في الواجهةمقالات قانونية

أهمية العقار في البرامج الحكومية ووثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي الباحث : ريحان اليازغي

 

أهمية العقار في البرامج الحكومية ووثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي
Real Estate as a Pillar for Effective Government Policies and Territorial Planning
الباحث : ريحان اليازغي
طالب باحث بسلك الدكتوراه، مختبر القانون الخاص ورهانات التنمية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
PhD student, Private Law Laboratory and Development Perspectives.
Faculty of Legal, Economic, and Social Sciences, Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fes.”

ملخص
يحتاج تنزيل البرامج الحكومية والسياسات القطاعية على المستوى الوطني وكذا تنزيل التصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية على المستوى الترابي إلى أرضية عقارية صلبة تضمن شروط نجاحها، وفي ظل غياب سياسة عقارية تعمل على تسخير العقار وتطويعه من الناحية التشريعية والمادية وحتى العلمية فلا مجال للحديث عن نجاح هذه السياسات والتدخلات العمومية، وعليه فإن الرهان يتمثل في إرساء سياسة عقارية موازية لهذه البرامج والتصاميم والمخططات، من أجل جعل العقار رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والية لتحقيق العدالة العقارية والانصاف الترابي.

abstract
“The implementation of government and sectoral policies, both at the national and regional levels, requires a solid real estate foundation to ensure their success. In the absence of a real estate policy that effectively harnesses and adapts real estate from legislative, material, and even scientific perspectives, the success of these policies and interventions is uncertain. Therefore, the key challenge lies in establishing a parallel real estate policy to support these programs, transforming real estate into a lever for economic and social development, and achieving real estate justice and territorial equity.”

مقدمة
يضطلع العقار بدور محوري في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية وتقليص الفوارق المجالية وترسيخ العدالة الاجتماعية، باعتباره الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك من خلال تعبئة الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية الأساسية والمرافق و التجهيزات العمومية. وتوفير عرض سكني متنوع يستجيب لحاجيات مختلف الشرائح الاجتماعية وخاصة الهشة منها، فضلا عن دعم الاستثمار المنتج في مختلف مجالات الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات وغيرها.
غير أن التحولات التي يشهدها المجال الترابي بفعل الدينامية الاجتماعية و الاقتصادية و الديموغرافية المتسارعة التي تعرفها البلاد والتي لم يواكبها التشريع بنفس الوثيرة، أفرزت و بشكل ملموس العديد من أوجه القصور التي تعتري القواعد الواردة في النصوص القانونية و التنظيمية المنظمة للعقار، خاصة فيما يتعلق بحماية الحقوق العقارية، مما شكل تدريجيا لدى المواطنين شعورا بعدم الإنصاف، كرسه منطق المضاربات الذي يسود في بعض المعاملات و رسخته مكامن الضعف المسجلة على مستوى تنزيل السياسات العمومية ذات الصلة بالعقار، وهو ما لا يخدم متطلبات تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية لبلادنا والتي ما فتئ جلالة الملك عن التذكير بها في كل المناسبات المتاحة بحيث جاء في خطابه السامي ” … إن منظورنا المتكامل للتنمية الشاملة يقوم على تلازم رفع معدلات النمو مع التوزيع العادل لثماره، و على جعل التماسك الاجتماعي الغاية المثلى للتنمية البشرية و النجاعة الاقتصادية…”.
ومن هذا المنطلق، تبدوا الحاجة ملحة إلى مساءلة السياسة المنتهجة في مجال تدبير قطاع العقار ببلادنا سواء على مستوى الوطني من خلال البرامج الحكومية والسياسات القطاعية أو على المستوى الترابي من خلال التصاميم الجهوية لإعداد التراب أو برامج التنمية الجهوية، وذلك عبر الإشكالية التالية: ما مدى أهمية العقار في البرامج الحكومية والسياسات القطاعية وكذا في وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي؟ وماهي التدابير التي يمكن العمل على تحقيقها في المدى القريب و المتوسط و ذلك من أجل تسخير العقار لخدمة تعزيز الاندماج الاجتماعي و ترسيخ العدالة المجالية و بالتبعية تحقيق التنمية المستدامة؟
للإجابة عن الاشكالية سنعتمد التصميم التالي:
المطلب الأول: أهمية العقار في البرامج الحكومية والسياسات القطاعية
المطلب الثاني: أهمية العقار في وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي

المطلب الأول: أهمية العقار في البرامج الحكومية والسياسات القطاعية
إن التأكد من فرضية وجود سياسة عقارية ثم الجزم في محدوديتها يستدعي البحث في مدى تواجد العقار في البرامج الحكومية، (الفقرة الأولى) وفي السياسات القطاعية الأخرى كسياسة التعمير وإعداد التراب الوطني وسياسة المدينة. (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى موقع العقار في البرامج الحكومية
إن التأكد من محدودية السياسة العقارية يستدعي الانطلاق من البرامج الحكومية والبحث في مدى تضمنها لمقتضيات وتدابير واستراتيجيات قادرة على تمكين العقار من الاضطلاع بأدواره الاقتصادية والاجتماعية، وعند الاطلاع على البرنامج الحكومي للحكومة السابقة 2016/2021، نجد أن الحكومة قد خصصت فقرة تحت مسمى تيسير الولوج للعقار، ضمنتها مجموعة من النوايا الحسنة والتي تتلخص في:
” أولا: تحسين حكامة العقار:
– بلورة سياسة عمومية عقارية فعالة وناجعة.
– فتح ورش تحيين ومراجعة الترسانة القانونية المؤطرة للعقار وفق منظور شامل.
– تسريع وثيرة تعميم النظام العقاري، لاسيما من خلال تكثيف عمليات التحفيظ الجماعي.
– تتميم عملية جرد وإحصاء الرصيد العقاري العمومي
– وضع إطار مرجعي للمعايير التي ينعين توفرها في برمجة المرافق والتجهيزات العمومية في وثائق التعمير بهدف عقلنة وترشيد استعمال الرصيد العمومي
– وضع برمجة زمنية ومالية لتسوية المبالغ المستحقة برسم التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وتنفيذ الأحكام القضائية.
ثانيا: النهوض بالعقار كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال
– العمل على تعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية.
– وضع اليات عملية وإجرائية لضبط السوق العقارية.
– تسريع عملية تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لذوي الحقوق المستغلين.
– اعتماد مساطر ومعايير دقيقة لعملية تفويت وكراء العقارات العمومية وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص.
– مراجعة النصوص الخاصة بنزع الملكية.
– اعتماد مدونة الأملاك الخاصة للدولة تتضمن مساطر ومعايير دقيقة لتدبيرها.
– إرساء استراتيجية وطنية شمولية ومندمجة في مجال السكن.
أما بخصوص بالبرنامج الحكومي الحالي 2021/2026، نجد أن الحكومة قد التزمت بعشرة التزامات خلال هذه الفترة وزعتها على المحاور التالي:
– المحور الأول: تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية
– المحور الثاني: مواكبة تحول الاقتصاد الوطني من أجل خلق فرص شغل للجميع
– المحور الثالث: حكامة في خدمة المواطن وإدارة فعالة
من خلال التمعن في هذه المحاور نجدها لا تتضمن إشارات تشكل معالم سياسة عقارية، بحيث لم يتم تخصيص أي فقرة لعرض التوجهات الحكومية العامة في مجال العقار على عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة للحكومة السابقة، لكن تمت الإشارة إلى مجموعة من المخططات التي من الضروري وجود العقار لتنفيذها، ويتعلق الأمر بكون الحكومة ستعمل على تحفيز قطاعات خدماتية ومنها قطاع السكن قصد إنعاش الاقتصاد الوطني وتوفير سكن لائق للمواطنين والمواطنات وذلك في إطار الدولة الاجتماعية، كما تضمن البرنامج الحكومي مقتضيات تهم تجديد برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، و هو برنامج يهدف إلى تقليص العجز على مستوى الخدمات الاجتماعية في العالم القروي، أي الحصول على المياه الشروب والكهرباء والمراكز الصحية والمدارس وتعزيز شبكة المسالك والطرق القروية، ويعد هذا البرنامج غير مسبوق كسياسة عمومية لأنه، من جهة، يقوم على تنسيق جهود وزارات مختلفة وفاعلين مركزيين طالما عملوا في غياب الالتقائية الزمنية والمجالية، ومن جهة أخرى لأنه يضع المسؤولية على الفاعل الترابي( الجهة والمصالح الخارجية للإدارة المركزية) من أجل تقليص العجز من حيث الولوج إلى الخدمات الأساسية.
ويبقى السؤال هو ما الذي أعدته الدولة على المستوى العقاري من أجل ضمان شروط تنزيل النموذج التنموي الجديد بمختلف أبعاده؟
وإن كانت التجربة الحكومية الحالية لا تسعف من حيث الزمان تقييم فعاليتها، فسنقتصر فقط على ما تحقق من الوعود البرنامج الحكومي 2016/2021 ، بحيث خلال هذه المرحلة تم:
– انطلاق ورش تمليك الأراضي السلالية الواقعة بمناطق الري وهذا ورش ملكي بامتياز.
– إحداث اللجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية بمقتضى مرسوم تاريخ 24 ماس 2016 وتم تعيين المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح الخرائطي كمنسق وطني لإعداد وتنزيل هذه الاستراتيجية.
وبذلك يتضح أن السياسة العقارية في مفهوم الحكومة ليست شأنا حكوميا وإنما من اختصاص لجنة وزارية تتكون من قطاعات وزارية بالإضافة إلى المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. فكيف يمكن الحديث عن الحكامة في ظل تعدد المتدخلين والمسيرين في غياب أية سلطة لرئيس الحكومة، فأملاك الدولة العامة والأحباس والسلالية والترابية والغابوية يدبرها الوزراء أو من في حكمهم بنص القانون ولا دخل لرئيس الحكومة فيها وذلك منذ الحماية.
كما أن الحكامة العقارية يفترض أن تقترن بالمراقبة والمحاسبة، فإلى أي حد استطاعت المفتشيات العامة للمالية أو الداخلية أو غيرها أو حتى المجلس الأعلى للحسابات أن تراقب تدبير العقار العمومي سواء تعلق الأمر بالأراضي السلالية أو أراضي الدولة أو الجماعات الترابية الخاصة أو العامة؟ وإلى أي حد هناك لجنة تتبع الاستثمارات التي عبئت هذه العقارات من أجلها؟ بحيث أنه حسب الوثائق المرفقة بقانون المالية 2017 تمت تعبئة أزيد من 68.660 هكتار من أملاك الدولة الخاصة خارج مخطط المغرب الأخضر شملت أهم الأوراش الاستراتيجية الوطنية بقيمة استثمارية قد تصل إلى 286 مليار درهم، استفاد منها قطاع السكن ب 15.000 هكتار لإنعاش السكن الاجتماعي، و 4835 هكتار لتهيئة فضاءات الاستقبال الصناعي والمشاريع الصناعية، كما تمت تعبئة 12.428 هكتار لتطوير المنتجعات الساحلية في إطار مخطط المغرب الأزرق ومخطط بلادي وخلق مناطق سياحية، أما في مجال الطاقة فقد تمت تعبئة 33.133 هكتار لإنشاء المحطات الطاقية. وهذا كله يظهر أن الدولة تخصص عقاراتها لمشاريع استثمارية كبرى، من دون أن تقرنها بمراقبة لصيقة من أجل تتبع تنفيذ دفاتر التحملات، وهنا لابد من خلق هيأة عامة لمراقبة الأوراش التي تفتحها الدولة تعمل تحت إشراف رئيس الحكومة مباشرة، وترفع تقارير مفصلة في هذا الشأن على أنظار جلالة الملك إسوة بالتقارير المرفوعة له من طرف وسيط المملكة وبنك المغرب وغيرها من مؤسسات الحكامة، لأن كل شبر من أرض الدولة يضيع في ما لا مصلحة عامة فيه يعتبر مساس بحقوق الإنسان وقد يشوش على الاستقرار.
أما بخصوص النهوض بالعقار كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فينبغي أن يبدأ أولا من معرفة القيمة المالية للثروة العقارية للدولة والجماعات الترابية، وهنا يسجل عدم ضبط للمعلومات العقارية نظرا لغياب إجبارية التحفيظ لأملاك الدولة والجماعات الترابية، فكيف يطلب إذن من المواطن البسيط تحفيظ أملاكه العقارية، والدولة لا تقوم بذلك رغم استفادتها من مجانية التحفيظ؟
بالتالي هذه بعض ملامح محدودية السياسة العقارية للدولة والتي مردها غياب رؤية استراتيجية مندمجة لتدبير مجال العقار، وإذا كان هذا هو حال التوجه العام للدولة في مجال العقار فماذا عن موقع العقار في بعض السياسات القطاعية؟
الفقرة الثانية: العقار بين سياسة التعمير وإعداد التراب الوطني وسياسة المدينة.
– موقع العقار في سياسة التعمير وإعداد التراب الوطني:
إن المنظور الجديد لإعداد التراب الوطني قوامه اعتبار التهيئة الترابية أحسن وسيلة للحد من التفاوتات المجالية وأداة للتطوير العقلاني للمشهد الحضري وإنعاش العالم القروي وأمثل طريقة للتوفيق بين النجاعة الاقتصادية وحماية الثروات من جهة وبين العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة من جهة أخرى.
بالتالي ترتكز سياسة إعداد التراب الوطني على مجموعة من الاستراتيجيات والإجراءات الرامية إلى توزيع سليم للسكان والأنشطة الاقتصادية والتجهيزات والبنيات التحتية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجالات، بحيث تمكن هذه السياسة من تخطيط وتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة بطريقة منسقة ومتفق عليها، وذلك استنادا على المؤهلات القائمة والإكراهات الديموغرافية والطبيعية والاجتماعية والاقتصادية.
ويتم تدبير هذا القطاع عبر مديرية إعداد التراب الوطني، التي تعمل على بلورة وتفعيل السياسة الوطنية لإعداد التراب الوطني وذلك استنادا على مجموعة من الأدوات والتي تتمثل في: الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني، المخطط الوطني لإعداد التراب، المخططات الجهوية لإعداد التراب، قانون إعداد التراب والتنمية المستدامة.
ونظرا لالتقائية سياسة إعداد التراب الوطني مع سياسات أخرى مثل التعمير، نجد أن من بين الأدوات التي تقوم بنفس الدور تقريبا ولكن ينحصر دورها في مجال وتخصص معينّ، وهو ما يطرح سؤال مدى استحضار هذه الوثائق لهذه المرجعيات الوطنية، ويتعلق الأمر بالمخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية، تصميم التهيئة، تصميم التنمية، وتصميم التنطيق.
والواضح أنه إلى حدود العقد الماضي فإن التصميم الوطني لإعداد التراب لم يكن موجودا وهذا ما جعل المغرب متخبطا في الدراسات التقييمية للوضع، دون أفق واضح، بشكل أضحت معه حتى الدراسات المنجزة في حاجة للتحيين من أجل مواكبة الوضع الجديد، المترتب في النهاية عن غياب هذا التصور، بمعنى أن المغرب لم ينتقل بعد إلى مرحلة التوقع ووضع آليات وفرضيات لإعداد التراب الوطني، مما يجعل بالتبعية البحث في مدى حضور البعد العقاري فيها غير ذي جدوى.
لكن وبناء على ما تدعي الوزارة المعنية، فقد تم تبني برنامج يهدف إلى إعداد التراب ودعم التنمية الترابية، وذلك من خلال اعتماد مقاربة ترابية استشرافية تروم تحقيق انسجام مختلف التدخلات العمومية على جميع المستويات الترابية، يتعلق الأمر بالبرنامج 603، ولتحقيق هذا الغرض تعمل الوزارة على تعزيز استباق الإشكالية الترابية عبر وضع رؤى استراتيجية وموضوعاتية تروم استشراف مختلف الإكراهات والرهانات والافاق المتعلقة بتقوية تنافسية وجاذبية المجالات الترابية، وأيضا تقوية المنظومة الحضرية وتعزيز دورها في التنمية المجالية، وذلك لتمكينها من مواكبة الجماعات الترابية إن على مستوى التخطيط الاستراتيجي أو على مستوى برمجة وتنفيذ مشاريع التنمية المجالية.
ومن بين أهم أهداف هذا البرنامج نجد الهدف 603.1 المتعلق بمعالجة الإشكالات المجالية عبر بلورة خبرات استشرافية وموضوعاتية واعتماد اليات التخطيط الاستراتيجي، حيث أن من بين المهام الاستراتيجية للوزارة إنجاز خبرات استشرافية واستراتيجية حول الإشكالات المجالية الملحة وذات الراهنية لتنمية المجالات، وربما من بين أهم الإشكالات المجالية ما يتعلق بالمسألة العقارية بمختلف أبعادها، وتجدر الإشارة على هذا المستوى أن أي إغفال للبعد العقاري في التخطيط لإعداد التراب سواء وطنيا أو جهويا فإنه سيقابل بصعوبات على مستوى التنزيل وعراقيل ذات تبعات اجتماعية واقتصادية وخيمة، وهنا من بين النواقص التي تعاب على استراتيجية الحكومة أنها لم تضع مؤشرات قابلة للقياس خاصة بالإشكالات العقارية التي تعاني منها المجالات الترابية وذلك حتى تمكنها من تقديم مواكبة للمجالات الترابية في إعداد رؤية استراتيجية للتنمية، وهذا هو الهدف الثاني 603.2 من هذه الاستراتيجية، بحيث أن تقديم المواكبة يتطلب تقديم الدعم اللازم لمختلف الفاعلين من أجل بلورة رؤية استشرافية للتنمية على المدى البعيد وهذا الدعم ينبغي أن يشمل توقع المخاطر والإكراهات العقارية التي تواجه المجالات الترابية.
وهنا يبقى السؤال المطروح هو ما مدى توفر المغرب على بنيات وطنية وجهوية قادرة على توفير المعلومة العقارية وتحليلها بالشكل الذي يخدم السياسة العامة لإعداد التراب الوطني؟ كما يطرح أيضا سؤال حول الكيفية التي يتم بها تعبئة الرصيد العقاري اللازم لتنفيذ هذه السياسة؟
ذلك أن هذه السياسة تحتاج إلى أرضية عقارية من أجل تنفيذها، وفي ظل غياب سياسة عقارية تعمل على تسخير العقار وتطويعه من الناحية التشريعية والمادية وحتى العلمية فلا مجال للحديث عن نجاح هذه السياسة، لأن الأمر ذلك أن إعداد التراب يستدعي الوعي بالوضعية العقارية من حيث طبيعة الأنظمة العقارية السائدة فيه و مساحاتها كما ينبغي عليه أن يحدد وبشكل دقيق احتياجاته من الرصيد العقاري من أجل تعبئته بشكل عقلاني لخدمة الأهداف التنموية التي ينشدها من خلال كافة هذه السياسات العمومية.
بالتالي فإن المقصود بغياب إطار استراتيجي مندمج لمجال العقار يشكل مرجعية وطنية تحدد أدوار كافة المتدخلين متى تعلق الأمر بالعقار لا يعني أنه لا توجد أدوات تخطيطية سواء لإعداد التراب الوطني أو لسياسة المدينة أو سياسة التعمير والإسكان، وإنما المقصود منه هو غياب سياسة عقارية تعمل بشكل موازي مع باقي السياسات العمومية على تحقيق التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي، فإن كان العنوان يبدو مستفزا عند الوهلة الأولى فإن تمعننا في الآليات المعتمدة للتخطيط وفي القوانين المنظمة للعقارات وفي كثرة المتدخلين وحتى في الإشكالات التي تواجه منظومة العقار يبين بشكل واضح أن هنالك تغييب للبعد العقاري وبالتبعية غيابا لسياسة عقارية موازية تعمل على تسخير العقار وتطويعه من أجل تحقيق باقي السياسات العمومية لأهدافها القطاعية.
ولذلك فإن الرفع من فعالية ونجاعة السياسة العقارية للدولة، يقتضي اعتماد استراتيجية وطنية شمولية وواضحة المعالم، وتنزيلها في شكل مخططات عمل تتضمن كافة الجوانب المتعلقة ببلورة وتنفيذ هذه السياسة، مع ما يرتبط بذلك من تدابير تشريعية وتنظيمية وإجرائية، في تكامل بين الدولة والجماعات الترابية باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية المجالية.
– موقع العقار في سياسة المدينة
لقد شكل موضوع المدينة، إحدى اهتمامات وانشغالات السلطة العمومية لكونها تجسد رهانات عدة (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تعميرية، ثقافية) هذا الاهتمام كان حاضرا منذ عقود من خلال وضع عدة مخططات وبرامج تنموية تهم المدينة وإعداد التراب والمجال الحضري بصفة عامة لكن بالرغم من ذلك لازالت المدن المغربية تعاني عدد كبير من الاختلالات الاقتصادية والسوسيو- ثقافية وبيئية، وهي اختلالات تؤثر سلبا في رفاه الساكنة الحضرية وتنافسية المدن وجاذبيتها، وهذا ما برر ضرورة بروز وعي ورغبة في النهوض بالمدينة والدفع بها نحو مسار التنمية واعتماد سياسة شمولية ومندمجة مستندة على حكامة فعالة كأولوية لمعالجة مشاكل المدينة.
تواجه مدن المغرب تحديات كثيرة ومتنوعة خاصة في السنوات الأخيرة التي عرفت تزايدا في الساكنة الحضرية، حيث بلغ عدد المدن 366 بالرغم من أنها لا تشكل في مجملها سوى 2% من مساحة التراب الوطني، كما بلغت نسبة التمدن حوالي 62.5 %، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 75% سنة 2025، وقد نتج عن هذه الدينامية بروز مجموعة من التحديات التي طبعت المنظومة الحضرية الوطنية، تتجلى في تمركز حاد للساكنة الحضرية بالمدن الواقعة إلى مسافة أقل من 100 كلم عن الساحل، واحتضان سبعة مدن لربع ساكنة المغرب، الأمر الذي يجعل منها متروبولات تسترعي اهتماما ومواكبة خاصة بغية جعلها محركات للتنمية.
لكن الملاحظ أن الاهتمام بحكامة المدن لدى الفاعل المحلي لا يزال دون مستوى الطموحات نظرا لكون هذا المفهوم لم يتأصل بعد كثقافة في تدبير الشأن العام المحلي، وهذا يرجع أساسا إلى النهج الذي اتبع مند قرون في تسيير المدن، بحيث أن المنطق التدبيري كانت تغلب عليه المقاربة الأمنية في ظل ضعف انخراط المؤسسات المنتخبة والمدبرة لشأن المدينة وقلة المبادرات والمشاريع التنموية علاوة على قلة ومحدودية الموارد المالية وأيضا الموارد البشرية النوعية. كل ذلك ساهم في تضييع فرص النمو والإقلاع بقاطرة التنمية في كل المجالات وخاصة البشرية، مما جعل المدن تعيش أزمة هيكلية في كل أبعادها التدبيرية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية.
فبالرغم من توفير الدولة لظروف مناسبة للتنمية والتجديد الحضري من خلال منح مهام جديدة للفاعلين المحليين، في إطار سياسة اللامركزية والتدبير الترابي الحديث وتكريس سياسة القرب وترسيخ الجهوية، إلا أن تدبير المدينة ظل محكوما بتعدد المتدخلين في صناعة القرار وذلك على عدة مستويات (المجالس الجماعية، العمالات، الولايات، الوكالات الحضرية، مديرية التعمير…) مما ساهم من جهة في تداخل الاختصاصات بين هذه البنيات وضعف التنسيق بينها، ومن جهة أخرى أدى إلى تضخم المصالح الإدارية وتعقد المساطر، الحصيلة كانت هي هدر المزيد من الجهود البشرية والمالية، والإسهام في تفتيت وتشتت المشهد الحضري. مما يوضح أن دور هذه المكونات الإدارية لا يحقق النجاعة في تنمية المدينة، أن لم نقل أنها أصبحت مصدرا رئيسيا للاختلالات وعبئا ثقيلا يعيق تقدمها وتطورها.
بحيث تبين أن المجالس الجماعية تجد نفسها في وضعية صعبة، لكونها على رأس الفاعلين المكلفين بتلبية الحاجيات الجماعية للساكنة الحضرية في مجالات ما تنفك تتسع، لكن بموارد بشرية غير مؤهلة بما فيه الكفاية، ونظام مالي وجبائي غير متلائم مع تلك الاختصاصات، وسعيا إلى التغلب على هذه الصعوبات التي تعانيها المدن، وخصوصا منها المدن الكبرى برز اعتماد أساليب جديدة للتدبير الحضري يتم من خلالها على تفويت تدبير بعض المرافق العمومية للخواص في مجالات كالنقل العمومي والتطهير وتوزيع الماء والكهرباء، وجمع النفايات المنزلية وغيرها، وذلك قصد تغطية عجزها عن تدبير هذه الخدمات الأساسية خاصة مع ضعف الموارد المالية وقلة المؤهلات البشرية، إلا أن تجربة التدبير المفوض بدورها عرفت فشلا في أغلب الحالات نظرا للاختلالات التي شابتها من قبيل عدم احترام دفاتر التحملات والالتزامات المرتبطة لاسيما في الجانب الاستثماري، وغياب التتبع المادي للمشاريع المنجزة أو المبرمجة وعدم تفعيل للجان المحلية للمراقبة، وكذا عدم توفر الجماعات على الإمكانات اللازمة لتفعيل دورها الأساسي في الرقابة والتتبع خاصة وأن الأولوية لدى الشركات المفوض لها هي الأرباح المالية ولو على حساب حقوق الموطنين في الخدمات الأساسية.
أما بخصوص تصور وتصميم مدن جديدة فقد سجل المجلس الأعلى للحسابات في التقرير السنوي برسم سنة 2023-2024 أن إحداثها تم في غياب أي اتساق مع توجهات وثائق إعداد التراب الوطني والتعمير، وذلك نظرا لكون المخطط الوطني لإعداد التراب الصادر 2002 لم يوص بإحداث مدن جديدة، كما أن التصاميم الجهوية لم تأخذ هذه المدن الجديدة في توجهاتها وإسقاطاتها المجالية، وقد اعتمد إحداثها بشكل أساسي منطقا خاضعا لتوفر الفرص العقارية في غياب إطار قانوني يؤطر المدن الجديدة، تم التعامل مع مشاريعها كأنها تجزئات عقارية، وذلك رغم الاختلاف في المفاهيم والمقاييس، وبالنظر إلى التعقيدات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي يتميز بها إحداث هذه المدن.
وقد وقف صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، في أكتوبر 2013، عند اختلالات نمط تدبير المدن المغربية، مبرزا الأثار السلبية الناجمة عن هذا التدبير على المدينة اجتماعيا وعمرانيا، حيث أكد وجود تفاوت كبير في مستويات تدبير الشأن المحلي والجهوي، وأنه إذا كانت كثير من الجماعات الترابية، تتمتع بنوع من التسيير المعقول، فهنالك مع الأسف بعض الجماعات تعاني اختلالات في التدبير من قبل هيئاتها المنتخبة وهنا خص بالذكر الدار البيضاء مدينة التناقضات الكبرى إلى الحد الذي يجعلها من أضعف نماذج التدبير الترابي، ولقد لخص جلالته المشكل الذي تعاني منه هذه المدينة في كلمة واحدة وهي ضعف الحكامة.
إن ضعف حكامة المدن له عدة تجليات ومنها ما هر مرتبط بالعقار والتعمير والمشهد العمراني وهذه ستكون لنا عودة للتفصيل فيها في الفقرة الموالية، لكن هذا لن يمنعنا من توضيح بعض معالمها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمرتبطة طبعا بغياب رؤية استراتيجية مندمجة لمجال العقار .
حيث أن عدم مواكبة التوسع الحضري بتنمية موازية تستهدف الأسس الاقتصادية للمدينة من بنيات تحتية تجارية وصناعية قادرة على توفير مناصب الشغل وتحسين شروط حياة السكان، ساهم بدوره في تفشي البطالة في المدن فالأنشطة المهيمنة في المدينة هي أنشطة استهلاكية بالأساس ( البيع، الإصلاح، تهريب، مقاهي) أو أنشطة المضاربة العقارية بالتالي فهي تكرس الفوارق الاجتماعية بطريقة أو بأخرى. هذا بالإضافة إلى كون بعض المدن كالدار البيضاء نموذجا أصبحت عاجزة عن استقبال المناطق الصناعية في ظل عدم وجود رصيد عقاري مخصص لهذا الغرض ونقص في البنيات التحتية، مما أدى إلى نقل الوحدات الصناعية صوب المناطق القروية التي بدورها غير قادرة على استقبال هذه الأنشطة نظرا للخصاص الذي تعرفه القرى على مستوى بنيات الاستقبال.
كما أدى أيضا غياب رؤية استراتيجية لمواكبة الحركية الحضرية إلى ظهور أحزمة فقر هامشية تفتقر لأبسط ظروف العيش الكريم، بالتالي أصبحنا أمام تعمير رسمي يوفر للمركز شروط ومتطلبات العيش الكريم، موازاة مع تعمير تلقائي غير مراقب عشوائي منفلت من الرقابة في الهامش، حيث تنشط السوق العقارية غير الرسمية التي تتميز بانعدام التجهيز والمضاربة العقارية، وهو ما شجع ظهور أحياء السكن العشوائي والسري وأحياء الصفيح التي تلجأ إليها الفئة الأكثر فقرا من المواطنين والذين يدفعهم مستواهم الاقتصادي إلى اللجوء إلى هذا المناطق، بالتالي فهذه التحولات في الأنماط الحضرية ساهمت في إبراز فوارق اجتماعية صارخة وتفاوتات مجالية واضحة للعيان داخل نفس المدينة، حيث ينعم الأغنياء بالأمن والخدمات والتجهيزات الأساسية في حين ويشقى الفقير في فضاءات لقلة وانعدام الأمن والبطالة وقلة فرص الشغل، فضاءات ينشط فيها القطاع غير المهيكل والباعة المتجولون الذين يحتلون الأزقة العمومية حتى أصبحت المدينة عبارة عن أسواق منتشرة في كل مكان، وينشط فيها النقل السري والتهريب والإجرام.
من خلال ما سبق يتضح أن مشكل المدينة هو مشكلة التخطيط الاستراتيجي، بحيث لا يتم النظر إلى المدينة من طرف الفاعلين باعتبارها كيانا قائم الذات إلا عند إعداد وثائق التعمير (مخططات توجيه التهيئة الحضرية SDAU، وتصاميم التهيئة PA، أو عند إنجاز مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية PDES)، وكل الملاحظات المتواترة منذ عقود تشير إلى أن هذه الأعمال الذي يحضر فيها منطق الالتقائية المحلية مصيرها الإهمال والتجاهل، ومرد صعوبات التخطيط اللامركزي ضعف الكفاءات وغياب الحماس لدى المنتخبين وأطر الإدارة المحلية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار الوسائل المالية المرصودة لتحقيق الخيارات المحددة في مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن كان التخطيط الحضري الاستراتيجي مقاربة جديدة في تصور التنمية الحضرية والتخطيط لها، وقد تم اعتمادها للدفع بالمدن في مسار تنمية استراتيجية مستدامة، مع تعبئة إمكاناتها ومواردها في إطار رؤية طموحة مبنية على التشاور، وكانت سياسة المدينة تدخل في هذا الإطار فإن الظاهر أن الظروف الملائمة سواء العقارية والمالية و الكفاءات البشرية غير جاهزة لبلورة هذه السياسة بالمغرب فبالأحرى تنفيذها، ولقد أشار التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2013 إلى هذه النقطة بحيث قال أن تفعيل هذه السياسة الطموحة تعترضه مجموعة من العوائق منها على الخصوص غياب توافق حول تعريف ومحتوى سياسة المدينة، حيث يعتبرها البعض سياسة ترتكز على التصدعات الاجتماعية، لتحقيق التماسك الاجتماعي في الأحياء المهمشة داخل المدن في حين يعتبرها البعض الأخر سياسة شاملة للتنمية الحضرية، أما صعوبات التفعيل فيرجعها القطاع الوزاري المعني إلى ضعف التنسيق بين الوزارات وغياب بنيات التنسيق على المستوى المحلي، وضعف الكفاءات المحلية في مجال الهندسة المدنية والمالية.
وفي هذا الصدد أوصى المجلس الأعلى للحسابات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بوضع إطار قانوني يتعلق بالمدن الجديدة، يحدد بشكل خاص كيفيات تصور وتصميم وتخطيط هذه المدن، و كذا حكامتها وتمويلها وإنجازها، مع ضبط عمليات التعمير في محيطها، كما أوصى رئاسة الحكومة بالارتقاء بقيادة أوراش المدن الجديدة إلى مستوى استراتيجي يضمن اتساق التدخلات والالتقائية والتنسيق الفعال بين مختلف الأطراف المعنية، ووضع مخطط لتأهيل المدن حتى تتمكن من ضمان سير المرافق العمومية بها.

المطلب الثاني: أهمية العقار في وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي
لا مراء في أن العقار يعتبر عاملا حاسما في التنمية الجهوية، إذ تتفاعل الديناميات العقارية وأشكال التنمية الحضرية فيما بينها تفاعلا متواصلا، ومن الطبيعي ألا يحصل التوافق التام حول التخطيط شأنه في ذلك شأن التدبير اللذان يتعلقان بشكل مباشر أو غير مباشر، بالملكية العقارية. ولا يمكن أن يشكلا غاية اجتماعية واقتصادية مثلى يتقاسمها جميع الفاعلين بالنظر إلى تنوع وتباين مصالحهم. وهذا ما يفسر الطبيعة المعقدة لمسألة العقار، لاسيما على مستوى الجهات والمدن التي يكون فيها العقار محط أطماع وحيث المضاربة العقارية تشكل ضغطا على سوق العقار، ويعوق تعدد الأنظمة العقارية إدماج الامكانات الهامة التي يتيحها العقار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتضم المناطق الحضرية وشبه الحضرية 518.000 هكتار من أراضي الملك الخاص للدولة و300.000 هكتار من أراضي الجموع و20.000 هكتار من أراضي الحبوس، وبالإضافة إلى هذا التنوع، وتعدد المتدخلين وندرة الوعاء العقاري الحضري القابل للتعبئة بسهولة، تواجه إشكالية العقار قصور على مستوى المنظومة القانونية والإدارية فيما يتعلق بالحكامة.
ومن منطلق كون التخطيط الاستراتيجي الترابي منهجية فعالة للتدبير في خدمة التنمية المجالية، تهدف الى تحديد استراتيجية لتنمية المجالات، ووضع الشروط العملية والإجرائية لتفعيلها. كما أنها تشكل آلية تحدد التوجهات الكبرى وأهداف التنمية المستدامة للمجالات. وهي أيضا ترجمة لإرادة جماعية لتنمية مجال معين ترتكز على تشخيص ترابي تشاوري وعلى تحديد الاحتياجات وفق رؤية استشرافية. بمعنى أخر إن التخطيط الاستراتيجي الترابي هو مقاربة تهم جميع المستويات الترابية وتمكن من ضمان التقائية وتجانس وتكامل السياسات العمومية.
فإن تحقيق هذه المساعي النبيلة يحتاج إلى رصيد عقاري مهم من أجل توطين التجهيزات الأساسية البنيات التحتية والمرافق العمومية والمشاريع التنموية التي تبرمجها هذه الوثائق، ومن هنا تبرز أهمية إدماج البعد العقاري لا سيما خلال عملية إعدادها وبلورتها، نظرا لأهمية المعطى العقاري باعتباره مكونا أساسيا من مكونات المجال الترابي المستهدف بالوثيقة، فسواء تعلق الأمر بوثائق التعمير أو وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي من تصميم جهوي لإعداد التراب وبرنامج التنمية الجهوية فإن العقار يظل عنصرا حاسما في تحقيق التنمية الترابية.
ولقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات الاعتراف في تقرير صادر عنه بكون إشكالية تعبئة الأوعية العقارية تعد أحد أهم معيقات الاستثمار العمومي، إذ ما يزال يلاحظ برمجة مشاريع عمومية دون التأكد من توفر الأوعية ومن ملاءمتها، مما ينتج عنه تعثر هذه المشاريع وتأخر تنفيذها.
وعليه فإن السؤال المطروح هو ما مدى استحضار الفاعل الترابي للبعد العقاري أثناء عملية إعداد وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي؟ وما هي الاليات الكفيلة بإدماج العقار في اليات التخطيط الاستراتيجي الترابي وبالتبعية تسخيره لخدمة التنمية الترابية؟

الفقرة الأولى: موقع العقار في التصميم الجهوي لإعداد التراب
يعد التصميم الجهوي لإعداد التراب وثيقة مرجعية تمكن من بلورة منظور للتهيئة المجالية وتحديد توجهاتها على مدى 25 سنة على صعيد الجهة، كما يضع إطار عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجالات الحضرية والقروية، ومقترحات مشاريع ترابية مهيكلة.
وترمي هذه الوثيقة إلى تنسيق تدخلات كل من الدولة والجماعات الترابية والمستثمرين الخواص، ومواكبة اختياراتهم الاستراتيجية في مجال التنمية والتهيئة، وذلك من خلال القيام باستشارة واسعة أثناء إعداده، وفق توجهات السياسة العامة لإعداد التراب على المستوى الوطني، وكذا في انسجام تام مع الاستراتيجيات والبرامج القطاعية العمومية والتصاميم القطاعية المنجزة على الصعيد الجهوي والوطني.
وتستمد هذه الوثيقة مرجعيتها القانونية من الفصل 143 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، والمادة 88 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، وينظم كيفية إعدادها وتحيينها وتقييها المرسوم رقم 2.17.304 المتعلق بتحديد مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب.
ويهدف التصميم الجهوي لإعداد التراب، أساسا، إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية، بما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية. ولهذه الغاية:
– يضع إطارا عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجالات الحضرية والقروية؛
– تحديد الاختيارات المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة؛
– تحديد مجالات المشاريع الجهوية وبرمجة إجراءات تثمينها، وكذا مشاريعها المهيكلة.
ومن خلال تتبع محطات مسلسل إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب، نجد أن استحضار البعد العقاري فيها باهت، ولا يرقي إلى الأهمية التي ينبغي إيلاؤها للمعطى العقاري خلال صياغة هذه الوثيقة الاستراتيجية المرجعية، فعلى مستوى مرحلة إطلاق الدراسات المتعلقة بإنجاز التصميم الجهوي لإعداد التراب، نجد أنه وفي إطار التحضيرات الأولية لإعداد المشروع يعقد رئيس مجلس الجهة، بتنسيق مع الوالي عدة مشاورات لبلورة المقتضيات المرجعية لمشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب، وبمساهمة كافة الأطراف المعنية، وكذا المصالح اللاممركزة.
وفي إطار تنفيذ مقرر مجلس الجهة، يمكن لرئيس الجهة اللجوء إلى خدمات الإدارات والمؤسسات العمومية، إلا أنه ونظرا لضعف الكفاءات هذه الجهات الرسمية، فإنه غالبا ما يتم اللجوء إلى خدمات مكاتب الدراسات لإعداد مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب وذلك طبقا للمادة 7 من المرسوم رقم 2.17.583 السالف الذكر، من الملاحظات المسجلة في هذا الصدد الكيفية التي يتم بها اختيار مكاتب الدراسات، فرغم كون المرسوم الجديد المتعلق بالصفقات العمومية، ينص على اختيار أحسن عرض وليس بالضرورة أقل عرض، فإن الممارسة تثبت لأن الإدارة المكلفة بإبرام الصفقة غالبا ما ترجح كفة الفريق الذي يكون عرضه المالي أقل. وهو ما يفيد تغييب معيار الجودة في إعداد هذا التصميم. إلى جانب ذلك، فإن جل مكاتب الدراسات لا تحترم المواصفات التي تقدمها عن فريقها من حيث الطاقم البشري ووسائل العمل التقنية، بحيث تهيمن نظرة التقني وتغيب في الغالب مساهمات الخبراء العقاريين… والذي لا يشارك على الإطلاق في هذه الدراسة الأمر الذي يؤثر لا محالة على جودة وثيقة.
فالواقع أثبتت كون الدراسات والتشخيصات التي تستند عليها مخططات المنجزة من طرف مكاتب الدراسات تفتقد إلى مقاربات علمية وموضوعية في التحليل، ولا تلتزم الحياد تجاه صراعات المصالح وتضاربها الملازمة لمجال التهيئة، كما أنها لا تعكس الإشكاليات الحقيقية للمجال وأفاق نموه وإكراهاته الديموغرافية والطبيعية ومعطياته البيئية، فالطابع الكمي والوصفي لهذه الدراسات لا يمكن من إبراز تعقيد الرهانات التي يعرفها المجال الترابي، الشيء الذي جعل من وثائق التخطيط لا تعكس صورة واضحة معالم التنمية الجهوية.
غير أن المرسوم المتعلق بمسطرة إعداد هذه الوثيقة قد تضمن مقتضيات مهمة يمكن من خلال حسن استغلالها ضمان إدماج البعد العقاري في التصاميم الجهوية لإعداد التراب، ويتعلق الأمر بالدور الذي تخوله المادة 4 لوالي الجهة في إطار مهام المساعدة الموكولة إليه، بحيث يتولى الإشراف على المشاورات مع جميع الفاعلين المعنيين، ولاسيما الجماعات الترابية والإدارات والمؤسسات العمومية وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني، قصد مناقشة الإشكالات الخاصة بالمجالات المكونة للجهة، من خلال مناقشة الإمكانيات والمؤهلات، ويعد الإشكال العقاري من أهم الإشكالات التي تواجه التنمية الترابية، فمن خلال دراستنا لبعض برامج التنمية للجماعات الترابية، وكذلك من خلال اللقاءات التي أجريناها مع بعض المنتخبين، اتضح لنا أنه في بعض المشاريع وبالرغم من توفر الاعتمادات المالية المرصودة، قد يعرف تنفيذ المشروع معيقات مرتبطة بتوفير الوعاء العقاري خصوصا في المدن الكبرى، وذلك راجع إلى ندرة الرصيد العقاري المخصص لاستثمار، باعتبار الوعاء العقاري في مجمله هو إما مملوك للدولة أو للجماعات السلالية، مما قد يجعل تنفيذ بعض المشاريع معطلا بالرغم من توفر الاعتمادات المالية المخصصة له.
ومن هذا المنطلق فإن حرص الوالي على حضور ممثلي المصالح اللاممركزة وكذا ممثلي المؤسسات العمومية ذات الصلة بقطاع العقار، (مفتشيات جهوية للتعمير والمديريات الجهوية للتعمير والوكالات الحضرية ووكالات المحافظة العقارية…) من شأنه أن يضمن الحد الأدنى لاستحضار المعطى العقاري في بلورة مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب.
ومن المقتضيات التي من شأنها إدماج البعد العقاري في هذه الوثيقة ما تضمنته المادة 8 من المرسوم المذكور، والتي تنص على إمكانية اللجوء إلى المساعدة التقنية، عن طريق والي الجهة، للاستفادة من الإمكانات والمؤهلات التي توفرها المصالح اللاممركزة والإدارات المركزية ومن الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، وتتمثل هذه المساعدة التقنية في:
– مد الجهة بالمعلومات حول مشاريع التجهيز التي تعتزم الإدارات والجماعات الترابية الأخرى… إنجازها فوق تراب الجهة.
– وضع الوثائق والمعطيات الضرورية لإعداد مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب رهن إشارة مجلس الجهة.
وارتباطا بالنقطة الأخيرة فإن بلورة مشرع التصميم الجهوي لإعداد التراب، يحتاج إلى بنك للمعلومات يوفر معطيات عن وضعية العقارات المادية والقانونية، وبالتالي فإن ما يعاب على المرسوم المنظم لمسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب هو غياب نص قانوني يلزم بإعداد دراسات عقارية كأساس للتخطيط الترابي، وهذا ما أفرز عبر الممارسة تناقضا بين مقتضيات هذه الوثائق والطبيعة القانونية لبعض الأنظمة العقارية.
وهنا يبقى حول السؤال حول ما مدى توفر المغرب على بنيات وطنية وجهوية قادرة على توفير المعلومة العقارية وتحليلها بالشكل الذي يخدم السياسة العامة لإعداد التراب الوطني؟ كما يطرح أيضا سؤال حول الكيفية التي يتم بها تعبئة الرصيد العقاري اللازم لتنفيذ هذه السياسة؟
ذلك أن هذه السياسة تحتاج إلى أرضية عقارية من أجل تنفيذها، وفي ظل غياب سياسة عقارية تعمل على تسخير العقار وتطويعه من الناحية التشريعية والمادية وحتى العلمية فلا مجال للحديث عن نجاح هذه السياسة، ذلك أن إعداد التراب يستدعي الوعي بالوضعية العقارية من حيث طبيعة الأنظمة العقارية السائدة فيه و مساحاتها كما ينبغي عليه أن يحدد وبشكل دقيق احتياجاته من الرصيد العقاري من أجل تعبئته بشكل عقلاني لخدمة الأهداف التنموية التي ينشدها من خلال كافة هذه السياسات العمومية.
وبالرغم من الدور المهم الذي يمكن أن تقدمه الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والخرائطية في تقديم الدراسات والاستشارات ذات الصلة بالعقار حسب المادة الثانية من القانون المحدث لها، إلا أن دورها يضل محدودا في توفير المعلومة العقارية بشكل شمولي، وهذا راجع لكونها وبدورها لازالت تعاني من عدة إكراهات وصعوبات تعيقها من القيام بهذه المهام وترجع بالأساس لإشكالية عدم تعميم التحفيظ العقاري، وإشكالية عدم تحيين الرسوم العقارية.
ومن هذا المنطلق تبرز أهمية توفير بنك للمعلومة العقارية الجهوية قادر على توفير معطيات كمية وكيفية وقانونية وتقنية ذات موثوقية حول طبيعة الأرض وطبيعة الأنظمة العقارية السائدة بالمجال الترابي المستهدف بهذه الوثيقة، يمكن من التصدي بشكل مسبق للمخاطر والإشكالات المرتبطة بالعقار .
ومن اليات التي نص عليها المرسوم، والتي نرى أن إعمالها وفق الشكل المطلوب سيمكن من ادماج البعد العقار في عملية إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب، التشخيص الترابي والذي هو أداة لتحليل وفهم البنيات والأنماط الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم في تنظيم وتدبير المجال، انطلاقا من رسم صورة واضحة ومتكاملة لمكامن القوة والضعف لتراب معين والفرص والمخاطر التي تؤثر على حاضره ومستقبله، وتحديد الإكراهات وسيناريوهات التطور المحتمل لهذا الأخير. وينبني التشخيص الترابي على قراءة تركيبية ديناميكية للاختلالات، ونظرة أفقية لأهم الإشكالات الترابية والتي يعد العقار من أهمها، واعتمادا على مؤشرات علمية وخرائط توضيحية تمكن من الانتقال من النظرة القطاعية إلى قراءة مجالية للجهة تحدد أساسا، الأوساط الحضرية والقروية المستقطبة، وأحواض العيش والمناطق الهامشية أو المعزولة، وكذا أهم الشبكات والمحاور التي تربط أطراف التراب الجهوي بمحيطه الخارجي، مع رصد جغرافي لأهم الإكراهات والمؤهلات الوظائف التنموية للمجالات.
إن التمعن في هذا المقتضى القانوني والوقوف على حرفية العبارات الواردة قد يجعلنا نلاحظ أن المشرع قد أغفل الإشارة إلى تقديم تشخيص لواقع العقار بالجهة من حيث حجم الرصيد العقاري العمومي الذي تتوفر عليه الجهة ومقدار الأراضي المحفظة وغير المحفظة والصعوبات الجغرافية والمورفولوجية التي تواجهها بالإضافة إلى الأشكال القانونية أو الممارسات السائدة ذات الصلة دائما بالعقار التي قد تعتبر مقاومة للتغيير.
غير أنه ومن خلال الاطلاع على تقرير التشخيص الترابي المنجز من طرف جهة فاس مكناس، يتضح أنه قد تضمن فقرات تطرقت بشكل عرضي للمسألة العقارية وذلك في معرض حديثها عن بعض القطاعات كالصناعة، والفلاحة والزراعة، والمجال الغابوي، أو في معرض حديثها عن البنية الجغرافية لجهة فاس مكناس، لكن ما يثير الانتباه هو على هذا المستوى تضمن التقرير فقرة تحت مسمى تطور احتلال الأراضي على مدى 10 سنوات (2001-2011) أشارت إلى التغييرات الملحوظة التي عرفها استخدام الأراضي في الجهة من تحولات في المناطق الزراعية، وتحول بعض الأراضي إلى استخدامات أخرى مثل البناء أو التصنيع، مما يعكس التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة. ستساعد دراسة هذه التحولات في فهم كيف يمكن إدارة الموارد الطبيعية بشكل أكثر استدامة في المستقبل.
بحيث يتسم الهيكل العقاري في منطقة فاس-مكناس بخصائص معينة تؤثر بشكل كبير على الأنشطة الزراعية والتنمية الاقتصادية في المنطقة:
– هيمنة الأراضي الرعوية والغابات: تشكل الأراضي الرعوية والغابات حوالي 82% من المساحة الإجمالية للأراضي في المنطقة. وهذا يعزز إمكانية تطوير الأنشطة الرعوية مثل تربية الأغنام والماعز بطريقة تقليدية تعتمد على المساحات الواسعة.
– نسبة الأراضي التابعة لنظام “ملك”: تبلغ 77% من الأراضي في المنطقة تابعة لنظام “ملك”، مما يعني أن غالبية الأراضي تُعتبر ملكية خاصة تُدار وفقًا للعادات والتقاليد المحلية، مما قد يؤثر على أساليب الاستغلال والتمويل في المجال الزراعي.
– التوزيع الصغير للأراضي: ما يقارب 72% من الاستغلاليات الزراعية في المنطقة لديها مساحة أقل من 5 هكتارات. هذه الميزة تساهم في تجزئة الأراضي بشكل كبير، حيث أن معظم الاستغلاليات تتوزع على 3 إلى 4 قطع أرضية لكل استغلال، مما يخلق تحديات في تحسين الإنتاجية وتقليل الكفاءة الاقتصادية في القطاع الزراعي
وانطلاقا مما سبق يتضح أن المعطيات الواردة في التقرير المذكور والتي تحاول أن تبرز الوضعية العقارية للجهة تظل غير كافية من أجل بلورة تصور شمولي حول البنية العقارية لجهة فاس مكناس، وهنا نؤكد على أن استحضار المسألة العقارية بالإكراهات التي تطرحها والفرص التي تتيحها أثناء مرحلة التشخيص الترابي، من شأنه أن يرفع من فرص نجاح المشروع التنموي الجهوي خاصة أن استراتيجية التنمية المقترحة من طرف التصميم الجهوي لإعداد التراب، تنفرد بالمقارنة مع باقي تصاميم التنمية والتهيئة بكونها، تتجاوز المنهجية الكلاسيكية المتعلقة بالسيناريوهات، وتتبنى مقابل ذلك، استراتيجية استشرافية مبنية على تحديد مجالات المشاريع، من خلال معرفة دقيقة بالخصوصيات المحلية لا سيما في جانبها العقاري، وبالاعتماد على معايير طبيعية، تاريخية، إدارية، ديموغرافية، اقتصادية، ووظيفية.
كما أنه من الأهمية بمكان حضور خبراء وفاعلين عقاريين في اللجنة الاستشارية لإعداد التراب باعتبارها الإطار الذي من خلاله يمكن التشاور وإبداء الرأي حول مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب، وذلك من أجل ضمان شروط إدماج البعد العقاري في مسلسل إنتاج هذه الوثيقة الاستراتيجية.
الفقرة الثانية: إدماج العقار في برنامج التنمية الجهوية
يعتبر برنامج التنمية الجهوية، وثيقة للبرمجة مرتبطة بمدة انتداب المجالس الجهوية، ويترجم الرؤية الاستراتيجية، المحددة خصوصا في إطار التصميم الجهوي لإعداد التراب، إلى عمليات ترابية وملموسة تتعلق بالتنمية الجهوية ولها أثر مباشر على الساكنة، كما يعد أيضا وثيقة مرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة المتعلقة باختصاصات الجهة، ويتم إعداده خلال السنة الأولى من انتداب مجلس الجهة. يحدد بالنسبة لسنة سنوات الأولى، عمليات التنمية التي تعتزم الجهة إنجازها في مجالها الترابي مع مراعاة الموارد المالية للجهة أو تلك التي يمكن تعبئتها إضافة إلى الالتزامات المتفق عليها بين الجهة والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها وكذا المقاولات العمومية والقطاعات الاقتصادية للجهة.
ويرتكز برنامج التنمية الجهوية على ثلاث مرجعيات قانونية، أهمها الفصل 143 من الدستور الذي ينص على أن الجهة تتبوأ مكانة الصدارة في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لباقي المستويات الترابية، كما نصت المادة 83 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات على مبادئ برنامج التنمية الجهوية والتي تتمثل فيما:
– يحدد برنامج التنمية الجهوية، الأعمال التنموية المقرر برمجتها لمدة ستة سنوات مع مراعاة الاختصاصات المسندة للجهة؛
– يتم إعداد وتنفيذ وتتبع وتحيين وتقييم البرنامج من طرف مجلس الجهة تحت إشراف رئيس المجلس؛
– يتم إعداد البرنامج في انسجام تام مع استراتيجيات وسياسات الدولة مع مراعاة توجهات التصميم الجهوي لإعداد التراب إضافة إلى التزامات الجهة مع الدولة أو باقي الفاعلين الترابيين.
وفي الأخير عمل المرسوم رقم 2.22.475 الصادر في 17 من ربيع الاخر 1445 (2 نوفمبر 2023) على تحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه، ومن خلال الاطلاع على مراحل إعداد برنامج التنمية الجهوية، يتضح أنه لا يختلف عن منطق إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب من حيث منهجية الإعداد وكيفية إجراء الدراسات والمشاورات بشأنه، بحيث يتم إعداد البرنامج وفق مقاربة التشاركية من خلال الاليات المنصوص عليها في المادة 7 من المرسوم السالف الذكر، كما ينطبق نفس القول بالنسبة لإمكانية لجوء الرئيس إلى طلب المساعدة التقنية من المصالح اللاممركزة والجماعات الترابية الأخرى، وكذا المؤسسات والمقاولات العمومية وممثلي القطاع الخاص بالجهة، غير أن المثير للاهتمام هو شكل هذه المساعدة التقنية في ارتباطها بالبعد العقاري، بحيث جاء في المادة 8 من المرسوم:
– مد الجهة بالمعلومات والمعطيات والمؤشرات والوثائق اللازمة حول المشاريع المنجزة أو المزمع انجازها بتراب الجهة؛
– موافاة الجهة بالمعلومات والمعطيات الخاصة بالمشاريع التي يمكن أن يكون إنجازها موضوع تعاقد مع الدولة؛
– مد الجهة بالوثائق ذات الصلة بمجالي التعمير والبيئة؛
هذه النقطة الأخيرة تثير ملاحظتين الأولى تتمثل في كون برنامج التنمية الجهوية، يجب أن يراعي عند إعداده الأحكام التي تفرضها وثائق التعمير، وهو ما من شأنه تحقيق الانسجام والالتقائية بين قطاع التعمير وقطاع الجماعات الترابية في مجال التنمية الجهوية، أما الملاحظة الثانية فتتمثل في كون هذه الوثائق نظرا لطبيعة الموضوع الذي تعالجه تتضمن معطيات تشخيصية مهمة لواقع البنية العقارية على الصعيد الجهوي، مما يعني بالتبعية أن البعد العقاري يفترض أن يكون حاضر في عملية بلورة وإعداد مشروع برنامج التنمية الجهوية.
ومن خلال التعمق أكثر في منهجية إعداد برنامج التنمية الجهوية، يتضح أن العملية ترتكز على إجراء تشخيص ترابي حول الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة التي تزخر بها الجهة، ومقومات وإكراهات التنمية بها، ومظاهر الخصاص التي تعاني منه في مجال البنيات التحتية الأساسية، والفوارق المجالية بين العمالات والأقاليم المكونة لها، غير أنه لم يشر إلى استحضار المسألة العقارية والاكراهات التي تطرحها أثناء عملية الإعداد، وبالتالي فما يعاب على المرسوم أنه لم يعمل على مأسسة إجراء دراسات عقارية ضمن التشخيص الترابي للمجال المستهدف، وذلك من أجل معرفة الكيفية المثلى لاستغلال الرصيد العقاري وتفادي المخاطر والإكراهات التي تطرحها مسألة تعبئة الرصيد العقاري اللازم لإنجاز المشاريع.
ولقد أدى غياب إدماج البعد العقاري بشكل مباشر وفعال في عملية التشخيص الترابي من خلال مؤشرات محددة وعلمية، إلى كون الدراسات المنجزة أو على الأقل تلك التي اطلعنا عليها والتي تهم التشخيص الترابي لجهة بني ملال خنيفرة وجهة الشرق ، تفتقر بشكل كبير إلى معلومات دقيقة حول المعطيات العقارية التي تتواجد بتراب الجهة من حيث طبيعة الأرض واستعمالاتها والأنظمة القانونية التي تؤطرها التمثلات المحلية للعقار، فكل ما تضمنته هو بعض المعلومات السطحية والتي سيقت بشكل عرضاني في معرض الحديث عن بعض المجالات كالفلاحة بحيث تم تحديد نسبة الأرضي الفلاحية في الجهة، أو التعمير…، وهو ما لا يمكن من توفير معطيات ومعلومات عقارية قادرة على المساهمة في بلورة نموذج تنموي جهوي يستجيب لتطلعات الساكنة.
فمن خلال الاطلاع على الدراسات المنجزة في إطار إعداد برنامج التنمية الجهوية لجهة الشرق2022-2027، نجد أن التقرير التشخيصي قد تضمن ضمن نقط الضعف التي تعاني منها الجهة، ندرة الأراضي التي يمكن تعبئتها بسبب تعقيد قوانين الأراضي وإجراءات الاستحواذ، كما تضمنت الوثيقة ضمن التهديدات استحواذ التوسع العمراني على الأراضي ذات القيمة الفلاحية العالية، إلى جانب ما سبق تضمن التقرير التشخيصي بعض المعطيات حول البنية العقارية بالجهة ولكن بشكل قطاعي تغيب عنه الرؤية الشمولية، فعلى مستوى الوضعية الفلاحية بجهة الشرق تضمن التقرير أن الأراضي الفلاحية تبلغ مساحتها 889450 هكتار وتجاوز حجم مبيعاتها 8 مليارات درهم.
أما على مستوى محور التراث الثقافي فقد نص التقرير التشخيصي إلى ضرورة تصنيف الأصول العقارية ووضع خطة إدارتها بالتعاون مع الجماعات الترابية الأخرى، خاصة وأن التراث العقاري يتعرض لمخاطر التدهور والاختفاء، بحيث تم تدمير العديد من المباني التاريخية لإفساح المجال أمام المشاريع العقارية، وفيما يتعلق بقطاع التنوع البيولوجي والنظم البيئية والطبيعية فإن التقرير التشخيصي تضمن أن منطقة الغابات الشرقية تبلغ من حيث مساحتها 2624616 هكتارا، تمثل 29 في المائة منها إجمالي مساحة الجهة، غير أن التنمية الحضرية تتم على حساب الأراضي الفلاحية والمراعي والغابات وهذا عامل في تراجع النظم البيئية وتنوعها البيولوجي، وفيما يتعلق بقطاع تخطيط المدن فقد تضمن التقرير التشخيصي لجهة الشرق وجود ندرة في الرصيد العقاري القابل للتعبئة، والذي يتفاقم بسبب تعقيد نظم حيازة الأراضي القائمة والهيمنة على محيط حضري معين للأراضي الجماعية التي تكون السيطرة عليها معقدة، إلى جانب ذلك يتضح من خلال تشخيص وجود تناقض في المواقف على مستوى المخزون السكني حيث نلاحظ في الوقت نفسه وجود عجز كبير في السكن الاجتماعي العادي وفائض من المباني المغلقة أو غير المستغلة، والتي غالبا ما تكون مملوكة لمواطنين مغاربة بالخارج.
وبالتالي فمن خلال الاطلاع على تقرير التشخيص الترابي المشار إليه أعلاه والذي يعد مرحلة جوهرية في مسلسل إعداد برنامج التنمية الجهوية يتضح بجلاء ضعف إدماج البعد العقاري في وثائق التخطيط الترابي، وهو ما تعكسه نوعية وكم المعطيات العقارية التي تضمنها هذا التقرير، هذا الأمر أصبح يستدعي ضرورة القيام بتدخل تشريعي يستهدف جعل إدماج الدراسات العقارية في التشخيص الترابي المنجز إجباريا ، وذلك من أجل ضمان شروط نجاح المشاريع المقررة في برنامج التنمية الجهوية.
أما بخصوص الوثيقة الثانية والمتعلقة بإعداد برنامج التنمية الجهوية لجهة بني ملال خنيفرة 2022/2027، يتبين بشكل جلي أن حضور البعد العقاري في عملية إعداد هذه الوثيقة يظل ضعيفا ولا يرقى إلى الشكل المطلوب، بحيث كل ما تضمنته الدراسة هو إشارات مقتضبة وسطحية لا تمكن المجلس من برمجة مشاريع مدروسة من الناحية العقارية، فمثلا نجد أن الدراسة المشار إليها قد أشارت ضمن مصفوفة المخاطر، ولاسيما المخاطر المرتبطة بالتنفيذ ما يتعلق بعدم القدرة على تعبئة العقار، إن اقتضى الأمر.
غير أن ما يثير الاهتمام بخصوص مسألة العقار هو تضمن برنامج التنمية لجهة بني ملال خنيفرة مشروعا ضمن أولوياته يستهدف اقتناء العقارات الخاصة بالتجهيزات الكبرى، وذلك استجابة للإشكاليات المرتبطة بعدم توفر العقارات المناسبة لاحتضان المرافق الرئيسية، وكذا الإشكالية المتعلقة بتوفر العقار كشرط أساسي لإنشاء أي اتفاقية شراكة حول انجاز التجهيزات بالشراكة مع باقي الشركاء المؤسساتيين، ويهدف هذا المشروع حسب بطاقة المشروع إلى :
– تطوير احتياطي عقاري موجه للتجهيزات الكبرى؛
– تسريع بناء التجهيزات الكبرى بالجهة؛
– تعبئة المتدخلين المؤسساتيين في بناء التجهيزات الكبرى، علة وجه الخصوص، من خلال الدعم المالي؛
وتتجلى المكونات الرئيسية للمشروع في التعريف بالاحتياجات من حيث التجهيزات الكبرى، وتحديد العقارات التي تتطلب اقتناءها وتنفيذ الإجراءات الإدارية والقانونية لهذا الغرض، بما في ذلك نقل الملكية والتسجيل في المحافظة العقارية، ويتمثل الشركاء الرئيسيون لهذا المشروع في الوكالات الحضرية في الجهة والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، مديرية أملاك الدولة – وزارة الاقتصاد والمالية، مديرية الشؤون القروية – وزارة الداخلية، المطورون في الجهة بما في ذلك العمران، أما بخصوص الميزانية المخصصة للمشروع فتحدد في 131,3 مليون درهم بتمويل مشترك.
ومن المخاطر المحتملة المرتبطة بالمشروع، سوء اختيار الوعاء العقاري، التنافر بين الطبيعة الحضرية والمرافق المبرمجة في الوعاء العقاري المعبأ، التجميد المبالغ فيه للموارد المالية، وخاصة في حالة التأخير أو الفشل في تنفيذ التجهيزات أو ارتفاع تكاليف اقتناء العقار، الاحتلال المتسرع للعقار المقتنى.
أما بخصوص المؤشرات الأساسية المعتمدة في المشروع، نجد مساحة الاحتياط العقاري المكون، وتثمين الاحتياطي العقاري المكون، بالرجوع إلى أسعار السوق وبالمقارنة مع أسعار الشراء، وقد تضمنت بطاقة المشروع كملاحظة على ضرورة تحديد العقارات المعنية في هذه المرحلة في أفق الاهتمام بوضع استراتيجية عقارية من قبل الجهة.
وبالتالي فإن الوثيقة الثانية وعلى عكس الأولى ذهبت أكثر من الاعتراف بالمخاطر المرتبطة بالعقار إلى برمجة مشروع ضمن أولويات برنامج التنمية الجهوية يستهدف توفير الوعاء العقاري لاحتضان المشاريع التنموية من تجهيزات الأساسية ومرافق عمومية، وهو مشروع طموح يشكل ممارسة فضلى تستجيب لمرتبة الصدارة التي منحها الدستور للجهة من أجل تحقيق التنمية الترابية، تستدعي تعميمها وتطوريها ومأسستها بشكل قانوني على باقي جهات المملكة، غير أن كلتا الدراستين التي اطلعنا عليهما بالرغم من المعطيات المهمة التي تضمنتهما إلا أنهما تظلان غير قادرتين على إدماج البعد العقاري في مسلسل إعداد برنامج التنمية الجهوية أو على الأقل ليس بالشكل الذي يرقى لأهمية هذه الوثائق في بلورة نموذج تنموي جهوي يستغل المؤهلات والإمكانات ويراعي الخصوصيات المحلية.
وهو ما دفع بعض المؤسسات الرسمية إلى المناداة بضرورة التفكير في خلق هيئة جهوية قادرة على توفير معلومات واقعية وذات موثوقية حول البنية العقارية للجهة المستهدفة بالدراسة، وبغض النظر عن الشكل الذي ستتخذه هذه الهيئة (مرصد، مركز دراسات، وكالة…) فإن من شأن توفير بنك للمعطيات العقارية المجالية أن يسهم في الرفع من فرص نجاح المشاريع التي يتضمنها برنامج التنمية الجهوية. كما أن التعمق أكثر في الفكرة يظهر أهمية وجود هيئة جهوية تتولى ضبط العقار تكون في خدمة الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، من أجل تدبير وضبط أفضل للوعاء العقاري.
وفي هذا الصدد دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الدراسة التي أجراها في موضوع العقار إلى ضرورة إدماج البعد العقاري في برنامج التنمية الجهوية، والعمل على أن تستند كل عملية لتعبئة العقار على مضامين برنامج التنمية الجهوية، وكذا جعل الجهات مجالات ترابية نموذجية في مجال تعبئة العقار من أجل تنفيذ برامج التنمية الجهوية، فالرهان يتمثل في إرساء سياسة عقارية منسجمة مع برامج التنمية الجهوية، من أجل جعل العقار رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجهة، فمن دون أدوات مؤسسية وتنظيمية وجبائية ومالية وتقنية، لا يمكن لأحد بأن يطمح إلى سن سياسة عقارية عقلانية ترتكز على دعامة التقنيين والتقييس (توحيد المعايير) والتخطيط الاستراتيجي الترابي.
فالواقع العملي أصبح يؤكد على أهمية إعادة النظر في طريقة التفكير والتدبير الترابي لاسيما في بعدها العقاري، وذلك بالنظر إلى الإشكالات القانونية والواقعية التي تطرحها المسألة العقارية سواء من ناحية المنازعات المرتبطة بها والتي يعد الاعتداء المادي من أبرزها، أو من الناحية الصعوبات التي تطرحها مسألة تعبئة الرصيد العقاري اللازم لتوطين المشاريع التنموية، بحيث تعتبر إشكالية تعبئة الأوعية العقارية أحد أهم معيقات الاستثمار العمومي، إذ ما يزال يلاحظ برمجة مشاريع عمومية دون التأكد من توفر هذه الأوعية ومن ملاءمتها، مما ينتج عنه تعثر هذه المشاريع وتأخر تنفيذها.
وهو ما دفع بالمشرع المغرب إلى إدماج البعد العقاري في مسلسل إعداد برنامج التنمية الجهوية، من خلال ما تضمنته المادة 9 من المرسوم رقم 2.22.475 الصادر في 17 من ربيع الاخر 1445 (2 نوفمبر 2023) على تحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه، ، والتي أدمجت بشكل قانوني في منهجية إعداد برنامج التنمية الجهوية تحديد الوعاء العقاري الذي يمكن تعبئته من أجل توطين المشاريع المزمع إنجازها من لدن الجهة في إطار العقود المبرمة بينها وبين الدولة، وهو ما يعني أن برمجة المشاريع التنموية يجب أن يتم بمراعاة توفر الرصيد العقاري أو إمكانية تعبئته. وفي نفس السياق نجد أن المادة 10 من المرسوم المذكور قد نصت على أن تتضمن وثيقة برنامج التنمية الجهوية بطاقة خاصة بكل مشروع من المشاريع المبرمجة تبرز تركيبته المالية برسم كل سنة، ومساهمة كل طرف من الأطراف المعنية بإنجازه في تمويله، وتوطينه الترابي، ووضعية الوعاء العقاري المراد تعبئته من أجل إنجازه، وهو ما يشكل طفرة تشريعية في موضوع إدماج البعد العقاري في وثائق التخطيط الاستراتيجي الترابي.
خاتمة
من الطبيعي أن يؤثر تعدد وتنوع الأنظمة العقارية على عملية ضبط المجال العقاري وتنظيمه على المستوى الوطني والترابي، وذلك بالنظر إلى تعدد الجهات المتدخلة في تدبيره، وتبعا لذلك فإن الإجراءات المتعلقة بتدبير العقار تتسم بتشتتها وتواجه صعوبات مرتبطة بانعدام التجانس والتناسق، وعلاوة على ذلك، لا يوجد حتى اليوم إطار استراتيجي مشترك للسياسات ذات الصلة بهذا القطاع، ومازالت الجهود المبذولة تواجه تحديات جمة على صعيد الالتقائية والنجاعة، في ظل غياب رؤية شمولية ذات طابع استراتيجي لتدبير قطاع العقار على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية، وهي الرؤية التي من شأنها أن توجه السياسات العمومية وتدخلات وجهود الفاعلين المعنيين من القطاعين العام والخاص.
وفي ظل غياب هذه الرؤية برزت عدة إشكالات زادت من حدة أزمة السياسة العقارية بالمغرب، ويتعلق الأمر بالعديد من الثغرات والممارسات غير السليمة تمثلت تحصين غير مضمون للحقوق، معاملات غير نظامية، المضاربة، التوزيع غير العادل، تدهور النظم الإيكولوجية.. لكن من أبرز هذه الإشكاليات ما يتعلق بالسطو على العقارات أو الاستيلاء عليها، بحيث أصبح في السنوات الأخيرة من أكثر المواضيع القانونية والاجتماعية تداولا وإثارة للنقاش.
ومن بين مظاهر أزمة السياسة العقارية، نجد انعدام سياسة واضحة لتكوين الرصيد العقاري الاستراتيجي للدولة، الذي يمكنها من تنفيذ سياستها العمومية في شتى المجالات المرتبطة بالعقار، وتوفير مختلف الخدمات العمومية للمواطنين، حيث لاحظ الباحثون، غياب مخطط أو توجه أو تجربة عامة وشاملة وملموسة وواضحة لتكوين لاحتياطي العقاري، وهو ما يجعل الدولة تلجأ إلى آليات بديلة بصفة استثنائية تكون مكلفة ماليا وعقاريا واجتماعيا. كم يسجل أيضا اختلال في توزيع الأنظمة الاقتصادية، والبنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، بشكل ترتبت عنه تفاوتات مجالية وفوارق اجتماعيةّ، بالإضافة إلى ظهور إشكالات متعلقة بالبناء والتوسع العشوائي وهذا راجع وكما سبقت الإشارة إلى الافتقاد إلى مرجعية وطنية موحدة تحدد التوجهات الكبرى للسياسة العقارية وأدوار الفاعلين فيها.
ولقد أكدت المناظرة الوطنية أن الدولة لا تتوفر على سياسة عقارية فكل ما هنالك هو تعدد في وثائق التعمير والتي كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة ينبغي أن تكون هذه الوثائق في خدمة المواطن، وهو ما يتطلب الحد من التفاوتات المجالية وتكريس العدالة الاجتماعية بدل أن تكون هذه الوثائق وسيلة للمضاربة التي تتنافى مع مصالح المواطنين، وقد تبين بالملموس من الواقع العملي بأن إعداد وثائق التعمير كثيرا ما يفتقر إلى مفهوم العدالة العقارية، التي تعتبر وسيلة ناجعة لتنمية الثروة من خلال الخلل في توزيع الأعباء والارتفاقات. وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الإنسان في صلب السياسة العقارية وليس العقار ذاته، وذلك بضمان تحصين الملكية العقارية وتعزيز الأمن العقاري، ومشاركته في توزيع عائدات العقار بكل شفافية وبعيدا عن الزبونية والمحسوبية.
ومن هنا تظهر أهمية وضرورة وجود إطار استراتيجي مندمج لتدبير المسألة العقارية، قادر على الانسجام مع التوجهات العامة لدينامية تنمية البلاد، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية كما يتعين عليه أن يكون متجانسا مع السياسات الأخرى المرتبطة به. وعليه فإن وجود هذا الإطار الاستراتيجي لتدبير المجال العقاري يتحقق بوجود سياسة عقارية موازية تعمل على توفير أرضية عقارية لإنجاز السياسات القطاعية والاستراتيجيات الوطنية والبرامج الجهوية سواء المتعلقة بإعداد التراب الوطني أو سياسة المدينة أو حتى الإسكان والتعمير والتي هي سياسات، مخططات، برامج وتصاميم بالرغم من اختلاف تسمياتها فإنها كلها تصب في تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والتنمية المستدامة.
المراجع:
1- الخطب والرسائل الملكية:
– رسالة ملكية سامية الموجهة إلى المشاركين في اللقاء الوطني حول إعداد التراب الوطني، بتاريخ الأربعاء 26 يناير 2000، الرباط؛
– الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة 11 أكتوبر 2013؛
– خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله. بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتلاء عرش أسلافه الميامين. 30 يوليو 2009؛
– نص الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية، الصخيرات 08 و 09 دجنبر 2015؛
2- التقارير الرسمية :
– التقرير التركيبي حول “واقع قطاع العقار بالمغرب – أهم عناصر التشخيص “، المناظرة الوطنية في موضوع “السياسة العقارية للدولة و دورها في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية “، دجنبر 2015؛
– رأي المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ، ” العقار في المغرب : رافعة أساسية من أجل تحقيق التنمية المستدامة و الإدماج الاجتماعي” إحالة رقم 25/2019؛
– ورقة تأطيرية للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي من إعداد اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمشاريع الإستراتيجية، الموضوع: “العقار، عامل استراتيجي من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومدمجة تضمن الإنصاف و التماسك الاجتماعي”، 2018،
– رأي المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي : “دراسة التأثيرات المترتبة عن الاستثناءات في مجال التعمير”، إحالة رقم 11/2014؛
– رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إنجاح الانتقال نحو مدن مستدامة، إحالة ذاتية رقم 32/2017 ؛
– التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2013؛
– تقرير المجلس الأعلى للحسابات في التقرير السنوي برسم سنة 2023-2024، المحاور الرئيسية؛
– البرنامج الحكومي تطبيقا لأحكام الفصل 88 من الدستور، الولاية التشريعية 2016/2021، رجب 1438 – أبريل 2017، رئيس الحكومة www.cg.gov.ma؛؛
-البرنامج الحكومي 2021/2026، أكتوبر 2021، الموقع الالكتروني: www.cg.gov.ma؛
– مشروع نجاعة الأداء، أنجزته وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير وسياسة المدينة – قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير- مشروع المالية 2021؛
– دراسة إعداد برنامج التنمية الجهوية لجهة بني ملال خنيفرة 2022-2027، قسم وحيد، المرحلة الثانية: إنجاز برنامج التنمية الجهوية، وثيقة برنامج التنمية الجهوية (التقرير الثالث للمرحلة الثانية)، النسخة النهائية، الصفقة رقم AREP-BK/2022/68، إتيك كونسلت؛
– دليل يتعلق بمسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه، سلسلة دليل المنتخب، وزارة الداخلية، المديرية العامة للجماعات الترابية، 2021؛
– برنامج التنمية الجهوية، دليل منهجي للإعداد والتنفيذ والتتبع والتحيين والتقييم، سلسة دليل المنتخب، المديرية العامة للجماعات الترابية، وزارة الداخلية، 2022،
3- المقالات
– عصام عيطاوي، قضايا الاستيلاء على عقارات الغير دراسة في ضوء التشريع والفقه والقضاء، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2022؛
– خالد البهالي، الحق في المدينة : اليات التشاور العمومي وتدبير المدينة كفضاء جمعي، منشورات مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية، الجماعات الترابية وحقوق الإنسان، أشغال الندوة المغاربية حول الجماعات الترابية وحقوق الإنسان المنظمة بمدينة مكناس بتاريخ 28 و 29 نونبر 2016 ، الطبعة الأولى 2017؛
– أحمد المالكي، مخططات التهيئة والبعد الزمني بالمغرب، التعمير والحكامة المجالية وفق اخر المستجدات التشريعية والقضائية، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 11.
– عبد العزيز رشدي، تدبير المدن بالمغرب، أية حكامة وأية رهانات، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسة العدد الخاص رقم: 11 ، التعمير والحكامة المجالية وفق اخر المستجدات التشريعية والقضائية؛
– العربي مياد، السياسة العقارية : الأسس والتجلياتّ.
– العربي مياد، أهمية العقار في البرنامج الحكومي، الموقع الالكتروني: www.hespres.com؛
– عثمان حجة، وثائق التخطيط الحضري: مكامن الخلل ومداخل الإصلاح، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 146 ماي – يونيو 2019؛
– وزارة التعمير والسكنى وسياسة المدينة، برنامج الملتقى الوطني حول سياسة المدينة، 27 يونيو 2012؛
– أرضية البحث للحوار الوطني حول سياسة المدينة تحت شعار ” تشارك وبناء تشاركي من أجل أجرأة مستدامة لسياسة المدينة، أبريل ماي 2012.
4- الأطروحات
– محمد زعاج، أثار تعدد التشريعات و التنظيمات العقارية و التوثيقية على السياسة العقارية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2015/2016؛
حميد بلمكي، صناعة التشريع العقاري بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2020/2021؛

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى