بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

أبعاد توجه المشرع المغربي نحو إجبارية التحفيظ كآلية لتحقيق أهداف السياسة العقارية الدكتور : لبيب نبيل دكتور في القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس –



أبعاد توجه المشرع المغربي نحو إجبارية التحفيظ كآلية لتحقيق أهداف السياسة العقارية

Dimensions of rewarded Moroccan orientation towards mandatory conservation as a mechanism to achieve land policy objectives

الدكتور : لبيب نبيل

 

?

دكتور في القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس


الملخص

هدفت هذه الدراسة إلى مناقشة أبعاد توجه المشرع المغربي نحو إجبارية التحفيظ العقاري، ومدى استطاعتها في تفعيل هذه التوجهات، ذلك أن تحقيق السياسة العقارية الاستثمارية أمر يرتبط في كل الدول بالقوانين النوعية خاصة وأنها تتصل باستعمال العقار في الاستثمار، إذ تؤثر فيه بصفة مباشرة، ومنها على الخصوص قوانين الملكية العقارية، التي تطهر العقار تنظم استغلاله، إذ تتحكم بشكل كبير في تحقيق و تجسيد هذا التوجه وإن كانت تعترضه مجموعة من المعيقات تقتضي إيجاد حل أمثل لتفعيلها.

Abstract :

. This study aimed to discuss the dimensions of the orientation of the Moroccan legislator towards the compulsory conservation of land, and the extent of its capacity to activate these orientations, since the realization of the land investment policy is linked in all countries to specific laws, especially with regard to the use of land in the investment, because it directly affects it, including In particular, laws on real estate property, which purify the property, regulate its expl
oitation, because they largely control the realization and embodiment of this trend, although it faces a set of obstacles that require finding an optimal solution to activate it

مقدمة:

يحتل العقار مكانة بارزة في الاقتصاد الوطني، باعتباره ثروة مهمة ووسيلة من وسائل الإنتاج، التي تساهم في تداول الأموال بين الأفراد والجماعات،و إحدى العناصر الأساسية التي تعتمد عليها مختلف البلدان، في مخططاتها كمخزون لإنجاح السياسة العمومية التي تتبناها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و البيئة، وذلك من خلال توفير الوعاء العقاري اللازم لتفعيل توجهات الدولة الاستثمارية.

وبطبيعة الحال فإن تفعيل هذه التوجهات، رهين بوضع سياسة عقارية تنظم استعمال الأراضي بكل أصنافها، والتحكم في التخطيط الحضري، و تعبئة العقار من أجل إنجاز المشاريع التنموية في مختلف المجالات، وفق مبادئ وأسس توجيهية تضعها الدولة بشكل إرادي على المدى المتوسط ، معتمدة على مجموعة من الآليات الملائمة لعقلنة تدخلات مختلف الفاعلين المعنيين بتدبير قطاع العقار، هادفة بذلك ضمان النجاعة و الفعالية في تدبير الوعاء العقاري على المستوى الوطني والترابي بشكل يؤدي تكوين وعاء عقاري خال من النزاعات، واستثمار هذا الأخير في المشاريع التنموية التي تضعها الدولة في مخططاتها الاقتصادية و الاجتماعية.

ذلك أن تحقيق السياسة العقارية الاستثمارية،أمر يرتبط في كل الدول بالقوانين النوعية التي تعالج موضوعات هامة، تتصل باستعمال العقار في الاستثمار، إذ تؤثر فيه بصفة مباشرة، ومنها على الخصوص قوانين الملكية العقارية، خاصة التي تطهر العقار وتصفيته و تنظم استغلاله ، هذا الأخير يتحكم إلى حد كبير في تحقيق و تجسيد هذه السياسة.

لذلك تدخل المشرع المغربي، بمجموعة من التدابير التشريعية و التنظيمية، لمواكبة متطلبات الاستثمار في مختلف المجالات الفلاحية و السياحية والتعمير وما تقتضيه من حاجة إلى رصيد عقاري لإنجازها وإلى موارد مالية كافية لتمويلها وإلى تأطير قانوني ملائم سواء تعلق الأمر بالقواعد العامة المؤطرة للنظرية العامة للعقد أو بالقواعد الخاصة بالعقود المسماة مع الحرص على تحقيق الانسجام المطلوب بين مختلف المنظومة القانونية المغربية وبين إصلاح القانون العقاري خاصة قانون التحفيظ العقاري و مدونة الحقوق العينية .

ويعتبر نظام التحفيظ العقاري إحدى هذه القوانين النوعية التي أقرها المشرع المغربي لحماية الملكية العقارية وتطهيرها، وهو ما يظهر جليا من خلال قوة المبادئ التي يرتكز عليها ، كالتوازن القانوني بين عملية الإشهار الموسع ،و التطهير المادي و القانوني للعقار،و الصفة النهائية التي يمنحها للرسم العقاري، الشيء الذي من شأنه أن يوفر أرضية قانونية وهندسية متينة تساهم في تحقيق الأمن والاستقرار العقاري،لذلك يمكن القول أنه وسيلة ضرورية لحماية الملكية العقارية والرفع من قيمتها،لما لها من مساهمة فعالة في عملية البناء الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، كما يعتبر كمحدد تشريعي في السياسة العقارية حيث أن كل الدراسات ،أو البرامج التنموية التي تهدف إلى تحسين الهياكل العقارية، ستكون عقيمة وبدون جدوى دون التوفر على الدراسات القانونية ،والمادية المتعلقة بهذه الهياكل والمشرع المغربي وعيا منه بهذه الأهمية ، أخذ به في منظومته التشريعية وجعله كمحدد تشريعي في سياسته العقارية وذلك لمواكبة التطورات الاقتصادية، والاجتماعية.

ومن أهم الخصائص التي يتميز بها نظام التحفيظ العقاري، أنه الأصل فيه أنه اختياري، الاستثناء فيه أنه إجباري،لذلك أفرد المشرع لهذه الأخيرة سواء في ظهير التحفيظ العقاري أو في القوانين الخاصة، مجموعة من الحالات والمساطر، يكون فيها التحفيظ إجباريا ونتيجة لذلك عمل المشرع المغربي من خلال هذه المقتضيات،التوجه نحو إجبارية التحفيظ العقاري كمحدد تشريعي في السياسة العقارية ،هادفا بذلك تكوين وعاء عقاري صلب قادر على استيعاب المشاريع الكبرى التي تبناها مند الاستقلال إلى الآن،
الشيء الذي يجعلنا في هذه الدراسة البحث عن المبررات التي جعلت المشرع المغربي يتجه نحو إجبارية التحفيظ العقاري كدعامة في السياسة العقارية “المبحث الأول” تم العمل على تقييم مدى نجاح المشرع المغربي في تحقيق أهداف السياسة العقارية من خلال هذا التوجه “المبحث الثاني “ معتمدا في ذلك خطة منهجية على الشكل التالي :

المبحث الأول:دواعي توجه المشرع المغربي نحو إجبارية التحفيظ العقاري


لا يختلف اثنان في أن التحفيظ العقاري يشكل قفرة هامة في مجال التشريع ، فهو يعد دعامة أساسية من دعائم السياسة العقارية بالمغرب لاسيما وأن أهداف هذا النظام هو حفظ مصالح الدولة، و المالكين و كل أطراف المجتمع ،وذلك من خلال القوة التطهيرية التي يعطيها الرسم العقاري للملكية، الشيء الذي يتيح للدولة نهج سياسة تتلاءم و حاجيات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، فاتجاه المشرع إلى سن هذا النظام لخير دليل على دور الفعال الذي سيلعبه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والقانونية للفرد و الجماعة على حد سواء ، كل هذا يبين لنا بجلاء أن توجه المشرع المغربي نحو الإجبارية في التحفيظ العقاري، كان له ما يبرره واعتبرت بمثابة توجه عام للدولة في سياستها العقارية المتبعة ويتجلى ذلك بالخصوص في :

المطلب الأول: رغبة الدولة في تكوين وعاء عقاري لإقامة المشاريع الكبرى

مما لا شك فيه أن المغرب سعى جاهدا مند حصوله على الاستقلال، إلى تطهير وعائه العقاري وتحصينه، استعدادا لاستقبال مشاريع كبرى يكون لها تأثير على أكثر من مستوى، ولهذا الغرض ثم إقرار مجموعة من حالات التحفيظ الإجباري الهدف منها هو تصفية الوعاء العقاري لأملاك الدولة الخاصة وأراضي الجموع” الفقرة الأولى”، أو العمل على تحصين الوعاء العقاري عند تكوينه وإعادة تكوينه” الفقرة الثانية”

الفقرة الأولى: تحصين وتصفية الوعاء العقاري للدولة

لا شك أن توجه المشرع المغربي نحو إقرار إجبارية التحفيظ عند إجراء مسطرة التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة وأراضي الجموع خاصة عند التعرض على هذه المسطرة بواسطة مطلب التحفيظ التأكيدي له ما يبرره أهمها تصفية الوعاء العقاري للدولة من النزاعات “أولا” وهذا لا يعني أن الدولة اكتفت بذلك في سياستها العقارية بل عملت على تحصين الوعاء العقاري للدولة عند تكونيه وإعادة تكوينه” ثانيا”

أولا: تصفية الوعاء العقاري للدولة

لما كانت مسطرة التحفيظ العقاري تتميز بعدة فوائد، وايجابيات في اتجاه تصفية الوضعية القانونية لأملاك الدولة الخاصة وأراضي الجموع،من التحملات والحقوق المحتملة فإنها تشكل في المقابل إجراءات مكلفة و طويلة،وتتسم بنوع من التعقيد يصعب معها تحقيق الغاية المتوخاة من ظهير التحفيظ العقاري، الشيء الذي استلزم تدخل التشريعي لإقرار مسطرة موازية تؤدي بالضرورة لنفس أثار مسطرة التحفيظ العقاري، ويتعلق الأمر بمسطرة التحديد الإداري بواسطة مرسوم مصادق عليه، و المنصوص عليه في ظهير 3 يناير 1916 بأملاك الدولة الخاصة، و قانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع ، وهو النص القانوني الذي أتى بعدما أبان النص القديم عن قصوره الناتج عن مجموعة من الأسباب لعل أهمها عجز هذا التشريع عن مواكبة التطور الذي يشهده الوعاء العقاري السلالي على كافة الأصعدة سواء الاقتصادية والاجتماعية.

و تعد هذه الآلية من الآليات التي وضعها المشرع المغربي في ترسانته القانونية قصد تصفية هذه الأنظمة العقارية ،إذ من أهم الخاصيات التي تتميز بها هذه المساطر أن هذه المسطرة عند سلوكها تقوم على شبه الملك العائد للدولة، وطبيعيا أن تثار عند القيام بها مجموعة من التعرضات للمطالبة ببعض الحقوق العائدة للأفراد بالأساس، وللقيام بهذا التعرض فرض المشرع المغربي، تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي لتأثير التعرض الوارد على مساطر التحديد الإداري ،على هذه الأنظمة العقارية الخاضعة لهذا الإجراء.

إلا أنه على الرغم من الأهمية التي تحضى بها هذه المسطرة في تصفية الوعاء العقاري العائد للدولة، فإن الإجراءات المسطرية المنظمة للتعرض على مسطرة التحديد الإداري عن طريق مطلب التحفيظ التأكيدي تعتريها مجموعة من العيوب وتطرح إشكاليات واقعية كثيرة،لا سواء فيما يتعلق بحماية حقوق الأغيار أثناء سلوك هذه المسطرة، خاصة التعقيد المسطري الذي تتميز به هذه المسطرة الشيء الذي كان له فيما على أهداف السياسة العقارية،وهو تصفية الوعاء العقاري وجعله صالح لاستقطاب المشاريع الاستثمارية الكبرى ، لكن رغم هذه الإشكاليات فقد قامت الدولة في الآونة الأخيرة بدور مهم في تحصين الوعاء العقاري التابع للدولة وذلك من خلال حزمة من الإجراءات ساهمت إلى حد كبير في تذييل العقبات والحد من التعقيد المسطري، ويظهر ذلك بالخصوص في إبرام مجموعة من الاتفاقيات في إطار ما يسمى بالحسابات الكبرى،حيث تم في هذا الصدد إبرام اتفاقية شراكة مع كل من اتفاقية الشراكة مع مندوبية أملاك الدولة بتاريخ 27/09/2011.

  • اتفاقية شراكة مع وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية بتاريخ 21/06/2013.
  • اتفاقية الشراكة مع المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بتاريخ 11/06/2012.
  • اتفاقية شراكة مع وزارة الداخلية بتاريخ 22/09/2011 تم تمديد العمل بها بتاريخ مارس 2013 وذلك لسنتين، ونظرا للنتائج الايجابية المحققة في هذا الصدد فقد تمت المصادقة على اتفاقية جديدة بتاريخ يوليوز 2015 شرع العمل بها لمدة خمس سنوات.

    وقد أدى تفعيل هذه الاتفاقيات إلى تضافر الجهود، في إطار برنامج مديرية المحافظة العقارية الخاص بالإنتاج والمرودية في مجال أملاك الحسابات الكبرى إلى تتبع ومعالجة وتصفية الملفات العالقة الخاصة من جهة بالتحديدات الإدارية إلى حين المصادقة عليها أدى إلى ارتفاع المساحة المحفظة للملك الغابوي الذي بلغ 618819 هكتار تم تحفيظ ما يقارب 351202 هكتار فقط سنة 2019، وكذلك ارتفاع المساحة المحفظة لأراضي الجموع الذي بلغ 3437250 هكتار تم تحفيظ 507974 هكتار فقط سنة 2019.

    وخلاصة القول فإن غاية المشرع من وراء هذه المسطرة هو إضفاء الطابع القانوني على هذه الأراضي، وذلك بضبط وضعيتها، وتقرير حالتها القانونية والمادية، متى توفرت قرينة على أن هذه الأراضي تعود لملك الدولة الخاص أو أراضي الجموع ، وتمييز حدودها عن أراضي الخواص، وحمايتها من الترامي عليها وإيجاد حلول للصراعات والنزاعات التي تنشئ بين الإدارة الوصية والسكان المجاورين حول ملكية هذه الأراضي.

    الفقرة الثانية : الرغبة في تحصين الوعاء العقاري عند تكوينه وإعادة تكوينه

    نظرا لتزايد الطلب على العقار كمحور استراتجي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية تسعى الدولة جاهدة على تكوينه عن طريق مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ،أوعلى إعادة تكوينه في بعض الحالات كما هو الحال عند القيام بالمعاوضة العينية للعقار الوقفي، لهذا أقر المشرع المغربي إجبارية التحفيظ العقاري في هذه الحالات رغبة منه في تحصين الوعاء العقاري، وجعله قابل للاستعمال بدون نزاعات عندما تحتاجه الدولة في مشاريعها الاستثمارية خاصة، لهذا أقر التحفيظ الإجباري في: أولا: مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة كآلية لتكوين الرصيد العقاري

    لا يختلف اثنان في كون مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة تعد آلية في يد الدولة لتكوين الاحتياط العقاري الضروري لإقامة المشاريع الاستثمارية ذات الصبغة العامة، لهذا عمل المشرع المغربي إحاطة هذا الوعاء العقاري بنوع من الحماية، حيث أفرد مسطرة خاصة للتحفيظ العقاري عندما يكون العقار غير المحفظ خاضع لمسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

    ذلك بالرجوع إلى قانون 81.7، المنظم لمسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، يلاحظ أن المشرع المغربي، خص هذه العقارات بمسطرة خاصة للتحفيظ شكلت استثناء من القاعدة العامة للمسطرة العادية للتحفيظ ،فهي مسطرة عادية وسريعة وفعالة، حيث أخذ المشرع المغربي من خلالها، بعين الاعتبار مختلف الإشهارات التي تخللت مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة السابقة، فهي تعد من المستجدات التي جاء بها القانون 81.7،وهذا راجع لما توفره مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة من إشهار واسع يسمح من خلالها، لكل شخص بالتدخل وتقديم مطالبه للدفاع عن حقوقه.

    والملاحظ من خلال خصوصيات هذه المسطرة التي يتم سلوكها عندما يكون العقار الخاضع لمسطرة نزع الملكية غير محفظ، أن المشرع المغربي عمل قدر الإمكان أن يكون رصيده العقاري خال من النزعات والتي قد تعوق في غالب الأحيان استغلال العقار في المشاريع التنموية الكبرى التي تحتاجها الدولة في سياستها الاستثمارية.


    ثانيا:
    معاوضة الملك الوقفي العام كآلية لإعادة تكوين الرصيد العقاري

    تعتبر المعاوضة في الأوقاف العامة ،من أهم وأخطر التصرفات التي يمكن أن تطال هذه الأوقاف وتكمن أهميتها في كونها تنفرد عن باقي التصرفات الأخرى غير الناقلة للملكية بأحكام خاصة ،أما خطورتها فتتجلى في كونها تصرف ناقل للملكية تتعارض بوجه عام مع خاصية التأبيد التي يتميز بها الوقف، لذلك نجد المشرع اهتم بتنظيمها في مدونة الأوقاف خاصة الفصل 75 من مدونة الأوقاف الصادرة في 2010.

    ورغبة من المشرع المغربي في تحصين الأملاك الوقفية العامة عند القيام بإجراءات المعاوضة العينية عندما يكون العقار المعاوض به غير المحفظ، أقر الإجبارية في التحفيظ العقاري كآلية لحماية هذا العقار و زيادة في قيمته.

    لكن رغم أهمية هذه الآلية، فإن هناك مجموعة من الإشكاليات التي تأذي في غالب الأحيان إلى إطالة المسطرة، وبالتالي العزوف عن هذا التصرف ويمكن إجمال هذه الإشكاليات في:

  • إشكالية إثبات الملك الوقفي العام في حالة حدوث التعرض على مسطرة التحفيظ العقاري
  • شمولية إجبارية التحفيظ العقاري في المعاوضة الأملاك العامة دون الوقف المعقب أو المشترك
  • إشكالية صفة وزارة الأوقاف في تقديم مطلب تحفيظ المعاوضة العينية

    و رغم هذه الإشكاليات التي سبق وأن بيناها سلفا، فإن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف تسعى جادة على شمول الوعاء العقاري الخاص بالأوقاف بالتحفيظ العقاري ، نظرا لكونه رصيد عقاري مهم تابع للدولة، ويساهم في إقرار التنمية بشتى تجلياتها، لذلك تعمل الدولة جاهدة ، على تنميته وحمايته من الترامي والاعتداء الغير المشروع من طرف الغير.

    المطلب الثاني : رغبة من الدولة في هيكلة العقار عند إقرار بعض المشاريع الاقتصادية

    ظهر جليا أن المشرع المغربي أصبح يتجه في الآونة الأخيرة نحو أقرار سياسة عقارية جديدة ، تقوم على توظيف العقار لخدمة التنمية و الاستثمار، بغض النظر عن طبيعته ونوعه والقواعد القانونية التي يخضع لها، وذلك من منطلقات متعددة لعل أبرزها استغلال الجزء الأكبر من الرصيد العقاري وعدم تركه للمعاملات العشوائية غير المنظمة، وهو ما جعل الدولة تضع سياسة عقارية تعميرية عن طريق فرض إجبارية التحفيظ كشرط لإحداث التجزئة العقارية ” الفقرة الأولى”، كما الدولة رغبة منها في هيكلة بعض العقارات وجمعها بناء على معايير ودراسات مسبقة تم إقرار مسطر الضم كمسطرة تحفيظ إجبارية عند القيام بهذه المسطرة “الفقرة الثانية”، لذلك تحقيقا لهذه الرغبة والتوجه تبنى المشرع المغربي التحفيظ الإجباري عند :

    الفقرة الأولى: الإجبارية في التحفيظ كشرط لإحداث التجزئة العقارية في المجال الحضري

    إن نظام التحفيظ العقاري مرتبط ارتباطا قويا بالسياسة العقارية التعميرية، خاصة عند إحداث التجزئات والمجموعات السكنية،هذه الأخيرة تعد شكلا من أشكال البناء الحديث، لذا أقر المشرع المغربي إجبارية التحفيظ العقاري كشرط لقبول طلبات إحداثها، وهو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون 25-90 المتعلق بالتجزئة العقارية والتجمعات العقارية، ويرجع سبب ذلك لأهمية نظام التحفيظ العقاري في السياسة العقارية حيث يشكل درعا واقيا للملكية العقارية من أي تهديد كيفما كانت مركزاته كما يعد شرطا أساسا لإثبات هذه الملكية في اسم الشخص الذي سجل العقار باسمه في الرسم العقاري.

    وتكمن أهمية ربط المجموعات السكنية والتجزئات العقارية بالتحفيظ الإجباري في الدور الجماعي الذي يقوم به هذا الأخير، وخلق الطمأنينة والثقة في نفس المتعاملين، في هذا المجال وخلق الاستقرار والثبات بمختلف المعاملات الواردة على هذا النوع من البناء من بيع وكراء وقسمة وغيرها، بالإضافة إلى كونه مكونا أساسيا في التحفيظ العمراني لمشاريع الإسكان، وإحداث سكن منظم وقانوني كل هذا يعد أحد الأهداف الأساسية في السياسة العقارية بالمغرب.

    لكن رغم الأهمية التي يتميز بها نظام التحفيظ الإجباري في مجال التجزئات العقارية والمجموعات السكنية إلا أنه يطرح العديد من الإشكاليات، تتمحور أساسا حول الصعوبات التي يعرفها تطبيق مبدأ إجبارية التحفيظ العقاري في هذا النوع من السكن، وتتجلى في طول المدة، وكثرة الإجراءات التي يمر منها العقار قبل أن يصل إلى المرحلة التي تجعل منه مستقرا وثابتا، بالإضافة إلى غياب عنصر المرونة في التعامل مع النصوص القانونية وتطبيقها بشكل يتماشى مع واقع الحال والتطور السريع الذي يعرفه مجال العقار و ما يرتبط به من كثرة المعاملات الواردة عليه.

    الفقرة الثانية: إجبارية التحفيظ في مسطرة ضم الأراضي الفلاحية كآلية لهيكلة العقار الفلاحي

    تعتبر عملية ضم الأراضي الفلاحية من أهم الوسائل التي راهن عليها المشرع المغربي من أجل النهوض بالعالم القروي وتطويره، وهذا راجع لما لهذه المسطرة من أهمية كبيرة على الصعيديين الاقتصادي والاجتماعي خاصة و أنها تعتبر من المشاريع الضخمة ، بالنظر لمساحة الأراضي المراد ضمها والتجهيزات و الإمكانيات المتطلبة لذلك، و عمل المشرع من خلال هذه المسطرة على إعادة هيكلة مختلف الأراضي الخاضعة لها، وجعلها قابلة لاستيعاب التقنيات الحديثة المستعملة في المجال الفلاحي .

    ووعيا من المشرع المغربي بحجم هذه العملية، و ما تتطلبه من إجراءات لإنجازها، فقد سن مقتضيات القانونية في ظهير 30 يونيو 1962 المنظم لعملية الضم، وفي مرسومه التطبيقي الصادرفي 25 يوليوز 1962، كما وقع تعديله بموجب ظهير 25 يوليوز 1969 المعتبر بمثابة ميثاق الاستثمارات الفلاحية ، من أجل بالنهوض بأشغال مشاريع ضم الأراضي الفلاحية، حيث بين من خلال هذه المقتضيات، الجهات المتدخلة في انجاز هذه المشاريع والاختصاصات الموكولة لكل جهة على حدة، كما حدد مختلف مراحل التي تقطعها مشاريع الضم في انجازها، هذا عن فضلا عن تنظيمه لبعض الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب عن تنفيذ هذه المشاريع على حقوق الأفراد ، سواء كانوا ملاكا و أصحاب الحقوق الواردة على هذه العقارات المضمومة.

    لأجل ذلك، فإن هذه العملية تؤدي إلى ضبط و توضيح الوضعية القانونية و المادية للأراضي الخاضعة لعملية الضم، كما أنها تعتبر هدفا في السياسة عقارية التي تبنتها الدولة، من أجل هيكلة الأراضي الفلاحية وجمع شتاتها ،لذلك تم إخضاع هذه المسطرة للتحفيظ الإجباري و المجاني ، وهذا من شأنه تطهير تلك العقارات من كل النزعات التي قد تشوبها مستقبلا، بالإضافة لتحفيظ أكبر عدد ممكن من القطع الفلاحية وهو ما من شأنه أن يحقق الأمن و الاستقرار العقاري.

    وفي ذات السياق، أثبتت التجربة من خلال مختلف مشاريع الضم ،أن تجميع البقع المجزأة و المتشتتة و العائدة لنفس المالك في بقع واحدة ذات مساحة أكبر، ومدها بقنوات الري و مختلف التجهيزات و ترسيم الحدود والممرات، يؤدي إلى استغلالها بشكل معقلن و بالتالي الرفع من المردودية الإنتاجية في القطاع الفلاحي، مع تحسين مستوى عيش الفلاح المغربي عن طريق القضاء على العديد من الخصومات التي قد تنشب بينهم حول الحدود و السواقي والممرات، وبالتالي توحيد طاقتهم بما يخدم التنمية داخل العالم القروي، فضلا عن مساهمة هذا المشروع في خلق العديد من مناصب الشغل الأمر الذي يؤدي إلى تحسين أوضاعهم الاجتماعية، وبالتالي التخفيف من الهجرة القروية نحو المدن، وهذا من شأنه المساهمة في الاقتصاد الوطني وتنميته.

    المبحث الثاني: حدود مساهمة إجبارية التحفيظ في تدعيم أسس الأمن العقاري

    إن نهج سياسة عقارية موحدة وواضحة، يساهم إلى حد بعيد في تدعيم أسس الأمن العقاري الذي يجعل من إنشاء أرضية قانونية وهندسية صلبة للملكية العقارية أحد الأسس التي ينبني عليها الأمن العقاري، إذ يمكن هذا الأخير، مالك العقار وكذا باقي المتعاملين معه بما فيها المؤسسات البنكية ، من الاطمئنان على الوضعية القانونية للعقار، بحيث تشكل الرسوم العقارية، دليلا كافيا، وقاطعا لحق الأفراد، والحقوق العينية و التحملات العقارية المتعلقة بالعقار، ومن تم فهي تطلع الكل بكيفية سهلة على الوضعية المادية والقانونية للعقار، لذلك كرست الدولة مجموعة من الآليات لتحقيق هذا الهدف ، أبرزها السعي نحو تعميم نظام التحفيظ العقاري الذي ساهم بدور كبير في تحقيق الأمن العقاري ،“المطلب الأول” وهذا راجع لمجموعة من المزايا التي أقرها ظهير التحفيظ العقاري في تعديله الأخير، الأمر الذي كان له تأثير مباشر على الوضعية المادية و القانونية للعقار وعلى استقرار الملكية، رغم وجود إكراهات في هذا الجانب ” المطلب الثاني”.

    المطلب الأول: سعي الدولة نحو تعميم نظام التحفيظ العقاري كأثر إيجابي لتحقيق الأمن العقاري

    لا يخفى على أحد بأن تعميم نظام التحفيظ العقاري على مجموع التراب الوطني، يعد موضوعا شغل بال المهتمين بالشأن العقاري،ولا غرابة في أن السبب الكامن وراء اهتمام الفقهاء، والباحثين بمسألة تعميمه نابع من حصيلة العقارات التي خضعت لهذا النظام، والتي أبانت عن ضعف في المردودية بالرغم من بدل المجهودات في هذا الصدد ،الأمر الذي جعل المشرع المغربي يتجه نحو فتح مناطق للتحفيظ الإجباري.

    وتحقيقا لذلك، تم إقرار مسطرة التحفيظ الإجباري وفق مقتضيات الفصل 51 مكرر 19مرة في قانون 14.07 ، هادفا بذلك تسريع تعميم نظام التحفيظ العقاري كأحد أهداف السياسة العقارية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها “الفقرة الأولى” معتمدا في ذلك مجموعة من الآليات لبلوغ هذا الهدف” الفقرة الثانية”.

    الفقرة الأولى: الأهداف التي تسعى الدولة لبلوغها من خلال مسطرة التحفيظ الإجباري في 14.07

    إذا كانت النتائج التي حققها ظهير التحفيظ العقاري على مستوى تأمين لملكية العقارية تعد ايجابية، فإن مسالة تعميمه، أضحت مطلبا ينادي به جل المهتمين بالشأن العقاري، على اعتبار أن حالات التحفيظ الإجباري، و تعدد المساطر التي تحكمها لم تحقق النتائج المتوخاة منها، وهذا راجع إلى أن العقارات الغير محفظة تنال حصة الأسد بالنسبة لمجموع العقارات بالمملكة، وتبعا للثورة التشريعية التي يعرفها المجال القروي في الآونة الأخيرة، والتي فرضتها قيمة العقار كمحور للمشاريع التنموية، و استجابة إلى الإشكاليات التي طرحها نظام التحفيظ العقاري لسنة 1913 نظرا لما كان يعتريه من ثغرات قانونية أبانت عن قصوره في التفاعل الكامل مع مبادئه التي تسعى إلى الرفع من قيمة العقار و الحفاظ على الأمن العقاري، جاء القانون رقم 14.07 المغير و المتمم لظهير 12 غشت 1913 كردة فعل على الصعوبات التي تعرفها مسطرة التحفيظ الإجباري، والتي كشفها واقع إدارات المحافظة العقارية ، وكذا العمل القضائي إضافة إلى المؤاخذات التي طرحتها الشروحات الفقهية.

    وقد كانت الفرصة سانحة أمام المشرع المغربي من خلال التعديل الأخير لقانون 14.07 الذي عمل على استحداث مسطرة جديدة متعلقة بالتحفيظ العقاري، من خلال الفصول [ 51ـ19 إلى 51ـ19]، لتساهم في تعميم نظام التحفيظ العقاري، إدراكا من المشرع المغربي بأهمية هذا النظام اجتماعيا و اقتصاديا، خاصة وأن الاستمرار بتقديم مطالب التحفيظ الاختيارية سيعرقل تعميم نظام التحفيظ العقاري ، لذلك كان ضروريا التفكير في المساطر الإجبارية كوسيلة لتعميم نظام التحفيظ العقاري لتكتمل معرفتنا بالواقع العقاري من جميع جوانبه، و تحقق الاستقرار والأمن العقاري، و كذلك رغبة المشرع المغربي في إدخال مساحات عقارية شاسعة في نظام التحفيظ العقاري ، لهذا تم اعتماد مجموعة من الإجراءات الهدف منها تبسيط الإجراءات المسطرية الخاصة بالتحفيظ العقاري، وحل مجموعة من الإشكاليات التي تعاني منها العقارات في بلادنا، وبالتالي الوصول إلى الهدف المنشود من السياسة العقارية المتبعة في هذا الصدد، وهو تكوين وعاء عقاري خال من النزعات عن طريق توحيد النظام القانوني العقاري بالمغرب، والعمل قدر الإمكان على هدم ازدواجية العقارات المحفظة والغير المحفظة، وبالتالي استقرار الأملاك العقارية، و الحد من النزعات العقارية، و الرفع من قيمة العقارات لولوجها عالم الاستثمار.

    الفقرة الأولى: آليات تحقيق التعميم في مسطرة التحفيظ الإجباري وفق مقتضات 51 مكرر 19

    إلى جانب الخصائص المميزة، والمساعدة على تفعيل إجبارية التحفيظ العقاري هناك خصائص لا تقل أهمية ،وتتجلى هذه الخصائص في الإجبارية والشمولية{أولا} بالإضافة إلى الجماعية والشمولية{ثانيا}.

    أولا: خاصية الإجبارية والمجانية

    لا شك أن المشرع المغربي حينما نص على قاعدة الإجبارية في تحفيظ بعض العقارات المشمولة بالتحفيظ الإجباري لم تفته الفرصة في جعل هذه القاعدة مقرونة بالمجانية إذ بهذه القاعدة تكتمل الأولى ولا معنى للإجبارية ما لم تعفى جيوب المواطنين من واجبات الرسوم التي تفرض على إجراءات التحفيظ في إطار المسطرة العادية.

    أ- خاصية الإجبارية

    على خلاف مبدأ الاختيارية في التحفيظ العقاري المنصوص عليه في الفصل 6 من ظهير 14.07 الصادر في نوفمبر 2011، لقد جعل المشرع المغربي من تحفيظ العقارات أمرا إجباريا، وذلك بهدف تفادي سلبيات نظام الاختيارية، وتثبيت الوضعية القانونية والمادية للهياكل العقارية.

    وهذا ما ورد في الفصل 7 من قانون 14.07 الذي جاء فيه: “يكون التحفيظ إجباريا في الحالات المنصوص عليها في قوانين خاصة ، والمناطق التي سيتم فتحها لهذه الغاية بقرار يتخذه الوزير الوصي على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بناء على اقتراح مديرها”.

    وعليه فإنه بمجرد صدور القرار القاضي بتحديد منطقة التحفيظ الإجباري تبادر السلطة العامة المتمثلة في وزير الفلاحة بدعوة أصحاب العقارات إلى تحفيظ أراضيهم، وليس معارضة عملية التحفيظ الإجباري وطلب تأجيلها، فالأراضي موضوع القرار تحفظ وجوبا بحكم ما للدولة من سلطة عامة كما يمكن أن يباشر تحفيظها، فالأفراد المعنيين بهذه المسطرة ليس لهم حق المعارضة فالسلطة العامة تعمل من خلال هذه الأخيرة أي عملية التحفيظ الإجباري على إحاطة حقوقهم بحماية قانونية تطهرها من شوائب المنازعة بحيث تلتقي المصلحة الخاصة وتتحد مع المصلحة العامة.

    وتنصرف الإجبارية إلى جميع العقارات المشمولة بقرار وزير الفلاحة، ولا يستطيع الملاك عرقلة عملية التحفيظ الإجباري، بحيث لا ينفع غياب أو تقاعس الملاك عن أشغال البحث التجزيئي أو القانوني، ففي هذه الحالة، تحرر مطالب التحفيظ بناء على البحث القانوني الذي تجريه الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بمؤازرة لجنة التحفيظ الإجباري، وتدرج في اسم ملكها بالرغم من هذا الغياب أو التقاعس.

    ب- المجانية

    إن التكاليف الباهظة للتحفيظ العقاري، تعد من أهم العوامل المعرقلة لتعميم نظام التحفيظ العقاري، فكثير من الملاك الصغار، لا يتوفرون على الوسائل المالية لتحفيظ أملاكهم ،وبالتالي الاستفادة من مزايا التحفيظ العقاري، لذلك ومن أجل انجاز عملية التحفيظ الإجباري، وحث الملاك وأصحاب الحق على اللجوء إليها، وكذا تفادي المشكل المطروح من طرف الملاك غير القادرين على دفع نفقات التحفيظ العقاري لتحفيظ عقاراتهم.

    وسعيا من المشرع المغربي إلى انجاز هذه العملية،فقد نص على أن تحفيظ العقارات الخاضعة لمساطر الجماعية للتحفيظ الإجباري سواء في إطار 14.07 خاصة مقتضيات الفصل السادس منه ( 51 مكرر 19).

    وإذا كان قد أقر مبدأ مجانية تحفيظ العقارات الخاضعة للتحفيظ الإجباري، فإنه استثنى من ذلك الصوائر المتعلقة بالتعرضات، ولعل السبب الذي دفع المشرع المغربي إلى إقرار هذا الاستثناء هو رغبته في الإسراع بإنشاء الرسوم العقارية لمختلف العقارات الخاضعة لمسطرة التحفيظ الإجباري، تفاديا لما قد يتسبب فيه أصحاب النية السيئة من عراقيل إثر تقديمهم لتعرضات كيدية على مطالب التحفيظ ما دام أن هذه التعرضات تتم بشكل مجاني.

    ثانيا: خاصية الجماعية والشمولية

    إذا كان المشرع المغربي قد عمل على الإجبارية ،والإعفاء من وجيبات التحفيظ العقاري في حالات عديدة تشجيعا للتحفيظ الإجباري،وتعميما له أخذ أيضا بخاصية الجماعية والشمولية رغبة منه في تحفيظ أكبر عدد من العقارات في أقل وقت ممكن وذلك على الشكل التالي:

    أ- خاصية الجماعية:

    لقد أثبتت الممارسة العملية أن التحفيظ الاختياري الفردي، وما يتسم به من بطئ سوف لن يحقق لوحده تعميم نظام التحفيظ العقاري على كافة التراب الوطني، بل إن التمادي في هذا الاختيار سيؤدي إلى لا محالة في تراكم القضايا المعلقة سنة بعد أخرى ،خصوصا على مستوى تأسيس التصاميم العقارية التي بدونها لا يمكن تحفيظ العقارات ،وتأسيس الرسوم العقارية، لذلك فإن المشرع المغربي، نهج إلى جانب التحفيظ الاختياري أقر التحفيظ الإجباري الجماعي كخطوة عملاقة نحو تعميم نظام التحفيظ العقاري وأساسا قاعديا للتحفيظ المعقلن والمحكم ، فعلى مستوى مسطرة التحفيظ الإجباري المنصوص عليها في الفرع السادس من ظهير التحفيظ العقاري ،تتم عملية تهيئ العقارات للعملية ،وإعداد الملاكين وذوي الحقوق بشكل جماعي، كما أن تنفيذ أشغال البحث التجزيئي و القانوني تتم بشكل جماعي ويتم إدراج مطالب التحفيظ من طرف المحافظ ،وإيداع اللائحة والتصميم التجزيئي لدى السلطة المحلية دفعة واحدة، كما أن أعمال المراقبة التي تضطلع بها لجنة التحفيظ الإجباري تهم الملفات المفتوحة للتحفيظ الإجباري بأكملها، وتتم عملية استدعاء طالبي التحفيظ والمتدخلين في المسطرة ،لإقامة التحديد في وقت متزامن، لتنتهي المسطرة بشكل جماعي حيث يتم تأسيس الرسوم العقارية لجميع مطالب التحفيظ غير المثقلة بالتعرضات، إلا أنه من الناحية الواقعية فإن إقامة التحديد بشكل جماعي قول لا يستقيم نظرا لحجم العقارات المستهدفة، لذلك فقد تنبه المشرع لهذا المعطى ونص على كون المحافظ لا يقوم بإعلان يوم وساعة التحديد كما هو الشأن في المسطرة العادية، وإنما استعمل برنامج لعملية التحديد، حيث يفهم من ذلك أنه تتم عملية التحديد وفق برنامج يمكن من خلالها تحديد جزء من هذه العقارات ليتم استكمال الإجراءات التي تليها وهكذا دواليك.

    ب- الشمولية

    عادة ما كان المشرع المغربي عند إقراره لإجبارية التحفيظ في بعض الحالات المحددة يستهدف عقارات بعينها وبذاتها، كما هو الشأن بالنسبة للتحفيظ الإجباري للأراضي الخاضعة للضم، حيث يتعلق الأمر بعقارات فلاحية ،أو التحفيظ الإجباري للعقارات النقابية للملاكين الحضاريين، أو التجزئات العقارية التي تعنى بالعقارات الحضرية، و غيرها من حالات الخاصة بإجبارية التحفيظ العقاري، والتي بين المشرع المغربي فيها ما يستهدفه بهذه الإجبارية تبعا لقرار أو تصرف معين.

    فعلى العكس من ذلك لم يحدد المشرع المغربي في هذه المسطرة، طبيعة هذه العقارات المعنية بقرار التحفيظ الإجباري، في كون القرار ينصب على العقارات القروية أو الحضرية ،ولم يحدد هذا القرار أي أنظمة عقارية بعينها، وبذلك فإن الاهتداء للنص يفيد أن قرار التحفيظ الإجباري يسرى على جميع العقارات بقطع النظر، إن كانت في المجال الحضري أو القروي، ولا تحول أنظمة عقارية بالمنطقة المعينة دون فتحها في وجه التحفيظ الإجباري.

    كل ما يشترط في ذلك، أن تكون هذه العقارات غير محفظة، إلا أنه من الناحية الواقعية قرار وزير الفلاحة، ينتظر أن ينصب بشكل أكثر على العقارات غير المحفظة سواء الداخلة في الدائرة الحضرية أو الخارجة عنها، بصرف النظر عن النظام القانوني الساري عليها، كما أن شمولية المسطرة تتمثل في عدم ترك أي عقار إلا وتم تحفيظه،وفي حالة عدم وجود عقار ولم يتم التعرف على مالكه فإنه يحرر مطالب التحفيظ بشأنه ويندرج تلقائيا في اسم ملك الدولة الخاص.

    المطلب الثاني:أثر إجبارية التحفيظ العقاري على التطهير المادي والقانوني للملكية العقارية

    تتجلى الحماية الاستثنائية للحقوق المحفظة في قاعدتين متلازمين، تطهير العقار ونهائية الرسم العقاري،فتطهير العقار يجعل جميع الحقوق التي لم يصرح بها خلال مسطرة التحفيظ تتلاشى وتصبح معدومة لا يمكن الاعتداد بها، وبالتالي يعتبر الرسم العقاري المؤسس عنوانا للحقيقة ، وتكتسي بياناته حجية مطلقة اتجاه كافة الناس ، وقرينة لا يمكن إثبات عكسها،فهي بذلك معلم من معالم التحفيظ العقاري في القانون المغربي .

    و علاوة على ذلك، فقد كان لهذين القاعدتين عدة أثار إيجابية على الأمن العقاري كهدف تسعى الدولة لتحقيقه في سياستها العقارية ” الفقرة الأولى “، وإن كان تفعيلها على أرض الواقع تعترضه مجموعة من الإشكاليات العملية تقتضي استشراف أفاق تفعيلها” الفقرة الثانية”

    الفقرة الأولى:
    القوة التطهيرية للرسم العقاري كأثر ايجابي لتطبيق إجبارية التحفيظ العقاري

    يمثل قرار التحفيظ الذي يتخذه المحافظ العقاري، ثمرة إنهاء إجراءات مسطرية سليمة لمطلب تحفيظ صحيح معزز بسندات ملكية ثابتة، فهو إعلان صريح عن إلحاق الحق موضوع التحفيظ بفئة العقارات المحفظة التي تتميز عن غيرها بكثير من القواعد و المبادئ الخاصة.

    وقد كان لهذا الأثر الايجابي لإجبارية التحفيظ العقاري دور مهم في ضبط الوضعية القانونية و الهندسية للملاك العقارية الخاضعة لها“أولا” كما كان لها دور في تجاوز سلبيات مبدأ الاختيارية كمؤشر على استقرار الملكية وتوحيد الأنظمة العقارية ” ثانيا”

    أولا : ضبط الوضعية القانونية والهندسية للأملاك العقارية أداة لتحقيق استقراره

    مما لاشك فيه أن ضمان ثبات واستقرار الملكية العقارية يتطلب توفير أرضية واضحة المعالم لا غموض ولا لبس فيها، كما أن التخطيط الاجتماعي و الاقتصادي يتطلب منا العلم والدراية التامة و الدقيقة للوضعية العقارية بشكل شمولي، وهذا ما يستوجب تحقق شروط معينة، كما يتطلب التوفر على مقومات قانونية وتقنية فاعلة وخدومة، على اعتبار أن تحقيق الأمن العقاري مطلب ينادي جل الفاعلين و المهتمين و الدارسين و الباحثين في الميدان العقاري بالمغرب، وهذا لن يتأتى إلا مع وجود تأطير قانوني محكم يمثل في نظام التحفيظ العقاري الذي يحيط الأملاك العقارية بسياج مثين يحول بين كل تملك غير مشروع أو غصب الأملاك العقارية بعدما كان انتقال هذه الأخيرة يتم عن طريق اتفاق الأطراف و كان العقد منتجا لأثاره بمجرد انعقاده ، وهذا ما لم يوفر الضمانات القوية حيث يتفاجئ مشتري العقار بظهور المالك الحقيقي، وهذا ما يمكن تفاديه بسلوك مسطرة التحفيظ العقاري، و ما يترتب عنها من إقامة رسم عقاري نهائي، يمنح للمالك الثقة في إمكانية التعامل العقاري حيث يكون الرسم العقاري مطابقا للواقع حيث يمكن الجميع من معرفة الحقوق، و إبرام التصرفات القانونية دون قلق أو خوف،كل هذا جعلني أتساؤل عن الأداة القانونية التي وراء إعطاء العقار هذه الحصانة المطلقة ؟.

    مما لاشك فيه أن الإجابة عن هذا السؤال يتطلب منا البحث في خبايا التحفيظ العقاري، والذي يبرز لنا معطيين أحدهما يهدف إلى ضبط الوضعية المادية والهندسية للعقار على أسس تقنية محضة، أما المعطى الثاني فيعمل على الضبط القانوني للعقار وتثبيت حق الملكية.

  1. المعطى التقني:

    يتجسد هذا المعطى من خلال مرحلة التحديد على العقارات التي قدم بشأنها مطلب التحفيظ، حيث يباشرها مهندس طبوغرافي مساح ،لإرساء البنية التي تساهم في إنجاز المشاريع الاقتصادية ،واستصلاح الأراضي، وإعداد البيانات المتعلقة بالعقار، إلى جانب خريطة التحديد أو المخطط (le croquis) الذي يشتمل على وصف دقيق للعقاروذلك بعد إجراء مجموعة من الأشغال اللاحقة بالتحديد الإداري.

    و من خلال ما سبق، تبين لنا المؤشرات الأولى التي تدل على المناعة والحصانة التي يحظى بها العقار المحفظ والذي يؤدي بمقتضاه إلى استقرار الأملاك العقارية.

  2. المعطى القانوني:

    مما لاشك أن المعطى القانوني يعطي نظام عقاري متين يقوم على أسس وثوابت تضمن بقائه واستقراره، وهو ما يجسده نظام التحفيظ العقاري ولعل أهم ما يقوم عليه هذا النظام ككل القاعدة المكرسة في الفصل 1 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري 07-14 وهذه القاعدة تعرف بقاعدة التطهير، فتحفيظ العقار يترتب عنه تأسيس رسم عقاري الذي يطهر العقار من جميع الحقوق التي لم يطرح بها أصحابها خلال سير مسطرة التحفيظ العقاري كما أن قرار المحافظ في هذا الصدد نهائي ،ولا تقبل الطعن ولا يمكن تغيير حتى ولو بمقتضى قرارات قضائية.

    من خلال هذا الأثر، يتضح بجلاء مدى مساهمة نظام التحفيظ العقاري في خلق أرضية ذات بعد أمن عقاري يخول للمالك الطمأنينة على حقوقه، وتمكين الغير من إبرام التصرفات القانونية معه بسلاسة وثقة.

    ثانيا: تجاوز سلبيات مبدأ الاختيارية مؤشر على استقرار الملكية و توحيد الأنظمة العقارية

    إن أخد المشرع المغربي بمبدأ الاختيارية في التحفيظ العقاري كأصل عام أفرز مجموعة من السلبيات ، حيث يعتبر الأخذ بمبدأ الاختيارية العامل الأساسي في خلق الازدواجية في النظام العقاري المغربي إلى جانب ذلك نجد أن المشرع أثقل كاهل الملاك و طالبي التحفيظ العقاري بمصاريف باهظة قد تفوق في بعض الأحيان قيمة العقار المزمع تحفيظه الأمر الذي أدى إلى نتائج سلبية تكمن في عزوف أصحاب العقارات و الحقوق العينية عن إخضاع عقاراتهم إلى نظام التحفيظ العقاري وبالتالي إعاقة تعميم نظام التحفيظ العقاري على مجموع تراب المملكة كإحدى الأهداف المحددة في السياسة العقارية بالمغرب .

    ولتجاوز هذه السلبيات عمل المشرع المغربي في الآونة الأخيرة على استحداث مسطرة جديدة في الفرع السادس من القانون 14.07 الصادر في 2011 والذي عمل على تحديد بعض المناطق و إخضاعها لعمليات التحفيظ الإجباري حيث يعفى أصحاب العقارات و الحقوق العينية المتواجدة بهذه المناطق من أداء المصاريف التحفيظ الشيء الذي دون شك في الرفع من نسبة العقارات المحفظة خاصة و الجميع يعلم أن الثروة العقارية تعتبر في طليعة البنيات الاقتصادية و النواة الأساسية لكل تنمية شمولية .

    وقد كان لهذا التوجه أثر ايجابي على عدة مستويات خاصة :

    1: الحد من المنازعات مؤشر على استقرار الأملاك العقارية

    أبانت التجربة على أن العقارات الغير المحفظة تثير العديد من المشاكل، حيث أن قضايا العقار الغير المحفظ تكتظ به رفوف المحاكم، وعدم استقرار العقارات الغير المحفظة راجع إلى مجموعة من المعطيات منها مايلي:

  • إن السجلات العقارية الممسوكة لدى المحاكم لا تراعي الضوابط الكافية التي تسهل الرجوع إليها.
  • الاختلاف وتضارب الآراء الفقهية في بعض الأمور المتعلقة بالمنازعات المثارة بشأنها
  • طبيعة العقود و الرسوم العدلية التي يعتمد عليها في غالب الأحيان لإثبات حق الملكية والتي تتميز بعدم توفرها على المعلومات الدقيقة حول العقار، خاصة على مستوى المساحة والحدود، وكنتيجة لهذه المعطيات، نجد أن المحاكم تبقى عاجزة عن التصدي و الفصل في هذه النزعات نظرا لضعف الحجج و وسائل الإثبات مما يؤدي إلى إطالة عمر النزاع و تعدد أطرافه

    2: نظام التحفيظ العقاري طريق نحو توحيد الأنظمة العقارية

    مما لا شك فيه أن تنوع الأنظمة العقارية وازدواجيتها هي عوامل تشكل عرقلة حقيقية في وجه التنمية وذلك في ظل غياب أو بالأحرى انعدام الثقة، والأمن العقاريين زيادة على كثرة النزعات الناشئة عن الوضعية غير المستقرة لهذه العقارات، والشيء الذي يجعل أمر البحث عن صيغة توافقية تكون أداة لخلق نوع من التوحيد على مستوى الضبط القانوني والهندسي المحكم لهذه الأنظمة أمرا مطروحا على طاولة النقاش الحقيقي والجاد،الشيء الذي أصبح معه ضروريا البحث عن أداة تعمل على تثبيت وضعية العقارات الخاضعة للأنظمة العقارية الخاصة، والعمل على جعلها عاملا محركا للتنمية الاقتصادية،والاجتماعية بدل قبوعها في غياهب الجمود والركود.

    ولاشك بأن الأداة والوسيلة الفعالة والكفيلة لتحقيق الغايات السالفة الذكر لن تكون إلا بسلك مسطرة التحفيظ بالنسبة لهذه العقارات،على اعتبار أن نظام التحفيظ العقاري يعتبر النظام الأكثر دينامية.

    ولعل هذا ما دفع بالدولة بعد الاستقلال على الإبقاء على هذا نظام التحفيظ العقاري لما يحققه من مزايا، فهو يعطي للمالك الثقة المنشودة والحجة القاطعة على ملكه، ويمنحه الاستقرار الذي هو أساس المعاملات خاصة حينما يلتجئ إلى المؤسسات المالية للحصول على قروض وبالمقابل فهو يحق مصلحة لهذه المؤسسات التي ترتكز بواسطته على ضمانات عينية عقارية قائمة على أسس قانونية متينة.

    يضاف إلى ذلك أن التحفيظ لا يتعلق بأراضي الملك الخاص فقط بل يخضع له باقي الأنظمة الأخرى وهو ما من شأنه توحيد التشريع المتعلق بهذه الأراضي، بل قد تجعل الدولة تتمكن من معرفة المعطيات العقارية الموجودة بدقة مما يسمح برسم تصاميمها المعمارية على قواعد واقعية صحيحة.

    وأمام هذه الفوائد والمزايا التي يحققها نظام التحفيظ العقاري،فقد جعلت الدولة من مهمة تعميمه هدفا رئيسيا، وهو ما تبناه تقرير الخمسينية حيث جاء فيه أن هذا النظام اختيار استراتيجي واجب التطبيق ولابد من الاحتفاظ بالمكاسب التي توصل إليها إقرار نظام التحفيظ العقاري في صدد استقرار الملكية العقارية وتوفير الاطمئنان الحقوقي وتثبيت المعاملات العقارية وإشهارها بالرسم العقاري، مما يزكي اقتراحات عديدة صدرت عن الندوات الوطنية بموجب تعميم نظام التحفيظ العقاري، وبالتالي توحيد الأنظمة العقارية.

    لكن إذا كان هذا النظام يعد من بين نتائجه والتي سبق التعرض إليها إحاطة الملكية العقارية بسياج من الضمانات القانونية والهندسية الكفيلة بخلق استقرار الملكية العقارية وتوحيد الأنظمة العقارية فإن تفعيل نظام التحفيظ العقاري تعترضه مجموعة من المعيقات تستدعي منا استشراف أفاق أفضل وهو ما سنعمل على توضيحه في المطلب الموالي.

    المطلب الثاني: معيقات التحفيظ الإجباري في تحقيق أهداف السياسة العقارية وأفاق تفعيلها

    إذا كان التحفيظ العقاري له مزايا عدة أهمها تطهير الملكية العقارية فإن هناك عدة معيقات تحول دون تحقيق النتيجة المرجوة “الفقرة الأولى” مما يستدعي وضع ومجموعة من الإجراءات قصد تفعيله بالشكل الجيد ” الفقرة الثانية”

    الفقرة الأولى: قصور إجبارية التحفيظ العقاري في تحقيق أهداف السياسة العقاري

    مما لا شك فيه أن القانون مهما كانت دقة صياغته و عمومية مبادئه فلا يمكن أن يحيط بكل شيء ومن النواقص التي تعتري مساطر التحفيظ الإجباري، وإن كانت ذات أهمية كبيرة تساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف السياسة العقارية المتمثلة في تكوين وعاء عقار صلب و تعميم نظام التحفيظ العقاري، إلا أنه تحمل في طياتها جملة من الثغرات التي أبان عنها الواقع العملي والمتمثلة في المعيقات التشريعية ” أولا” والمعيقات المادية ” ثانيا”

    أولا: المعيقات التشريعية

    تتجلى المعيقات التي من شأنها أن تعيق تفعيل إجبارية التحفيظ العقاري ، وتحول دون تحقيق أهداف السياسة العقارية الموضوعة في هذا الصدد في :


    1: التعقيد المسطري لبعض حالات ومساطر التحفيظ الإجباري

    في محاولة لاستقراء بعض حالات ومساطر التحفيظ الإجباري، يتبن لنا أن البعض منها يعاني من التعقيد المسطري، الشيء الذي تحول دون تحقيق النتائج المرجوة منها ومن أهم هذه المشاكل، مشكل تنوع المساطر الواجب إتباعها للوصول إلى تطهير العقار و تصفيته من الشوائب التي من شأنها أن تعيق الاستثمار فيه، فإذا ما استثنيا مهمة الأعمال التمهيدية للقطاع الخاص ، وما خلق ذلك من ايجابيات التخفيف على المحافظة العقارية وتليين الحصول على نتائج جيدة في أقل وقت ممكن، فإن باقي المراحل تعرف عدة معيقات خاصة و أن أغلب هذه المساطر ، تخضع في مجمل إجراءاتها للمسطرة العادية للتحفيظ في الجزء الخاص بالتعرض الشيء التي يؤدي في غالب الأحيان إلى أطالة المسطرة و ما يتطلب ذلك من وقت وجهد في انجاز مراحلها .


    2: كثرة المتدخلين في مسطرة التحفيظ الإجباري.

    لما كان البطء المسطري في مساطر التحفيظ الإجباري سواء من خلال المرحلة الإدارية أو خلال المرحلة القضائية ،أحد الأسباب الرئيسية لعرقلة نظام التحفيظ العقاري على مجموع التراب الوطني.

    فتدخل كل من المحافظ العقاري والسلطات المختصة بالإشهار في الجريدة الرسمية والسلطة المحلية،ورئيس المجلس الجماعي والسلطة القضائية في هذه المساطر، يؤدي إلى إطالتها وتعقيد مجرياتها في اللحظة التي يتباطأ فيها كل متدخل في القيام بالأعمال المنوطة به، الشيء الذي يتوجب معه إعادة النظر في الهيئة المشرفة على التحفيظ العقاري الإجباري خاصة التحديد الإداري لأملاك الدولة الخاصة وأراضي الجموع ،وكذا مسطرة ضم الأراضي الفلاحية ،بالإضافة إلى مسطرة التحفيظ الإجباري وفق مقتضيات 14.07 خاصة الفرع السادس منه خاصة رآسة اللجنة المشرفة ونقلها من السلطة المحلية إلى السلطة القضائية أو المحافظة العقارية.

    ثانيا: المعيقات المادية

    إلى جانب العوائق القانونية التي تشكل عرقلة حقيقية في سبيل تعميم نظام التحفيظ العقاري نجد صعوبات أخرى تقف حجرة أمام هذا النظام، حيث نجد أن نظام التحفيظ العقاري لم يتم استيعابه من طرف كافة أفراد المجتمع، وأكثر من ذلك فإن الناس يجهلون وجوده كليا في بعض المناطق أما من يعرفونه فهم قلة، لذلك فإذا لم يتم التحسيس بمزايا التحفيظ العقاري ومقارنته بالأنظمة الأخرى ، فالحيازة ستظل العنصر الجوهري للملكية، وهذا ما سيجعل الملاك يمتنعون عن متابعة إجراءات التحفيظ العقاري وإن كان هذا الأخير اختياريا، أو يعرقلون عمل الإدارة، وذلك من خلال الإدلاء بمعلومات خاطئة أثناء التحقيقات التي تباشرها مصلحة المحافظة العقارية، أو إتلاف علمات الحدود الموضوعة أو تحويلها من موضعها ، لذلك أصبح لزاما القيام بحملات تحسيسية لتوعية المواطنين، بأهمية ومزايا التحفيظ العقاري ونجاعته في تأمين وثبات واستقرار الأملاك العقارية، بالإضافة لقيام الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري والخرائطية بحملات إشهارية موسعة في حالة فتح مناطق التحفيظ الإجباري بكافة وسائل الإعلام المتاحة والأخبار الميداني في عين المكان بشكل مسترسل .

    ومن من بين العوامل التي جعل التحفيظ العقاري لا يحقق أهداف السياسة العقارية نجد ضعف الموارد البشرية والمادية لمصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، وهذا ما يؤدي إلى عدم مواكبتها للتحفيظ الإجباري لأنه يقوم على تحفيظ مساحات جغرافية شاسعة دفعة واحدة،إلى جانب ما ذكر، نجد قلة عدد مصالح المحافظات العقارية مع شساعة الأراضي الغير المحفظة مما يجعلها عاجزة عن معالجة القضايا المتراكمة، لذلك فان الاتجاه نحو تعميم نظام التحفيظ العقاري واستحداث مسطرة خاصة بالتحفيظ الإجباري يستوجب الرفع من عدد مصالح المحافظات العقارية وتقريبها من المواطنين، حتى لا يشكل البعد وعناء السفر سدا أمام الملاك لإخضاع عقاراتهم لنظام التحفيظ العقاري كما ينبغي تزويد مصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ، بالأطر والكفاءات و المتخصصين و المتمكنين من التشريعات التي تؤطر المجال العقاري.

    الفقرة الثانية: أفاق التفعيل إجبارية التحفيظ العقاري كأداة لتحقيق أهداف السياسة العقارية

    ولعل السؤال الواجب طرحه في هذه النقطة يتمحور حول السبل والإمكانية الواجب سلوكها لقيام إجبارية التحفيظ العقاري، بتحقيق أهداف السياسة العقارية؟.

    إن العمل على إعادة النظر في إجبارية التحفيظ المقررة في تشريعنا العقاري الحالي، يعد مطلبا أساسيا لم تتم ولأسف بلورته بالشكل الصحيح في القانون 14.07، ذلك أنه رغم المزايا هذا التي جاء بها لأول مرة والتي تشكل مقتضيات جريئة في ما يخص إقرار إمكانية فتح مناطق للتحفيظ الإجباري بقرار صادر عن مدير الوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية، إلا أنه يسجل على هذا الأخير إغفاله لعناصر أخرى تعمل كوسائل مساعدة لتوفير مناخ وجو ملائمين، ليؤدي تقرير الإجبارية للتحفيظ دوره المتمثل بالأساس في تعميم نظام التحفيظ العقاري على مجموع التراب الوطني ، فتقرير الإجبارية وحده دون إعادة النظر في بعض المقتضيات ظهير التحفيظ العقاري لن يساعد على مسألة التعميم، لذا يجب إعادة النظر في كل من رسوم التحفيظ من جهة، وكذا الجهة المنوطة بها مسطرة التحفيظ العقاري من جهة ثانية وأخيرا وضع إستراتيجية محددة ومحكمة للتحفيظ الإجباري .

    خاتمة:

    إن البحث في مبررات ودوافع توجه المشرع المغربي نحو إجبارية التحفيظ العقاري كآلية لتحقيق أهداف السياسة العقارية المتجلية في تكون رصيد عقاري خال من النزعات، و كذا تعميم نظام التحفيظ العقاري على مجموع التراب الوطني بشكل تدريجي ، مكننا من الوقوف على مجموعة من الخصائص التي تمتاز بها هذه المساطر كالمجانية والسرعة و الجماعية بالإضافة إلى الشمولية زد على ذلك إلى تبسيط الإجراءات المسطرية، و التي ساهمت بشكل كبير في تحقيق غاية المشرع المغربي من التوجه نحو إجبارية التحفيظ العقاري المتمثلة في تحفيظ أكبر عدد ممكن من العقارات، كما أبانت على أرض الواقع مدى أهميتها في إمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية،والتي أصبحت هدفا منشودا من طرف الجميع .

    لكن رغم هذه الأهمية ودورها في ضبط الملكية العقارية، و تحصينها فإن مجموعة من الحالات والمساطر لا زالت تعثريها العديد من الصعوبات، الشيء الذي يستدعي إجراء مجموعة من التعديلات لاستشراف أفاق أفضل في هذا الموضوع، خاصة في ما يتعلق باللجنة المشرفة على بعض المساطر الإجبارية للتحفيظ، بمنح رأستها للمحافظ العقاري أو قاضي، عوض السلطة المحلية مع الحد من كثرة المتدخلين و تبسيط بعض الإجراءات المسطرية التي تشكل عائق يحول دون تحقيق أهداف السياسة العقارية.

    المراجع والمصادر

    الكتب

  • أحمد العطاري المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري دراسة على ضوء الاجتهاد الفقهي و القضائي والممارسة العملية الجزء الأول مجلة القضاء المدني سلسلة دراسات وأبحاث دار الأفاق المغربية الدار البيضاء طبعة 2015
  • محمد ابن الحاج السلمي:سياسية التحفيظ العقاري بالمغرب بين الإشهار العقاري، والتخطيط الاجتماعي، والاقتصادي، منشورات عكاظ الرباط طبعة 2002
  • محمد أحمد بونبات : التجزئة العقارية دراسة في حق السكن ودور السلطات المحلية والوكالات الحضرية في متابعة عملية البناء و التعمير والعقود المبرمة على التجزئات العقارية سلسلة أفاق القانون 12 المطبعة والوراقة الوطنية الدوديات مراكش الطبعة الرابعة 2005
  • سهام تابت: دور القضاء في معالجة قضايا نزع الملكية من أجل المنفعة العامة دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع المطبعة والوراقة الوطنية الدار البيضاء طبعة 2017
  • يوسف مختري : حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ ، مجلة القانون المدني، سلسلة أعمال جامعية ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة الأولى 2016

    الرسائل

  • إكرام الأشهب: التحفيظ الإجباري كاستثناء على مبدأ التحفيظ العقاري الاختياري ، رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص وحدة القانون المدني والأعمال جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة السنة الجامعية 2012/2013
  • حسن حافيظي: تنفيذ الأحكام القضائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة وحدة القانون المدني جامعة محمد الخامس كلية العلوم لقانونية و الاقتصادية والاجتماعية الرباط أكدال السنة الجامعية 2001/2002
  • محمد الزخوني: ضم الأراضي الفلاحية بين إصلاح الهياكل العقارية ومتطلبات التنمية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث قانون العقود والعقار جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية الاقتصادية و الاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2005/2004
  • رجاء مطواع : دور التحفيظ العقاري في تنمية السلف الرهني، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2008/2007
  • يوسف معاطي : الأمن العقاري في ضوء 14/07، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص تخصص العلوم الأمنية و تدبير المخاطر جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية سطات السنة الجامعية 2014/2015

    الأطروحات

  • حميد السحاب: خصوصيات التصرفات الواردة على أراضي الجماعات
    السلالية أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص مختبر البحث القانون و الفلسفة و المجتمع جامعة سيدي محمد ابن عبد الله كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية بفاس السنة الجامعية 2020/2021
  • زهيرة فونتير: منظومة الأوقاف العامة بالمغرب بين التأطير القانوني والفقهي والحماية القضائية أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السنة الجامعية 2014/2015
  • محمد زعاج، “أثار تعدد التشريعات والأنظمة العقارية والتوثيقي على السياسية العقارية بالمغرب“، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص – مختبر الأنظمة المدنية والمهنية تخصص قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة 2015/2016
  • لبيب نبيل : انعكاس إجبارية التحفيظ العقاري على السياسة العقارية بالمغرب دراسة تقيمية أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص مختبر الدراسات في الطفل والأسرة والتوثيق جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس السنة الجامعية 2019.2020

    المقالات والمجلات

  • أحمد أدريوش: تأملات عامة حول إصلاح القوانين العقارية، مجلة الحقوق سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، الإصدار السابع فبراير 2011
  • عبد المنعم لزعر :الحجية المطلقة لقرار التحفيظ بين توابث قانون التحفيظ و مستجدات دستور 2011 المجلة المغربية للدراسات القانونية و القضائية العدد دجنبر 2012
  • عبد الوهاب ابن سعيد:مسطرة التحفيظ العقاري وأثاره، مجلة المحامون العدد 9 سنة 2005

  • محمد بان الحاج السلمي: ضرورة التخطيط في ميدان التحفيظ مجلة التحفيظ العقاري منشورات جمعية المحافظين والمراقبين على الأملاك العقارية العدد 6 سنة 1997
  • سفيان العسري، “الضوابط القانونية المحدثة للتجزئات العقارية على ضوء القانون 90-25“، مقال منشور بمناسبة الندوة المنظمة بتاريخ 8-9 ماي 2009 بين مختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية ومختبر الدراسات و الأبحاث في حقوق الإنسان – بكلية الحقوق مراكش، الطبعة الأولى 2010
  • نجيب شوقي: التحفيظ الإجباري بشان ضم الأراضي الفلاحية بعضها ببعض ظهير 30 يونيو 1962 وأثرها على التنمية في المجال القروي أشغال اليوم الدراسي العقار و الاستثمار المنظم من طرف عمالة إقليم الحوز و المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بتعاون مع مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بمراكش بتاريخ 19 يونيو 2003

    Les ouvrages

  • Natasha Aveline: les marches fanciers a l’épreuve de la mondialisation nouveaux enjeux la theories économique et pour les politique publique ، mémoire pour l’obtention du diplôme de doctorat en droit privé ، université Loyon 2 année université 2009/2010
  • Zine dine aissam: Le rôle de l’immatriculation foncier dans l’élaboration de la politique
    foncier mémoire pour l’obtention du diplôme de doctorat en droit privé université sidi Mohammed ben Abdallah, faculté de droit Fès année université 2010/2011

    النصوص القانونية

  • ظهير رقم 07-14 المغير والمتمم بمقتضى ظهير شريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق لــ 12 غشت 1913 الصادر بتنفيذ قانون رقم 1.11.177 في 25 ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) الجريدة الرسمية رقم 5698 بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 (21 يونيو 2011)

  • ظهير شريف في تأسيس تنظيمات خصوصية تحديد أملاك الدولة الخاصة أو الأملاك المخزنية والملك الغابوي، منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 يناير 1916، ص 28
  • قانون 63.17 الصادر في الجريدة الرسمية بمقتضى ظهير شريف 1.19.116 الصادر في 7 ذي الحجة 1440 الموافق ل 9 غشت 2019 و المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 26 غشت 2019
  • ظهير 12 رجب 1342 الموافق لـ 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية
  • قانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1412 (15 يوليوز 1992)، ص 880.
  • ظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2011) متعلق بمدونة الأوقاف الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5847 الموافق فاتح رجب 1431 (14 يونيو 2010)، ص 3155
  • القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3685 بتاريخ 3 رمضان 1403 الموافق لــ 15 يونيو 1983، ص 980

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى