في الواجهةمقالات قانونية

التعاقد الإلكتروني في مجال حماية المستهلك – لطيفة المازغي

التعاقد الإلكتروني في مجال حماية المستهلك

إعداد الباحثة لطيفة المازغي خريجة ماستر الأسرة في القانونين المغربي والمقارن .

يعتبر العقد الإلكتروني قوام المعاملات التجارية الإلكترونية، إذ يستأثر بأهمية كبيرة في مجال التجارة الإلكترونية كما يعد من التصرفات القانونية المستحدثة التي واكبت التطور التكنولوجي نتيجة لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة، هذا ما دفع طائفة من المستهلكين إلى الإقدام على التعاقد الإلكتروني نظرا لتعدد الاختيارات والفرص التي يتيحها لهم، فالكل أصبح يلمس بوضوح ويدرك أن المجالات التجارية الإلكترونية من أكثر المجالات استجابة للتطورات التقنية الهائلة بحكم السرعة والثقة والائتمان التي تميز هذا المجال عن غيره من المجالات الأخرى.

بيد أن المعاملات الالكترونية وبالرغم من المزايا التي توفرها للمستهلكين والمتجسدة أساسا في إجراء العديد من المعاملات عن بعد دون أن يكونوا في مكان واحد عن طريق التبادل الإلكتروني للبيانات بواسطة المستندات الإلكترونية، إلا أن ذلك لم يخل من العديد من الإشكالات التي أفرزها التعامل بهاته الوسائل إذ غالبا ما يصاحب عرض السلع أو الخدمات عبر الانترنت الكثير من المبالغة في الدعاية، مما يجعل هذا الأمر يؤثر بشكل واسع على توجه المستهلك، وقد يوقعه في مغالطة تضر بمصالحه، وقد تمس بخصوصياته، نظرا لكون العقد المبرم بصورة إلكترونية يتم عن بعد إذ يتم بين فاعلين غائبين لا يجمعهما مجلس تعاقد واحد، مما يدل أن السلعة أو المنتوج محل التعاقد لا تكون بين يدي المستهلك، بل إن المعاملات الإلكترونية غالبا ما تكون ذات طابع دولي تتم عنه طريق شبكة المعلومات الدولية، وعليه فإن التعاقد الإلكتروني عبر الشبكات الإلكترونية يثير العديد من الموضوعات المتعلقة بحماية المستهلك، فهو مجال تتعدد فيه وسائل الغش والخداع والتعسف، لا سيما حينما ينفرد المحترف بصياغة العقد وفرضه شروطا تعسفية على المستهلك.

وفي ضوء هذا التفاوت الصارخ الذي يطغى على مراكز طرفي العلاقة التعاقدية في عقود الاستهلاك المبرمة بطريقة إلكترونية، كان لزاما توفير الحماية اللازمة للمستهلك لكونه يمثل الطرف الضعيف في العملية التعاقدية، فالرغبة في الربح السريع دفعت العديد من الموردين والتجار ومقدمي الخدمات لاتباع أساليب غير مشروعة للإثراء السريع باستخدام وسائل غير مشروعة وفرض شروط تعسفية على المستهلك من خلال استغلال نقاط ضعف المستهلك الذي يكون غالبا غير ملم بالجوانب التقنية التي تتسم بها هاته المعاملات.

ولعل أهمية هذا الموضوع قيد المعالجة ترجع إلى كون أساس حماية المستهلك في كافة العقود والعقد الالكتروني بوجه خاص يكمن في اختلال التوازن التعاقدي بينه وبين المهني أو المحترف الذي يقدم سلعا أو خدمات ويفرض شروطا تثقل كاهل المستهلك نظرا لمركزه الاقتصادي، زد على ذلك أن المستهلك في التعاقد الالكتروني يصبح أكثر عرضة للشروط التعسفية من لدن المورد الالكتروني نظرا لعدم وجود السلعة بشكل مادي وملموس.

وفي هذا السياق نطرح الإشكال التالي:

أين تتجلى مظاهر الحماية القانونية التي قررها التشريع المغربي في سبيل توفير ضمانات حمائية أكثر للمستهلك الالكتروني؟

ومن أجل الإجابة عن هذا التساؤل المطروح أعلاه سنتبع الخطة التالية:

المطلب الأول: ماهية عقد الاستهلاك الإلكتروني

المطلب الثاني: ماهية الشروط التعسفية في العقد الإلكتروني

 

المطلب الأول: ماهية عقد الاستهلاك الإلكتروني

لمعالجة ماهية عقد الاستهلاك الإلكتروني يتطلب الأمر التطرق لمفهومه وأطرافه {الفقرة الأولى}، ثم الوقوف على مجمل الشروط التي يستدعيها إبرام هذا الصنف من العقود {الفقرة الثانية}.

الفقرة الأولى: مفهوم عقد الاستهلاك الإلكتروني

من أجل تحديد مفهوم عقد الاستهلاك الإلكتروني يتعين العمل على تعريفه {أولا}، فضلا عن جرد خصائصه {ثانيا}.

أولا: تعريف عقد الاستهلاك الإلكتروني وخصائصه

  • تعريف العقد الإلكتروني:

يعرف العقد الإلكتروني بأنه عقد يتحقق بإيجاب وقبول مثل العقود العادية التي تبرم وتوقع كتابة، غير أن الإيجاب والقبول يتحقق بوسيلة إلكترونية دون حاجة إلى مستند مكتوب ومن أمثلة ذلك:

أن يرسل الموجب عرضه إلى الطرف الآخر بطريق البريد الذي قد يكون فردا أو شخصا اعتباريا ويقوم من يوجه إليه الإيجاب بالتوقيع عليه إلكترونيا بما يفيد القبول ويعيده للمرسل ثانية ومن ثم ينعقد العقد بهذا الطريقة وتكون له قوته القانونية[1].

وبالرجوع للتشريع المغربي نجد أن المشرع لم يضع تعريفا محددا للعقد سواء من خلال القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات[2] أو القانون 31.08 الخاص بحماية المستهلك[3]، وفي ظل غياب تعريف قانوني للعقد المبرم عن بعد، يجمع الفقه على تعريفه بما يلي: “عقد عن بعد يتم فيه تبادل الإيجاب بطرق إلكتروني من خلال شبكة الاتصال (الانترنت)، ويدخل في نطاقه العقد المبرم من خلال تبادل الإيجاب والقبول، عبر البريد الإلكتروني”.

وبتعبير آخر يعتبر العقد المبرم عن بعد: “توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني أو إنشاء التزامات تعاقدية عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد”[4]، وبالتالي يمكن اعتبار العقود المبرمة إلكترونياً، هي فئة فرعية من العقود المبرمة عن بعد.[5]

من خلال التعريفين أعلاه يتضح الفرق الجوهري بين العقد التقليدي والعقد المبرم عن بعد يكمن في الوسيلة التي يتم بواسطتها هذا الأخير.

وإذا ما عدنا لمضمون المادة 27 من القانون 31.08 نجدها تعتبر عقد البيع المبرم بوسيلة إلكترونية صحيحا إذا أبرم طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون 53.03 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، علما بأن المادة 3 من هذا القانون تلغي تطبيق المواد من 21 إلى 30 و32 من قانون الالتزامات والعقود على العقد المبرم بصورة إلكترونية.

  • خصائص العقد الإلكتروني:

يتميز العقد الإلكتروني بعدة خاصيات تميزه عن العقود التقليدية المتعارف عليها ويمكن إجمالها فيما يلي:

أ- يتم إبرام العقد الالكتروني بدون التواجد المادي لأطرافه، فالسمة الأساسية للتعاقد الالكتروني أنه يتم بين عاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي حيث يتم التعاقد عن بعد بوسائل اتصال تكنولوجية، ولذلك فهو ينتمي إلى طائفة العقود عن بعد، حيث يتم تبادل الإيجاب والقبول الالكتروني عبر الانترنت فيجمعهم بذلك مجلس عقد حكمي افتراضي، ولذلك فهو عقد فوري متزامن، وقد يكون العقد الالكتروني غير متزامن أي أن الإيجاب غير معاصر للقبول، وهذا التزامن هو نتيجة صفة التفاعلية فيما بين أطراف العقد.

ب-يتم استخدام الوسائط الالكترونية في إبرام التعاقد، ويعد ذلك من اهم مظاهر الخصوصية في العقد الالكتروني، بل إنها أساس هذا العقد حيث يتم إبرامه عبر شبكة اتصالات إلكترونية، فالعقد الإلكتروني لا يختلف من حيث الموضوع أو الطراف عن سائر العقود التقليدية ولكنه يختلف فقط من حيث طريقة إبرامه وكونه يتم باستخدام وسائط إلكترونية، وهذه الوسائط هي التي دفعت إلى اختفاء الكتابة التقليدية التي تقوم على الدعائم الورقية لتحل محلها الكتابة الالكترونية التي تقوم على دعائم إلكترونية.

ج-يتصف العقد الإلكتروني غالبا بالطابع التجاري والاستهلاكي، لذلك يطلق عليه عقد التجارة الالكترونية، وقد جاءت تلك الصفة من السمة الغالبة لذلك العقد، حيث إن عقود البيع الالكترونية تستحوذ على الجانب الأعظم من مجمل العقود، ويترتب عن ذلك أن العقد الالكتروني يتسم بطابع الاستهلاك لأنه غالبا ما يتم بين تاجر أو مهني ومستهلك، ومن ثم فإنه يعتبر من قبيل عقود الاستهلاك ولذلك يخضع العقد الالكتروني عادة للقواعد الخاصة بحماية المستهلك.

د- من حيث الوفاء، فقد حلت وسائل الدفع الالكترونية، في التعاقد الالكتروني محل النقود العادية، ذلك انه مع تطور التكنولوجيا وازدياد التعامل بأسلوب التجارة الالكترونية ظهرت تلك الوسائل كأسلوب مبتكر لسداد المدفوعات في مثل هذه المعاملات.

ه-من حيث الإثبات، فالدعامة الورقية هي التي تجسد الوجود المادي للعقد التقليدي، ولا تعد الكتابة دليلا كاملا للإثبات، إلا إذا كانت موقعة بالتوقيع اليدوي، أما العقد الالكتروني فيتم إثباته عبر المستند والتوقيع الالكترونيين، فالمستند الالكتروني يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد، فهو المرجع للوقوف على ما اتفق عليه الطرفان وتحديد التزاماتهما القانونية، والتوقيع الإلكتروني هو الذي يضفي حجية على هذا المستند

و- تنفيذ العقد الالكتروني يتميز عن العقد التقليدي بانه يمكن ان يبرم وينفذ عبر الانترنت دون حاجة إلى الوجود المادي الخارجي، إذ بفضل شبكة الانترنت أصبح هناك إمكانية تسليم بعض المنتجات إلكترونيا أي التسليم المعنوي للمنتجات كبرامج الحاسب والتسجيلات الصوتية[6].

ثانيا: أطراف عقد الاستهلاك الالكتروني

يمتاز هذا العقد بوجود طرفين هما المستهلك الإلكتروني، وفي المقابل نجد المهني أو المورد الإلكتروني.

  • مفهوم المستهلك الالكتروني:

إن المستهلك في العقد الالكتروني مثله مثل المستهلك في العقد التقليدي، إلا أن الاختلاف يكمن في الوسيلة فقط فإذا كان المستهلك بالمفهوم التقليدي هو ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يستعمل أو يستأجر لأغراض مهنية، منتجات او خدمات معروضة في السوق للاستهلاك، مع ملاحظة أنه التعريف نفسه الذي أورده المشرع المغربي في المادة الثانية من قانون حماية المستهلك، فإن المستهلك الالكتروني هو الذي يتزود بحاجاته من سلع وخدمات من خلال مواقع التجارة الالكترونية أو المتاجر الافتراضية (على الخط) دون التنقل المادي إلى الباعة أو المحلات التجارية[7].

وبالرجوع إلى القانون 18-05[8] المتعلق بالتجارة الالكترونية نجد أن المشرع الجزائري عمل على تعريف المستهلك الإلكتروني في معرض المادة 6 حيث اعتبر هذا الأخير كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني بعوض أو بصفة مجانية سلعة أو خدمة عن طريق الاتصالات الالكترونية من المورد الالكتروني بغرض الاستخدام النهائي.

  • مفهوم المهني أو المورد الالكتروني:

إن المهني في أي مجال يعتبر ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي من القطاع الخاص أو العام الذي يمارس باسمه أو لحساب الغير نشاطا يتمثل في توزيع السلع أو بيعها أو تأجيرها أو تقديم الخدمات، كما يعتبر مهنيا كل شخص يقوم باستيراد سلعة بهدف بيعها أو تأجيرها او توزيعها، وذلك في إطار ممارسة لنشاطه المهني.

وبالرجوع للقانون 31.08 فإن المشرع المغربي خص المهني أو بحسب ما أسماه المورد بالتعريف من خلال الفقرة الثانية من المادة الثانية حيث اعتبر هذا الأخير كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري.

وبالنسبة للمورد الالكتروني فقد أطلق عليه المشرع لفظ ” تاجر سيبراني” من خلال الفقرة الثالثة من المادة 25 والتي جاء فيها ما يلي: “كل شخص طبيعي او معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري باستعمال شبكة الانترنيت”.

وارتباطا بموضوعنا فإن المورد في مجال التعاقد الإلكتروني هو المهني الذي يعمل على تقديم عروض تعاقدية، أو معلومات عن سلع وخدمات من أجل إبرام عقد مع المستهلك وذلك بسلوك الطريق الإلكتروني.

الفقرة الثانية: خصوصية إبرام العقد الإلكتروني

لا يختلف العقد الإلكتروني عن العقد العادي في أركان انعقاده وشروط صحته والأثر المترتب عليه من حيث المسؤولية، وإنما يختلف عنه في الوسيلة التي تم بها إبرامه، لكونه يكتسي الطابع الإلكتروني انطلاقا من الوسيلة التي انعقد بها، وعليه ارتأينا تخصيص هذه الفقرة للحديث عن كيفية إبرام العقد الإلكتروني، وذلك بالتطرق للتعبير عن الإرادة في عقد الاستهلاك الإلكتروني {أولا}، ثم إثبات عقد الاستهلاك الإلكتروني {ثانيا}، وأخيرا معالجة مدى حجية المحرر الإلكتروني {ثالثا}.

أولا: التعبير عن الإرادة في عقد الاستهلاك الإلكتروني 

إن تكوين فهم متكامل للنظام القانوني للعقود الالكترونية في قانون المعاملات الالكترونية يستدعي الوقوف على الأحكام المنظمة للتعبير عن الإرادة بصورة إلكترونية[9].

  • الإيجاب الإلكتروني:

يعتبر إيجابا التعبير عن إرادة الموجب والموجه إلى الطرف الآخر بقصد إحداث أثر قانوني، ويترتب عليه انعقاد العقد إذا اقترن بقبول مطابق له، وقد عرف التوجيه الأوربي في شأن حماية المستهلك[10] الإيجاب الإلكتروني بأنه: ” كل اتصال عن بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه الإيجاب من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان “.

وبالتالي فإن الإيجاب يتم بواسطة محادثة على شبكة الأنترنت أو عبر البريد الالكتروني أو صفحة الويب وهو كل ما يصدر لكل الناس أو لفرد معين، والموجب إذا لم يتحفظ على إيجابه عد ملزما له إذا صدر قبول من طرف القابل وهو ما يطلق عليه فقه العقد الالكتروني بالاتفاق حول الطابع الجازم للإيجاب من قبل المعلن[11].

والسؤال المطروح في هذا الصدد هل يجوز توقيت الإيجاب؟

يتعين على الموجب إما ان يحدد مدة لعرضه يظل ملتزما خلالها، وإما أن يطلقها، فإذا لم يقيد إرادته فإن صاحب العرض يظل ملزما له، لكن إذا حدد بمدة معينة فإن انصرام الأجل المسمى يجعله في حل من عرضه و عد متحللا من كل التزام [12].

ولقد تطرق المشرع المغربي للإيجاب الإلكتروني في الفصل65.3 [13] من القانون رقم 53.05 حيث حدد ثلاث حالات وهي كالآتي:

  • الحالة الأولى وتتمثل في وضع الإيجاب في شكل عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود.
  • الحالة الثانية وهي التي يطلب فيها شخص معين بالذات معلومات إبرام العقد.
  • الحالة الثالثة ويتعلق الأمر بتوجيه معلومات أثناء تنفيذ العقد.

وبالعودة إلى نص الفصل 65.4 من نفس القانون نجد أن المشرع قد ألزم على كل من يقترح بصفة مهنية وبطريقة إلكترونية توريد سلع أو خدمات أو تفويت أصول تجارية أو أحد عناصرها، أن يضع رهن إشارة العموم الشروط التعاقدية المطبقة بشكل يمكن من الاحتفاظ بها واستنساخها.

واشترط المشرع ضرورة تحقق جملة من الشروط أدرجها في نفس الفصل الشروط والتي يجب أن يتضمنها الإيجاب –العرض- وكذا الوسائل التي تمكن المرسل إليه من التحقق من تفاصيل هذا العرض ومنها على وجد التحديد :

– إلزامية وضع الاستمارة رهن إشارة المطلوب منه تعبئتها إلكترونيا إذا كان مرسل العرض يشترط إدراج المعلومات في استمارة.

-إلزامية وضع الشروط التعاقدية رهن إشارة عموم الناس مع تمكينهم من استنساخها والاحتفاظ بها.

-التزام مرسل العرض طيلة المدة التي حددها لعرضه، والتزامه به كذلك متى ظل الولوج إليه مسموحا في الحالة التي لم يحدد مدة لعرضه.

2-القبول الإلكتروني:

القبول هو الإرادة الثانية في العقد الصادر ممن وجه إليه الإيجاب، ويجب أن يتضمن النية القاطعة في التعاقد أي أن يصدر منجزا بلا قيد أو شرط، وبما أن العقد الالكتروني يكون في الغالب من عقود الاستهلاك فإن القبول الالكتروني يكون غير نهائي، ومن ثم فإن العقد غير لازم للمستهلك، كما يجب ان يصدر القبول مطابقا للإيجاب، والمقصود بتطابق الإيجاب والقبول ليس تطابقهما في كل المسائل التي تدخل في العقد بل تطابقهما في شأن المسائل الجوهرية وعدم  اختلافهما في شأن المسائل التفصيلية، وهو ما يثير مسألة غاية في الأهمية وهي اختلاف صيغ الإيجاب والقبول الالكتروني[14].

ويمكن تعريف القبول الالكتروني بأنه كل اتصال عن بعد يتضمن توافقا تاما مع كل العناصر المشترطة في الإيجاب والتي وضعها الموجب، بحيث ينعقد العقد بمجرد حصول هذا الاتصال عند القابل، ويعرف أيضا أنه كل تعبير عن إرادة الراغب في التعاقد عن بعد بواسطة شبكة دولية للاتصالات، على أن يتضمن هذا التعبير توافقا وتطابق تاما مع كل العناصر التي يتضمنها الإيجاب الصادر عبر الشبكة الدولية للاتصالات، حيث ينعقد العقد عند حصول هذا التطبيق[15]

ولقد تناول المشرع المغربي القبول الالكتروني في القانون رقم 53.05 من خلال الفصل 65.5 تحت عنوان” إبرام العقد بشكل إلكتروني”، وباستقرائنا لمضمون هذا النص، يتضح أن المشرع أحاط القبول الإلكتروني بمجموعة من الضمانات وهي:

أ– أن يتمكن من أرسل إليه العرض من التحقق مما يلي:

  • تفاصيل الإذن الصادر عنه قبل تأكيده: أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه العرض قصد التحقق من تفاصيل القبول الصادر عنه قبل تأكيده نهائيا.
  • السعر الإجمالي: أي الثمن الإجمالي الذي سيلتزم به أثناء تنفيذ العقد.
  • تصحيح الأخطاء المحتملة قبل تأكيد القبول: أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه الإيجاب قصد تصحيح الأخطاء التي يمكن أن تتسرب إلى تعبيره عن إرادته وذلك قبل إرساله.

ب – التزام صاحب العرض بإشعار القابل بتسلمه قبول العرض الموجه إليه بطريقة الكترونية ودون تأخير مبرر.

ج -المرسل إليه الذي تسلم العرض يصبح ملزما به فور تسلمه، مع اعتبار قبول العرض وتأكيده والإشعار بتسلمه متوصلا به متى كان بإمكان المرسل إليه الولوج إليه.

ثانيا: إثبات العقد الالكتروني

         الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء على وجود واقعة قانونية متنازع فيها بين الخصوم، وذلك بالطرق التي حددها القانون وإثبات العقود الالكترونية لا يختلف كثيرا عن إثبات العقود التقليدية، حيث تبقى نفس أدلة الإثبات المعتمدة في القانون مطبقة على العقود الالكترونية[16].

1الكتابة:

حيًن المشرع المغربي مقتضيات قانون الالتزامات والعقود في باب الإثبات، واعترف قانونيا بالوثيقة الإلكترونية، ووفق هذا التعديل أعطي للوثيقة الإلكترونية نفس القوة التي تتمتع بها الوثائق الكتابية العادية، و ذلك بمقتضى قانون 53.05[17]، وقد نصت المادة الثانية منه على أنه:” عندما يكون الإدلاء بالمحرر مطلوبا لإثبات صحة وثيقة قانونية، يمكن إعداد هذا المحرر وحفظه بشكل إلكتروني وفق الشروط المنصوص عليها في الفصلين 1-417 و 2-417″.

كما تم التنصيص في منطوق الفصل 1-[18]417 من ق ل ع في فقرته الأولى على ما يلي: ” تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق”.

وهو نفس توجه المشرع المصري، حيث جاء قانون التوقيع الإلكتروني المصري مبدأ عاما قررته المادة 15 منه: ” للكتابة الإلكترونية و للمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية ذات الحجية المقررة للكتابة و المحررات الرسمية و العرفية في أحكام قانون  الإثبات في المواد المدنية و التجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون”، و هذا النص واضح كونه أقر إمكانية استيفاء الشكلية التي يقررها القانون لإبرام العقد أو لترتيب آثاره عن طريق المحررات والمستندات الإلكترونية[19].

وحتى تؤدي الكتابة الإلكترونية وظيفتها القانونية في الإثبات كدليل على صحة التصرف القانوني ومضمونه، وتكون وسيلة ثقة بين المتعاملين بها يجب ان تتوفر فيها مجموعة من الشروط هي نفسها التي يجب أن تتضمنها الكتابة والمحرر التقليدي، ويمكن إجمال هاته الشروط فيما يلي:

  • أن تكون قابلة للقراءة: فالمحرر المقروء يعني ذلك المستند أو المحرر المتضمن للكتابة المراد جعلها دليلا ناطقا بما فيه، أي أن يكون مفهوما وواضحا من خلال كتابته بحروف أو رموز أو أرقام أو بيانات ليتسنى استيعابه وإدراك محتواه.
  • الاستمرارية والدوام: يشترط للاعتداد بالكاتبة في الإثبات أن يتم تدوينها على دعامة تسمح بثبات الكتابة عليها واستمرارها، بحيث يمكن الرجوع إلى المحرر المكتوب كلما كان ذلك لازما لمراجعة بنود العقد أو لعرضه على القضاء عند حدوث نزاع بين أطرافه، ويقصد باستمرارية بيانات المحرر الإلكترونية، الاحتفاظ بها لفترة طويلة من الزمن حتى يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة.

ج-الثبات أو عدم القابلية للتعديل: تتميز الكتابة الالكترونية بكونها غير مادية، لذا فهي تتميز بقدرة أطراف التصرف على تعديل الكتابة الالكترونية، سواء بالإضافة أو الإلغاء أو إعادة تنسيق المحرر الالكتروني دون ترك أي أثر مادي، ونتيجة للاختلاف بين الكتابتين الورقية والالكترونية، ولما تفتقر إليه هذه الأخيرة من الثقة، تصدى التطور التكنولوجي لمشكلة تعديل الكتابة الالكترونية من خلال استخدام برامج الحاسوب التي تسمح بتعديل النص الالكتروني إلى صورة ثابتة لا يمكن تعديلها[20].

2-التوقيع الالكتروني:

يعرف التوقيع الإلكتروني بأنه مجموعة من الإجراءات التقنية التي تتيح تحديد شخصية من تصدر عنه هذه الإجراءات، وقبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع مرتبطا به[21].

نستشف من التعريف الوارد أعلاه تركيزه على أهمية قيام التوقيع الالكتروني بالوظائف التقليدية للتوقيع وهي تحديد هوية الشخص، والتعبير عن قبوله بالتصرف القانوني.

وبالتالي يسوغ إجمال وظائف التوقيع الإلكتروني فيما يلي:

  • تحديد هوية الموقع: فالتوقيع علامة شخصية تكشف هوية صاحبه، وذلك بأن يدل التوقيع الموجود على المحرر أنه ينسب لشخص معين بذاته، وبالنسبة للتوقيع الالكتروني لا يختلف كثيرا عن التوقيع التقليدي فهو يقوم بذات الوظيفة من خلال استخدام أنظمة مختلفة مثل التوقيع باستخدام القلم الإلكتروني أو البصمة الالكترونية أو استخدام نظام التشفير بأنواعه، حيث تسمح هذه الوسائل بتحديد هوية الأشخاص الذين أوجدوا هذه الوثائق من خلال الربط بين هويتهم والنصوص والوسائل التي يتبادلونها، وهو ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 3-417 في فقرته الثانية حينما نص على أنه:” يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤمنا إذا تم إنشاؤه وكانت هوية الموقع مؤكدة وتمامية الوثيقة مضمونة، وفق النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال.”
  • التعبير عن رضا الموقع: يستفاد رضا الموقع وقبوله الالتزام بمجرد وضع توقيعه إلكترونيا على البيانات التي تحتويها المحررات الالكترونية، فعندما يأخذ التوقيع الالكتروني شكل أرقام سرية أو رموز معينة تحفظ في حيازة صاحبها، ولا يعلمها غيره، فإذا تم استخدام الأرقام، أي وقع لها صاحبها، فإن مجرد توقيعه هذا يدل على موافقته على المعلومات والبيانات التي قام بالتوقيع عليها، واتجاه إرادته إلى الالتزام بها.

ويعتبر رضا الموقع صحيحا بتوفر الأهلية وهي قدرة الشخص على إبرام التصرفات القانونية، كما يجب أن يخلو الرضا من أي عيب من عيوب الإرادة وهي الغلط والتدليس والغبن والإكراه[22].

وبالرجوع إلى قانون 53.05 نجد المشرع المغربي لم يعرف التوقيع الإلكتروني، وإنما ضمن المادة السادسة مجموعة من الشروط استوجب أن يستوفيها التوقيع الإلكتروني ومنها:

– أن يكون خاصا بالموقع.

-أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية.

أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أدخل عليها.

وبالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفصل 2-417 من قانون الالتزامات والعقود نجدها تنص على ما يلي:”…عندما يكون التوقيع إلكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به”.

والمشرع من خلال القانون 53.05 سوى بين الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية وتلك المحررة على الورق من حيث الإثبات، لكن يشترط في الورقة الإلكترونية أن يكون بالإمكان التعرف على مصدرها بصفة وان تكون الوثيقة معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها، وتغدو الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق[23].

ثالثا: حجية المحرر الإلكتروني

جاء في مضمون الفصل 443 من ق.ل.ع ما يلي: “الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية”.

من خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي قد اعترف للمحرر الإلكتروني بالحجية القانونية شأنه في ذلك شأن المحرر الورقي، وذلك متى استجمع جميع الشروط المتطلب قانونا.

وحتى يضطلع المحرر الإلكتروني بهذا الدور أوجد المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات التي سبقتنا في هذا المجال وسيلة تضمن نسبيا سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها أوهما معا وهي طريقة التشفير التي عهد بها إلى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية المعتمدين لهذا الغرض.

المطلب الثاني: مضمون الشروط التعسفية ووسائل حماية المستهلك الالكتروني

تعتبر عقود الاستهلاك مرتعا خصبا للشروط التعسفية، ومما لا ريب فيه أن عقود الاستهلاك تندرج ضمن طائفة عقود الإذعان.

هذه الأخيرة تتميز في مجملها بانعدام إرادة أحد طرفيها أو على الأقل في انفراد إحدى هذه الإرادات في تحديد بنود العقد او الالتزامات الناتجة عنه، وما يميز هذه العقود أيضا هو غياب التوازن الاقتصادي بين مركزي المتعاقدين[24].

وعليه سنخصص الفقرة الأولى لتناول مفهوم الشروط التعسفية ونطاق تطبيق مقتضياتها، في حين سنسلط الضوء الحماية القانونية التي أحاطها المشرع بالمستهلك الالكتروني من خلال القانون 53.05 وكذا القانون 31.08 من خلال الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: مضمون الشروط التعسفية ونطاق تطبيق مقتضياتها

تم تخصيص هذه الفقرة من أجل تقديم تعريف للشروط التعسفية {أولا}، وفي الحين ذاته التعرف على مجال إعمال مقتضيات الشروط التعسفية وبالخصوص علاقتها بالتعاقد الإلكتروني {ثانيا}.

أولا: مفهوم الشروط التعسفية ونطاق تطبيق مقتضياته

  • مفهوم الشروط التعسفية:

عرفت المادة 35 من القانون الفرنسي لسنة  1978 الشروط التعسفية على أنها تلك الشروط المفروضة بواسطة المحترف على غير المهني أو المستهلك، من خلال التعسف في استخدام التفوق الاقتصادي، و تسمح بحصول المهني على ميزات مبالغ فيها، لكن على إثر تعديل فبراير 1995 استبدل المشرع الفرنسي هذا التعريف بعد أخذه  بالتوجهات الأوروبية ، و أصبحت المادة 131/1 تنص على أنه: ” في العقود المبرمة بين المهتمين المستهلكين تعتبر تعسفية الشروط التي يكون موضوعها أو أثرها هو قلة اختلال واضح أو مبالغ فيه بين حقوق و التزامات أطراف العقد”.

وقد أخذ المشرع المغربي بالتعريف الأخير حيث نص من خلال المادة 15 من القانون 31.08 على ما يلي: ” يعتبر تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”.

ومن هنا يتضح أن الشرط التعسفي هو ذلك الشرط الذي يفرضه المهني على المستهلك في عقد مبرم بينهما بمقتضاه يستغل الأول خبرته وتجربته الفنية على حساب الثاني، تمكنه من الحصول على مركز متميز على حساب المستهلك الذي يقتصر دوره على القبول أو الرفض للشروط دون أية مناقشة مما يؤدي إلى خلق اختلال مبالغ فيه بين حقوق والتزامات الطرفين[25].

2-مجال تطبيق الأحكام المتصلة بالشروط التعسفية:

وسع المشرع من خلال الفقرة الثانية من المادة 15 من القانون 31.08 دائرة تطبيق المقتضيات المتعلقة بالشروط التعسفية حيث نص من خلالها على ما يلي:” …تطبق الأحكام المذكور كيفما كان شكل أو وسيلة إبرام العقد، وتطبق كذلك بوجه خاص على سندات الطلب والفاتورات…”

وعليه فباستقراء مضمون الفقرة أعلاه يستشف أن المشرع وسع مجال التطبيق أو الحماية، عندما أشار إلى ما يلي: ” تطبق الأحكام المذكورة كيفما كان شكل أو وسيلة إبرام العقد”، بمعنى كيفما كانت الوسيلة التي بها تم إبرام العقد أي سواء تعلق الأمر بمحرر ورقي أو بمحرر إلكتروني، لاسيما أن المشرع أشار إلى هذه الوسيلة عندما تحدث عن العقود المبرمة عن بعد في إطار المادة 27 من القانون 31.08 [26].

ثانيا: عناصر الشرط التعسفي

من أجل محاولة دراسة الطابع التعسفي للشروط المضمنة في عقود الاستهلاك، تجدر معالجة المعايير التي من خلالها يتحدد هذا الطابع، ويمكن إجمال هذه المعايير في كل من التعسف في استعمال القوة الاقتصادية {أولا}؛ معيار الميزة المفرطة { ثانيا}؛ معيار الاختلال الكبير{ثالثا}.

1– معيار التعسف في استعمال القوة الاقتصادية:

يتم استخلاص هذا المعيار انطلاقا من الصفة الخاصة بأطراف العقد، لذلك يوصف عنصر التعسف في استعمال القوة الاقتصادية للمهني بأنه شخصي.

وهذا العنصر محل نظر، لان القوة تكمن في السيطرة الفنية والتقنية أكثر منها في القوة الاقتصادية، وأن هذا التفوق الفني هو الذي يمكن المهني من فرض شروط تعسفية، لأن هذا الأخير متعود على إبرام العقود و الصفقات و يعرف جيدا الالتزامات و الحقوق الناشئة عن العقد، ويعرف أيضا ما يجري به العمل في مهنته و يمتلك من الوسائل ما يمكنه من تحديد الالتزامات التي يستطيع تنفيذها، و يفرض الشروط التي يراها منا سبة على المتعاقد معه، ولذلك فإن اختيار هذا العنصر يبدو كما يرى البعض غير ذي جدوى من الناحية العملية[27].

2-معيار الميزة المفرطة:

الميزة المفرطة التي يحصل عليها المهني تعد نتيجة للتعسف في استخدام القوة الاقتصادية التي يتمتع بها هذا الأخيرـ وتعتبر الميزة المفرطة التي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد عنصرا موضوعيا يتعلق بتوفير مزايا مبالغ فيها للمهني[28].

غير أن ما يؤاخذ على هذا المعيار أنه لا يصلح وحده نظرا لعدم وضوحه، وعدم تحديده برقم معين تصل إليه هذه الميزة، على غرار الغبن الذي يكون سببا للإبطال في بعض العقود إذا بلغ حدا معينا.       إذن ففكرة الميزة المفرطة هي تقترب من فكرة الغبن كما هي معروفة في القواعد العامة من حيث ترتيب الفكرتين لضرر مباشر يلحق بالعدالة العقدية، يؤدي إلى عدم الغبن على الثمن، أما في الشروط التعسفية فينصب التعسف على الشروط التعسفية فينصب التعسف على الشروط المتعلقة بتنفيذ العقد .[29]

3- معيار الاختلال الكبير أو الظاهر بين حقوق وواجبات طرفي العقد:

لقد تبنى المشرع الفرنسي في قانون 1978 المعيارين السابقين، لكن تنفيذا للتوجيهية الأوروبية لسنة 1993 استعاض عنهما وأخذ بمعيار الإخلال الكبير أو الظاهر بالتوازن، وهو نفس الشرط الذي أخذ به المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 15.

فطبقا لهذه المادة أصبح المعيار الوحيد للحكم على شرط ما شرط ما بأنه تعسفي أم لا، معيار موضوعي يتمثل في الاختلال الواضح بين حقوق والتزامات أطراف العقد فلا أهمية إذن للقوة الاقتصادية للمهني أو لتحقيقه ميزة مفرطة.

ويعني هذا المعيار أن الشرط التعسفي يتم تقديره لا بالنظر إليه بصفة منعزلة وإنما ينظر إلى العقد في شموليته وباعتباره كلا لا يتجزأ ويتضمن العديد من الشروط، وأنه يجب النظر إلى الالتزامات المقابلة للطرف الآخر في مجموعها من أجل اعتبار الشرط تعسفيا، والتأكد من عدم وجود التوازن العقدي.

ويبدو هذا التوجه منطقيا من حيث إنه لا يمكن اعتبار الشرط تعسفيا لمجرد أنه يمنح أحد الأطراف العقد مزايا معينة، إذ من الممكن أن يكون هناك شرط آخر يعطي المتعاقد الآخر مزايا تعيد التوازن في العقد

ومعيار الإخلال الظاهر بالتوازن هو أمثل معيار يمكن الاستناد عليه في إطار الشروط التعسفية، ذلك أنه يوسع من نطاق الحماية ضد كل المهنيين حتى ولو لم تكن لديهم قوة اقتصادية[30].

الفقرة الثانية: وسائل حماية المستهلك الالكتروني

سعى المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة إلى توفير الحماية  اللازمة للمستهلك من خلال إدخال تعديلات على مجموعة من النصوص الواردة في قانون الالتزامات والعقود بموجب  القانون 53.05 الذي حاول من خلاله  تطوير القواعد القانونية التقليدية لتساير طبيعة المعاملات الإلكترونية، فضلا عن إقرار قانون 31.08 لحماية المستهلك بصفة عامة والمستهلك الإلكتروني على وجه الخصوص.

أولا: الحماية القانونية للمستهلك الإلكتروني من خلال القانون 53.05

ينص الفصل 65.3 من القانون 53.05 في فقرته الثانية على أنه: “يمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد أو المعلومات الموجهة أثناء تنفيذه عن طريق البريد الالكتروني، إذا وافق المرسل إليه صراحة على استخدام الوسيلة المذكورة”.

ما يستفاد من هذا الفصل، أن المشرع منح للمستهلك في إبرام العقد الالكتروني حق الخيار، لأن طبيعة التعاقد الالكتروني يشوبها بعض المخاطر في قبول العروض المقدمة على الشبكة خاصة في بعض الحالات التي يمكن أن تمر الأيقونة على إحدى الإعلانات أو العروض في شكل إيجاب فيصدر القبول بدون قصد من المستهلك[31].

بيد أن المشرع تدارك هذا الأمر من خلال الفصل 65.5 من نفس القانون حينما نص على وجوب تأكيد القبول كي يكون العقد صحيحا.

كما تتجسد مظاهر الحماية التي أولاها المشرع للمستهلك في إطار عقد الاستهلاك الإلكتروني من خلال الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 65.4 حيث نص على ما يلي: “يتعين على كل من يقترح بصفة مهنية وبطريقة الكترونية توريد سلع أو تقديم خدمات أو تفويت أصول تجارية أو أحد عناصرها، أن يضع رهن إشارة العموم الشروط التعاقدية.

دون الإخلال بشروط الصحة المنصوص عليها في العرض، فإن صاحب العرض يظل ملزما به، سواء طيلة المدة المحددة في العرض المذكور، وإن تعذر ذلك، طالما ظل ولوج العرض متيسرا بطريقة إلكترونية نتيجة فعله”.

وهنا يتضح أن المشرع قد كرس حماية مزدوجة، فمن جهة حمى العقد الالكتروني، وفي نفس الوقت وفر حماية للطرف المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

فالمشرع حينما قرر بمقتضى الفصل المذكور، أن الإيجاب يظل ملزما لصاحبه ما دام أنه بالإمكان الاطلاع عليه بسهولة ويسر عبر جهاز الحاسوب، فإن ذلك يعني تجاوز العديد من المشاكل لعل أبرزها أن الزبون المحتمل حينما يطلع على عرض من العروض عبر صفحات الويب، وعلى ضوء ما جاء فيها من معلومات، يقرر أن يتعاقد مع الشركة العارضة، لكن عند مرحلة التنفيذ تتمسك هذه الأخيرة بأنها قد عدلت من المواصفات والمعلومات التي كانت مضمنة في العرض الأول، وذلك بواسطة عرض ثان، إلا أن الزبون أثبت أن قراره بإبرام العقد كان على أساس العرض الأول الذي لا يزال قائما بموقع الكتروني معين، وهكذا وعلى ضوء ما جاء به المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 65.4، تلتزم الشركة العارضة بالمواصفات والبيانات المتضمنة في العرض الأول .[32]

غير أن المتمعن في الشروط التي نص عليه المشرع في الفصل 65.4 من قانون 53.05، والتي يجب توفرها في العرض وإلا عد مجرد إشهار لا يرتقي للإيجاب الحقيقي، سيجد أن هذه الشروط تفتقد لأهم شرط كان على المشرع المغربي أن يضعه على رأس هاته الشروط، ألا وهو هوية العرض وعنوانه ورقم سجله التجاري عما كان لديه، وذلك حتى نميز بين المتعاملين، هل هم تجار أم مجرد بيع عرضي ذو طابع مدني .[33]

كما أن هذا القانون جاء لتحديد الشروط التي يكون على أساسها التوقيع الالكتروني مؤمنا من أجل تبيان هوية الموقع، فالتوقيع الالكتروني يقتضي اللجوء إلى وسيلة تحدد الهوية بشكل موثوق وتضمن علاقة صاحب هذا التوقيع بالعقد المرتبط به، فالتوقيع يعتبر مؤمنا ويفترض الوثوق به، وله نفس قوة الحجية للتوقيع الخطي، إذا كانت وسيلة الوثوق ملائمة للمقتضيات المقترحة في هذا القانون، وفي حالة الطعن في التوقيع يتعين على طالب الطعن الذي يحتج على حجية الوثيقة الموقعة الكترونيا أن يبرهن على تقيده بشروط الوثوق والحفاظ[34].

من خلال ما سبق، يظهر أن القانون 53.05 قد حدد شروطا أساسية لا يمكن من دونها أن يبرم العقد، وهو ما يشكل ضمانة كافية لطرفي العقد وبالخصوص المستهلك الذي يعتبر الطرف الضعيف في هذه العلاقة التعاقدية، وإن كان المشرع لم يجعل من مصلحة المستهلك شرطا أساسيا لإبرام العقد الالكتروني.

والسؤال المطروح هو ما مدى تحمل المسؤولية سواء في مرحلة إبرام العقد أو في مرحلة تنفيذه؟ وهل يمكن الحديث عن هذه المسؤولية في مرحلة التفاوض؟

بالنسبة لقيام المسؤولية في مرحلة التفاوض، فإنه بالرجوع إلى القانون 53.05 نجد أن هناك إشارة للمشرع للمسؤولية التي قد تقع على المتعاقد الكترونيا في مرحلة التفاوض، ومن ذلك ما قررته المادة 65.4 من القانون المذكور والتي تنظم فترة ما قبل التعاقد، حيث تحمل العارض المهني مسؤولية الاحتفاظ واستنساخ الشروط التعاقدية، ثم مسؤولية التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن قبوله طبقا للمادة 65.5 من نفس القانون.

كما يجب على صاحب العرض طبقا للفقرة الثانية من المادة 65.4، الإشعار بطريقة الكترونية ودون تأخير غير مبرر بتسلم قبول العرض الموجه إليه.

ثانيا: الحماية القانونية للمستهلك الإلكتروني من خلال القانون 31.08

بالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون 31.08، نجد المشرع قد عرف المقصود بالشرط التعسفي بقوله: ” يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”.

وقد لجأ المشرع المغربي كوسيلة لاستبعاد هذه الشروط التعسفية، إلى تقنية لائحة التحديد الإلزامي لهذه الشروط التعسفية، ما يجعلنا نتساءل: إلى أي حد استطاع المشرع من خلال هذا التحديد أن يحمي المستهلك الالكتروني من الشروط التعسفية ؟

رغبة منه في توفير أقصى ما يمكن من الحماية لصالح المستهلك ضد الشروط التعسفية، فإن المشرع المغربي لم يكتف بإعطاء تعريف للشروط التعسفية وتحديد المعيار الذي على أساسه يمكن القول بأن شرطا ما هو تعسفي، وإنما أردف ذلك بلائحة من الشروط غير حصرية لمجموعة من الشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية.

وهذه اللائحة من الشروط هي التي نصت عليها المادة 18 من قانون 31.08 التي جاء فيها:

” مع مراعاة تطبيق النصوص التشريعية الخاصة أو تقدير المحاكم أو هما معا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر الشروط تعسفية إذا كانت تتوفر فيها شروط المادة 15، ويكون الغرض منها أو يترتب عليها ما يلي:

إلغاء أو انتقاص حق المستهلك في الاستفادة من التعويض في حالة إخلال المورد بأحد التزاماته؛

احتفاظ المورد بالحق في أن يغير من جانب واحد خصائص المنتوج أو السلعة المزمع تسليمها أو الخدمة المزمع تقديمها ؛

غير أنه يمكن التنصيص على أنه يجوز للمورد إدخال تغييرات مرتبطة بالتطور التقني شريطة ألا تترتب عليها زيادة في الأسعار أو مساس بالجودة وأن يحفظ هذا الشرط للمستهلك إمكانية بيان الخصائص التي يتوقف عليها التزامه؛

إعفاء المورد من المسؤولية القانونية أو الحد منها في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية نتيجة تصرف أو إغفال من المورد ؛

إلغاء حقوق المستهلك القانونية أو الحد منها بشكل غير ملائم إزاء المورد أو طرف آخر في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب من لدن المورد لأي من الالتزامات التعاقدية، بما في ذلك إمكانية مقاصة دين للمورد على المستهلك بدين قد يستحقه هذا الأخير على المورد؛

التنصيص على الالتزام النهائي للمستهلك في حين أن تنفيذ التزام المورد خاضع لشرط يكون تحقيقه رهينا بإرادته وحده ؛

فرض تعويض مبالغ فيه أو الجمع بين عدة تعويضات أو جزاءات عند عدم وفاء المستهلك بالتزاماته؛

تخويل المورد الحق في أن يقرر فسخ العقد إذا لم تمنح نفس الإمكانية للمستهلك، والسماح للمورد بالاحتفاظ بالمبالغ المدفوعة برسم خدمات لم ينجزها بعد عندما يقوم المورد نفسه بفسخ العقد؛

الإذن للمورد في إنهاء العقد غير محدد المدة دون إعلام سابق داخل أجل معقول، ما عدا في حالة وجود سبب خطير؛

تمديد العقد محدد المدة بصفة تلقائية في حالة عدم اعتراض المستهلك، عندما يحدد أجل يبعد كثيرا عن انتهاء مدة العقد باعتباره أخر أجل ليعبر المستهلك عن رغبته في عدم التمديد؛

التأكيد على قبول المستهلك بصورة لا رجعة فيها لشروط لم تتح له بالفعل فرصة الاطلاع عليها قبل إبرام العقد ؛

الإذن للمورد في أن يغير من جانب واحد بنود العقد دون سبب مقبول ومنصوص عليه في العقد ودون إخبار المستهلك بذلك؛

التنصيص على أن سعر أو تعريفة المنتوجات والسلع والخدمات يحدد وقت التسليم أو عند بداية تنفيذ الخدمة، أو تخويل المورد حق الزيادة في أسعارها أو تعريفتها دون أن يكون للمستهلك، في كلتي الحالتين، حق مماثل يمكنه من فسخ العقد عندما يكون السعر أو التعريفة النهائية مرتفعة جدا مقارنة مع السعر أو التعريفة المتفق عليها وقت إبرام العقد؛

تخويل المورد وحده الحق في تحديد ما إذا كان المنتوج أو السلعة المسلمة أو الخدمة المقدمة مطابقة لما هو منصوص عليه في العقد أو في تأويل أي شرط من شروط العقد ؛

تقييد التزام المورد بالوفاء بالالتزامات التي تعهد بها وكلاؤه أو تقييد التزاماته باحترام إجراء خاص؛

إلزام المستهلك بالوفاء بالتزاماته ولو لم يف المورد بالتزاماته؛

التنصيص على إمكانية تفويت العقد لمورد أخر إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الضمانات بالنسبة إلى المستهلك دون موافقة منه ؛

إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعاوى قضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن، وذلك بالحد بوجه غير قانوني من وسائل الإثبات المتوفرة لديه أو إلزامه بعبء الإثبات الذي يقع عادة على طرف آخر في العقد، طبقا للقانون المعمول به.

في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا، يجب على المورد الإدلاء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع.

فانطلاقا من هذه المادة نجد أن المشرع لم يأت بهذه الشروط على سبيل الحصر، وإنما جاء بها على سبيل المثال، وهو ما يعد ملائما نوعا لحماية المستهلك خصوص المستهلك الالكتروني، ففي العقود الالكترونية ومع التطور الحاصل  قد يستحدث من أساليب وتقنيات ما لا يمكن أن يتفطن إليه المشرع، لذا كان من حسناته أنه لم يأت بلائحة حصرية لهذه الشروط، ولعل المشرع المغربي هنا تأثر بنظيره الفرنسي واستفاد منه بشكل ايجابي، الأخير الذي عمل على إضفاء الطابع الحصري[35] عند تحديده للشروط التعسفية، قبل أن يستدرك ويتجاوز بإدخال تعديل على مدونة الاستهلاك لسنة 1993 .

وحري بنا في هذا المقام أن نشير إلى أن هذه الشروط المذكورة في المادة 18 أعلاه، لا يمكن اعتبارها تعسفية في ذاتها، لأن المشرع قيد ذلك بضرورة استجماعها للشروط المنصوص عليها في المادة 15 من قانون 31.08، وهذا ما تفيده الإحالة التي ذيل بها المشرع الفقرة الأولى من المادة 18 من نفس القانون التي جاء فيها: ” تعتبر الشروط تعسفية إذا كانت تتوفر فيها شروط المادة 15…”.

ويجدر بنا أن نتساءل إلى أي حد يمكن أن يكون هذا التقييد في محاربة الشروط التعسفية في العقد الالكتروني؟ ألا يمكن أن يؤثر هذا التقييد على اعتبار شرط من الشروط تعسفيا في حق المستهلك؟

إذا ما عدنا إلى الضابط الذي قررته المادة 15  والذي على أساسه يمكن اعتبار الشرط تعسفيا، نجد أن المشرع المغربي قد وقف بجانب المستهلك الذي يعد الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، وهذا ما يمكن استفادته من  معيار التعسف الذي وضعه المشرع والمتمثل في وجود اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك.

من خلال هذا يظهر أن هذه الإحالة أو هذا التقييد لا يضر بمصالح المستهلك، ما دام المشرع وقف في صف المستهلك، من خلال اعتبار كل شرط يخلق اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك، وإن كانت عبارة “الاختلال الكبير” تقتضي منا وقفة لتحديد مفهومها، ولكن ما دام تقدير هذا الاختلال يخضع للسلطة القاضي، فإننا سنرجئ الحديث عنه إلى النقطة التي ستأتي معنا.

والملاحظ مما سبق أن هذه الشروط لا تقع باطلة بمجرد إدراجها في العقد، بل لا بد أن تخضع لمعيار الموازنة الوارد في المادة 15 من قانون 31.08، ولعل العلة في إحجام المشرع المغربي في نهج طريقة الشروط الممنوعة بصفة مطلقة كما يرى ذلك أحد الباحثين[36]، تكمن في كون المشرع قد تنبه للتناقض الذي يمكن أن يثيره التنصيص على مثل هذه اللائحة السوداء والتعريف الذي أعطاه المشرع للشرط التعسفي في المادة 15، لأن إصدار لائحة سوداء لا يستقيم بتاتا مع الشروط التي تتطلبها هذه المادة في الشرط التعسفي، والذي يجب للقول بوجوده أن يخلق اختلالا كبيرا في حقوق والتزامات الأطراف، بما يتطلبه ذلك من ضرورة النظر إلى مجموع العقد لتحديد طبيعة شرط معين أي اعتباره تعسفيا أم لا، وهذا لا يتماشى مع وضع لائحة سوداء تحتوي على شروط تعسفية في جميع الأحوال.

ونحن نرى أن المشرع يمكن أن يتجاوز هذا في كل الأحوال، فإذا كان فعلا في نيته أن يدرج لائحة سوداء، فلا يمكن أن تشكل المادة 15 عائقا أمامه، لذا كان حريا على المشرع على الأقل أن يدرج لائحة سوداء تتعلق بالشروط التعسفية في العقد الالكتروني، تعزيزا لما جاء في كل من المادة 15 و 18 من قانون 31.08، وتمييزا للعقود المبرمة عن بعد  – العقد الالكتروني خاصة – عن العقود التقليدية، هذه الأخيرة التي تختلف تماما عن الأولى، لذا كان حريا بالمشرع أن يفرد لها  بابا خاصا يتعلق بالشروط التعسفية المتعلقة بها، أو على الأقل أن يلحق هذه الشروط بالباب الخاص بالعقود المبرمة عن بعد.

 

 

خاتمة:

بناء على ما تقدم يمكن القول أن التجارة الإلكترونية تلعب دورا مهما في توفير الجهد على المستهلك الذي تسوغ له إمكانية التعاقد عن بعد دونما بذل أدنى مجهود، وهو ما دفع العديد من المستهلكين للإقبال على هذا الصنف من التعاملات، نظرا لطابع السرعة الذي يطبع عملية التعاقد.

هذه التطورات المتلاحقة التي طفت على سطح التجارة والمعاملات الإلكترونية اقتضت تحديث الترسانة التشريعية بما يتواءم وطبيعة هذه التعاملات، وهو ما جنح إليه المشرع المغربي من خلال إصدار القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والذي يعد أول تشريع مغربي عمل من خلاله المشرع على تنظيم المعاملات الإلكترونية وتطوير القواعد القانونية التقليدية المضمنة بين دفتي قانون الالتزامات والعقود التي تم العمل بها ردحا من الزمن وذلك حتى يتسنى لها مواكبة طبيعة هاته المعاملات.

وكما مر معنا من خلال هذا الموضوع نجد أن المشرع المغربي سعى من خلال القانون الآنف ذكره إلى تيسير التعامل التجاري وبالمقابل الحفاظ على مصالح المستهلك من خلال ما يتضمنه هذا القانون من أحكام تكفل ضمان استقرار هذه المعاملات والذي يتجسد في إقرار التوقيع الإلكتروني فضلا عن منح السند الإلكتروني نفس القوة الثبوتية التي تتمتع بها الورقة المحررة بصورة تقليدية، وبالتالي حصول المحررات الإلكترونية على حجية الإثبات أمام المحاكم.

وإذا كان المشرع قد عمل على تطويق المعاملات الإلكترونية بجملة من المقتضيات القانونية التي تكفل تعزيز ثقة المستهلك والحفاظ على التوازن العقدي وسط المحيط الرقمي المعقد، فإن ذلك لم يمنع من استمرارية استغلال المهنيين لمراكزهم الاقتصادية وفرض شروط مجحفة على المستهلك الذي غالبا ما يرضخ في نهاية المطاف لسطوة المحترف، هذه الأسباب مجتمعة دفعت المشرع إلى إصدار قانون يعنى بحماية المستهلك، وتضمينه قواعد وآليات تهدف إلى حماية المستهلك المتعاقد في المجال الإلكتروني من أجل إعادة التوازن العقدي.

 

قائمة المراجع:

الكتب:

أبو بكر مهم، حماية المستهلك المتعاقد “دراسة تحليلية معمقة في ضوء مستجدات القانون رقم31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الطبعة الأولى، مطبعة الكرامة، الرباط،2017.

عبد الرحمن الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، “مصادر الالتزام” الجزء الأول، الطبعة 5، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، 2018.

عبد الفتاح الزيتوني، تنازع الاختصاص في العقد الالكتروني، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات- مراكش، 2010.

ماجد محمد سليمان أبا الخيل، العقد الإلكتروني، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية الرياض، الطبعة الأولى،2009.

مولاي حفيظ علوي قاديري، إشكالات التعاقد في التجارة الإلكترونية، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،2013.

رسائل جامعية:

سميحة رواقي، النظام القانوني للعقد الإلكتروني، مذكرة لنيل شهادة ماستر في القانون، تخصص: قانون أعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة اكلي محند أولحاج-البويرة، السنة الجامعية:2018/2019.

إيمان بوشارب، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص العقود المدنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر، السنة الجامعية:2011/2012.

مقالات:

إدريس الفاخوري، حماية المستهلك من الشروط التعسفية، مقال منشور بمجلة طنجيس للقانون والاقتصاد، العدد:3.

أسامة بن غانم العبيدي، حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات، مقال بالمجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد 28، العدد 56.

فتحي بن جديد، مدى حجية الكتابة والتوقيع الالكترونيين في إثبات العقد المبرم عن طريق الانترنت، مقال بمجلة دراسات قانونية، العدد:16.

يوسف زروق، حماية المستهلك مدنيا من مخاطر التعاقد الإلكتروني “دراسة مقارنة”، مجلة دفاتر السياسة والقانون، يونيو، 2009.

اليمامة خضير الحربي، تنظيم العقد الالكتروني في قانون المعاملات الالكترونية الكويتي رقم 20 لسنة 2014، مقال بمجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة 8، ملحق خاص العدد 8، ربيع الثاني/ جمادى الأولى 1424 ه -ديسمبر 2020م.

ندوات وأيام دراسية:

أحمد أنوار ناجي، مكافحة الشروط في عقود الاستهلاك أية ضمانات؟ مختبر القانون والمجتمع سلسلة الندوات” الحماية القانونية للمستهلك”، الطبعة الأولى، مطبعة قرطبة، أكادير، 2016.

خالد عثماني، أية ضمانات لحماية المستهلك في العقد الإلكتروني، مختبر القانون والمجتمع سلسلة الندوات “الحماية القانونية للمستهلك”، الطبعة الأولى، مطبعة قرطبة، أكادير، 2016.

المختار بن أحمد العطار، دراسة في العقد الالكتروني، مداخلة ألقيت بمناسبة أشغال اليوم الدراسي لتكريم د محمد رياض أبحاث في الشريعة والقانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، أبريل 2009.

مقالات بمواقع إلكترونية:

عبد الحق دهبي، مظاهر حماية التبادل الالكتروني للمعلومات القانوني، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: https://www.mohamy.online/blog

Joan DRAY, Régime juridique du contrat conclu par voie électronique entre un professionnel et un consommateur, https://www.legavox.fr/blog/maitre-joan-dray

[1] – يوسف زروق، حماية المستهلك مدنيا من مخاطر التعاقد الإلكتروني “دراسة مقارنة”، مجلة دفاتر السياسة والقانون، يونيو، 2009، ص: 135.

[2] – ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر 2007)، ص:3879.

[3] – ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 2 جمادى الأولى 1432(7 أبريل 2011)، ص:1072.

[4] – خالد عثماني، أية ضمانات لحماية المستهلك في العقد الإلكتروني، مختبر القانون والمجتمع سلسلة الندوات “الحماية القانونية للمستهلك”، الطبعة الأولى، مطبعة قرطبة، أكادير 2016، ص:165.

[5] – Les contrats conclus par voie électronique، sont une sous-catégorie des contrats conclus à distance. Cité par : Joan DRAY, Régime juridique du contrat conclu par voie électronique entre un professionnel et un consommateur, https://www.legavox.fr/blog/maitre-joan-dray, visité le : 16/02/2022, 14 :19.

[6] – ماجد محمد سليمان أبا الخيل، العقد الإلكتروني، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية الرياض، الطبعة الأولى،2009، ص:37.

[7] – خالد عثماني، مرجع سابق، ص:165.

[8] – القانون رقم 18-05 المؤرخ في 24 شعبان عام 1439 هجرية الموافق 10 مايو سنة 2018 ميلادية، المتعلق بالتجارة الإلكترونية (الجريدة الرسمية عدد 28 مؤرخة في: 2018/05/16).

[9] – اليمامة خضير الحربي، تنظيم العقد الالكتروني في قانون المعاملات الالكترونية الكويتي رقم 20 لسنة 2014، مقال بمجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة 8، ملحق خاص العدد 8، ربيع الثاني/ جمادى الأولى 1424 ه -ديسمبر 2020م، ص:29.

[10] – اعتمدت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (اليونسترال) في 12 يونيو 1996، القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية كقانون دولي يُعنى بسائر أنواع العقود المبرمة على شكل رسالة بيانات لأغراض تجارية، لتصدر بعد ذلك وعلى المستوى الإقليمي توجيهات أوروبية عدة، يتمثل أبرزها في التوجيه رقم 7/97 الصادر عن البرلمان الأوروبي في 20 ماي 1997 والمتعلق بحماية المستهلكين في العقود المبرمة عن بعد.

[11]– المختار بن أحمد العطار، دراسة في العقد الالكتروني، مداخلة ألقيت بمناسبة أشغال اليوم الدراسي لتكريم د محمد رياض أبحاث في الشريعة والقانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، أبريل 2009، ص:102.

[12]– المختار بن أحمد العطار، مرجع سابق، ص:103.

[13]– ينص الفصل 65.3 من القانون 53.05 على ما يلي: ” يمكن استخدام الوسائل الإلكترونية لوضع عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود.

يمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد أو المعلومات الموجهة أثناء تنفيذه عن طريق البريد الإلكتروني إذا وافق المرسل إليه صراحة على استخدام الوسيلة المذكورة.

يمكن إرسال المعلومات إلى المهنيين عن طريق البريد الإلكتروني ابتداء من الوقت الذي يدلون فيه بعنوانهم الإلكتروني.

إذا كان من الواجب إدراج المعلومات في استمارة، تعين وضع هذه الأخيرة بطريقة إلكترونية رهن الشخص الواجب عليه تعبئتها”.

[14]– ماجد محمد سليمان أبا الخيل، مرجع سابق، ص:49.

[15]– سميحة رواقي، النظام القانوني للعقد الإلكتروني، مذكرة لنيل شهادة ماستر في القانون، تخصص: قانون أعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة اكلي محند أولحاج-البويرة، السنة الجامعية:2018/2019، ص:42.

[16] – فتحي بن جديد، مدى حجية الكتابة والتوقيع الالكترونيين في إثبات العقد المبرم عن طريق الانترنت، مقال بمجلة دراسات قانونية، العدد:16، ص:2.

[17]– بمقتضى القانون 53.03 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، تمم الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول من ظ ل ع المتعلق بالالتزامات بوجه عام وكذا القسم السابع من نفس الكتاب المتعلق بالكتابة وبمقتضى التعديل الأول أضيف الفصل 1-2، أما الإضافة الثانية فقد شملت الفصل 1-417.

[18] – الفصل 1-417 تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.

تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها “.

[19] – مولاي حفيظ علوي قاديري، إشكالات التعاقد في التجارة الإلكترونية، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،2013، ص:56.

[20] – سميحة رواقي، مرجع سابق، ص:73.

[21] – أسامة بن غانم العبيدي، حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات، مقال بالمجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد 28، العدد 56، ص:145

[22] – أسامة بن غانم العبيدي، مرجع سابق، ص:149.

[23]– المختار بن أحمد العطار، مرجع سابق، ص:109.

[24]– عبد الرحمن الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، “مصادر الالتزام” الجزء الأول، الطبعة 5، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، 2018، ص:65.

[25] – أحمد أنوار ناجي، مكافحة الشروط في عقود الاستهلاك أية ضمانات؟ مختبر القانون والمجتمع سلسلة الندوات” الحماية القانونية للمستهلك”، الطبعة الأولى، مطبعة قرطبة، أكادير، 2016، ص:51.

[26] – أبو بكر مهم، حماية المستهلك المتعاقد “دراسة تحليلية معمقة في ضوء مستجدات القانون رقم31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الطبعة الأولى، مطبعة الكرامة، الرباط،2017، ص:233

[27] – إدريس الفاخوري، حماية المستهلك من الشروط التعسفية، مقال منشور بمجلة طنجيس للقانون والاقتصاد، العدد:3، 2003، ص:28.

[28] – إيمان بوشارب، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص العقود المدنية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر، السنة الجامعية:2011/2012، ص:66

[29] – أحمد انوار ناجي، مرجع سابق، ص:52.

[30] – إيمان بوشارب، مرجع سابق، ص:68.

[31] – عبد الفتاح الزيتوني، تنازع الاختصاص في العقد الالكتروني، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات- مراكش، 2010، ص: 84.

[32] – عبد الفتاح الزيتوني، مرجع سابق، ص:91.

[33] – عبد الفتاح الزيتوني، مرجع نفسه، ص:92.

[34] – عبد الحق دهبي، مظاهر حماية التبادل الالكتروني للمعلومات القانوني، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: https://www.mohamy.online/blog، تاريخ الزيارة:21/02/2022، 21:37.

[35] – المشرع الفرنسي عمل على تحديد الشروط التعسفية بمقتضى المادة 35 من قانون 1978، والتي صدر مرسوم واحد لتطبيقها، هو المرسوم 464-78 الصادر بتاريخ 24/03/1978، أنظر أبو بكر مهم، حماية المستهلك المتعاقد، مرجع سابق، ص: 222.

[36] – أبوبكر مهم، حماية المستهلك المتعاقد، مرجع سابق، ص: 241.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى