التسوية الودية أو الصلح كآلية بديلة وناجعة في فض المنازعات الضريبية. بقلم : المختار السريدي
التسوية الودية أو الصلح
كآلية بديلة وناجعة في فض المنازعات الضريبية.
بقلم : المختار السريدي
باحث جبائي
ليست كل المنازعات الضريبية التي قد تنشأ ما بين إدارة الضرئب والخاضعين للضريبة تجد حلولا لها عن طريق لجان الطعن الضريبي أو عن طريق المحاكم الإدارية ، بل أن عددا كبيرا منها قد يتم حله حبيا ووديا دون عناء ودون هدر للوقت ودونما سلوك لهذه المسطرة أو تلك ، عن طريق إبرام إتفاقات صلح وأداء واجبات ضريبية معقولة تم الإتفاق عليها مسبقا .
ويعتبر الصلح أو التصالح أو المصالحة في الميدان الضريبي من أنجع وأنجح وأسرع الطرق في فض المنازعات التي قد تحدث ما بين الخاضعين للضريبة و إدارة الضرائب ، تمكنهما معا من تجاوز المشاكل والعقبات وتجنب المعوقات والوقوع في المثبطات ، مع ما يتطلب ذلك من ربح للوقت وتخفيف للعبء وللضغط على إدارة الضرائب نفسها أو على لجان الطعون الضريبية أو على المحاكم الإدارية ، وتحقيق التوازن بين حقوق و واجبات كل طرف .
وعلى الرغم ذلك فإن الفقه الجبائي قد وقف من مسألة الصلح الضريبي بين من يقول بعدم جواز إجراء صلح بهذا الشأن بحجة أن المسائل المتعلقة بالضرائب والرسوم هي من النظام العام (1) ، استناذا إلى مقتضيات المادة 1100 من قانون الإلتزامات والعقود التي لا تجيز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام (2) ، وبين من يقول بجواز المصالحة في المجال الضريبي على اعتبار أن الصلح يساهم في تحسين وتجويد العلاقة بين الخاضع للضريبة وإدارة الضرائب وإزالة سحب التنافر وتبديد المخاوف بين الطرفين ، لأن أداء الضريبة رغبةً خير من أدائها رهبةً وتسويتها طواعية خير من تسويتها جبرا وقهرا حتى أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب الذي اشتهر بعدله بين الناس كان يرجح كفة الصلح على كفة الإحتكام إلى القضاء بقوله ” ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن ” ، و ذلك في غياب نص قانوني صريح وواضح يبيح إجراء صلح في المسائل الجبائية ، ما عدا مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في موادها من 273 إلى 277 التي تبيح للإدارة الجمركية إجراء مصالحة مع الأشخاص المتابَعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية سواء قبل أو بعد صدور حكم قضائي نهائي في الموضوع (3) .
أما المدونة العامة للضرائب فقد تدخلت في مادتها 212 المتعلقة بفحص محاسبة الخاضعين للضريبة و مادتها 216 المتعلقة بفحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين ، بضرورة إجراء محاورة شفوية وتواجهية قبل اختتام عملية الفحص في شأن التصحيحات التي تعتزم إدخالها على الإقرارات و مجموع الوضعيات الضريبية عن طريق قيام الإدارة بإشعار الخاضع للضريبة بالتاريخ المحدد لإجراء هذه المحاورة الشفوية والتواجهية و بالتاريخ الذي سيختتم فيه فحص المحاسبة و أخدها بعين الإعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع خلال المحاورة إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح (4).
ويأتي هذا التدخل المحتشم لإدارة الضرائب استجابة للتوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنعقدة بمدينة الصخيرات يومي ثالث و رابع ماي 2019 .
وهذا بخلاف بعض التشريعات المقارنة التي أفردت نصوص خاصة وواضحة أجازت فيها إجراء مصالحة في بعض المنازعات الجبائية كالتشريع التونسي في المادة 78 من مجلة الإجراءات الجبائية و التشريع الأردني في المادة 60 من قانون الضريبة على الدخل لسنة2009 (5) .
ومع ذلك فإن الواقع العملي قد أثبت أن المديرية العامة للضرائب ولو في غياب نصوص قانونية بالمدونة العامة للضرائب غالبا ما تلجأ إلى أسلوب التسوية الودية أو التوافقية مع الخاضعين للضريبة وتحض موظفيها على ذلك ، من أجل تصفية العديد من الملفات المتراكمة في الرفوف ، خاصة تلك المتعلقة بتصحيح الأساس الضريبي ، وذلك بغية ربح الوقت وتفادي الطعون سواء أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة أو اللجان الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة أو أمام المحاكم الإدارية – حتى أثناء جريان المسطرة – واختصار المسافة من أجل تحصيل ضريبي سهل وسريع .
وفي هذا الإتجاه فقد أصدرت المديرية العامة للضرائب مذكرة مصلحة تحت عدد 16/2340 بتاريخ 05 أبريل2017 تحث فيها مفتشيها على اللجوء إلى مسطرة التسوية الودية خلال المرحلة القضائية باعتبارها آلية بديلة لحسم النزاع تهدف إلى التوصل إلى حل توافقي بين الإدارة والخاضع للضريبة بسبب المستحقات الضريبية موضوع منازعة قضائية لم يصدر فيها حكم أو قرار نهائي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن .
وحسب مذكرة المصلحة المشار إليها فإن مسطرة التسوية الودية التي يمكن اللجوء إليها في كافة الأحوال وخلال جميع مراحل المنازعة القضائية ، لا بد و أن تمر بأربعة أشواط وهي :
1-شوط دراسة مقترح التسوية : حيث يمكن أن يتم ذلك إما بمبادرة من الخاضع للضريبة وإما بمبادرة من الإدارة ، سواء على مستوى المديرية العامة للضرائب بالمركز أو على مستوى المديريات الجهوية أو الإقليمية للضرائب .
2-شوط المصادقة على مقترح التسوية : ويأتي بعد إخبار الخاضع للضريبة بالقرار المتخذ حيال مقترح الصلح وموافقته عليه وحصر الواجبات الضريبية التكميلية المستحقة عليه .
3-شوط تنفيذ اتفاق التسوية : ويكون بتضمين الإتفاق الذي توصلت إليه الإدارة مع الخاضع للضريبة في محرر مكتوب وموقع عليه من الطرفين تحدد فيه مجموعة من الإلتزامات المتعلقة بالمبالغ الواجب أداؤها وآجال وكيفية وطرق الأداء ، وتعهدا من الطاعن بالتنازل كتابة وبكيفية لا رجعة فيها عن مواصلة أية دعوى في الموضوع أمام المحاكم المختصة .
4–شوط الحكم بالإشهاد على الصلح حيث يوجه مفتش الضرائب طلبا في الموضوع إلى المحكمة الإدارية المختصة يخبرها فيه وطبقا لمقتضيات المادتين 230 و 1098 من قانون الإلتزامات والعقود(6) بما تم الإتفاق عليه قصد استصدار حكم في الموضوع يشهد على التنازل والصلح وطي ملف المنازعة نهائيا .
هذه الأشواط نتمنى أن يتم تضمينها في شكل نصوص قانونية في المدونة العامة للضرائب كما سبق أن طالبت بذلك في مقالات سابقة منشورة ، حتى يتم العمل بها من طرف مفتشي الضرائب بكل أريحية واطمئنان ، كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي حسمت بشكل جلي وواضح في مسألة المصالحة مع المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية في فصولها من 273 إلى 277 (7)، وكما هو جاري به العمل في بعض التشريعات المقارنة كالتشريع التونسي والتشريع الأردني .
وإذا كانت المذكرة المصلحية سالفة الذكر تخص فقط التسويات الودية ما بين الخاضعين للضريبة وإدارة الضرائب عندما يكون النزاع مطروحا أمام القضاء الإداري ، فإننا نرى ضرورة تعميم المذكرة أو إصدار مذكرة جديدة موازية عندما يكون النزاع معروضا على أنظار اللجان الضريبية وذلك حتى يصبح باب الصلح مشرعا أمام كل خاضع للضريبة سواء قبل أو بعد طعنه في الضريبة أمام الجهات الإدارية أو القضائية المختصة .
وعلى الرغم من ذلك فقد أثبت الواقع العملي أن بعض اللجان الضريبية – وهي لجان مستقلة عن إدارة الضرائب وتوجد تحت وصاية رئيس الحكومة – غالبا ما تصدر مقرراتها بالإشهاد على الصلح أو الإشهاد على التنازل كلما توصل الطرفان إلى تسوية ودية فيما بينهما وأدليا كتابة أمام اللجان بما يفيد الصلح أو التنازل أو أداء الضريبة المتفق عليها ، وهذا ما قامت به ولا زالت اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بتارودانت في عديد مقرراتها رغبة منها في إفساح المجال أمام الأطراف لإيجاد تسوية ودية للملفات حفظا لحقوقهم من جهة ووضع حد للنزاع في مهده من جهة ثانية (8) ، بالإضافة إلى رغبة الإدارة في بناء علاقة مع المرتفقين ملؤها الثقة والمعاملة بالتي أحسن و أفضل وأمثل .
لكن بحكم أن قانون الإلتزامات والعقود هو القانون الأم بالنسبة لقوانين الموضوع وهو الواجب التطبيق في حالة سكوت القوانين الخاصة ، فإن المقتضيات المتعلقة بعقد الصلح المنصوص عليها في المواد من 1098 إلى 1116 هي التي يجب الإحتكام إليها أو على الأقل الإستئناس بها في كل ما يتعلق بالمصالحة في الميدان الجبائي .
ولذلك يبقى الصلح خير وسيلة في حسم وفض العديد من المنازعات الجبائية ما بين الخاضعين للضريبة وإدارة الضرائب ، كيفما كانت طبيعة ونوعية وقيمة هذه المنازعات ، سواء كانت منازعات وعاء أو مراقبة أو تحصيل.
ويترتب عن تمام الصلح أن تنقضي نهائيا الحقوق والإدعاءات التي كانت له محلا ، ولا يجوز الرجوع في الصلح ولو باتفاق الطرفين ، ويجب تفسيره في حدود ضيقة كيفما كانت عباراته ، وهو لا يسري إلا على المنازعات والحقوق التي ورد عليها .
وأعتقد أن أي صلح في الميدان الجبائي لن يتحقق – بوجود مقتضيات قانونية أو بدونها – إلا ببناء جسور الثقة وتعزيز علاقة التفاهم والتجاوب والتعاون ما بين إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة ، في إطار من الشفافية التامة والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة الضريبية ، بهدف الوصول إلى مفهوم جديد للسلطة الضريبية يبيح للخاضعين للضريبة كل من موقعه وإمكانياته وقدراته وطاقاته و مداخيله وأرباحه المساهمة في الأعباء العامة دون تنكر أو تملص أو تنصل ، ونحن على أبواب بناء حكامة جيدة ولا تمركز فعال و جهوية متقدمة تغري المستثمر الأجنبي قبل نظيره المغربي في انتظار خروج جميع توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات إلى الوجود ، والتي نتمنى ألا تبقى حبرا على ورق أو صيحة في واد أو كلاما تم ترديده على مسامع الحاضرين ، خصوصا فيما يتعلق بسيادة القانون الجبائي و ملائمته مع القواعد العامة للقانون ونشر مقررات اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة وتعزيز استقلالية هيئات الطعن واستقلالية الكتاب المقررين وممثلي إدارة الضرائب في حظيرة اللجان المحلية و الجهوية والوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة وتأطير السلطة التقديرية لمفتشي الضرائب والتوزيع العادل للعبء الضريبي حسب القدرات الحقيقية و الواقعية و ضمان التوازن بين حقوق الخاضعين للضريبة و حقوق إدارة الضرائب و إرساء حكامة ضريبية جيدة .
هوامش :
1-لم يضع المشرع المغربي تعريفا للنظام العام ولم يحدد فكرته واستعصى على الفقه والقضاء كذلك تعريفه … وفكرة النظام العام هذه فكرة مرنة يختلف مضمونها من حيث المكان والزمان وفقا للأنظمة السائدة في كل مجتمع ، فما يعتبر من النظام العام في بلد لا يعتبر كذلك في بلد آخر ( المدخل لدراسة القانون للدكتور الطيب الفصايلي الطبعة السادسة2011 الصفحة70) .
2-جاء في المادة 1100 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي ما يلي :
” لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام أو بالحقوق الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل ، ولكن يسوغ الصلح على المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ من الجريمة .” .
وجاء في المادة 1101 الموالية :
” … غير أنه يجوز الصلح على الأموال أو الأشياء ، ولو كانت قيمتها غير محققة بالنسبة إلى الطرفين .” .
3-جاء في المادة 273 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ” للإدارة قبل حكم نهائي أو بعده أن تصالح الأشخاص المتابعين من أجل مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية …”
4–المادة السادسة من قانون مالية سنة 2022 ، والمادة السادسة من قانون مالية سنة 2024 .
5–” الوسائل البديلة لفض النزاعات الضريبية في القانون المغربي والمقارن ” ذ . يونس مليح ، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 162 لشهري يناير فبراير 2022 الصفحة 149 .
6–جاء في المادة 23 من قانون الإلتزامات والعقود ” الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها ، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون “.
و جاء في المادة 1098 من نفس القانون ” الصلح عقد ، بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه ” .
7-جاء في المادة 274 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ” لا تصبح المصالحة نهائية إلا بعد المصادقة عليها من طرف الوزير المكلف بالمالية أو من طرف مدير الإدارة ، و تلزم حينئذ الأطراف بكيفية لا رجوع فيها ولا يمكن أن يقدم بشأنها طعن “.
وجاء في المادة 276 من نفس المدونة ” يجب أن تثبت المصالحة كتابة ” .
8-بلغ عدد الملفات التي أصدرت فيها اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بتارودانت مقرراتها يالإشهاد على الصلح والتنازل عن مواصلة الطعن بين الإدارة والخاضعين للضريبة :15 مقررا سنة2022 و23 مقررا سنة 2023 ، وهذا الإرتفاع الملحوظ مرده رغبة الطرفين المتنازعين في فض منازعاتهما بالطرق الحبية ، ويقتصر دور اللجنة على الإشهاد على ذلك ليس إلا .
انتهى .