ماجستير في العلوم القانونية و الإدارية – تخصص قانون و صحة – باحث في قسم الدكتوراه – جامعة سيدي بلعباس – الجزائر –
أستاذ مساعد متعاقد بمعهد الحقوق.
مقـدمـة.
إن الجزاء القانوني المترتب عند قيام المسؤولية المدنية بصفة عامة يتمثل في التعويض بخلاف المسؤولية الجنائية أو الجزائية والتي يكون فيها الجزاء متمثلا في العقوبة أو تدابير الأمن (1) .
وبإعتبار المسؤولية المدنية للطبيب جزء من المسؤولية المدنيـة بصفة عامة ولا تختلف عنها بموجب أحكام قانونية خاصة فإن الجزاء المترتب في حالة ثبـوت مسؤولية الطبيب بأركانها المتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقــة السببية يتمثل في التعويض (2).
ومما تجدر الإشارة إليه وطبقا لما سبق ذكره فإن الطبيب ملــزم قانونا بإكتتاب تأمين على مسؤوليته المدنية وفي هذه الحالة تتحمل شركة التأمين القيام بتسديـد التعويض المحكوم به لصالح المريض المضرور طبقا لما تقرره الأحكام القانونية المتعلقـــة بالتأمين .
وعليه سوف نتطرق من خلال هذا البحث إلى دراسة التعويض وأحكامه القانونية ضمـــن المطلب الأول ثم نتطرق في المطلب الثاني إلى دراسة التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيـب .
المطلب الأول : التعويض وأحكامه القانونية .
إن دراسة الأحكام القانونية للتعويض كجزاء يترتب على قيام المسؤولية المدنية للطبيــب يتطلب منا التطرق إلى دراسة ماهية التعويض وأنواعه في فـرع أول ثم نتطرق في الفرع الثاني إلى مسألة تقدير التعويض ثم تخصص الفرع الثالث لموضـوع الخبرة القضائية كوسيلة لتقدير التعويض .
(1) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , مصادر الإلتزامات وأحكامها في القانون الجزائري , المؤسسة الوطنية للكتاب , طبعة 1983, صفحة رقم 136 .
(2)المستشار منير رياض حنا , النظرية العامة للمسؤولية الطبية , دار الفكر الجامعي , الإسكندرية , طبعة 2011 , صفحة رقم 777 .
الفرع الأول : ماهية التعويض وأنواعه .
البند الأول : ماهية التعويض.
يمكن تعريف التعويض عامة بأنه ” جزاء الإنحراف في السلوك الذي سبب ضررا للغير وبالتالي يجب أن يتحمل المسؤول في ذمته بكل نتائج هذا الإنحراف أي التعويض العادل ” أما في ميدان المسؤولية الطبية فيمكن تعريفه بأنه ” جزاء قيام المسؤولية المدنية في ذمـة الطبيب وهو البدل النقدي الذي يدفعه الطبيب لمريضه تعويضا له عن الضرر اللاحق به مــن جراء خطئه ” وبمعنى أخر فهو ” جزاء قيام المسؤولية المدنية المترتبة عن خطأ الطبيب الـذي سبب ضررا للمريض” .
والتعويض قد يكون في صورة عينية أي بإلتزام المسؤول بإعادة الحال إلى ما كانت عليه من قبل وقوع الفعل الضار ويتعين على القاضي أن يحكم بذلك إذا كان ممكنا وبناء على طلب المضرور .
ولكن نظرا لأن التعويض العيني يبدوا عسيرا في مجال المسؤولية المدنية للطبيب فإن الغالب هو أن يكون التعويض بمقابـل و بصفة خاصة يكون في صورة نقدية (1) .
وعليه وفي حالة ما إذا ثبتت مسؤولية الطبيب عما لحق المريـض من ضرر فإنه يتعين على القاضي إلزامه بالتعويض جبرا للضرر اللاحق بالمريض وهذا هـو المعنى الذي نصت عليه المادة 124 من القانون المدني الجزائري بقولها ” كل فعل أيا كـان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ” (2) .
(1) عشوش كريم , العقد الطبي , دار هومه للطباعة و النشر و التوزيع , الجزائر , طبعة 2007 , صفحة رقم 209 . (2) أحمد عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري , دار الثقافة للنشر والتوزيع , طبعة 2005 , صفحة رقم 160.
البند الثاني : أنواع التعويض .
إن التعويض عن الضرر قد يكون إما عينيا متى كان ذلك ممكنا وإما بمقابل .
أولا : التعويض العينـي .
التعويض العيني هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل الضار وهنا فيما يتعلـق بالمسؤولية المدنية للطبيب والتي تعتبر عند الراجح من الفقه و القضاء بأنها مسؤوليـة عقدية فالتعويض العيني هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد أي قبل إنعقاد العقـــد الطبي بين المريض والطبيب .
والقاضي في هذه الحالة ملزم بالحكم بالتعويض العيني متى كان ذلك ممكنا طبقا لنص المادة 164 من القانون المدني الجزائري التي تنص ” يجبر المدين بعد أعذاره طبقا للمادتين 180–181 على تنفيذ إلتزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا “(1) .
غير أنه و طبقا لما سبق التطرق إليه فإن التعويض العيني مستبعد تطبيقه فيما يتعلق بالمسؤولية الطبية بصفة عامة نظرا لطبيعـة الخطأ والضرر الناجم عنه والذي لا يمكن في غالبية الأحيان إصلاحه عينا وهذا ما يدفع القاضي إلى الحكم بالتعويض بمقابل وهو التعويض المالي أو النقدي .
وعليه فإن التعويض العيني هو أن يأمر القاضي بإعادة الحال إلى ما كانت عليه (2) ويشترط في التعويض العيني أن يكون ممكنا وأن لا يكون فيه إرهاق للمدين وأن يكون حسب مقتضيــات الظروف وأن يطالب به المضرور وهذا النوع من التعويض في مجال المسؤولية الطبية أمر نادر جدا (3) .
(1) أحمد حسن عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري , المرجع السابق , صفحة رقم 162.(2) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , المرجع السابق , صفحة رقم 174 .
(3) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة في القانون الجزائري والمقارن , دار هومة للطباعة والنشر, طبعة 2009 , صفحة رقم 210.
ثانيا : التعويـض بمقابـل .
التعويض بمقابل يكون عند إستحالة التعويض العيني والغالب فيه أن يكون تعويضا نقديــا بـل إنه الأصل حسب ما نصت عليه المادة 132 فقرة 02 من القانون المدني الجزائري بــأن التعويض يقدر بالنقد وهي الصورة الغالبة في دعاوى المسؤولية المدنية على الأطباء (1) .
ويغلب على التعويض النقدي أن يكون جملة واحدة أو دفعة واحدة ولكن لا يوجد أي مانع يمنع القاضي من أن يحكم بالتعويض على شكل أقساط أو دفعات خلال مدة زمنية معينة أو أن يحكـم بالتعويض في صورة إيراد مرتب لمدى حياة المضرور ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المديـن بالتعويض على تقديم تأمين .
وعليه يمكن تعريف بمقابل على أنه : المبلغ المالي الذي يحكم به القاضي لصالح المضــرور جبرا للضرر المادي والمعنوي اللاحق به ويقع الإلتزام بالوفاء به على عاتق المسؤول عـــن حدوث الضرر بخطئه .
وعليه في مجال المسؤولية المدنية للطبيب فإن التعويض بمقابـل هو المبلغ المالي الذي يحكم به القاضي للمريض المتضرر من خطأ الطبيب جبرا للضرر المادي والمعنوي اللاحق به ويكون الإلتزام بالوفاء بقيمة التعويض علـى عاتق الطبيب .
وبعد أن تطرقنا إلى ماهية التعويض وأنواعه كجزاء المسؤولية المدنية للطبيب سوف نتطرق في الفرع الموالي إلى مسألة تقدير التعويض .
(1) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 210. (2) الدكتور محمد حسنين , الوجيز في نظرية الإلتزام , المرجع السابق , صفحة رقم 174 .
الفرع الثاني : تقديـر التعويـض.
يستقر القضاء على أن التعويض يقدر بقدر الضرر فلا يزيد التعويض عن الضرر وهذا أمـر متروك للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع فهذا يعد من الوسائل الواقعية التي يستقل قاضـي الموضوع بتقديرها دونما رقابة عليه من محكمة النقض أو المحكمة العليا .
أما تعيين العناصر المكونة قانونا للضرر والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض فتعد من مسائل القانون التي يخضع فيها تقدير قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض لأن هذا يعد من قبيل التكييف القانوني للوقائع (1) .
ويشتمل التعويض ما لحق المريض من خسارة وما فاته من كسب وكذلك الضرر المعنـوي والأدبي اللاحق به إلا أن الضرر الذي يؤخذ في الحسبان هو الضرر المباشر .
ويراعى في تقدير التعويض الظروف الملابسة للمضرور كحالته الجسمية والصحية وظروفه العائلية والمهنية وحالته المالية (2) .
ولقد حددت المادة 182 من القانون المدني الجزائري بنصها ” إذا لم يكن التعويض مقدرا فـي العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره ويشتمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالإلتزام أو للتأخر في الوفاء به ويعتبــر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في إستطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول .
غير أنه إذا كان الإلتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيما إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد “.
فمعيار التقدير الذي حددته المادة 182 السالفة الذكر للقاضي هو مدى ما أصاب المريــض المتضرر من ضرر وذلك بحسب ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب وأن المعيار في ذلـك شخصي بحيث يعتد فيه بالأضرار التي أصابت الشخص المضرور نفسه وحسب ظروفـــه الشخصية وطبيعة عمله وهي تختلف من مضرور لآخر (3) .
(1) الدكتور محمد حسنين , المسؤولية الطبية , المرجع السابق , صفحة رقم 187 .
(2) المستشار منير رياض حنا, المرجع السابق , صفحة رقم 778. (3) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 212.
فهناك معياران لتقدير التعويض معيار موضوعي ثابت لا حساب فيه للظروف الشخصية وهو التعويض عن الضرر الجسماني بمفهومه الضيق ومعيار شخصي يعتد فيه بالأضرار التـي أصابت الضحية المضرور بمراعاة ظروفه الشخصية وطبيعة عمله ويترتب على هذا المعيـار الأخير ضرورة مراعاة الضرر المستقبلي فلا يشمل التعويض الضرر الحالي فقط بل يمتد ليشمل الضرر الذي سيقع حتما من جراء العجز عن الكسب مستقبلا وهو ما تطرق إليه القانـــون المدني الجزائري في المادة 131 التي نصت على ” يقدر القاضي مدى التعويض عن الضــرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادتين 182-182 مكرر مع مراعاة الظروف الملابسة فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يقدر مدى التعويض بصفة نهائية فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بالنظر من جديد في التقدير ” .
فالتعويض الجابر للضرر جبرا عادلا ينبغي أن يراعي في تقديره الأضرار الناتجة عن فقــد القدرة على العمل أو الحد منها وكذا تكاليف العلاج وخسارة الأجر والفرص المالية التي كانـت متاحة للمريض المضرور لو لم يحصل له الضرر الجسدي وكذا الألأم النفسية التي أصابته مـع العلم أن القاضي وهو يقدره لا رقابة عليه من المحكمة العليا ما دام قد حدد العناصر التي إستنـد إليها في تقديره للتعويض لأن هذه العناصر تعتبر من مسائل القانون التي يخضع في تكييفهــا لرقابة المحكمة العليا (1) .
ومن المعلوم أن التعويض لا يقدره القاضي إلا في حالة عدم وجود تقدير قانوني له أو إتفاقـي ففي بعض الحالات يكون التعويض محدد ومقدرا بموجب القانون كما هو الحال في تعويضـات حوادث المرور وحوادث العمل كما قد يكون التعويض محدد إتفاقا وهي الصورة الغالبة فـي المسؤولية العقدية فقد خولت المادتان 183-184 من القانون المدني الجزائري ذلك(2) تنص المادة 183 “يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في إتفاق لاحق وتطبق في هذه الحالة أحكام المواد 176 إلى 181 “.
وتنص المادة 184 ” لا يكون التعويض المحدد في الإتفاق مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ويجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ويكون باطلا كل إتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعلاه ” .
(1) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 213. (2) نفس المرجع , صفحة رقم 214 .
الفرع الثالث: وقت تقدير التعويض .
إذا كان الحق في التعويض أي في إصلاح الضرر ينشأ منذ إستكمال أركان المسؤوليـــة وبصفة خاصة منذ وقوع الضرر إلا أن هذا الحق لا يتحدد إلا بحكم القاضي ويعتبر هذا الحكم حكما كاشفا يكشف عن الحق في التعويض وليس حكما منشئا. والحكم وإن لم يكن مصدر الحق في التعويض إلا أنه له أثر محسوس في هذا الحق فهو الذي يحدد عناصره وطبيعته ويجعله مقوما نقدا (1) .
فالحق في التعويض ينشأ من وقت توافر أركان المسؤولية المدنية للطبيب ومن هذا الوقت يسري التقادم ومن هذا الوقت يملك المضرور أن يتصرف في حقه كما أن القانون الذي ينطبق هو القانون النافذ والساري المفعول وقت توافر أركان المسؤولية المدنية وليس القانون النافذ وقت صدور الحكم .
ويرد بعض شراح القانون الحق إلى الخطأ أو العمل الغير مشروع فيقولون بأن الحق فـــي التعويض ينشأ من وقت وقوع الخطأ غير أن هذا الرأي تعوزه الدقة فالخطأ وحده لا ينشئ الحق في التعويض إنما ينشأ هذا الحق بتوافر ركن الضرر .
ولقد جرى القضاء في فرنسا ومصر على أنه يجب تقدير التعويض على أساس جميع الظـروف يوم صدور الحكم النهائي لا على أساس ما كانت عليه وقت وقوع الضرر ومن ثم يدخل القاضي في حكمه ما آل إليه الضرر زيادة أو نقصا وإنخفاض قيمة النقود وإرتفاع الأسعار وهذا هو أسلـم الحلول لتحقيق التعويض بالكامل (2) .
ولقد إستقر قضاء محكمة النقض الفرنسية حديثا على وجوب الإعتداد بزيادة الأسعار اللاحقـة على صدور الحكم النهائي في تقدير التعويض عن الضرر الجسدي الدائم وذلك بربط التعويـض المحكوم به في صورة إيراد دوري تتغير قيمة النقد حتى يتسنى مسايرة التعويض لتغير القيمـة النقدية (3) .
(1) الدكتور محمد حسنين , المسؤولية الطبية , المرجع السابق , صفحة رقم 189 .
(2) المستشار منير رياض حنا , المرجع السابق , صفحة رقم 780.
(3) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 211.
ويثير تقدير التعويض عن الضرر الطبي بصفة عامة صعوبات خاصة فيما يتعلق بالوقت الذي يتم فيه هذا التقدير إذ أن الضرر الذي يصيب المريض قد يكون متغيرا وقد لا يتيسر تعيين مداه تعيينا نهائيا وقت صدور الحكم.
لذلك فإنه من المقرر قانونا أنه إذا لم يتيسر للقاضي وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعيينا نهائيا فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير (1) .
ولقد نصت المادة 131 من القانون المدني الجزائري ” يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادتين 182 و 182 مكرر مع مراعاة الظروف الملابسة فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يقدر التعويض بصفة نهائية فله أن يحتفظ للمضرور بالحق فـي أن يطالب خلال مدة معينة بالنظر من جديد في التقدير ” .
وفي الأخير فإنه يجوز للقاضي أن يقدر التعويض المحكوم به لصالح المريض المضرور فــي صورة إيراد مرتب مدى الحياة مع جواز أن يشترط القاضي تقرير تأمين لذلك على عاتق المدين طبقا لما نصت عليه المادة 132 فقرة 01 من القانون المدني الجزائري بنصها ” يعين القاضـي طريقة التعويض تبعا للظروف ويصح أن يكون التعويض مقسطا كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدر تأمينا “.
(1) الدكتور محمد حسين منصور , المسؤولية الطبية , دار الجامعة الجديدة للنشر , طبعة 1999 , صفحة رقم 189 .
المطلب الثاني : التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيب.
لقد أدى تقرير مسؤولية الأطباء عن الأخطاء التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لعملهم الطبي إلى إنتشار الوعي القانوني لدى المرضى ضحايا الأخطاء الطبية وهذا ما أدى بدوره إلى كثـرة القضايا المطروحة أمام القضاء لتقرير مسؤولية الأطباء بصفة عامة عن تلك الأخطاء التي تسببت في أضرار للمرضى ومؤاخذتهم عليها وإلزامه بتعويض تلك الأضرار.
وقد تؤدي الملاحقة القضائية للطبيب بسبب الخطأ الطبي الذي إرتكبه إلى أحجام الكثير عن ممارسة مهنة الطب وغلق عشرات العيادات الطبية والمستشفيات بسبب ذلك ولخسر الأطباء معظم ما يكسبونه من وراء عملهم لدفع التعويضات لمرضاهم ضحايا الأخطاء الطبية.
لذلك كان لزاما البحث عن حل عادل لإرضاء كلا الطرفين المريض والطبيب فلا يضيع حـق المريض في الحصول على التعويض عن الضرر الذي أصابه من جهة ومن جهة ثانية توفيـر ضمانة وأمن للطبيب لممارسة عمله بحرية تامة وتشجيعه على الإجتهاد العلمي خدمة للتطور العلمي في ميدان الطب مما دفع بمعظم التشريعات إلى وضع نظام قانوني يكفل ذلك يتمثل في نظام التأمين عن المسؤولية الطبية ومن بين تلك التشريعات القانون الجزائري الذي ينص على إلزامية التأمين في المجال الطبي من خلال قانونية التأمينات الجزائري (1) .
وقد وجهت بعض الإنتقادات لنظام التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيب من بينها أنه يشجع الأطباء على الإهمال والتقصير في أداء واجبهم ما دام أن شركة التأمين هي التي تدفع التعويض ورغم ذلك فإن نظام التأمين عن المسؤولية المدنية للأطباء يكتسي أهمية بالغة والدليل على ذلك هو إعتبار المشرع الجزائري أن التأمين إلزامي عن المسؤولية المدنية الطبية.
طبقا لما سبق سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى أحكام التأمين عن المسؤولية المدنيـة بصفة عامة في الفرع الأول ثم نتطرق إلى أحكام التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيـب في فرع ثان ثم نتطرق في الفرع الثالث إلى أثار التأميـن عن المسؤولية المدنية للطبيب .
(1) قانون التأمين الصادر بموجب الأمر 95-07 مؤرخ في 25 يناير سنة 1995 معدل ومتمم بالقانون رقم 06-04 مؤرخ في 20فبراير 2006 يتعلق بالتأمينات والقانون رقم 06-24 مؤرخ في 26-12-2006 والمتضمن قانون المالية لسنة 2007 والأمر رقم 08-02 مؤرخ في 24 جويلية 2008 والمتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2008 والأمر رقم 10-01 المؤرخ في 26 أوت 2010 والمتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2010.
الفرع الأول : أحكام التأمين على المسؤولية المدنية .
إن التأمين من المسؤولية المدنية بنوعيها التقصيري والعقدي هو عقد يبرمه أي شخص مــع إحدى شركات التأمين موضوعه ضمان مسؤوليته المدنية تجاه الغير مقابل دفعه أقساط ماليــة دورية محددة وقد نصت المادة 619 من القانون المدني الجزائري على ” التأمين عقد يلتــزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي إشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيراد أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقيق الخطر المبين بالعقــد وذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن ” .
وينبغي عدم الخلط بين التأمين عن المسؤولية المدنية وبين الإتفاق على الإعفاء منها أو التخفيف من عبئها فالأول يختلف عن الثاني من جهة أنه يرفع عن المسؤول عن الضرر عبئ دفـــع التعويض للمتضرر وبالتالي لا يحرم هذا الأخير من حقه في التعويض وقد أضحى نظام التأمين من المسؤولية المدنية منتشرا في الحياة العملية بفضل إنتشار شركات التامين والمزايـا التي توفرها هذه الأخيرة للمؤمنين (1) .
فقد صار من اليسير على أي شخص مهما كانت صفته أن يؤمن على مسؤوليته المدنية تجـاه الغير لتعويض ما ينتج عن خطئه من أضرار مهما كان نوع الخطأ عقديا أو تقصيريا مفترضا أو ثابتا يسيرا أو جسيما .
وهناك نوعين من عقود التأمين الأول ضد الحوادث وهو الإتفاق الذي يعقده الشخص مع شركـة التأمين للتعويض عن الأضرار التي يحتمل أن تصيبه بسبب وقوع نوع معين من الأفعال الضارة أما النوع الثاني فهو التأمين من المسؤولية وهو الإتفاق الذي يعقده الشخص مع شركة التأميــن لتغطية مسؤوليته عما يحدثه بالغير من أضرار ويترتب عليه إلتزام شركة التأمين بدفع قيمــة التعويض للمتضرر (2) .
(1) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 218.
(2) جديدي معراج , مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري , ديوان المطبوعات الجامعية , طبعة 2010 , صفحة رقم 10.
وتنص المادة 56 من قانون التأمينات الجزائري “ يضمن المؤمن التبعات المالية المترتبة على مسؤولية المؤمن له المدنية بسبب الأضرار اللاحقة بالغير ” .
ويتميز عقد التأمين عن المسؤولية المدنية بأنه عقد تأمين عن الأضرار وهو يخرج عن إطـار التأمين عن الأشخاص فالخطر المؤمن منه هو المحدد لهذه الخاصية أو الميزة والخطر المؤمـن منه هو ما يمكن أن يصيب المؤمن له من الخسارة المالية التي قد يتعرض لها بسبب رجــوع المضرور عليه بدعوى المسؤولية أما الميزة الثانية أن عقد التأمين يعتبر ملجأ من المخاطر التي تهدد الأشخاص وتستنزف طاقاتهم المادية والمؤمن على المسؤولية المدنية تهدده إمكانية تقريــر مسؤوليته المدنية ومطالبة المضرور له بالتعويض (1) .
أما من حيث الإنتفاع بالمبلغ الواجب على المؤمن أدائه ضمانا لتعويض الضرر الذي تسبب فيه المؤمن له فقد نصت على ذلك المادة 59 من قانون التأمينات الجزائري بنصها “ لا ينتفع بالمبلغ الواجب على المؤمن أو بجزء منه إلا الغير المتضرر أو ذو و حقوقه ما دام هذا الغير لم يستوف حقه في حدود المبلغ المذكور من النتائج المالية المترتبة عن الفعل الضار الذي يسبب مسؤولية المؤمن له ” .
الفرع الثاني : أحكام التأمين على المسؤولية المدنية للطبيب .
تنص المادة من قانون التأمينات الجزائري على “ يجب على المؤسسات الصحية المدنية وكـل أعضاء السلك الطبي والشبه طبي والصيدلاني الممارسين لحسابهم الخاص أن يكتتبوا تأمينـــا لتغطية مسؤوليتهم المدنية المهنية تجاه مرضاهم وتجاه الغير ” .
يتضح من هذا النص القانوني أن الطبيب ملزم بإكتتاب تأميــن لتغطية مسؤوليته المدنية عن الأخطاء التي قد يرتكبها بمناسبة ممارسته لمهنته وعمله الطبي تجاه مرضاه وتجاه الغير الذين قد يلحقهم ضرر مادي أو معنوي من جراء تلك الأخطاء.
(1) الطالبة دهقان حميدة , التأمين على المسؤولية الطبية , مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير , تخصص قانون خاص , المركز الجامعي بشار , السنة الجامعية 2006/2007 , صفحة رقم 64.
وإنطلاقا من الأحكام العامة والمتعلقة بالتأمين على المسؤولية المدنية للطبيب المترتبة عن الأضرار التي تلحق المريض أثناء مباشرته للعلاج عليه سواء كان ذلك عن فعلـه الشخصي أو بسبب إستعمال الأجهزة والأدوات الطبية لتنفيذ عمله الطبي أو مسؤوليته عمن يساعدونه ويستعملهم في تنفيذ إلتزامه الطبي بعلاج المريض (1) .
ويقوم الطبيب التأمين على مسؤوليته المدنية عن طريق إبـرام عقد تأمين مع شركة التأمين هذه الأخيرة التي تقوم بتغطية التعويضات التي يحكم بها لصالــح المريض المضرور أوالغير عند إنعقاد مسؤولية الطبيب المدنية في مقابل أن يقوم هذا الأخير بدفع أقساط مالية دورية لشركة التأمين وطبقا لنص المادة 167 مـن قانون التأمينات السالفة فإن قيام الطبيب بإكتتاب تأمين عــــن مسؤوليته المدنية يعتبر إلتزام إجباري وإلزامي يقع على عاتقه تحت طائلة عقوبات جزائية طبقا لنص المادة 184 من قانون التأمينات الجزائري(2) .
فالتأمين من المسؤولية المدنية الطبية هو إجراء إلزامي يشبه إلزامية التأمين من حـــوادث السيارات ولقد لاحظ بحق الفقيه سافايتيه ” أنه لا محل للتشبيه بين التأمين من المسؤولية الطبيـة وبين التأمين عن مسؤولية سائق السيارة ذلك أن الطبيب له دور إيجابي في معالجة مريضــه خلافا لدور سائق السيارة كما أن الأول لا يفترض فيه الخطأ بينما الثاني مفترض فيه ذلك “(3) .
ولقد وجه لنظام التأمين عن المسؤولية الطبية العديد من الإنتقاد مؤداه أن هذا النظام يؤدي إلى عدم العدالة ذلك أن الطبيب الحاذق والناجح في عمله يجد نفسه مساهما في تعويض الضرر الذي تسبب فيه غيره من الأطباء المهملين كما أن هذا النظام يؤدي إلى تشجيع الإهمال والرعونة والإتكال وعدم الإجتهاد من الأطباء في رعاية مرضاهم وأداء واجبهم على أتم وجه.
(1) حروزي عز الدين , المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة , المرجع السابق , صفحة رقم 222. (2) تنص المادة 184 من قانون التأمينات الجزائري على ” يعاقب على عدم الإمتثال لإلزامية التأمين المشار إليها في المواد من 163 إلى 172و174 أعلاه بغرامة مالية يتراوح مبلغها بين 5.000 دج و 100.000 دج …….).
(3) نفس المرجع , صفحة رقم 223 .
الفرع الثالث : أثار التأمين على المسؤولية المدنية للطبيب .
يتمثل عقد التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيب في نشـوء علاقة قانونية في هذا العقد تتجلى في علاقة المؤمن بالمؤمن له ثم علاقة المضرور بالمؤمــن وأخيرا علاقة المؤمن بمحدث الضرر في التأمين عن المسؤولية المدنية عن خطأ الغير وعليـه سنتناول هذه العلاقات الثلاث ضمن ثلاثة بنود متتابعة .
البند الأول : علاقة المؤمن بالمؤمن له .
ينظم هذه العلاقة عقد التأمين الذي يرتب إلتزامات قانونية في ذمة المؤمن ( شركة التأمين) وإلتزامات على عاتق المؤمن له وهو الطبيب.
أولا: إلتزامات المؤمن له ( الطبيب) .
تنص المادة 619 من القانون المدني الجزائري “ التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يـؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي إشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيراد أو عـوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك مقابل قسط أو أية دفعـة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن ” وقد نصت على نفس المعنى المادة 02 من قانـون التأمينات الجزائري .
والطبيب ملزم قانونا وإجباريا بالتأمين على مسؤوليته المدنية طبقـا لنص المادة 167 من قانون التأمينات الجزائري وبالتالي عليه إبرام عقد تأمين مع إحدى شركات التأمين ويترتب عليه بموجب عقد التأمين إلتزامات قانونية تتمثل في قيامه بدفع أقساط التأمين في مواعيدها المحددة بالعقد والقيام بجميع الإلتزامات التي ترتبها وثيقة التأمين وقسط التأمين هـو المبلغ المالي المحدد الذي يدفعه المؤمن له لشركة التأمين مقابل تحمل شركة التأمين تبعـة المسؤولية المدنية الناجمة عن الأضرار التي تلحق بالأشخاص بسبب خطأ الطبيب أثناء أدائه لعمله الطبي (1) .
(1) أحمد حسن عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام الأردني والنظام القانوني الجزائري , المرجع السابق , صفحة رقم 184.
ويلتزم المؤمن له بتقديم بيانات صحيحة متضخمة الوقائع الجوهرية لمحل عقد التامين الطبي المتمثل بالخطر ويجب إعلام شركة التأمين بجميع المعلومات التي تمكنها من تقدير الخطر فيجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبطريقة تتفق مع حسن النية .
ولقد نصت المادة 15 من قانون التأمينات الجزائري على ” يلزم المؤمن له :
1- بالتصريح عند إكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف المعروفة لديه ضمن إستعارة أسئلـة تسمح للمؤمن بتقدير الأخطار التي يتكفل بها .
2- بدفع القسط أو الإشتراك في الفترات المتفق عليها .
3- بالتصريح الدقيق بتغير الخطر أو تفاقمه إذا كان خارجا عن إرادة المؤمن له خلال سبعـة (7) أيام إبتداء من تاريخ إطلاعه عليه إلا في الحالة الطارئة أو القوة القاهرة .
– بالتصريح المسبق للمؤمن بتغير الخطر أو تفاقمه بفعل المؤمن له .
– في كلتا الحالتين يقدم التصريح للمؤمن بواسطة رسالة مضمونة مع الإشهار بالإستلام .
4- بإحترام الإلتزامات التي إتفق عليها مع المؤمن وتلك التي يفرضها التشريع الجاري به العمل لاسيما في ميدان النظافة والأمن لاتقاء الأضرار و/ تحديد مداها .
5- تبليغ المؤمن عن كل حادث ينجز عنه الضمان بمجرد إطلاعه عليه وفي أجل لا يتعـدى سبعة (7) أيام إلا في الحالة الطارئة أو القوة القاهرة وعليه أن يزوده بجميع الإيضاحـات الصحيحة التي تتصل بهذا الحادث وبمداه كما يزوده بكل الوثائق الضرورية التي يتطلبها منـه المؤمن …..) .
ثانيا : إلتزامات المؤمن ( شركة التأمين ) .
الأصل في الإلتزامات في ضمان المسؤولية المدنية ( محل التأمين) أن يكون المؤمن ضامنا لكل ما ينجم من تكاليف فمتى طولب المؤمن له مطالبة ودية أو قضائية بتعويض عن ضرر يقع تحت مسؤولية المؤمن له يكون داخلا في دائرة التأمين سواء دخل المؤمن في دعوى المسؤولية أم لم يدخل (1) .
(1) جديدي معراج , مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري , المرجع السابق , صفحة رقم 74 .
ويجب على المؤمن كفالة وضمان المؤمن له عن جميع مصاريف وتكاليف المطالبة القضائيـة ولو كانت من غير أساس ويلتزم المؤمن بضمان التعويض بمقدار ما تحقق من مسؤولية علــى عاتق المؤمن له من غير زيادة أو نقصان بشرط ألا يزيد عن المبلغ المتفق عليه في عقد التأمين.
وعليه فإن شركة التأمين بصفتها المؤمن في عقد التأمين تضمن في حالة قيام المسؤولية المدنية للطبيب نتيجة الضرر الذي أصاب المريض المضرور بسبـب خطأ الأول سـواء وقع هذا الخطأ في التشخيص أو العلاج أو خلال العمل الجراحي أو الخطأ في التخذيـر أو وقع الضرر وقت الإستشارة الطبية ويشتمل التأمين كذلك ما ينسب للطبيب من أضرار أو أخطار عن الآلات و الأجهزة الطبية التي يستعملها في تنفيذ إلتزامه بعلاج المريض (1).
وقد نص قانون التأمينات الجزائري على إلتزامات المؤمن ضمن المادة 12 منه والتي تنص ” يلتزم المؤمن :
1- تعويض الخسارة والأضرار:
أ – الناتجة عن الحالات الطارئة .
ب- الناتجة عن خطأ غير متعمد من المؤمن له.
ج- التي يحدثها أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم طبقا للمواد من 134إلى 136
من القانون المدني كيفما كانت نوعية الخطأ المرتكب وخطورته .
د- التي تسببها أشياء أو حيوانات يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنها بموجب المواد من 138 إلى 140 من القانون المدني .
– تقديم الخدمة المحددة في العقد حسب الحالة عند تحقق الخطر المضمون أو عند حلول أجـل العقد ـ ولا يلزم المؤمن بما يفوق ذلك ” .
وقد نص قانون التأمينات الجزائري على طريقة دفع التعويض وأحكامه القانونية ضمن المـادة 13 والمادة 14 منه .
(1) أحمد حسن عباس الحياري , المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء القانون الأردني والنظام القانوني الجزائري , المرجع السابق , صفحة رقم 186.
تنص المادة 13 على “ يدفع التعويض أو المبلغ في العقد في أجل تنص عليه الشروط العامة لعقد التأمين .
ويجب أن يأمر المؤمن بإجراء الخبرة عندما تكون ضرورية في اجل أقصاه سبعة (07) أيام إبتداء من يوم إستلام التصريح بالحادث .
يجب على المؤمن أن يعمل على إيداع تقريرالخبرة في الآجال المحددة في عقد التأمين ” .
وتنص المادة 14 ” إذا لم يدفع التعويض المذكور في المادة 13 أعلاه في الآجال المحددة فــي الشروط العامة لعقد التأمين يحق للمستفيذ طلب هذا التعويض بإضافة الفوائد عن كل يوم تأخيـر على نسبة إعادة الخصم ” .
البند الثاني : علاقة المضرور بالمؤمن .
إن المضرور في نطاق المسؤولية المدنية للطبيب يعد أجنبيا عن عقد التأمين من هذه المسؤولية وهذا الوضع يحول دون رجوعه على المؤمن في حالة عـدم إستطاعته الحصول على حقه من المؤمن له ولا يمكن له ذلك إلا عن طريق الدعوى الغيـر مباشرة إستعمالا لحق مدينه محدث الضرر فالمريض المضرور وتطبيقا للقواعد العامة الواردة في القانون المدني لن يستطيع أن يقتضي حقه في التعويض من شركة التأمين إلا باللجوء إلـى إجراءات الدعوى الغير مباشرة والمشرع الجزائري وتفاديا للنقد الموجه لإجراءات الدعــوى الغير مباشرة قد خول للمضرور دعوى مباشرة ضد شركة التأمين بموجب نصوص قانونيــة خاصة وهذا ما تقتضيه العدالة التي تكفل للمضرور الحق بالحصول على التعويض عن الضرر اللاحق به كما أجاز المشرع الجزائري للمضرور أن يدخل شركة التأمين كمدخل في الخصـام بصفتها المسؤول المدني في دعوى المسؤولية المدنية ضد الطبيب (1) .
(1) جديدي معراج , مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري , المرجع السابق , صفحة رقم 85 .
البند الثالث : علاقة المؤمن بمحدث الضرر في التأمين من المسؤولية عن عمل الغير .
في هذه الحالة لا يكون الخطأ الذي أحدث الضرر بالمريض المضرور صادر عن الطبيب وإنما يكون صادر عن الغير الذي يستعملهم في تنفيذ إلتزاماتـه بموجب العقد الطبي تجاه المريض ويتحقق ذلك في مسؤولية الطبيب عن أخطاء تابعيه ومعاونيه .
وقد نصت المادة 12 من قانون التأمينات الجزائري في فقرتها الرابعة على “ يلتزم المؤمن:
1- تعويض الخسائر والأضرار :
ج- التي يحدثها أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم طبقا للمواد من 134 إلى 136 من القانون المدني كيفما كانت نوعية الخطأ المرتكب وخطورته ” .
والغالب في عقود التأمين أن يشترط المؤمن في عقد التأمين بأن يتنازل المؤمن له عن دعواه بالرجوع على الغير الذي إرتكب الضرر لصالح المؤمن بموجب ما يسمى بالحلول الإتفاقي وإذا إنتفى مثل هذا الشرط تطبق القواعد العامة بمعنى أنه لا يجوز للمؤمن الحلول محل المؤمن له في الرجوع بالتعويض على الغير الذي صدر منه الخطأ الذي سبب الضرر الموجب للتعويـض لصالح المضرور بسبب إنتفاء أي نص قانوني يتضمن أي حلول للمؤمن مكان المؤمن له لإنتفـاء أي نص قانوني أو إتفاقي يجيز ذلك .
خـاتمــة.
من خلال هذه البحث يمكن إستنتاج النتائج التالية :
إن المقصود بالجزاء القانوني المترتب على المسؤولية المدنية للطبيب هو التعويض عن الضرر المترتب عن خطئه ويقصد به كذلك جبر الضرر اللاحق بالمريض و هو يختلف عن العقوبة من حيث أن هذه الأخيرة يقصد بها الجزاء على الجريمة ويترتب عن ذلك أن التعويض يكون بقدر الضرر في المسؤولية المدنية للطبيب بينما الجزاء الجنائي يكون بحسب جسامة سلوك الجاني.
ويتصور في التعويض أن يكون عينيا كما يتصور فيه أن يكون نقديا وتقدير التعويض عن الضرر متروك للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع بإعتباره من مسائل الواقع التي يستقل القاضي بتقديرها.
و نظرا لأن التعويض العيني أي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر يعد من الأمور الصعبة في مجال المسؤولية الطبية فإن الغالب هو أن يكون التعويض بمقابل و بصفة خاصة في صورة نقدية لأن كل ضرر حتى الضرر الأدبي يمكن تقويمه بالنقد.
أن المشرع لا يميز في قيام المسؤولية المدنية للطبيب بين الخطأ العمدي و الغير عمدي و لا بين الخطأ الجسيم و اليسير فكل خطأ يرتب ضرر يوجب مسؤولية الطبيب و بالتبعية التعويض غير أنه لا يشكل مجرد إحتمال وقوع الضرر أساسا لطلب التعويض بل يلزم تحقق الضرر.
أن التأمين عن المسؤولية المدنية للطبيب يكتسي طابع الإلزام بصريح النصوص القانونية السالف ذكرها و هذا من شأنه أن يحقق التوازن بين طرفي المعادلة المتمثلة في حفظ حقوق المريض في التعويض عن الضرر اللاحق به من جراء خطأ الطبيب من جهة و من جهة أخرى إبعاد الأطباء عن شبح المسؤولية و تحمل التعويضات التي في الغالب ما تكون باهضة و هذا تشجيعا للتطور و البحث العلمي في المجال الطبي بما يخدم مصلحة الإنسانية.