدثه من نقص في الميزانية العامة للدولة، فان انعكاساتها على هذه الاخير تكون مشابهة لما تخلفه النفقات العمومية على هذه الميزانية[5]، لهذا سميت بهذه التسمية أي النفقات الجبائية.

وقد عرفها صندوق النقد الدولي على انها: مجموعة من الامتيازات الضريبية أو الاعفاءات التي تطال النظام العادي والتي تقلص من تحصيل الموارد من طرف الادارات العمومية، فالأهداف التي تتوخاها السياسة الجبائية المعتمدة من لدن السلطات العمومية يمكن تحقيقها بوسيلة اخرى هي المساعدات وغيرها من النفقات غير المباشرة.[6]

هكذا، فمفهوم النفقات الجبائية أو الإجراءات الجبائية الاستثنائية هي مجموعة من التدابير والاجراءات الاستثنائية التي تمنح بواسطتها الدولة مساعدة مالية غير مباشرة لصالح بعض الملزمين سواء كانوا اشخاص ذاتيين أو معنويين وذلك بغية تخفيف عبئهم الضريبي ولتحفيز قطاعات وانشطة معينة، سواء تعلق الأمر بتخفيضات أو اسقاطات من الضريبة أو اعفاءات جبائية.

هذه الاخيرة، التي تعد صورة من صور النفقات الجبائية أو الإجراءات الجبائية الاستثنائية الاكثر شيوعا واستعمالا، وبالرجوع الى الفقه المالي والضريبي لا يوجد تعريفا جامعا مانعا للإعفاءات الجبائية، وانما اقتصرت على تحديد انواعه واسباب منحه.

وبهذا يمكن اعتبار الاعفاءات الجبائية على انها مجموعة من الاستثناءات التي تمنح من خلالها الامتيازات والاعفاءات التي تطال عمومية الضريبة سواء بشكل دائم أو مؤقت، والتي اقرها المشرع بنصوص تشريعية وذلك بغية تكريس مبدأ العدالة الجبائية الذي ينص عليه الفصل 39[7] من دستور المغرب لصيف2011.

وتأسيسا على ما سبق فإن الاعفاء الجبائي يعني اسقاط حق الدولة في مبلغ من الضرائب المستحقة بشكل كلي أو جزئي عن بعض الملزمين والانشطة والقطاعات والمناطق المحددة. والتي تسري عليها بموجب القانون المطبق، وتلجأ الدول الى هذه السياسة لاعتبارات تقدرها بنفسها وبما يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. وبهدف تمتيع المخاطب بامتيازات مالية تساعد على تخفيف العبء الضريبي عنه، حتى يتسنى له بشكل ايجابي في تطوير المجال الذي ينتمي اليه[8] ويجعله يشعر بنوع من الحماية القانونية والاقتصادية.

فحين ان عدم الخضوع للضريبة فهو يعني ان النشاط لا تتوفر فيه شروط الخضوع للضريبة اصلا، أو توافرت فيه شروط الخضوع لكن المشرع لم ينص صراحة على خضوعه.

الفقرة الثانية صور الاعفاءات الجبائية وتميزها عن المفاهيم المشابهة

اولا: صور الاعفاءات الجبائية

تنقسم الاعفاءات الجبائية الى نوعين اعفاء دائم واعفاء مؤقت

الاعفاء الدائم: وهو عدم دفع الخاضع لضريبة أو رسم معين أو مجموعة من الضرائب والرسوم، وغالبا ما تمنح الدولة هذا الاعفاء الى انشطة معينة وذات خصوصية والتي تكون موجهة الى فئات محددة ومناطق ذات اهمية معينة.

اما الصنف الثاني والمتمثل في الاعفاء المؤقت: وهو عدم دفع المكلف لضريبة أو لرسم محدد أو لمجموعة من الضرائب والرسوم لمدة معينة، وتختلف هذه المدة من نظام ضريبي الى اخر وتحدد حسب القوانين والنصوص التشريعية المعمول بها، ويهدف الى تشجيع الاستثمار المؤسسات والشركات والمقاولات الحديثة، بغية تخفيف العبء الجبائي عليها حتى تتمكن من الانطلاق في ممارسة نشاطها بشكل عادي ومنتظم.

هذا ويمكن التميز كذلك بين الاعفاءات الجبائية الممنوحة بواسطة النظام الضريبي العام والخاص فالأولى تهتم بالتدابير والتحفيزات الجبائية التي تنظمها كل من المدونة العامة للضرائب الصادرة سنة 2007 استكمالا لمسلسل تجميع وتبسيط اجراءات فرض وتحصيل الضرائب، وقانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية. اما الثاني أي الاعفاءات المضمنة في النظام الضريبي الخاص فهي نهج لسياسة تشجيعية تعتمد بالأساس على قوانين الاستثمار بدءا من سنة 1958، الى ميثاق الاستثمار الصادر منتصف التسعينات.

وعموما تمثلت هذه الاعفاءات سواء بموجب النظام الضريبي الخاص أو العام في مجموعة من التدابير والتشجيعات سواء الكلية أو الجزئية من اجل إنعاش الاقتصاد وخلق التنمية الاجتماعية المنشودة.

ثانيا: التميز بين الاعفاءات الضريبي وبعض المفاهيم المشابهة

  • العفو الضريبي والاعفاء الضريبي: يعرف العفو على انه تجنب الفوائد والغرامات والعقوبات المختلفة المقررة للملزم المتهرب عن اداء المستحقات الجبائية، مقابل مبادرته الذاتية في اقرار أو التبليغ عن وضعيته الجبائية لفائدة الادارة الضريبية داخل الاجل القانوني الذي حدد للعفو الجبائي.

أي ان نظام العفو الضريبي أو الجبائي المقرر يمنح الملزم فرصة لإبراء الدمة من دون ان يتعرض لاي فوائد أو عقوبات عن مخالفته. وبذلك يمكن القول بانه رغم تشابه الاعفاء والعفو من حيث انه لا يعتد به الا إذا كان بنص قانوني. إلا انه يختلف معه في الغاية الاساسية التي وضع من اجلها فإذا كانت الاعفاءات تمنح من اجل اهداف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، فإن الغاية الرئيسية من العفو هي مالية لتحفيز الملزمين المتهربين على الالتزام المستقبلي بتسديد الضرائب المستحقة، كما ان العفو يكون بتاريخ لاحق اما الاعفاء فيكون قبل مزاولة النشاط. كما ان المكلف المستفيد من الاعفاء معلوما للإدارة الضريبة، اما الملزم المستفيد من العفو يكون مجهولا للإدارة الضريبية.

  • الاسقاط الضريبي والاعفاء الضريبي: تعد الاعفاءات الضريبية استثناء من المبدأ العام أي مبدأ عمومية الضريبة اما الاسقاط الضريبي فيرجع أصله الى القانون المدني في قاعدة انقضاء الالتزام لاستحالة التنفيذ لهذا نجد الفقه المالي يصطلح عليه بالديون المعدومة[9] أي التي تعذر تحصيلها، فاذا كانت الاعفاءات الضريبية تمنح بقانون أو بناءَ على قانون وفقا لقاعدة “لا ضريبة الا بنص ولا اعفاء الا بقانون” فان الاسقاط الضريبي يصدر بقرار من مصلحة الضرائب إذا توافرت حالاته وشروطه.

كما ان الاعفاءات الضريبية عامة يستفيد منها أي شخص توافرت فيه شروط الاعفاء، في حين الاسقاط الضريبي فهو خاص، يخص المكلف أو الملزم ذاته، بالإضافة الى ان الاسقاط يرد على دين الضريبة المحدد والنهائي والواجب الاداء في ذمة الملزم.

التخفيضات الضريبية والاعفاءات الضربية: يقصد بالتخفيضات الضريبية التخفيض في المعدلات الضريبية المطبقة في الحالات العادية أو قد يعني التخفيض في الوعاء، وغالبا ما يضعها المشرع الضريبي لتحفيز وتشجيع المشاريع المستهدفة والتي لها اهمية اقتصادية اجتماعية للبلد.

المطلب الثاني: المحددات والمبررات السوسيو اقتصادية لاعتماد الإعفاءات الجبائية

يهدف الإعفاء الضريبي أو الامتياز الجبائي، والذي تلجأ إليه معظم الدول النامية بالتحديد، إلى تسوية وتنظيم القانون الجبائي بشكل يكفل التوازن للمصالح المتقابلة قدر الإمكان، وذلك من أجل تكريس الانصاف الجبائي من خلال إنعاش الانشطة الاقتصادية ومنها الرفع من المكانة الاقتصادية للدولة، إضافة إلى أنه يساعد في معالجة مشاكل التهرب الضريبي[10]، ومن خلال ما سبق سنتطرق إلى: الأهداف الاقتصادية للإعفاءات الضريبية (الفقرة الأولى) ثم الأهداف الاجتماعية للإعفاءات الضريبية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المبررات الاقتصادية للإعفاءات الجبائية

لا يخفى على ان الإعفاء الضريبي له دور اساسي من الناحية الاقتصادية ويتمثل بالاساس في  استخدام الضريبة كوسيلة لتشجيع بعض الانشطة الانتاجية[11] وذلك عن طريق تخفيف العبء الضريبي، مما يؤدي إلى انخفاض النفقات التي تتحملها المؤسسات الاقتصادية المستفيدة من الإعفاء، حتى تتمكن من القدرة على التمويل الذاتي وتراكم رؤوس الاموال لديها، وهو الأمر الذي يساهم في زيادة إيرادات الخزينة مستقبلا من خلال تنمية الاستثمار الذي يساعد الدولة بلا شك على تنويع النشاط الاقتصادي واتساع الوعاء الضريبي[12]، وبالتالي زيادة الحصيلة الجبائية[13].

كما انه أي الاعفاء الجبائي يعد البوصلة التي توجه الاستثمارات نحو الأنشطة ذات الأولوية وتستخدم عادة لتوجيه الاقتصاد بما يتلاءم والتوجهات الاقتصادية للبلاد، وذلك بالتأثير في قرارات الإنتاج والاستثمار والاستهلاك والادخار، ويختلف هذا التأثير باختلاف الانظمة الجبائية، كما انه يعد من بين الوسائل الاساسية لتشجيع وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة في الدول النامية عبر توفير مناخ ملائم ومشجع لجذب الاستمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن تحفيز الاستثمارات المحلية، وتوجيهها نحو قطاعات محددة، وتطوير المناطق النائية وتسريع وثيرة النمو بها، فبالرجوع للمادة الثانية من ميثاق الاستثمار نجدها تركز على دور الاداة الجبائية في تحفيز الاستثمار عبر:

تخفيض العبء الضريبي المتعلق باقتناء اليات وتجهيزات انجاز الاستثمارات، تخفيض نسب الضريبة المفروضة على الدخول والارباح، سن نظام ضريبي تفضيلي لفائدة التنمية الجهوية، وتحقيق توزيع أفضل للعبء الضريبي وتطبيق أحسن للقواعد المتعلقة بالمنافسة الحرة… وذلك من اجل تشجيع التصدير وإنعاش التشغيل، فضلا عن تخفيض تكلفة الاستثمار و الانتاج.

مما يمنح فرصة لمنافسة المنتجات الاجنبية والعمل على تشجيع صادرات المؤسسات المحلية نحو الأسواق الخارجية، لتحقيق نوع من التوازن الاستثماري في جل القطاعات، كما تهدف الى تدعيم الهياكل الإنتاجية، وتخفيض تكلفة الاستثمار في بعض المجالات، مما يمنح فرصة لمنافسة المنتجات الاجنبية والعمل على تشجيع الصادرات خارج إطار القطاع الفلاحي الذي يستحوذ على نسبة صادرات المملكة نحو الاسواق الاجنبية.

الفقرة الثانيًة: المحددات الاجتماعية للإعفاءات الجبائية

تعد الضريبة من الادوات الفعالة في تحقيق العدالة الاجتماعية فمن خلالها يحاول المشرع الحد من الفوارق الاجتماعية بين مختلف الفئات الاجتماعية، وهو ما يسميه بعض الباحثون “اعادة توزيع الدخل القومي[14]“. ويتم ذلك عن طريق منع تكتل الثروات في ايدي عدد قليل من افراد المجتمع بفرض ضرائب على الطبقة الغنية وتخصيص مواردها لزادة دخول الطبقة الفقيرة.

وتأسيسا على ما سبق فإن تعدد الاهداف الاجتماعية لضريبة جعلت معظم التشريعات الجبائية تستند الى الدور التدخلي، باستخدام الامتيازات أو الاعفاءات الجبائية في اعادة توزيع الدخل للرفع من المستوى المعيشي لطبقات الفقيرة، ومكافحة الفقر،  وتقليص البطالة، والتخفيف من التفاوت الطبقي، والرفع من القدرة المالية والشرائية، عن طريق تحفيز  التشغيل الذاتي وخلق المقاولات، وتشجيع السكن والعيش الاجتماعي من خلال الجباية العقارية وكذا المساهمة في تحقيق نوع من التوازن الجهوي بين مختلف جهات المملكة وذلك من خلال التدخل الجبائي عن طريق منح تخفيضات أو تسهيلات ضريبية أو اعفاءات جبائية  بغرض  إنعاش المناطق النائية أو المهمشة وتطويرها لتساير المناطق المنتعشة اقتصاديا، وبهدف تنمية تسير وفق نفس السرعة.

كما انها تعد الالية المثالية لتدعيم بعض الانشطة ذات الطابع النفعي الاجتماعي عن طريق منح امتيازات للجمعيات الخيرية والتنموية وغيرها من المؤسسات التي لا تهدف الى الربح، وذلك بتقديم اعفاءات ضريبية دائمة لها سواء كلية ام جزئية، كما يمكن ان تمنح لأسباب صحية كتلك الممنوحة للمواد ذات الاغراض التطبيب والاستشفاء، الخ…

وبناءً عليه، فإن الاعفاءات الضريبية تكون مبررة اقتصاديا واجتماعيا، فتحقق الاولى عندما تخدم اهدافا اقتصادية عامة وتكون اداة لتشجيع انشاطات اقتصادية محددة وتشجيع الاستثمارات المحلية والاجنبية في مجالات معينة وبشروط تضعها الدولة لخدمة الاهداف العامة للدولة وتعود بالفائدة على المجتمع ككل. اما الثانية أي المبررات الاجتماعية فتتحقق عندما تخدم غايات ذات صبغة اجتماعية كإعفاء حد أدني من الدخول يتناسب والنفقات الضرورية للمعيشة والاعباء العائلية.

كما قد تمنح اعفاءات اجبائية لا تملك مبررات اقتصادية أو اجتماعية ولا تخدم اهدافا عامة لكنها تمنح بقوة النفوذ السياسي لبعض فئات المجتمع[15].

المبحث الثاني: سياسة الاعفاءات الجبائية ورهان الحكامة

لقد صارت الضريبة سلاحا ناجحا للتأثير في المتغيرات الاقتصادية وتوجيهها نحو الانشطة الاكثر فعالية لتحقيق اغراض المجتمع، ويعد التدخل الجبائي الالية التي تستعملها الدولة لتنفيذ سياستها وتحقيق اهدافها سواء على الصعيد الاقتصادي او الاجتماعي على الرغم من انها تحدث خسارة مالية وتعمل على تفويت موارد مهمة على خزينة الدولة وبالتالي فمعرفة اثارها وتقييم انعكاساتها وتحديد تكلفتها المالية، سيفيد الساسية الاقتصادية والاجتماعية، كما سياهم في تحديد الدور الذي تلعبه السياسية الجبائية بشكل عام[16].

المطلب الأول: ضعف ومحدودية نتائج الاعفاءات الجبائية

لقد أعفي التشريع الجبائي المغربي عدد كبير من الانشطة الاقتصادية والاجتماعية من اداء الضريبة حيث توزعت هذه الاعفاءات بين الكلية والجزئية، الدائمة والمؤقتة. ومما لا شك فيه ان الضريبة والاعفاءات المتعلقة بها ليست العامل الوحيد والاساسي الذي يؤثر في مسار النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي بل هناك العديد من العوامل الاخرى الشيء الذي يصعب معه فصل الاثار التي تنجم عن فرض الضريبة أو الاعفاء منها عن غيرها من الاثار. لذلك سنخصص هذا المطلب للحديث عن الاثار المترتبة اساسا عن الاعفاءات الضريبية.

الفقرة الاولى: الانعكاسات الاقتصادية للاعفاءات الجبائية

يترتب على الاعفاءات الضريبية مجموعة من الاثار الاقتصادية فالمغالاة في الاعفاءات أو الاعفاءات العشوائية و غير المبررة، وبشكل خاص الاعفاءات الممنوحة للنشاطات غير الانتاجية ادت الى توجه رؤوس الاموال باتجاه هذه النشاطات أي -النشاطات غير الانتاجية-، كما ان منح بعض القطاعات تحفيزات واعفاءات ضريبية غير مدروسة سيؤثر بشكل واضح على زيادة الضغط الجبائي على فئة أو قطاعات أخرى غير معنية بتلك الاعفاءات[17]، مما يؤدى الى عزوف رؤوس الاموال عن الانشطة الانتاجية، وبذلك تكون سياسية الاعفاءات السخية الممنوحة لأصحاب الثروات والدخول العالية الى تركز تلك الثروات والدخول في ايدي فئة قليل من المجتمع، هذه الفئة التي غالبا ما تعتمد على تجميد اموالها عوض استثمارها في قطاعات اكثر انتاجية أو تحويلها نحو قطاعات اقل انتاجية أو يتم تهريبها الى الخارج.

ان قلة الاستثمارات المحلية الموجهة نحو تحقيق اهداف التنمية الاقتصادية تعتبر احد العراقيل الت تؤثر على تنمية الدول النامية، مما يدفعها الى محاولة استقطاب رؤوس الاموال الاجنبية على الاستثمار فيها، من اجل ذلك تستعمل مجموعة من الاليات التحفيزية الضريبية والمتمثلة اساسا في الاعفاءات التي تمنحها ولمدة طويلة لخلق مناخ مناسب لاستثمارات والمستثمرين الاجانب وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، على الرغم من ان المبالغة في منح الحوافز الضريبية قد تؤدي في مراحل معينة الى اهدار اموال وموارد جبائية مهمة، دلك ان اعطاء ضمانات لتحويل الارباح المحققة الى الوطن الام دون أي تحديد أو تقنين سيؤذي لا محالة الى ضرر اقتصادي على مستوى عجز ميزان الاداءات، حيث ان المستثمر يعتمد في الغالب الى توظيف امواله في فترات الاعفاء[18].

بالإضافة الى زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة الناتج عن المبالغة في منح الاعفاءات والذي قاد الى اللجوء للرسوم والضرائب غير المباشرة والتي غالبا ما تتخذ على شكل زيادة في الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك، أو الضرائب على الدخل والتي يخضع لها بالدرجة الاولى الموظفون والمأجورون، أو الاستعانة بالتمويل الداخلي وذلك بالاعتماد على سوق الرساميل الداخلي لتمويل عجز الميزانية، حيث تلجأ الدولة في هذا الاطار بتغطية العجز الحاصل أو اللجوء الى سوق الاقتراضات الخارجية من خلال التمويل الخارجي من اجل اعادة التوازن لميزان الاداءات والمالية العامة على الرغم من العواقب  والتأثيرات  التي يخلفها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والذي تتكبده الاجيال القادمة.

الفقرة الثانية: الاثار الاجتماعية للإعفاءات الجبائية

لا تقتصر اثار الاعفاءات الضريبية على الناحية الاقتصادية فحسب، بل تتعداها الى الابعاد الاجتماعية، والنظر في امكانية توافق الرسم أو الضريبة مع قدرة فئات المجتمع على اختلافاها. وبذلك تقوم فلسفة الاعفاءات الضريبية على تحقيق اغراض ذات صبغة اجتماعية، حيث تنبني اساسا على استعمال هذه الاعفاءات لخدمة فئات مجتمعية محددة والحد من الفوارق والتفاوتات الكبيرة بين دخول مختلف شرائح المجتمع، وذلك عن طريق اعادة توزيع الدخول لتخفيف العبء الجبائي على الفئات التي تعاني من الهشاشة، وذلك بغية تحسين ظروف عيشها ودعم قدرتها الشرائية، والحفاظ على حد معيشي مقبول اجتماعيا، ولتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، هذه الاخيرة التي تعني في ابسط معانيها مفهوم فلسفي اخلاقي يختلف في مضمونه ومحتواه باختلاف الظروف الاجتماعية والتاريخية، وفي المجتمعات الحديثة يرتبط هذا المفهوم بظواهر محددة ومن بينها طاهرة توزيع الدخول، توزيع الثروات والرفاهية الاقتصادية[19].

تتميز الانظمة الضريبة للدول النامية، باعتمادها الكبير على الضرائب المباشرة، والمغرب بطبيعة الحال لا يشكل الاستثناء من هذه القاعدة، فاذا كانت سياسة الإجراءات الجبائية الاستثنائية تضع من بين اهدافها تخفيف العبء على المستثمرين فان هذا الاخير أي العبء قد يقع على الشرائح غير المستثمرة وهي الفئات الضعيفة اقتصاديا، الشيء الذي سيؤثر بالحصيلة النهائية على مبدأ الدستوري والمتمثل في المساواة امام الاعباء العامة.

وبذلك يكون النظام الضريبي[20] قد ساهم بإعفاءاته السخية في التفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروات وابتعد عن أن يكون اداة من ادوات تحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي تغدو هذه الاعفاءات وبشكل غير مباشر اداة للزيادة في اختلال الدخول أو اداة لعرقلة التنمية، وأصبحت تلك الاعفاءات اداة لتوزيع الفقر بدلا من ان تكون اداة لتوزيع الدخل، وهو الأمر الذي من الممكن ان يشكل انقسامات داخل المجتمع أو يقود الى اضطرابات اجتماعية وسياسية داخل الوطن.

ومن هنا فإن الاعفاءات الشخصية ذات البعد الاجتماعي يجب ان لا تتماشى مع الدخول فقط، وانما يجب ان تواكب التطور الذي تعرفه الاسعار أي مع نفقات الاستهلاك. لان هناك اقتطاعات ضريبية من دخول اصحاب الرواتب والاجور تتنافى وفلسفة الضريبة والاعفاءات الضريبية ذات الغايات الاجتماعات.

وعموما فإن تحليل انعكاسات واثار الإجراءات الجبائية الاستثنائية سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي يظل ناقصا خصوصا في غياب دراسات نسقية، وانعدام المعطيات الاحصائية الرسمية حول نتائج تلك لإجراءات الجبائية. الأمر الذي يجعل اغلب التحاليل تعتمد على معطيات افتراضية، لذلك فالنتائج المتوقعة يمكن ان تكون سلبية على صعيد الاهداف المنشودة، مما سيؤثر سلبا ايضا على السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لا يمكن ان يساعد على اصلاح عمل هذه الإجراءات وعقلنة السياسة الجبائية[21].

المطلب الثاني: تقييم واقع الإعفاءات الجبائية بالمغرب

ان تقييم الإعفاءات الضريبية أو النفقات الجبائية بشكل عام يعد من اهم المقومات لإصلاح أي نظام جبائي لهذا نجد انها تحتل مكانة هامة في العديد من التشريعات المتقدمة نظرا لانعكاساتها هاته الإعفاءات على مختلف المجالات الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، ففي المغرب كانت النفقات الجبائية من أهم التوصيات التي خرجت بها المناظرة الثانية للجبايات سنة 2013، كما حظي الموضوع بدراسة للمجلس الأعلى للحسابات[22] .

الفقرة الاولى: تدبير غير معقلن لسياسية الإعفاءات الجبائية

تعد سياسية الإعفاءات الجبائية صورة من صور النفقات الجبائية الأكثر شيوعا، كما تعد آلية ضريبية وأداة مالية لتشجيع الاستثمارات وتحسين الأوضاع الاجتماعية، لكن استعمالها يبقى مرهون بمدى حسن استغلالها وتنظيمها، لأنه كلما كان هناك تدبير محكم لهذه الامتيازات والإعفاءات وفي المجالات المناسبة لها، كلما كانت ذات مردودية أفضل. كما انه لابد من ترشيد منح الإعفاءات الجبائية لما لها من انعكاسات على الخزينة العامة، متمثلة في ضياع جزء هام من حصيلة الضريبة و الذي يعود بأثر سلبي على الموازنة العامة للدولة وإيراداتها.

ففي الدول المتقدمة وجدت هذه الآلية محيط سوسيو اقتصادي ملائم[23]، ساهم الى حد كبير في استعمالها بشكل معقلن، خصوصا وأن معظم هذه الدول تعتبر هذه الامتيازات بمثابة نفقات جبائية، لها نفس أهمية النفقات العامة. على عكس ما هي عليه في الدول النامية التي استعملت هذه التنقية بنوع من المزايدات والتساهل في منح التحفيزات الجبائية، مما جعل تدبير سياسة التحفيز الجبائي عبر تقديم إعفاءات جبائية وغيرها من الآليات يتميز بطابع غير معقلن وتدبير غير محكم، وهو نفس الشيء الذي ينطبق على التجربة المغربية في هذا التوجه.

فالمغرب شأنه شأن العديد من الدول النامية اتجه منذ فجر الاستقلال نحو نهج السياسة الاقتصادية الليبرالية كأساس للتنمية، وبذلك تميزت مجمل الإجراءات الجبائية الاستثنائية بطابعها التساهلي الواسع والمزايدات العشوائية في منح هذه الامتيازات[24]، بحيث لا نكاد نجد ضريبة من الضرائب المشكلة للنظام الضريبي المغربي إلا وتتضمن إجراءً من الإجراءات الاستثنائية لهذا القطاع أو ذاك، سواء تلك المتعلقة بالوعاء الضريبي او الأسعار الضريبية، او التسهيلات المالية.

هذه السياسة –سياسة منح الامتيازات- التي انتقدها ومزال ينتقدها العديد من الباحثين والخبراء الاقتصاديين، نذكر على سبيل المثال الأستاذ Serghini، الذي شبهها بتلك “الحركة التلقائية للمزارع أثناء زرع الحبوب[25]، بحيث أن العطاء يكون بشكل كبير للفئات المقربة من أصحاب القرار الجبائي او السلطة بشكل عام، وهو الطابع الانحرافي الذي يميز سياسة منح التشجيعات والإعفاءات الجبائية بالمغرب منذ الاستقلال. وهو الذي لم يكن لتشجيع القطاعات المهمشة بالدرجة الأولى، كما يصرح به المسؤولون ولكن موجه لضمان تحويل مجموعة من هذه الامتيازات والإعفاءات لفائدة بعض الفئات الاجتماعية.

ووعيا من المشرع المغربي بالدور الفعال للحوافز الجبائية للإفراد والشركات، وبغية ترقية مختلف القطاعات وتشجيع مختلف أنواع الاستثمارات فقد بادر منذ الستينيات من القرن الماضي، نحو الرساميل الأجنبية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة، مستغلا في ذلك سياسية تحفيزية تقوم بالأساس على الاجراءات الجبائية لتشجيع الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد الوطني، لكن الاستعمال الغير معقلن لهذه التحفيزات والامتيازات التشجيعية، وغياب رؤى واضحة في منحها، نتجت عنه اختلالات عديدة، والذي ينعكس بشكل كبير على الميزانية العامة لدولة من جراء المغالاة في منح الامتيازات أو التشجيعات بدون مقابل لصالح الخزينة.

وعلى الرغم من ان السياسة التحفيزية تعد من بين الوسائل الفعالة الذي یتیح للدولة إمكانیة تحقيق أھدافھا الاستراتيجية في جميع المیادین، إلا ان طابعها العشوائي، وغياب معايير موضوعية قادرة على توجيه هذه الأهداف حسب الاتجاه الذي يتفق والسياسة الاقتصادية والاجتماعية لدولة، وندرة الدراسات التقديرية حول حجم وتكلفة هذه النفقات، وأثرها على حصيلة الإيرادات الجبائية، وكذا مدى تجسيد الأهداف المسطرة من وراء هذه الإعفاءات على ارض الواقع. جعل منها تدابير تساهم الى حد كبير في عرقلة التنمية عوض تسريعها.

ورغم ان هذه السياسة التشجيعية أبانت عن محدودية الدور الذي تلعبه في معظم الدول النامية، كعامل مؤثر في جلب الاستثمارات، إلا أنها لا تزال –أي الدول النامية- تنفق موارد مهمة في هذا المجال. وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في طرق تدبيرها كسياسة جبائية استثنائية أو كسياسية تشجيعية، عن طريق إحكام الرقابة سواء القبلية او البعدية على منح هذه الامتيازات قصد ترشيدها للاستفادة أكثر من ايجابياتها وتجنب أضرارها.

الفقرة الثانية: فعالية محدودة للإعفاءات والتحفيزات الجبائية

تعتبر الإعفاءات الجبائية إحدى آليات التدخل الجبائي الأكثر استعمالا من طرف الدول خاصة النامية منها، لتحفيز بعض الفئات الاجتماعية والأنشطة والأعمال التجارية، وذلك عن طريق التخلي عن جزء من عائدات الضرائب بشكل تتطوعي.

هذه السياسة التشجيعية التي اعتبرها العديد من الباحثين والمنظمات[26] غير فعالة بالنسبة للدول النامية، وبالأخص في مجال الاستثمار، بحيث يبرر أنصار هذا التوجه رأيهم هذا بأن تأثير الحوافز الضريبية في مجال الاستثمار ضعيف وغير جوهري، كون أنها غير منتجة لأثارها. وهو ما عبر عنه كل من Toye  و Shah في دراسة لهما سنة 1978، بأن الإعفاءات الضريبية الممنوحة من طرف الدول النامية هي بمثابة تعويضات عن العوائق والعقبات التي تواجه المستثمر والاستثمار[27] .

وفي المغرب قد أكدت بعض الدراسات على ان سياسة التدخل الجبائي عن طريق الإعفاءات لا تعد العامل الرئيسي المؤثر في اتخاذ قرار الاستثمار، بل هناك محددات أكثر فعالية من المحدد الجبائي، وفي دراسة ميدانية قام بها الأستاذ N. AKESBI  لدى الفاعلين الاقتصاديين حول العوامل التي تساعد على تشجيع الاستثمارات المحلية بناء على بعض الدراسات الأجنبية. وقد شملت هذه الدراسة عينة تضم 100 مقاولة صناعية ذات رأس مال خاص، وموزعة على مختلف المناطق الرئسية للمغرب وتم حصر هذه العوامل في 14 عامل، وقد حل عامل التشجيعات الجبائية للاستثمار في الرتبة الثالثة[28].

وعموما فإن استعمال تقنية التشجيعات والإعفاءات الجبائية لا تشكل العامل الرئيسي الوحيد في اتخاذ قرار الاستثمار، وإنما تعد مكمل لعدة محددات وعوامل اخرى تعتبر الأكثر تأثيرا، وهو الشيء نفسه الذي يبرز ضعف فعالية سياسة الإعفاءات الجبائية في معظم الدول النامية ومنها المغرب كما تم التوصل إليه من خلال الدراسات السابقة. ومنه فالسياسة الضريبية الناجحة ليست تلك التي تمنح مزيدا من الحوافز الضريبية، بل هي تلك التي تربط بين الحوافز الضريبية وبين العوامل الأخرى والتي تؤثر على قرار الاستثمار[29].

لا شك ان دراسات النفقات الجبائية ساهمت بشكل كبير في إبراز العراقيل والتحديات التي تواجه النظم الجبائية، لاسيما في الدول المتقدمة، كما ساهمت في توجيه السياسة الجبائية نحو نظم أكثر عقلانية بتجاوز النواقص وتقليص نسبة الخسارة المالية التي تحدثها تلك النفقات. ولهذا اتجهت معظم دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE الى إعداد تقارير دورية حول النفقات الجبائية من اجل الوقوف على مختلف النقائص التي تعتري السياسة الجبائية.

ففي المغرب بدأ في نشر التقرير السنوي للنفقات الجبائية منذ 2005، ولكن غياب الحكامة، والتتبع، والتقييم لهذه الاجراءات الاستثنائية المتضمنة في النظام الجبائي[30]، وعدم تحليل أثر الخسائر المالية التي تتعرض لها الخزينة العامة على صعيد الإيرادات، تبقى السمة البارزة خصوصا إذا علمنا ان كلفتها في تزايد مستمر من سنة إلى أخرى.

بصفة عامة، ان ضعف تدبير الإعفاءات الجبائية أو النفقات الجبائية بشكل عام في المغرب يتمثل أساسا في غياب الية للمراقبة والتتبع والتقييم، وهذا راجع إلى غياب مقتضيات قانونية تفرض تقييم شامل ودقيق لجميع الاجراءات الجبائية الاستثنائية، اد يقتصر عملها في جمع الإحصائيات واحتسابها للخسائر الحاصلة في الموارد، دون تقييم ودون أي تأكد من تحقيقها للأهداف المرسومة[31]. مما يشكل تنافي مع الفلسفة الضريبية وفلسفة الاعفاء الضريبي لذلك لا بد من ترشيد الاعفاءات والغاء الغير مبرر منها واللجوء الى الاساليب غير الضريبية.

خاتمة

 

ختاما يجب التأكيد على أن إعادة النظر في الاعفاءات الجبائية أصبح ضرورة حتمية خاصة بعد ما كشفته التجارب السابقة من اختلالات حيث أنها لم تحقق الآمال التي كانت معقودة عليها، مع ضرورة اعتمادها بشكل معقلن،  وذلك انسجاما مع تحقيق الأهداف المسطرة، وإيجاد صيغة لمنح هاته الامتيازات لكونها أداة للنهوض بالاستثمارات الوطنية والأجنبية وتحقيق العدالة الاجتماعية والجبائية، وحتى  ترقى لتحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة، لابد من نهج هندسة ضريبية فعالة للحوافز الجبائية والاعفاءات الجبائية بشكل خاص، واعتبارها كجزء من منظومة متكاملة ومترابطة لتهيئ وتحسين مناخ الاستثمار بكل مكوناته. وذلك بالتركيز على مجموعة من الأسس لعل أهمها:

  • ترشيد الاعفاءات الجبائية بقدر ما تساهم به في تحقيق اهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك بالتوافق والتنسيق التام مع باقي العوامل الأخرى في إطار مجموعة من السياسات الاقتصادية المتوافقة وبأقل قدر ممكن من المخاطر السياسة مع توفير قاعدة بيانات مدققة ومعينة لجميع الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية.
  • ضرورة تحسين محتوى تقرير النفقات الجبائية بهدف تحقيق دراسات تقييم معمقة حول ملائمة وفاعلية وجدوى الاستثناءات الجبائية المقررة.
  • وكذا قياس الاثار السوسيو اقتصادي للنفقات الجبائية وذلك بتبني اهداف ومؤشرات اداء قابلة للقياس.
  • وجوب العلم أن السياسة الضريبية الناجحة ليست تلك التي تمنح مزيدا من الحوافز الجبائية أو الاعفاءات، بل تلك التي تربط بين الحوافز الجبائية وبين العوامل الأخرى والتي تؤثر على قرار الاستثمار، وفي ضوء ذلك، فمن الضروري أن يتم وضع سياسة للحوافز الجبائية والاعفاءات الجبائية تتسم بالمرونة والمعقولية، بتضمن نظاما واضحا للإعفاءات الجبائية موقوتا بفترة زمنية معينة وبأهداف محددة.

[1] – يمكن تعريف السياسة الجبائية على أنها مجموعة من الاجراءات والتدابير المتخذة بهدف تأسيس وتنظيم الاقتطاعات الضريبية طبقا لأهداف السلطات العمومية.

[2] – فحسب تقرير المجلس الاعلى للحسابات حول تنفيذ قانون المالية لسنة 2017 الصادر في يوليوز 2019، ساهمت الموارد الجبائية بما مجموعه 2010.744 مليون درهم، وهو ما يعادل 89% من مجموع المواد العادية، ص10.

[3] – يتضمن النظام الجبائي المغربي جملة من الإجراءات الاستثنائية أو الامتيازات التى تستثني القاعدة العامة، وتاتي هذه الامتيازات غالبا على شكل تخفيضات، اسقاطات، خصوم أو اعفاءات ضريبية تمنح من خلال النظام المالي أو الجبائي بغرض تحقيق اهداف معينة.

[4] – محمد الحائك: النظم الجبائية التفضيلية واشكالية العادلة الضريبية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة السنة الجامعية 2016-2015، ص 2.

[5] – طارق الدنداني: النفقلت الجبائية ودورها في تشجيع المقاولات على الاستثمار، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية، عدد خاص سنة 2026، ص 182.

[6]  تقرير عن الشفافية المالية العمومية لسنة 2007، انظر في هذا الصدد سي محمد البقالي: المدخل الوجيز لدراسة القانون الضريبي مقاربة قانونية اجتماعية، مشروع الطبعة الثانية 2020، مطبعة البصيرة الرباط، ص 212.

[7] – ينص الفصل 39: “على الجميع ان يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور.”

[8] – خديجة ورحو: الاعفاءات الضريبية المخولة للقطاع العقاري بين التشريع و العمل القضائي، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية، عدد خاص سنة 2014، ص 131.

[9] – ميسون عبد اللطيف محمد نصير الطويبي: الاعفاءات الضريبية والاقتصادية في التشريع الليبي دراسة مقارنة، رسالة ماجستير قسم القانون العام، جامعة طرابلس، كلية القانون قسم القانون العام/ سنة 2011-2012، ليبيا، ص 18.

[10]  – زهية لموشى، الامتيازات الجبائية كمدخل لتحقيق التنويع الانتاجي بالجزائر، المجلة العلمية لجامعة الجزائر 3، المجلد 6، العدد 11، يناير 2018، ص 6.

[11]  سعيد جفري: الضريبة والنظام الضريبي المغربي، سلسلة اريد ان اعرف العدد 9 الطبعة الاولى 2013، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 22.

[12] – يقصد بالوعاء الضريبي أو قاعدة الضريبة المادة التي تكون القاعدة الأساسية لفرض الضريبة. ومادة الضريبة هي المحل الذي تفرض عليه الضريبة سواء كان دخلا أو رأس مال أو عملية أنفاق، ويمكن لهذه المادة ان تكون وحيدة وتفرض على ضريبة واحدة، أو متنوعة ومتعددة وتفرض عليها ضرائب متعددة. وبعبارة اخرى تلك المبالغ النقدية أو العينية التي يحصل عليها أو تحققها الاشخاص الطبيعية منها أو المعنوية وفقا لأوضاع حددها القانون الضريبي مخصوما منها  ان وجدت التكاليف المسموح بها وكذا الاعفاءات المصرح بها في القانون.

[13] – ميس ياسر إبراهيم قطاوي، الإعفاءات الضريبية وأثرها على تحقيق الأهداف الضريبية، أطروحة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في المنازعات الضريبية بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين 2017م، ص 31 و32.

[14] – سعيد جفري: الضريبة والنظام الضريبي المغربي، سلسلة اريد ان اعرف العدد 9 الطبعة الاولى 2013، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 23.

[15] – رسلان خضور: سياسة الاعفاءات الضريبية والجمركيةواثارها الاقتصادية والاجتماعية النموذج السوري، مجلة بحوث اقتصادية عربية، سنة 1996، ص 90.

[16]– حميد النهيري بن محمد: المدخل لداراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، مطبعة سليكي أخوين، طبعة مارس 2018، ص 22 ومايلها.

[17] – وفي تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية اثبت ارتفاع الضغط الضريبي في المغرب ما جعل الايرادات الجبائية تحتل نسب عالية من الناتج الاجمالي المحلي، وان الجزء الاكبر من الضغط الجبائي يقع على عاتق المستهلك بما يعادل 42% كما يؤكد التقرير ذاته ان الضغط المتأتى من الدخل والارباح لا يمثل سوى 8.3%

[18] – عزيز صميم: التحفيزات الجبائية، السلسلة المغربية للعلوم و التقنيات الضربية، العدد الثالث يناير 2013 مطبعة طوب بريس الرباط ص 112.

[19] – محمد سعيد فرهود: العدالة الضريبية اقتصاديا، مجلة الحقوق مجلد 25 عدد 4، سنة 2001، ص 18.

[20] – ويعرف النظام الضريبي بأنه مجموعة من التشريعات والسياسات والاجهزة التي تقوم على تخطيط وتنفيذ ورقابة عملية تحصيل الضريبة من الملزمين بأدائها، بغرض تحقيق مجموعة من الاهداف الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والتي يتوقف نجاح النظام الضريبي على عدة اعتبارات منها الارتباط بين الوظائف والاهداف المختلفة للضريبة وصياغتها في تشريع محكم يتسم بالبساطة والوضوح وامكانية التنفيذ، وبشكل يعمل على استقرار المعاملات الضريبية، وكذا كفاءة الجهاز الضريبي الذي يتولى تنفيذ السياسة الضريبية من حيث الحصر و الفحص والربط والتحصيل، فضلا عن نضج الوعي الضريبي للمكلفين من حيث الالمام بالحقوق والواجبات التي يتضمنها القانون الضريبي.

[21] – حميد النهيري بن محمد: المدخل لداراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، مطبعة سليكي أخوين، طبعة مارس 2018، ص 183 وما يليها.

[22] –  سي محمد البقالي: المدخل الوجيز لدراسة القانون الضريبي مقاربة قانونية اجتماعية، مشروع الطبعة الثانية 2020، مطبعة البصيرة الرباط، ص 238.

[23] – حميد النهيري بن محمد: المدخل لداراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، مطبعة سليكي أخوين، طبعة مارس 2018، ص 185.

[24] – عبد الرزاق ادبج: الاسثمار بين القضاء والضريبة، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة السنة الجامعية 2015-2014، ص83

[25] – إكرام طاهري: دراسة نقدية للنظام الجبائي المغربي رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة السنة الجامعية 2015-2014، ص 72

[26] – أظهرت دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ONUDI  نشرت سنة 2011 شملت 7000 شركة في 19 بلدا إفريقيا ان الحوافز الضريبة احتلت المترتبة الحادية عشر من أصل اثني عشر التي أثرت في اختيار وجهة الاستثمار[26]. وهو ما يدل على أن الإعفاءات الجبائية لا تشكل العامل الأساسي في استقطاب الاستثمارات، بل هناك عوامل ومحددات أخرى تتحكم في اختياراتهم للبلد المناسب، كطبيعة المناخ السياسي، والسياسة الاستثمارية والاستقرار التشريعي والاقتصادي والاستقرار النقدي… الخ، انظر في هذا الصدد بلهادي محمد و قدري محمد وقدري عبد المجيد: محاولة تقييم سياسات الانفاق الضريبي في الجزائر على ضوء مبادئ الحوكمة الضريبية، مجلة البشائر الاقتصادية، المجلد الرابع، العدد 2، 2018، ص 320.

كما توصلت دراسة اخرى تحت عنوان Tax and non tax incentives and investment: evidence and policy implication للبنك الدولي نشرت سنة 2013 اجريت في بعض دول الافريقية جنوب الصحراء ان أزيد من  %90  من المستثمرين لم تؤثر الحوافز الضريبية في قراراتهم الاستثمارية[26]، وبهذا يمكن استخلاص أنه بالرغم من المزايا والإعفاءات الجبائية  التي تمنح للمستثمرين لجذب اكبر عدد ممكن من الاستثمارات الا أن الواقع أتبث محدودية السياسة التشجيعية وتأثيرها في استقطاب  الاستثمارات لان هذه المعاملة غير مجدية خاصة اذا لم تتوفر الدولة على محيط مؤسساتي واقتصادي ملائم.

[27] – شنتوفي عبد الحميد: التحفيزات الجبائية وفعاليتها في جلب الاستثمار بالجزائر، المجلة الاكاديمية للبحث القانوني مجلد 16، عدد 2/2017، ص 224.

[28] – وفي دراسة أخرى أجريت من قبل وزارة الصناعة والتجارة حول العناصر التي تساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية سنة 1998، همت 39 مقاولة صناعية من عدة دول مختلفة، ومن خلال أجوبة المستثمرين وقفها من الاستثمار في المغرب، تم تصنيف المقاولات موضع الدراسة الى ثلاث مجموعات:

  • نسبة %17 من المقاولات تعتبر استثمارها في المغرب ايجابيا، وأرجعت ذلك الى مردودية اليد العاملة وكذا نشاطها.
  • اما نسبة 34% من المقاولات تعتبر استثمارها سلبيا وذلك راجع الى النظام الجمركي و المنافسة الغير مشروعة و المساطر الإدارية البطيئة.
  • و نسبة 49% من المقاولات تعتبر استثمارها يتأرجح مابين الايجابي والسلبي، فالأول يتمثل في تطور السوق الداخلية وامتيازات الموقع الجغرافي للمملكة وتوفير اليد العاملة وتكلفتها. أما الجوانب السلبية تتمثل في المنافسة الغير مشروعة و الإدارة سواء التشريعية او القانونية. انظر في هذا الصدد حميد النهيري بن محمد: المدخل لداراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، مرجع سابق، ص 193 وما يليها.

[29] – عزيز صميم: التحفيزات الجبائية، السلسلة المغربية للعلوم و التقنيات الضربية، مرجع سابق، ص 179.

[30]  تقرير حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2013، الجزء الأول، ص 226 .

[31] – ففي سنة 2019 تم تقييم 236 تدبير فقط من أصل 293 تدبير وهو ما يعادل حوالي 81%[31] من مجموع التدابير التي تم إحصاؤها ، كما ان تقييم التكلفة المالية لهذه الإعفاءات يركز فقط على الإعفاءات أو التدابير التي خضعت لتقييم، فحسب  توزيع النفقات الجبائية تبعا لنوع التدبير[31] لسنة 2019 بلغ مبلغ النفقات الإجمالية 27786 مليون درهم، ويكشف التحليل عن رجحان النفقات الجبائية المتعلقة بالإعفاءات الكلية التي تقدر ب 16001 مليون درهم بنسبة %58 من الإعفاءات الإجمالية، في حين مثلت الإعفاءات الجزئية والمؤقتة نسبة %8 أي ما يعادل 2137 مليون درهم. هذا وشكلت النفقات الجبائية المتعلقة بالتخفيضات  نسبة 29% من الإعفاءات الاجمالية لسنة 2019.

وتجدر الإشارة الى أن الشركات كانت اكبر المستفيدين من حصة النفقات الجبائية لسنة 2019 بنسبة %49 بمبلغ 13504 مليون درهم، وبارتفاع 89 مليون درهم عن سنة 2018، مع العلم أن عدد التدابير التي تم تقييها هي نفسها ) 122 تدبير[31]) ومنه حظيت الأهداف الاقتصادية بأعلى حصة من النفقات الجبائية بنسبة %53,4، وتلتها الأهداف الاجتماعية بنسبة %46,1 في حين لم تمثل الأهداف الثقافية سوى %0,5 من الإعفاءات الإجمالية سنة 2019.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى