بحوث قانونية

التحقيق في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد

تقـــــــديم عــــــــام

       يشكل الحق في المحاكمة العادلة، احد الأعمدة الأساسية لدولة الحق والقانون وحماية الإنسان من التعسف والشطط والتميز والاعتداء، لذلك حظي هـﺫا الحق بمكانة كرستها الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان من الإعلان العالمي إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب 1 وغيرها من الإعلانات والقواعد والميادين الدولية ذات الصلة.

[xyz-ihs snippet=”adsenseAkhbar”]

      وعلى ضوء الدينامية السياسية والتشريعية، والمؤسساتية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينات من القرن العشرين، إذ تم فتح ورش الإصلاح التشريعي حيث شمل إجراءات هامة جدا من الترسانة القانونية المغربية، بهدف تطويرها وملاءمتها مع المستجدات الوطنية، والالتزامات الدولية، وضمن هذا الإطار جاء تعديل قانون المسطرة الجنائية2

     فقد جاء ق.م.ج الجديدة بعدة مستجدات هامة، وﺫلك من اجل توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم مبادئ حقوق الإنسان في المحاكمة العادلة، وحماية حقوق الأفراد متهمين كانوا أم ضحايا      أو شهود، وكـﺫا إعطاء نظام العدالة الجنائية الوسائل الضرورية لمكافحة الجريمة وفقا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون، أخذا بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع المغربي والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة لنظام العدالة الجنائية ببلادنا.

    وفي هدا الإطار جاء قانون (22.01 ) المتعلق بالمسطرة الجنائية، الذي كرس مجموعة من المستجدات تواكب التطور الكبير الذي تشهده البلاد على المستوى التشريعي والمؤسساتي، ولعل أهم المستجدات التي جاء بها ق م ج الجديد تلك المتعلقة بمؤسسة قاضي التحقيق، باعتباره الساهر على جمع أدلة الإثبات وتصحيحها بدأ بكتشاف الجريمة إلى غاية الحكم فيها، وﺫلك عن طريق ما يسمى بالتحقيق الإعدادي3 .

    وإﺫا كانت بعض الدول (فرنسا) ترى أن لا فائدة من وجود هذه المؤسسة داخل الخصومة الجنائية، فان المشرع المغربي في ظل ق م ج (22.01 ) قام بتوسيع نطاق هـﺫه المؤسسة، وﺫلك باعتماد ثنائية التحقيق، وإذا أصبحت المحاكم الابتدائية4 تتوفر على مؤسسة قاض التحقيق انطلاق من كون المشرع أعطى لقاضى التحقيق إمكانية القيام بالتحقيق الإعدادي عن طريق مجموعة من الإجراءات والأوامر تمكن من جمع الأدلة .

    ومن اجل دراسة إجراءات وأوامر قاضي التحقيق، حاولنا التركيز فقط على المستجدات التي جاءت في هذا الإطار،إذ منها ما يمكن القاضي من جمع الأدلة والتنقيب عنها كإجراء بحث حول شخصية المتهم، أو الاستماع إلى الشهود، خصوصا في الشق المتعلق بالاستماع إلى أعضاء الحكومة والهيئات الدبلوماسية، أو التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل عن بعد، ومنها ما يتخذ لصالح شخص المتهم وهي تتخذ في شكل أوامر المراقبة القضائية.

    لكن التساؤلات التي يمكن طرحها في هـﺫا الإطار، هل فعلا ستساهم هـﺫه المستجدات في الحفاظ على التوازن المطلوب بين حقوق الأفراد والمجتمع ؟ ثم هل ستساهم في تحقيق المحاكمة العادلة ؟

    وما ينبغي الإشارة إليه في هـﺫا الإطار هو انه قد ارتأينا أن ندرس في إطار هذا الموضوع نطاق التحقيق وخصوصياته وﺫلك كتمهيد للمستجدات قضاء التحقيق على ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد وﺫلك ووفق التصميم التالي:

 

 

 

التصـــــــــــميم

 

تقــــــــــــديــــــــــم :

 

المبحث الأول : نطاق التحقيق في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد

 

v    المطلب الأول : نطاق التحقيق

v    المطلب الثاني : الجهات التي يرجع لها القيام بالتحقيق الإعدادي

1- الجهات المكلفة أساسا بالتحقيق

2- الجهة المكلفة استثناءا بإجراء التحقيق

المبحث الثاني : مستجدات التحقيق الإعدادي الإجراءات والأوامر

 

v    المطلب الأول : مستجدات سير التحقيق على مستوى الإجراءات

ü     الفقرة الأولى : الإجراءات الاستدلالية على شخص المتهم

أ – إجراء بحث حول شخصية المتهم للتعرف على وضعه المادي والعائلي والاجتماعي

ب – إجراء الفحص الطبي على المتهم وإخضاعه للعلاج

ü     الفقرة الثانية : الإجراءات الاستدلالية لجمع الأدلة

أ – الجهات الموكل إليها حق الأمر بالتقاط المكالمات

ب – إجراءات التقاط المكالمات

v    المطلب الثاني : المستجدات سير التحقيق على مستوى الأوامر

ü     الفقرة الأولى : الوضع تحت المراقبة القضائية

ü    الفقرة الثانية : المستجدات المتعلقة بحقوق المجني عليه

 

v     خــــــــــــاتمة :

v     المـــــــــــلاحق

v     المـــــــــــراجع

 

 

 

 

 

المبحث  I : نطاق التحقيق في ظل ق م ج الجديد.

 

    باستقراء  ق م ج  المغربي، يتبين أن التحقيق الإعدادي هو مجموعة من التحريات تستهدف استكمال جمع الحجج، التي في صالح المتابع أو ضده من طرف سلطة قضائية مختصة، يحق لها في نهاية الأمر أن تقرر إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة.

   وعليه يمكن القول بأن لقضاء التحقيق مهمة مزدوجة، تتمثل من جهة في جمع الأدلة المثبة للجريمة التي توبع من أجلها المحقق معه، ومن جهة ثانية في تقدير قيمة تلك الأدلة لمعرفة ما إذا كانت كافية للاستمرار في المتابع.

   ويتميز التحقيق الإعدادي بعدة خصائص، أبرزها أنه ذو طبيعة قضائية، إذا أن قاضي التحقيق حكم وليس خصما، ولـﺫا فإن من الواجب عليه أن يجمع الحجج بحياد تام، كما أنه ينجز هذا التحقيق تحت مراقبة الغرفة الجنحية، أما الخاصية الثانية هو أن التحقيق يغلب عليه طابع السرية والكتابة (النظام التفتيشي) والعينية والحضوري.

 

المطلب I : نطاق التحقيق

 

    يختلف نطاق التحقيق باختلاف الزوايا المنظور إليه منها، كالأفعال الخاضعة للتحقيق والأشخاص الخاضعين له، والهيئات المكلفة بإجرائه والمجال المكاني.

فمن زاوية الأفعال الخاضعة له، فهناك من يعتبر التحقيق إجباري فيها، وأخر يعتبر التحقيق فيها اختياري، فالنسبة للتحقيق الإجباري وطبقا لمقتضيات المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية فإنه يشمل الجرائم التالية:

– الجنايات المعاقب عليها بالإعدام.

– الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤبد.

– الجنايات التي يصل الحد الأقصى فيها للعقوبة 30 سنة.

– الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث.

– الجنح التي يوجد فيها نص يقضي بوجوب إجراء التحقيق فيها.

أما بالنسبة للأفعال التي يكون فيها التحقيق اختياري وطبقا لنفس المادة هي كالتالي:

– الجنايات التي تقل عقوبتها عن 30 سنة.

– الجنح المرتكبة من طرف الأحداث.

– الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقرر لها خمس سنوات أو أكثر.

! من خلال هـﺫه المقتضيات يظهر أن مشرع قانون المسطرة الجنائية الجديد، وسع من جديد الأفعال الخاضعة للتحقيق5 إلا أنه بالرغم من هـﺫا التوسع ، فهو غير إجباري في جميع القضايا المعروضة أمام المحاكم العادية،هـﺫه الأخيرة التي تزخر بتعددية في الهيئات المكلفة بالتحقيق، والتي تتشكل من قضاة التحقيق الـﺫين يتم تعينهم بقرار لوزير العدل على غرار ما كان يتم بمحكمة العدل الخاصة، وهذا أمر

 فيه مساس باستقلال السلطة القضائية، بالإضافة إلى كون أنه كان من الأفيد ترك القيام به لجهة تستقل تماما عن جهة الحكم، نزولا على ما تقضي به الأحوال الإجرائية المعتبرة التي تمنع جمع سلطتي التحقيق والحكم في يد واحد ة.

 

5 الأستاذ محمد الودغيري: العدالة في المغرب بين القضاء العادي والإستثنائي دراسة نقدية على ضوء القوانين المسطرية ـ منشورات مجلة الحقوق المغربية  العدد 2 ـ 2009 الطبعة الأولى

ص 137 ـ 138.

 

   ومن خلال تتبعنا لنصوص قانون المسطرة الجنائية الجديد، خصوصا المواد 83. 238 .362  والتي يمكن القول من خلالها أن نطاق التحقيق كان وسطيا، إذ قام بتوسعه من هامش الجرائم التي أضحت بمقتضى القانون الحالي للمسطرة تخضع للتحقيق الإعدادي لزوما (م 83 )، وفي هامش ﺫلك أصبحت

إمكانية اللجوء فيها للتحقيق اختيارية، وهو ما لم يكن متيسر في قانون الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، مع الإبقاء على البحث التكميلي.

 

المطلب  IIالجهات التي يرجع لها القيام بالتحقيق الإعدادي.

 

   يعهد القانون بمهمة التحقيق إلى قاضي التحقيق بصفة أساسية، غير أن القانون يسمح أيضا لقاضي التحقيق، أن ينوب عنه احد ضباط الشرطة القضائية.

1 – الجهات المكلفة أساسا بالتحقيق

* قاضي التحقيق

      يتعلق الأمر بالقضاة المكلفين أساسا بالتحقيق الإعدادي، و المحددين في المادة 52 من ق م ج.

والملاحظ أن هذه المادة، استحدثت قضاة التحقيق أمام المحاكم الابتدائية، إلى جانب قضاة التحقيق،   أمام محاكم الاستئناف،  وقد سبق القول بأن تعينهم يكون من طرف وزير العدل، باقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو من طرف رئيس المحكمة الابتدائية، كل حسب اختصاصه .

    والملاحظ هو انه يجوز لوزير العدل، أن يتولى تعيين قاضي التحقيق بصفة مؤقتة لدى محكمة الاستئناف عن طريق ما يسمى بمسطرة الانتداب6، وتقتضي هـﺫه المسطرة أن يعين وزير العدل قاضي التحقيق لمدة لا تتعدى 3 أشهر يجوز تمديدها لمدة مماثلة.

   هـﺫا ويبث قاضي التحقيق بمفرده في القضايا المعروضة عليه ( القضاء الفردي )، وعند استئناف قراراته، تبث الغرفة الجنحية في الطعون برئيس ومستشارين ( القضاء الجماعي )، وفقا لأحكام المادة 231 من قانون المسطرة الجنائية .

   ويباشر في تحقيق مهامه، بعد تكليفه بإحدى طرق التكليف الثلاثة وهي، الملتمس المقدم من طرف النيابة العامة، أو الادعاء المباشر من طرف المطالب بالحق المدني، أو بتنفيذ الإنابة القضائية الموجهة من طرف التحقيق وفق شروطها.

* الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف

     الغرفة الجنحية، هيئة قضائية تابعة لمحكمة الاستئناف، تتشكل من الرئيس الأول، أو من ينوب عنه ومستشارين اثنين، وتعقد جلساتها بحضورممثل النيابة العامة، وكاتب الضبط، ومن بين الاختصاصات الممنوحة لهـﺫه الغرفة، تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160 من قانون المسطرة الجنائية، وكذلك في طلبات بطلان إجراءات التحقيق، المنصوص عليها في المواد 210.213  ق م ج وكذلك في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق ( م 222).

وما يهمنا من هـﺫه الاختصاصات أن هـﺫه الغرفة درجة ثانية من درجات التحقيق الإعدادي.

2 – الجهة المكلفة استثناءا بإجراء التحقيق

    يجرى التحقيق بصفة استثنائية من طرف جهات غير قاضي التحقيق، وﺫلك في الأحوال التي يوجد فيها نص خاص، أو حالة الإنابة القضائية.

 

 

 

 

 

6 الفصل 57 من ظهير 11/01/1979 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء.

 

* حالة وجود نص خاص

     وأبرز مثال على هـﺫا ما ورد في المادة 265 من ق م ج حيث للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى تعين عضو أو عدة أعضاء من هيئتها لإجراء التحقيق في الأفعال المنسوبة لبعض كبار الموظفين، الواردين حصرا في المادة المذكورة، ويباشر التحقيق حسب الإجراءات المنصوص عليها في القسم III من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي (المواد 83.250 )، والتحقيق الذي يباشر بالنسبة للأعضاء الحكومة يتعلق بالأفعال المنسوبة إليهم خارج المهام الحكومية، والتي لا علاقة لها بتسيير الشأن العام.

* الإنابة القضائية

    قد يتعذر على قاضي التحقيق، القيام بنفسه بإجراء التحقيق في جزء منه، لأسباب قد ترجع إلى تكدس القضايا المحالة عليه، أو ضرورة الانتقال إلى مكان لا يدخل في اختصاصه الترابي.

وبالتالي فان لقاضي التحقيق أن ينيب جهة معينة، قد يكون قاضيا للتحقيق في منطقة أخرى، أو ضابط من ضباط الشرطة القضائية.

   وتتولى الجهات الموكل لها هذا الأمر في الحدود التي رسمها قرار الإنابة وتعتبر هذه الأخيرة        (الإنابة) إجراءا ضروريا في الحالة التي يعتذر فيها على القاضي تجاوز حدود اختصاصه الترابي،   أو في حالة الاضطرار إلى الاستعانة بجهات أخرى لتسهيل مهمته.

   والإنابة بذلك تعد إجراءا مفيدا، بشرط ألا تستعمل كذريعة للتخلص من القضايا أو التملص من مهامهم، مما يخشى معه أن ينقلب التحقيق إلى بحث تمهيدي، ويمكن توجيه الإنابة القضائية بالطرق الدبلوماسية من قضاة التحقيق إلى السلطات القضائية الأجنبية (م 714 ) ق م ج7.

   وبما أن الإنابة القضائية هي وسيلة لطلب العون، فإن قاضي التحقيق لا يفوض مبدئيا إلا بعض سلطاته وبالتالي فهي لا تكون عامة وإنما تكون خاصة تتعلق بجريمة محددة، أو إجراء معين            ( م 189 من ق م ج ).

   وتكون الإنابة من حيث الشكل مكتوبة ومؤرخة وموقعة من طرف قاضي التحقيق، الذي أصدرها مع وضع الحكم عليها، ما عدا في حالة الاستعجال، حيث يجوز إذاعة الإنابة بجميع وسائل الإعلام.

ويحدد القاضي الأجل الذي يجب أن تسلم فيه المحاضر التي تسفر عنها الإنابة، وإذا لم يحدد أجلا فإن هذه المحاضر ترسل في ظرف 8 أيام موالية ليوم نهاية العمليات المنجزة بموجب الإنابة القضائية.

   والإنابة من حيث أثرها، تنقل مبدئيا سلطات قاضي التحقيق إلى الجهة المنابة، من أجل القيام بالعمل المحدد في الإنابة مع الالتزام بالمقتضيات التي فرضها القانون إلا على قاضي التحقيق.

ولا تخول الإنابة للجهة المنابة حق إصدار الأوامر القضائية، الخاصة بقاضي التحقيق ( كالأمر بالإحضار، أو الأمر بإلقاء القبض، أو كل أمر يمكن استئنافه أمام الغرفة الجنحية ).

ولا تعطي الإنابة للمناب حق تفتيش مكان المتهم خارج الساعات المسموح بها قانونا، ما لم يكن هذا المناب قاضيا، كما لا يحق استنطاق المتهم من الجهة المنابة إذا لم تكن جهة قضائية.

ولا يجوز لغير قاضي التحقيق أن يستمع للمطالب بالحق المدني، إلا بإذن من القاضي المحقق.

وإذا احتاج ضابط الشرطة القضائية الموجهة إليه الإنابة، إلى وضع شخص تحت الحراسة، فيتعين احترام شروطها، وإشعار قاضي التحقيق بذلك.

والتقييد بجميع الشروط، واحترام جميع الضمانات التي يقرها القانون في حالة الوضع تحت الحراسة النظرية (م 192).

 

7 جاء في قرار للمجلس الأعلى مايلي: ويمكن لقضاة المملكة أن يضعوا الإنابة القضائية خارج تراب المملكة، لم يحدد القانون نوع الإنابة القضائية، ولم يحصرها في أبحاث التحقيق ولما كانت المحكمة قد قامت بوضع إنابة قضائية موجهة إلى السلطات القضائية في بلد آخر ( فرنسا ) قصد إجراء خبرة طبية على شخص كان ضحية حادثة سير في التراب المغربي إنما قامت بإجراء مسطرة في حدود القانون ولم تتجاوز الصلاحيات المخولة لها. ولهذا فان المحكمة بانجازها لهذا الإجراء، لم تتنازل عن سلطاتها ولا عن اختصاصاته للبلد الأجنبي الذي انتدب سلطاته القضائية لانجاز هذه الخبرة. القرار رقم 388/83 صادر في20 يناير 1983. ملف جنائي عدد 6160.

   

 

وعلى العموم فإذا كان المشرع المغربي من خلال ق م ج، حاول إقرار ثنائية التحقيق وذلك كمستجد فإن هناك مستجدات أخرى غاية في الأهمية لا بد من دراستها وفق مبحث ثاني.

   

المبحث الثاني: التحقيق الإعدادي والإجراءات

من المعلوم أن التحقيق الإعدادي يتشكل من عدة إجراءات وأوامر، حيث يعتبر إحدى الآليات المهمة التي تعطي لقاضي التحقيق إمكانية قيامه بأعماله[1] وكما هو معلوم فإن أي قضية تعرض على قاضي التحقيق بأحد الوجهين، إما عن طريق ملتمس بإجراء تحقيق مقدم من النيابة العامة أو عن طريق الادعاء المصحوب بالمطالب المدنية المقدم من طرف المتضرر من الجريمة المادة 84.

غير أن ضرورات البحث تتطلب منا التطرق فقط للمستجدات التي جاءت في هذا الإطار، سواء على مستوى إجراءات سير التحقيق من جانب الاستدلال على شخص المتهم، أو لجمع الأدلة، وكذا المستجدات المتعلقة بسير التحقيق على مستوى الأوامر، سواء المتعلقة بحقوق المتهم، أو بحقوق المجني عليه، لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

المطلب الأول: مستجدات سير التحقيق على مستوى الإجراءات.

المطلب الثاني: مستجدات سير التحقيق على مستوى الأوامر.

المطلب الأول: مستجدات سير التحقيق على مستوى الإجراءات والأوامر.

     مما تجدر الإشارة إليه هو أن جل المستجدات التي جاءت بها المسطرة الجنائية الجديدة تروم إما إلى حماية حقوق الأطراف (المجتمع – المتهم – المجني عليه) وإما إلى ضمان حسن[2] سير العدالة.

الفقرة الأولى: الإجراءات الاستدلالية على شخص المتهم.

      يعتبر المتهم أحد أطراف الخصومة الجنائية، لذلك، حاول ق.م.ج الجديد التركيز على إجراء بحث حول شخصية المتهم، للتعرف على وضعه المادي، والعائلي، والاجتماعي، بالإضافة إلى إجراء فحص طبي عليه.

أ– إجراء بحث حول شخصية المتهم، للتعرف على وضعه المادي والعائلي والاجتماعي:

      لقد نصت المادة 87 من ق.م.ج بأن البحث حول شخصية المتهم وظروفه العائلية، والاجتماعية، أمر إلزامي في الجنايات واختياري في الجنح: "يقوم قاضي التحقيق إلزاميا في مادة الجنايات، واختياريا في مادة الجنح، بإجراء بحث حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية.

ويقوم قاضي التحقيق أيضا بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كانت سنه تقل عن عشرين سنة وكانت العقوبة المقررة لا تتجاوز خمس سنوات، وارتأى قاضي التحقيق وضع المتهم تحت الاعتقال الاحتياطي".[3] 

ويتولى هذا البحث قاضي التحقيق نفسه أو يعهد به إلى ضابط الشرطة القضائية، أو إلى أي شخص أو مؤسسة مؤهلة للقيام به.

ومما لاشك فيه، أن التعرف على الظروف المادية، والعائلية والاجتماعية للمتهم، من شأنه أن يلقي الضوء على ظروف ارتكاب الجريمة وفهم سلوك المجرم، من ما يسهل تقدير مسؤوليته الجنائية تقديرا عادلا.

والملاحظ أن هذا الإجراء لا يعرف التطبيق الواجب، بسبب انعدام الإمكانيات والأطر الكافية المؤهلة، في ميادين علم النفس الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام وغيرها من العلوم الاجتماعية، فقاضي التحقيق قل ما يجري بحث من هذا النوع بنفسه، وإنما يعهد به في غالب الأحيان إلى ضباط الشرطة القضائية، رغم أهمية هذا الإجراء، ومن ضمن الشروط التي نص عليها ق.م.ج (المادة 87).

ب : إجراء الفحص الطبي على المتهم وإخضاعه للعلاج.

في نطاق الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق، المتعلقة بشخص المتهم، يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بإجراء فحص طبي عضوي ونفساني.

كما يجوز له بعد رأي النيابة العامة، أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج من التسمم الناتج عن التعاطي للمسكنات، والمخدرات إذا ظهر أن المعني مصاب بتسمم مزمن، ناجم عن تعاطي الكحول،   أو المخدرات، أو المواد ذات التأثير العقلي، ويباشر العلاج إما داخل المؤسسة التي يوجد بها المتهم رهن الاعتقال، وإما في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا، ويترتب على إخضاع المتهم للعلاج وفق إجراءات التحقيق أثناء مدة العلاج، مع احتفاظ سند الاعتقال بمفعوله، وقد سمح القانون للمتهم أو دفاعه بطلب إجراء الفحوص الطبية عليه، أو إخضاعه للعلاج، ولا يمكن لقاضي التحقيق رفض هذا الطلب إلا بأمر معلل.

كما أجازت المادة (134 من ق.م.ج) بالأمر تلقائيا بإجراء فحص طبي على المتهم، وأوجبت عليه إجراء هذا الفحص، إذا لاحظ علامات، أو إمارات تستوجب التأكد بواسطة فحص طبي، ويجوز لقاضي التحقيق أيضا أن يأمر بعرض المتهم على مصلحة التشخيص القضائي للتأكد من هويته.

الفقرةالثانية: الإجراءات الاستدلالية لجمع الأدلة

يتعلق الأمر هنا بالتقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد.

    تعتبر من بين أهم المستجدات التي جاء بها ق.م.ج، وذلك ضمن المواد (من 108 إلى 116) ويعتبر وسيلة استدلال للحصول على قرائن وأدلة، وقد خول المشرع لقاضي التحقيق وللوكيل العام للملك هذه الصلاحية ضمن شروط محددة وإجراءات محصورة، وهكذا أكدت المادة 108 في فقرتها الأولى أن القاعدة هي منع التقاط المكالمات الهاتفية، أو الاتصالات المنجزة عن بعد أو تسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها [4]، فالأصل هو منع التنصت والترخيص به يعتبر استثنائي، تستدعيه متطلبات الكشف عن الجرائم والمجرمين، وهذه الاستثناءات محاطة بعدة ضمانات، فما هي الجهات الموكول إليها هذا الإجراء، وما هي الإجراءات وشروط التقاط المكالمات؟

أ‌-      الجهات الموكول إليها حق الأمر بالتقاط المكالمات.

أجاز المشرع لقاضي التحقيق، والوكيل العام للملك، حق الأمر بالتقاط المكالمات، حيث أعطى لقاضي التحقيق، حق إصدار الأمر المباشر المكتوب بالتقاط المكالمات الهاتفية، وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة الاتصال عن بعد، وتسجيلها، وأخذ نسخ منها، أو حجزها، وينفذ أمر قاضي التحقيق مباشرة دون قيد، وقد تم إعمال هذه الآلية الخطيرة، والتي تهدد قرينة البراءة، في انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين، وحيث أنه من خلال الإطلاع على مضمون مكالمات هاتفية، تم التقاطها إبان الحملة الانتخابية بناءا على أمر صادر من السيد قاض التحقيق بمحكمة الاستئناف.

تبين من حيث مدلولها الصريح والضمني أنها تتمحور كلها حول عرض المطعون في انتخابه ……….، وحيث انه في إطار التحقيق المجرى في موضوع الأفعال أعلاه، أمر السيد قاضي التحقيق بإحالة السيد………..على المحكمة الابتدائية……….

تثير هذه الإجراءات التساؤل عن مدى انسجامها مع الفصل 11 من الدستور، الذي ينص صراحة على عدم جواز انتهاك سرية المراسلات حيث:

   – تتعارض هذه التدابير مع حقوق والحريات الأساسية للإنسان، وخاصة منها حقه في أن تحترم أسراره الحميمية، وحياته الشخصية، كما تتعارض مع مبدأ البراءة الأصلية الواردة في الفصل الأول  من (ق.م.ج) .

   – تشكل هذه التدابير وسائل إثبات غير سليمة وغير أخلاقية، على اعتبار أنها تفترض اللجوء إلى التحايل، واستدراج الشخص المستهدف لإيقاعه في وضع يقيم الحجة على تورطه في الجريمة، الشيء الذي لا يقل خطورة عن العنف.

!مع العلم أن الاجتهاد القضائي الأجنبي يرفض صراحة كل إثبات يتم بالأخلاقية وبالتحايل أو بالغش.

   – إن الإباحة القانونية لهذا التدبي، قد تؤدي إلى المبالغة في استعماله وعدم حصره في وقائع محددة.

   – لا تتضمن المقتضيات المذكورة أية إشارة إلى ضرورة الإخبار البعدي للأشخاص الذين يتم التقاط مكالمتهم ومراسلتهم بهذا التطفل على حياتهم الشخصية، ولا إلى حقهم في توضيح أو تفنيد ما تم التقاطه أو تسجيله ضدهم.

   – مهما يكن من الأمر فمن منطلق دولة الحق والقانون، لا يجوز تخويل صلاحية الأمر بهذه التدابير، ومراقبة تنفيذها إلى القضاء الجالس وفق شروط دقيقة، وقيود واضحة تجعله إجراء استثنائيا على أرض الواقع.

أما الوكيل العام للملك فقد قيد المشرع صلاحيته بإلزامه بتقديم ملتمس للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.

   وقد حدد المشرع الجرائم التي يمكنه آن يقوم فيها بهذا الإجراء وهي:

1-                     الجرائم الماسة بأمن الدولة.

2-                     جريمة الإرهاب.

3-                     المتعلقة بالعصابات الإجرامية.

4-                     بالعقل أو التسمم.

5-                     بالاختطاف وأخذ الرهائن.

6-                     بتزييف النقود

7-                     سندات العرض العام

8-                     المخدرات والمؤثرات العقلية.

9-                     الذخيرة والمتفجرات

               10-         بحماية الصحة.

  وفي حالة الاستثناء يمكن للوكيل العام للملك في حالة الاستعجال القصوى أن يقوم بهذا الإجراء وذلك مخافة اندثار أدلة الإثبات، وعليه أن يشعر فورا الرئيس الأول خلال 24 ساعة بالأمر الصادر عنه، ويصدر الرئيس الأول خلال 24 ساعة مقرر بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرار الوكيل العام للملك،        فإن ألغي لا يعد به ولا يقبل مقرر الإلغاء أي طعن.

ب-إجراءات التقاط المكالمات

    يشترط في الأمر الصادر بإجراء التنصت، أن يكون مكتوب وأن يتضمن كل العناصر التي تعرف بالمكالمة الهاتفية أو المراسلة المراد التقاطها، وذكر الجريمة التي تبرر ذلك، والمدة التي تتم خلالها العملية التي لا يجوز أن تتجاوز أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.

   ويتم التقاطه من طرف أحد أعوان مستخدمي المؤسسة تابعة لوصاية الوزارة المكلفة بالاتصالات والمراسلات. 5

   وبعد ذلك تقوم السلطة القضائية المكلفة بالتحقيق، أو الشرطة القضائية المكلفة من طرفها، بتحرير محضر للعمليات التي تم انجازها بهذا الشأن، بذكر تاريخ البداية، وتاريخ النهاية، وتوضع في وعاء، أو غلاف مختوم، تم تقوم بتدوين محتويات الأشغال المفيدة لإظهار الحقيقة وذات الصلة بالجريمة، ويضاف إلى ملف القضية، و يمكن الاستعانة بأهل الخبرة وترجمانا، يؤديان اليمين، ويعفى من اليمين إن كان مسجل بجدول التراجمة المقبولين.

ويباد تسجيل المراسلات بعد انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية، أو بعد اكتساب الحكم الصادر في الدعوى قوة الشيء المقضي به، ويحرر محضر عن عملية الإبادة ويحفظ في ملف القضية.

المطلب الثاني: مستجدات سير التحقيق على مستوى الاوامر

    يعتبر قانون المسطرة الجنائية الذي صادق عليه البرلمان المغربي، انجازا قانونيا يدشن لمرحلة جديدة في مجال العمل القضائي بصفة خاصة، والبناء القانوني والمؤسساتي ببلادنا عموما، حيث شكل لبنة أساسية في ضمان محاكمة عادلة، تتوفر فيها كل الضمانات القانونية الكفيلة بتقوية سلطة العدالة الجنائية عن طريق جهاز القضاء، وما دمنا بصدد المستجد الذي جاء يحمله هذا القانون، فقد ارتأينا أن نتحدث عن أهم  المستجدات التي عرفها الباب المتعلق بالمراقبة القضائية، باعتبارها آلية بديلة لأسلوب الاعتقال بمفهومه الكلاسيكي.

الفقرة الأولى: الوضع تحت المراقبة القضائية

* ماهية المراقبة القضائية:                   

   يعتبر نظام المراقبة القضائية احد مستجدات قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد، بحيث انه لم يكن معروفا من قبل لا على مستوى النص التشريعي، ولا على مستوى المراقبة القضائية ،

ظهير 7 غشت 1997 المنظم للبريد والمواصلات (رقم 96ـ24) بتنفيذ الظهير 1.97.162 (ربيع الثاني 1418ـ7 غشت 1997 5

 

وقد خصص له الباب التاسع من القسم الثالث من المادة (160الى 174) من قانون المسطرة الجنائية، وقد جعل المشرع المغربي من هذه المؤسسة تدبيرا استثنائيا لا يعمل به إلا في الجنايات، أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، في المقابل نجدا ن الجنح المعاقبة بالغرامة لا يتخذ بشأنها هذا التدبير، ونود الإشارة هنا إلى أن المشرع المغربي يلتقي مع نظيره الفرنسي الذي كان سباقا في اعتماد هذا التدبير، فالمادة 137 الفرنسية تقابل المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، وكلاهما يؤكد الطابع المؤقت والاستثنائي للمراقبة القضائية للعلة الآتية، أن الأصل     هو البراءة.

   ويعد قرار الوضع رهن المراقبة القضائية، احد الاختصاصات الجديدة التي أعطاها القانون الجديد لقاضي التحقيق، ورهنها بسلطته التقديرية لتحقيق ما يلي:

1-     الحد من حالات الاعتقال وتكدس المعتقلين بالسجون.

2-     ضمان حضور المتهم، ما لم تتطلب ضرورة التحقيق، أو الحفاظ على أمن الأشخاص، أو على النظام العام اعتقاله احتياطيا، وقد حددت المادة 160 من ق.م.ج مدة الوضع رهن المراقبة القضائية في 10 أشهر (شهرين قابلة للتجديد 5 مرات).

لذلك فان قرار الوضع رهن المراقبة القضائية تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق، إلا أن هدا الأخير ملزم بتبليغه إلى ممثل النيابة العامة داخل اجل 24 ساعة، ويتعين آن يكون القرار معللا، ويمكن تبليغ الأمر حالا إلى المتهم شفهيا مع تحريره بعد ذلك في محضر، كما يبلغ القرار معللا إلى النيابة العامة داخل 24 ساعة، ويحق لهذه الأخيرة، وكذا المتهم، استئنافه خلال اليوم الموالي لصدوره طبقا للشكليات المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق بشان الإفراج المؤقت لدى الغرفة الجنحية الاستئنافية، التي تبث فيه داخل 5 أيام من تاريخ الإحالة.

   وفي هذا الصدد نجد أن المشرع المغربي مثل نظيره الفرنسي قد منح وسمح لقاضي التحقيق بإلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية تلقائيا، أو بناء على طلب النيابة العامة، أو المتهم، أو محاميه،    وعموما يمكن إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية أثناء جميع مراحل التحقيق، إذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى الأمر الصادر عن قاضي التحقيق، وفي هذه الحالة يصدر هذا الأخير ضده أمرا بالإيداع في السجن، أو أمر بإلغاء القبض، بعد اخذ رأي النيابة العامة.

الفقرة الثانية: مضمون المراقبة القضائية

لقد حددت المادة 161 من ق.م.ج المغربي مضمون تدبير المراقبة القضائية، وارتباطا بذلك ارتأينا آن نستعرض على التوالي الالتزامات الملقاة على المتهم بمقتضى قرار الوضع تحت المراقبة، والجهات المتدخلة في تطبيق هذا التدبير إلى جانب قاضي التحقيق، ثم مدى انسجام الالتزامات المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان.

أولا: مضمون المادة 161 من ق.م.ج

نصت المادة 161 على مايلي:

يتضمن الأمر بوضع الشخص تحت المراقبة القضائية الخضوع تبعا لقرار قاضي التحقيق لواحد أو أكثر من التدابير أو الالتزامات التالية:

1-            عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من طرف قاضي التحقيق.

2-            عدم التغيب عن المنزل أو السكن المحدد من طرف قاضي التحقيق إلا وفق الشروط والأسباب التي يحددها القاضي المذكور.

ثانيا: مدى انسجام الالتزامات المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية المغربي مع مبادئ حقوق الإنسان

تعتبر فلسفة حقوق الإنسان احد الفروع الصلبة للثقافة القانونية بصفة عامة، والجنائية بصفة خاصة، والتي ما فتئ المغرب يكرسها عبر العديد من القوانين، والمؤسسات، أولها إنشاء مجلس استشاري لحقوق الإنسان، والالتزام دستوريا باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، وأخيرا خلق ديوان للمظالم، وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 161 من ق.م.ج نجدها تتضمن جملة من القيود على حقوق تعد من النواة الصلبة لحقوق الإنسان، ألا وهي حق التنقل، والحق في العمل، والحق في سرية الحياة الخاصة.

 فالإشكال المطروح هو، إلى أي حد جاءت مقتضيات المادة 161 من ق.م.ج المغربي منسجمة مع التزامات المملكة المغربية الحقوقية؟

إن الجواب على هذا التساؤل ليس بالأمر الهين والسهل، وكل تسرع سوف يلقي بنا في غياهب أحكام القيمة، وشائبة الخطأ، لكون التجربة لازالت في المهد، لاسيما وان النصوص القانونية مهما بلغت درجة حبكتها، تبقى رهينة بحسن تطبيقها، فالقائمون على تنفيذ المادة 161 من القانون الجنائي المغربي، هم من عليهم تفعيل مقتضيات المادة بالشكل الصحيح والسليم.

وفي مجال تكريس حرية الرأي والتعبير، نص المشرع المغربي في المادة 165 من ق.م .ج، على عدم المساس حين تطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له،  ولا بمعتقداتهم الدينية، أو السياسية، ولا بحقهم في الدفاع تماشيا مع مقتضيات العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

واحتراما لحق العمل، قيد المشرع أمر قاضي التحقيق للمتهم بعدم مزاولة بعض الأنشطة ذات الطبيعة المهنية، أو الاجتماعية، بضرورة إشعاره بذلك الإجراء عند الاقتضاء.

3-                 عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها قاضي التحقيق.

4-                 إشعار قاضي التحقيق بأي تنقل خارج الحدود المعنية.

5-                 التقدم بصفة دورية أمام المصالح والسلطات المعنية من طرف قاضي التحقيق.

6-               الاستجابة للاستدعاء الموجه إلى الخاضع للمراقبة من أية سلطة، أو أي شخص مؤهل       معين من طرف القاضي.

7-                 الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني، أو حول مثابرته على تعليم معين.

8-                 إغلاق الحدود.

9-               تقديم الوثائق المتعلقة بهويته لاسيما جواز السفر إما لكتابة الضبط ،أو لمصلحة الشرطة    أو الدرك الملكي مقابل وصل.

10-          المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها، أو تسليم رخصة السياقة لكتابة الضبط مقابل وصل ويمكن لقاضي التحقيق أن يأذن له باستعمال رخصة السياقة لمزاولة نشاطه المهني.

11-           المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي   التحقيق.

12-            الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء لاسيما من اجل إزالة التسمم.

13-إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر.

14-          عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية.

15-            عدم إصدار الشيكات.

16-            عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل.

17-          تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية.

18-            إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو انه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه.

     للمشغل، أو السلطة التسلسلية التي يتبع لها المتهم، أو الهيئة المهنية التي ينتمي إليها، أو السلطة المختصة لممارسة المهنة، أو النشاط المهني، فهكذا لو شمل قرار المنع محام، فيتعين على قاضي التحقيق إشعار هيئة المحامين المنتمي إليها المحامي موضوع قرار المنع.

ثالثا: الجهات المشرفة على تدبير المراقبة القضائية إلى جانب قاضي التحقيق

   اسند المشرع الجنائي لجهات موازية حق المشاركة في تطبيق وتفعيل مقتضيات الوضع رهن المراقبة القضائية، وهكذا منحت المادة 162 من ق م ج الحق لقاضي التحقيق بتعيين شخص مادي،   أو معنوي، مؤهل للمشاركة في تطبيق الوضع تحت المراقبة، ويمكن آن يكون شخصا طبيعيا،         أو معنويا، وتتحكم في اختياره نوع وطبيعة التدبير المتخذ من طرف قاضي التحقيق.

   وللمزيد من التوضيحات نسوق مثال لذلك، فإذا أمر قاضي التحقيق بالتزام المتهم بالخضوع للفحص الطبي، فان مهمة الإشراف على هذا التدبير تسند إلى طبيب، أو جهاز إداري تابع لمستشفى معين،  وإذا كان الالتزام هو المنع من إصدار شيكات، فإن الجهاز المكلف بتطبيق هذا الإجراء هي الوكالة البنكية، أو الشخص، أو المؤسسة التي تسير الحساب البنكي للمتهم، وكذا بنك المغرب 6.

   وتعتبر الضابطة القضائية في شخص رئيس مصلحة الشرطة، أو الدرك الملكي لمكان إقامة المتهم، أهم الأجهزة المشاركة في تنفيذ إجراء المراقبة القضائية نظرا لما يتوفر لديها من اطر وإمكانيات تيسر لها سبل تتبع المتهم في حله وترحاله، وبالتالي إبلاغ قاضي التحقيق بكل خرق لأمر الوضع رهن المراقبة لإتخاذ المتعين، كتعويض الوضع رهن المراقبة بتدبير الاعتقال الاحتياطي إذا كانت ضرورة ومصلحة التحقيق تقتضي ذلك، لاسيما أمام تعنت المتهم وإصراره على خرق أحد الأوامر الواردة بالمادة 161 من ق.م.ج.

   وخلاصة القول في دراستنا لتدبير الوضع تحت المراقبة القضائية، انه يبقى بمثابة إجراء استثنائي أتبث نجاعته لدى التجارب القانونية المقارنة، حيث قلل من تكدس المتهمين في غياهب السجون.

غير أن ما ينبغي التركيز عليه في هذا الإطار، هو استثنائية التدبير، إذ يجب التعامل معه ضمن شروط خاصة، وذلك ما ذهب إليه المجلس الأعلى في إحدى قراراته.

"وحيث انه يقضي الفصل 152 من ق.م.ج على أن إلقاء القبض والاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي لا يؤمر به إلا ضمن شروط خاصة حسب الفصل 153 من نفس القانون، وحيث أن القرار المطعون فيه علل قرار السيد قاضي التحقيق القاضي بعدم الاعتقال لكون الجريمة المتابعة بها المتهمة خطيرة

 

للمزيد من الإيضاح راجع: محمد لفروجي الشيك وإشكالاته القانونية والعملية، مطبعةالنجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1999 ص 379 6

 

 

 

لكونها تعتبر عنفا نتج عنه الموت بدون نية إحداثه، لكن حيث أن أي جريمة في حد ذاتها لا يمكن الاعتماد عليها إلا إذا توفرت شروط الاعتقال الاحتياطي التي نص عليها الفصل 531 المشار إليه وحيث أن القرار المطعون فيه لم يبرز مبررات الاعتقال الذي قضى به ليكون ناقص التعليل            و للنقض وحيث أن مصلحة العدالة تقتضي إحالة القضية على نفس المحكمة. "7

    ولما كان إجراء المراقبة القضائية إجراء استثنائي، كان لابد من الاشتراط القانوني نفس الإجراءات التي يفترضها في الاعتقال الاحتياطي، فهذا الأخير يعتبر بمثابة آلية بيد قاضي التحقيق يقوم بإعماله كلما رأى أن لا فائدة من إعمال المراقبة القضائية.

الفقرة الثانية المستجدات المتعلقة بحقوق المجني عليه

   من المعلوم أن الأمر في هذا الإطار يتعلق بسحب جواز السفر، وإغلاق الحدود، وبإرجاع الحيازة، ورد الأشياء، وبيع المحجوزات، ويعتبر إرجاع الحيازة من بين أهم المستجدات التي استحدثها قانون المسطرة الجنائية الجديد،

أ‌-             الأمر بإرجاع الحيازة

     لقد أعطى المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الجديد لقاضي التحقيق في إطار المادة 142 إمكانية كلما قامت أدلة كافية على جدية الاتهام، في جرائم الاعتداءات على الحيازة أن يأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه الفقرة الثالثة "وله متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في جرائم الاعتداءات على الحيازة أن يأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه".

والحكمة من هذا الإجراء، هو إعادة الحق إلى صاحب الحيازة في أسرع وقت، بدل الانتظار،         أو سلوك إجراءات باسترجاع أمام المحاكم المدنية والتي قد تتطلب وقتا طويلا.

ب‌-         الأمر برد الأشياء

   تنص الفقرة الثانية من المادة 216 من ق.م.ج على انه" يبث في نفس الوقت في شان رد الأشياء المحجوزة ".

ويقصد هنا برد الأشياء، المبالغ، أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحت يد العدالة إلى أصحاب الحق فيها، وتجوز المطالبة بالرد من طرف الضحية، أو حتى من طرف المتهم، أو النيابة العامة (المادتان 40 و49)، أو من طرف قاضي التحقيق (المادتان 142 و 216) ، ومن طرف المحكمة أيضا     (المادة 366).

قرار المجلس الأعلى رقم 34.87 ملف جنحي عدد 91/9134 مجلة المحاكم المغربية عدد 64ـ65 7

 

    ووفقا لقانون المسطرة الجنائية الجديد، فان رد الأشياء المحتفظ بها لدى العدالة إلى أصحاب الحق فيها متى لم تكن لازمة لسير الدعوى، أو خطيرة، أو محلا للمصادرة، ولا تثار منازعة جدية بشان ملكيتها أو حيازتها.

 

 

 

خلاصة عامة

 

          إذا كان المشرع المغربي قد حاول من معالجته لموضوع قضاء التحقيق ضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد، والذي تضمنته في إطار الفصول من (83 إلى 230) ، ومنه فقد أعطى لقاضي التحقيق إمكانية القيام بإجرات وأوامر غاية في الأهمية والخطورة، خصوصا في الشق المتعلق بالمراقبة القضائية، والاعتقال الاحتياطي، والتقاط المكالمات، والتنصت بوسائل الإتصال عن بعد.

        غير أن المشرع المغربي صار على نهج التشريع المقارن الأوروبي، خصوصا في الشق المتعلق بالمراقبة القضائية، التي لا يجب أن تمس حرية التعبير، أو الرأي، والاعتقاد الديني والسياسي.

       إلا أن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو، هل قام المشرع بوضع الآليات المادية والبشرية لنجاح هذه المهمة وبالتالي المساهمة في تحقيق العدالة الجنائية ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع

– إصدارات وزارة العدل كتاب شرح ق.م.ج، الجزء الأول، جمعية نشر   المعلومات القانونية والقضائية طبعة 2006

 

– الدكتور لحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجديد الجزء الأول،  طبعة 2006.

 

– قرارات المجلس الدستوري رقم 07/36- 07/37 07/38 بشان الطعون المقدمة لإلغاء انتخاب بعض البرلمانيين بمناسبة تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين سنة 2006

 

-الأستاذ احمد شوقي بنيوب دليل حول الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة الصادر عن مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان، طبعة 2004.

 

– ندوة وطنية حول موضوع المسطرة الجنائية تشريعا وممارسة – قضاء التحقيق هيئة المحامين بأسفي مارس 2004.

 

– الدكتور عبد العزيز توفيق قانون المسطرة الجنائية مع آخر التعديلات سلسسلة النصوص التشريعية المغربية طبعة 2003

 

– الدكتور طارق إدريس السباعي قضاء التحقيق الجزء الأول

 

– مجلة القصر العدد 4 طبعة 2003

 

 

 

 


1   احمد شوقي بنيوب : دليل حول الضمانات القانونية المحاكمة العدالة / منشورات مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان طبعة آولى 2004 ص 17،18

2  ظهير شريف رقم 261 /58/1 بتاريخ 1 شعبان 1378 الموافق 10/2/59

3 د.عبد الواحد العلمي:شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية الجزء الثاني الطبعة الأولى ص27 ومايليها.

4 المادة 52 ق م ج يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الإبتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الإبتدائية

 

 [1]   المادة 84 من قانون المسطرة الجنائية الجديد (انظر م 84 ق.م.ج).

[2]  الدكتور لحبيب بيهي شرح ق.م.ج. الجديد، الجزء الأول، دار النشر المغربية 2006.

[3]  قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 22.01 معدلا بالقانون رقم: 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب مع دراسة تحليلية له (سلسلة النصوص التشريعية المغربية).

[4]  جاء في التقرير السنوي الذي يعده المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالمغرب برسم سنة 2003 ما يلي رغم كون التنصت يعد تدبيرا استثنائيا ومحاطا بضمانات وقيود فإن بعض المنظمات والفعاليات الحقوقية وبعض فقهاء القانون الجنائي لا يخفون تحفظاتهم اتجاه هذا الإجراء وأحيانا رفضهم له لاسيما بالنسبة لتخويل النيابة العامة صلاحية الأمر به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى