في الواجهةمقالات قانونية

الآثار القانونية المترتبة عن إجراءات الوساطة الاتفاقية

الآثار القانونية المترتبة عن إجراءات الوساطة الاتفاقية

 

أوربير رشيدة          

طالبة باحثة بسلك ماستر المقاولة و القانون

بجامعة الحسن الأول بسطات

 

ملخص:  

تناولت هذه الدراسة موضوع” الوساطة كآلية لحل المنازعات ” وهي وسيلة يتم اللجوء إليها لفض النزعات التي تنشأ بين الأفراد في تعملاتهم وتشكل المنهج البديل للتوجه إلى القضاء وتعتبر الوساطة من المساعي الحميدة تهدف للحفاظ على العلاقة بين الأطراف، ويتجلى الدور الكبير للوسيط، في توفير أرضية مناسبة لحل النزاع .

و تمر الوساطة من عدة مراحل أساسية لتسوية الخلاف، وبعد استيفاء وانتهاء مراحل الوساطة وانتهاء الأطراف من جميع إجراءاتها انطلاقا من تقويم النزاع والتفاوض بشأن النقط التي تثير خلافا بين الطرفين فإن الوساطة قد تنتهي بفشل الأطراف في التوصل إلى حل بينهم، كما أنها قد تنتهي بنجاح الأطراف في صياغة حل نهائي، وذلك في حالة الإتفاق فيما بينهم وهذا الإتفاق يفرض على الوسيط تحريره في وثيقة صلح بين الطرفين تتضمن العديد من البيانات الأساسية التي نص عليها المشرع .

 

This study deals with the topic of “mediation as a mechanism for resolving disputes”, which is a method that is used to settle the tendencies that arise between individuals in their commercial transactions and constitutes an alternative approach to approaching the judiciary. Mediation is considered a good endeavor aimed at preserving the relationship between the parties, and the great role of the mediator, in providing a ground Suitable for resolving the dispute.

Mediation passes through several basic stages to settle the dispute, and after the completion and completion of the mediation stages and the parties’ completion of all its procedures based on assessing the dispute and negotiating the points that raise a dispute between the two parties, the mediation may end with the failure of the parties to reach a solution between them, and it may end with the success of the parties. In drafting a final solution, in the event of an agreement between them, and this agreement obliges the mediator to write it in a reconciliation document between the two parties that includes many of the basic data stipulated by the legislator.

 

المقدمة:

أصبح اللجوء للوسائل البديلة لحل المنازعات في وقتنا الحالي أمرا ملحا، وذلك لتلبية متطلبات الأعمال الحديثة التي لم تعد المحاكم قادرة على تصدي لها بشكل منفرد، فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات والحاجة إلى السرعة والفعالية في البث في الخلافات وتخصصها من قبل من ينظر في هذه الخلافات أو يشهد في حالها، نشأت الحاجة لوجود آليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعال مع  منحهم مرونة وحرية لا تتوفر عادة في المحاكم.

والوسائل البديلة لحلّ النزاعات هي بصفة عامة[1] : الوسائل التي تمكن من تفادي النزاعات المستقبلية أو حلّ النزاعات العارضة سواء بالإستعانة بطرف ثالث غير طرفي النزاع أو بدونه، دون الّلجوء إلى المحاكم القضائية، وهذه الطرق لا تخضع لقيود شكلية واجبة الإتباع وتمنح الأفراد عدالة سريعة ومرنة أقرب لتطلعاتهم، كما تتعدد صور هذه الوسائل[2] كالتحكيم والصلح والتوفيق والوساطة التي هي موضوع هذا البحث.و يقصد بالواسطة بأنها “تدخل الغير في نزاع أو في عملية تفاوض يقبل الأطراف المتنازعة أن يقوم بها ثالث من صفاته أن يكون غير منحاز، حيادي، ولا يملك السلطة أو القوة لصنع القرار وذلك لمساعدتهم للوصول إلى اتفاق مقبول من طرفهم[3].

وإذا كانت الوسائل البديلة لحل النزاعات قد انتقلت من إطارها النظري إلى الإطار التنظيمي، حيث أصبح بعضها مؤسسة قانونية قائمة بذاتها كالوساطة الإتفاقية فإن هذه الأخيرة ليست وليدة العصر بل إنها مترسخة في تراثنا التاريخي عامة وثقافتنا الإسلامية بالخصوص.

أما في عصرنا الحالي فإن الوساطة باتت تعرف شعبية وانتشارا واسعين، و تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية السباقة إلى الأخذ بها في بداية التسعينات، بعدها بريطانيا أما الدول العربية فلم تأخذ بها إلا مؤخرا، كمصر سنة 2004، الأردن سنة 2006 أما بالنسبة للمغرب فإنه لم يأخذ بها على المستوى الرسمي إلا مؤخرا بمقتضى القانون رقم 05/08[4].

وعليه يمكنا القول على أن الموضوع الذي هو قيد المناقشة و التحليل يثير إشكالية محورية مفادها: إلى أي حد توفق المشرع المغربي إدماج الوساطة لفض المنازعات التجارية في النظامين القانوني والقضائي بالمغرب

ومن خلال قراءتنا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية على ضوء قانون 08/05 الخاص بالتحكيم والوساطة الاتفاقية سنحاول تحليل موضوع هذه الدراسة وذلك وفق مبحثين:

_ المبحث الأول : إجراءات الوساطة

 المبحث الثاني : الآثار القانونية المترتبة عن الوساطة

المبحث الأول : إجراءات الوساطة

إن الوساطة كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات، لا تناط في معظم الأحيان بهيئة مكونة من عدة أعضاء و إنما تناط بشخص واحد، شخص تلعب شخصيته و تكوينه ومدى العلاقة التي تربطه بطرفي النزاع، دورا هاما في نتيجة الوساطة  وبتحريك إجراءاتها  فإن دور الوسيط هو التقريب بين وجهة نظر الأطرف[5]  والبحث وتقديم المقترحات التي يرى أن من شأنها المساهمة في إيجاد حل للنزاع، وعليه سنتولى في هذا المبحث تحديد الجهة القائمة على الوساطة (المطلب الأول) ثم كيفية مباشرة مسطرة الوساطة (المطلب الثاني).

المطلب الأول:  الجهة القائمة على الوساطة

يمثل الوسيط جوهر عملية الوساطة، حيث يكون مطلوبا منه بعد فحصه للنزاع المعروض عليه التقريب بين وجهات نظر أطراف النزاع ومن ثم يقتضي التطرق للجهة القائمة على الوساطة وتحديد كيفية اختيار و تعيين الوسيط (الفقرة الأولى) و كذلك لصلاحياته و التزاماته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اختيار الوسيط وتعينه

بالنظر لأهمية وخطورة الدور الذي يقوم به الوسيط، فإن المشرع في القوانين المقارنة[6] يتطلب جملة من الشروط يجب أن تتوافر في الوسيط وفي هذا الصدد تتفاوت الشروط التي يتطلبها المشرع في الوسيط من بلد إلى آخر، وإن كانت جميعها تحرص على أن تتوافر في الوسيط شروط مثل السن والخبرة والعملية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، فضلا عن بعض الشروط الأخرى التي من شأنها  أن تجعل هذا الوسيط  يتميز  بالحياد والاستقلالية، وبالرجوع إلى الفصل327-67 نجد المشرع اقتصر[7] على الإشارة إلى أنه يعهد بالوساطة إلى شخص طبيعي أو شخص معنوي، وهذا التوجه هو نفسه الذي سارت عليه التجارب الأجنبية، وتبقى مهمة تحديد من لهم الصفة من اختصاص نص تنظيمي،  فالأشخاص المقيدون  في لائحة يحصرها مثلا و زير العدل كل سنة. وهناك من يرى[8]  أنه يتعين أن يقيد بها كل شخص طبيعي أو اعتباري مؤهل لممارسة هذه المهمة، من قبيل القضاة المتعاقدين، المحامين، الخبراء المهنيين، مراكز التحكيم والتوفيق والوساطة، مراكز ومكاتب الدراسات والاستشارة القانونية، وكل شخص طبيعي أو اعتباري يتفق عليه الأطراف و يختارونه للقيام بالوساطة في نزاع معين.

وهنا يجب التميز بين الوساطة المؤسساتية و تلك التي يقوم بها أفراد طبيعيون أو معنويون، فبنسبة للوساطة المؤسساتية فإن إنصب اختيار الأطراف عليها فلا تثير أية صعوبات، إذ يبقى في الغالب تعيين الوسطاء من اختصاص المؤسسة أو المركز الذي لجأ إليه الأطراف وهذا ما يسري كذلك على التحكيم  المؤسساتي [9]  .

أما إذا كان الوسيط شخص طبيعي، فإن تعيينه يتم من خلال تعين باسمه، كقول الأطراف مثلا وقد وقع اختيارنا على فلان كوسيط لحل النزاع، وليس هناك مانع من ذكر صفتهم.

إلا أنه ليكون التعيين صحيحا يجب ألا تضل شخصية الوسيط مجهولة،  إذ لم يتم التعرف عليها،  كأن يقول الأطراف مثلا ونعين قاضى المحكمة الإبتدائية بمكناس كوسيط لحل هذا النزاع في العقد، فالتعيين هنا غير دقيق في القاضي الذي يقصده الأطراف. وقد ذهبت محكمة الاستئناف بمدينة دوري الفرنسية في قرارا لها إلى القول أن عدم تعيين المحكم بدقة يوازي انعدام التعيين[10] والمشرع المغربي قد رتب نتيجة حتمية من عدم تعيين الوسيط أو التنصيص على طريقة تعيينه، إذ أن العقد يصبح باطلا بطلانا مطلقا مع ما يرتبه هذا البطلان من آثار سواء بالنسبة للعقد نفسه أو الأطراف[11] وقد أحسن المشرع في هذا التوجه، وذلك تفاديا لكل نزاع بين الطرفين حول شخصية الوسيط أو طريقة تعيينه.

الفقرة الثانية: صلاحيات الوسيط والتزاماته.

إن الوساطة بإعتبارها عملية تقنية يلعب فيها الوسيط دورا أساسيا، يتمتع خلالها بمجموعة من الصلاحيات تخول له الإطلاع عن قرب على النزاع (أولا)، إلا أنه رغم ذلك فإنه يظل ملزما بمجموعة من الواجبات التي نص المشرع على أهميتها (ثانية).

أولا: صلاحيات الوسيط

بالإطلاع على الفصول المنظمة للوساطة الإتفاقية[12] نجد أن المشرع قد منح الوسيط مجموعة من الصلاحيات التي تمكنه من الإطلاع على ملابسات النزاع وأسبابه الحقيقية، إلا أنه قام بتقييد هذه الصلاحيات بضرورة موافقة الأطراف على أي إجراء ينوي القيام به، وعلى العموم يمكن للوسيط أن يستمع إلى أطراف النزاع (أولا) وإلى الشهود (ثانيا) وكذلك أن ينتدب خبراء لتشخيص أي وضعية قد يراها مساعدة في حل النزاع (ثالثا).

  • الإستماع إلى الأطراف.

ينص الفصل[13] 327.68 على أنه “يجوز للوسيط أن يستمع إلى الأطراف وأن يقارن بين وجهات نظرهم لأجل تمكينهم من إيجاد حل للنزاع القائم بينهم”، وانطلاقا من هذا الفصل يجوز للوسيط أن يستمع إلى أطراف النزاع إما مجتمعين أو أن يستمع إلى كل واحد منهم على انفراد، ويقارن بين أقوالهم وتصريحاتهم[14] وذلك لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النزاع.

  • الإستماع إلى الأغيار.

إن المقصود بالغير في سياق الفصل 327.68 في فقرته الثانية: الشهود، إذ أن الشهود هم أشخاص من الأغيار[15] والذين يستدعيهم الوسيط للإدلاء بأقوالهم حول ما لديهم من معلومات حول النزاع[16]، فالوسيط قد يتبين له أن المعلومات المتوصل إليها من قبل الأطراف، لا تكفي لتكوين قناعته حول موضوع النزاع واقتراح مشروع حل على الأطراف[17]، فقد يضطر إلى استدعاء شخص يرى أن حضوره قد يفيد في حل بعض ملابسات النزاع[18].

  • انتداب الخبراء

بالإضافة إلى الصلاحيات التي منحها المشرع للوسيط، يمكنه كذلك القيام بكل خبرة من شأنها أن توضح النزاع وذلك حسب ما ينص عليه الفصل 327.68 في فقرته الثالثة.

و يمكن  القول أن الخبرة  هي: “كل إجراء للتحقيق يعهد به الوسيط إلى شخص مختص -ينعت بالخبير-  للقيام بمهمة محددة تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحثها أو إبداء رأي فيها علما أو فنا لا يتوفر في الوسيط خاصة أو في الشخص العادي عامة” [19]. فالخبرة التي يقوم بها الوسيط بمعية شخص مختص يكون الهدف من وراءها معرفة المسائل التقنية والفنية المحيطة بموضوع النزاع والتي يستعصي على الوسيط أو  على الشخص العادي التعرف عليها.

ثانيا: إلتزامات الوسيط.

إذا كان المشرع قد منح الوسيط مجموعة من الصلاحيات، فإنه كذلك فرض عليه عدة إلتزامات بمقتضى نصوص قانونية، إذ ألزمه بكتمان السر المهني (أولا)، كما أن قبوله للمهمة المسندة إليه من قبل الأطراف يفرض عليه ضرورة إعلامهم بهذا القبول (ثانيا)، ولا يجوز له التخلي عن مهمته (ثالثا) إلا في حالة استثنائية.

  • الإلتزام بالسرية

الوسيط يجب عليه أن يخبر[20]  الأطراف منذ اللقاء الأول أن كل ما سيجري أثناء مراحل الوساطة من حوارات وتبادل للمعلومات والوثائق تبقى محاطة بالسرية التامة،و الحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة أثناء إجراءات ومراحل الوساطة يدخل في إطار الحفاظ على السر المهني. والوسيط يلزم بعدم إفشاء المعلومات أكثر ما يسمح له به الطرف المعني، إذ أنه عندما تنتهي الوساطة بفشل المفاوضات قد يصبح أي طرف متضررا بسبب إفشاء لهذه المعلومات[21].

وتفاديا لهذا الإشكال نص المشرع في الفصل 327.66 على أنه يلزم الوسيط بكتمان السر المهني بالنسبة للغير، ووعيا من المشرع بخطورة الآثار التي تترتب عن إفشاء المعلومات، فقد عاقب الوسيط طبقا لمقتضيات القانون الجنائي ورتب على ذلك المسؤولية الجنائية المتعلقة بكتمان السر المهني[22] .

  • إعلام الأطراف بقبوله المهمة المسندة إليه.

طبقا للفقرة الثانية من الفصل 327.27  من قانون 08_ 05التي تقضي بأنه: “يجب على الوسيط فور قبوله المهمة المسندة إليه، أن يخبر بذلك الأطراف في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل، أو بواسطة مفوض قضائي.

انطلاقا من هذه الفقرة فالمشرع استعمل صيغة الإلزام بقوله: “يجب”، فالوسيط بمجرد قبوله للمهمة المسندة إليه من قبل الأطراف، إلا ويكون ملزما بإخبارهم بهذا القبول وذلك من خلال إعلام الطرفين للإستعداد لبدئ إجراءات الوساطة.

  • عدم التخلي عن المهمة المسندة إليه.

من بين إلتزامات الوسيط كذلك عدم التخلي عن مهمته في العمل على التوفيق بين أطراف النزاع، ووجهات نظرهم حول موضوع النزاع، وقد أورد المشرع بعض الإستثناءات التي يجوز فيها للوسيط التخلي عن مهمته والتي تتلخص في:

  • إعفاء الأطراف للوسيط من مهمته.
  • انصرام الآجال – 3 أشهر – دون التوصل إلى حل[23].
  • إذن القاضي بذلك طبقا للحالات التي أوردها المشرع في الفصل 327.64 المحال عليه في الفصل 327.67 من القانون 05/08.

من خلال كل ما سبق يتبين أن ضمانات انعقاد اتفاق الوساطة، تجمع بين ما هو قانوني وعملي يقع على الوسيط من جهة، وكذلك مساهمة الأطراف في رغبتهم في العمل بهذه الوسيلة واتخاذها طريقا لحل النزاع من جهة أخرى.

المطلب الأول: مباشرة عملية الوساطة الإتفاقية          

لا يمكن للوساطة أن تقوم كوسيلة بديلة لفض النزاعات التي تنشأ بين الأطراف، إلا بإحترام القائم بها -الوسيط- “للمراحل المسطرة لها (الفقرة الأولى) ووفق مبادئ مؤطرة (الفقرة الثانية) حتى يتم القيام بإجراءاتها بشكل سليم.

 

الفقرة الأولى: مراحل الوساطة الإتفاقية

وفي هذا الإطار نظم المشرع المغربي في الفصل 327-86  من قانون المسطرة المدنية الإجراءات المحددة لمسطرة الوساطة [24] فغالبا ما يتم إجمال هذه  المراحل في أربعة  وتتمثل  في:

   أولا- مرحلة المقدمة والإعداد للوساطة

عملا بالفقرة الثانية للفصل 327-67 من قانون 08-05 يتعين على الوسيط بمجرد قبول مهمته، أن يخبر الأطراف بذلك في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي، يطلعهم فيها عن تاريخ بدء عملية الوساطة[25].

وتشمل هذه المرحلة ثلاث نقاط أساسية :

تتمثل الأولى في شرح مسار الوساطة وإلتزامات كل من الوسيط والأطراف وتحديد الأهداف وبيان القواعد التي تحكم سير جلسات الوساطة، أي القواعد التي يجب الإلتزام بها في الوساطة من عدم مقاطعة الحديث والإحترام المتبادل بين الأطرف واحترام سرية التفاوض.

وتتعلق الثانية، بتقييم مدى قابلية النزاع للحل عن طريق الوساطة ووضع الأرضية الأساسية للعمل وتحديد دور كل طرف في النزاع، بمعنى التوقيع على إتفاق الوساطة في أي شكل من الأشكال، التي تطلبها القانون رقم 08-05. وعلى الإنخراط[26] الرسمي فيها، والإتفاق على الأتعاب وطريقة أدائها في حالة ما إذا كان في إطار وساطة حرة، عكس الوساطة المؤسساتية التي تحدد رسوم وأتعاب الوساطة وفقا للجدول الجاري به العمل[27] .

أما الثالثة، فتتمثل في شرح آلية الوساطة من دور ومهمة الوسيط فيها وقراءة المذكرات والحجاج الداعمة لموقف كل طرف، وتحديد مكان وزمان الأشغال الحضرية للوساطة التمهيدية، وتوفير المناخ المناسب للتفاوض[28].

ثانيا – محل افتتاح الوساطة والشروع فيها

تشمل هذه المرحلة إستقبال الأطراف وتوفير قاعات للإجتماع المنفرد والجماعي بهم، حيث تقام جلستان في هذه المرحلة يعقدهما الوسيط وهما[29]  :

  • جلسة أولى مشتركة يحضرها جميع الأطراف ومحاميهم، ويستهلها الوسيط بتقديم فكرة عن مهمته ويحث الطرفين على الإلتزام بالموضوعية والجدية والصراحة في بسط وجهات نظرهما، واغتنام الفرصة للتوصل إلى حل متفق عليه للنزاع.
  • أما الجلسة الثانية، فيعقدها الوسيط منفردة مع كل طرف على حدة مباشرة بعد رفع الجلسة المشتركة الأولى حيث يبدأ بجلسة منفردة مع المدعي ومحاميه والتي لا تتجاوز مدتها ربع أو نصف ساعة على الأكثر، ويطلب فيها منهما حصر الطلبات النهائية والتي سيقوم بعرضها على طرف المدعي عليه ومحاميه في جلسة منفردة معهما، يستمع فيها لردهم أو بالأحرى عرضهما المقترح لحل النزاع[30].

مما تجدر الإشارة إليه في هذه المرحلة هو أن الوسيط فقط يستمع إلى وجهات النظر المتباينة للأطراف، ويسعى إلى تحديد مواضيع الإتفاق والإختلاف ما بين طرفي النزاع، وعليه يكون الوسيط قد كون فكرة أولية ولو نسبية في هذه المرحلة عن وقائع النزاع، وعن كيفية التعامل مع الأطراف للوصول إلى حل رضائي.

ثالثا – مرحلة دراسة النزاع و التفاوض

تعتبر هذه المرحلة من المراحل الأساسية للوساطة، حيث يتجلى فيها الدور الكبير للوسيط، يتم خلالها توفير أرضية لحل النزاع، من خلال عقد اجتماعات سواء فردية أو جماعية، يتم فيها التطرق لمواضيع النزاع إما جميعها أو تجزئتها إلى نقاط، إذ يعمل الوسيط بعد أخذه موافقة الأطراف، وطبقا للصلاحيات المخولة له[31]، إلى الإستماع إلى الأغيار الذين يقبلون ذلك. فدور الوسيط يكتفي بتشجيع الأطراف على تسوية موضوع النزاع بينهما، بأي طريقة يراها مناسبة دون أن يكون له أي سلطة لفرض تسوية على الطرفين. و في آخرها، يجب أن يكون الوسيط قد حدد طلباته ومواقفه، لينتقل إلى مرحلة حاسمة ألا وهي تحفيز الأطراف لإستحداث بعض الخيارات وتقديم بعض الإقتراحات كحلول للنزاع.

رابعا- مرحلة الإتفاق وتسوية النزاع:

هي المرحلة النهائية التي يتم فيها النطق بالحل، سواء نجحت أو فشلت الوساطة، إذ يعقد الوسيط أولا جلسة يستعرض فيها نتائج مهمته، فإذا ما انتهت المهمة بإتفاق الطرفين على حل حبي، فإن هذه الجلسة تخصص للتوقيع على وثيقة صلح كتابية تحرر لهذه الغاية من طرف الوسيط فورا، تتضمن  وقائع النزاع وكيفية حله وما توصل إليه وما اتفق عليه الأطراف على الشكل الذي يضع حدا للنزاع القائم بينهم ويتفق مع القانون المنظم للوساطة، ويتسلم كل طرف صورة منها ثم يتم تبادل النهاني وعبارات التقدير.

أما في الحالة الأخرى، التي تكون فيها النتيجة سلبية ويتعذر الوصول إلى حل حبي للنزاع، فالوسيط يقوم بتسليم وثيقة عدم وقوع صلح التي تحمل توقيعه للأطراف، مع تأكيده على سرية كل ما راج في كافة مراحل الوساطة، وعدم إمكانية التمسك به أمام المحكمة، في حالة لجوء الأطراف إلى القضاء[32]

الفقرة الثانية: المبادئ المؤطرة لسير الوساطة

إن الوساطة تبقى فارغة من محتواها ما لم تحترم مجموعة من المبادئ، والتي لم ينص عليها المشرع، إنما تستمد شرعيتها من تلك المبادئ المتعارف عليها في التقاضي، والمكرسة لحقوق الأطراف المتنازعة، فالوسيط يجب عليه احترام حقوق دفاع الأطراف المتنازعة (أولا)، بحضور الأطراف (ثانيا) واحترام مبدأ  الوجاهية (ثالثا).

اولا : احترام حقوق دفاع

يقصد بحقوق الدفاع بوجه عام، مختلف الضمانات التي قررها قانون النظام القضائي وقوانين المسطرة لصالح المتقاضين لعرض ادعاءاتهم ومزاعمهم أمام القضاء، وبإعتبار الوساطة تتم خارج أسوار القضاء، فإن احترام حقوق الدفاع يبقى أمرا ضروريا، إذ يمكن لأي طرف الإستعانة بمحام[33] أو بأي خبير خلال مراحل الوساطة، وهذا يساهم في التوصل إلى حل للنزاع.

إلا أن التساؤل الذي يثار في هذا الصدد، يتعلق بدور المحامي فيما كان وكيلا عن الأطراف أم مساعد لهم فقط، و رغم اختلاف الآراء في هذا الصدد فإنه يمكن القول أن دور المحامي لا يعتبر وكيلا ولا ممثلا لأحد الطرفين،[34] وإنما يعمل فقط على مساعدة الطرف المعني ويقدم له النصح فيما يخص اتخاذ القرار المناسب من عدمه، والإستعانة بمحام يزيد من فرص التوصل إلى حل مادام دوره خلال أطوار الوساطة يبقى ايجابيا[35] وذلك كما يلي:

  • قبل بدأ إجراءات الوساطة الإتفاقية

يعمل المحامي خلال هذه الفترة على تفسير مسلسل الوساطة لزبونه، وإشعاره بأهم مميزات الوساطة وتحديد الدور المنوط بكل طرف خلال بدء المفاوضات، وكذا التفسير لزبونه الدور الذي سيقوم به الوسيط، وأنه ليس حاكما قضائيا بل يعتبر بمثابة مسهل للحوار فقط، وأن يضع الزبون في موقع الطرف الآخر لكي يستطيع تفهم موقف هذا الأخير.

ب-  أثناء مفاوضات الوساطة الإتفاقية

  • ترك فرصة للزبون لعرض نزاعه بنفسه، وتحديد الأهداف والمصالح التي يرغب في الحصول عليها، والحاجيات التي يريد التوصل بها من وراء الإتفاق.
  • مساعدة الزبون على تبادل الإقتراحات المختلفة مع الطرف الآخر.
  • الإلمام بنقط القوة والضعف لكل طرف، و تقديم الأدلة التي يستند إليها كل منهم.

ثانيا: احترام مبدأ الوجاهية.

مبدأ الوجاهية يفرض على الوسيط ضرورة إعطاء الفرصة لكل طرف من أطراف النزاع، للإطلاع على جميع الوثائق والمستندات التي يستند إليها الطرف، كل بحث أو إجراء تحقيق يقوم به الوسيط إلا ويجب أن يكون خاضعا للمناقشة بين جميع الأطراف.

و لهذا يمكن القول إن مبدأ الوجاهية[36] هو من المبادئ الأساسية لتكريس وساطة فعالة وناجحة،  حماية لحقوق الأطراف وهو ما يعزز مبدأ حياد الوسيط، ويساعده على معرفة حجج كل طرف ليتمكن في الأخير من اقتراح مشروع حل على الطرفين من خلال حضورهم جلسات الوساطة.

ثالثا: مبدأ الحضورية

يشترط حضور الخصوم جلسات الوساطة كل على حدة، هذا على خلاف ما يتم خلال مسطرة الصلح القضائي، إذ أن هذا الأخير قد يتم بحضور الأطراف أو الإكتفاء بحضور موكليهم مع حصوله على وكالة خاصة لقبول الصلح[37]..

ولهذا الغرض فرض المشرع على الوسيط ضرورة إخبار الأطراف، بمجرد قبوله للمهمة المسندة إليه يتضمن هذا الإخبار تاريخ ومكان الجلسات. ومبدأ الحضورية[38] لا يقتصر على الأطراف فقط بل من الممكن كذلك حضور محامي كل من الطرفين خاصة وأن هذا الحضور قد يساهم في التقريب بين وجهات النظر المختلفة للأطراف المتنازعة.

المبحث الثاني: اختتام جلسات الوساطة والآثار المترتبة عنها

تهدف الوساطة إلى بناء جسر من التوصل بين أطراف[39] النزاع تكون مادته الأساسية الحوار البناء، فالأطراف تحاول بمعية الوسيط إلى تقريب الزوايا وتوحيدها بغية الوصول إلى حل ودي عبر التفاوض الجاد حول العناصر الأساسية للحل، ويعمل من خلاله الوسيط جاهدا على إنجاحه لتكلل مجهوداته أحيانا بتوافق الأطراف المتنازعة على حل حبي، وأحيانا ينتهي المسلسل بفشل الوسيط في إيصال الأطراف إلى تراضي عليه.

وعليه فمسألة نجاح نظام الوساطة، رهين بنقطتين أساسيتين تتعلق الأولى بوجود ترسانة قانونية متكاملة ومحكمة، تنظم إليه الوساطة ولا تقبل التأويل أو التفسير الخاطئ، أما ثانية، فتتعلق بمدى حجية مقرر ونفاذ الحل الناتج عن الوساطة بين الأطراف[40]  .

وبناء على ذلك تقتضي منا دراسة هذا المبحث تقسيمه إلى مطلبين، نتطرق في (المطلب الأول) لنتائج الوساطة على أن نخصص (المطلب الثاني) لمدى حجية مقرر الوساطة.

المطلب الأول:  نتائج الوساطة.

بعد استيفاء وانتهاء مراحل الوساطة ، فإنها قد تنتهي بفشل الأطراف في التوصل إلى حل بينهم، كما أنها قد تنتهي بنجاح الأطراف في صياغة حل نهائي وذلك في حالة الإتفاق فيما بينهم (الفقرة الأولى)، وهذا الإتفاق يفرض على الوسيط تحريره في وثيقة صلح بين الطرفين تتضمن العديد من البيانات الأساسية التي نص عليها المشرع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: نتائج الوساطة الإتفاقية

إن الوساطة قد تتوج بفشل الأطراف في التوصل إلى حل بينهم (أولا) كما أنها قد تنتهي بنجاح الأطراف في صياغة حل نهائي وذلك في حالة الإتفاق فيما بينهم (ثانيا).

أولا: فشل الوساطة الإتفاقية

إن فشل الوساطة يتم عندما لا يتمكن الوسيط من تسوية النزاع كليا أو جزئيا خلال المدة القانونية، بسبب وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، لا يمكن معها للأطراف الاستمرار في النقاش، نظرا لعدم تقارب وجهات نظرهم حول النزاع، او بسبب تغيب الخصوم وعدم متابعتهم لإجراءات الوساطة. إذ ان الوسيط في هذه الحالة يخبر الأطراف بهذا الفشل[41] ويشعرهم بأن ما أدلوا به خلال مراحل الوساطة من تصريحات أو وثائق لا يمكن التمسك بها أمام أي جهة أخرى وتبقى محاطة بالسرية تامة، في هذه الحالة يسلم الوسيط للأطراف وثيق عدم وقوع الصلح.

ثانيا: نجاح الوساطة الإتفاقية

إن الوساطة تتوج بالنجاح من خلال اتفاق الأطراف فيما بينهم حول نقط الخلاف، ويتحقق هذا النجاح بانخراط كل طرف في المفاوضات بشكل جدي. وهذا الاتفاق قد يكون كليا أو جزئيا بإتفاقهم على بعض النقط واختلافهم على بعضها[42]،  وقد نص المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 327-68  “على أن الصلح الذي توصل إليه الأطراف يخضع للقسم التاسع من الكتاب الثاني لقانون الإلتزامات والعقود المنظم للصلح، وبالرجوع إلى هذا القسم نجد إن الفصل 1110 منه يعطي لكل طرف من طرفي الصلح التحلل من التزامه، إذا لم يقم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه مع حفظ حق الأول في طلب التعويض وهذا يسري على الوساطة أخذا بمفهوم الموافقة، كما أن فسخ الصلح يعيد هؤلاء إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام عقد الوساطة.

الفقرة الثانية: مشتملات وثيقة الصلح وقيمتها القانونية

إن نجاح الأطراف في التوصل إلى اتفاق بينهم يخول لهم تحرير هذا الأخير على شكل وثيقة صلح تتضمن العديد من البيانات الأساسية (أولا)، إلا أن السؤال الذي يطرح يتعلق بالقيمة القانونية لهذه الوثيقة (ثانيا).

أولا: مشتملات وثيقة الصلح

إن هدف الوساطة هو توصل الأطراف إلى حل لنزاعهم بمساعدة الوسيط، وهذا الحل يتم توثيقه في وثيقة تدعى وثيقة الصلح أو ما يصطلح عليه بعقد الصلح[43] يحررها الوسيط ويجب أن تتضمن مجموعة من البيانات[44]  تحت طائلة البطلان :

_ يتضمن وقائع النزاع وذلك بذكر حيثيات النزاع وما توصل و اتفق عليه لأطراف و ذكر أسمائهم.

_ توقيع الأطراف والوسيط في هذه الوثيقة

كما يمكن أن تتضمن وثيقة الصلح بالإضافة إلى البيانات السابقة التي نص عليها المشرع اسم المحامي الذي شارك في إجراءات الوساطة، وكذلك الخبراء…، وعلى العموم كل بيان يرى الأطراف أنه قد يكون محل نزاع مستقبلا لحظة تنفيذ الإتفاق.

وعليه فالمشرع المغربي لم يفرض في هذه الوثيقة أن تكون مكتوبة و استبعاده لكل اتفاق الصلح قد يتم شفاهيا.

ثانيا: القيمة القانونية لوثيقة الصلح

نص المشرع المغربي في الفصل 327.69 من قانون 08-05 بأن الصلح الذي توصل إليه الأطراف يكتسي قوة الشيئ المقضي به بين الطرفين، أي أنه يعتبر نهائيا ويلزم كل طرف بتنفيذ ما إلتزم  به في هذا الإتفاق. وأضاف المشرع أنه يمكن أن يديل الإتفاق بالصيغة التنفيذية، إلا أنه لم يستعمل صيغة الإلتزام بقوله “يمكن”[45] ، إذ يبقى هذا حسب إرادة الأطراف واتفاقهم، فإن إلتزم كل طرف بتنفيذ ما إلتزم به فلا حاجة إلى هذا الإجراء، و هذا سيسرع من تنفيذ الإتفاق.

المطلب الثاني:  حجية مقرر الوساطة

إن اتفاق الصلح الناتج عن الوساطة متى حاز قوة الشيء المقضي به، فإنه يحول دون قيام الأطراف برفع دعوى أمام القضاء للنظر في نفس النزاع الذي فصلت فيه الوساطة، ولذلك حجية مقرر الوساطة مرتبط أساسا بدور القضاء في مراقبة اتفاق التسوية الناتج عن الوساطة وذلك من خلال تشجيع القضاء على سلوك مسطرة الوساطة(الفقرة الأولى) وكذلك بتذيل اتفاق الصلح بصيغة التنفيذية (الفقرة الثانية).

الفقرة لأولى: دور القضاء قبل الوساطة

تشجيعا على اللجوء إلى الوساطة، وتلافيا لأي غموض أو تضارب في العمل القضائي بشأن اللجوء إلى القضاء رغم وجود اتفاق وساطة، فقد نص القانون على حلول واضحة بهذا الخصوص[46]. ويتم التمييز في هذا الصدد بين حالتين:

  • اللجوء إلى القضاء أثناء سريان مسطرة الوساطة

في هذه الحالة يجب على المحكمة المحال عليها نزاع في مسألة أبرم الأطراف في شأنها اتفاق الوساطة؛ أن تصرح بعدم قبول الدعوى إلى حين استنفاذ مسطرة الوساطة،  أو بطلان اتفاق الوساطة ويتعين  أن يثير الطرف المعني الدفع بعدم القبول ولا يجوز للمحكمة أن تصرح بعدم القبول تلقائيا.

  • حالة اللجوء إلى القضاء قبل عرض النزاع على الوساطة

إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الوسيط، ورغم ذلك تم رفع القضية إلى القضاء فإنه يجب على المحكمة أيضا أن تصرح بعدم قبول الدعوى[47] . هذا ما لم يثبت للمحكمة كون اتفاق الوساطة باطلا بطلانا واضحا فإنها تستمر آنذاك في نظر الدعوى لإنعدام موجب عدم القبول.

وفي هذه الحالة الثانية يتعين كذلك أن يثير الطرف المعني الدفع بعدم القبول، ولا يجوز للمحكمة أن تصرح بعدم القبول من تلقاء نفسها، كما أنه يجوز للمحكمة أن تحدد بطلب من الطرف الذي رفع  الأمر إليها، الأجل الأقصى الذي يجب أن تبدأ فيه الوساطة تحت طائلة بطلان الإتفاق وذلك تلافيا لتماطل في أعمال اتفاق الوساطة. وكما سلف بيانه فإنه لا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين المذكورتين أعلاه أن تصرح تلقائيا بعدم القبول[48]

الفقرة الثانية: دور القضاء بعد مسطرة الوساطة

بعد استيفاء اتفاق الصلح لجميع عناصره من تحرير وثيقة الصلح والتوقيع عليها، تصبح هذه الوثيقة قائمة بذاتها وتكتسب قوة الشيء المقضي به بمجرد صدورها، إلا أنه لا يمكن تنفيذها جبرا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية لها.

وعليه فقد اسند المشرع المغربي في فقرته الثانية من الفصل 327-69 من قانون المسطرة المدنية مهمة النظر في طلبات تذييل الصلح الناتج عن الوساطة بالصيغة التنفيذية إلى رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في موضوع النزاع، غير أن موضوع الجهة القضائية المختصة في تذييل اتفاقات الصلح  بالصيغة التنفيذية يثير إشكالية قانونية لا تقل أهمية عن سابقتها وهي مدى إمكانية إصدار القضاة للأوامر بالصيغة التنفيذية نيابة عن رئيس المحكمة المختصة؟

إذا ما علمنا أن النص القانوني لا يسعف عن ذلك، بحيث انه لم يتيح لنواب رئيس المحكمة مباشرة هذه المسطرة، فلو كانت إرادة المشرع تنصرف إلى قبول هذه النيابة لنص في المقطع الثاني من الفصل المذكور على ما يلي”فإن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه ما لم يرد خلافا ذلك” [49]

وبرغم من وجود هذه الثغرة القانونية، فإن أحد الإجتهادات القضائية الصادرة عن المحكمة الإستئناف بالقنيطرة (رغم أنها خاصة بالتحكيم إلا أنه يمكن القياس عليها بالنسبة للوساطة)  قد ذهبت الى قبول الأوامر القضائية المتعلقة بالتنفيذ التي تصدر عن القضاة نيابة عن الرئيس بصفتهم هذه، وهذا ما يؤخذ من الحيثية التالية:

“العبرة برئيس المحكمة المخول له السلطة للأمر بتذييل حكم المحكمين بالصيغة التنفيذية ليس فقط لمن هو معين على رئيس المحكمة بل تمتد هذه السلطة لمن ينوب عنه”[50].

وتجدر الإشارة إلى أن تذييل بالصيغة التنفيذية، يخول ضمان مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري وبهذا يختلف عن الصلح المعقود بين الأطراف في إطار الصلح العادي عن الصلح الذي يتم عبر وسيط طبقا للمقتضيات القانونية الخاصة بالوساطة الإتفاقية، حيث يمكن للصلح المبرم في هذا الإطار أن يذييل بالصيغة التنفيذية، وهو مالا يتيحه الصلح المبرم في إطار عادي بين الطرفين تلقائيا ودون تدخل الوسيط[51].

خاتمة :

وخلاصة القول فإن الوساطة باعتبارها إحدى الوسائل البديلة لفض المنازعات ، فإنها بالفعل وسيلة واعدة، حيث إن العديد من النظم القانونية المعاصرة قد أصبحت تدرك الفائدة المادية التي يمكن أن تتحقق بفضل الأخذ بها لحل كافة المنازعات التي تقع أو قد تقع بين الأفراد، واعتماد المشرع المغربي قانون المتعلق بالوساطة الإتفاقية يكون قد أضاف لبنة في بناء العدالة التعاقدية، كما يعتبر هذا القانون إلا تعبير منه عن رغبته في الدفع بهذه الوسيلة إلى الأمام لأجل تحقيق الأهداف المتوخاة منها والتي تبقى صعبة ما لم يتم توفير كل الوسائل المالية والمادية لتفعيل هذا القانون على أرض الواقع.

قائمة المراجع :

  • عبد المجيد غميجة : نظام الوساطة لاتفاقية بالمغرب, المجلة المغربية للوساطة والتحكيم, العدد 4السنة
  • محمد اطويف : الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل   ,طبعة   2016 , دار النشر المعرفة , مطبعة المعارف الجديدة CTP –الرباط .
  • الأنصاري حسن النيداني : الصلح القضائي دراسة تأصيلية و تحليلية لدور المحكمة في الصلح و التوفيق بين الخصوم، ط 2001 .
  • -طارق زهير ,الوسائل البديلة لفض النزاعات التجاري الطبعة لأولى 2019 الدار النشر المغربية –عين سبع الدار البيضاء .
  • توفيق عزوي : الوساطة في نزاعات الشغل , مقال منشور بالمجلة المغربية للوساطة و التحكيم  ,العدد 4 , السنة 2009.
  • محمد المجدوبي الإدريسي : إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، ط 1996 مطبعة الكاتب العربي دمشق .
  • د. عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية, الطبعة الخامسة/ مارس 2008.
  • محمود جمال الدين زكي : الخبرة في المواد المدنية و التجارية، مطبعة جامعة القاهرة طبعة 1990.
  • سارية النور عثمان حسن: الوسائل البديلة في تسوية المنازعات التجارية، بحث تكميلي لنيل الماجستر في القوانين، لسنة 2017/2018.
  • طلعت حسن القيسي : مراجعة مهد أبو النسر تنقيح أومن باليان، أسامة صفا، مهارات تطبيقية في حل النزاعات، الجزء الأول.
  • بنسالم اوديجا : الوساطة كوسيلة البديلة لفض المنازعات، بحث تأهيل في إطار دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني المقارن، شعبة القانون الخاص، كلية الحقوق جامعة محمد الخامس الرباط .
  • محمد بابا : التحكيم التجاري الدولي في منازعات الملكية الصناعية, رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ,جامعة محمد الخامس – السويسىي الرباط ,سنة

[1]– بوزنة ساجية: الوساطة في ضل قانون الإجراءات  المدنية والإدارية, مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ,لسنة 2011/2012 ،الصفحة: 7.

 [2]سارية النور عثمان حسن: الوسائل البديلة في تسوية المنازعات التجارية، بحث تكميلي لنيل الماجستر في القوانين، لسنة 2017/2018،الصفحة : 8.

[3]– طلعت حسن القيسي : مراجعة مهد أبو النسر تنقيح أومن باليان،  أسامة صفا، مهارات تطبيقية في حل النزاعات، الجزء الأول، الصفحة : 117(دون سنة طبعة و لا دار النشر).

[4]– الصادر بمقتضى الظهير الشريف 1.07.169 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 05/08 القاضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية, منشور بالجريدة الرسمية ,عدد 5584 في 6 دجنبر 2007.

[5] محمد أطويف: الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل ,طبعة 2016  ,مطبعة المعارف الجديدة  ctp) ) – الرباط  دار النشر المعرفة، الرباط ,الصفحة: 331.

[6] محمد اطويف :مرجع سابق,الصفحة : 332 .

[7] – الفصل  32- 67  من قانون 08-05  المتعلق بالتحكيم و الوساطة لاتفاقية .

[8] – بنسالم اوديجا : الوساطة كوسيلة البديلة لفض المنازعات، بحث تأهيل في إطار دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني المقار ، شعبة القانون الخاص، كلية الحقوق جامعة محمد الخامس الرباط , الصفحة 327.

[9]– محمد بابا : التحكيم التجاري الدولي في منازعات الملكية الصناعية, رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ,جامعة محمد الخامس  – السويسىي الرباط ,سنة  2004 ,الصفحة : 37 .

[10] -قرار منشور بمجلة القصر  ,العدد 2 سنة 1957 , الصفحة : 216.

[11] -المختار احمد العطار :الوسيط في القانون المدني مصادر لالتزامات, الطبعة لأولى 2002, الصفحة : 171 .

[12] – و بالتحديد كل من الفقرة الثالثة من الفصل 327.67 في فقراته الأولى و الثانية و الثالثة من القانون رقم 05/08.

[13]–  في الفصل 327.68 في فقراته الأولى و الثانية و الثالثة من القانون رقم 05/08.

[14]– و هذه الغاية تتأتى من خلال إكثار الأسئلة على الأطراف خاصة السؤال المبتكر و الخلاق الذي يستجيب لمصالح الأطراف.

[15]– لأن شهادة من له صلة بأطراف النزاع لا تأخذ بعين الاعتبار لأن الشاهد يشهد عن محاباة و تحيز بحكم العلاقة التي تربطه بمن يشهد لصالحه، و الذين قد تربطهم علاقة قرابة أو مصاهرة أو علاقة عمل…

[16]-محمد المجدوبي الإدريسي : إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، ط 1996 مطبعة الكاتب العربي دمشق, الصفحة:147.

 [17]- الفقرة 54 من الفصل 327.68 : ” … يقترح الوسيط عند انتهاء مهمته على الأطراف مشروع صلح…”

[18]– د. عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية, الطبعة الخامسة/ مارس 2008, الصفحة: 377.

[19]– محمود جمال الدين زكي : الخبرة في المواد المدنية و التجارية، مطبعة جامعة القاهرة طبعة 1990,الصفحة : 11-12.

[20] محمد اطويف مرجع سابق  ,ص : 341 .

[21]-أنظرالموقع التالي :                                                                                                         www.membres.lycos.fr

[22]– و المنصوص على أحكامها في الفصل 442 و ما بعد من القانون الجنائي المغربي.

[23]– ينص الفصل 327.65 على أنه : ” يحدد الأطراف مدة مهمة للوسيط في أول الأمر دون أن تتجاوز أجل 3 أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته.

 

[24]– ترجع عدم التفصيل في إجراءات مسطرة الوساطة مثل ما تم  بشان التحكيم إلى أن دور الوسيط مقصور على تدير الحوار و التوصل إلى حل بين الطرفين , ولذلك لا توجد حاجة إلى ضمانات إجرائية من النوع المتطلب في التحكيم الذي يصدر فيه المحكم  حكما تحكميا مثله في ذلك كثل القاضي .

[25]– بنسالم اوديجا،مرجع سابق, الصفحة: 114.

[26] – الفصل  327-57 من قانون 08-05.

[27]– دليل المركز الدولي للوساطة  و التحكيم بالرباط , الصفحة :  7.

[28]– توفيق عزوي : الوساطة في نزاعات الشغل  , مقال منشور بالمجلة المغربية للوساطة و التحكيم  ,العدد 4 , السنة 2009. الصفحة : 87.

[29]– محمد سلام : الطرق البديلة لتسوية النزاعات ود ورها لا تخفيف العبء عل القضاء وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية, الصفحة: 80.

[30]– محمد اطويف : الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل مطبعة المعارف الجديدة CTP- الرباط الطبعة 2016 , الصفحة : 348.

[31]– في كل من الفقرتين 2-3 من قانون 08-05.

[32]– محمد  سلام: مرجع.سابق، الصفحة : 80.

[33]– هذا ولا يمكن للمحامي أن يمارس مهامه كمحام لأحد الطرفين ووسيطا بينهم في نفس الوقت.

[34] – أن يساعد الطرف فقط عكس ما هو عليه في النظام القضائي إذ يعتبر وكيلا عن موكله.

[35]  محمد أطويف: مرجع سابق، الصفحة :  351.

[36]-محمد أطويف, مرجع سابق ,الصفحة: 352.

[37]– د. الأنصاري حسن النيداني : الصلح القضائي دراسة تأصيلية و تحليلية لدور المحكمة في الصلح و التوفيق بين الخصوم، ط 2001، الصفحة : 298 و ما بعدها.

[38]– محمد اطويف :مرجع سابق, الصفحة :  353.

[39]-طارق زهير ,الوسائل البديلة لفض النزاعات التجاري الطبعة لأولى 2019 الدار النشر المغربية –عين سبع الدار البيضاء الصفحة : 122.

[40]-محمد اطويف ,مرجع سابق, الصفحة :  354.

[41]– إذ نص المشرع في الفقرة 7 من الفصل 327.68 من القانون 05/08  على أنه ” في حالة عدم وقوع الصلح لأي سبب من الأسباب فإن الوسيط يسلم وثيقة عدم وقوع الصلح التي تحمل توقيعه للأطراف”

[42]– نص المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 327.68 على أن الصلح الذي توصل إليه الأطراف يخضع للقسم التاسع من الكتاب الثاني لقانون الالتزامات و العقود المنظم للصلح.

[43] – الفصل  1098من قانون لالتزامات و العقود الصلح بأنه “عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما آو يتوقعان قيامه وذلك بتنازل كل منهما   “للأخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا.

[44]– الفقرة 5 و 6  من الفصل 327.68 من القانون 05/08.

[45]– الفصل 327.69  من القانون 05/08 ينص : ” … و يمكن أن يذيل بالصيغة التنفيذية … ” .

[46]– الفصل327-64 من قانون المسطرة المدنية .

[47] محمد اطويف : الطرق البديلة  لتسوية نزاعات الشغل   ,طبعة   2016 , دار النشر المعرفة , مطبعة المعارف الجديدة CTP –الرباط, ص: 361.

[48] -عبد المجيد غميجة : نظام الوساطة لاتفاقية بالمغرب, المجلة المغربية للوساطة و التحكيم, العدد 4السنة  2009 , الصفحة : 16 .

[49] – لفصل 327-69 من قانون المسطرة المدنية.

 

[50] – قرار محكمة لاستئناف بالقنيطرة ملف مدني عدد 93/3169 صادر بالتاريخ  1995/10/10   أورده :

ناصر بلعيد و كريم  بنموسي : دور القضاء في مسطرة التحكيم   , المعهد العالي للقضاء, بحث نهاية التمرين الملحقين        الفضائيين الفوج  34, السنة 2009/200, الصفحة :  61.

[51] – ينص الفصل 110 من قانون لالتزامات والعقود على انه “إذا لم ينفذ احد الطرفين لالتزامات التي تعهد بها  بمقتضى الصلح حق للطرفين أن يطلب تنفيذ العقد إذ كان ممكنا و إلا كان له الحق في طلب الفسخ مع عدم لإخلال بحقه في التعويض في كلتا الحالتين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى