في الواجهةمقالات قانونية

‪سلطة القاضي في تفسير و تأويل عقد البيع

 

‪سلطة القاضي في تفسير و تأويل عقد البيع

إعداد الطالب الباحث : عبدالقادر بالطيب

مقدمة:

عادة ما يشار إلى المدارس الفكرية والفلسفية وذلك لبيان خصوصيتها في البحث عن معاني وحقيقة الأشياء، وفعلا تعتمد كل مدرسة رؤية ومنهج خاص بها للكشف عن جوهر الموجودات وطبيعتها.

وعلى ضوء ما تقدم فإن القاضي ليس بمعزل عما تعمل به المدارس الفكرية والفلسفية من أجل الكشف عن حقيقة العقود المعروضة عليه نتيجة نشوء نزاع حول تنفيذها، وتبعا لذلك يعد تفسير عقد البيع من أهم المسائل التي تثار عند تنفيذه.

مرد ذلك كثرة عقود البيع والتي بمقتضاها تنتقل ملكية أشياء أو حقوق من أحد المتعاقدين للأخر بثمن يلتزم به وعليه فإنه لا بد من وجود طرف مدين للأخر بنقل ملكية شيء أو حق مقابل تسلمه ثمن الذي يكون دينا في ذمة الطرف الأخر.

وتتعدد هذه العقود بتنوعها من ناحية الموضوع والأشخاص، فقد يعقد الشخص لتلبية حاجياته اليومية المتعلقة مثلا بشراء المأكل والملبس فيكون العقد مدنيا واقعا على منقول له صفة استهلاكية؛ وقد يكون تكون على مستوى أعلى من الأهمية فتتم لشراء مسكن مثلا فيكون العقد مدنيا واقعا على عقار، وقد يعقدها التاجر لأغراض تجارته كشراء وبيع سلع وبضائع يعرضها فيكون العقد تجاريا.

وعليه فإن القاضي أثناء تفسيره وتأويله لهذه العقود لا يقتصر فقط على عملية التفسير فحسب وإنما يرجع أيضا للبحث في انعقاد العقد وتحري صحته، إذ لا جدوى من تفسير وتأويل العقد إلا إذا كان صحيحا، حتى يكون قابلا للتنفيذ.

وعليه يمكن القول بان التفسير والتأويل من أثار إبرام تصرفات قانونية متوفرة على عنصر الشكلية إذ من غير المتصور تأويل وتفسير عقد غير مكتوب، والأصل أن يكون مصدر عقد البيع إرادة الأطراف المتعاقدة منتجة بذلك تعمير ذمة الأطراف، على اعتبار أن عقد البيع من العقود التبادلية والملزمة لجانبين.

وفي هذا الصدد يثار موضوع دراستنا والمتمثل في سلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع الذي عادة ما يكون سابق لعملية تحديد القواعد القانونية التي تحكم العقد، ومن ثم فإن تفسير وتأويل عقد البيع يندرجان ضمن نسق منطقي موحد بحيث يأتي الأول بالضرورة قبل الثاني كمقدمة له.

إلا أنه من خلال الرجوع إلى التشريع المغربي وبعض التشريعات المقارنة نلاحظ عدم إسناد ومناقشة موضوع الاختصاص القضائي في تفسير وتأويل العقد كما يبدو أن جل التشريعات ليست لها دوافع لاستبدال القاضي بغيره في تحديد مضمون العقد، مرد ذلك اعتباره أن هذا الأخير أكثر قدرة وكفاءة للقيام بهذه المهمة ولعل ذلك راجع إلى كون القضاة أكثر خبرة من غيرهم في التعامل مع النزاعات التعاقدية.

إذن ومن خلال كل هذا يبدو أن سلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع تتعلق بالقدرة على الوصول إلى حقيقة الألفاظ والمصطلحات المستعملة في بنود العقد، وضمان استقرار المعاملات وحماية النظام العام.

وسنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال الإشكالية التالية:

ما مدى تأثر سلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع بالمبادئ التي تحكم ميدان تحديد مضمون العقد؟

وتقتضي هذه الإشكالية الإجابة عن الأسئلة التالية:

ما المقصود بالتفسير والتأويل القضائي وماهي خصوصيته تجاه عقد البيع؟

ماهي الآليات التي يعمل من خلالها القاضي لإجلاء الغموض عن بنود عقد البيع؟

ماهي مظاهر سلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع؟ وما هي حدودها؟

وللإجابة عن إشكالية البحث سنقوم بمعالجتها من خلال التصميم التالي:

المبحث الأول: مدلول تفسير وتأويل عقد البيع

المبحث الثاني: مظاهر وحدود سلطة القاضي في تأويل وتفسير عقد البيع

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: مدلول تفسير وتأويل عقد البيع

تناول قانون الالتزامات والعقود وبقية القوانين الأخرى[1] التي تطرقت إلى قواعد إجلاء الغموض عن بنود العقد تحمل بين ثناياها خلط بين تقنية التفسير والتأويل[2].

إلا أن لكل منهما أدوات وعناصر تسهم في معرفة المقصد من اللفظ تضبط كل منها زاوية من زوايا النظر التفسيري والتأويلي للعقد؛ وعليه فإننا سنعمل من خلال هذا المبحث على تبيان مفهوم التفسير والتأويل في (المطلب الأول) على أن نتناول الطرق التي من خلالها يفسر ويتأول القاضي عقد البيع في (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: مفهوم تفسير وتأويل عقد البيع

اعتمد كل من المشرع التونسي والمشرع المغربي عنونة مختلفة للقواعد المنظمة لعمل القاضي من أجل استجلاء الغموض عن بنود العقد فاستعمل الأول مصطلح في تفسير العقود، في حين استعمل الثاني مصطلح في تأويل الاتفاقات و قد عاب الفقه هذا الخلط بين المفاهيم

بداية لا بد من الإشارة إلى أن التفسير الذي نحن بصدده يهم عقد البيع على إطلاقه دون تصنيفه، إلا أنه يجب أن ننطلق في ذلك من الشروح المقدمة من الفقهاء لهذه المؤسسة على إطلاقها ونوضح من خلالها خصوصية تفسير عقد البيع.

 

 

 

الفقرة الأولى: تفسير وتأويل العقد بصفة عامة

 أولا: المقصود بتفسير العقد

التفسير لغة الكشف طبقا لما ورد في معجم المعاني الجامع فسر الأمر: وضحه، شرحه، أبانه، وضعه في صورة أبسط[3]. ووفقا لما جاء به الزركشي في كتاب علوم القرآن التفسير علم يعرف به فهم القرآن وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ[4].

وعليه يمكن القول بأن التفسير المتعلق بالعقود هو تقنية تساعد القاضي على فهم العقد وبيان معناه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة التي حرر بها العقد، وبذلك تعتبر اللغة الركيزة الأساسية التي يعمل من خلالها القاضي أثناء تفسير العقد.

وعلى اعتبار أن العقد بمثابة قانون بين طرفيه فإنه يمكن قياس عمل القاضي و هو بصدد تفسير بنود العقد على عمله و هو بصدد تفسير نص قانوني و عليه فإنه يمكن تشبيه عمل القاضي أثناء قيامه بعملية تفسير العقد بالقاضي الذي يقوم بشرح القانون متبعا مذهب الشرح على المتون فيلزم هذا المذهب القاضي بشرح و تفسير النصوص التشريعية بحسب تسلسل ورودها في القانون المفسر أو المشروح و تشبه هذه الطريقة إلى حد كبير منهج التفسير التجزيئي عند علماء المسلمين إذ يتم تفسير القرآن أية فأية بحسب ورودها في القرآن الكريم.[5]

وعليه فإنه يمكن تعريف التفسير القضائي لعقد البيع بأنه تلك العمليات الذهنية التي يقوم بها القاضي مرتكزا على المصطلحات المستعملة في بنود العقد والتسلسل الذي وردت به بغية الوصول إلى المعنى المراد حين إدراج هذا البند.

 

 

 

ثانيا: المقصود بتأويل العقد

ورد لفظ تأويل في القران الكريم من خلال 15 موضعا[6]، وقد ارتبط هذا اللفظ في القرآن بتأويل الرؤى والأحلام والأحاديث، أو تأويل الكتاب، أو ما يتعلق بعاقبة بعض الأفعال.

يراد بالتأويل عموما ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويتوصل إيه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في اللغة التي حرر بها العقد، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب اللغوية واستنباط المعاني من كل ذلك[7].

وفي هذا الصدد ذهب “فروبلفسكي” Wroblewski إلى أن التأويل في معناه الأكثر اتساعا يرادف إدراك المعنى أو المدلول، وفي معناه الواسع يرادف فهم عبارة معينة. وفي معناه المضبوط فإن التأويل يقوم عندما يكون معنى العبارة مثار شك ويتدخل لتحديد هذا المعنى بمساعدة توجيهات التأويل الخاص باللغة المتضمنة لتلك العبارة[8].

وهكذا فإن التأويل وإن كان يشكل نشاطا فكريا أو نتيجة لهذا يتمكن من خلاله القاضي من استخلاص المعنى المطلوب في التأويل من خلال قراءة كلية لمحتوى العقد بل يمكنه أن يعتمد في ذلك الظروف المحيطة بالأطراف أثناء إبرام العقد.

الفقرة الثانية: خصوصية تفسير وتأويل عقد البيع

بداية لا بد من الإشارة إلى أن القاضي وهو بصدد تأويل وتفسير عقد البيع فإن من المفترض استحضاره للصور التي يمكن أن يصاغ فيها عقد البيع ومواضيعه، ويمكن أن نستحضر منها على سبيل المثال الصور التالية:

عقد بيع تقليدي أو عقد بيع إلكتروني

عقد بيع لعقار في طور التحفيظ أو بيع عقار في صورنه العادية

عقد بيع أصل تجاري أو عقد بيع محل تجاري

عقد بيع مال القاصر أو عقد بيع مال بالغ لسن الرشد

عقد بيع جبري لأموال المدين أو عقد بيع متوفر على عنصر الرضائية …

كما يمكن أن تعرض على القاضي عقود أخرى قد تكون بيوعا بحجة التباس مضمونها، ومن ثم عليه أن يعمل على تحديد الألفاظ والمصطلحات المثيرة للخلاف بين العاقدين عن طريق تفسير وتأويل.

فمعرفة القاضي للمحتويات هذه العقود وإلمامه بهندستها القانونية تمكنه من الكشف عن القوالب اللغوية التي تقيم ما يرمي إليه طرفي عقد البيع، وتكشف عن الأثار المراد ترتيبها عن تلك الإرادة.

إذا كانت الصياغة ترتبط أساس بشكل العقد، إلا أنها لا تقف عند النواحي الشكلية من ضبط المصطلحات، وتدقيق العبارات، وملاحظة الجوانب اللغوية، وتصنيف التزامات كل من المشتري والبائع وما يترتب عنها من آثار، بل يمكن أن تمتد وتشمل الإجراءات التي تسبقه كالوعد بالبيع والوعد بالشراء وجميع ما يعتبر جزءا منه[9].

وتبعا لذلك فإن القاضي لن يقف على تفسير وتأويل المصطلحات بل يتجاوزها للوقوف على مدى مطابقتها لصورة من الصور القانونية لعقد البيع وهو ما يعبر عنه بالتكييف القضائي،[10]وعليه فإنه يمكن أن نعتبر الكشف عن المعاني الحقيقية للعبارات وما تؤول إليه، ما هو إلا ألية من بين الأليات التي يعمل من خلالها القاضي على تحديد مضمون عقد.

ويلاحظ في هذا الصدد ميل القضاة في تأويل البنود الغامضة لمصلحة الملتزم وفي حالة أخرى لمصلحة المشتري المستهلك تطبيقا لمقتضيات ترمي من خلالها التشريعات إلى توفير حماية للطرف الضعيف في العقد وافتراض علم البائع المهني بما تضمنه العقد[11].

 

المطلب الثاني: أليات تأويل وتفسير عقد البيع

ترتبط طرق التي يعمل من خلالها القاضي بذات العقد وبنيته وهي ما يصطلح عليها بالطرق الداخلية لتفسير وتأويل العقد (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى وجود طرق تفسير وتأويل خارجية (الفقرة الثانية) و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن أدوات التفسير تبرز من خلال الأولى و تتراجع مقابل تغليب إعمال أدوات التأويل أكثر في الطرق الخارجية.

الفقرة الأولى: طرق تفسير وتأويل عقد البيع الداخلية

في هذا الإطار فإنه من المفترض أن القاضي يقف على معاني الألفاظ الحقيقية ويقاربها مع بعضها البعض، وذلك لأن العقد يشكل منظومة متكاملة وبنية جدلية متفاعلة يؤثر كل عنصر في بقية عناصر العقد، كما أنه يتأثر من بقية عناصر العقد، وهو ما يفيد بأن التعامل الحي والجدلي بين عناصر العقد يمكن أن يساعد القاضي على الوصول إلى الإرادة الحقيقية لأطراف العقد.

وقد كرس المشرع المغربي هذه النظرية من خلال الفصل 464 من ق.ل.ع الذي جاء فيه ما يلي:” بنود العقد يؤول بعضها البعض بأن يعطى لكل منها المدلول الذي يظهر من مجموع العقد. وإذا تعذر التوفيق بين هذه البنود لزم الأخذ بآخرها رتبة في كتابة العقد.”

وتفيد الجملة الأخيرة من هذا الفصل على ضرورة العمل بالمتأخر في نسق الكتابة إذا تناقضت فصول العقد[12]، مرد ذلك أن المتأخر في نسق الكتابة محمول على كونه ينفرد بالتعبير عن الإرادة المشتركة النهائية للأطراف دون غيره من البنود المناقضة التي سبقته.

وفي هذا الصدد يمكن تصور التناقض بين البنود من خلال عقد بيع سيارة مستعملة تضمن في بنده السادس إقرار من البائع أنه المسؤول عن المخالفات والحوادث وما شابه ذلك حتى تاريخ البيع، ومن ثم نجد في البند الذي يليه أن المشتري يقر بأنه تسلم السيارة تسلم فعليا على سبيل الأمانة لحين انتهاء نقل ملكيتها، وأنه أصبح وحده المسؤول عنها وعن جميع الحوادث والمخالفات التي تحدث بسببها اعتبارا من لحظة تحرير هذا العقد.

وعليه فإن القاضي سيجد نفسه أمام تناقض بين مدلول البند السادس الذي به إقرار من البائع بمسؤوليته عن كل الحوادث والمخالفات إلى حين تاريخ البيع والبند السابع الذي يقر فيه المشتري بأنه تسلم السيارة ويقر بمسؤوليته عن جميع الحوادث والمخالفات التي تحدث بسبب السيارة من لحظة إبرام العقد، و يفهم من خلال هاذين البندين أننا أمام عقد بيع خيار و أن على القاضي ترجيح بند على الأخر من أجل معرفة على من تقع المسؤولية في حالة وقوعها بين فترة التسليم و فترة إتمام البيع، عليه أن يأخذ بالبند السابع تطبيقا لمقتضيات الفصل المذكور أعلاه.

كل عبارة مضمنة في العقد من باب أولى أن تعملها محكمة على الوجه الذي تحدث به أثارا، وهذه التقنية لها ضرب في الفقه الإسلامي الذي يقتضي بأن إعمال الكلام أولى من إهماله. وقد جاء قرار صادر عن محكمة النقض يؤكد هذا التوجه ورد فيه ما يأتي:” حقا فإن الغموض الناشئ عن المقارنة بين بنود العقد المتعلقة بتحديد الشيء المبيع لا يؤدي إلى تجريد العقد من كل أثر فإعمال العقد خير من أهمله..”[13].

وبالرجوع إلى م.ل.ع.ت نلاحظ أنها دققت التفصيل فيما يتعلق بأليات التأويل والتفسير الداخلية بتوجيه للقاضي فيما يتعلق بوصف المتعاطفين من خلال ما ورد في الفصل 520[14].

إضافة إلى ما سبق ذكره فقد يجدد القاضي نفسه أمام بنود عقد واضحة المعاني وهنا لا يجب على القاضي الخروج من النطاق الخاص للتفسير[15] الذي يقتصر على العبارات الغامضة أي ألا يفسر ما لا يحتاج إلى التفسير والتأويل إلا أن هذا المبدأ لا يؤخذ على إطلاقه إذ يمكن للقاضي أن يؤول ويفسر ما جاء واضحا الدلالة بعوامل خارجية عن العقد وهو ما سيكون موضوع الفقرة الموالية.

 

الفقرة الثانية: طرق تفسير وتأويل عقد البيع الخارجية

تعد هذه الطرق متعددة وإن كان المشرع المغربي لم يشر إلا إلى عادات التجار وعرف المكان من خلال الفصل 470 من ق.ل.ع والفصل 526 من م.ل.ع.ت، ومع ذلك فقد استمر القضاء[16] وإن لم تسعفه الطرق الداخلية إلى اللجوء إلى طرق أخرى للوصول إلى غايته في تلمس الإرادة المشتركة، وهذه الطرق متعددة، وتدخلنا في وسائل وأساليب الإثبات العامة.

بمعنى أن طرق الإثبات ليست بمعزل عن إثبات وتمكين القاضي من الوصول إلى النية المشتركة، لا سيما إذا قصرت الوسائل الداخلية[17] في ذلك، وبالتالي ففي حال التقصير تنهض طرق الإثبات العامة لتؤدي دورها الذي كان محجوبا بفعالية العناصر الداخلية للعقد و الطرق الخارجية لإثبات النية المشتركة متعددة، و فيما يلي أهم هذه الطرق[18]:

  • بمبدأ حسن النية: بالرجوع إلى الفصل 477 من ق.ل.ع نجد أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا لمبدأ حسن النية إنما إفترض وجوده ما لم يتبين عكس ذلك. و هذا المبدأ يرتبط بجميع المجالات و في مجال عقد البيع إما يكون إعمال هذا المبدأ إيجابيا أو سلبيا، الأول يقوم إذا أتى الشخص أفعالا من شأنها أن تعبر عن نقائه وصدق نيته، اما حسن النية السلبي، فيتحقق عندما يكف الشخص عن مباشرة أي عمل يتنافى مع القدر السوي في عقد بيع خيار كذلك عن القيام بأعمال التي من شانها أن تنقص من قيمة الشيء الذي تسلمه المشتري قبل إتمام عملية الشراء.

إذ يعتبر مبدأ حسن النية مطلوبا في تأويل مثل هذه العقود، فإذا وقع النزاع يتعين على القاضي الرجوع إلى هذه الشروط لمعرفة نية المشتركة ليكون التنفيذ وفق هذه النية، وما يتفق وحسن نية الطرفين، حيث يتعين أن يلتزم كل منهما بما سبق الاتفاق عليه حال إبرام العقد ومن ثم فالتأويل وحسن النية متلازمتان، إذ يتعين أن يتم وفق مبادئ حسن النية وشرف التعامل[19].

  • العرف الجاري في المعاملات: نجد عديد المعاملات يجري فيها العرف مجرى القانون كالمعاملات التجارية و البحرية و في هذه المسائل يرجع القاضي إلى العرف لتفسير نية المتعاقدين، و يشترط في إعمال العرف ان لا يكون طرفا عقد البيع إستبعاده صراحة من العقد، إضافة إلى ذلك على القاضي أن يحرص على أن لا يكون متعارضا مع القانون.

و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنواع العرف فالأول مكاني يعود على المكان الذي أبرم فيه العقد أو المكان الذي ينفذ فيه و النوع الثاني عرف متعلق بطرفي عقد البيع.

  • الظروف المحيطة بالعقد: إذ في عديد الحالات يقتضي التأويل من القاضي الخروج عن حدود العقد بحثا في الظروف المحيطة بالعقد التي قد تساعده للوصول إلى المعنى الحقيقي الذي أراده المتعاقدان إذ يمكن أن ينظر في الظروف المحيطة من عدة نواحي كالصفة، فالمتعاقد المتعلم يختلف عن الأمي والجاهل بلغة العقد كذلك الأمر بالنسبة للمهني والمبتدئ كما يراعي في ذلك العلاقة الشخصية التي تربط الطرفين إن كانت علاقة زوجية أو أصول أو فروع..

 

  • شهادة الشهود: مما لا شك فيه أن إبرام العقد يمكن أن يتم بحضور مجموعة من الأشخاص يعطيهم الحضور صفة الشهود، قد اختلفت الأراء الفقهية في هذا الصدد فيرى الاتجاه الأول عدم الأخذ بشهادة الشهود كوسيلة للتأويل وضرورة الالتزام بالقواعد العامة للإثبات، وذلك أنه للخصوم إثبات إرادة مغايرة للإرادة الظاهرة في العقد من خلال عبارات العقد، إذ يتعين عليهم مراعاة القواعد العامة للإثبات بعدم مخالفة أو مجاوزة الثابت بالكتابة غلا بالكتابة يرى الاتجاه الثاني بجواز الأخذ بشهادة الشهود كوسيلة للتأويل دون اشتراط دليل كتابي، و ذلك لكون التأويل يجب أن يأخذ المعنى الذي يستطيع المخاطب أن يستخلصه مع مراعاة كل الظروف المفسرة التي يعرفها الموجه إليه التعبير أو كان من واجبه أن يعرفها ولكن على القاضي أن يلجأ أولا إلى العقد محل التأويل و يستخدم الوسائل الداخلية التي تمكنه من الكشف عن نية المتعاقدين، فإذا لم يتوصل من خلالها كان له أن يحيل الدعوى للتحقيق ليتمكن الخصوم من تقديم ما لديهم من وسائل إثبات كالشهادة لتدعيم ادعائهم بمغايرة الإرادة للمعنى الثاني[20].

 

عموما يمكن القول بأن القاضي أثناء تفسيره ينظر إلى التعبير على أنه مجرد أداة لإبراز الإرادة، فيذهب إلى ما وراءه للإحاطة بالظروف الملابسة له[21] إضافة للطرق التي سبق ذكرها، دون أن يتجاوز في ذلك تلك الظروف الممكن للمخاطب أن يقف عليها ليستخلص منها تلك الإرادة الحقيقية للمعبر.

المبحث الثاني: تجليات وحدود سلطة القاضي في تأويل وتفسير عقد البيع

الأكيد أن تحديد إرادة الطرفين بالعقد، هي مسائل خارجة عن محتوى النص القانوني، وإعمال قواعد التأويل الواردة بالفصول 461 إلى الى 473 من ق.ل.ع والواردة في القانون 31.08 ليست إلا مسألة واقعية تدخل في سلطة الاجتهاد لقضاة الموضوع، فليس لمحكمة النقض من رأي أمام حالة من حالات التأويل الذي يبقى ضمن سلطة محاكم الموضوع، إلا أن تعاين حسن تطبيق القانون لا أكثر، وهو ما يفيد أن التأويل يعد مسألة واقع يدخل في سلطة القاضي التقديرية الذي سنحاول ملامسة تجلياتها في (المطلب الأول).

إلا أنه يلاحظ في هذا الصدد أن كل من التشريع التونسي و التشريع المغربي[22]  أعطيا لمسألة الوقوف على الإرادة الحقيقية للأطراف طابعا موضوعيا ثابتا لا يجوز البحث عن إرادة الأطراف المشتركة دون مراعاته غير أنه لا بد من لفت النظر على أن فقه القضاء تطغى عليه النزعة الذاتية[23]، شرط أن يكون القرار المنتقد معللا كما يجب هي مسألة تخرج عن معنى التفسير والتأويل وتدخل في باب واجب تسبيب الأحكام إضافة إلى المبدأ وليد الفقه القضائي الفرنسي متعلق بعدم تحريف العقد و الذي له تطبيقات تظهر من خلال القرارات القضائية صادرة في كل من المحاكم التونسية و المغربية، وهو ما حد لسلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع  (المطلب الثاني).[24]

 

 

المطلب الأول: مظاهر سلطة تفسير وتأويل عقد البيع

يمكن للقاضي أن يتدخل في مضامين العقد بصورة فعلية من خلال التفسير والتأويل، إلا أن الأمر قد يظهر غريب بعض الشيء على اعتبار القاعدة التي تدور حولها الروح الليبرالية للقانون “العقد شريعة المتعاقدين” تحول دون تدخل الأطراف الخارجة عن العقد

في مضمونه، إلا أنه من خلال الرجوع إلى عدة مقتضيات قانونية والعمل القضائي والنظر في عديد الأحكام والقرارات الصادرة في هذا الموضوع نلاحظ بأن الفقه القضائي يعطي صلاحيات للقاضي من خلال تفسيره وتأويله للعقد أن يتدخل في مضمونه وتبعا لذلك فإننا سنتطرق إلى موجبات تفسير وتأويل عقد البيع في (الفقرة الأولى) على أن نتناول الأثر التفسير والتأويل على أطراف عقد البيع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: موجبات تفسير وتأويل عقد البيع

يمكن اعتبار القاعدة الفقهية القائلة بأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني[25] تعد ركيزة أساسية ينطلق منها القاضي لبسط سلطته من خلال تأويل بنود العقد سواء كان البند يشوبه غموض أي أنه يقتضي التوضيح أو كانت بنوده واضحة. إلا أن القاضي قد يرى أنه لابد من تأويله للوصول إلى الإرادة الحقيقية لطرفي العقد وفي هذه الحالة يكون على القاضي أن يعلل ويبين الأسباب التي ارتكز عليها للخروج عن المعنى الواضح للمصطلحات الواردة في البند.

وقد اعتبر فقه القضاء التونسي سلطة القاضي في تأويل وتفسير العقد تعتبر واجب يحمل عليه كلما توفرت أسبابه ويظهر ذلك من خلال ما ذهبت محكمة التعقيب التونسية في قرار صادر بتاريخ 29 مارس 1979:” أن القاضي يحمل على واجب التأويل كلما كان توفر غموض في العقد، وليس ذلك مجرد إمكانية بل واجب محمول على القاضي بتفعيل أدوات الـتأويل كلما توفرت شروطه.”[26]

إضافة إلى ذلك فإن ما ورد في الفصل 462 من ق. ل. ع[27] من تعداد للحالات التي يسوغ فيها التأويل، وهو ما يترجم ترجيح المشرع لكفة الأنصار الاتجاه الفقهي الذي يذهب إلى أن العبارات الواضحة للعقد لا تفيد حتما وضوح الإرادة نفسها، ذلك أن لكل من ظروف العقد وعباراته دور في كشف النية المشتركة للمتعاقدين لذلك يحق للقاضي أن يعدل عن المعنى المستمد من العبارات الواضحة للعقد بناء على الظروف الخارجية التي تفيد معنى آخر[28].

أيضا فإن ما جاء في الفصل 22 من نفس القانون، الخاص بالعقد الصوري يمكن من خلاله للمتعاقدين مخالفة العقد الظاهر؛ وذلك بإبرامهما عقدا مستترا معارضا للعقد الظاهر كليا أو جزئيا، غير أن أثار العقد المستتر تقتصر على المتعاقدين وورثتهما فقط دون سواهما حتى ولو كان هذا الغير خلفا خاصا لأحدهما. وبموجب الفصول من 62 إلى 65 من نفس القانون تكون العبرة بسبب الالتزامات التعاقدية الحقيقي والمشروع إلى أن يتبين العكس. كما أن كثيرا من القوانين الضريبية والجبائية لا تعتد بالأثمنة الصورية.

وعليه فإن للقاضي أن يحول عن الألفاظ الواضحة والتي تعذر التوفيق بينها وبين المقصود من العقد. كما لو كان القصد هو إبرام عقد بيع غير أن المتعاقدين يعبران بالإيجار. وينطبق هذا على بائع المحصول الناتج عن الأرض والمهيأ للجني والذي لا يعبر عنه بالبيع وإنما بالإيجار للأرض خلال مدة كذا…واستغلال محصولها والانتفاع به.

وقد ذهبت محكم النقض المغربية إلى تطبيق المقتضيات المذكورة أعلاه في عدة قرارات نذكر من بينها قرار صادر بتاريخ 20 أبريل 1966 جاء فيه بأن:” لمحكمة الموضوع الحق في ألا تعتبر في العقود إلا معناها دون مبناها، وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين هو عقد كراء لا عقد شركة تصحح الوضع بالنسبة للتعبير الفاسد”[29].

ومن ناحية أخرى، إذا تعلق الأمر بعقود بيع دولية يمكن للقاضي أن يطلب ترجمة العقود من لغتها الأصلية إلى لغة القاضي لأسباب إجرائية، ما قد يؤدي إلى عدم تطابق بين اللغتين، عندها ورغم وضوح عبارات النص المترجم فيمكن للقاضي أن يثير الأمر أمامه وأن يتثبت من تقابل العقد المترجم مع النص الأصلي عملا بمقتضيات الفصل 467 من ق.ل.ع: “يلزم القاضي فهم الألفاظ المستعملة حسب معناها الحقيقي ومدلولها المعتاد في مكان إبرام العقد..”.

وهو ما نجده متطابقا مع ما ورد في المذكرة التفسيرية الصادرة عن أمانة الاونسيترال حول اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولية للبضائع[30] بأن يلزم الأطراف بالأعراف التي اتفقا عليها وبالممارسات التي استقر عليها التعامل بينهما وبالأعراف في أثناء تفسير العقد.[31]

 

 

الفقرة الثانية: أثر التفسير والتأويل على عقد البيع

تظهر هذه الأثار خاصة على مستوى الالتزامات والتحملات التي تقع على الطرف الضعيف في عقد البيع والتي عادة ما تكون نتيجة تأويل الشك لصالح الملتزم والتي وإن نص عليها المشرع الفرنسي صراحة من خلال من خلال ما جاء في الفصل 1190 من القانون المدني الفرنسي على أنه في حالة الشك يفسر عقد المساومة ضد مصلحة الدائن ولصالح المدين، ويفسر عقد الإذعان ضد مصلحة الطرف الذي وضع شروطه[32].

ويلاحظ في هذا الصدد أن المشرع التونسي اشترط اليمين لتفسير الريب بما هو أخف للمدين من خلال ما ورد في الفصل 529من م.ل.ع:” التفسير عند الريب يكون بما هو أخف على المدين بيمينه.”، وهو ما يفيد بأن القاضي يكون ملزم بتوجيه اليمين المتممة للمدين من أجل تأويل الشرط لمصلحته.

ويقصد بالمدين الطرف الذي يتحمل الالتزام محل التفسير والتأويل ويعد هذا الأمر واضح في عقود التبرع التي يكون فيها الالتزام من جانب واحدن فيكون دائما المتبرع هو المدين والأخر دائنان أما في عقود البيع وعلى اعتبار أنها من العقود التبادلية أو الملزمة لجانبين يكون فيها كل من الطرفين دائن ومدين في نفس الوقت.

والمدين الذي يستفيد من تفسير الشك هو المدين بالالتزام الذي يراد به الشرط المراد تفسير أو تأويله وعليه فإن القاضي ينظر إلى كل شرط أو بند من بنود الالتزام على حده عندما تدعو الحاجة إلى تفسير أي منها، فإذا قام الشك فسر لمصلحة الملتزم في خصوص هذا الشرط الذي يشوبه الغموض، بصرف النظر عن وضع الشخص في العقد بمجمله.

إضافة إلى ذلك فقد خصت التشريعات عقود الإذعان بميزة تخرج عن القاعدة العامة في التفسير وهي ألا يكون التفسير ضارا بمصلحة المذعن، وذلك لاعتبار ان الطرف المذعن هو دائما الضعيف في العلاقة التعاقدية بغض النظر عن مركزه، حتى و لو كان هذا الأخير هو الذي أضاف الشرط الذي سلكه الغموض فإن التأويل و التفسير يكون لمصلحته لأن العاقد المحتكر هو الطرف القادر والذي له الوسائل التي تمكنه من تبين الصيغ المشروط توضيحها.

ولم تحد التشريع المغربي عن باقي التشريعات في سنه لمقتضيات تساهم في ترجيح كفة المستهلك و الطرف الضعيف بصفة عامة من خلال تأويل و تفسير هذه العقود و يكون ذلك بعد التأكد من أن الطريق مسدود أمام التفسير وفق القواعد العامة الواردة في ق.ل.ع.

إضافة إلى فإن التفسير والتأويل للبنود التي يحوم حولها الشك أو الريب في العقود الاستهلاكية يكون بعد فإن تأويل وتفسير هذه البنود يتم لفائدة المستهلك

عموما فإن أثر سلطة القاضي من خلال تأويل عقد البيع لصالح المستهلك والملتزم لا يكون حاضرا إلا بعد التأكد من أن الطريق مسدود أمام التفسير وفق القواعد العامة الواردة في ق.ل.ع.

و لهذا أيضا فإن المشرع أباح للقاضي تعديل ما قد يكون في العقد من شروط تعسفية و إعفاء الطرف المستهلك منها و في هذا نجد عدة قرارات قضائية تصب في هذا التوجه نذكر منها القرار صادر بتاريخ 7 نوفمبر 2019 عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية التي أيدت قرار محكمة الاستئناف في استبعادها لشرط يقضي بدفع مستحقات شركة عقارية في حالة التخلي عن المشروع لأي سبب من الأسباب اعتبرته تعسفيا و متعارضا مع مقتضيات المادة L. 212-1  و المادة L. 212-2 من قانون المستهلك[33].

 

المطلب الثاني: حدود سلطة القاضي في تفسير وتأويل عقد البيع

الأصل أنه لا يكون للتفسير موجب إذا كانت ألفاظ العقد واضحة و تحقق مقصد الأطراف إلا أنه قد يعمل الأطراف على توليج عقد بأخر كأن يبرم عقد بيع على أنه هبة أو العكس و هنا يكون عمل القاضي من أجل تقصي الإرادة الحقيقية إلا أن هذا العمل لابد أن يكون خاضعا للمبادئ و القواعد التي تنظم التفسير و التأويل و تلزم القاضي بعدم خرقها و سنتناول في (الفقرة الأولى) قاعدة عدم التحريف على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) إلى مبدأ تعليل التفسير و التأويل القضائي للألفاظ الواضحة

 

 

الفقرة الأولى: قاعدة عدم تحريف العقد

غني عن البيان أنه لا يسوغ لقاضي الموضوع الانصراف من معنى ظاهر إلى أخر إلا إذا ارتكز على أسباب مقنعة و مبررات مقبولة و إلا اعتبر محرفا لعقد واضح و عرض حكمه للنقض.

والمراد بالتحريف في عقد البيع هو تعمد قاضي الموضوع إبعاد شرط من الشروط الواضحة في العقد، كما قد يكون غير إرادي فيي حالة ما إذا لم يصب في استخلاص ما يشمله العقد أو لم يتمكن من التوفيق بين بنوده.

على الرغم من ورود عدة قواعد تحمي الطرف الضعيف في العقد إلا أن القاضي لا يلجأ إلى هذه القواعد إلا بعد أن يتعذر عليه الوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين بواسطة القواعد الأصلية في التفسير.

وعليه فإنه يفترض في التحريف وضوح ألفاظ العقد على عكس التفسير الذي يتطلب مبدئيا غموضها إلى درجة أنها تثير الشك حول المراد منها فيتخل القاضي بتفسيرها، وإذا أخطا فيها فإن عمله يعد خطأ في الواقع.

ويعد هذا المبدأ فرنسي المنشأ إذ بعد أن كانت محكمة النقض الفرنسية تسوي بين تفسير وتأويل العقود وبين النص التشريعي من حيث الرقابة التي تفرضها على محاكم الموضوع، أصبح المبدأ الذي تبنته في فترة لاحقة يتلخص في أن تأويل العقود وسائر التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحدن مسألة واقعية تدخل ضمن سلطة قضاة الموضوع؛ غير أنه نتيجة لإساءة القضاة استعمال السلطة الممنوحة إليهم؛ و من صور ذلكن حذف شرط واضح من شروط عقد البيع بمناسبة تأويله والأخذ عوضا عنه بشرط آخر من شأنه أن يرتب أثارا قانونية مغايرة[34].

و لمعالجة هذه المشكلة ذهبت إلى أنه إذا كان العقد غامضا وجب عبى قاضي الموضوع تأويله، أي البحث عن نية الأطراف الحقيقية أو المفترضة دون أن يخضع في ذلك إلى مراقبة محكمة النقض، لأن المسألة هنا مسألة واقع، على عكس ما لو كان العقد واضحا، بحيث لا يجوز تحريفه تحت ستار تفسيره، وهو في ذلك يخضع لرقابة محكمة النقض، باعتبار أن الأمر يتعلق بالقانون.

وقد أكدت محكمة النقض المغربية هذا التوجه من خلال عدة قرارات من بينها ما جاء قرار صادر بتاريخ 13 فبراير 1962 الذي جاء فيه: “يجب على القضاة تطبيق الاتفاقات المبرمة بين الأطراف وليس لهم تغيير شروطها متى كانت واضحة وبينة”[35].

كما نجد في هذا الصدد قرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية بتاريخ 21 أكتوبر 1999 جاء فيه:” عن الحاجة إلى التفسير لا تعرض متى كانت عبارة العقد واضحة ففي هذه الحالة تنطبق شروط العقد كما هي و لا يجوز للمحكمة أن تنحرف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر لأن الإنحراف عن التعبير الواضح يعد تحريفا و مسخا و تشويها.”[36]

الفقرة الثانية: مبدأ تعليل التفسير والتأويل القضائي للألفاظ الواضحة

يعتبر تعليل الأحكام والقرارات إحدى أبرز أهم ضمانات المحاكمة العادلة. وهو يشكل الميزة الأساسية للقضاء[37]، الذي عليه خلافاً لمجمل السلطات العامة، أن يستمع الى الحجج والمطالب المدلى بها أمامه وأن يصوغ أجوبته عليها على أساس المبادئ والأحكام القانونية، وأن يخضع من خلال ذلك أعماله لرقابة الرأي العام.

وتبعا لذلك يشكل موجب التعليل عاملاً أساسياً في ضمان حيادية المحكمة واستقلاليتها، وذلك على أساس أنها لم ترتكز في أحكامها على تحيزات شخصية أو مواقف مسبقة، بل على أساس معطيات واقعية وقانونية واضحة[38].

وقد أكدت محكمة التعقيب بتونس على هذا المبدأ من خلال عدة قرارات ومن بينها القرار الصادر بتاريخ 23 جانفي 2001 جاء فيه “أن تفسير العقود هو من اختصاص قضاة الأصل بشرط بيان الأسباب التي أقنعتهم بأن المعنى الذي أخذوا به هو المقصود”[39].

وقد كرس المشرع المغربي هذا المبدأ من خلال الفصل 50 من ق.م.م الذي جاء فيه ما يلي:”…يجب أن تكون الأحكام دائما معللة”. هذا بخصوص المحاكم الابتدائية أما فيما يتعلق بقرارات محكمة الاستئناف فقد أفرد لها الفصل 345 من نفس القانون الذي جاء فيه: “تكون القرارات معللة”.

في حين تناول مبدأ تسبيب الأحكام وتعليلها فيما يخص محكمة النقض بمقتضى

الفصل 375 الذي نص في الفقرتين الأولى والثانية منه على ما يلي: “تصدر محكمة النقض قراراتها في جلسة علنية باسم جلالة الملك وطبقا للقانون.

تكون هذه القرارات معللة ويشار فيها إلى النصوص المطبقة وتتضمن لزاما البيانات الآتية..”.

ويمكن أن نستشف من هذه الفصول أن التفسير والتأويل على الرغم من أنهما من مسائل الواقع التي تندرج ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، التي لا يخضعون فيها لمراقبة محكمة النقض، إلا أنه تجدر الإشارة إلى ضبط المشرع لفصول التأويل والتفسير من خلال الفصول من 461 إلى 473 من ق.ل.ع، وإدراجه لطرق التفسير الواجب توخيها عند لزوم ذلك، فجميع هذه الفصول هي مادة قانونية وتدخل في مهام محكمة النقض مراقبة حسن تطبيقها من قبل قاضي الموضوع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

عموما يمكن القول أن تفسير وتأويل عقد البيع هو عمل منطقي يضطلع به القاضي يوجبه و يتحكم فيه الإدراك القانوني السليم بقصد التعرف على النية الحقيقية للمتعاقدين في مكان الاتفاق و زمانه، و هذه النية بقدر التعرف عليها هي التي يجب أن تقرر معاني ألفاظ العقد، حتى يتم التوفيق بين الكلمات المستعملة و النية المشتركة من جهة و بين تطبيق هذه الألفاظ على الحوادث الخارجية التي اختلف في شأنها الأطراف من جهة أخرى.

كما تجدر الإشارة في الختام بأن القواعد المنظمة للتأويل و التفسير تعد من قبيل القواعد الإرشادية لغاية الكشف عن الإرادة الحقيقية لأطراف الالتزام و هو توجه يظهر من خلال القرارات القضائية سواء على مستوى فقه القضاء المغربي أو الفقه القضائي المقارن و هو ما يفيد بأن سلطة القاضي قد تتجاوز ما تحيل عليه القواعد القانونية المنظمة للتأويل في ظاهرها لنكون أمام تأويل هذه القواعد في حد ذاتها بما يحقق غاية التفسير و التأويل التي تتجلى في الوصول إلى حقيقة المعاني و الألفاظ المستعملة و التي يمكن ان يكون لها معاني كثيرة حتى في المعاجم، وبذلك فليس من الصواب أو الحكمة القول بأن ألفاظ العقد الواضحة لا تحتاج إلى تفسير إلا بعد عرضها على محك غرض العقد وأهدافه وإرادة منشئيه.

 

                            

 

 

 

 

 

 

 

قائمة منابع البحث

 

  • المصادر
  • القران الكريم
  • المعاجم: معجم المعاني الجامع
  • مجلة الأحكام العدلية العثمانية
  • مجلة الإلتزامات والعقود التونسية
  • ظهير الإلتزامات والعقود المغربي
  • القانون المدني الفرنسي
  • القانون رقم 08.31 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك المغربي
  • قانون الاستهلاك الفرنسي
  • المراجع

-المراجع العامة

-على كحلون، النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الأولى، منشور بمجمع الأطرش للكتاب سنة 2015.

-وثيقة الأمم المتحدة، الأونستيرال: نبذة عن السوابق القضائية المستندة إلى اتفاقية الأمم المتحدة بشان عقود البيع الدولي للبضائع    نيويورك 2008 منشور بالموقع التالي http://www.uncitral.org

-محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الثانية لسنة 1997 منشور بمركز النشر الجامعي.

-المراجع الخاصة

  • الكتب المتخصصة

-عبد الحق الصافي، عقد البيع دراسة في قانون الالتزامات والعقود وفي القوانين الأخرى، الطبعة الثانية 2018، مطبعة النجاح الجديدة

– نورة غزلان الشنيوي، الوسيط في العقود الخاصة – العقود المدنية والتجارية والبنكية على ضوء المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية في القانون المدني وقانون الأعمال – الجزء الأول، الطبعة الأولى 2017، مطبعة الأمنية-الرباط.

-عبد الرحمان بلكعيد، وثيقة البيع بين النظر والعمل، الطبعة الرابعة 2014، مطبعة دار النجاح الجديدة.

-برهان زريق، تفسير العقد في القانون المدني والإداري، مطبعة الإرشاد اللاذقية، منشور بنسخة pdf على الرابط التالي: https://www.bibliotdroit.com/2016/07/blog-post_716.html تمت زيارة الموقع بتاريخ 3-11-2019 بتوقيت 23:50

– خليفة الخرباوي: العقود المسماة، الطبعة الثانية صادرة عن مجمع الأطرش للكتاب المختص سنة 2013.

– سليمان مرقس، أصول الإثبات في المواد المدنية، الطبعة الأولى 1978.

– جيرزي فروبلفسكي: التأويل في القانون: النظرية والإيديولوجيا، منشور بأرشيف فلسفة القانون، ج 17، 1972.

-عبد الرحمان الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية، دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، الطبعة الثانية2017.

  • الأطروحات والرسائل الجامعية

 

-محمد شليح، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، تأويل العقود في قانون الالتزامات والعقود المغربي، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط أكدال

– الطالب، دالي بشير، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، بعنوان مبدأ تأويل العقد، جامعة تلمسان.

  • المقالات
  • عبد الحكيم العدري، مقال بعنوان: قواعد تأويل العقد في قانون الالتزامات والعقود المغربي، منشور بالموقع الإلكتروني: مجلة مغرب القانون، يمكن الاطلاع من خلال الرابط التالي: https://www.maroclaw.com/%

 

  • المواقع الإلكترونية

– المكتبة القانونية: https://www.bibliotdroit.com/2016/07/blog-post_716.html

– مجلة مغرب القانون: : https://www.maroclaw.com/%

– موقع محكمة النقض الفرنسية: https://www.courdecassation.fr/

  • مجلات قانونية
  • مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 31، مارس 1983.
  • مجلة الملحق القضائي، العدد الثاني، السنة الثانية – مارس 1978.
  • مجلة القضاء والقانون- عدد 85-87 مارس 1967.

 

Listes des sources du langue française

  • Gilles Walers, Master 2 recherche- Études Juridique Comparatives ; Le juge et l’interprétation du contrat en droit français et en droit américain, Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne.

 

[1] القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك في المواد:9، 16، 18.

القانون

[2] “l’interprétation du contrat يبدو أن هذا الخلط جاء نتيجة ترجمة معيبة للقانون الفرنسي الذي استعمل عبارة ”

إذ تستغرق دلالة العبارة في اللغة الفرنسية كل من مفهوم التفسير والتأويل و لكن تجدر الإشارة في هذا الصدد أن الفصول المنظمة لتفسير العقود في م.ل.ع.ت كانت نقلا لما ورد في مجلة الأحكام العدلية العثمانية و قد علق الأستاذ خليفة الخرباوي عن هذا الخلط بأن استعمال مصطلح التفسير من شأنه أن يثير بعض التساؤلات حول مدى إمكانية مقاربته بمصطلح التأويل.

وقد اتجه البعض إلى أن مفهوم التفسير و التأويل من المترادفات القانونية لعدم وجود نية تشريعية واضحة في التفريق بينهما.

[3] موقع المعاني لكل رسم، الرابط: https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%81%D8%B3%D8%B1/، تمت الزيارة بتاريخ 26-10-2019.

[4]  بدر الدين الزركشي، كتاب البرهان في علوم القران، المجلد الأول، منشور بالموقع الإلكتروني المكتبة الوقفية

الرابط: https://waqfeya.com/book.php?bid=1493 ، ص 13، تمت زيارته بتاريخ 22-10-2019 بتوقيت: 22:50

[5] عباس الداقوقي، الاجتهاد القضائي، مفهومه، حالته، نطاقه، الطبعة الأولى 2015، المركز الوطني للإصدارات القانونية، ص 199

[6] سورة آل عمران: الأية 7، سورة النساء: الأية 59، سورة الأعراف: الأية 53، سورة يونس الأية 39، سورة يوسف: الأية 6، 21، 36، 37، 44، 45، 100، 101، سورة الإسراء: الأية 35، سورة الكهف: الأية 78، 82

[7]  محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، المجلد الأول، منشور بالموقع الإلكتروني مكتبة النور يمكن الولوج إليه من خلال الرابط التالي: https://www.noor-book.com/ تمت الزيارة بتوقيت 01:36، ص 22.

[8] جيرزي فروبلفسكي: التأويل في القانون: النظرية والإيديولوجيا، منشور بأرشيف فلسفة القانون، ج 17، 1972، رقم 4، ص 53.

[9]  رسم بياني لمحتويات عملية تحديد مضمون العقد:

[10] عرفه القاضي علي كحلون بأنه عملية قانونية ترمي إلى تحديد الطبيعة القانونية للعقد La qualification، يسعى من خلالها القاضي الى إلحاق العقد بالنظام القانوني الملائم، كما أن يكيف العقد على أنه معاوضة أو بيع أو هبة أو غير ذلك. وليس في التكييف ما يتصل بالوقائع، بل هي عملية قانونية ترمي إل تطبيق الإطار القانوني الملائم وعلى ذلك فإن التأويل مسألة واقعية بينما التكييف مسألة قانونية صرفه. ومن هذه الناحية يخضع التكييف لمراقبة محكمة التعقيب ضرورة … لمزيد التوسع يمكن مراجعة كتاب النظرية العامة للالتزام، منشور بمجمع الأطرش للكتاب المختص – تونس 2015، ص369.

[11]  Gilles Walers, Master 2 recherche-  Études Juridique Comparatives; Le juge et l’interprétation du contrat en droit français et en droit américain, Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne, p 56 et 57

[12] محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات: العقد، منشور بمجمع الأطرش للكتاب، تونس 1997، ص 72.

[13] قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد31، مارس 1983، ص 33.

[14] الفصل 520: الوصف بعد متعاطفين يعود إليها جميعا كما قولك (وهبت لأبنائي و أبناء أبنائي الذكور) إلا إذا تبين بوجه صريح أن الوصف لا يعود إلا للأخير فإن كان العطف بثم عاد الوصف على ما بعده.

[15] برهان زريق، تفسير العقد في القانون المدني و الإداري، مطبعة الإرشاد اللاذقية، منشور بنسخة إلكتونية  على الرابط التالي: https://www.bibliotdroit.com/2016/07/blog-post_716.html تمت زيارة الموقع بتاريخ 3-11-2019 بتوقيت 23:50، ص 41 و 42.

[16] ورد في هذا الشأن قرار تعقيبي صادر بمحكمة التعقيب التونسية جاء فيه ما يلي: ” تنص عبارة العقد في القضية موضوع هذا القرار صراحة على أن البيع يتعلق بكامل العقار المسجل المبين بالكتب، ومع ذلك فإن محكمة التعقيب لم تتردد في نقض القرار الإستئنافي الذي رفض النظر فيما ادعاه البائع من أن نية المتعاقدين انصرفت في الواقع إلى البيع والشراء في جزء من العقار وليس في كامله. ومما يلفت الانتباه حرص محكمة التعقيب على تعليل قرارها تعليلا دقيقا يهدف إلى إبراز وجود موجب جدي للريب حول محل التزام البائع من شأنه أن يبرر الإقدام على تفسير العقد ولربما على تجاوز صريح عبارته، ومكنت من هذا المنطلق من مؤاخذة قضاة الموضوع على النحو التالي: وإعتبارا لهذا الموضوع و ما يستدعيه ربط الكلام ببعضه من لزوم رد آخره على أوله و أوله على أخره يصبح بأن الدفع بأن نية الطرفين كانت منصرفة إلى المصنع فحسب و لا تعني شيئا زائدا عن المساحة المقام عليها، له ما يبرره في نظر القانون. و إزاء ذلك كان على المحكمة أن تتحرى وراء مقصد الجانبين بالوقوف على حالة المبيع المادية و ما طرأ على العقار من أوضاع قانونية حتى تتبين ما أذا كان العقد بحق قابلا للتفسير. أما إذا اقتصرت على رد دفاع الطاعن على ملاحظة أن عقد البع لا يقبل التأويل في كون المقصود من المبيع هو جميع موضوع الرسم العقاري بمساحته المبنية و المشيد عليها المعمل فإنها تكون قد وقعت في مخالفة القانون بإهمالها سلوك طرائق التفسير التي يجنح إليها كلما حف بعبارات العقد ريب أو خيم شك على فحواه..أنظر محمد الزين، مرجع سابف، ص 70

[17] برهان زريق، تفسير العقد في القانون المدني والإداري، مطبعة الإرشاد اللاذقية، منشور بنسخة pdf على الرابط التالي: https://www.bibliotdroit.com/2016/07/blog-post_716.html تمت زيارة الموقع بتاريخ 3-11-2019 بتوقيت 23:50، ص 43

[19]  عبد الحكيم العدري، مقال بعنوان: قواعد تأويل العقد في قانون الالتزامات و العقود المغربي، منشور بالموقع الإلكتروني: مجلة مغرب القانون، يمكن الاطلاع من خلال الرابط التالي: https://www.maroclaw.com/% ، تمت الزيارة بتاريخ: 6-11-2019 بتوقيت 02:44

[20]  سليمان مرقس، أصول الإثبات في المواد المدنية، منقول بواسطة عبدالحكيم العدرين مرجع سابق

[21] إضافة إلى ذلك ترد في كتب الفقه عدة وسائل خارجية أخرى يمكن أن يعتمدها القاضي في تأويل العقد نذكر منها طريقة تنفيذ العقد، مضمون الإقرار القضائي، الأخذ بالغرض كدافع من أجل تأويل العقد، طبيعة العرف، الأمانة و الثقة، أنظر برهان زريق، مرجع سابق، ص 93 و ما بعدها. مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص من إعداد الطالب، دالي بشير، بعنوان مبدأ تأويل العقد، جامعة تلمسان منشورة على الرابط التالي : http://frssiwa.blogspot.com/2015/12/blog-post_49.html#.Xcidq9VKjIU تم الإطلاع بتاريخ 7-11-2019 بتوقيت 22:36.

كما جاء في م.ل.ع.ت في الفصل 529: “التفسير عند الريب يكون بما هو أخف على المدين بيمينه.” و هو ما يفيد بأن القاضي يمكن أن يوجه اليمين المكملة بغية الوصول إلى القصد الحقيقي للفظ أو المصطلح الوارد في بنود العقد.

[22] يلاحظ أن المشرع التونسي تعرض بشيء من الإطناب لمسألة تفسير العقد من 19 فصل من 513 إلى 531 و هو يلاحظ أنه متجاوز في التشريع المغربي الذي اقتصر على 13 فصل من 461 إلى 473 و لعل الإطناب الذي هو وارد في القانون التونسي راجع إلى النقل الذي يكاد يكون حرفيا و مستلهم من مجلة الأحكام العدلية العثمانية و هو ما جعل صياغتها على خلاف بقية فصول مجلة الالتزامات و العقود.

كما نجد لهذا التوجه وقع في التشريع الفرنسي من خلال ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 212-1 L من قانون المستهلك

“Sans préjudice des règles d’interprétation prévues aux articles 1188, 1189, 1191 et 1192 du code civil, le caractère abusif d’une clause s’apprécie en se référant, au moment de la conclusion du contrat, à toutes les circonstances qui entourent sa conclusion, de même qu’à toutes les autres clauses du contrat. Il s’apprécie également au regard de celles contenues dans un autre contrat lorsque les deux contrats sont juridiquement liés dans leur conclusion ou leur exécution.”

و عليه فإن المشرع الفرنسي يذهب بالأخذ بما ورد في العقود المرتبطة بالعقد قيد التأويل.

 

[23]  محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، الطبعة الثانية لسنة 1997 منشور بمركز النشر الجامعي، ص74.

[24] علي كحلون، مرجع سابق، ص 367

[25]  ترجم المشرع التونسي هذه القاعدة من خلال الفصل 515 من م.ل.ع الذي جاء فيه:” العبرة في التعبير بالمقاصد لا بظاهر الألفاظ والتراكيب.” وهو مبدأ منقول عن مجلة الأحكام العدلية العثمانية

كما يلاحظ أخذ المشرع الفرنسي بها من خلال ما جاء في الفصل 1188: يتم تفسير العقد وفقا للنية المشتركة للأطراف دون الوقوف عند المعنى الحرفي لألفاظه.

وقد أورد المشرع المغربي هذه القاعدة التوجيهية في الفصل 462 كالتالي: “وعندما يكون للتأويل موجب، يلزم البحث عن قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، لا عند تراكيب الجمل.”

ورد باللغة الفرنسية بالصيغة التالية:

Article 1188 : Le contrat s’interprète d’après la commune intention des parties plutôt qu’en s’arrêtant au sens littéral de ses termes.

Lorsque cette intention ne peut être décelée, le contrat s’interprète selon le sens que lui donnerait une personne raisonnable placée dans la même situation.

 

 

 

 

[26]  قرار تعقيبي مدني عدد 1268 بتاريخ 29 مارس 1979،نشرية محكمة التعقيب 1980،ص 158، منقول عن علي كحلون، مرجع سابق، ص 367

[27] رسم توضيحي لحالات التأويل المنصوص عليها في ق.ل.ع:

[28] عبد الحق الصافي، عقد البيع دراسة في قانون الالتزامات والعقود وفي القوانين الأخرى، الطبعة الثانية 2018، مطبعة النجاح الجديدة، ص 298.

[29] منقول عن: عبدالحق الصافي، مرجع سابق، ص 301، منشور في مجلة القضاء و القانون- عدد 85-87 مارس 1967، ص 218.

[30]  اتفاقية البيع أو اتفاقية فيينا هي معاهدة بشأن قانون المبيعات الدولية الموحدة. اعتبارا من سبتمبر 2014 تم التصديق عليها من قبل 83 دولة تمثل نسبة كبيرة من التجارة العالمية مما يجعلها واحدة من القوانين الموحدة الدولية الأكثر نجاحا، لم تصادق تونس و المغرب بعد على هذه الإتفاقية.

[31]  أنظر موقع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي من خلال هذا الرابط : https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/ar/v1056999-cisg-a.pdf  تمت زيارته بتاريخ 7-10-2019 بتوقيت 21:54

[32] ورد باللغة الفرنسية بالصيغة التالية:

Dans le doute, le contrat de gré à gré s’interprète contre le créancier et en faveur du débiteur, et le contrat d’adhésion contre celui qui l’a proposé.

[33] قرار منشور بموقع محكمة النقض الفرنسية https://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/troisieme_chambre_civile_572/893_7_43858.html تمت زيارته بتاريخ 12-11-2019 بتوقيت 23:50

[34] نورة غزلان الشنيوي، الوسيط في العقود الخاصة – العقود المدنية والتجارية والبنكية على ضوء المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية في القانون المدني وقانون الأعمال – الجزء الأول، الطبعة الأولى 2017، مطبعة الأمنية-الرباط، ص 79-80 و 81

/[35] قرار منشور في مجلة القضاء والقانون عدد 48 و 49 ص37 .

[36] قرارات الدوائر المجتمعة، 1998-1991، ص217.

[37] عبد الرحما الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية، دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، ص 11.

[38]  CEDH, Affaire Quadrelli c. Italie, 11 janvier 2000: يمكن الإطلاع من خلال الرابط التالي: http://hudoc.echr.coe.int/app/conversion/docx/pdf?library=ECHR&id=001-63016&filename=CEDH.pdf تمت الزيارة بتاريخ 10-11-2019 بتوقيت 22:20

[39]  تعقيب مدني عدد 2154 منشور بنشرية محكمة التعقيب 2001، الجزء 2 ،ص 43

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى