في الواجهةمقالات قانونية

الثقافة الضريبية لدى الملزم – الباحث حمزة قسمان.

الثقافة الضريبية لدى الملزم

من إعداد الباحث حمزة قسمان.

”على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثھا وتوزيعھا، وفق الإجراءات المنصوص عليھا في ھذا الدستور.

الفصل 39 من الدستور المغربي

”على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليھا، التكاليف التي تتطلبھا تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن آفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.

الفصل 40 من الدستور المغربي

إن من خلال الفصلين 39 و40 من الدستور المغربي لسنة 2011، يتبين أن التكاليف بأنواعها هي جزء من الالتزامات التي على الفرد أن يتحملها في مقابل توفير الدولة للعديد من الحقوق لهذا الفرد، والضريبية جزء لا يتجزأ من هاته التكاليف تعتبر الحجر الأساس للدولة في إطار توفير مداخيل قارة من أجل تغطية حاجاتها من النفقات السنوية، حيث تشكل الضرائب أهم الموارد المالية التي تقوم عليها التزامات الدولة، مما يجعل من الواجب إخضاعها لنظام مقنن، يقيها من كل محاولات الغش والتهرب الذي يكلف خزينة الدولة الكثير من المداخيل التي تشكل جزءا هاما من  الموارد المالية، ويترتب عن ذلك عدم قيام الدولة بالإنفاق العام على الوجه الأكمل، وبالتالي تصبح عاجزة عن أداء واجباتها الأساسية اتجاه مواطنيها .

حيث و في ظل عجز الميزانية تضطر  الدولة  اللجوء إلى وسائل  تمويلية أخرى كالإصدار النقدي و اللجوء إلى الاقتراض[1] ، و عليه  و لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوة من الضريبة يتطلب الأمر استجابة فعالة من قبل الملزمين باعتبارهم أحد أهم أركان المنظومة الضريبية، ولا يخفى على أحد الدور الفعال الذي يلعبونه في عملية التمويل بالتزامهم لأداء واجباتهم الضريبية المفروضة عليهم.[2]

وعليه فلا يمكن الحديث عن ضريبية دون استحضار الأطراف الأساسية للضريبية ألا وهما الملزم والإدارة الضريبية من جهة، حيث وأنه على مر السنين كانت هذه العلاقة يشوبها العديد من الصراعات سواء من حيث الإقرارات المصرح بها  من طرف الملزم وطعن الإدارة في هاته التصريحات أو طرق التحصيل الضريبي نهاية بالمساطر المتعلقة بالمراقبة الضريبية، فإذا كنا نقر بضرورة التزام الملزم بدفع الضريبة المفروضة عليه، وأن هذا الالتزام مهما كان ثقيلا لا يبرر بأي حال من الأحوال اللجوء إلى وسائل للتملص منه لأن هذا سيؤدي حتما إلى فقدان وضياع الملايين من الإيرادات سنويا، لذلك يجب البحث في تحديد دوافع عدم الالتزام وذلك قصد إمكانية إيجاد حلول ملائمة لزرع روح الثقافة الضريبية لدى الملزم وعدم جعل الإدارة الضريبية خصما، بل عكس دلك أن تكون هي صاحبة المبادرة ودلك بزرع ضمانات جبائية من أجل تقوية الثقة بين الطرفين.

ومن كل هذا ولمعرفة ولو سطحية بالموضوع لابد من الوقوف على التساؤلين الآتيين:

– ماهي العوامل التي تؤثر على المواطنة الضريبية للملزم؟

-وماهي بعض آثار هاته العوامل على إيرادات الدولة؟

للإجابة على هاته الإشكالية سنعتمد التقسيم الآتي:

المطلب الأول: العوامل المؤثرة على المواطنة الضريبية للملزم

الفقرة الأولى: عوامل متعلقة بالملزمين

الفقرة الثانية: ضعف الثقافة الضريبية لدى النخب

المطلب الثاني: التهرب الضريبي كأثر من آثار انعدام المواطنة الضريبية

الفقرة الأولى: مفهوم التهرب الضريبي

الفقرة الثانية: أسباب التهرب الضريبي وآثاره

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: العوامل المؤثرة على المواطنة الضريبية للملزم

الفقرة الأولى: عوامل متعلقة بالملزمين

إن الثقافة الجبائية  باعتبارها ذلك الرصيد المعرفي الشامل لكل ما هو نظري وتقني في مجال حقل تطبيق الضريبة ونطاق سريانها والإلمام بمجال وطرق المراقبة على سير عملية تطبيقها ، ومعرفة مساطر المنازعة سواء في وعائها أو في تحصيلها، تعتبر سيفا ذو حدين وذلك سواء تعلق الأمر بالملزم بها أو بالإدارة المكلفة بتأسيس وعائها أو تحصيله[3]، ومعنى هذا أن الثقافة الجبائية يمكن أن تستغل في جانبين :

– جانب إيجابي يمكن الملزم من التصريح بنتيجته الجبائية الحقيقية في الآجال القانونية، ووفقا للإجراءات القانونية المعمول بها، ونفس الشيء بالنسبة للإدارة الضريبية التي من المفروض أن يتعامل موظفوها بموضوعية وشفافية، سواء على مستوى تأسيس الضريبة ومراقبة ظروف تطبيق مقتضياتها القانونية أو على مستوى فض النزاعات المرفوعة إليها.

– وجانب سلبي يمكن أن يستغل فيه كل طرف إلمامه النظري والتقني بالنظام الجبائي للتملص من الضريبة متى كان ملزما بها، غير متوفر على صفة المواطنة، أو إطلاع الخاضعين للضريبة على ثغرات النظام الجبائي.

ومن بين العوامل الثي تؤثر سلبا على المواطنة الضريبية لدى الملزم نجد:

أولا: عامل الثقة

وتتجسد في مدى شعور الخاضع للضريبية بخدمات الإنفاق العام، فإذا ما تولد لدى الملزمين الشعور الايجابي نحو سياسة الإنفاق الحكومي والمتمثلة في الخدمات المقدمة لأفراد مثل خدمات التعليم، الصحة، السكن….

فإن مستوى الالتزام الضريبي يزداد لديهم، ولكن إذا ما شعر هذا الملزم بأنه لا يجد خدمات عامة مقابل للضريبة التي يدفعها فان ذلك سيقوده حتما لعدم الالتزام، كيف يلتزم من يقوم بتأدية رسم السيارة وأغلبية الطرق محفرة، وما الهدف من أداء رسم النظافة وأغلب شوارعنا تنعدم فيها النظافة والإنارة؟

إضافة إلى انه لا يصبح للواجب الضريبي أي معنى في عقلية الملزم [4]الذي يتزايد لديه الاقتناع بأنه خاضع لنوع من الاستغلال بواسطة الضريبة، كونها مجرد عقوبة وإخضاع تمارسها السلطة على الأفراد، وبالتالي لا يشكل عدم التزامه أي إحساس لديه بانتهاك القانون كما أن الشعور الذي يتولد عند المكلفين عن عدالة النظام الضريبي وشموليته يساعد في تعزيز الالتزام، إلا أن عدم المساواة الحقيقية أو المفترضة بين الملزمين في توزيع العبئ الضريبي بالتساوي، فيبدأ في المقارنة بين مبلغ الضريبة الواجبة عليه وبين ما يدفعه الآخرون، قد يحد من العدالة المرجوة ويضعف الثقة العامة بعدالة الضريبة ويسهم في تخفيض مستويات الالتزام.

ثانيا: الوعي الضريبي

يتمثل الوعي الضريبي في شعور المواطن بواجبه نحو وطنه وما يقتضيه ذلك من تضحيات مادية تعين الدولة على مواجهة ما يلقى عليها من أعباء ومنه فان التأثير الايجابي أو السلبي لسلوك الملزم للإفصاح عن حقيقة مداخيله وأداء واجباته الضريبية مرتبط بمدى زيادة أو تدني مستوى الوعي الضريبي لديه، ولكنه مما يؤسف له أن الوعي الضريبي متدني لدى غالبية الملزمين،  خصوصا مواجهته لكثرة الضرائب ما يدفع أحيانا بعض الملزمين إلا أداء بعضها فقط إلى حين توصله بإشعار من الإدارة الضريبية بضرورة  الأداء  الضرائب الأخرى وبالتالي كسب الوقت بين أداء تلك الضريبة في الوقت القانوني  وتاريخ  توصله بالإشعار قصد الأداء الضرائب الأخرى، والدي قد يصل لسنوات خصوصا عندما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة، وعليه فإن هذا التدني لا يقابله في الحقيقة إلا مستوى عدم الحس الجبائي في الحفاظ على المال العام[5].

الفقرة الثانية: ضعف الثقافة الضريبية لدى النخب

لا شك أن التوفر على رصيد مهم من الثقافة الجبائية يساعد من جهة، صناع القرار الجبائي على صياغة نصوص ضريبية بسيطة غير معقدة، سهلة الفهم والاستيعاب تتلاءم مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و مع مبدأ العدالة الجبائية، ويمكن أيضا الإدارة من ضبط وضمان تنزيل سليم للمقتضيات القانونية دون حيف أو أخطاء، وخلق فضاء للحوار والتواصل الإيجابي[6] مع الخاضعين للضريبة ، ومن جهة ثانية يساعد الإلمام بالمقتضيات الضريبية النخب على التفاعل مع النظام الجبائي ومقتضيات مشاريع قوانين المالية بكل أريحية ومصداقية ، لكن واقع الحال يثبت عكس ذلك ، بحيث إن ضعف الثقافة الجبائية لدى هذه النخب ،أثر بشكل سلبي على المنظومة الضريبية  ، وذلك بداية من طريقة صياغة النصوص القانونية لقوانين المالية، فإذا كان الدستور المغربي قد نص في الفصل [7]27 على حق الحصول على المعلومة ، فإن مجرد الاطلاع على قوانين المالية يلمس صعوبة فهم بعض النصوص التي تبدو معقدة بسبب غياب التبسيط وكثرة الإحالات.

كما  أن اتخاذ القرار لمنح التحفيزات الجبائية في نظام ضريبي معين لا يمكن أن يتم بمعزل عن الاختيارات السياسية والأيديولوجية للسلطات العامة، ذلك أن طبيعة الحزب الحاكم [8]، بل وطبيعة النظام السياسي القائم، أو طبيعة الكتلة السياسية الحاكمة تمارس تأثيرها القوي على اختيارات السلطات العمومية فيما يتعلق باتخاذ قرارات التحفيزات الجبائية، كما يؤثر ذلك على الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، في انسجام مع تصورها وفلسفتها السياسية، فحكومة ما قد ترى في التحفيزات الجبائية أداة لدفع الاستثمار وخلق تنمية اقتصادية وذلك من أجل بناء مشروع مجتمعي أكثر عدلا، وحكومة أخرى قد تتبنى شكليات الطرح الليبيرالي وذلك انسجاما مع التوجه الليبرالي وحفز المبادرة الخاصة والمنافسة دون اهتمام باللامساواة التي من الممكن إثارتها عن تلك الاختيارات ،فالحكومة الأولى تسطر في قانون ماليتها مثلا تخفيض العبء الجبائي على ذوي الدخول المتوسطة وإعفاء أصحاب الدخول الهزيلة والتشديد على أصحاب الدخول المرتفعة، وتشجيع ادخار عمومي يذهب للقنوات الاستثمارية، وإعمال النفقات ذات الطبيعة الاجتماعية وتقوية المبالغ المرصودة لها ( صحة – تعليم – شغل- ضمان اجتماعي … ) وحكومة  ثانية قد تسطر في ميزانيتها قرارات إعفاء المقاولات وتشجيعها ومنحها امتيازات جبائية واسعة، حيث تمارس وبحيوية مجموعة من الأشخاص تأثيرات على القرارات الضريبية ( نقابات، أرباب عمل، برلمانيين).

 

المطلب الثاني: التهرب الضريبي كأثر من آثار انعدام المواطنة الضريبية

الفقرة الأولى: مفهوم التهرب الضريبي

غالبا ما تكون مشاعر المواطن الملزم بالضرائب مرتبكة، فهو بوجه عام ضد الضرائب وضد الإدارة المكلفة بالجلوس وجمعها، ويمكن لهذا الرفض الكامن أن يتخذ أشكالا ومحتوى سياسيًا عندما يتطور على أرضية اقتصادية واجتماعية مواتية بشكل خاص لكن في أغلب الأحيان، ينحدر هذا الرفض إلى موقف سلبي تجاه الضرائب، موقف يجب أن يكون دقيقا فيما يتعلق بنوع الضريبة المعنية.

فالهروب من الضريبة هو قبل كل شيء هروب من قيود الدولة وبالنسبة للبعض فإن العلاقة مع الإدارة الضريبية يتم اختبارها على أنها لعبة معروفة بقواعدها وليس من غير الملائم اللعب مع إدارة لم تعد سمعتها القمعية تثبت ذلك،[9] و التهرب من الضريبة هو الإفلات منها بعدم دفعها كلياً أو جزئيا أو من تحمل عينها وذلك في وقت واحد، فهو ظاهرة ذات تأثير كبير على الاقتصاد الوطني، إذ يتمثل في تجاوز النظم الضريبية عن طريق اللجوء إلى أعمال غير قانونية من أجل التهرب من الضرائب المستحقة لخزانة الدولة، فهو يتشكل من عنصر مادي وعنصر إرادي مبني على التعمد ، وبالتالي يختلف عن الخطأ الذي هو مجرد نسيان بحسن نية[10].

ويشمل التهرب الضريبي استخدام آليات غير قانونية، يحظرها صراحة القانون أو الاجتهادات القضائية بما في ذلك إساءة استخدام الحقوق، والإدارة غير الطبيعية وغيرها من التقنيات التي يمكن وصفها بأنها التهرب الضريبي مع العقوبات الجنائية، وهذا الاستخدام المفرط للآليات يحتمل أن تكون ضارة ومخالفة للمصلحة العامة. وتستند هذه الآليات التي تستخدمها الشركات والأفراد ، بشكل خاص على الثغرات التشريعية للقانون من خلال ترتيبات معقدة للهروب من الضريبة[11].

الفقرة الثانية: أسباب التهرب الضريبي و  آثاره

أولا: أسباب التهرب الضريبي

قد يخالج الملزم نوع من الإحساس بضعف المؤسسات وعجز الدولة عن إعمال القانون وفرض سيادته، وعدم قدرتها على ممارسة مسؤولياتها الرقابية من أجل وضع اليد على الممارسات التي تعد تهربا ضريبيا وإحالة أصحابها إلى القضاء، فغالبا ما تصطدم الدولة بافتقار لأنظمة ضريبية متطورة تستجيب لمقتضيات التنمية، فوجود فراغ قانوني في المجال المالي يجعل النظام الجبائي يتناقض والواقع الجديد في البلاد[12]، وبالتالي يجد الملزم نوعا من السهولة في الالتفاف على النظام الضريبي المعمول به.

ورغم وجود أجهزة متخصصة في الإدارة الضريبية ومتعددة داخل الدولة فإنها لا تكفي لحسن تنفيذ السياسة الضريبية، بل يجب بموازاة مع ذلك تدعيمها بمجموعة من الوسائل المادية لتحقيق المردودية المتوخاة، فإدارة الضرائب لا تتوفر على الوسائل المادية اللازمة للقيام بعملية الإحصاء التي تناط بها على رأس كل سنة، بحيث أن أغلبية الموظفين يقومون بالمهام المنوطة بهم بإمكانياتهم الخاصة دون مساعدة من الجهات المسؤولة رغم ما تجنيه الخزينة العامة من مستخلصات جبائية، [13]كما تلعب العوامل النفسية دورا هاما في الغش الضريبي، فكلما زاد الوعي بدفع الضريبة لدى الملزم بها ضعف الباعث على الغش والنقص فيها، وكلما كان الوعي الضريبي ضعيفا كان الباعث النفساني على التهرب قويا وملموسا[14].

وحيث أن الشعور بارتفاع معدلات الضريبة وثقل العبء الضريبي على الملزمين يمكن أن يؤدي إلى التهرب الضريبي أو الغش في التصريح بالضريبة، فلا يرى الملزم حينها أثرا للضرائب التي يؤديها للدولة يعود عليه بالنفع، مما يساعد على انتشار روح التمرد على الالتزامات العامة وبالتالي تنتشر ثقافة التهرب التي تلعب دورا مهما في التهرب من دفع الضريبة، فهناك مجتمعات تنظر الى التهرب الضريبي نظرة ازدراء واستهجان يعكس بعض المجتمعات التي تعتبر التهرب من دفع الضريبة دليلا على الذكاء والبراعة وتستحق الاعجاب[15]، كما  أن الإحساس بعدم شرعية الضرائب في الأساس يساهم في التهرب من أدائها الطوعي، إذا كان النظام الحاكم نفسه فاقدا للشرعية الديمقراطية وغير منبثق من الإرادة الشعبية ومعبر عنها، ويزداد هذا الإحساس إذا استشرى الفساد داخل أجهزة الدولة، وصار المال العام مباحا أمام النهب والسلب دون حسيب أو رقيب، وإذا رأى المواطنون أن الموارد العمومية أصبحت غنيمة يتنعم بها رجال السلطة والمقربون منهم، ويتم تبذيرها في نفقات استهلاكية خارجة عن القصد[16].

 

ثانيا: آثار التهرب الضريبي:

أ/ الآثار الاقتصادية:

يؤدي التهرب الضريبي إلى انخفاض حجم الإيرادات الحكومية وبالتالي انخفاض الإنفاق الحكومي على الاستثمارات وعرقلة مشاريع التنمية، وبالتالي تلجأ الحكومة إلى رفع سعر الضريبة لسد العجز الحاصل في الإيرادات، كما أنها تلجأ إلى عملية الاقتراض لتمويل مشاريعها سواء عن طريق القروض المحلية أو الخارجية وما يشكله ذلك من إنهاك لإيرادات الدولة وتحولها لخدمة الدين العمومي عوض تحقيق التنمية.

ومن جهة أخرى يؤثر التهرب الضريبي على الميزة التنافسية بين الشركات والوحدات الاقتصادية، حيث أن الملزمين الذين لا يدفعون الضرائب أو يتهربون من أدائها تقل التكلفة عليهم وبالتالي تتسع هوامش الربحية في مشروعاتهم. وعليه فإن هذه الظاهرة تساهم في ظهور الاقتصاد الخفي الذي يعمل خارج سيطرة القانون، فالمبالغة في فرض الأعباء الضريبية وتهرب الملزمين من أدائها تؤدي إلى انخفاض حصيلة الضرائب وذلك من خلال إخفاء الأنشطة الاقتصادية بحيث يسود الاقتصاد الموازي والتهريب بجميع أشكاله وفي جميع المناحي الاقتصادية، خاصة وأن سبله أصبحت متوفرة مع سيادة الحواسب الإلكترونية وتطور وسائل الاتصال اللاسلكي التي عبرها يتم البيع وأداء الخدمات.[17]

 

ب/ الآثار الاجتماعية:

يتسبب التهرب الضريبي في انخفاض الموارد الجبائية التي تشكل عنصرا أساسيا على مستوى الادخار والاستثمار، كما أنه يؤدي إلى انعكاسات وخيمة على السياسة الاقتصادية والاجتماعية خاصة فيما يتعلق بتوجه الاقتصاد الوطني، مما يؤدي إلى تسببه في انخفاض مستوى الإنتاج وانتشار البطالة والفقر ثم مساهمته في التوزيع غير العادل للدخول والثروات بين مختلف مكونات المجتمع، وهو ما يعيق تحقيق عدالة اجتماعية.[18]

وإذا كانت الضريبة تعد أحد مظاهر التضامن الاجتماعي، فإن التهرب الضريبي يعد إخلالاً خطيراً بمبدأ التضامن الاجتماعي، وإهدارا سافرا للعدالة الاجتماعية التي هي أساس فرض الضرائب، فالتهرب الضريبي ينعكس بشكل طردي على قيم التضامن الاجتماعي بين أفراد الأمة الواحدة، حيث أصبح مفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع يعني مراعاة الأوضاع الشفهية للملزم ومراعاة مقدار الدخل بحيث يعفى منه القسم الضروري للعيش وتفرض معدلات تصاعدية على الباقي وترتفع كلما ارتفع الدخل،  كما أن أهم الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها من فرض الضرائب يتمثل في إعادة توزيع الدخول ومصادر الثروة الأخرى، ويتحقق ذلك باستخدام الضرائب التصاعدية بحيث يدفع ذوي الدخل المرتفع ضريبة نسبية أعلى من تلك التي يدفعها ذوي الدخل المحدود مع مراعاة وجود الأنفاق الحكومي، غير أن التهرب الضريبي يؤدي إلى المزيد من أنواع التهرب حيث يأخذ شكلا شمولياً بمعنى أن التهرب من الضريبة قد يؤدي إلى التهرب من ضريبة أخرى.

واعتبارا لذلك فإن تقييم حجم تأثير التهرب الضريبي وانعكاساته على الفعالية الاجتماعية ومعها الفعالية الاقتصادية الفعالية في استخدام القدرات والإمكانيات المتاحة في المنظمة لتحقيق الأهداف العامة والخاصة، من حيث إدارة الوقت وسرعة الانجاز وإدارة النوعية وتحفيز المهارات البشرية ودفعها إلى الإبداع والابتكار، مما يحقق الاستمرار والنمو والتطوير الدائم.

خلاصة، يتضح أن المواطنة هي حق أصيل لكل فرد في المجتمع، لكن إذا لم تُمارس بوعي وفهم من قبل المواطنين، قد يتسبب ذلك في اختلال العلاقة بين الدولة والمواطن، فكلما أُعطيت لهم حقوق للتمتع بها، فرضت عليهم في المقابل واجبات يجب الالتزام بها، ومن بينها واجب دفع الضرائب كما أن الالتزام بهذا الواجب هو سلوك ينبغي أن يتبناه دافعو الضرائب طواعية، كنوع من التعبير عن روح التضامن والمواطنة تجاه وطنهم، ومع ذلك يلاحظ أن شريحة كبيرة من المواطنين لا تنظر إلى الضريبة كواجب وطني مقابل الخدمات العامة، ويعود هذا إلى عدة عوامل أسهمت في تكوين هذه الفكرة لديهم، ومن بينها:

– غياب الشفافية في سياسات الإنفاق العام، وسوء إدارة المال العام، مما يشعر دافعي الضرائب بعدم الحصول على خدمات جيدة.

– نقص الوعي الضريبي لدى المواطنين بأهمية ودور الضريبة في تمويل التنمية.

– شعورهم بعدم وجود مساواة حقيقية أو متخيلة في توزيع العبء الضريبي، مما يعزز لديهم الإحساس بعدم عدالة النظام الضريبي ويقلل من التزامهم بدفع الضرائب.

– عدم رضا المواطنين عن واقعهم السياسي، سواء على مستوى الشخصيات أو السياسات، مما يدفعهم إلى عدم الالتزام بواجباتهم.

– ضعف الأخلاق العامة لدى بعض دافعي الضرائب، مثل غياب قيم الصدق والأمانة، مما يساهم في انخفاض مستويات الالتزام الضريبي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • لائحة المراجع:

 

  • صفاء البوهالي : التهرب الضريبي بالمغرب، المفهوم، الأسباب وسبل المكافحة مقال منشور بالموقع الالكتروني https://urlz.fr/svYX .
  • كيفية تعزيز ثقافة المواطنة الضريبية لدى الملزمين، مجلة اقتصاد الجديد، العدد : 16 – المجلد 2017-01.
  • الدكتور مولاي الحسن تمازي: مقال حول مكانة الثقافية الجبائية لدى النخب المغربية ومطلب الإصلاح – أستاذ التعليم العالي   كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية – سطات.
  • الفصل 27: «للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
  • محمد سليم الورياكلي: موجز” محاضرات المالية العامة”، كلية الحقوق المحمدية، السنة الجامعية 2004/2003.
  • صفاء البوهالي : التهرب الضريبي بالمغرب ، المفهوم ، الأسباب وسبل المكافحة،مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط طبعة 2020.
  • حسن عواضة المالية العامة، دار الخلود، بيروت، لبنان ، 1995.
  • مولاي الحسن تمازي. ” مصير ثقافة المواطنة في علاقة الخاضع للضريبة بالإدارة الجبائية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 4544 مايو غشت 2002.
  • ضياء أحمد حمدي التهرب الضريبي في العراق، رسالة دبلوم عالي، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد1978
  • غازي النقاش المالية العامة تحليل أسس الاقتصاديات المالية، دار وائل، عمان، 2003.
  • معين عباس الحسون أثر الوعي الضريبي في تحقيق التنمية الاقتصادية مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية العدد 2 السنة 2013.

 

  • MARTINEZ J. C. “La fraude fiscale” PUF Ed.: Que sais-je ? 1984, p.13
  • Antoine Dulin: Les mécanismes d’évitement fiscal, leurs impacts sur le consentement à l’impôt et la cohésion sociale, Diffusion Direction de l’information légale et administrative Les éditions des Journaux officiels, 2016, p:18.
  • BENSALAH Z.A. La fiscalité face au développement économique et social au Maroc LGDJ 1981 P 355

 

 

[1] صفاء البوهالي : التهرب الضريبي بالمغرب، المفهوم، الأسباب وسبل المكافحة مقال منشور بالموقع الالكتروني https://urlz.fr/svYX تم الاطلاع عليه بتاريخ 01/10/2024.

[2] كيفية تعزيز ثقافة المواطنة الضريبية لدى الملزمين، مجلة اقتصاد الجديد، العدد ،16 – المجلد 2017-01

[3] الدكتور مولاي الحسن تمازي: مقال حول مكانة الثقافية الجبائية لدى النخب المغربية ومطلب الإصلاح   – أستاذ التعليم العالي   كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية – سطات

[4] Personne physique ou morale assujettie à l’impôt et qui, à ce titre, est appelée à payer périodiquement des impôts ou des taxes conformément aux lois fiscales en vigueur.

[5]  كيفية تعزيز ثقافة المواطنة الضريبية لدى الملزمين، مجلة اقتصاد الجديد، العدد: 16 – المجلد 2017-01.

[6] الدكتور مولاي الحسن تمازي: مقال حول مكانة الثقافية الجبائية لدى النخب المغربية ومطلب الإصلاح   – أستاذ التعليم العالي   كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية – سطات.

[7] الفصل 27: «للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.

[8] محمد سليم الورياكلي: موجز” محاضرات المالية العامة”، كلية الحقوق المحمدية، السنة الجامعية 2004/2003.

[9] صفاء البوهالي : التهرب الضريبي بالمغرب ، المفهوم ، الأسباب وسبل المكافحة، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط طبعة 2020. ص331.

[10] MARTINEZ J. C. “La fraude fiscale” PUF Ed.: Que sais-je ? 1984, p.13

[11] Antoine Dulin: Les mécanismes d’évitement fiscal, leurs impacts sur le consentement à l’impôt et la cohésion sociale, Diffusion Direction de l’information légale et administrative Les éditions des Journaux officiels, 2016, p:18.

[12] حسن عواضة المالية العامة، دار الخلود، بيروت، لبنان ، 1995 ، ص: 391

[13] مولاي الحسن تمازي. ” مصير ثقافة المواطنة في علاقة الخاضع للضريبة بالإدارة الجبائية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 4544 مايو غشت 2002، ص: 72.

[14] معين عباس الحسون أثر الوعي الضريبي في تحقيق التنمية الاقتصادية مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية العدد 2 السنة 2013، ص: 144.

[15] ضياء أحمد حمدي التهرب الضريبي في العراق، رسالة دبلوم عالي، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد 1978 ص 99.

[16] BENSALAH Z.A. La fiscalité face au développement économique et social au Maroc LGDJ 1981 P 355

[17] غازي النقاش المالية العامة تحليل أسس الاقتصاديات المالية، دار وائل، عمان، 2003، ص:180.

[18] الطاهر القضاوي : التهرب الضريبي وسبل الحد منه، مجلة الجرائم المالية من خلال قرارات المجلس الأعلى، الندوة الجهوية السابعة، دار الطالبة، وجدة -31 مايو –فاتح يونيو 2007 ص 376.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى