مقالات قانونية

الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

tib

الالتزام
بالإعلام في عقد العلاج الطبي

الأستاذة: بن زرفة هوارية من جامعة غيليزان.

 

مقــدمــــــــــــــــــة

 


لقد صاحب التقدم العلمي والتكنولوجي الحاصل في وقتنا الحاضر في المجالات المختلفة عموما وما شهده قطاع الصحة على وجه الخصوص ظهور مخاطر جديدة نتج معظمها من سوء التحكم في التقنيات الطبية الحديثة، مما انعكس سلبا على صحة المريض وسلامته في كثير من الحالات.

إذ لا يعد موضوع حقوق المريض موضوعاً حديثاً، فالعلاقة بين المريض والطبيب معروفة منذ القدم، وقد أنشأت هذه العلاقة التزامات على عاتق الطبيب لمصلحة المريض، وهذه الالتزامات هي في الحقيقة تشكل حقوقاً للمريض.

ولما كان موضوع المسؤولية القانونية بصفة عامة والمسؤولية الطبية بصفة خاصة، موضوعا متشعبا يثير العديد من المسائل والقضايا الخلافية، سوف نكتفي بمعالجة مسألة التزام الطبيب بإعلام المريض، طالما أن المحافظة على جسم الإنسان يكتسي أهمية بالغة باعتباره التزاما عاما، وفي ذات الوقت يعتبر التزاما خاصا يقع على عاتق الطبيب إذا تعلق الأمر بالعقد الطبي، بل يشترط أيضا أن يحصل الطبيب قبل تدخله على رضاء المريض، أو من يمثله بطريقة العلاج، أو العمل الطبي المراد القيام به، ولن يتحقق هذا الرضا قانونا وفقها إلا إذا كان المريض على علم ودراية كافية بالمخاطر التي يمكن أن يؤدي إليها العلاج، مع معرفته لطرق التدخل الطبي الأخرى، وضرورة إعلام بعواقب المرض عند رفضه لنوع التدخل الطبي المعني.

ولا يخفى علينا مدى أهمية الإعلام الذي يتوجب على الطبيب تقديمه للمريض، نظرا للدور الكبير الذي يلعبه ذلك في تنوير وتبصير هذا الأخير بكل ما يتصل بالتصرف المزمع إجراءه له، لأنّه يشتمل على معلومات ومعطيات جوهرية تؤثر في تكوين رأيه بشأن قبول العلاج أو رفض خاصة بعد أن أصبح للتطور الصناعي والتقدم التكنولوجي دخل كبير في تزايد الحاجة إلى الإعلام والنصح والإرشاد، كالتزام قانوني يقع على المحترف في المجال الطبي، كما لا يخفى علينا أن حجم النزاعات تتزايد تكرارا ومرارا ويدور فحواها حول المسؤولية المدنية الطبية.

والتساؤل المطروح حول الموضوع: ما ماهية الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي، وما هي الآثار المترتبة عنه؟

هذا ما سأحاول الإجابة عليه من خلال خطة الدراسة التالية، حيث ارتأيت تقسيمها إلى مبحثين:الأول عنونته بماهية الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي ، ثم المبحث الثاني: أثار الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي .

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول

ماهية الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

يندرج الإخلال بالتزام الطبيب بإعلام المريض ضمن صور الخطأ الطبي
في
العمل الطبي عموما، ومنها أخطاء رفض علاج المريض، وأخطاء تشخيص المرض، وتلك المتعلقة بوصف العلاج ومباشرته، وغيرها من الأخطاء الطبية الشائعة في الوقت الحاضر.

ونظرا لتنوع هذه الأخطاء اكتفينا بالبحث في إحدى تلك الالتزامات، ألا وهي التزام الطبيب بإعلام المريض نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها هذا النوع من الالتزام .

وعليه يقتضي منا الأمر في هذا المبحث التعرض لمفهوم الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي في(مطلب أول)، ثم مضمون

الالتزام بالإعلام في (مطلب ثان).

المطلب الأول: مفهوم الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

سنتناول في هذا المطلب تعريف الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي، ثم التكييف القانوني لهذا الالتزام.

الفرع الأول: تعريف الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي وخصائصه.

حاول كل من الفقه والقضاء تعريف التزام الطبيب بإعلام المريض، فتباينت التعاريف التي أعطيت له بين تأكيد طبيعة التزامه وبين كيفية إعلامه، وبين من ركزت على طبيعة المعلومات وصفتها.

أولا: تعريف الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

لقد عرّفه جانب من الفقه بأنه إعطاء الطبيب لمريضه فكرة معقولة وأمينة عن الموقف الصحي بما يسمح للمريض أن يتخذ قراره بالقبول أو الرفض، ويكون على بينة من النتائج المحتملة للعلاج أو الجراحة1، وبذلك يعتبر الالتزام بالإعلام في جوهره بمثابة التزام بالحوار المتصل بين المريض والطبيب خلال مدة العقد الطبي بهدف الحصول على رضا مستنير2.

ونقلا عن الفقه فقد عرفته الأستاذة جاكلين باز jaklin. Base بأنّه :” الوسيلة الضرورية للتأكد من تعاون المريض بالنسبة للتدابير التي ينوي الطبيب اتخاذها في حالة المرض، ومن أجل العلاج الذي يقتضى إتباعه وقررت بأن الطبيب يقع في الخطأ إذا لم يعلم المريض عن المخاطر التي يحتملها العلاج المقترح”3

كما استعمل الفقه الإسلامي مصطلح أدق من مصطلح الإعلام بالمفهوم الحديث، حيث فضل الفقهاء استعمال عبارة تبصير المريض، إذ لا يقتضي الأمر على الطبيب مجرد إعلام المريض وإخباره بما سيقدم عليه لكن عليه تبصيره، ومقتضى ذلك آن يكون عارفا معرفة مستنيرة وراضيا بالتدخل الطبي على جسده وأثاره4.

وأكدّ القضاء على ضرورة تنفيذ الطبيب لالتزامه بالإعلام وحاول تجسيد هدا المبدأ والتأكيد عليه في عدة أحكام قضائية، فقد ذكرت محكمة النقض الفرنسية أوصافه في قرار لها بأن :”الإعلام يجب أن يكون سهلا ومفهوما وصادقا وملائما وتقريبيا”،
ويفهم من ذلك أنّه يجب أن تكون المعلومات التي يقدمها الطبيب لمريضه، واضحة معقولة ومبسطة بالنسبة للمريض وأمينة بالنسبة لمن يقدمها على أن تكون هذه المعلومات تقريبية.5

وعليه حتى يكون رضا المريض صحيحا بنوعية التدخل الطبي، فإنّه يقع على عاتق الطبيب الالتزام بإحاطته علما بطبيعة العلاج، وإلاّ كان الطبيب مسؤولا عن كافة النتائج الضارة من جراء تدخله ولو لم يرتكب خطأ في عمله.

فإذا رجعنا إلى التشريع الجزائري نجده لم يعرّف هذا الالتزام، بل أشار إليه في بعض المواد فقط، منها المادة 43 من قانون الصحة العامة التي تنص على أنه” يجب على الطبيب أو جراح الأسنان أن يجتهد لإفادة مريضه بمعلومات واضحة وصادقة بشأن كل أسباب عمل طبي”6وجاء مصطلح “يجب” ليفيدنا أن الالتزام بالإعلام يجب أن يتوخى فيه الطبيب الوضوح والصدق.

وعلى هذا يتميز الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي بعدة خصائص تميزه عن باقي الالتزامات

سنعرضها بالتفصيل فيما يلي.

ثانيا: خـصـائـص الالـتـزام بـالإعـلام في عقد العلاج الطبي:

إنّ الالتزام بالإعلام يشمل مجموعة من الخصائص يلتزم بها الطبيب قبل أن يباشر عمله الفني الذي يكتسي مصطلحات طبية لا يفهمها سوى ذوي الاختصاص من أهل الطب.

الخاصية الأولى: توجيه الإعلام للمريض


تظهر في أن يوجه الإعلام إلى شخص المريض نفسه لتكون الثقة قائمة بين طرفي العلاج، وبالتالي يكون رضاؤه سليما على ما يقدم عليه من علاج، غير أن هذا الأمر قد يحول دون تحقيقه، خاصّة إذا كان المريض في حالة لا تسمح له بتقدير ذلك كأن يكون مغمى عليه، أو بالأحرى في غيبوبة تامة، أو كان ناقص الأهلية، أو عديمها، مما يكون توجيه الإعلام واجبا إلى الشخص الذي يقوم مقامه في اتخاذ القرار العلاجي، كما أن حالة الضرورة قد تكون سببا يجعل الحصول على موافقة المريض، أو من ممثله أمرا متعذرا، كأن تكون حالة المريض تتطلب تدخلا سريعا لإنقاذ حياته.

ولقد راعت مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ذلك، فنصت المادة 52 الفقرة 02 على أنه :” يجبّ على الطبيب أو جراح الأسنان في حالة الاستعجال، أو تعذر الاتصال بهم أن يقدم العلاج الضروري للمريض، وعلى الطبيب أو جراح الأسنان أن يأخذ في حدود الإمكان رأي العاجز البالغ بعين الاعتبار إذ كان قادرا على إبداء الرأي”.7

كما نصت المادة 154 الفقرة 2 من قانون الصحة على أنه:”يقدم الطبيب العلاج الطبي تحت مسؤوليته الخاصة إذا تطلب الأمر تقديم علاج مستعجل لإنقاذ حياة أحد القصر، أو أحد الأشخاص العاجزين عن التمييز، أو الذين يستحيل عليهم التعبير عن إرادتهم، و يتعذر الحصول على رضا الأشخاص المخولين أو موافقتهم في الوقت المناسب”8

لهذا فإن حالة الضرورة 9 صعّب من إمكانية توجيه الإعلام إلى المريض نفسه، أو حتى ممثله الأمر الذي يجعل الطبيب يتجاوز هذا الشرط تحقيقا لمصلحة المريض، ولكن في الحدود التي تخص الحالة الصحية له.

الخاصية الثانية: وجوب تقديم المعلومات للمريض من قبل المريض

تتجلى في أن المعلومات التي وجب تقديمها للمريض، أن تكون دقيقة و كافية، حتى يكون ملما بها علما كافيا نافيا للجهالة التي تقوده إلى اتخاذ قرار معيب و هذه المعلومات لا تكون دقيقة وكافية إلا إذا جاءت خالية من المصطلحات الطبية المعقدة، والتي تتعلق أساسا بالعمل الطبي الذي قد يتشكل عنه خطأ يتمثل إما في تخلف الإعلام كلية أو عدم كفايته، أو يكون الإعلام خاطئا، أو كما يسمى بالإعلام الخاطئ( erronée)، ويمكن أن يندرج غالبا في إطار الحوادث الطبية غير العمدية، أو كما يسميه البعض الخطأ الطبي الإنساني(( Une faute contre l’humanisme médicale10.

الخاصية الثالثة:
تقديم المعلومات وفق معيار الرجل العادي

تتجلى في ألا تقل هذه المعلومات عن المعلومات التي يقدمها طبيب مماثل في ظروف مماثلة بحسب ما استقر عليه العلم الطبي، وما كان متعارفا عليه بين أهل الطب وفي نفس التخصص، وإذا حاولنا أن نتفحص هذه الخاصية لأمكن القول أن الطبيب الذي يراعى في تصرفه بتصرف طبيب مماثل له، إنما هذا معيار الرجل العادي الذي يقاس به التصرف الفني الطبي، فيجب أن يكون من طبقته، أو من طائفته، أو من جنسه، فالطبيب العادي هو الذي لا ينحرف عن سلوك أمثاله من الأطباء العاديين الذين لا يعتبرون من النابغين الممتازين، ولا من الخاملين المهملين11.

 

الفرع الثاني: التكييف القانوني للالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

في ظل التغيرات والمخاطر التي أصبحت تهدد حياة وسلامة المريض وتربك الطبيب وتحد من نشاطه وابتكاره، فقد بات من الضروري كفالة الاستقرار والطمأنينة، سواء بالنسبة للأطباء في مواجهة قواعد المسؤولية، أو بالنسبة للمرضى في كفاحهم ضد الآلام ومخاطر العلاج المقترح، ولا يتحقق ذلك إلا بوضع سياج من المبادئ القانونية الحاكمة بداءة للعلاقة بين الطرفين تجد منطلقها أولا من فكرة الممارسة الأخلاقية لمهنة الطب.

أولا : الطبيعة القانونية لالتزام الطبيب بإعلام المريض

القاعدة العامة طبقا لقواعد المسؤولية المدنية الواردة في القواعد العامة ضمن نصوص القانون المدني، أن التزام الطبيب يندرج ضمن أنواع الالتزامات المتعلقة بمدى اتصال أداء المدين بالتزامه بالغاية التي يهدف الدائن إلى تحقيقها، وعليه فإن مضمون أداء الطبيب باعتباره مدينا هنا بالقيام بالعمل الطبي المعني ليس هو الغاية أو الهدف النهائي الذي يرمي إلى تحقيقه، بل هو الوسيلة التي تؤدي إلى تحقيق غاية المريض12وهو الدائن هنا، فهدف المريض النهائي هو الشفاء، والوسيلة لتحقيق هذا الهدف هو قيام الطبيب بالعلاج أو إجراء التدخل الطبي المتفق عليه، ثم تبيان الأساس القانوني لذلك الالتزام.

فالتزام الطبيب هو التزام ببدل عناية أو بتحقيق وسيلة13obligation de moyen) ) وهذا كقاعدة عامة، إلا أنه استثناءا من ذلك يعتبر التزام الطبيب المعالج بإعلام مريضه التزاما بتحقيق نتيجة (résultat obligation de)، وهذا انطلاقا من المبادئ الثابتة في المجال الطبي، وطبقا للقواعد الأساسية المتفق عليها في مهنة الطب، وهو ضرورة تبصير المريض وإحاطته بمخاطر المرض وعلاجه.

فالالتزام بإخطار المريض هو التزام يسبق في وجود العقد الطبي حسب القضاء الفرنسي، وعليه فالتزام الطبيب بالإعلام يعتبر التزاما بوسيلة.

وقد قرر المشرع الجزائري صراحة بأن هذا الالتزام هو التزام بتحقيق نتيجة، وذلك من خلال النصوص القانونية سواء تلك المتعلقة بقانون حماية الصحة، أو المتعلقة بمدونة أخلاقيات الطب.
14

 

ثانيا: الأساس القانوني للالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

1 – النصوص التشريعية والتنظيمية: لقد نص القانون المدني الفرنسي المعدل في سنة 1994 في مادته 16- 03 على أنه يجب الحصول على رضا المريض قبل مباشرة أي عمل طبي على جسم المريض وهو ما يوجب بالضرورة إلزام الطبيب بإعلام مريضه حتى يكون رضاؤه معبرا عن إرادته الحقيقية.

كما نصت المادة 1114- 2 من قانون الصحة الفرنسي المعدل بقانون 04 مارس 2002 على ضرورة حصول الطبيب على الرضا المستنير للمريض قبل كل تدخل طبي، وذلك بعد إفادته بالمعلومات الضرورية.15

لكن تقنين أخلاقيات الطب الفرنسي كان أكثر وضوحا ( claire)، ومناسبا ( appropriée )، لصالح المريض وهو سابق على الحصول على رضا المريض بشأن قبول أو رفض العلاج.

في حين أن المشرع الجزائري لم يتوان عما جاء به التشريع الفرنسي، فجعل أساس هذا الالتزام في نصوص قانونية، وسواء عليه أدرج ذلك في قانون الصحة أم في مدونة أخلاقيات الطب، وكل هذه النصوص توحي بعضها البعض على التزام الطبيب بإعلام مريضه.

تنص المادة 154 من قانون الصحة 85- 05 المعدل والمتمم بالقانون 08-13 16 على مايلي :” يقدم العلاج الطبي بموافقة المريض أو ممن يخولهم القانون إعطاء موافقتهم عل ذلك، كما يقدم الطبيب العلاج الطبي تحت مسؤوليته الخاصة، إذا تطلب الأمر تقديم علاج مستعجل لإنقاذ حياة أحد القصر، أو أحد الأشخاص العاجزين عن التمييز، أو اللذين يستحيل عليهم التعبير عن إرادتهم، ويتعذر الحصول على رضا الأشخاص المخولين أو موافقتهم في الوقت المناسب”، كما تنص المادة 162 من ذات القانون على أنّه :” لا يجوز انتزاع الأنسجة، أو الأعضاء البشرية من أشخاص أحياء إلا إذا لم تعرّض هذه العملية حياة المتبرع للخطر وتشترط الموافقة الكتابية على التبرع بأحد الأعضاء، وتحرر هذه الموافقة بحضور شاهدين اثنين وتودع لدى مدير المؤسسة والطبيب رئيس المصلحة “.

ولا يجوز للمتبرع أن يعبر عن موافقته إلا بعد أن يخبره الطبيب بالأخطار الطبية المحتملة التي قد تتسبب فيها الانتزاع، ويستطيع المتبرع في أي وقت أن يتراجع عن موافقته السابقة، كذلك نصت المادة 168 مكرر 02 من قانون الصحة بشأن التجارب الطبية نصت على أنه:”… يخضع التجريب للموافقة الحرة والمستنيرة للشخص موضوع التجريب، أو للمثل الشرعي،

و تكون هذه الموافقة ضرورية في كل لحظة”.

كما نصت مدونة أخلاقيات الطب الجزائري،17صراحة على التزام الطبيب بالحصول على رضا مريضه بعد إعلامه، فالمادة 43 منها تنص على أنّه: “يجب على الطبيب أن يجتهد لإفادة مريضه بمعلومات واضحة وصادقة بشأن أسباب كل عمل طبّي “.

وأضافت المادة 44 من ذات المدونة على أنّه “: يخضع كل عمل طبي يكون فيه خطر جدي على المريض لموافقة المريض موافقة حرة ومتبصرة، أو لموافقة الأشخاص المخولين منه، أو من القانون وعلى الطبيب، أو جراح الأسنان أن يقدم العلاج الضروري إذا كان المريض في خطر أو غير قادر على الإدلاء بموافقته “.

وفي ذات السياق تنص 45 من ذات المدونة على أنه:”يلتزم الطبيب أو جراح الأسنان بمجرد موافقته على أي طلب معالجة بضمان تقديم علاج لمرضاه يتسم بالإخلاص، والتفاني، و المطابقة لمعطيات العلم الحديثة، والاستعانة عند الضرورة بالزملاء المختصين، و المؤهلين”، والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع الجزائري، وعلى غرار نظيره الفرنسي لم ينص صراحة على التزام الطبيب بالإعلام في قانون حماية الصحة وترقيتها، واكتفى فقط بالتأكيد على حق المريض في الرضا18

2- العقد الطبي ذاته

إن جانبا من الفقه الفرنسي يرى أن أساس التزام الطبيب بإعلام مريضه هو العقد الطبي ذاته19 ،لكن الإشكال الذي يثور هنا حول التسليم بالطبيعة قبل التعاقد والطبيعة التعاقدية المتولدة عن العقد نفسه.

إن إعلام المريض التزام ينشأ قبل إبرام العقد فهذا لا يغير من طبيعته التعاقدية20، وإذا أخل الطبيب بالتزامه هذا، فإنه يكون قد أخل بالتزامه التعاقدي ويسأل على أساس المسؤولية التقصيرية21إذا لم يبرم العقد.

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: مضمون الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي وشروطه

ارتأيت في هذا المطلب تبيان مضمون الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي ، ثم شروط هذا الالتزام .

الفرع الأول:
مضمون الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

إن الالتزام بالإعلام يقع زمنيا على عاتق الطبيب في كافة مراحل العلاقة الطبية من تشخيص وعلاج، بل ويمتد كذلك إلى المرحلة اللاحقة للعلاج.

أولاالإعلام في مرحلة التشخيص:

بالنسبة للإعلام في مرحلة التشخيص فالملاحظ أن هذه العملية أصبحت أكثر مساسا بسلامة الجسم نظرا لتطور أساليبها وتنوع أدواتها23، وزادت في ذات الوقت المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المريض نتيجة استخدام هذه الأساليب، لذلك يتعين على الطبيب إعلام المريض بطريقة التشخيص التي ينوي مباشرتها للتحقق مما يعاني منه، وكذا المخاطر التي تتضمنها هذه الطريقة، فإذا تحصل على موافقة المريض جاز له مباشرة عملية التشخيص24.

وفي حالة ما إذا توصل الطبيب إلى تحديد المرض الذي يعاني منه المريض، وجب عليه إعلامه بطبيعة هذا المرض والتطور المحتمل حصوله في حالة عدم مباشرة أي إجراء طبي بصدده25.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل يجوز للطبيب أن يخفي عن المريض حقيقة حالته، أو نتائجها المرتقبة، إذا ما قرر أن مصلحة المريض ذاته تقتضي ذلك ؟

إن إعطاء الطبيب إمكانية عدم الإدلاء ببعض المعلومات للمريض أو إخفائها عنه، إذا ما قدر أن الإفصاح عنها يضر به، يطلق عليه التحديد العلاجي الإعلامي(( La limitation thérapeutique de l’information ، وهو ما تتضمنه المادة 35 فقرة 2 من تقنين أخلاقيات الطب الفرنسي التي تقضي بأنه :”لمصلحة المريض ولأسباب مشروعة، يقدرها الطبيب، وفقا لضميره، يمكن أن يترك المريض على جهله بالتشخيص أو بالعواقب الخطيرة للمرض.”26.

إلاّ أنّ المشرع الفرنسي أورد استثناءا على سلطة الطبيب في هذا الصدد يتعلق بحالة ما إذا كان المرض الخطير الذي كشف عنه التشخيص يعرض الغير لخطر العدوى، ففي هذه الحالة يتعين على الطبيب إحاطة المريض علما بمرضه حتى يتمكن من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقاية الغير من العدوى27.

ثانيا : الإعلام في مرحلة العلاج :

إذا ما توصل الطبيب إلى تشخيص المرض الذي يعاني منه المريض وانتقل إلى مرحلة العلاج التزم بإعلام المريض بكل ما يتعلق بالعلاج الذي يقترحه28، فإذا تعلق الأمر بعلاج جراحي مثلا، فعليه إعلام المريض بطبيعة الجراحة التي سيخضع لها ونتائجها المتوقعة، وعليه كذلك إعلامه بالمخاطر المحتملة لهذا النوع من العلاج29، بل وحتى البدائل العلاجية الأخرى في حالة تعددها .

وبخصوص إعلام المريض بالبدائل العلاجية فلقد نص المشرع الفرنسي في المادة 1111-2 من قانون الصحة العامة الفرنسي المعدل، على وجوب إعلام المريض بكل البدائل العلاجية الأخرى بما في ذلك رفض العلاج وآثاره ذلك على صحة المريض30، بل ذهب المشرع الفرنسي إلى أبعد من ذلك حيث نص على ضرورة إعلام المريض بقيمة وحجم نفقات العلاج31.

ثالثا ـ الإعلام في المرحلة اللاحقة على العلاج:

إن التزام الطبيب بإعلام المريض يمتد أيضا إلى ما بعد إتمام العلاج، إذ يتعين عليه في هذه المرحلة إعلام المريض بالنتائج المحققة من العلاج32، وكذلك بالاحتياطات التي يجب على المريض مراعاتها لتجنب أي تعقيدات مستقبلية، هذا ويبقى الطبيب ملزما بإعلام المريض في حالة ما إذا اكتشف أخطارا جديدة بعد تنفيذه للتدخل الطبي، باستثناء الحالات التي يستحيل فيها العثور على المرض.

 

الفرع الثاني: شروط الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

مما لاشك فيه أن الإعلام الذي يكون بعد التدخل الطبّي، يكون عديم الفائدة بالنسبة للمريض، إذ هذا الأخير حاجته تظهر في فهم حالته الصحية فهما صحيحا.

أولا:
أن يكون الإعلام بسيطا ومفهوما لدى المريض

إن الفائدة المرجوة من العمل الطبي، أن يكون المريض عن بينة بطبيعة العلاج المقترح عليه وما يحف حوله من مخاطر وأضرار، وحتى لا يقدم عليه بقرار معيب خاطئ إذ لو أرشد عليه إرشادا سليما

وواعيا لرفضه ولأحجم عن إصدار رضائه المعيب، فالطبيب يجب عليه إدراك أن المرضى ليسو سواء في مستوياتهم التعليمية، أو الثقافية، وبالتالي يجب أن تكون المعلومات بسيطة متوافقة والمستوي الثقافي الطبي لكل مريض، فاستعمال مصطلحات خالصة تحول دون استيعابها من قبل المريض.

بالإضافة إلى ذلك يلتزم الطبيب بمراعاة الظروف الشخصية للمريض عند إعلامه كمعدل عمره جنسه، فما يقدمه الطبيب من معلومات لشخص في مقتبل العمر يختلف عما يقدمه لشخص طاعن في السن، لذا من واجب الطبيب أن يراعي ذلك بما يتناسب مع مستوى فهم المريض.33

ثانيا:
أن يكون الإعلام كافيا وكاملا

لقد حددت محكمة النقض الفرنسية، أن تكون المعلومات التي يدلى بها الطبيب لمريضه بسيطة (simple)، يمكن استيعابها، intelligible)) صادقةloyal) ) وتقريبية (approximative) ، مما
يعني ذلك وجوب أن تكون تلك المعلومات كاملة34، وهذا يعني أنه مادامت تلك العملية تمثل مساسا بجسم المريض فإنه يجب أن يحاط علما بالمخاطر التي تتضمنها هذه الطريقة ليتاح للمريض بذلك اتخاذ قراره بقبوله الخضوع لهذه الطريقة أو رفضها.


ثالثا:

أن يكون الإعلام دقيقا وصادقا


رأينا أن الطبيب يلتزم تجاه مريضه بتبصيره بالمعلومات
الفنية الطبية بصيغة واضحة كاملة وكافية وفضلا عن ذلك يجب أن يكون إعلاما دقيقا، وصادقا، فالطبيب وهو يشخص الحالة المعروضة عليه يلتزم بأن يشير ويعرب عن تلك المعلومات بدقة، وصدق وأمانة، ويعرض بناءا على ذلك المزايا المنتظرة ،وكذا المساوئ التي قد تترتب عنه ليساعده ويشاركه في اختيار الطريق السليم عن دراية وعلم لا عن جهالة وجهل.35

فقد أقر المشّرع الجزائري، على الالتزام بالإعلام على غرار التشريعات الأخرى، إذ نصت المادة 44 من مدونة أخلاقيات الطب” يخضع كل عمل طبي يكون فيه خطر جدي على المريض لموافقة حرة ومتبصرة…” فعبارة حرة ومتبصرة توحي وتدل على أن يسبق التدخل الطبي إعلام الطبيب للمريض.

 

المطلب الثالث: مجال الالتزام بالإعلام

الواقع أن التزام الطبيب بإعلام المريض بمخاطر المرض والعلاج ليس التزاما مطلقا، بل أن هناك أمورا تحدّ من نطاقه، فمثلا ليس من الضروري إعلام المريض بكافة النتائج المحتملة للعلاج، كما أنه يلزم بخصوص هذا الإعلام أن تراعى الحالة النفسية للمريض، وأن يضع في اعتباره وهو يتعامل مع المريض ظروف سنه، ونوعية الأمراض التي يعاني منها، لذا نجد سوء حالة بعض المرضى يمنع الأطباء كشف حقيقة وضعهم الصحي كي لا تتفاقم حالتهم الصحية، وعليه سنعالج حدود الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي ، ثم تبيان الاستثناءات الواردة على التزام الطبيب في عقد العلاج الطبي.

 

الفرع الأول: حدود الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

من الأمور المؤكدة أنّ الطبيب لن يستطيع أن يؤدي عمله بنجاح، لو كان ملتزما في كل الأحوال بإعلام المريض، وتبصيره بكل مخاطر العلاج، فإذا كان الطبيب مقدما على عملية جراحية، أو علاج خطير على درجة كبيرة من الأهمية، فقد يؤدي إخبار المريض بكل التفاصيل والاحتمالات إلى قيام بعض العقبات المادية والمعنوية.36

لذا يجب علينا أن نضع حدود النطاق القانوني الذي تصب فيه المعلومات التي يلزم الطبيب بتقديمها لمريضه حتى يكون بذلك قد أوفى بالتزامه اتجاه المريض، ومن هنا سنتحدث عن التزام الطبيب بإعلام المريض المقتصر على المخاطر المتوقعة، ثم الحديث عن التزام الطبيب بإعلام مريضه بكل أنواع المخاطر وكذا الآثار والخيارات والبدائل العلاجية

 

أولاـ التزام الطبيب بالإعلام يقتصر على المخاطر المتوقعة

يكاد الفقه يجمع على أن الطبيب لا يلتزم بلفت نظر المريض، أي أنه لا يشترط لصحة رضاء المريض أن يكون تبصيره كاملا بشأن حالته الصحية والأسلوب الذي يقترحه أو وسيلة تشخيص أو غيرها من أوجه المعرفة، فيكفي أن يحيطه الطبيب علما

بحالته الصحية دون أن يتعرض للمخاطر والمضاعفات أيا كانت طبيعتها أو درجة توقعها.37

حيث أنه لا يمكن أن يطلب من الطبيب الذي يشرف على سيدة توشك على وضع حملها، أن يخبرها أن اثنين في الألف في السيدات يمتن أثناء الولادة، وهذا ما طبقته محكمة (نيم)38، وذلك عندما رفضت دعوى ورثة أحد المرضى، والذي توفي إثر حقنه بحقنة الصبغة اللازمة قبل إجراء الأشعة وكان الورثة قد ادعوا أن الطبيب لم يعلم مورثه بالخطر الذي تعرض له، فرفضت المحكمة دعواهم لما ثبت لديها أنه لن يسجل سوى حادث واحد لكل 3000 ممن يحقنون بهذه المادة، وأن تلك الحقنة لا يشكل محتواها أي خطورة تتعدى صورة الأشعة ذاتها، وقد تكون لدى المريض أصلا حساسية لمادة يودIode) ) يصعب اكتشافها آنذاك.

يجب أن تكون المعلومات التي يقدمها الطبيب لمريضه واضحة، وبصفة مبسطة، إلا أن القضاء الفرنسي ولإبراز حدود هذا الالتزام انقسم إلى اتجاهين:


فبالنسبة لمخاطر العلاج، فإنّ القضاء الفرنسي لم يلزم الطبيب بإعلام مريضه إلا بالمخاطر المتوقعة عادة دون الإختلاطات أو المخاطر الاستثنائية النادرة، ذلك أن كشف جميع هذه المخاطر  لا فائدة منها لأنه قد يؤدي إلى اضطراب المريض في اتخاذ القرار المناسب.


أما بالنسبة للعمليات الجراحية التجميلية، فقد تقرر إلزام الطبيب بإعلام المريض بكل الأخطار، إذ حكم بمسؤولية الطبيب الذي أجرى عملية جراحية تجميلية على الجفون السفلى ولم يخطر المريضة بالأخطار الاستثنائية التي قد تؤدي إلى العمى، وقد برر القضاء هذا المسلك على أن هذه العمليات لا تعدّ عاجلة، وأنه من الممكن الامتناع عن إجرائها إذا تواجدت بعض المخاطر حتى وإن كانت استثنائية.

 

 

ثانيا: التزام الطبيب بإعلام المريض بكافة المخاطر و الخيارات والبدائل العلاجية

إن التزام الطبيب بإعلام المريض بحقيقة حالته مهما كانت الأمور، وبكل ما يرتبط بها من مخاطر حتى لو كانت بعيدة الاحتمال عن ذلك لكي يتمكن المريض في أن يتخذ قراره في ضوء كافة الظروف المصاحبة، فحق المريض من التعرف على كافة المعلومات المتعلقة بالمضاعفات والمخاطر وغيرها يرتبط بحق الفرد في تقرير مصيره رغم أن هناك حالات لا يكون المريض قادرا على تحمل حقيقة مرضه، ومع ذلك فإن للمريض مصالح جوهرية في معرفة حالته، والطبيب الذي يخل بهذا الالتزام، فإنه يخل بواجباته الجوهرية.39

فالإعلام الكامل هو في المقام الأول التزام مهني، وهو في نفس الوقت التزام عقدي ناشئ عن العقد الطبي المبرم بين الطرفين40، ومباشرة العلاج بغير إعلام المريض إعلاما شاملا يشكل خطئا يستتبع المسؤولية41، بل أن الإخفاء والكذب يعتبران من قبيل التدليس الذي يعيب العقد الطبي، ومن ثم يبرر طلب بطلانه.

ولقد أخذت محكمة النقض الفرنسية بمفهوم جديد للمخاطر التي يلتزم الطبيب بإعلام المريض بها حيث لم يعد الأمر قاصرا على احتمالية المخاطر للقول بوجود التزام بالإعلام، أي أنه لم يعد تحقق المخاطر من عدمه هو المعيار بحيث يلتزم الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر المتوقعة، وإنما أصبح الأمر متعلقا بجسامة تلك المخاطر، بمعنى أنه كلما كان الخطر على درجة عالية في الخطورة حتى لو كان عاديا ويحدث بشكل استثنائي كان لزاما على الطبيب إعلام المريض به.42

يرى أن الطبيب ملزم بإعلام مريضه بكل الأخطار العادية، وغير المتوقعة والنادرة43، وهكذا أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارين مؤرخين في 07 أكتوبر1998 ، قضت فيهما بأن الأخطار الاستثنائية تكون محلا لإعلام المريض بقولها: “لأن القرار قد خرق المادة 1147 من القانون المدني الفرنسي عندما رفض دعوى المسؤولية التي رفعت من طرف السيدة ضد الطبيب الذي قام بعملية توليد قيصرية قبل أوانها لطفلها الثاني، نتج عن العملية عقم للمريضة بسبب ربطه المجاري التناسلية الواقعة بين المبيض و الرحم، في حين لا يجوز للطبيب إعلام المريض و الحصول على رضاء حر عند إجراء تدخل جراحي لا ضرورة ولا خطر حال على المريضة.

أما موقف المشرع الجزائري فقد اشترط الموافقة الكتابية وحتى حضور شاهدين فيما يتعلق بانتزاع الأعضاء البشرية، والأنسجة من أشخاص أحياء، وألا تعرض هذه العملية حياة المتبرع للخطر أو في حالة ما إذا كانت عملية الانتزاع الوسيلة الوحيدة للمحافظة على حياة المريض، على أنه يحق لهذا الأخير التراجع عن موافقته السابقة.

وإنّ الطبيب يلتزم علاوة على ذلك أن يعلم المريض بآثار المخاطر التي يمثلها العلاج، ذلك على الرغم في الآمال التي تتعلق بالتدخل الطبي المقترح إجراءه، إلا أنه يترتب عليه في بعض الأحيان الآثار المشئومة التي يعد تحقيقها لا أمرا لا يمكن تفاديه.

كما يجب على الطبيب أن يعلم المريض إعلاما كاملا بطرق العلاج الممكن، والبدائل، والخيارات المتاحة، مبينا مخاطر ومميزات كل طريقة. وكل ذلك يجب أن يتم في خطوطه العريضة بعيدا عن التعقيدات والمصطلحات الفنية، فالمريض الذي لا يفهم في الطب، أو كانت درجة ثقافته أو ذكائه محدود يجب على الطبيب أن يتوسع في شرحه وإعلامه بالمرض ومخاطره، فالالتزام بالإعلام يتسع بالنسبة لمن لا علم له بالطب ويضيق بالنسبة لمن لديه دراية بالفن الطبي، والأشخاص العاديين لا يمكن افتراض معرفتهم بالطب بالرغم من افتراضهم بالقانون44.

 

 

 

الفرع الثاني: الاستثناءات الواردة على التزام الطبيب بإعلام مريضه

إذا كان الطبيب ملتزما قانونا بضرورة الحصول مسبقا على إذن المريض بقبول العمل الطبي المقترح، بحيث يكون الطبيب مسؤولا إذا تجاهل إرادة مريضه، وباشر العمل الطبي دون الحصول على رضائه المستنير شخصيا أو من يمثله قانونا بمثل هذا العمل الطبي.

إلا أنه استثناءا من القاعدة السابقة لا يلتزم الطبيب بإعطاء مريضه كل التفاصيل الفنية، التي لا يستطيع أن يستوعبها المريض علميا سواء ما تعلق بنتائج المرض، أو طرق العلاج المستخدمة، فالطبيب لا يمكنه أن يشرح للمريض العادي كل ما يمكن أن تثيره لديه عملية التخدير، أو الصدمات الكهربائية طالما أن تلك الطرق متعارف عليها علميا على استخدامها، فقد لا يفهمها المريض كما يفهمها المتخصص في مجال الطب، ولكن يجب على الطبيب تبسيطها له بشكل عام، وبمصطلحات يكون قادرا على استيعابها دون تعقيدها، ويجب أن تكون باللغة التي يفهمها هذا المريض، وإلا لن يستفيد هذا الأخير من معلومات طبيبه، وكل مخالفة لهذا الحكم يعتبر خروجا عن أحكام المادة 43 من المرسوم التنفيذي45 92- 276 ، مما يستوجب تحمل المسؤولية القانونية من طرف المشرف على هذا المريض.

فإن ثمة حالات تعفي الطبيب من واجب الإعلام وتمكنه من مباشرة العمل الطبي دون حصول مسبقا على موافقة المريض أو من ينوب عنه، وبالرغم من ذلك لا يرخص للمريض بالرجوع على هذا الطبيب بدعوى المسؤولية وهذه الحالات هي حالة عدم رغبة المريض في المعرفة واضطراب حالته النفسية ، وحالة الضرورة والاستعجال في التدخل الطبي و حالة رعاية مصلحة العامة.

 

المبحث الثاني

الآثار المترتبة عن الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

يهدف الالتزام بالإعلام إلى ضمان رضاء سليم للمتعاقد الأخر، يقع على عاتق المحترفين في علاقاتهم مع غير المحترفين أو المستهلكين، ليشكل إحدى آليات التوازن العقدي، وكله انحدار من فكرة حماية الطرف الضعيف، الذي أصبح مبدأ يكسر يوما بعد الأخر، وفي مجالات عدّة ومن ثمّ كان من البديهي أن لا نستكثر على المريض هذا الحق، وهو الذي يعاني الأمرّين مرارة جهله للخفايا الطبية وتعامله مع مهني محترف، ومرارة الحالة المرضية التي يشكوها .

فالتعويض عن الضرر الجسدي يعدّ أهم الغايات التي سعت إليها أغلب المحطات الكبرى في مسيرة المسؤولية المدنية، وفي مجال المسؤولية المدنية الطبية، وعليه سنتناول إثبات الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي ثمّ جزاء الإخلال بهذا الالتزام .

المطلب الأول: إثبات الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

رغم اختلاف جميع الحلول المؤيدة لوضع حدود لعبء الإثبات الملقى على عاتق المريض، إلا أنها اتّحدت من حيث غايتها، وهي إعفاء المريض من عبء إثبات الخطأ الطبي، أو على الأقل التخفيف منه، وذلك إدراكا للصعوبات التي يواجهها المريض في النهوض بهذا العبء.

الفرع الأول:
عبء إثبات الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي

لقد انقسم الفقه46 في هذا الشأن إلى اتجاهين فمنهم من يرى أن الإثبات يقع على عاتق المريض، ومنهم من يرى أن الإثبات يقع على عاتق الطبيب.

 

أولا: وقوع عبء الإثبات على عاتق المريض

ذهب جانب من الفقه47 إلى أن عبء إثبات خطأ الطبيب الناجم عن عدم الإعلام يقع على عاتق المريض على اعتبار أن الالتزام بالتبصير ما هو إلا جزء من الالتزامات العامة التي يفرضها العقد الطبي، وما على الطبيب إلا الالتزام بتقديم العناية المطلوبة، والمطابقة للمعطيات العلمية فهو التزام ببذل عناية ومن ثمّ يقع على عاتق المريض إثبات عدم تبصيره، وذلك بإقامة الدليل على أن الطبيب قد أخل بالتزامه العقدي بتزويده بالمعلومات الصحيحة والكافية عن طبيعة التدخل الطبي المزمع القيام به، أو العلاجات التي يصفها له، والأخطار التي يتعرض لها.

وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في قرار لها مقتضاه أن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، خاصة وإذا أنكر على الطبيب بذل العناية الواجبة بالتنبيه والإعلام، فإن عبء إثبات ذلك يقع على عاتق المريض، إلا أنّه إذا أثبت هذا المريض واقعة ترجح إهمال الطبيب فإنّه يكون بذلك قد أقام قرينة قضائية على عدّم تنفيذ الطبيب لالتزامه، ينتقل العبء بمقتضاه إلى الطبيب، ويتعين عليه لكي يدرأ المسؤولية عن نفسه أن يثبت قيام حالة الضرورة، التي من شأنها أن تنفي عنه وصف الإهمال.

ثانيا: وقوع عبء الإثبات على
عاتق الطبيب

بعد استقرار دام ما يزيد على نصف قرن، تراجعت محكمة النقض الفرنسية عن قضائها الثابت بإلزام المريض بإثبات أنّ الطبيب قد قّصر في واجب الإعلام و أرجعته على عاتق الطبيب المدعى عليه.

ولقد كان لهذا نقطة تحول بالنسبة لعبء الإثبات، وكان ذلك بمناسبة حكم Hédreul الشهير48 الذي بمقتضاه لم يعد المريض المدعي مطالبا بإقامة الدليل على ما يدعيه، وإنما أصبح الطبيب هو المكلف بذلك، والذي يتجلى في أنّه قام بواجب إعلام المريض.

وتتلخص وقائع الدعوى التي جاء فيها حكم محكمة النقض الفرنسية في 25فيفري1997 في أن السيّد Hédreul كان يعاني من ألام في المعدة، وقدّر الطبيب المعالج له ضرورة إجراء عملية جراحية تستدعي استخدام المنظار، وبالفعل أجريت هذه العملية غير أن المريض ظل يعاني من ألام شديدة بالمعدة، وبإعادة الكشف عليه تبين إصابته بثقب في الأمعاء و هو خطر حدده تقرير الخبير احتمال حدوثه في مثل هذا النوع من العمليات الجراحية بنسبة 3% الأمر الذي جعل المريض يرفع أمره إلى المحكمة ملتمسا تعويضا.

غير أنه عند عرض الأمر على محكمة النقض الفرنسية قررت مبدأ بقولها أن من يقع على عاتقه قانونا، أو اتفاقا التزاما خاصا بالإعلام يجب عليه أن يقيم الدليل على قيامه بتنفيذ هذا الالتزام، ثم طبقت هذا المبدأ على الأطباء مقررة أنّه لما كان الطبيب يقع على عاتقه التزام خاص بالإعلام تجاه المريض، فإنّه يجب عليه أن يثبت أنّه نفذ هذا الالتزام، وهو ما يتعين معه القول بأنّ محكمة الاستئناف قد خالفت نصّ المادة1315 من القانون المدني الفرنسي.

ما يمكن ملاحظته على هذا الحكم الجديد أن محكمة النقض الفرنسية أضفت حماية للمريض المضرور، وذلك بإعفائه من عبء إثبات الواقعة التي يدعي بها، و هي في ذات الوقت جعلت هذا العبء على الطبيب، وبالتالي تكون قد أعفت المريض من عبء إثبات واقعة سلبية.

كما أن هذا القضاء بإلقائه عبء الإثبات على عاتق الأكثر قدرة على النهوض به يندرج ضمن التحولات الهامة التي شهدها القانون الفرنسي في مجال حماية الطرف الضعيف في العلاقة الطبية.

وقد أكد هذا المبدأ العام الذي يسري على كل من يقع على عاتقه الالتزام بالإعلام سواء كان مصدره القانون أو الاتفاق، ثم طبقته على الطبيب في علاقته مع المريض، ويرى البعض 49
أن الأساس القانوني لهذا التحول هو الفقرة الثانية من نص المادة 1315 من القانون المدني الفرنسي التي تقضي على أنّه :”من يدعي الوفاء بالتزامه أن يثبت ذلك أو يقدم الدليل على الواقعة التي أدت إلى انقضاء التزامه”.

لكن إذا كان هذا هو السند القانوني لهذا التحول، فإنّ بعض الفقه يرى أن ما انتهت إليه محكمة النقض في قضائها الجديد يتفق تماما مع نص المادة 1315 من القانون المدني الفرنسي، حيث أن الفقرة الأولى من هذه المادة لا تفرض على من يطالب بتنفيذ الالتزام إلا إثباته أي لا يقع على عاتقه إثبات عدّم التنفيذ بينما الفقرة الثانية من ذات القانون، تقرر بوضوح أنّه على من يدعي الوفاء به أن يقيم الدليل على ذلك، كذلك يضيف هذا الفقه أن خصوصية العمل الطبي ذاته لا يبرر التدخل الطبي إلا بالرضا المتبصر للمريض، وبذلك يكون إعلامه شرطا لهذا التدخل، وبالتالي يقع على عاتق الطبيب إثبات تحقق هذا الشرط.

وبمعنى أخر فإن عبء إثبات عدم تنفيذ الالتزام بالإعلام في جانبه هذا يكون على عاتق الدائن باعتباره الشق الثاني للالتزام بالإعلام وهي من قبيل الالتزامات ببذل عناية التي تخرج من نطاق أحكام الفقرة الثانية من المادة 1315 من القانون المدني الفرنسي.

ولكن أمام هذا الوضع وإن كان قد فرّق بين الالتزام بالإعلام بشأن نقل المعلومة وبين فهمها، حيث يترتب على الأولى تحقيق نتيجة، وعلى الثانية بذل عناية، فإن الالتزام سواء في نقل المعلومة أو في فهمها هو التزام بتحقيق نتيجة، لأن الطبيب وإن كان ملزما بنقل المعلومة إلى المريض فلا محالة من أن يستخدم الطرق الممكنة في جعل المريض يستوعبها على نحو يحقق الهدف من نقلها، و تأكد ذلك في النصوص القانونية سواء عليه كانت تتعلق بأخلاقيات مهنة الطب في فرنسا التي تؤكد مواصفات الالتزام بالإعلام أن يكون أمينا واضحا وملائما بخصوص حالة المريض الصحية، أو ما أكده القضاء الفرنسي من وجوب أن تكون المعلومات التي يدلي بها الطبيب للمريض بسيطة ومفهومة وأمينة وملائمة50.

وفي هذا، ذهبت محكمة النقض الفرنسية بشأن إثبات تنفيذ الطبيب لواجبه في الإعلام، وأن الأمر يبقى تقديره لسلطة القاضي التقديرية، و يمكن للطبيب عند غياب الدليل الكتابي الاستدلال بالقرائن لإثبات حصول المريض على الإعلام اللازم قبل مباشرة التدخل الطبي، وبناء على ذلك أنه يجوز إثبات ذلك بجميع وسائل الإثبات بما فيها القرائن البسيطة، مما يعني معه رفض طلب الإعلام الكتابي.

أما في حالة الاستعجال فقد أجاز المشرع الحصول على رضا بجميع الطرق بواسطة النائب العام وعليه فان الكتابة في عملية زرع الأعضاء تعد دليلا مهما على حصول الطبيب على موافقة المتبرع، وعلى هذا الأساس لا يجوز للطبيب مباشرة عملية الاقتطاع إلاّ بعد الحصول على وثيقة الرضا للمتبرع الذي يدرك خطورة ما هو مقبل عليه.

ومن جهة أخرى، تتضمن الكتابة عناصر الإعلام التي تحصل عليها المتبرع خاصة ما تعلق منها بمخاطر العملية، وبالتالي يكون الطبيب في مأمن من قيام المسؤولية في حقه، ولقد ساير المشرع الجزائري المشرع الفرنسي حيث اشترط الموافقة الكتابية بحضور الشهود، إذ تنص المادة 162 الفقرة02 من قانون حماية الصحة وترقيتها وترقيتها على ما يلي:” تشترط الموافقة بحضور شاهدين اثنين و تودع لدى مدير المؤسسة و الطبيب رئيس المصلحة”.

وأخيرا اشترط المشرع الفرنسي الرضاء المكتوب في حالة الوقف الإرادي للحمل،
فقد نصت المادة05.162 من تقنين الصحة العامة على أنّه:”إذا جددت المرأة طلبها بالإجهاض بعد الاستشارات المبينة بالمواد162ف 03. والمادة 162ف 04. يتعين على الطبيب أن يطلب منها تأكيد مكتوبا”،51 إن هذه الحالة يكون فيها إثبات الرضا من خلال الشكل الذي حدده القانون وفي هذا مصلحة للمريض من ناحية إعفائه من مشقة البحث عن دليل على عدم رضائه بالعمل الطبي، فعدم توافر الرضا في الإطار الشكلي الذي حدده القانون له إنما يعني قيام الطبيب بالعمل الطبي دون الحصول على موافقته، وكذلك من ناحية أخرى فيه مصلحة للطبيب للتخلص من المسؤولية التي قد تلقى على عاتقه، وإذا كان الطبيب يثبت قيامه بواجب الإعلام بجميع الطرق الخاصة بالإثبات، فإنه قد لا يستبعد اللجوء إلى دليل الكتابي.

الفرع الثاني:
إثبات الالتزام بالإعلام في القانون الجزائري

إذا كانت العلاقة القانونية ـ العقد الطبي ـ التي تربط المهني الطبيب ـ بالمستهلك المريض من جهة، فإن ذلك يستحق توفير الحماية له منطلقها إعلامه بصفة مستنيرة وواضحة ولا شكا أن حالة الضعف التي يوجد فيها المريض الذي يكون جاهلا لخبايا الطب وتقنياته، ويكون مضطرا للعلاج حتى يدفع عن نفسه الآلام والمعاناة قد تدفعه لقبول مخاطر التدخل الطبي، فهنا تقضي الأخلاقيات المهنية ونصوص القانون من الطبيب أن يلتزم بإعلامه52.

كذلك لو ثبت إخلال الطبيب بواجب الإعلام فلا شك أن جزاءه يترتب في مساءلته و إلزامه بجبر الضرر الذي أصاب المضرور، وذلك طبقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية، وعلى هذا الأساس سوف نحاول توضيح في هذا المطلب عبء إثبات ذلك الالتزام وفقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية (الفرع الأول)، ووفق قواعد العامة للإثبات في القانون الجزائري (الفرع الثاني).

 

أولا: إثبات واجب الإعلام وفق لنظرية عيوب الرضا

لا يكفي أن يكون رضا المريض بالعلاج قد تم بعد معرفة كاملة بالمخاطر التي من الممكن أن تحدث نتيجة ذلك بل يجب أيضا أن تكون إرادة المريض خاليا تماما من عيوب الإرادة.

ويمكن القول بأن عدم المساواة الفنية الموجودة بين الطبيب والمريض و الخطر المحتمل حدوثه في كل تدخل جراحي أو أي علاج طبي والحالة النفسية التي يمر بها المريض كل هذه العوامل توضح لنا أن الرضاء المعيب من جانب المريض على قيام عقد العلاج يمكن أن تكون له تفسيرات متنوعة، فإذا رجعنا إلى عيوب الإرادة المعروفة في إطار النظرية العامة للالتزام فإنه سيلاحظ أن هذه العيوب يمكن أن تظهر لها بعض التطبيقات في مجال عقد العلاج، ومن المعروف أن الغلط هو أحد العيوب المفسدة لرضا العاقد .

وقد نظم المشرع الجزائري أحكامه في المواد من 82 إلى 85 من القانون المدني، فالالتزام بالإعلام الواجب للمريض يتمثل في تزويد هذا الأخير بكل المعلومات التي تخص حالته الصحية، وهذه المعلومات التي وجب فيها الوضوح، والصدق والكفاية تحول دون وقوعه في الغلط. 53

ولكن المريض الذي يخدّع بخصوص طبيعة مرضه أو حول طريقة العلاج المطلوبة لهذا المرض بعد أن قام الطبيب بتوضيح كامل للعلاج المطلوب والآثار المحتمل حدوثها نتيجة له لا يكون مقبولا منه بعد ذلك أن يطلب من القضاء إبطال العلاج للغلط الذي وقع فيه وهذا الأمر يركّز عليه الفقه بصورة واضحة54، ولقد نص المشرع الجزائري في المادة 81 من القانون المدني على أنّه:”يجوز للمتعاقد الذي وقع في الغلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب إبطاله”، ولقد عرّفت المادة82 من ذات القانون الغلط الجوهري بقولها:” يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدّا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع هذا الغلط، ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة الشيء يراها المتعاقدان جوهرية ويجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد ولحسن النية.

إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد”، وطبقا لهذا النص فإنّ القانون المدني الجزائري أخد بمعيار ذاتي في الغلط وترك المعيار المادي الذي كان سائدا لدى الفقه الفرنسي القديم55، متأثرا فيه برأي الفقيه الفرنسي القديم ”بوتييه”، وعليه فالطبيب الذي يخل بالتزامه المتمثل في إفادة المريض بالمعلومات الضرورية يجوز له طلب إبطال العقد لأن تلك المعلومات جوهرية بالنسبة له، إذ لو علم بها علما كافيا نافيا للجهالة لكان يقرر مصيره بقرار سليم وواع بحيث تكون إرادته متبصرة، وما دام لم يبصر بها، فإنه يكون قد وقع في غلط إذ لولاه ما أقدم على العلاج الطبي.

ومن جهة أخرى يعد التدليس كذلك من عيوب الإرادة المفسدة للرضا في القانون الجزائري طبقا لأحكام المواد 86 و87 من القانون المدني الجزائري فتنص المادة 86 من القانون المدني على أنه:”يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه، من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد،
ويعتبر تدليسا السكوت عمدّا عن واقعة، أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة”.

فالتدليس هو استعمال طرق احتيالية من شأنها أن تخدع المدلّس عليه و تدفعه إلى التعاقد فهو إذن يفترض قيام عنصرين، عنصر مادي وهو استعمال الحيل، وعنصر شخصي وهو أن تكون هذه الحيل من الجسامة بحيث لولاها ما أبرم المدلس عليه العقد و الحيل وسائل أو مظاهر خادعة 56، إذ قد يلجأ الطبيب إلى طرق احتيالية لكي يحصل على رضاء المريض، ومثال ذلك يستدعي الطبيب المريض إلى عيادته بحجة عمل طبي ولكنه يقوم بإجراء التجارب عليه بهدف التأكد من فاعلية طريقة جديدة للعلاج.

وقد يكون التدليس عملا سلبيا محضا حيث يكفي مجرد الكتمان طريقا احتياليا، وإذا كان الأصل هو أن الكتمان لا يعد تدليسا إلا أنه في بعض الأحوال يكون من الضروري بيان أمر من الأمور، ومن تم يلتزم المتعاقد الذي يعلم بهذا الأمر الإفضاء به فإذا لم يقم بذلك كان مرتكبا للتدليس على المتعاقد الأخر

فالالتزام بالإعلام قد يكون مصدره نص القانون، وفي أحيان أخرى مصدره ذلك الاتفاق الصريح ولكن في أغلب الأحيان يكون مصدره تلك القاعدة القانونية العامة التي تقضي بعدم جواز الغش، وقد استقر القضاء الفرنسي على أن الكتمان يعد عملا تدليسيا في مجال العقد الطبي فالظروف التي يمر بها المتعاقد وطبيعة العقد نفسه، وما يحيط به من أمور تدفع المريض إلى الاعتقاد بحسن النية الكاملة في حق الطبيب المعالج، وعلى هذا فالطبيب الذي يخفي عنصرا حاسما في العلاج لكي يجعل العقد مقبولا من المريض يكون قد ارتكب تدليسا.57

ثانيا: حق الإعلام وفق قواعد المسؤولية المدنية

أمام عجز نظرية عيوب الرضا في حماية المريض عند إخلال الطبيب بواجب الإعلام، فإن ذلك يكون وفقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية، ويتجه الفقه والقضاء سواء في فرنسا أو في بعض الدول العربية إلى متابعة الطبيب وفقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية متى توافرت شروطها وعناصرها.

إن القضاء الفرنسي قد استند إلى المسؤولية العقدية منذ قرار mercier الشهير، وأسس ذلك على نص المادة 1147 58 من القانون المدني الفرنسي التي تلزم المدين بالتعويض على عدم التنفيذ أو التأخير في تنفيذ الالتزام إلا إذا ثبت أن مردّه يرجع إلى سبب أجنبي، وقد طبق ذلك في حالة إخلال الطبيب بالتزامه في حين أسند المسؤولية التقصيرية إلى المواد 1382،1383و1384، وقد طبقها إذا ما أخل الطبيب بالتزامه.

وقد كرّس القضاء الفرنسي هذا في حكم محكمة النقض الفرنسية الشهير في 20 ماي 1936 وقد خلص القضاء إلى أن عقدا حقيقيا يتكون بين الطبيب ومريضه لا يلتزم فيه الطبيب بشفاء المريض حتما وإنما يبذل جهودا صادقة ومخلصة ومصدرها الضمير ومؤداها اليقظة والانتباه.

أما في الجزائر فإن تطبيقات العملية لفكرة المسؤولية التعاقدية عن أخطاء الطبيب المهنية قليلة جدّا ومع ذلك يبقى إبرام عقد العلاج، وتنفيذه من طرف الطبيب من الأمور التي تدخل في نشاطه المعتاد وحرفته لذا ينبغي أن تطبق عليه قواعد الاحتراف التي تتعلق بمهنته، واحتراف الطبيب يجعله يتحمل التزامات تزيد عن تلك التي يتحملها المدين غير المحترف مع الأخذ بعين الاعتبار درجة تخصص الطبيب وأهميته للمصلحة الخاصة بالمحافظة على الجسم الإنساني ومراعاة العادات والأعراف المتعلقة بهنة الطب59.

فالقواعد العامة تعرف الخطأ بأنه إخلال بالتزام سابق يستوي أن يكون قانونا، أو تعاقديا يلحق بالغير ضررا وأن عزوف الطبيب كلية عن الالتزام بالإعلام، أو الالتزام الصمت عنه، أو قام بواجب الإعلام على نحو لا يتطلبه القانون يرتب المسؤولية المدنية في ذمة المدين، ويجب أن نشير إلى أنه وعلى غرار ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في حكم لها في بتاريخ 17 نوفمبر1969 60 أن عدم الإخبار المريض قبل إجراء التدخل الجراحي يمثل خطأ مدنيا une faute civile ومن الصعوبة الوقوف على معيار يحدد فيه خطأ الطبيب في التقصير بالإعلام، وإنما المسلك المستقر لدى القضاء هنا هو مقارنة بين مسلك الطبيب اليقظ، ومسلك فاعل الضرر بل الملاحظ أن اجتهادات القضاء تسير في اتجاه توسيع مظاهر خطأ الأطباء في هذا الشأن.

والسبب في هذا التشدد هو أن التقصير هنا يقع من أشخاص فرضت عليهم واجبات خاصة أثناء ممارسة مهنتهم كون أن هؤلاء يحوزون على معارف كافية لممارسة مهنتهم وأنهم يعملون بيقظة وحكمة بالغة، لهذا السبب تشدّد القضاء في ذلك، وجعل المسؤولية المدنية تقوم في حق الطبيب المخل بواجب إعلام مريضه.

ولكي تتحقق المسؤولية العقدية عموما يجب أن نكون بصدد إخلال بالالتزام عقدي أي بالتزام ناشئ عن العقد، أما قبل انعقاد العقد فإنّ المسؤولية لا تكون إلا تقصيرية، وهي تلك المسؤولية التي تقوم على الإخلال بالتزام قانوني عام يقضي بعدم الإضرار بالغير، ويسأل عن تعويض ما قد يقع للمضرور من أضرار، والطبيب قد يخطئ فيسبب ضررا للمريض سواء كان يقوم بعملية جراحية، أو يقوم بعلاج عادي، وفي هذا الشأن إنّ المسؤولية المدنية الطبية تكون في أكثر الأحوال مسؤولية عقدية، لا تقصيرية لارتباط الطبيب بعقد مع عملائه في تقديم خدمة فنية وهذه الخدمة التي يلتزم بها بمقتضى العقد لا تزيد على أنّ تكون بذل عناية فنية 61 معينة تقتضيها أصول المهنة التي ينتمي إليها بغض النظر على أن هناك خدمات تقتضي تحقيق نتيجة وقد سبق بيان ذلك.

وإذا رجعنا إلى القواعد العامة في المسؤولية المدنية فلا يمكن مسائلة الطبيب عن الضرر الذي أصاب المريض إلا إذا ثبت الخطأ من جانب الطبيب، وثبت الضرر بالنسبة للمريض وتوافرت العلاقة السببية وعليه لا يسأل الطبيب عن الإخلال بواجب الإعلام إلا إذا توافرت تلك الأركان الثلاثة للمسؤولية المدنية وهي:

1: خطأ الطبيب المتمثل في إخلاله بواجب الإعلام

يلتزم الطبيب بإفادة المريض بقدر من المعلومات الضرورية لتمكينه من اتخاذ قرار مستنير بشأن حالته الصحية، ويجب أن تكون المعلومات صادقة، واضحة و مناسبة.

ومن جانب القاضي كثيرا ما يستعين في هذا المجال بالخبرة الطبية كوسيلة للإثبات القضائي، وإنّ كان هذا القرار الصادر عن الخبير غير ملزم له، إلا أنّها وسيلة هامة في الإثبات، ودليل يستعين به وحتى تتأكد المحكمة من إعلام الطبيب للمريض يجب على الخبير أن يقوم بإعداد تقرير فني حول محتوى وقيمة المعلومات التي تحصل عليها المريض، لكن من الناحية العلمية غالبا ما يكون العلاج مبنيا بين الطبيب والمريض على شكل شفوي، الأمر الذي يصّعب من مهمة الخبير في التعرف على مدى حصول المريض على الإعلام اللازم، ومن جهة أخرى إذا قدم الطبيب الدليل الكتابي على تنفيذه واجب الإعلام، فإنّه يقع على المريض عبء إثبات عكس ذلك بحكم امتلاك الطبيب لوثيقة الرضا.

أما بخصوص القانون الجزائري فهو غير واضح بشأن مصدر الالتزام بالإعلام هل سيتبع القاضي الجزائري نظيره الفرنسي في اعتباره متولدا عن العقد وبالتالي تكون المسؤولية المترتبة هي مسؤولية عقدية أم يتبع نظيره المصري الذي يعتبره سابقا عن إبرام العقد فتكون المسؤولية المترتبة عليه هي مسؤولية تقصيرية.

غير أنّه ما يمكن ملاحظته أن المسؤولية سواء كانت عقدية أم تقصيرية فهي عديمة الأثر في القانون الطبي إذ في كلتا الحالتين تؤسس على خطأ الطبيب.

ومن الطبيعي أنّ الالتزام بالإعلام هو سابق على إبرام العقد ولا ينشأ عنه لأنه من المستحيل أن ينشأ التزام قبل نشوء سببه، وبالتالي فالمسؤولية الناجمة عن مخالفة الالتزام بالإعلام هي مسؤولية تقصيرية مؤسسة على نص المادة 124 من القانون المدني المعدل والمتمم التي تنص على أنه:”كل عمل أياّ كان يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير بخطئه يلتزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”، أما الأخطاء الأخرى التي تكون متولدة عن العقد الطبي فحتما تؤسس على أساس المسؤولية العقدية62.

2: الضرر الناجم عن إخلال الطبيب بواجب الإعلام

يقال عادة لا مسؤولية بدون ضرر pas de responsabilité sans préjudice، فالضرّر هو الذي يقدر التعويض بمقداره عادة في المسؤولية التقصيرية، أما في المسؤولية العقدية، فهناك من يرى أن مجرد الإخلال بالتزام يرتب التعويض دون البحث عما إذا كان هذا الإخلال قد سبب للدائن ضررا، غير أن الإخلال بالالتزام لابد أن يترتب عليه ضرر، إذن لابد من ثبوت ضرر في المسؤوليتين حتى يستحّق التعويض.

إنّ الضرر في المفهوم الشائع على نوعين:ضرر مادي وضرر معنوي، والضرر في المجال الطبي يتمثل في حالة الإصابة الجسدية فتطبق المعايير العامة المتعارف عليها، والقول أن الضرر المادي يتمثل فيما لحق المضرور من خسارة كتكاليف العلاج، وما فاته من كسب كالأجر الذي ضاع عليه خلال فترة العلاج، بينما الضرر الأدبي هو الضرر الذي يلحق المريض في مشاعره وأحاسيسه.

فالضرر الأصلي هو عين الإصابة الجسدية بصرف النظر عما استّتبعته من تحقيق خسارة، أو فقد كسب مادي، أو إيذاء للشعور وإثارة للأحاسيس، كأن يصاب الإنسان في جسده فهذا وحده حرمان من ميزة السلامة الجسدية أو إنقاص لها، وأن يفقد الإنسان قدرته على العمل، فهذا وحده أيضا حرمان من ميزة كان يتمتع بها أو إنقاص لها بصرف النظر عما إذا كان الحرمان هذا قد ترتب عليه ضرر في دخله أو مساس في شعوره، والضرر الجسدي بالمعنى المحدد والمشار إليه أعلاه يختلف من إنسان لأخر، ولذلك ينبغي أن يقدر بمعيار موضوعي.

والضرر المادي يكون مرتبطا بالإصابة الجسدية التي قد تؤدي إلى الضرر الأدبي في حين أن الضرر الأدبي لا يقوم إلا بقيام الإصابة الجسدية.

والأصل في الضرر بشقيه المادي و الأدبي يختلف من إنسان لأخر بحسب مركزه الاجتماعي و مصادر رزقه ومدى رفاهية شعوره وما يتاح له من مناهج الحياة، فالمنطق يقضي بتقديره بمعيار شخصي بحيث يختلف من شخص لأخر تبعا لما تتركه الإصابة الجسدية من أثر مالي عليه، وما يتكبده من خسارة مالية وما ضاع عليه من كسب مالي من ناحية، وما خلفته الإصابة على نفسيته من ناحية أخرى.

وعلى هذا النحو يستطيع المريض مطالبة الطبيب المسؤول بحقه عن الأضرار التي لحقت به، وإذا كان المريض هو الذي تكون له مصلحة في المطالبة بجبر الضرر، فإن الضرر قد يتجاوز ذلك وينتقل إلى أشخاص آخرين كما لو توفي المضرور، وهذا ما يسمى بالضرر المرتد والضرر الموروث.

فالضرر الموروث63، الورثة هم اللذين يطالبون بالتعويض مادام المضرور قد مات وبالتالي يرثون الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي الذي أصاب مورثهم، وتنتقل إليهم تركته مشتملة على هذا الحق، ويقسم عليهم حسب أنصبتهم في الميراث مع ملاحظة القاعدة الشرعية التي تقضي بأن لا تركة إلا بعد سداد الديون، وأمّا التعويض المعنوي الذي أصاب مورثهم، فإما أن يكون المورث قد اتفق به مع المسؤول أو رفع به دعوى أمام القضاء قبل وفاته وهنا لا خلاف في أن الحق في متابعة الدعوى أو في مطالبة المسؤول بالتعويض المتفق عليه ينتقل إلى الورثة، أمّا إذا كان المورث قد مات قبل أن يتفق على التعويض أو قبل أن يرفع به دعوى أمام القضاء فإنّ سكوته يعتبر تنازلا عن حقه.

إنّ المشرع الجزائري لم يجار القوانين العربية الأخرى في هذا الحكم، فيرى الدكتور علي علي سليمان64 أنّه لا مانع يمنع من انتقال التعويض عن الضرر المعنوي إلى الورثة ولو كان المورث قد سكت عن المطالبة به.

أما الضرّر المرتدّ فهو ذلك الضرر الذي تنتقل أثاره إلى أشخاص آخرين، ومثال ذلك كالضرر الذي يصيب الزوجة، والأولاد جراء وفاة من كان يعلوهم مما تسببت لهم أضرار مادية وأخرى معنوية، فهؤلاء باعتبارهم خلفا أصيبوا بضرر فلهم الحق في أن يقاضوا المسؤول ويطالبوا بحقوقهم عما أصابهم من ضرر شخصي جراء وفاة مورثهم.

إن الضرر يعد ركنا من أركان المسؤولية، وثبوته يعتبر شرطا لازما لقيامها وبالتالي لا يكون الضرر قابلا للتعويض إلا إذا توافرت فيه الشروط الثلاثة هي
:

أ: يجب أن يكون هناك ضرر

لكي يكون بالإمكان اعتبار الطبيب مسؤولا يجب على أن يبين المريض أنه تضرر فعلا وإلا انتفت المسؤولية وطبيعي أن عبء الإثبات يقع عليه.

واشتراط وجود الضرر أمر بديهي باعتبار المسؤولية هنا ترتدي طابع التعويض وليس طابع العقوبة،وينبغي على المدعي أن يوضح حقيقة الضرر الذي أصابه و أن يبرره تبريرا حقيقيا وقانونيا.

ب: يجب أن يكون الضرر محققا

يفهم من الضرر المحقق أن يكون وجوده ثابتا حقيقيا،أي وقع بالفعل، ومثال ذلك وفاة المريض أو إصابته بعاهة أو تشوه اثر مباشرة التدخل الطبي على جسده، ولكن هذا الضرر المحقق لا يعني بالضرورة أن يكون حاليا، وإنما قد يكون الضرر مستقبليا مؤكد الوقوع، ومثاله كأن يصاب المريض بعاهة مستديمة كنتيجة منطقية لتطور الضرر الناتج عن التدخل الطبي كفقد السمع مثلا.

أما إذا كان الضرر محتمل الوقوع في المستقبل بحيث لا يعرف هل سوف يقع أم لا فهذا الضرر المحتمل لا يعوض عنه باعتبار أنه لا يوجد سبب ما يؤكد وقوعه.

ج: يجب أن يكون الضرر مباشرا

يجب أن تكون هناك صلة سببية مباشرة بين خطأ الطبيب و الضرر المشتكي منه، وإلا لا تقوم المسؤولية لانتفاء هذا الشرط.

ولقد ورد في نص المادة 182 من القانون المدني65على أنه:”يكون الضرر مباشرا إذا كان نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، أو التأخر في الوفاء به ويعتبر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول”

إذن معيار الضرر المباشر هو ألاّ يستطيع الدائن، أو المضرور أن يتوقاه ببذل العناية التي يبذلها رب الأسرة فإذا كان مثل هذا الرجل العادي يستطيع أن يتوقى الضرر بذل جهد معقول كان الضرر غير مباشر.

أما في المسؤولية التقصيرية، فإنّ القانون يوجب مساءلة مرتكب الفعل الضار بالغير عن الضرر المباشر متوقعا كان أم غير متوقع، ويبرر هذا التمييز66
بين المسؤوليتين بأنّ المدين في المسؤولية العقدية قد انصرفت إرادته عند إبرام العقد على ألا يلتزم إلا بما كان يتوقعه من ضرر عند التعاقد بينما المدين المسؤول في المسؤولية التقصيرية لم تنصرف إرادته إلى الالتزام بالتعويض كيف لا، وأنه لا يعلم الطرف الآخر مسبقا كما هو الحال في المسؤولية العقدية التي تفترض دائنا ومدينا بناء على العقد بحيث يكونان معلومين مسبقا.

معيار الضرر المتوقع أو غير المتوقع، هو معيار توقع الرجل المعتاد منظورا إليه نظرة مجردة، وينظر إلى عنصر التوقع عند إبرام العقد، وصفوة القول أن الضرر الطبي يخضع في مجمله للقواعد العامة التي تحكمه باعتباره ركنا أساسيا، ومستقلا في المسؤولية الطبية إذ نستبعد الضرر غير المباشر ونكتفي بالضرر المباشر في مجال مسؤوليتها، ويبقى تحديد العناصر المكونة للضرر مسالة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا، وذلك لأن قاضي الموضوع يستقل بالفصل في الوقائع لوحده دون رقابة أحد عليه أما تكييف تلك الوقائع من حيث وجود ركن الضرر من عدمه67 فهذه مسألة تتعلق بالقانون ويخضع فيها إلى رقابة المحكمة العليا.

 

3:
العلاقة السببية بين الخطأ في واجب الإعلام و الضرر

إن اشتراط هذه العلاقة السببية مفهوم بداهة، لأنه لا يسوغ عقلا ولا منطقا مساءلة الشخص عن واقعة سيئة أعقبت سلوكه إلا إذا كان هذا السلوك سببا في حدوثها، صحيح أن العلاقة السببية ليست بالشيء الذي يرى أو يلمس، وإنما هي رابطة يستنتجها القاضي من الظروف التي يستخلص منها القرائن الدالة على توافرها، كما أن ركن الرابطة السببية أساسي في المسؤولية الطبية فهي جوهرها، فالطبيب الذي يقع منه الخطأ أو الفعل الضار، ويحدث ضررا للمريض يجب أن يكون بين هذا الخطأ وذاك الضرر رابطة سببية حتى تتحقق مسؤوليته، لهذا فإنّها ركن مستقل وقائم بذاته إذا انتفى انتفت معه مسؤولية الطبيب حتى ولو ارتكب هذا الأخير خطأ ما، فقد يخطئ كما لو أهمل واجب الالتزام بالإعلام مما اندفع المريض إلى الإقدام على العلاج وهو جاهل ما يدور حول حالته الصحية، فالضرر الذي قد يصاب به نتيجة تقصير الطبيب في تزويده بالمعلومات الضرورية هو خطأ منه يستوجب مساءلته، ولكن لابد من وجود علاقة السببية وإذا كان إثباتها يرتب مصاعب على المريض، فإن إثباتها بشأن إخلال الطبيب بالإعلام والضرر الناتج عنه أكثر صعوبة، حيث يتمثل ذلك في معرفة ما إذا كان الضرر الحاصل هو نتيجة لإخلال الطبيب بالإعلام أم هو خطأ فني ارتكبه هذا الأخير.

ولكن غالبا ما يكون ذلك في إطار الخبرة الطبية التي تبين هل أن الطبيب قد قام بواجبه علما كافيا، واضحا، صادقا، ومن تم أن الضرر الذي وقع لا يدخل في مجال الالتزام بالإعلام و بالتالي لا يسأل الطبيب شيئا.

وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب قد ينفي عن نفسه العلاقة السببية إذا كان هناك سبب أجنبي étrangère cause
Une، والمتمثل في الحادث المفاجئ، أو القوة القاهرة، أو خطأ المريض، أو خطأ الغير، ويشترط في القوة القاهرة عدم إمكان توقعها واستحالة دفعها، أما عن خطأ المريض فإنّه ينفيها إذا كان هو وحده السبب في إحداث الضرر، أما إذا كان قد ساهم مع خطأ الطبيب في وقوع الضرر فإنّ ذلك يؤدي إلى اقتسام التعويض المحكوم به.68

 

المطلب الثاني: الجـزاء المترتـب عـن الإخـلال بالالــتزام بـالإعـلام

لاشك أن الإخلال بالالتزام بالإعلام يمنع المريض من فرصة حاسمة من خلال القرار الفاصل الذي يمكنّه من اتخاذه، لو تم إبلاغه في الوقت المناسب، بالخصائص المتطلبة للأخبار وهذا القرار سواء كان برفضه التدخل الطبي، أو بقبوله له كان سيؤدي إلى وضعية أحسن من التي هو عليها الآن.

فهو في قرار الرفض يمكن أن يجنب نفسه أخطارا كبيرة، أمّا في الحالة التي كان يتعين عليه اتخاذ قرار بالقبول فلاشك أنّه كان بالإمكان أن يضع حدّا لآلامه ومعاناته، وعليه فإنّ القرار المعيب الذي يتخذه المريض بعد إعلام طبي ناقص، أو غير واضح فإنّه سيرتب أضرار جسيمة نتيجة ذلك، لذا فإنّ المسؤولية المترتبة يكون جوهرها التعويض الذي مما لاشك فيه أنه يخضع للمبدأ العام للمسؤولية المدنية التي تقضي بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه من قبل وهذا هو التعويض العيني، غير أن هذا الأمر في المجال الطبي يكون مستعصيا بعض الشيء، لذا غالبا ما يكون التعويض في إطار المسؤولية الطبية نقديا.

 


الفرع الأول: التـعـويـض وأنواعه

إذا ما ثبتت مسؤولية الطبيب عما لحق المريض من ضرر جراء الإخلال بالالتزام بالإعلام فإنّه يتعين إلزام المسؤول بتعويض المضرور، وجبر الضرر الذي لحق به، وذلك طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري المعدل و المتمم السالف الذكر.

فالقاعدة العامة التي تحكم تقدير التعويض عن الضرر تقضي بوجوب أن هذا التعويض على قدر كاف لجبر الضرر فلا يزيد عنه ولا يقل، والأساس في ذلك أن الغرض منه هو إعادة التوازن الذي اختل نتيجة الضرر الناتج بفعل خطأ، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل، والتعويض قد يكون إما في صورة عينية (أولا)، أو في صورة نقدية (ثانيا)، وهذا ما سنوضحه تبعا.

أولا: التعويض العيني La réparation en nature

التعويض العيني هو “إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار ويزيل الضرر الناشئ عنه”، ويعتبر هذا أفضل طريق للضمان، والقاضي ملزم بالحكم بالتعويض العيني متى كان ذلك ممكنا وطلبه الدائن أو تقديم به المدين ويقدر التعويض في الغالب بالقيمة المالية، إلا أن الأصل أن يلجأ أولا إلى التعويض العيني، وللقاضي في هذه الأحوال كامل السلطة في اختيار الطرق الأصلح لاستفاء المتضرر حقه، وهذا ما جسدته المادة 132 من القانون المدني المعدلة بموجب القانون رقم 05-10 والتي تنص على :”يعين القاضي طريقة التعويض مقسطا، كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا. ويقدر التعويض بالنقد، على أنّه يجوز للقاضي تبعا للظروف وبناءا على طلب المضرور أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أن يحكم وذلك على سبيل التعويض، بأداء بعض الإعانات تتصل بالفعل الغير المشروع”.

هذا وإن إيراد هذه الطريقة في نص المادة بعد تطرق المشرع إلى التعويض النقدي إن دلّ على شيء، فإنّه يدل على تفضيل المشرع اللجوء إلى الطريق النقدي أولا69، هذا وإن المتفق والجمع عليه فقهيا كذلك اتخاذ التعويض النقدي أصلا وجعل التعويض العيني كاستثناء.70

يكون نطاق مثل هذا التعويض محددا في مجال المسؤولية التقصيرية، إلا أن ذلك لا يمنع من تطبيقه، فيمثل التعويض العيني في إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل الضار ويزيل الضرر الناشئ عنه ويعتبر من أصلح طرق الضمان التي يستوفي بها المضرور حقه، والقاضي في هذه الحالة ملزم بالحكم بالتعويض العيني إن كان ذلك ممكنا أو تقدم به المسؤول71 فالتعويض العيني هو الذي يمكن أن يحقق للمضرور من جنس ما أصابه من ضرر بطريقة مباشرة.

إن المشرع الجزائري ذهب إلى تطبيق التعويض العيني وجعله كأصل إذ نصّ في المادة 164 من القانون المدني على أنّه:”يجبر المدين بعد اعذراه طبقا للمادتين 180 و181 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا”، وعليه فلا يجوز للدائن أن يطلب بمقابل إذا كان المدين مستعدا للتنفيذ العيني، وإذا طالب المدين بالتنفيذ بمقابل ولم يكن التنفيذ العيني مرهقا له، فالقاضي يحكم بهذا الأخير.

فالطبيب الذي يخطئ في عدّم إعلام المريض بكلّ ما يدور حول صحته و ينتج عن خطئه ضرر له، فالقاضي هنا يلزم الطبيب بإصلاح التلف وجبر الضرر، وهنا يمكن القول أن التعويض العني يبدوا أمرا عسيرا، لهذا فإنّ الغالب هو أن يكون التعويض بمقابل، وبصفة خاصة في صورة نقدية، لأن كل ضرر حتى الضرر الأدبي يمكن تقويمه بالنقد، وحرية القاضي غير مطلقة في الحكم بالتعويض عينا، بل تتقيد ببعض الشروط التي تتعلق بالمجال الطبي وهي:

1- في بعض حالات الضرر الجسماني والأدبي يصبح من غير الممكن اللجوء إلى التعويض العيني كحدوث جرح أو قتل بالمريض إذ انتهت التشريعات الحديثة بالنص على وجوب التعويض بمقابل في مثل هذه الحالات.72

2- يجب للأخذ بالتعويض العيني أن يكون ممكنا فإذا أصبح مستحيلا، فإنّه نكون أمام التعويض النقدي لا التعويض العيني.

3- إذا كان في التعويض العيني إرهاق للمدين، وإن كان ممكنا بصورة يتجاوز فيها الضرر اللاحق بالمدين فلا محل لإجبار المدين على تنفيذ ذلك تنفيذا عينيا.

وتجدر الإشارة أن التعويض العيني أكثر ما يقع في الالتزامات العقدية، ويتصور الحكم به في بعض حالات المسؤولية التقصيرية ولكن نطاقه هنا محدود، لأنه لا يكون ممكنا إلا حينما يتخذ الخطأ الذي أقدم عليه المدين صورة القيام بعمل يمكن إزالته73.

 

ثانيا:
التعويض بمقابل la réparation pécuniaire

يتمثل التعويض أن يكون في صورة عينية يتمثل بالتزام المسؤول بإعادة الحالة على ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، ويتعين على القاضي أن يحكم بذلك متى كان ممكنا وبناءا على طاب المضرور، كأن يأمر القاضي بعلاج المضرور على نفقة المسؤول، وقد لا يكون ممكنا بالمرّة ذلك ،كأن يقع خطأ من جانب الطبيب يؤدّي إلى موت المريض، ومن يموت لا يمكن إعادة الحياة إليه، فيكون لا مفر من الرجوع إلى التعويض بمقابل، أو كأن يؤدي خطأ الطبيب لفقدان بصر وبتر قدم وغيرها من الأخطاء التي ترتكب في المجال الطبي، ويتصل هذا بالآلام التي تصيب المريض، وكذلك الآلام التي يعانيها أهله ومحبوه في حالة وفاته فهنا لا محل للتعويض العيني إطلاقا.

وبالتالي فإن كان إعادة الحالة على ما كانت عليه أمرا شاقا، أو مستحيلا لامناص للقاضي إلاّ العودة للتعويض بمقابل، ويتخذ التعويض غالبا شكل التعويض النقدي، فالأصل في التعويض بمقابل أن يكون بالمال، إلاّ أن القاضي واستثناءا في بعض الحالات يمكن أن يقضي بتعويض غير نقدي74.


1-
التعويض النقدي:

التعويض النقدي هو الأعم في المسؤولية المدنية، ويتمثل في المبلغ المالي الذي يقدره القاضي لجبر الضرر الذي لحق المضرور سوءا كان ماديا أو معنويا، فالنقود وسيلة للتبادل وكذلك وسيلة للتقويم، وحيث أن الضرر (المادي والأدبي) يمكن تقويمه بالنقود.

والأصل أن يدفع دفعة واحدة ،كما يجوز أن يدفع على شكل أقساط، أو إيراد مرتب لمدة معينة، أو لمدى الحياة إذا كان يرى أن هذه الطريقة هي المناسبة للتعويض وجبر الضرر الحاصل وهذا ما ذهب إليه نص المادة 132من القانون المدني في فقرتها الأولى:” يعين القاضي طريقة التعويض مقسطا، كما يصح أن يكون مرتبا…”.

ويجب أن لا يتجاوز قدر الضرر وأن لا يقل عنه75، والقاضي يقدر مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب وفقا لأحكام المادة 182 من القانون المدني التي تنص على أنّه:”…يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب…”، وكذلك على القاضي مراعاة الظروف الملابسة للمضرور كجسامة الضرر، وصحة المضرور، وظروفه العائلية، والمهنية، وحالته المالية.

ويمكن القول أن القاضي يقدر قيمة الضرر وقت حدوثه، غير أنّ هذا له أهمية كبيرة فإذا كان الحق في التعويض أي الحق في إصلاح الضرر ينشأ منذ استكمال أركان المسؤولية وبصفة خاصة منذ وقوع الضرر إلا أن هذا الحق لا يتحدد إلا بصدور حكم قضائي.

وإن المشرع الجزائري لم يترك للقاضي حرية تقدير التعويض حسب ميوله، وأهوائه الشخصية، بل حدد له معايير يسير عليها76، وضوابط تقدير التعويض قد قررته المحكمة العليا 76 في 07-ـ06-ـ1987 على “أن قاضي الموضوع تبرير جميع عناصر التعويض المدني التي تخضع لرقابة المحكمة العليا لأن تعيين العناصر المكونة قانونا للضرر تعدّ من المسائل القانونية، والتعويض ينبغي أنّ لا يتجاوز حدود الضرر بمعنى يشمل ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب”.

ويمكن القول أن تقدير التعويض مسألة واقع تخضع لسلطة قاضي الموضوع دون معقب عليه، فيجب إخضاع الضرر الناشئ عن النشاط الطبي، وخصوصا الضرر الذي أصاب المريض نتيجة إخلال الطبيب بواجب إعلام مريضه كركن من أركان المسؤولية المدنية، أما تكييف تلك الوقائع من حيث الأركان كونها محققة أو احتمالية مادية أو أدبية، فهذه المسائل تخضع إلى رقابة المحكمة العليا.


2التعويض غير النقدي
:

تقتضي في بعض الحالات الأوضاع إصلاح الضرر بطريقة مغايرة عن رق التعويض المعتادة، وذلك هو التعويض بالقابل غير النقدي، إلا أنه يجوز للمضرور المطالبة بها وللقاضي بعدها أن يستجيب لطلبه، كما يجوز له كذلك من تلقاء نفسه الحكم بمثل هذا التعويض ويتصور مثل هذا التعويض خاصة في حالات الدعاوى المرفوعة على المساس بكرامة وعواطف الإنسان، كحالات السب أو القذف،يصدر عن الطبيب في بعض الأحيان أثناء العلاج مثل هذه الأفعال أين لا يتساهل ولا يتغاضى المريض في بعض الأحيان عنها، فيرفع بشأنها دعوى ضدّ المسؤول (الطبيب)، وقد يتحمل المستشفى إذا كان الطبيب موظفا مسؤولية هذه الأخطاء، كما تثور هذه المسؤولية كذلك في حالات إفشاء السر المهني وخصوصيات المريض.

 

الفرع الثاني: تعويض الطبيب عن الضرر اللاحق بالمريض والتعويض عن الحوادث الطبية

سنتحدث في هذا المطلب عن مسألة تعويض الطبيب عن الضرر اللاحق بالمريض، ثمّ التعويض عن الحوادث الطبية.

أولا: تعويض الطبيب عن الضرر اللاحق بالمريض

إذا أخل الطبيب بالتزامه بإعلام المريض، وأصاب هذا الأخير ضرر من جراء ذلك، فإن الطبيب ملزم بتعويضه، و الإخلال بالالتزام بالإعلام يكون إمّا إذا لم ينفذ الطبيب هذا الالتزام كاملا وإمّا نفذه على نحو غير صحيح.، ونتساءل هنا هل يلتزم الطبيب بالتعويض الجزئي إذا لم يقم بإعلام كامل حول كل المخاطر؟ وهل يجوز إعمال المقاصة بين الضرر الذي حدث نتيجة التدخل الطبي، والفائدة التي حققها العلاج الطبي؟ ،وهنا انقسم الفقه إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: يرى أن الطبيب إذا لم يعلم المريض إعلاما كاملا بكافة مخاطر التدخل الطبي، ونتج ضرر عن تحقق أحد المخاطر التي لم يعلم المريض بها، فإنّه يقع على عاتق الطبيب عبء التعويض الكلي للمريض عن الضرر الذي أصابه، لأنه لو أعلم على نحو كامل بجميع المخاطر لكان قد رفض العلاج، وبالتالي يمكن القول أن عدم الإعلام بذلك الخطر هو السبب المباشر للضرر الذي لحق المضرور، وهذا ما أقرته محكمة استئناف فرساي Versailles76 في حكم أصدرته، حيث تتلخص وقائعه في أن طبيبا لم يخبر مريضة بخطر حصول شلل في عصب الوجه نتيجة العملية، فيكون بخطئه قد حرم المريضة من إمكانية الاختيار، ويعني ذلك أن هذا الخطأ في عدم إعلامها هو السبب الوحيد للضرر وبالتالي يلتزم المسؤول بالتعويض.

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الغالب يرى أن الطبيب يلتزم بالتعويض الجزئي على أساس تفويت الفرصة، فعدم إعلام المريض بمخاطر التدخل الطبي قد ضيع عليه فرصة اتخاذ القرار المناسب، ولكن القضاء مازال غير واضح بشأن هذه المسألة، وهذا من خلال حكم محكمة النقض الفرنسية في قضية Hedreul الصادر في 20 جوان 2000، حيث أكدت على أن: المريض الذي يتحصل على التعويض يجب أن يؤكد أنه إذا تم إعلامه بكافة مخاطر العمل الطبي لكان قد اتخذ قرارا مختلفا. 77

ثانيا: التعويض على الحوادث الطبية

إن التعويض على الحوادث الطبية هو حديث العهد في فرنسا إذ جاء به قانون 04 مارس 2002 حيث وضع نظاما خاصا للتعويض عن تلك الحوادث و يكون ذلك بدون خطأ، ولعل الغرض من هذا النظام الخاص يتجلى في حماية المرضى حتى لا يبقوا ضحايا الحوادث الطبية من غير تعويض من جهة، ومن جهة أخرى أنه من غير العدل أن يتحمل الأطباء مسؤولية هذه الحوادث الطبية، وفي مجال التعويض عن هذه الحوادث، وضع القانون الجديد نظاما للتسوية الودية يتكفل به جهاز حكومي على أساس التضامن الاجتماعي، ففي حالة وقوع ضرر للمريض من جراء حادث طبي يتحصل هذا الأخير على تعويض المناسب في إطار التضامن الاجتماعي، وعليه لم يعد بالإمكان للجهات القضائية مطالبة الطبيب، أو المؤسسات الاستشفائية بالتعويض عن الحوادث الطبية، وهذا يعني من جهة أخرى عودة القضاء إلى نظام المسؤولية على أساس الخطأ إذ على الراغب في الحصول على تعويض من الطبيب إثبات خطأ هذا الأخير بالاستناد إلى إهماله و تقصيره في العلاج.

وحتى يتمكن المضرور من الحصول على التعويض المناسب في مثل هذه الحالات، وكذا حماية ممارسي المهن الطبية ألزم قانون 04مارس2002 الأطباء وجميع المؤسسات الصحية بالتأمين الإجباري

من المسؤولية المدنية والإدارية78، مع العلم أن القانون المشار إليه رصد عقوبة الغرامة بمبلغ 45000 أورو مع المنع من الممارسة في حالة عدم الالتزام بالتأمين كتاريخ لبدء المتابعات القضائية للأطباء عن الإخلال بواجب التأمين، وعلى هذا الأساس يستفيد المريض حاليا في فرنسا من نظام مزدوج للتعويض عن الأخطاء الطبية
:

ـــــ التعويض عن طريق المسؤولية المدنية بالنسبة للأضرار الطبية التي يمكن إسنادها إلى خطأ الطبيب.

ــــــ التعويض عن الحوادث الطبية من الديوان الوطني للتعويض عن الحوادث الطبية في إطار التضامن الاجتماعي.

ويمكن القول أن القضاء الفرنسي قد وجد حلا مناسبا لتعويض ضحايا الحوادث الطبية، فقد ضلت محكمة النقض الفرنسية مترددة مدة طويلة من الزمن بين حماية المرضى من جهة، وحماية أهل المهنة من جهة أخرى، حيث لجأت في السنوات الأخيرة إلى تعويض المرضى ضحايا الحوادث الطبية في غياب الخطأ الفني للأطباء على أساس إما الإخلال بواجب الإعلام ﴿défaut d’information﴾، أو الخطأ المقدر﴿faute virtuelle﴾، أو المسؤولية بدون خطأ (responsabilité sans faute) .

أما القضاء الجزائري يشترط أن يكون الخطأ جسيما في حق الطبيب المخطئ، بينما يكفي الخطأ اليسير إذا صدر من عون شبه طبي كالمساعدين الطبيين، وعليه فإن التعويض على الحوادث الطبية في الجزائر تقوم على مبادئ عامة من حيث إثبات المسؤولية من الخطأ و الضرر والعلاقة السببية، وتجدر الإشارة أن المشرع الجزائري أقر إلزامية التأمين عن المسؤولية المدنية في المجال الطبي بموجب المادتين 167 و169 من الأمر 95-ـ 07 الصادر في 20 جانفي 1995. 79

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الـــخاتـــمة

. ختاما لما سبق، فإن التزام الطبيب المشرف على التدخل الطبي بإعلامه مريضه بمخاطر المرض وطريقة العلاج يعتبر التزاما بتحقيق نتيجة وليس مجرد التزام ببدل عناية، على أساس أن التزام الطبيب هنا يعتبر من الالتزامات المحددة التي يجب أن تفضي إلى التزامات معينة.

إن المشرع الجزائري اعتمد على هذا النوع من الالتزامات ألا وهو الالتزام بإعلام المريض في القواعد الخاصة المتعلقة بحماية الصحة، منها قانون 85-05 وقانون 90-17 المعدل له، وكذا مدونة أخلاقيات الطب المقررة بالمرسوم التنفيذي 92-276 المشار إليه سابقا.

كما أن المشرع الجزائري بخصوص إثبات المسؤولية الطبية لم يتناول مسألة عبء الإثبات في القواعد الخاصة من خلال قانون حماية الصحة وترقيتها ولا مدونة أخلاقيات الطب، فلم يبين بوضوح على من يقع عبء إثبات حصول أو عدم الحصول الالتزام بإعلام المريض.

هذا وإن الطبيب ملزم بإعلام المريض بأقصى ما يكون من الدقة و التحديد، وأن الإخلال بهذا مطلقا أو التزام به التزاما غير كافي أو بصورة خاطئة، فإنه يرتب المسؤولية المدنية في حقه بصرف النظر عن ارتكابه لأي خطأ طبي بالمفهوم الفني، فهو مسؤول مدنيا عن تعويض المريض عن الأضرار التي لحقت به جرّاء عدم إعلامه، أما بالنسبة لقيام مسؤوليته الجنائية فمازالت محل خلاف بين الفقه والقضاء.



وعلى هذا، نأمل أن يساير المشرع الجزائري نظيره الفرنسي فيما يخص التعويض على الحوادث الطبية و ذلك بإنشائه نظام خاص يتكفل بتعويض ضحايا الأخطاء الطبية، لأن المريض غالبا ما يكابد حمل الضرر الذي لحق به خاصة أنه في كثير من الأحيان يعجز عن إثبات خطأ الطبيب وأخيرا يمكن القول أن الأساس الأخلاقي لالتزام الطبيب بإعلام المريض يكمن في ضرورة احترام حريته الفردية وسلامته الجسدية حيث هو الذي تكون له الكلمة الأخيرة في قبول العلاج أو رفضه ولا يتحقق ذلك إلا بإعلامه إعلاما كافيا صادقا دقيقا لأنه حق للمريض وواجب على الطبيب.

 

 

الهوامش

1– سعيد سعد عبد السلام، الالتزام بالإفصاح في العقود، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص.136.

2 أسماء سعيداني ، التزام الطبيب بإعلام المريض، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق، فرع عقود ومسؤولية، كلية الحقوق، جامعة بن عكنون، الجزائر، 2000-2001، ص.12.

3مراد بن صغير، مدى التزام الطبيب بإعلام المريض، دراسة مقارنة، المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، العدد الأول، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2008، ص.12.

4
مراد بن صغير، المرجع نفسه، ص.176.

5 -عدنان إبراهيم سرحان، مسؤولية الطبيب المهنية في القانون الفرنسي،المؤتمر العلمي السنوي، كلية الحقوق، جامعة بيروت، مداخلة ضمن المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين، ج.الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2004، ص.5.

6– القانون رقم 85 ـ 05 المتعلق ح.ص.ت، المعدل والمتمم بقانون 08 ـ 13 المؤرخ في 20 يوليو 2008، ج.ر. ليوم 03 غشت 2008، العدد44، ص.3.

7 المرسوم التنفيذي رقم 92- 276، المتضمن م.أ.ط. السالف الذكر.

8– قانون رقم 85- 05، المعدل والمتمم، السالف الذكر.

9– حالة الضرورة هي حالة لا يستطيع فيها الشخص أن يدفع عن نفسه أو عن غيره شرا محدقا به، أو بغيره إلا بارتكابه جريمة بحق أشخاص آخرين أبرياء” فحالة الضرورة هذه هي من منظور المسؤولية الجنائية كما عرفها د.عبد الله سليمان شرح قانون العقوبات، القسم العام، الجزء الأول، الجريمة، دار الهدى، عين مليلة الجزائر، ص.279 ومايليها. وقد نص قانون العقوبات على حالة الضرورة في المادة 48 منه. أما القانون المدني فنص عليها في المادة 130 منه المعدل و المتمم ويتميز القانون المدني عن قانون العقوبات في أن هذا الأخير يعتبر حالة لضرورة معفية تماما من المسؤولية الجنائية بينما القانون المدني يقضي بمسؤولية مخففة، علي علي سليمان، نظرية الالتزام، في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ط. 1998، ص. 206.

10– بودالي محمد، المسؤولية الطبية بين اجتهاد القضاء الإداري والقضاء العادي، المجلة القضائية، الجزائر، العدد الأول، 2004، ص.29.

11– علي علي سليمان، المرجع نفسه، ص.147 وما يليها.

12– أحمد دغيش، عبد الرزاق بولنوار، التزام الطبيب بإعلام المريض، المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، كلية الحقوق، جامعة تيزي وزو، الملتقى الوطني حول المسؤولية الطبية، العدد الأول، ج. الثاني، 2008، ص.4.

13– صبري السعدي، شرح القانون المدني الجزائري، النظرية العامة للالتزامات، ج. الأول، ط.الأولى، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 1993، ص.20.

14– قانون رقم 85 – 05 المؤرخ في 16 فيفري 1985، المعدل والمتمم، السالف الذكر والمرسوم التنفيذي رقم 92- 276 المؤرخ في 06 جوان 1992، المتضمن م.أ.ط. السالف الذكر.

15
Art.L.1114-2 c. s. p réforme par la loi du 04 mars 2002 dispose que chaque personne a le droit d’être informée sur son état de santé. Cette information est d’autant plus nécessaire que. Art. L.1111-4 précise que « toute personne prend avec le professionnel de santé et compte tenu des informations et des préconisations qu’il lui fournit les décisions concernant sa santé».

16– قانون رقم 08- 13 المؤرخ في 20 يوليو سنة 2008، يعدل ويتمم القانون رقم 85-05 المؤرخ في 16 فبراير1985 والمتعلق بحماية الصحة وترقيتها، ج.ر.العدد 44، ليوم 03 أوت 2008.

17– المرسوم التنفيذي 92- 276 المؤرخ في 06 جوان 1992، المتضمن م.أ.ط. السالف الذكر.

18– المواد
154 و162 من قانون حماية الصحة وترقيتها، المعدل والمتمم، السالف الذكر.

19– استقر الفقه و القضاء على أن العقد المبرم بين الطبيب والمريض عقد من نوع خاص على الرغم من تشتت الآراء الفقهية التي اعتبرته عقدا إيجار خدمات، أو عقد خدمات، أو عقد عمل، أو عقد مقاولة، أو عقد وكالة، حيث أقرت محكمة النقض الفرنسية أن العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة قانونية يربطها عقد قائم بذاته.أحمد حسن الحيارى، المسؤولية المدنية للطبيب، ط. 2005، دار الثقافة للنشر، ص.68.

20– يرى عبد الرزاق أحمد السنهوري أن المسؤولية العقدية هي جزاء العقد و في معرض بحثه لنطاق المسؤولية العقدية يقول أن المسؤولية العقدية تقابل المسؤولية التقصيرية فالأولى جزاء العقد و الثانية جزاء العمل غير المشروع و عند تفريقه بين المسؤوليتين عرف عرضا المسؤولية العقدية بقوله”المسؤولية العقدية تقوم على الإخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما أشتمل عليه العقد، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، ج.الأول، دار النشر للجامعات المصرية، 1952، ص. 509،424 و733.

21– المسؤولية التقصيرية هي الإخلال بالتزام قانوني و يراها البعض أنها:”تقوم على الإخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الأضرار بالغير”. عبد الرزاق السنهوري ، المرجع نفسه، ص.847.

22– محمد حسن قاسم، إثبات الخطأ في المجال الطبي، دار الجامعة الجديدة للنشر، ط. 2004، ص.159.

23– عبد الكريم مأمون، رضا المريض عن الأعمال الطبية الجراحية، رسالة دكتوراه في القانون الطبي، كلية الحقوق، جامعة تلمسان، 2004- 2005، ص.79.

24
– Cass .civ. 20 janvier.1987
ˎ bull. civ nͦ
19
ˎ
p.14 ; D. « le malade pourrait négliger de se soigner et le médecin qui ne l’aurait pas mis en garde engagerait sa responsabilité».

25Cass.civ. 1er 23 mai 2000. Cité par C. HALPERNˎ
guide pratique de la responsabilité médicale
ˏ éd., Parisˏ2002ˎ
p.75.

26– المادة 35 فقرة 2 من تقنين أخلاقيات الطب الفرنسي.

27 -محمد حسن قاسم، المرجع السابق، ص.159.

28– شهيدة قادة، التزام الطبيب بإعلام المريض، المضمون والحدود وجزاء الإخلال،موسوعة الفكر القانوني ، الجزء الأول ، الجزائر،2002، ص.84.

29 شهيدي محمد سليم، المسؤولية المدنية عن الجراحة الطبية دراسة مقارنة ،أطروحة دكتوراه ،كلية لحقوق، جامعة الجيلالي اليابس،سيدي بلعباس ،2011،2012 ص93.

30
– Art. L1111-3
ˎloi ̧ no 2002- 303ˎpréc. -« Droit à l’information sur les frais découlant des soins ».

31 -Cass. civ. 23-05 -1973ˎJ.C.P.ˎ1975̦ note R. Savatier.

32– Barbieri u-fj «Défaut d’information médical et responsabilité» les principes de droit privé ˎpetites affichesˎ
1995
ˎnO 2ˎpp.16 est s.

33– عبد الكريم مأمون، رضا المريض عن الأعمال الطبية والجراحية، رسالة دكتوراه دولة في القانون الطبي، كلية الحقوق، جامعة تلمسان، 2004-2005، ص72.

34– منير رياض حنا ،المسؤولية المدنية للأطباء والجراحين، في ضوء القضاء والفقه الفرنسي والمصري، دار الفكر الجامعي، مصر ،2008، ص.346.

35– عبد النبي عبد السميع عطا الله شحاتة، قبول أو رفض العلاج وأثره على المسؤولية المدنية، رسالة دكتوراه ،القاهرة،2007، ص.70.

36– على حسين نجيدة، التزامات الطبيب في العمل الطبي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص.24.

37– عبد الفتاح بيومي الحجازي، المسؤولية الطبية بين الفقه والقضاء، دار الفكر الجامعي ، مصر ،2008، ص.178.

38– مصطفى عبد الحميد عدوي، حق المريض في قبول أو رفض العلاج، دراسة مقارنة بين النظامين المصري والأمريكي، المكتبة الحديثة، المنوفية، مصر، 1992، ص.15.

39– حسام الدين كامل الاهواني، المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية، مطبعة جامعة عين شمس مصر، 1975، ص.102.

40– على حسين نجيدة، المرجع السابق، ص.26.

41– وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها مؤرخ في 18 نوفمبر 1969 بأن الطبيب يكون مسؤولا إذا أجرى عملية جراحية لامرأة تبلغ من العمر 66 سنة، بقصد إزالة الورم والتجاعيد الموجودة أسفل عينها، وقد فشلت العملية، ونتج
عنها
عمى بعينها الأخرى بالرغم من إتباع الطبيب كافة الأصول الفنية لعلم الطب، واعتبر الطبيب مسؤولا عن إعلام المريض بالاحتمالات الخطيرة لتدخله الجراحي، حتى ولو كانت هذه الاحتمالات ناذرة الحدوث وهذا حتى يكون المريض على علم بالعناصر التي يمكن أن يؤسس عليها تقديره، خاصة وأن وجود الورم والتجاعيد تحت العينين لا يسبب إزعاجا شديدا لامرأة بلغت من العمر 66 سنة، أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، مضمون الالتزام العقدي للمدين المحترف، بحث ألقي في المؤتمر العلمي لكلية الحقوق، جامعة بيروت، منشور من طرف منشورات الحلبي الحقوقية، ط.2، لبنان، 2008، ص.69.

42– حسام الدين كامل الاهواني، المرجع السابق، ص.35.

43– المرسوم التنفيذي رقم 92- 276 المتضمن. م.أ.ط .السالف الذكر.

44– على حسين نجيدة ، المرجع السابق، ص.131.

45عبد الرشيد مأمون، عقد العلاج بين النظرية و التطبيق، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص.181.

46
Cass civ.25 fierier 1997 Bull. civ. n°75.

47– محمد حسن قاسم، المرجع السابق، ص.77. 83.

48– بلخوان يحي عبد اللّطيف، الإلتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي مذكرة تخرج لنيل إجازة القضاء ،2008-2009 ، ص.36.

49– محمد حسن قاسم، المرجع السابق، ص163.

50– بلخوان يحي عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص.40.

51– علي علي سليمان، نظرية الالتزام، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، ط. الخامسة، 2003، دار المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2003، ص.56.

52– عبد الرشيد مأمون، المرجع السابق، ص.28.

53– علي علي سليمان، المرجع نفسه، ص.58.

54– علي علي سليمان، المرجعالسابق، ص.60.

55– عبد الرشيد مأمون، المرجع السابق، ص.36.


56Art. 1147 C.civ.fr.: «le débiteur est condamné, s’il ya bien au payement de dommage et intérêts, soit en raison de l’inexécution de l’obligation soit en raison du retard dans l’exécution, toutes les fois qu’il ne justifier pas que l’inexécution provient d’une cause étrangère qui ne peut lui être impact encore qu’il y ait aucune mauvaise fois de sa part.

57– بلخوان يحي عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص.43.

58– مجلة موسوعة الفكر القانوني، دار الهلال للخدمات الإعلامية، ص89.

59– عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام ،ج. الأول، دار النشر للجامعات المصرية ،1952 ، ص821.

60– بلخوان يحي عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص.45.


61 علي علي سليمان، المرجع السابق، ص.186. .

62 علي علي سليمان، المرجع نفسه، ص.187.

63– الأمر رقم 75- 58 الصادر بتاريخ 26 سبتمبر 1975، المتضمن القانون المدني، المعدّل والمتمم بالقانون رقم 05-10، الصادر بتاريخ 20 يونيو 2005.

64– علي علي سليمان، المرجع السابق، ص.175.

65– محمد حسين منصور، المسؤولية الطبية، الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية ،2001 ص.129.

66– بلخوان يحي عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص.51 .

67– عميري فريدة، مسؤولية المستشفيات في المجال الطبي،
مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون
فرع
“قانون المسؤولية المهنية “، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري، تبزي وزو،2011، ص.135.

68– هذا تأسيسا على عدّة أسباب واعتبارات من أهمها، صعوبة إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل أحداث الضرر فهناك الكثير من الأضرارلا يمكن إصلاحها أبدا هذا من جهة، ومن جهة أخرى ولضمان استفاء المضرور حقه في وقت أقصر يحكم عادة بالتعويض النقدي الأسهل تطبيقا للمسؤولية، وتقديرا للقاضي، وحتى لا يقحم القاضي في التزام متابعة التنفيذ العيني.

69– أحمد حسن عباس الحيارى، المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري، دار الثقافة، عمان، 2008، ص.136.

70– علي علي سليمان، المرجع السابق، ص.206.

71-أحمد حسن عباس الحيارى ، المرجع نفسه، ص.162.

72 عميري فريدة،
المرجع السابق، ص.139.

73– أحمد حسن عباس الحيارى، المرجع السابق، ص.165.

74 علي علي سليمان، المرجع السابق، ص.168.

75– أحمد حسن عباس الحيارى، المرجع نفسه، ص.173.

76C.A. Versailles. 20-12-1991.D.1993 somm.p.30.

77 بلخوان يحي عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص.56.

78– ART. 1142-2 C.s.p.fr (loi n°303-2002 du 04.03.2002). Les professions de sante exerçant a titre libéral, les établissement et services de sante et toute personnes morale(autre que l’état) exerçant des activités de prévention diagnostique ou soin ainsi que les producteurs et fournisseurs de produit de sante sont tenus de souscrire une assurance destine a les garantir pour leur responsabilité civile ou administrative susceptible d’être engager en raison de dommages subis par des tiers et résultant d’une atteinte a la personne survenant dans le cadre d’une activité de prévention diagnostique ou soin. ART. 1142-2 du. c.s.p.fr (loi n°303-2002 du 04.03.2002).

79– الأمر رقم 95- 07 المتعلق بالتأمين الصادر بتاريخ 25 جانفي 1995 ج.ر العدد 13، ص.07.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى