في الواجهةمقالات قانونية

القاضي والظروف الطارئة في التشريع المدني المغربي

 

القاضي والظروف الطارئة في التشريع المدني المغربي

                             

                                                         أيوب لعزيري

                                           طالب باحت بسلك الماستر القانون المدني والتجاري

                                               جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء

مقدمة :

يواجه المغرب ومعه العالم في الوقت الراهن أزمة صحية غير مسبوقة تسبب بها فيروس كورونا  كوفيد 19 [1] والذي أصاب حالة من الذعر لدى جميع المواطنين نظرا للسرعة الكبيرة التي ينتشر بها ، وقد نتج عن هذا الفيروس ركود اقتصادي وتوقيف حركة الانتعاش التجاري والمالي للأفراد والجماعات..، بسبب الحجر الصحي الناتج عن الإغلاق الكلي الذي فرضته السلطات العمومية لمواجهة الفيروس في الفترات الأولى لظهوره ، وقد أدى هذا الوضع إلى إرباك المعاملات المالية للأفراد وتوقيف تنفيذ العقود وتأجيل تنفيذ بعضها إلى موعد أخر ، كما تم توقيف سريان الأجل التشريعي والتنظيمي لممارسة الحقوق بمقتضى مرسوم حالة الطوارئ الصحية [2] . وخلال هذه المدة ونظرا للتوقف الذي طال عديد القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية وغيرها ، تطرح نظرية الظروف الطارئة أهمية قصوى بسبب ما سينتج عنها من أثار بسبب الجائحة  ولاسيما في هذه الظرفية، فيطالب الدائن  المدين  بتنفيذ التزامه رغم الصعوبة التي أصبح عليها  ، فيقوم هذا الأخير بالدفع بأن الالتزام الملقى عليه أصبح مرهقا في تنفيذه ويصيبه من الضرر بما لا تتحمل طاقته ، ويطالب على إثرها  إما تخفيض الالتزام –كما الشأن في عقود الايجار أو المقاولة – أو الإعفاء منه و تأجيله ، فإذا استجاب الدائن  نكون أمام تعديل إرادي للعقد من لدن الأطراف ، أما في حالة واجه طلبه بالرفض وتمسك بالتنفيذ  كما هو متفق عليه فلا يبقى للدائن إلا اللجوء للقضاء من أجل التدخل لخفض الالتزام إلى حدوده المعقولة ، في إطار ما يطلق عليه بالظروف الطارئة ، وتقضي هذه الأخيرة  وجود عقد يربط الدائن والمدين في ظروف عادية ومستقرة إلا أنه أثناء التنفيذ تحدث ظروف طارئة – كما هو الشأن بالنسبة لفيروس كورونا -تؤثر على تنفيذ المدين للعقد وتجعله مرهقا له ، يترتب عليه اختلال التوازن الاقتصادي بين المتعاقدين . وباستقرائنا لمحتوى الفصل 230 من ق إ ع الذي نص فيه المشرع على أن ” الالتزامات التعاقدية المنشئة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ” وتبعا لذلك فنظرية الظروف الطارئة تعد خروجا عن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ، الذي يفرض أن العقد متى ما نشئ صحيح مستوفيا أركانه وشروطه فليس لأحد من أطرافه أن يقوم بنقضه أو تعديله ولو من طرف سلطة القضاء نفسه . ويطرح الإشكال المرتبط بموضوع الدراسة أن المشرع المغربي لم ينظم المقتضيات المتعلقة بالظروف الطارئة ، كما أنه لم نعتر على أحكام أو قرارات قضائية تقر هذه النظرية .

فكيف سيتعامل القضاء المغربي إذن مع نظرية الظروف الطارئة ؟

وهي إشكالية تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة من قبيل :

ما أنواع مطالب الدائن للتمسك بتنفيذ العقد ؟

ما هي مطالب المدين للتمسك بالظروف الطارئة ؟

و كيف سيتعامل القاضي المدني مع هذه النظرية ؟

وهي أسئلة نجيب عنها في التصميم الأتي :

الفقرة الأول : مطالب الدائن والمدين المرتبطة بالظروف الطارئة

الفقرة الثاني : سلطة القاضي في الحكم بإقرار نظرية الظروف  بالظروف الطارئة

 

الفقرة الأولى: مطالب الدائن والمدين المرتبطة بالظروف الطارئة

أن هذه الدعوى المرتبطة بالظروف الطارئة لا تقتصر فقط على المدين ، فالدعوى قد تكون معروضة على القضاء من جانب الدائن الذي يتمسك بالمطالبة بتنفيذ العقد رغم ما طرأ عليه من ظروف خارجة عن إرادة  المتعاقد، ففي الحالتين معا فالدعوى تعرض على القضاء لأول مرة إما من جانب المدين أو الدائن في الالتزام ويؤدي  تمسك المدين بالظروف الطارئة وإثبات شروطها والمطالبة على إثرها من القضاء بتخفيض قيمة الالتزام إلى الحد المعقول ، وضع القضاء أمام موقف محرج نظرا للغياب التشريعي والسند القانوني لإقرارها . نتطرق في (أولا) لمطالب الدائن المرتبطة بالظروف الطارئة ، على أن نتطرق في  ( ثانيا ) لمطالب المدين

أولا : مطالب الدائن المرتبطة بالظروف الطارئة  

يتمسك الدائن الذي يطالب بتنفيذ العقد بمبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ سلطان الإرادة

أ – مبدأ القوة الملزمة للعقد

ويقصد بهذا المبدأ أن ما اتفق عليه الأطراف بمحض إرادتهم يلزمهم ولا يمكن لهما بعد ذلك التنصل من الالتزامات الملقاة عليهما بدعوى الإرهاق في التنفيذ إلا في حالة اتفقا على ذلك أو في الحالات المنصوص عليها قانونا ، وهذا ما نص عليه المشرع في الفصل 230 من ق إ ع المغربي ” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ” ومعنى ذلك أن العقد يلزم كلا المتعاقدين بوجوب احترام وتنفيذ ما تضمنه ، كما يجب على القاضي أن يلتزم بأحكامه ، ويمنع عليه أن يغير في العقد ما قد يراه مخالفا ، فالعقد الذي يجمع المتعاقدين يعد بمثابة القانون الواجب التطبيق عليهما والذي يمنعه من اللجوء إلى قواعد العدالة للمنع الصريح من المشرع ، وبالتالي فالإرادة هنا هي مناط القوة الملزمة للعقد ولا يجوز المساس بها مهما تغيرت الظروف ولو أصبحت معها هذه الأخيرة مرهقة للمدين

ب –مبدأ سلطان الإرادة

ويقصد بمبدأ سلطان الإرادة أن الإرادة وحدها كافية لإنشاء العقد والتصرف الشرعي بوجه عام وهذا ما يعرف بقاعدة الرضائية في العقود[3] ، كما يقصد به أيضا حرية الإرادة في تحديد الآثار المترتبة على العقد أو التصرف وهذا ما يعرف بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين [4]

ومبدأ سلطان الإرادة يمنح الأطراف الحق في إنشاء ما يشاؤون من العقود غير مقيدين في ذلك بأنواع العقود التي نظمها المشرع في القانون المدني ( والتي يطلق عليها العقود المسماة ) ، كما يكون للإرادة الأطراف الحرية في تحديد آثار العقد ، فلا تتقيد بالآثار التي يرتبها المشرع على عقد من العقود فقط ، وإنما يكون لها بما لها من سلطان ، الحرية في تضييق هذه الآثار أو توسيعها أو حذفها ، كما يكون للإرادة الحرية في تعديل آثار العقد بعد إبرامه ، وكذا الحق في إنهاء العقد[5]

ومن ثم فإن مبدأ سلطان الإرادة  يقوم على عنصرين أساسيين في التعاقد هما :

  • -عنصر الحرية : حيث تعد الحرية هي الركيزة الأساسية في التعاقد ، بمعنى أن الإرادة الحرة تهيمن على جميع الحقوق والالتزامات ، ومن ثم لا يلتزم أحد بعقد لم يكن طرفا فيه كما لا يكتسب أحدأ حقا من عقد لم يشترك فيه ، والمقصود بالارادة الحرة هي التي تكون قادرة على إبرام العقد بعد فحصه ودراسته دراسة جيدة في ضوء مصلحة الطرفين والتوازن بين تلك المصالح دون ضغط أو إجبار من أحد ، وبتحقيق مصلحة الطرفين تتحقق مصلحة المجتمع ، لأن مصلحة المجتمع أو المصلحة العامة في المجتمع تتكون من مجموع المصالح الفردية للمتعاقدين[6]

2- عنصر المساواة : أن تحقيق المساواة المطلقة أمرا صعب تحقيقه وبالتالي فلا يقصد هنا بالمساواة الفعلية وليس المساواة القريبة من المساواة الحقيقية أو الفعلية أمام القانون ، فالمساواة القانونية لا المساواة الاقتصادية هي التي تكفل في النهاية تحقيق المصلحة العامة لأن المصلحة الخاصة – وهي أساس المصلحة العامة – لن تتحقق إلا إذا اعتبر الناس متساوين أمام القانون في كافة عقودهم[7]

وهكذا فإن الدائن يتمسك بتنفيذ العقد في الدعوى المرفوعة أمام القضاء ، قاصدا من ورائها الحيلولة دون تدخل القاضي بسلطته التقديرية لإسعاف المدين بتخفيض التزامه المرهق رغم ما يشوبه من ظروف طارئة .إلا أنه مع ذلك فالمدين يتمسك بعد إثبات شروط الظروف الطارئة بمطالبته التي يبقى للقضاء سلطة الأخذ بها من عدمه

ثانيا : مطالب المدين في رفع الدعوى المرتبطة بالظروف الطارئة

إن إنصاف المدين عند رفع الدعوى يجب أن ينبني على أسس مقنعة للقضاء من الأجل الأخذ بها ، ومن بين مطالب المدين نجد :

أ – مبدأ استقرار الأمن القضائي

إن لجوء المدين للقضاء يكون بالنظر للثقة المترسخة له عما تحظى به هذه المؤسسة من أداة لتحقيق الحقوق بين الأفراد وحمايتها ، وكذلك رغبة منه في  استقرار المعاملات التي تأثرت بسبب الجائحة المتعلقة بفيروس كورونا، فالمدين المكتري يجد نفسه أمام إرهاق كبير في أداء أجرة الكراء بسبب الظروف الاقتصادية التي أفقدته عمله أو مدخوله اليومي ، فمن غير المعقول ولا المقبول ترك المدين وحده يواجه مصيره ويتحمل بمفرده نتائج تلك الظروف الغير متوقعة ، فيفترض في القضاء أن يقوم بدوره بتكييف الوقائع القانونية وتحقيق التوازن المفترض في العقود، دون إمكانية إجحاف طرف على الأخر

ب –حماية استقرار المعاملات

إن المبالغة في التمسك بالقوة الملزمة للعقد من قبل القضاء يؤدي إلى التضحية بمبدأ استقرار المعاملات ، دون مراعاة ما قد تتأثر به العلاقات التعاقدية أثناء تنفيذها ، فالعقد لا يجب أن يكون التوازن فيه حاضرا فقط أثناء التعاقد بل يجب أن يمتد ذلك إلى حين التنفيذ ، كما أن القول بضرورة الالتزام بالتنفيذ من جانب المدين يؤدي الى نتيجة حتمية ، وهي انقضاء الالتزام بعد التنفيذ الذي لا يرتضيه المدين  من القضاء ، وبالتالي فالقاضي بطريقة غير مباشرة يساهم في ضرب استقرار المعاملات والأمن القانوني بين الأفراد والتشجيع على انحلال العقود ، دون اعتبار لما تشكله هذه العقود في تنشيط الدورة الاقتصادية داخل المجتمع ، باعتبارها  الوسيلة الوحيدة  لتداول الأموال والثروات وتبادل السلع والخدمات ومختلف المنافع بين الأفراد

ج – مبادئ العدالة والانصاف

يقصد بها تدخل القاضي من أجل إقرار اجتهاد لا نص فيه وذلك من خلال البحث والاستقصاء في النازلة المعروضة عليه والحكم فيها بناء على قواعد العدالة والإنصاف

إلا أن الإشكال الذي يواجه القاضي هنا أن اللجوء إلى هذه الوسيلة يكون في حالة عدم وجود نص في المصادر الأخرى للقانون دون أن ننسى أن المشرع منع بكيفية صريحة تدخل القاضي من أجل خفض الالتزام المرهق للمدين ( الفصل 230 من ق إ ع )

الفقرة الثانية : الحكم الصادر في دعوى الظروف الطارئة

بعد تأكد القاضي في النازلة المعروضة عليه من أن جميع شروط الدعوى متوفرة وأن المدين مرهق في تنفيذه للالتزام بعد إثباته لشروط الظروف الطارئة فإن حكمه يكون كالأتي :

أولا : إلزام المدين بالتنفيذ

إن القاضي في  هذه الحالة  سيكون  أمام  تطبيق للنص القانوني ،  والذي ينص على القوة الملزمة للعقد دون إمكانية تدخله من أجل تخفيض قيمة الالتزام ولو تغيرت الظروف التي تم إبرام العقد فيها  بسبب جائحة كورونا ، فهو يستند إلى غياب السند التشريعي  الذي يخوله لأخذ بنظرية الظروف الطارئة ، وهو الأمر الذي ينص عليه المشرع في الفصل 230 من ق إ ع ” الالتزامات التعاقدية المنشئة على وجه صحيح تقوم  مقام  القانون  بالنسبة  إلى منشئيها ، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ”. وفي هذا الصدد بالذات ، فإن مختلف المحاكم المغربية في عموميتها تمیز تمييزا واضحا فيما يخص عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية ، بين الاستحالة المطلقة التي تعترض تنفيذ العقد ومجرد الصعوبة المادية أو الاقتصادية ، فتقضي بانقضاء العقد في الحالة الأولى تطبيقا لأحكام القوة القاهرة ، وتقضي بوجوب تنفيذه في الحالة الثانية ، تطبيقا للعقد واستبعاد نظرية الظروف الطارئة[8] ، وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط [9] ”لا يجوز تعطيل القوة الملزمة للعقد بدعوى أن الالتزامات الناتجة عنه قد أصبحت باهضة التكاليف نتيجة لظروف استثنائية غير متوقعة ..” . وبما أنه من الممكن أن يتحايل قاضي الموضوع على أحكام القانون للوقوف إلى جانب المدين الذي تعترضه ظروف مادية أو اقتصادية جد صعبة أثناء تنفيذه لالتزاماته العقدية ، عن طريق إعمال قواعد التفسير أو التأويل لتغيير مضمون العقد بكيفية يحتمل معها تطبيق نظرية الظروف الطارئة ، فقد قرر المجلس الأعلى ، انطلاقا من مقتضيات الفصل [10]461 من قانون الالتزامات والعقود ” لايكون هناك محل للتفسير عندما تكون عبارات العقد واضحة … »[11]، وفي قرار آخر ”إذا كان بإمكان قاضي الموضوع تفسير العقود التي حررها الأطراف ، فإنه لا يستطيع تحت ستار التفسير تحریف بنودها الواضحة والصريحة … ”[12] للوصول إلى غايات أخرى لا تتضمنها الإرادة المشتركة للمتعاقدين

وتجب الإشارة أن المدين بإمكانه إضافة طلب إضافي للطلب الأصلي من أجل منحه مهلة للميسرة باعتبار أن هذه الأخيرة تعد طلب مكمل للطلب الأصلي ، وقد نص المشرع على على هذه المهلة القضائية في الفصل  في الفقرة الثانية من الفصل 243 من ق.ل.ع والذي ينص على أن” ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها”، وبذلك فالمشرع منح القضاء سلطة تقديرية في منح مهلة الميسرة من عدمه .

وتعد مهلة الميسرة تطبيقا يقترب من نظرية الظروف الطارئة ، فالمدين الذي يرى نفسه أن الحكم لن يصدر في صالحه فيمكنه اللجوء الى هذه المكنة من أجل طلب أجل للوفاء بإلتزامه ، وهو ما يحسب للمشرع المغربي بتنظيمه لهذه المؤسسة التي سيكون وقعها كبيرا خصوصا في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها المغرب ، آخذا بمبدأ الموازنة بين مبدأ استقرار المعاملات  والموازنة بين مصلحة الدائن و المدين الذي اعترضه ظرف طارئ خارج عن إرادته حال بينه وبين تنفيذ الالتزام داخل الأجل المتفق عليه، وبالتالي فإن مسالة تقدير منح الأجل من عدمه هي مسألة واقع يستقل بها القضاة بناء على سلطتهم التقديرية ، وقد صدر بهذا الصدد قرار عن المجلس الأعلى جاء فيه”ليس هناك ما يلزم محكمة الموضوع أن تمكن المكتري الذي لم ينفذ التزامه من مهلة الميسرة”[13]

ثانيا : الحكم بإقرار نظرية الظروف الطارئة

إن القاضي في هذه الحالة سيخرج عن التطبيق الحرفي لنص الفصل 230 من قانون الالتزامات  والعقود ، وذلك من خلال إعماله لسلطته التقديرية والحكم بتخفيض الالتزام إلى حدوده المعقولة ، وهو ما يعد أمر خارج عن اختصاصه وعن المبادئ  المعمول بها في المغرب وهي مبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ سلطان الإرادة

إن استجابة القضاء تدل على سعيه من أجل تحقيق العدالة التعاقدية واستقرار المعاملات في هذه الظرفية الاستثنائية التي تمر بها البلاد ، فهو تعبير واضح عن سلطة الملائمة المطلقة التي يتمتع بها دون حاجته إلى الالتزام بالنصوص التشريعية ، فالانطلاقة دائما ما تكون من القضاء من خلال اجتهاداته القضائية التي تعمل محكمة النقض على إقرارها دون إلزام باقي المحاكم بها ، قبل أن يتدخل المشرع من أجل تنظيم هذه النظرية ، فلا بد أن يأخد القضاء المبادرة ما دام أن الدور يبقى على محكمة النقض إما بإقرار هذه النظرية أو الطعن في القرار وإلزام المدين بالتنفيذ

ويجب الإشارة أن هذه السلطة التقديرية التي استعملها قاضي الموضوع تعد سلطة غير مبنية على أساس ولو كان يستند فيها على قواعد العدالة والإنصاف ، باعتبار أن هذه الأخيرة لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة غياب النص القانوني والحال أننا أمام نص صريح يمنع القاضي بالتدخل لتعديل العقد بين الأطراف[14] ، وبالتالي فالقاضي يعد متجاوزا  لاختصاصه ، فالسلطة التقريرية تخول له بناء على نص صريح من المشرع ، وهو الأمر الغير متوفر في التشريع المدني المغربي ما دام أن الظروف الطارئة لم يتم تنظيمها بعد ، وهكذا فإن القول بهذا الأمر يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إمكانية الطعن في الحكم الصادر من القاضي بالاستئناف أو النقض حسب الأحوال

 

 

 

خاتمة :

إن الغياب التشريعي و القضائي لنظرية الظروف الطارئة سيؤثر بلا شك على جميع العقود المستمرة التنفيذ خلال هذه الجائحة فالظروف الطارئة هي الأخت التوأم للقوة القاهرة فلا يمكن الاكتفاء بتنظيم أحداهما عن الأخرى ، كما أن هذه الظرفية الاستثنائية التي تمر بها البلاد شهدت ارتفاع في عدد النزاعات  المتعلقة بتنفيذ العقود والتي  ستصطدم بغياب تنظيم محكم لهذه النظرية من قبل المشرع المغربي .وهو ما نأمل معه من القضاء المغربي أن يتبنى هذه النظرية ويخرجها إلى حيز التطبيق ضغطا منه على المشرع للعمل على تنظيمها بنصوص خاصة ، فحتى لو  قلنا أن المشرع يتمسك بالقوة الملزمة للعقد فإن ذلك لا يغني عن إقرار توازن كما فعلت عدة تشريعات أجنبية التي ألزمت المدين بالتنفيذ  مع إ مكانية إثارته للظروف الطارئة

[1]  فيروس أطلق عليه هذا الاسم لأول مرة جائحة  ”كوفيد-19 ”والمعروفة أيضا باسم جائحة فيروس كورونا، وهي جائحة عالمية مستمرة حاليًا ، سببها فيروس كورونا  المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة سارس ، وقد تفشى المرض للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر عام 2019، وقد تم تسجيل أول إصابة بالمغرب بتاريخ 02 مارس 2020

[2]  مرسوم بقانون رقم 292.20.2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 الجريدة الرسمية عدد 6867

[3]  وليد صلاح مرسي رمضان .القوة الملزمة للعقد –دراسة مقارنة – دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2009ص51

[4] رمضان محمد أبو السعود . مبادئ الإلتزام في القانون المصري واللبناني .الدار الجامعة –القاهرة سنة 1984 ص 27

[5]  رمضان محمد أبو السعود . مبادئ الإلتزام في القانون المصري واللبناني .نفس المرجع أعلاه .ص 25

[6]  عبد الرزاق السنهوري .نظرية العقد .الجزء الأول . المرجع السابق .ص 99 وما بعدها

[7] القاضي حلمي بهجت بدوي .أصول الالتزامات .الكتاب الأول .نظرية العقد .مطبعة نوري القاهرة .سنة 1943 م ص 66

[8]  محمد الكشبور .نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة .دون ذكر المطبعة .الطبعة الأولى 1413 الموافق ل 1993 ص165

[9]  قرار 13 يناير 1950 أورده الدكتور محمد الكشبور في كتابه نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة  ص 165

[10]  ينص هذا الفصل على أنه :

”إذا كانت ألفاظ العقد صريحة إمتنع البحث عن قصد صاحبها ”

[11]  قرار بتاريخ 10 يوليوز 1962 منشور بالمجلة المغربية للقانون RMD 1963 ص 169 وما يليها

[12]  قرار بتاريخ 26 مارس 1964 منشور بالمجلة المغربية للقانون RMD 1964 ص 249 ومايليها

[13]   قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1969/12/17 ملف عدد850/06 منشور بمجلة الاجتهاد القضائي عدد 1 ص 237

[14]  الفصل 230 من ق إ ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى